الأحد، 6 يونيو 2010

Home – Accueil

TUNISNEWS

 10ème année, N°3666 du 06.06.2010

 archives : www.tunisnews.net

الحرية لسجين

 العشريتين الدكتور الصادق شورو

ولضحايا قانون الإرهاب


السبيل أونلاين:مستشار الرئيس التونسي والناطق الرئاسي يهاجم المعارضة

عماد الدائمي:هذه القرصنة من تلك …عمّار (1) وتسحّال (2) شركاء في العدوان ..

السبيل أونلاين:تونس..اطلاق سراح محمد الخلايفي ونقابة تشتكي من الاستهداف

قدس برس:تونس: منع شخصيات إسلامية من التظاهر تضامنا مع قافلة الحرية إلى غزة

كلمة:تأجيل المؤتمر التأسيسي لنقابة الكتاب التونسيين

عبد القادر الدردوري:من رابطي وطني إلى السيدين عبد الوهاب الباهي ومنصر الرويسي

ملف من إعداد الحوار.نت بمناسبة الذكرى29 للإعلان عن حركة النهضة

الحوار.نت:حوار مع القيادي الإسلامي المهندس حمادي الجبالي

الحوار.نت:حوار مع الشيخ راشد الغنوشي بمناسبة الذكرى 29 للإعلان عن حركة النهضة

العربي القاسمي :تعالى أخ الدّرب نضمّد جرحنا

عبدالحميد العدّاسي:عَلَيهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ

الشرق الأوسط:حزب بيئي يعارض مشروعا نوويا في تونس

كلمة:الفيج يطالب الجزيرة بتوضيح ظروف استقالة خمس صحفيات

الصباح:الوجه الآخر لأزمة اليورو :فرصة لانخفاض أسعار المستورد.. وعمالنا العائدون يتقشفون

سمير ساسي :المقاومة الثقافية والمدنية تقض مضاجع الصهاينة

   بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على قافلة الحرية

الصباح:بدعم من سلاح البحرية التركية:أردوغان يفكر في كسر حصار غزة بنفسه

المركز الفلسطيني للإعلام:عشر مبادرات عالمية لتسيير قوافل بحرية لغزة

منير شفيق:نهاية حصار قطاع غزة

محمد بن المختار الشنقيطي :دروس تركية للدول العربية

يوئيل ماركوس:العالم كله ضدنا..وأصبح يهدد وجودنا

ألوف بن:توصية صهيونية بإتمام الانفصال عن قطاع غزة لوقف العزلة الدولية

د. عبد الستار قاسم:الحرب وميزان القوى الجديد

بلال الحسن: »إسرائيل » في مواجهة العالم وموصومة بالعنصرية

ريما حلواني:أيها العرب لا تقتدوا بأردوغان!!


 Pour afficherlescaractèresarabes suivreladémarchesuivan : Affichage / Codage / ArabeWindows)Toread arabictext click on the View then Encoding then Arabic Windows)  


 منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس

أفريل 2010

https://www.tunisnews.net/23Mai10a.htm


مستشار الرئيس التونسي والناطق الرئاسي يهاجم المعارضة


 
السبيل أونلاين – تونس   هاجم وزير الدولة والمستشار الخاص للرئيس التونسي والناطق الرسمي باسم الرئاسة عبد العزيز بن ضياء المعارضة ، وذلك خلال ندوة للحزب الحاكم في مدينة القيروان 150 كيلومترا جنوب العاصمة.   ووصف بن ضياء معارضي النظام بـ »الماوئين » ، ونقلت عنه وكالة الأنباء التونسية الحكومية مساء السبت إن بعض العناصر القليلة المناوئة  » تجنح إلى التلاعب بمصالح البلاد ولا تتورع في الاستقواء بالأجنبي لمحاولة النيل من المصالح الحيوية للتونسيين » ، حسب زعمه .   وقال المستشار الخاص لبن علي : »هذه المحاولات اليائسة محكوم عليها بالفشل، لأن دعاوى أصحابها واهية ويفندها الواقع المعيش للتونسيين فى مختلف الجهات » ،مضيفا : « أن إفتراءات هؤلاء المناوئين وإدعاءاتهم باطلة »، حسب قوله .   وزعم بن ضياء أن تقارير الهيئات الدولية المختصة والمحايدة، تدحض هذه الإدعاءات، حيث صنفت تونس في المرتبة الثالثة عالميا في مجال حسن التصرف في الموارد العمومية.وأشار إلى أن ما شهدته البلاد من تطور منظومة حقوق الإنسان التي شملت كافة الميادين والفئات الاجتماعية، إلى جانب إنفتاحها على محيطها التقليمي، وما تحظى به من تقدير دولي، قال إنه « سيتوج بالإرتقاء إلى مرتبة الشريك المتقدم للإتحاد الأوروبي » ، وفق حديثه .   وفي أعقاب فشل الحكومة في 11 ماي الماضي في تحصيل « مرتبة الشريك المتقدم » مع الاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكاتها الواسعة لحقوق الانسان ، أقر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إضافة أحكام للفصل 61 مكرر من المجلة الجزائية « يعاقب بمقتضاها كل تونسي يتعمد ربط الاتصالات مع جهات أجنبية للتحريض على الإضرار بالمصالح الحيوية للبلاد التونسية وتعتبر مصالح حيوية للبلاد كل ما يتعلق بأمنها الاقتصادي »، وذلك لتجريم المعارضين واسكات اصواتهم المنددة بإنتهاكات السلطات للحقوق والحريات  .   وورد في التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية : »أن بن علي أعيد انتخابه لولاية خامسة في أكتوبر 2009 وسط أنباء عن فرض قيود على المناوئين السياسيين وعن قمع المعارضة » ، وأكد التقرير أن حرية التعبير وحرية الاجتماع وتكوين الجمعيات تخضع لقيود مشددة ، وتعرض بعض منتقدي الحكومة وبينهم صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء طلابيون للمضايقة والتهديد والمحاكمة. وأُدين مئات الأشخاص بتهم تتعلق بالإرهاب إثر محاكمات جائرة. واستمر ورود أنباء عن التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة، وتعرض السجناء لظروف قاسية في السجون.   وترفض السلطات التونسية أي رأي مخالف وتطلق يد جهاز البوليس لقمع معارضي سلطة بن على الذي يحتفظ بالرئاسة منذ 23 سنة . (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 06 جوان 2010)

هذه القرصنة من تلك … عمّار (1) وتسحّال (2) شركاء في العدوان ..


عماد الدائمي على اثر قرصنة موقع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية التونسي المعارض. اختلف الفاعلون والضحيّة وحجم القضية … ولكن الجرم واحد. قراصنة جبناء رغم تدجيجهم بأعتى السلاح اقتحموا تحت جناح الظلام أسطول الحرّية في المياه الدوليّة لوأد التضامن ومنع محبّي العدل والسلام من كسر الحصار الظالم المضروب على غزّة العزّة والاباء … وآخرون أشدّ منهم خساسة وجبنا مدّوا أيديهم الآثمة والمرتعشة، من خلف سُتر وأحجبة، ليقرصنوا أحد مواقع الحرّية في المجال الافتراضي الكوني، كما فعلوا ذلك ويفعلون في كل وقت وحين، من أجل وأد الكلمة الصادقة ومنع محبّي الحرّية والتغيير الحقيقي من كسر الحصار الإعلامي الغاشم المضروب على شعبنا مسلوب الكرامة والحرّية … قد يتمادى هؤلاء القراصنة وأولئك في غيّهم وسيتمادون … ولكنّهم مع كل قرصنة جديدة يقرّبون أنفسهم من نهايتهم الحتميّة البائسة. لأنّ من سنن الخلق وعِبر الزمان أن تعمى بصيرة القرصان في آخر عمره، وأن يشتدّ صلفه وطغيانه بالتمادي، حتّى يظنّ هو، وأغلبيّة ضحاياه، والأجوار والمتابعون والعالم أجمعون، أنّه قضاء مؤبّد لا مردّ له، لا فائدة ترجى من مقاومته ولا أمل في دحره .. وأنّه لا حلّ إلا في استرضائه أو تجنّبه لاتّقاء شرّه … عندئذ .. عند إستواء الحال، وإنهيار أمل الانعتاق، وتصاعد دعوات التطبيع مع الوضع، وإنتفاء الشروط الموضوعيّة والذاتيّة لتغييره … عندئذ علّمنا التاريخ أنّه تهُبّ من تحت الرماد قلّة متمرّدة ترفض الإذعان والتطبيع والواقعيّة .. وتدعو للصمود والمقاومة ونزع الشرعيّة .. وتُؤمن بقدرة ضحايا القرصنة على وقف العدوان وتحقيق المصير وصناعة غد أفضل. ستواجَه تلك الفئة أوّلا باستخفاف القرصان واستهزائه، ثمّ بنقمته وانتقامه. كما تواجَه بلامبالاة أغلبيّة الضحايا الفاقدين للأمل .. بل وبشكوك قطاع منهم واتّهاماتهم لها بالتنطّع والعنتريّة … عندئذ إن فهمت تلك القلّة واقعها واستجمعت قواها وعزائمها .. علّمتنا تجارب الأمم أنّ التاريخ يدخل حتما في حركة تصاعديّة: مقاومة متصاعدة تنتشر في المجتمع كبقعة الزيت تُوسّع كلّ يوم دوائر التعاطف معها في الوطن وخارجه. وفي المقابل قمع وقرصنة متزايدان، بهدف الانتقام ووأد المقاومة وكسر التضامن وتحطيم الأمل، يقلّصان كلّ يوم دوائر الحلفاء والمطبّعين وغير المكترثين … حركتان فيزيائيتان متقابلتان: تمدّد من ناحية وتقلّص من ناحية أخرى، توحيان بالنتيجة الطبيعيّة الحتميّة لصراع الأمم ضدّ قراصنتها. غير أنّ هذا التحليل الفيزيائي للأمور لا ينطبق على كيفيّة نهاية الصراع. حيث أنّه من دروس التاريخ المُدهشة أنّ تلك النهاية لم تكن يوما طبيعيّة أي بتطوّر موازين القوى حتّى التعادل، ثمّ تفوّق قوى المقاومة وتدهور القوّة المُقابلة تدريجيّا حتّى الانهيار. بل كانت نهاية القراصنة والطغاة دائما مفاجئة، بين عشيّة وضحاها، في أوج الجبروت، دون اعتبار لموازين القوى على أرض الواقع .. عند تلك النهاية ينفضّ عن القرصان الحلفاء والمطبّعون والمستفيدون والجنود المخلصون، ويجد نفسه وجها لوجه مع ضحاياه المطالِبين بعدالة الأرض قبل عدالة السماء. سيحفظ التّاريخ يومئذ كلّ من قاوم وناصر وتضامن .. ويحتفظ للعبرة بالقراصنة ومن والاهم وتبع خطاهم .. فهل من معتبر!! ***************************************** 1-    عمّار : هو الاسم الذي يُطلقه ناشطو حملة مقاومة الحجب والقرصنة في تونس على الرّقيب وبوليس الأنترنت 2-    تسحّال: هو اسم الدلع الذي يطلقه الاعلام الصهيوني وجزء من الاعلام الغربي على جيش الكيان الغاصب  


تونس..اطلاق سراح محمد الخلايفي ونقابة تشتكي من الاستهداف

 


السبيل أونلاين – تونس   اطلاق سراح محمد الخلايفي   أطلق سراح محمد الخلايفي أصيل الرديف وأوقف الخلايفي منذ يومين بتهمة « الإساءة لرموز الدولة  » عبر شبكة الانترنت . وعبرت « اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض ألمنجمي » عن ارتياحها لهذا الإفراج . وطالبت بالافراج العاجل عن حسن بن عبد الله، المحكوم بأربع سنوات وشهر ، وأيضا بقية مساجين الحوض ألمنجمي واسقاط التتبع ضد الصحفي الفاهم بوكدوس الذي سيمثل أمام محكمة الاستئناف في 22 جوان ، والناشط الحقوقي محي الدين شربيب المحكوم غيابيا بسنتين من اجل مساندته للحركة .   وسنّ عفو عام بحق قيادات الحركة الاجتماعية بالرديف، الذين أطلق سراحهم في نوفمبر الماضي كي يعودوا إلى سالف عملهم.   نقابة تشتكي من الاستهداف قالت النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالزهراء أنّ عملية الاستهداف التي ما انفكت تواجهها منذ السنة الدراسية المنقضية قد شهدت في الأيّام الأخيرة منحى جديدا نعتبره خطيرا ويتمثّل في محاولة الضغط على كاتبها العام السيّد سامي الزواري عبر التضييق عليه مهنيا.   وأكدت النقابة في بيان أن هذا الضغط اصبح هرسلة متواصلة تتناوب عليها الإدارة ومتفقد مادة الرياضيات صالح المرزوقي . وعددت بعض التجاوزات وهي :   – زيارة المتفقد يوم 10 ماي وصادف ذلك حصّة إنجاز فرض معلن وجاهز فطلب المتفقد مناقشة الفرض بتفاصيله وأقرّ بأنّه سيعتبر زيارته زيارة تفقدّ. تعود الزيارة الأخيرة لتاريخ: 4 ماي 2009. – زيارة المتفقد، في الغد، يوم 11 ماي. – بعد الدرس وأثناء النقاش عمد إلى الاستفزاز وتوتير الجو التربوي ولمّا وصل الأمر إلى الإهانة اضطرّ الأستاذ إلى الانسحاب رافضا الردّ على الاستفزازات. – الادارة الجهوية تستدعي الزميل وتدعوه إلى تبرير غيابات قديمة لأيّام بيداغوجية. – يوم 29 ماي وصول تقرير المتفقد وفي خاتمته أسند العدد : 08/20 أي بالحطّ من العدد بـ: 05 نقاط. – استدعاء جديد من الإدارة الجهوية ليوم 3 جوان ثم 5 جوان .   واعتبرت النقابة أن أنّ هذه الحملة لا تستهدف الأستاذ سامي الزواري بصفته الشخصية بل هي تستهدف الكاتب العام لنقابتنا الأساسية على خلفية مواقفه وأنشطته النقابية.وطالبت الأطراف المسؤولة عن هذه الحملة بإيقافها حالا وبكفّ الأذى وبإعادة الاعتبار لزميلنا. وأعلنت « استعدادنا التام للدفاع عن زميلنا بكلّ الوسائل المشروعة » ، وأهابت « بهياكلنا النقابية في كلّ مستوياتها، بالوقوف إلى جانب الحقّ النقابي والدفاع عن نقابتنا الأساسية » ، حسب نص البيان.   (المصدر : السبيل أونلاين (محجوب في تونس) ، بتاريخ 06 جوان 2010 )  

السبت 05 حزيران (يونيو) 2010 م تونس: منع شخصيات إسلامية من التظاهر تضامنا مع قافلة الحرية إلى غزة

 


تونس ـ خدمة قدس برس
قالت منظمة « حرية وإنصاف » الحقوقية في تونس إن السلطات التونسية منعت عددا من المساجين السياسيين السابقين من حركة النهضة من الانضمام إلى المظاهرة السلمية التي دعا لها الاتحاد العام التونسي للشغل للتضامن مع قافلة الحرية التي تعرضت لعدوان إسرائيلي وضربوا حصارا على منازل عدد كبير منهم وفرضوا عليهم رقابة لصيقة وأشعروهم منذ الصباح الباكر بأنهم ممنوعون من المشاركة في هذه المسيرة. وانتقدت « حرية وإنصاف » في بيان لها أرسلت نسخة منه لـ »قدس برس » منع مواطنين تونسيين من المشاركة في مظاهرة مفتوحة ومرخص لها، وقالت « تندد « حرية وإنصاف » بمنع المواطنين من المشاركة في مسيرة مفتوحة ومرخص فيها كما تندد بالاعتداء على بعض الناشطين النقابيين وتطالب بفسح المجال أمام كافة شرائح الشعب التونسي للتعبير عن غضبهم بطريقة سلمية. كما تدين مواصلة حصار المساجين السياسيين السابقين (المحكومين في قضايا حركة النهضة) وحرمانهم من حقهم في التعبير عن مساندتهم للشعب الفلسطيني ومنعهم من المشاركة في التنديد بالعدوان الآثم على أسطول الحرية »، على حد تعبير البيان. وذكر البيان مجموعة من الأسماء المعنية بعدم المشاركة في المظاهرة، ومنهم علي العريض والدكتور زياد الدولاتلي والناشط الحقوقي المهندس عبد الكريم الهاروني الكاتب العام لمنظمة حرية وإنصاف والناشط الحقوقي والنقابي السابق محمد القلوي عضو المكتب التنفيذي للمنظمة والصحبي عتيق والعجمي الوريمي والناشط الحقوقي عمر القرايدي عضو المكتب التنفيذي لمنظمة حرية وإنصاف الذي وقع إخراجه عنوة من داخل المسيرة، وقد شمل المنع أيضا وجوها أخرى من أعضاء المجتمع المدني منهم الناشط الحقوقي والإعلامي زهير مخلوف. وأضاف البيان إنه « رغم خلوّ المسيرة من حوادث العنف والتزام المشاركين بسلوك حضاري رفيع إلا أن عناصر البوليس السياسي قاموا بعد انتهاء المسيرة بالاعتداء بالعنف المبرح على العديد من النقابيين والنشطاء السياسيين نذكر من بينهم زهير المغزاوي ومحمد بن حامد عضوي النقابة العامة للتعليم الثانوي وعبد الجبار الرقيقي عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي وعادل الرحيمي (نقابي بالتعليم الابتدائي) والناشط الحقوقي عبد الحميد الصغير ». هذا وقد انتظمت بعد ظهر أمس الخميس (3/6) بالعاصمة تونس مسيرة حاشدة دعا لها الاتحاد العام التونسي للشغل انطلقت من أمام بورصة الشغل وجابت كامل شارع محمد الخامس، شارك فيها عدد كبير من النقابيين والطلبة.   (المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال (بريطانيا) بتاريخ 5 جوان 2010)


تأجيل المؤتمر التأسيسي لنقابة الكتاب التونسيين


حرر من قبل التحرير في السبت, 05. جوان 2010 علمنا أنه تم تأجيل المؤتمر التأسيسي لنقابة الكتاب التونسيين الذي كان مقررا عقده يوم 13 جوان الجاري إلى أجل لم يحدد، و تعود أسباب التأجيل حسب مصادر نقابية إلى  » مزيد فحص الانخراطات المقدمة من الكتاب قبل الإعلان الرسمي عن موعد المؤتمر. جدير بالذكر أن عريضة موازية لعريضة المطالبين بتأسيس النقابة كانت وجهت إلى المركزية النقابية تعتبر محاولة التأسيس انقلابا على الشرعية و مسا من هيبة الاتحاد كهيكل ثقافي، و اعتبرتها محاولة لخرق وحدة صف الكتاب.  كما وجهت في الغرض نفسه رسالة احتجاج من رئاسة الاتحاد إلى السيد عبد السلام جراد محذرة من النيل من وحدة الكتاب و المثقفين. وسارعت رئيسة الاتحاد الكاتبة جميلة الماجري إلى تفعيل عدد من الإجراءات من قبيل تشغيل عدد من الكتاب العاطلين و درس إمكانية دخولهم مختلف المهرجانات مجانا.
 
(المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 05 جوان 2010)


من رابطي وطني إلى السيدين عبد الوهاب الباهي ومنصر الرويسي

 


بعد التحية والإعراب عن تقديري الخاص اليكما على الصبر الطويل الذي ابديتماه ، أود أن تقبلا مني بعض التساؤلات الحائرة، راجيا منكما اعتباري واحدا، من المتحاورين، لكن من الشق الرابطي وليس من الشق الثاني، الذي دُعِي للإنشقاق,الإنقلاب، على الرابطة، وأقحم في خلافهم مع الرابطة، أطرافا أخرى غير رابطية وتتمثل في السلطة القضائية وبتدبير ومؤازرة ودعم من السلطة، التي كانت ترمي بتدخلها في شؤون الرابطة الداخلية إلى احتوائها وتدجينها مثل غيرها من المنضمات التي لا استقلالية لها: 1) ما الخلاف بين الرابطيين المتمسكين باستقلالية الرابطة، وبين المدعوّين إلى  » تشليك » هذه الإستقلالية وقتلها؟ دمج عدد من الفروع؟ ألم يصدر عن المؤتمر السابق توصية تخص هذا الدمج، والمؤتمر أعلى سلطة في الرابطة؟ طيب. لنفرض جدلا، أن هؤلاء جادون في مناقشة الدمج، وأعطوا لأنفسهم سلطة أقوى من سلطة المؤتمر، باعتبارهم لم يتمكنوا، لسبب ما، من مناقشة القضية، وأنهم أُخذوا على حين غرة، أو فاتتهم المناقشة، لنفترض ما يريدون افتراضهن ومهما كان، ألم يلتزموا باحترام القانون الأساسي والنظام الداخلي للرابطة، فلماذا تمردوا وانقلبوا ولم يلتزموا بهما، ولم يناقشوا بأفكارهم داخل الرابطة وليس خارجها، وبإدخال أطراف أخرى في النزاع، بطيفيةٍ أظهرتهم ألعوبة بيد السلطة تحركهم كما تشاء ووقتما تشاء؟ 2) نحن الرابطين المتمسكين بالرابطة، في فرع قليبية، ناقشنا قضية الدمج طويلا مع أعضاء من الهيئة المديرة، وأعطيناهم رأينا المتمثل في رفض الدمج، لكننا في آخر المطاف وافقنا على الدمج وذكرنا الهيئة المديرة بموقفنا هذا وأعلمناها بأننا نقبل الدمج مع المحافظة برأينا الرافض للدمج ومناقشته داخل المؤتمر القادم. قلنا هذا مع الإعتراف بأن قضية الدمج لم تدرس بعمق في المؤتمر السابق، بل نزعم أن أغلبية المؤتمرين لم تتوضح لهم هذه المسألة لأنها لم تُطرح بالتفصيل المقنع داخل المؤتمر وإنما ذُكرت بصفة عامة تحت عنوان » إعادة هيكلة الرابطة » وهو عنوان جذاب في عمومياته. لكن المؤتمرين مسؤولون عن كل اللوائح التي أصدروها ومن جملتها اللائحة المتضمنة قضية إعادة الهيكلة. ومع كل هذا فكلنا مسؤولون، ومسؤولياتنا هذه تحتم علينا تطبيق لوائح المؤتمر، ثم في المؤتمر التالي نطالب جميعا بإعادة مناقشة القضية. وكان على هؤلاء الإنقلابيين أن يطبقوا الدمج ثم يطالبون بإعادة مناقشته في المؤتمر القادم، لكنهم لم يفعلوا ذلك بل قاموا بالحملات الصحفية المناوئة للرابطة ورفعوا قضية إلى المحكمة، وتناسوا القانون الأساسي والنظام الداخلي للرابطة، وساهموا في تعطيل الرابطة ومنعها من القيام بنشاطها بمحاصرة مقراتها بوليسيا دون أن تتمكن الرابطة من تسلم أمر كتابي في هذه المحاصرة الإستبدادية الظالمة. 3) وأعود إليكما أيها السيدين الفاضلين لأسأل: ما هو دوركما بالضبط؟ وماذا تمثلان؟ واذا كنت، يا سي الباهي تمثل الحياد فما هو تصورك للحياد؟ هل هو حياد سلبي أم إيجابي؟ وإذا كنت يا سي منصر تمثل السلطة فهل كنت تقدم موقف السلطة، أم تتماشى مع الإنقلابيين؟ أم كان حضوركما للحضور والإستماع فقط، أم ماذا؟ وهل تدخلتما للتذكير، والتوجيه وتسجيل ما لهذا وذاك؟ وماذا استخلصتما في نهاية هذه الحوارات؟وما هو رأيكما فيما ألمح إليه السيد بن يونس من تهديدات، وما أظهره من تراجع صريح وواضح عما تم الإتفاق عليه بين الشقين في جلسات الحوار وما قاله في ندوته الصحفية التي عقدها يوم 03 جوان 2010، مع العلم أن ذلك الإتفاق المشار إليه قد تم يوم الخميس 21 ماي 2010، وكتب نصه السيد عبد الوهاب الباهي بخط يده ووقع عليه، رغم أن ما اتُّفِق علية ليلا، لم تكد شمسُ الغد تشرق عليه حتى ذاب وامّحى، مجسّما ما عبّر عنه المثل التونسي » كلام الليل مدهون بالزبدة؟ ألستما معي في أن السيد بن يونس واثق من وضْعه، وموضعه، كثيرا، بين السلطتين التنفيذية والقضائية ، ومالئا يديه،من نفوذهما كثيرا ، فتكلم  » مِن العَشرة وافي » بأن حارسا قضائيا سينتصب على الرابطة، وجعل يُعيّنه من الآن متمثلا في الهيئة المديرة السابقة، وكأنه الفاتق الراتق في الرابطة، وفيما يصلح لها، وكل ذلك كان منه بمنطق ديكتاتوري ،وعقلية إنقلابية، غير معترف بالقواعد الرابطية ولا بالقانون الأساس ، والداخلي، للرابطة. وفي الختام: هل تسمحان لي بسؤال أخير » ماذا لو أن السيبد مختار الطريفي رئيس الرابطة دعا إلى عقد ندوة صحفية. هل يُسمح له بها؟ إذن: أين تتنزل الندوة الصحفية للسيد بن يونس؟
– عبد القادر الدردوري. رابطي من قليبية


ملف من إعداد الحوار.نت بمناسبة الذكرى29 للإعلان عن حركة النهضة

 


1 – مقدمة الملف. تتقدم أسرة الحوار.نت بهذه المناسبة إلى حركة النهضة بأطيب التهاني سائلين المولى الكريم سبحانه أن يمن على رئيسها الأسبق الدكتور الصادق شورو بالفرج العاجل من سجنه الذي يقبع فيه منذ عام 1991 وعلى شهدائها بالشفاعة يوم القيامة فيمن أذن الله لهم بشفاعة الشافعين وعلى منفييها بالعودة الكريمة الآمنة القريبة وعلى أبنائها المحاصرين في السجن الكبير داخل البلاد بالحرية والكرامة والمواطنة وعلى تونس بالديمقراطية ووحدة الصف والرخاء والأمن وعلى الأمة قاطبة جمعاء بالمقاومة لتحرير الأرض المحتلة في فلسطين والتقدم على درب مقاومة الاستبداد والفساد والتأهل لمقام الشهادة على الناس تخليصا لهم من جور الأديان بعدل الإسلام وضيق الدنيا بسعة الآخرة ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده سبحانه.. لماذا يعد « الحوار.نت » ملفا عن حركة النهضة؟ أ ــ لأنّ حركة النهضة تيار إسلامي ديمقراطي وطني يتعرض لقمع متلاحق متزايد من لدن السلطة التونسية على امتداد أربعة عقود كاملة وإنما جاء الحوار.نت محاولة إعلامية إلكترونية وشعاره: كلمة حرة.. وليس من الحرية في شيء نبذ الانتصار إعلاميا لأي فصيل ـ في الأمة عامة وفي تونس والمغرب العربي خاصة ـ يتبنى العمل المدني السلمي الديمقراطي لعرض بضاعته الفكرية ورؤيته السياسية على الناس فإذا كان ذلك الفصيل محل ملاحقة وسجن وتشريد وتشويه فإنّ رسالة الحوار.نت هي هناك. رسالة لا تجاوز هناك قيد أنملة. ب ــ لأنّ حركة النهضة مكون أساسي من مكونات الصحوة الإسلامية المعاصرة من جهة العمل على تجاوز منطقة التبعية والدونية في وجه القوى الخارجية المتنفذة بقهر الاحتلال العسكري تارة وبتبرج التفوق المالي تارة أخرى فضلا عن استخلاص الأمة لهويتها الإسلامية استخلاصا يمكنها من أن تشيد لها موقعا آمنا تحت الشمس وفوق الأرض ومن جهة أخرى فإنّ حركة النهضة مكوّن أساسي من مكونات تونس الحديثة. مكوّن يتمتع بشرعية الانتماء إلى الهوية الوطنية لتونس (العروبة والإسلام ومبادئ الجمهورية) بمثل ما يتمتع بشرعية النضال ضد الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي على امتداد أربعة عقود كاملة. بمثل ما يتمتع بشرعية الصبر الجميل والطويل على طريق أداء ضريبة مقاومة الفساد سجنا وتشريدا وقتلا وتجويعا وتشويها.وليس من الحرية في شيء أن يلوذ الحوار.نت بالصمت حيال كيان يتمتع بكل تلك الشرعيات وهو مكون تونسي أصيل بوفائه لهوية البلاد ثقافيا وسياسيا واجتماعيا وقوميا. ج ــ لأنّ المساهمة في الكشف عن تاريخ تونس الحديث بمختلف مكوناته عمل يصب في رسالة الكلمة الحرة للحوار.نت. تاريخ تونس الحديث لم يصنعه « المجاهد الأكبر » وحده ولا الحزب الدستوري الحر ولا الحزب المنقلب عليه فضلا عن عصابة النهب والسلب والفساد التي قادت انقلاب 1987.. تاريخ تونس الحديث صنيعة عوامل كثيرة للحركة الإسلامية المعاصرة في تونس نصيبها غير المنكور فيه. تلك رسالة الإعلام الحر حيال التاريخ وشهادة على الحاضر وتأدية للأمانة إلى الأجيال القابلة. 2 – حوارات متنوّعة
 أ – حوار مطوّل  ينشر حصريا على الحوا.نت مع الشيخ راشد الغنوشي رئيس الحركة. ب – حوار مع  القيادي الإسلامي  المهندس حمادي الجبالي حصريا على الحوار نت تجدون الحوارات مباشرة بعد هذه المقدمة (المصدر: موقع « الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 6 جوان 2010)  

حوار مع القيادي الإسلامي المهندس حمادي الجبالي

 


بسم  الله  الرحمن  الرحيم يسعدنا أن نقدّم إلى السادة والسيدات قرّاء الحوار نت هذا الحوار الشّيق مع القيادي الإسلامي المهندس حمادي الجبالي.  
 من هو الأستاذ حمادي الجبالي؟ تونسي متزوج وأب لــ (ثلاث بنات)، مهندس طاقة، متخرج من فرنسا. برز اسمه في سماء الحياة السياسية في تونس لأول مرة يوم 19 جانفي ـ يناير كانون الثاني ـ من عام 1983 وذلك ضمن بيان لحركة الاتجاه الإسلامي (النهضة حاليا) ممضى باسمه بصفته أمينا عاما لتلك الحركة ويتضمن البيان الذي جاء بعنوان « تشكيل المكتب التنفيذي الجديد للحركة » تركيبة قيادة الحركة مكونة من ثلاثة أسماء إضافة إلى الأمين العام  
.تحمل الأستاذ حمادي الجبالي مسؤولية قيادة الحركة بعد إيواء السجون للقيادة التاريخية في صائفة عام 1981. كان الأستاذ الجبالي يساهم من مواقع التخفي والنفي بما تيسر له من كتابات وتصريحات ذابا عن الإسلام وحركته محاولا صياغة بطاقة هوية مناسبة للحركة تجمع بين الأصالة والتجديد. وإن نسي المرء شيئا من ذلك فلن ينسى مداخلة كتابية على غاية كبيرة من الدقة والإحاطة أدلى بها إلى مجلة « المغرب العربي » التي يديرها الإعلامي عمر صحابو. بل ما زلت أذكر أول كلمة فيها تقول « أنا القيادي الإسلامي المشرد »… ثم ما لبث أن عاجلته محنة شتاء 1987 فلجأ إلى سالف عيشه بين التخفي والنفي وحكم عليه غيابيا بالإعدام شنقا من محكمة أمن الدولة. بين الحقيقة والخيال: مما لن أنساه ما حييت بعضا مما كان ينقل إلينا بين سجن 9 أفريل وبين محكمة أمن الدولة التي دامت شهرا كاملا. تهافتت وسائل الإعلام الدولية في ذلك الوقت من كل صوب وحدب على الأستاذ الجبالي الذي كان يغطي المحاكمة سياسيا وحقوقيا فحولها بفضل الله سبحانه محاكمة لبورقيبه ونظامه العجوز. كان ينقل إلينا يومها بأنّ الأستاذ الجبالي دوخ جيشا لجبا من البوليس السري والعلني الذي يبحث عنه في طول البلاد وعرضها بسبب أنه كلما حوصر في أثناء إدلائه بتصريح لوكالة إعلامية دولية تحول بسرعة البرق إلى ناحية أخرى ليلتقط وكالة أخرى ويبث تصريحا جديدا. سرى ذلك في صفوف قطاعات واسعة على أساس أنّ الأمر يجري وفق خوارق خاصة ليست من طبيعة البشر. لجأ الأستاذ الجبالي مجددا إلى مرافئ الأمن في أوروبا بعد ما ضاقت به البلاد أو بالأحرى أخلاق « الرجال » على حد قول الشاعر. ثم رجع صحبة عدد من رفاقه معترضا لدى القضاء على الحكم الصادر ضده وذلك بعد أن دخلت البلاد في عهد جديد غاب فيه بورقيبة لأول مرة منذ ثلاثة عقود ونيف عن طريق الانقلاب « الأبيض » ضده. الجبالي وجريدة « الفجر »: أسس الأستاذ الجبالي مجلة « الفجر » وتولى إدارتها وتجرع أنهارا من العذابات لتأذن السلطة بإصدارها بعد أن أذنت بالترخيص لها وظل يصارع موت جريدته المفروض من السلطة ويفرح بانتشارها بين الناس انتشار أشعة الشمس متسللة من حجب الغيوم المتلبدة. كنت متعهدا للجريدة في ولايتي مدنين وتطاوين بما يجعلني مدركا لذلك الصراع بين السلطة وبين الشعب. ثم دفنت الجريدة حية وبدأ عهد جديد اسمه: « عهد تجفيف منابع التدين » واستضيف الأستاذ الجبالي إلى « النزل الفخمة » ليقيم في أقبيتها عقدا كاملا ونصفا. وماتت السياسة في تونس لأول مرة كما قال بحق الأستاذ حيدر. وأرخت ليالي الظلم سدولها السوداء على البلاد. والله وحده يعلم كم خسرت تونس بانحطاط قيم الحرية والعدل.  
هذه الفقرات من مقدمة حوار أجراه الشيخ الهادي بريك لفائدة الحوار نت ونشر يوم 03/12/2006  

 نصّ الحوار  

بسم الله الرحمان الرحيم  1 – الحوار نت: يطيب لأسرة الحوار.نت أن تزف إليك وإلى من معك من أهل وأحبة وإخوان بمناسبة الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة الاتجاه الإسلامي في يوم السادس من حزيران يونيو 1981 أطيب الكلام وأحر السلام.  
المهندس حمّادي الجبالي: شكرا للإخوة في « الحوار نت » وشكرا للإخوة في كل المواقع والمنابر الإلكترونية الذين حملوا رسالة الكلمة ومسؤولية التنوير.. وأسأل الله أن يجازيهم خير الجزاء.
لا يمكن في هذه المناسبة إلاّ أن نبادر بالترحّم على عدد من صنّاعها شهادة من أمثال الأستاذين عبدالرّؤوف العريبي وسحنون الجوهري أو وفاة ممّن فارقونا من أمثال المشائخ الروّاد: محمّد الصالح النّيفر وعبدالقادر سلامة وضو صويد، وإلاّ أن نتوجّه بخالص التحيّة والتهنئة إلى بقيّة الفرسان من جيل التأسيس وعلى رأسهم شيخنا عبدالوهّاب الكافي وشيخنا السّجين الصّادق شورو، وإلى كلّ من ساهم في وضع ذلك الحدث، أو ساهم في وضع لبنة في صرح النّهضة، مهما كان موقعه اليوم وإلى كلّ من واصل ويواصل المسيرة من العاملين الصّامدين المحتسبين في كلّ مكان، وخاصّة الصّابرين على محنة التّهجير، نسأل الله أن ييسّر اجتماعنا، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم.  2 – الحوار نت: هل تغلبت الحركة على محنتها الأخيرة التي شلتها بالتمام والكمال كما يقول المراقبون للشأن التونسي أم أنّ الحركة كما يقول آخرون أصبحت في طي النسيان وفي حكم الماضي؟….
المهندس حمّادي الجبالي: الحركات السّياسية كيانات حيّة تسري عليها في نشوئها، ونموّها أو ضمورها، وتجدّدها أو تكلّسها، واستمرارها أو زوالها قوانين العمران البشري وسنن التغيير الاجتماعي. إنّها تكتسب مشروعيّتها أوّلا من مدى الحاجة المجتمعيّة إليها.
حركة النّهضة، وعاء ومشرع. تطوّر المشروع في مضامينه وتنوّع أبعاده وفقا لتطوّر وعي روّاده في تفاعل مبدع مع نسق تطوّر الأوضاع في البلاد، وتكيّف الوعاء، بمرونة لافتة، مع هذه الحركة المضمونية…
في تعريف مختصر فإنّ حركة النّهضة حاملة لمشروع حضاريّ على أساس « تصوّر الإسلام يكون من الشّمول بحيث يشكّل الأرضية العقائديّة التي منها تنبثق مختلف الرّؤى الفكريّة والاختيارات السّياسيّة والاقتصادية والاجتماعية التي تحدّد هويّة هذه الحركة، وتضبط توجّهاتها الاستراتيجيّة ومواقفها الظّرفية » أمّا من حيث الوظيفة والدور فهي حركة إحياء قيمي يتّجه بالإصلاح للمجتمع والسّياسة، أي أنّها حركة إصلاح مجتمعي وتوازن سياسيّ تتصدّى لتصحيح التصوّرات وتقويم الأخلاق وتناضل من أجل التمكين لقيم الحرّية والعدالة الاجتماعية في إطار ينطلق من المحلّ التونسي ويجذّره في محيطه الحضاريّ مع تفاعل حيّ ومتوازن مع العصر…فلم يكن تبعا لذلك اختيار اسم النهضة اعتباطيّا بل كان نتيجة لتشخيص دقيق للمرحلة وحاجاتها كما كان إعلانا على الانخراط الواعي في مستلزماتها… لذلك نعيد السّؤال حول انتهاء النّهضة، أو استمرار وجودها صياغة جديدة ليصبح السّؤال هو التّالي: هل ما زالت بلادنا في حاجة لمشروع حضاريّ يجذّر مطالب الحريّة والعدالة الاجتماعية في أرضيّتنا الثقافية وينفتح على الأمّة والعصر؟ هذا هو السّؤال الحقيقي…
تجارب التّاريخ تظهر أنّ الثقافة – روح الأمم – أقوى من الإجراءات الإداريّة والسّياسات الأمنيّة والمعالجات القضائية كما تظهر أنّ المعالجات النخبويّة الفوقيّة لهويّات الشعوب قد تحقّق مكاسب ظرفيّة ولكن سرعان ما يرتدّ عليها العمق الثّقافي.
المفروض أن يعبّر القانون وينظّم العلاقة بين القوى المجتمعيّة الحقيقيّة، أمّا أن يتجاهل الواقع أو أن يتحايل عليه ويسعى إلى الصّياغة المنفردة للمستقبل فتلك محاولات تعرف مآلاتها وليس المثال التّركي إلاّ آخر الدّروس وفيه آيات للمتبصّرين…
إن كان في بلادنا من حاجة إلى مثل مشروع النّهضة وإلى مثل ما قامت به من أدوار – ولا يراودني في ذلك شكّ – فسيبدع مجتمعنا من المضامين والصّيغ ما يكفل للمشروع مزيدا من البلورة والفاعليّة، أمّا إن زالت مبرّرات مثل ذلك المشروع فلن تفلح محاولات الإنعاش والتّنفيس الإصطناعي وإن تنوّعت وتعدّدت.    3 – الحوار نت: ما هو تحليلك للوضع الدولي العام والعربي والإسلامي وبخاصة التونسي منه وهل أنّ الحركة مازالت في طور البحث عن مصالحة مع نظام ابن علي أم أنها تستأمن الصحوة الجديدة على مشروعها الإصلاحي الديمقراطي الذي بدأته عام 1981 بولوج العمل السياسي؟
 المهندس حمّادي الجبالي: لا يمكن التّطرّق لتحليل الأوضاع الدّولية دون الانتباه لسلطة مجموعة من العوامل الأساسية التي تعاظمت وتداخلت تأثيراتها خاصّة في العقد الأخير (الإعلام / شبكات التكنولوجيات الحديثة / العامل الاقتصادي / المجتمع المدني الدّولي / العامل الثقافي / العامل الجيواستراتيجي). العالم أصبح قرية، بل بيتا من زجاج، لا تخفى فيه خافية، العلاقة بين مكوّناته معقّدة، بحثا عن السّيطرة، ضمن مخاض وتدافع لا يتوقفان.
كانت الأوضاع العالميّة قبيل تفجيرات سبتمبر 2001 تتّجه إلى تبلور وضع دولي جديد فيه أقدار من الاستقرار… التفجيرات أربكت المشهد برمّته، بتورّط القوّة العالميّة الأساسيّة في حربي أفغانستان والعراق بما أثقل كواهلها المادية وهزّ أرصدتها الأخلاقيّة هزّا وأضعف قدرتها على القيادة العالميّة…
إنّ المتتبّع للواقع العالميّ لا يمكن إلاّ أن يستدعي التّاريخ، وأحد قوانينه في تداول الأيّام بين الشعوب والثقافات: « وتلك الأيّام نداولها بين النّاس » لا زلنا نعيش عصر الحضارة الغربيّة وندرك أنّ منظومتها تؤثّر بل تكيّف أنماط الحياة والمرجعيّات القيميّة في كلّ العالم. هي حضارة لها مظاهر قوّتها وتفوّقها الكثيرة، وبدأت تبرز مظاهر ضعف في أرصدتها القيميّة وفي قدرتها على التّحكّم – لا تخفى على حكمائها – وإن أنكرها ظلما وعلوّا حكّامها… الأوضاع في حالة حراك، سمتها التّوازنات الهشّة المؤقّتة والصّراع من أجل إعادة توزيع القوّة في الخارطة العالمية، فتبرز قوى ـ غير غربية ـ تختلف مصادر قوّتها ومدى قدرتها على التأثير.
ضمن هذا المشهد العامّ نلاحظ حالة مخاض في الأمّة، وإرهاصات تشكّل وضع جديد تساهم فيه روافد متعدّدة ومن مواقع مختلفة ( دول / حركات مقاومة / حركات مشاركة في الحكم / حركات معارضة / حركات مضطهدة) بل إنّ التّململ على الصّعيد الدّولي ساهم في بروز ونموّ جماعات رافضة لمجمل المنظومة. هذا المخاض الواعد داخل الأمّة يواجه تحدّيات داخليّة متمثّلة في عوامل الشّدّ التي ورثتها من تاريخها وأخطرها ثقافة الانحطاط ومتمثّلة في عوامل الكبح السلطانية كما يواجه تحديات خارجية مصدرها القوى الغربية التي لا يمكن أن تضمن استمرار هيمنتها إلا بعرقلة كل مشاريع النهوض المستقل. وبالتأكيد توجد علاقة تعاضد بين التحديين: يوجد تواطؤ بين الانحطاط والاستبداد من جهة وبين التبعية والإلحاق من جهة أخرى.
 إنّ الدولة الديمقراطية هي التي تعبر عن إرادة شعبها وثقافته وهي التي تضع مصالحه فوق كل اعتبار ومن ثم فهي الدولة المستقلة حقيقة وبما أنّ القوى الغربية المؤثرة لا تقبل أن تصبح الدولة في فضائنا العربي الإسلامي قاطرة البناء الحضاري المستقل فإنها تدعم كل قوى الاستبداد والإلحاق.
إنّ خيارها هو الثاني: الاستقرار المستند إلى الاستبداد ولو كان هشا خير من استقرار حقيقي يفضي إلى مسار إصلاح جاد ولكن غير مضمون النتائج لضمان مصالحها. ومن جهتها فإن القوى المستفيدة من استمرار الأوضاع لا تستنكف من تقديم كل الخدمات والتنازلات التي تكفل استمرار الدعم الدولي لها للتفصي من القيام بإصلاحات حقيقية.
أما في بلادنا فلا شك أنها قد خرجت من نفق عقد التسعينيات المظلم وأنّ المجتمعين المدني والسياسي يشهدان شيئا من الحيوية والحركية ورممت العلاقات بين العديد من الفاعلين منهما. كما أنّ المجتمع يشهد حالة دينية متنوعة المصادر والتوجهات غير أنّ هناك سمات يتفق عليها معظم المراقبين لتوصيف الأوضاع وأهمية استمرار نهج الانغلاق في تعامل الحكم مع شؤون البلاد وملفاتها الأساسية نتيجة لتغول الدولة وسيطرة العقلية الأمنية وكل ذلك نتيجة بدوره لاختلال مشط في موازين القوى بين الدولة والمجتمع مما أشاع اللامبالاة والاستقالة في أوساط النخب وعموم الناس وخاصة الفئات الشبابية. إنّ أخطر الأخطار التي تهدد مجتمعنا هو استمرار سيطرة وباء الخوف وهيمنة منظومة الاستبداد على كل مظاهر الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ولا سبيل للخروج من هذه الأوضاع إلا بمسار نضالي جاد ورصين في نفس الوقت ومتنوع المداخل والمسالك. وقد لا يكون مفيدا لا سليما حصر خيارات مسيرة انعتاق المجتمع في قوالب مستقل بعضها عن بعض إذ الأوضاع أعقد من أن تستوعبها ثنائيات متمايزة. أما بشأن موضوع المصالحة الوطنية فلا أحد ينكر وجود فجوة بين الدولة ومجتمعها وجفوة بين السلطة وأطراف كثيرة من معارضيها وغربة لقطاعات من النخبة السياسية والفكرية عن واقع شعبها ولا أحد يهون من شأن التحديات التي تواجه بلادنا وبعضها مرشح لمزيد من التعقيد. وهذه كلها دواع تؤكد إلحاحية مطلب المصالحة وتبين اتساع مدلولها وتعدد الدوائر المعنية بها فهي أوسع من أن تكون صفقة ثنائية أو ترميما لعلاقة بين طرفين. أما بخصوص المصالحة بين السلطة والنهضة فلا أحد يمكنه التشكيك في استعداد الحركة وقابليتها لها بل وترحيبها بها وهي التي لا تفوت فرصة دون التأكيد أنّ تشريك كل فئات ونخب الشعب أفضل طريق لمجابهة التحديات الجسام التي تواجه البلاد. غير أنّ إنجاز هذه المصالحة أو حتى الشروع فيها يتطلب ثقافة سياسية جديدة من مقوماتها التعايش بدل التنافي والإدماج بدل الإقصاء والإقرار في القانون والواقع بحق الجميع في الاجتهاد والاقتراح وتساويهم في حب الوطن والانتساب إليه والانطلاق من المصالح العليا للبلاد لا مصالح أي حزب أو فئة أو جهة. كيف تترسخ هذه الثقافة الجديدة؟ تلك هي المسألة. 4 – الحوار نت: ما هو موقفك ـ وربما موقف إخوانك ومن معك هناك ـ من عودة بعض رموز الحركة إلى الداخل من مثل الدكتور عبد المجيد النجار؟ هل هو تعدد لمسارات الإصلاح أو هو إنقاذ للحركة أو هي هدية بالمجان لنظام ابن علي أو هو انشقاق داخلي أو هو انشقاق مرتب له؟
 المهندس حمّادي الجبالي: مررت شخصيا بمحنة التهجير وأدرك جيدا رغم قصر المدة واختلاف الظروف ما تعنيه.أما في السياق الحالي فتغيب عني كثير من تفاصيل هذا الموضوع ولذلك لا يمكنني إلا التأكيد على مجموعة من المبادئ الكبرى:
 أولا: استمرار حرمان آلاف التونسيين من بلادهم لمدة عقدين معرة لا تليق بسمعة البلاد وتضر بمصالحها.  ثانيا: محبة الأوطان والحنين إليها والرغبة في العودة إليها حاجة فطرية إنسانية ثابتة.  ثالثا: الاستقرار الآمن في الأوطان وحرية التنقل فيها ومنها وإليها حق لا يجوز إخضاعه للابتزاز والمساومات.  رابعا: العلاقة بين الإخوان يجب أن تكون مبنية على الثقة والشفافية واحترام المتفق عليه إلى حين تغييره عند الإقتضاء والمؤمنون عند عهودهم.  خامسا: لا ضير من الاختلاف في وجهات النظر بل هو دليل حيوية وإحساس بالمسؤولية متى روعيت حقوق الأخوة وآداب التعايش وأرصدتنا الأخلاقية عند التعبير عن هذا الاختلاف.  فمسألة العودة ـ على أهميتها ـ مسألة جزئية ولا يمكن بحال القبول أن تبدد أرصدتنا الأخلاقية وأن تسمم المناخات وتوتر العلاقات. ومن جهة أخرى لا أرى انشقاقا يهدد الحركة وما أظننا أننا نعجز عن إدارة الحوار بيننا في عظيم الأمور وفي صغيرها وأن نتواضع لما تفضي إليه شورانا ولا أرى سياقا جادا ومنتظما لطي ملف معرة التهجيز بل هو استمرار على نهج معالجة الملفات السياسية والحقوقية المهمة بأسلوب الجرعات الموظفة للتنفيس. آمل أن تزال الحواجز بين التونسيين وأرضهم وأن تتاح لكل مهجر عودة آمنة كريمة ولكل مواطن حرية التنقل وأن يتم التخلي عن أساليب الابتزاز والمساومة المهينة للكرامة. 5 – الحوار نت: كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن معركة الخلافة بعد ابن علي بين بعض أصهاره والعائلة المالكة من جهة وبين بعض رموز الحكم الظاهرين أو المستترين من جهة أخرى.. كيف ينظر المهندس حمادي للمسألة وما هو موقع المشروع الإسلامي الديمقراطي المعاصر في تلك المعركة.. هل ينحاز إلى هذا أو إلى ذاك أو هو حبيس الشلل وسجين الفرجة؟
 المهندس حمّادي الجبالي: في أوطاننا العربية الكثير من المفارقات: ففي حين تجتاحنا قيم مجتمع الاستهلاك فتتنمط أذواق الناس وسلوكاتهم وأزياؤهم تترسخ غربة النظام السياسي العربي عن قيم العصر ومزاجه والثقافة السياسية التي تأخذ أبعادا كونية. ففي حين تنخرط أعداد متزايدة من الشعوب وتنعم ببركات الحكم الرشيد وتتواضع على قيمة الكرامة البشرية تشهد أوضاعنا نكوصا وردة عن بعض ما تحقق. كنا نعد إرساء الجمهوريات خطوة إلى الأمام وهي كذلك وها هي ثقافة وتقاليد عصور الانحطاط تريد التشويش على هذا المكسب بل حتى الالتفاف عليه وسحبه مما أفرز وصفا عجيبا يجتهد المراقبون في نحت المصطلحات المعبرة عنه من مثل « العائلات الجمهورية » و »الجمهوريات الملكية » و « الاستبداد الديمقراطي » و « الأنظمة التسلطية الانتخابية »..
ومن المضحكات المبكيات أن نجد خمسة من الجمهوريات العربية لا ينشغل جهاز الحكم فيها اليوم إلا بتمهيد الطريق أمام توريث سلس ولا تنشغل نخبها السياسية المناضلة إلا بالبحث عن أنجع السبل للتصدي لهذه الفضيحة الجديدة. في بلادنا ولغياب تعامل شفاف مع الشأن العام وإعلام مسؤول يبين حقائق الأمور تروج داخل النخب وفي الأوساط الشعبية إشاعات كثيرة عن مرشحين وصفقات نأمل أن تكون من نسج الخيال. وفي كل الحالات لا يليق بسمعة بلادنا ولا بتاريخ نخبتنا ولا بنضج شعبنا أن تفكر جهة في إمكانية أن تدار شؤونه بعيدا عن إرادته الحرة وأن يبقى متخلفا عن مزاج العصر. إنّ مجرد التفكير في إمكانية التوريث في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين خطوة أكثر شناعة من إقرار الرئاسة مدى الحياة أواسط سبعينيات القرن الماضي.  6 – الحوار نت: هل تروي لقرائنا طرفة واحدة على الأقل من حياتك في السجن وواحدة أخرى على الأقل من حياتك في الحركة قبل السجن أو بعد السجن أو في المهجر.. طرف معبرة في أي اتجاه تريد..
المهندس حمّادي الجبالي: أكتفي بطرفة واحدة تبكي أو تضحك حسب زاوية النظر. كنت سنة 2003 في عزلة انفرادية مغلظة في سجن صفاقس ولم يكن لدينا من وسائل الإعلام إلا بعض صحف نشتريها وتمن بها الإدارة علينا منا. كنا نقرأ تلك الصحف من حرفنا الأول حتى حرفها الأخير. قرأت حينها مقالا عن نية البرلمان الإيطالي مناقشة قانون يحمي رئيس الوزراء برلسكوني حينها من ملاحقات قضائية لتجاوزات اشتبه بارتكابها. سطرت في المقال على كلمة (حصانة immunite). بعد أيام عثر أحد الأعوان على الصحيفة واسترعى انتباهه السطر تحت الكلمة فأرسل بكل ضمير مهني المقال إلى الدوائر المعنية فتجشمت فرقة من أمن الدولة القدوم مباشرة من تونس لاستجوابي حول المقال وحول سر اهتمامي بذلك الموضوع وبتلك الكلمة.  7 – الحوار نت: مهندس حمادي.. ذكرى السادس من جوان: بماذا توحي إليك وما هي الرسالة بمناسبتها إلى أبناء الحركة في الداخل والخارج أو إلى السلطة إن شئت أو إلى المعارضة والنخبة أو إلى أي طرف آخر..
المهندس حمّادي الجبالي: أجدد التحية لكل الشهداء والمناضلين وللشيخ الصابر الصادق شورو ولزعيم الحركة الشيخ راشد ولكل العاملين في كل المواقع وإلى شركاء الوطن عسى أن نلتقي على أرضية مشتركة إذ أنّ الممارسة العملية تقرب الفرقاء وتزيل سوء الفهم فضلا عن القناعة بإمكان تعدد الحلول للمشكل الواحد وتنوع المداخل لمعاجلة قضايا التغيير والإصلاح في بلادنا: فالعدالة الاجتماعية مدخل والليبرالية السياسية مدخل وحقوق المرأة مدخل وحقوق الإنسان مدخل والثقافة والتربية مدخل والوحدة المغاربية والعربية مدخل ولا ضير في أن تختلف درجات تركيز فرق الإصلاح والتغيير على هذا العنصر أو ذاك. في ذكرى التأسيس لي قول في بيان التأسيس: كلما قرأت ذلك البيان تأكد أنه ولد كبيرا لا لأنه تضمن حلولا لما قد يطرحه المستقبل من مشكلات بل لأنه أشر على منهج جديد في الاجتهاد والفهم يؤلف بجرأة بين الأصل والعصر ومنهج جديد في العمل يبحث عما يجمع أكثر من بحثه عما يفرق وتلك هي بعض معاني بيان التأسيس التي تثبت الأيام جدواها.  مع دعائي بالتوفيق. 8 – الحوار نت:: مهندس حمادي.. شكرا جزيلا على قبولك إجراء حوار معنا وحتى نلتقي في مناسبات قابلة تفضل بتلقي أطيب الكلام وأحر السلام. (المصدر: موقع « الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 6 جوان 2010)  

حوار مع الشيخ راشد الغنوشي بمناسبة الذكرى 29 للإعلان عن حركة النهضة

 


بسم الله الرحمن الرحيم بمناسبة احتفال حركة النهضة التونسية بالذكرى 29 للإعلان عنها يسعدنا أن نقدّم لقرّاء الحوار نت هذا الحوار المطوّل مع رئيس الحركة.  
من هو الشيخ راشدالغنوشي؟
ــ ولد سنة 1941 بالحامة بالجمهورية التونسية. ــ تحصل عام 62 على شهادة التحصيل ـ شهادة علمية تسندها جامعة الزيتونة تعادل شهادة الباكالوريا حديثا ـ . ــ تحول إلى القاهرة وسجل بكلية الزراعة عام 64. ــ نشب الخلاف الناصري البورقيبي المعروف فطرد الطلبة التونسيون ومنهم الغنوشي. ــ تحول إلى دمشق بسوريا ودرس الفلسفة بها عام 64 وتخرج مجازا عام 68. – انتسب إلى الفكر الناصري عاطفيا في البداية ثم انتسب إلى الاتحاد الاشتراكي في دمشق. ــ في دمشق ـ 15 .6. 66 ـ تحول من الناصرية إلى الفكر الإسلامي دون انتساب تنظيمي. ــ بعد تخرجه من الفلسفة بدمشق عام 68 انتقل إلى باريس حيث التحق بجامعة السوربون لإعداد رسالة دكتوراة. ــ في باريز كانت تجربته الدعوية الأولى مع جماعة الدعوة والتبليغ، كما شغل موقع الأمين العام لجمعية الطلبة المسلمين.  دعته ظروف عائلية إلى العودة إلى البلاد. ــ زار في طريق عودته الأندلس وتأثر أيما تأثر بعظمة الآثار الإسلامية وخصوصا جامع قرطبة. وعندما وصل إلى الجزائر تعرّف على المفكر الراحل المعروف مالك بن نبي، وكان قد درس كتبه وأعجب به، فتأثر به أيما تأثر ــ وفي تونس تعرف خلال زيارته لجامع الزيتونة على عدد من الشبان كانوا يحضرون حلقة للشيخ ابن ميلاد، قاده أحدهم إلى حلقة صغيرة تجتمع في جامع  سيدي يوسف، فوجد ضالته، وبعثت في نفسه الأمل، لاسيما بعد تعرفه في الأسبوع الموالي على أبرز شاب في تلك الحلقة الشيخ عبد الفتاح مورو، فانصرف عما كان يعتزمه من العودة إلى باريس، وكان ذلك في صائفة 1969. وتقدم بطلب تشغيل لوزارة التربية، فعين أستاذا للفلسفة في معاهد تونس، وانطلق مع تلك الثلة القليلة في عمل إحيائي دعوي حثيث. ــ باشر الدعوة على هامش قاعات الدرس وفي المساجد وفي جمعية المحافظة على القرآن الكريم ومن خلال تنظيم زيارات سنوية صيفية صحبة ثلة صغيرة من الشبان إلى الجزائر حيث يحضرون مؤتمرات الفكر الإسلامي ويحظون بلقاءات خاصة مع المفكر الكبير المرحوم بن نبي، وكذلك من خلال مقالاته الصحفية في جريدة الصباح التونسية ـ شبه حكومية ـ ثم في مجلة المعرفة ــ بعد ثلاث سنوات من العمل الدعوي على طريقة جماعة التبليغ جابت المجموعة مساجد كثيرة في العاصمة وضواحيها دعوة إلى الصلاة وإلى الخلق الإسلامي، وتوسع عملها مع انتقاله إلى القيروان، فأخذ عدد الملتفين حول نواة « الجماعة الإسلامية » يتسع، فبدأت أجهزة الأمن تتنبه إلى هذا الكيان الذي يتخلق، وقد استقرت القناعة أنّ حركة التحديث قد قبرته إلى الأبد. وكان لقاء سوسة سنة 1973 في جامعها الكبير، حيث اجتمع حوالي خمسين من الدعاة قادمين من العاصمة ومن القيروان وقفصة ومنطقة الساحل، بغرض التوزع في المنطقة للقيام بالدعوة، كان تاريخا فاصلا إذ أقدمت أجهزة الأمن على محاصرة الجامع واقتياد العناصر القيادية إلى منطقة الأمن الذي جاءته الأوامر بعد أخذ ورد إلى ترحيل كل الشبان كلا من حيث أتى. وهو ما فرض على المجموعة إعادة النظر في منهاج عملها تقديرا أنه نشأ في بيئات مفتوحة ولا يصلح للتعامل مع بيئات بوليسية مغلقة، فكان من ذلك توزيع عمل المجموعة إلى مستويين مستوى دعوي مفتوح موجه إلى الرأي العام عبر المسجد وكل المنابر الإعلامية والثقافية، ومستوى تنظيمي تكويني خاص موجه للطليعة، وكانت مجموعة الشبات تجد الرعاية والتوجيه من قبل عدد من المشائخ أهمهم  الشيخان محمد صالح النيفر وعبد القادر سلامة ـ عليهما الرحمة والرضوان ـ لتحديث أسلوب الدعوة. ــ فكان التأسيس الجديد عبر مراحل وأطوار أهمها المؤتمر التأسيسي للجماعة في منوبة عام 79 ثم الإعلان عن ذلك عام 81 ضمن ندوة صحفية. قوبل ذلك بأول حملة استئصالية في العام ذاته ــ نال شهادة الكفاءة في البحث من كلية الشريعة عام 85 على كتاب (القدر عند ابن تيمية). ــ أعد أطروحة للدكتوراه بعنوان الحريات العامة في الدولة الإسلامية لكن حالت ظروف الاعتقال دون نقاشها ثم تبناها مركز دراسات الوحدة العربية بلبنان ونشرها. ــ عضو مؤسس بالندوة العالمية للشباب الإسلامي وبالمؤتمر القومي الإسلامي لإدارة للحوار والتعاون بين القومية والإسلام، ولـ »حلقة الأصالة والتقدم » للحوار بين ثلة من المفكرين الإسلاميين والغربيين، وعضو مؤسس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. ــ عضو مؤسس بكل من المجلس الأروبي للإفتاء والبحوث والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وللرابطة العالمية للمفكرين الإسلاميين بالكويت ــ اعتقل مرات كثيرة وحكم عليه بالسجن لعشر سنوات عام 81 ثم بالمؤبد عام 87 ثم بمؤبدات أخرى بدءً من عام 92 ـ محكمة ابتدائية ثم محكمة أمن الدولة ثم محكمة عسكرية.. ــ قامت عدة أطروحات جامعية حول فكره منها أطروحة الباحث الفسطيني، عزام التميمي، بجامعة لندن « راشد الغنوشي…الديمقراطي الإسلامي ».   ــ متزوج وأب لستة أبناء ولعدد من الأحفاد. من مؤلفاته: –  الحريات العامة في الدولة الاسلامية. – نحن والغرب (بالاشتراك).  -من تجربة الحركة الإسلامية في تونس. – القدر عند ابن تيمية. – مقاربات في العلمانية والمجتمع المدني. – الحركة الاسلامية ومسألة التغيير. – القضية الفلسطينية بين مفترق طريقين. – المرأة بين القرآن وواقع المسلمين. – حقوق المواطنة في الدولة الإسلامية. – حق الاختلاف وواجب وحدة الصف. – من الفكر الإسلامي في تونس. – تمرد على الصمت. – الوسطية السياسية في فكر الشيخ القرضاوي. – ما لا يحصى من المقالات والحوارات جمع بعضها الصحفي في كتاب من مثل « مقالات » و »حوارات قصي درويش » وغيرها. ترجمت بعض كتبه إلى لغات أجنبية منها الإنجليزية والفرنسية والتركية والفارسية والأردية والكردية.  لمزيد التعرف على ضيف الحوار.نت يمكن الرجوع إلى موقعه الشخصي: www.ghannoushi.net     

نص الحــــــــــــــــــــوار  

الحوار.نت: الشيخ راشد, مرحبا بك ضيفا كريما على الحوار.نت كما يطيب لنا أن نغتنم هذه المناسبة لنزف إليك أطيب التهاني وإلى إخوانك معك في حركة النهضة سيما إلى رئيسكم المسجون الدكتور الصادق شورو..  الشيخ الغنوشي: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله: أحيي موقع الحوار وجهوده التنويرية المناضلة. شكرا لكم وجزاكم الله خيرا. وبدوري أهنئكم بهذه المناسبة السعيدة وأنصار النهضة وأبنائها وبناتها المستمسكين بثوابتها في كل جبهات البلاء والعطاء سواء كانوا مهاجرين في سبيل الله في أرض الله الواسعة أم مرابطين في الأرض الطيبة قابضين على الجمر ينيرون بصمودهم وعطائهم الدروب المعتمة، أم رابضين كالأسود وراء القضبان لا تلين لهم قناة، شاهدين على عظمة الإسلام وهوان أعدائه، يتقدمهم الشيخ البروفسور المجاهد الصادق شورو… تهنئة خاصة حارة إلى شباب تونس الذي يتحرك في كل مواقعه مقارعا للطغيان ليس فقط في ميدان الفضاء الافتراضي (الإنترنات) حيث تحتدم أضخم المعارك بين شباب تونس رسل الحرية وبين أجناد الظلم والظلام، بل أيضا في الفضاءات الأخرى، الفضاء الجامعي والساحات العامة حيث تتوالى مبادرات الشباب لكسر أطواق العسف الأمني الخانقة لحريات شعبنا وطموحاته، تهنئة خاصة إلى شباب الصحوة الإسلامية أمل تونس في التحرر والعدل واستعادة الكرامة المسفوحة.  الحوار.نت: هل يمكن أن تلخص لقرائنا الوضع الراهن لحركتكم بعد مسيرة عمرها اليوم أكثر من أربعة عقود بالنظر إلى أنّ التأسيس الأولي الأصلي كان عام 1969.. وخاصة بعد المحنة الأخيرة التي خيمت على الحركة على امتداد عقدين كاملين.  الشيخ الغنوشي: منذ سنة 1981وعقب أول إعلان للحركة عن نفسها حركة سياسية إسلامية تعمل في إطار القانون وذلك في أثر إعلان النظام عن قبوله بالتعددية، والحرب على هذا التيار الإسلامي متواصلة لا تكاد يهدأ أوارها قليلا حتى يعود أشد التهابا: محاكمات 1981 شملت حوالي 500 من القياديين ومن عموم الصف. أطلق سراحهم صائفة 1984، لتشن عليهم حملة أشد في ربيع 1987شملت حوالي عشرة آلاف من كل المستويات. حصل انفراج بسقوط الطاغية العجوز لم يلبث طويلا لا سيما بعد الفوز الباهر الذي حققته الحركة في انتخابات أبريل1989، فانطلقت الحملة لتحصد هذه المرة الأخضر واليابس فشملت حوالي ثلاثين ألفا بما لا نظير له في تاريخ البلاد. ولم يقتصر الأمر على استهداف المناضلين وعوائلهم بخطة شاملة للتدمير والقتل الناجز أو المقسط وإنما شملت الخطة أسرهم وأصدقاءهم بل تجاوزتها إلى ما هو أخطر أي إلى استهداف أرضيتهم القيمية والعقدية الإسلامية بالتجفيف والتقويض عبر خطة « تجفيف الينابيع »، حدث ذلك ضمن ظروف دولية وإقليمية مساعدة لسلطة القمع من مثل انهيار المشروع الديمقراطي في الجزائر والحرب على العراق وصعود مشروع التسوية والحرب على الإرهاب ضمن تمدد المشروع الامبريالي الذي امتطت السلطة صهوته، فجوزيت بقبولها أول شريك في الجنوب لأوروبا. منذ ذلك الحين جرت تحت النهر مياه كثيرة: صمد بفضل الله أبناء النهضة وبناتها في وجه العاصفة وموازين القوة المتغلبة ، فانتصر اللحم على السيف، واستعصت الإرادة المؤمنة على حراب الجلادين، شويت جلود وأزهقت أرواح وشردت عوائل، أما الركوع فلم يكن إلا للواحد الأحد، وما كادت العشرية الحمراء تمر حتى بدأت الغيوم الداكنة تنقشع… تعثر مشروع التسوية والشرق أوسطية وتوقف، وتوحلت في رمال المقاومة الإسلامية والممانعة آلة الحرب الرأسمالية الزاحفة وبدأت مؤشرات عجز وإفلاس بنوكها وشركاتها العملاقة وفي الجزائر بدأ التبشير بالوئام الوطني وصمدت المقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان… وفي الداخل أسفر التبشير بديمقراطية بلا إسلاميين عن خديعة كبرى خلاصتها قمع لكل صوت يرتفع مطالبا بحقوقه، ونهب واسع للثروة العامة والخاصة من قبل عوائل متنفذة وإفساد عام للبلاد والعباد… فأخذت قطاعات من النخب متزايدة تعلي الصوت بالاحتجاج على القمع وأخذت وشائج التواصل بين الحركة والتيارات المعارضة الجادة تستعيد ما كانت عليه من تعارف وتعاون على قاعدة الدفاع عن حرية للجميع، الأمر الذي عرّى أسطورة الخطر الأصولي على مكاسب الحداثة التي أسست عليها اللسلطة قمعها للحركة الإسلامية ومن ثم فرض الصمت والهيمنة على الجميع… عرّاها من كل أساس داخليا وخارجيا؛ الأمر الذي فرض على السلطة أن تخلي تباعا على دفعات متزايدة من ضحايا القمع، كان آخرها السنة الماضية، لولا أن أعيد الرئيس السابق للنهضة الشيخ الدكتور الصادق شورو، إلا أنّ السجون لم تشك في دولة الاستقلال من البطالة يوما… فقد حل جيل جديد من الإسلاميين محل آبائهم النهضويين.  الحركة اليوم تعيش مرحلة تحول هامة جدا:  ففي داخل البلاد – وهو الوجود الأساسي لها – يحاول الآلاف من أبنائها الذين غادروا السجون بأجساد منهكة تطير بها أرواح مشرقة يحاولون رغم الحصار الرهيب المضروب عليهم – خلافا لأمثالهم في ليبيا حتى الجماعة المقاتلة ممن تتولى الدولة مساعدتهم على ترميم أوضاعهم الاجتماعية والبدنية بالتعويض لهم عما فاتهم، وإعادتهم إلى أعمالهم – استئناف حياتهم بامتهان أي مهنة مشروعة، واستعادة التواصل مع أنسجة المجتمع الحقوقية والمهنية والثقافية والسياسية، وهم اليوم عنصر يتنامى فعله وأثره باطراد في كل ذلك. الثابت أنه مع ما تعرض له دعاة الإسلام والحرية منذ زهاء ثلاثة عقود وبخاصة العقدين الأخيرين من أهوال لم يعرف لها تاريخ البلاد مثيلا، إذ لم يقتصر القمع على المنتمين بل تعدى إلى كل من له بهم صلة بما في ذلك أسرهم إذ أخضعت لخطة تجويع وعزل وحملت العديد من الزوجات على تطليق أزواجهنّ، إلا أنّ الله ثبّت عباده المومنين، فما نجح القمع لا في استدراجهم إلى مستنقع العنف رد فعل على عنف السلطة، فهذه حركة إسلامية إصلاحية ديمقراطية أصّلت لمناهج العمل المدني السلمي، ولا نجح في عزلها عن المنتظم السياسي التونسي فقد عادت جزءً منه. وبكل اطمئنان نقول: إنّ الحركة بفضل الله قد اجتازت بنجاح امتحان البقاء الذي أخضعت له، وهي اليوم بصدد التعافي وإعداد نفسها لاستثمار ما زرعت في مجتمعها من قيم وأمثولات ونماذج نضالية مشرّفة لا تكاد تخلو منها أسرة تونسية. الحركة واقعة ضمن تيار الصحوة الإسلامية الصاعد في البلاد حاملة مشروع الهوية والحرية والعدالة وتحرير فلسطين والوحدة المغاربية والعربية والإسلامية والتحرر من تيارات الهيمنة الدولية، جزء من التيار الإسلامي الصاعد في العالم المتحالف مع كل التيارات التحررية المناهضة للعولمة المهيمنة. المؤكد أنّ الحركة في حالة صعود، وليس أمام السلطة أي سلطة تريد أن تحكم البلاد بقدر معقول من العدل والحرية إلا التعامل معها ضمانا للاستقرار الضروري لكل مشروع تنموي جاد. ففي تونس وضمن عالم يتصاعد فعل الإسلام فيه حتى لتكاد ترتبط به أهم القضايا الدولية، لم يعد متسع كبير لحكم معقول وتنمية مأمولة دون استيعاب للتيار الإسلامي ضمن المنتظم السياسي، دون غش ولا تحكم. وإذا كانت بلاد الغرب ذاتها قد أخذت تتهيأ لعملية إدماج التيار الإسلامي بعد جفوة وعداء طويلين (فاز في الانتخابات البريطانية الأخيرة بعضوية مجلس العموم تسعة نواب مسلمين) فهل سيبقى الإسلام غريبا في دياره الأصلية؟ الحقيقة أنّ فرص سياسات الإقصاء والقمع والخداع ودولة الحزب الواحد دولة البوليس في الاستمرار آخذة في النفاد وتجدف خارج المستقبل. « النهضة » في البلاد تنتعش بعد أن نجحت بفضل الله في استيعاب الضربة القاصمة التي وجهت إليها، في زمن مناسب جدا لعدوها، وكما يقال الضربة التي لا تكسر ظهرك تقويك، تنتعش في سياق انتعاش صحوة الإسلام وصحوة الحراك السياسي والمجتمعي.  أما « النهضة » المهاجرة فقد توفقت بفضل الله في الذب عن الكيان، عن هويتها، حركة إسلامية وسطية ديمقراطية، بما أفضى بخطة العدو في إلقائها تحت بلدوزر الإرهاب، إلى الخيبة المريرة، ذبت عن فكرتها ووحدتها منتصرة لمظلومية شعبها ومساجينها وتجميع الضغوط لإطلاق سراحهم على دفعات، وبذل الرعاية الممكنة لعوائلهم التي أخضعت لخطة عزل وتجويع رهيبة، كما مدت خيوط التواصل مع المعارضة الديمقراطية الجادة. وكان لها إسهام معتبر على الصعيد الدولي في تطوير الفكر الإسلامي الوسطي الديمقراطي، وفي الدعوة للإسلام وتوطينه في الغرب، وفي اكتساب خبرات هائلة في مهاجر ممتدة على أزيد من خمسين دولة… النهضة المهاجرة اليوم تعيد ترتيب أوضاعها بما يؤسس لوجود مهجري دائم داعم لتيار الحرية والعدالة والإسلام في البلاد، مساهم في توطين الإسلام والدعوة إليه في كل المهاجر، بالتعاون مع كل القوى التحررية. الحوار.نت: هل يمكن أن تحلل لقرائنا أهم إنجازات الحركة منذ تأسيسها حتى اليوم وفي مقابل ذلك أهم إخفاقاتها مع الإحالة إلى أبرز الأسباب لذلك قدر الإمكان..  الشيخ الغنوشي: يحسن بالإضافة إلى ما قدمنا وضع الحركة في سياقها التاريخي فنقول وبالله التوفيق: ولدت الحركة الإسلامية في تونس ممثلة في خطها العريض في السبعينات بـ »الجماعة الإسلامية » وفي الثمانينيات بـ »حركة الاتجاه الإسلامي » ثم « حركة النهضة » منذ نهاية الثمانينيات، ولدت من رحم المجتمع التونسي لتلبيّ طلبا ملحا للهوية، تولّد لديه جراء تجربة تحديثية علمانية متطرفة بل مغشوشة قادتها دولة الاستقلال، بزعامة متولّهة بنموذج فرنسي يعقوبي علماني متطرف، استهدف بالتفكيك والتقويض المجتمع الإسلامي العربي الموروث، عقائد وشعائر وقيما ومؤسسات، بلا تمييز بين صالح وفاسد وبين إسلام وتقاليد بالية، مسخّرا من أجل فرض نموذجه أدوات الدولة الحديثة عبر التعليم والإعلام والقانون والثقافة والاقصاد…، فكان من ذلك شطب المؤسسة الزيتونية العتيدة حارسة العروبة والإسلام في البلاد والمنطقة ومنتجة أجيال من العلماء والأدباء والقضاة… ونسف القضاء الشرعي وتفكيك مؤسسة الوقف العتيدة التي كانت تستوعب حوالي ثلث الملكية في البلاد لخدمة المجتمع وسندا لمؤسساته ولقوته، بما جرده من كل نفوذ مقابل تغول الدولة متحكما وحيدا في مستقبله، وبلغ الهجوم حد الدعوة لانتهاك حرمة الصوم… واستباحة الزنا والخمور والقمار، وتجريم زيّ الحشمة والتقوى، والتصدي بقوة الدولة والحزب الواحد المتماهيين مع الزعيم المتأله، لكل صوت معارض. في نهاية الستينات بدأ هذا المشروع التفكيكي تظهر ثماره، تحلّلا في الأسرة والشباب حتى هجرت المساجد… فاقتضت رحمة الله أن تستيقظ في الناس مشاعر الخوف على مقومات شخصيتهم من التبدد فولدت الحركة الإسلامية، على يد ثلة من الشباب خريجي المعاهد الحديثة متفاعلة مع ثلة قليلة من بقايا المؤسسة الزيتونية… فانبعثت من ذلك دعوة إسلامية متأججة تنبض بالحياة تنفض عن الإسلام غبار الانحطاط، باثة روحا جديدة في شرايين المجتمع، تحيي المساجد وتعمرها بالأجيال الشابة، ناشرة وعيا بالإسلام متفاعلا مع تيارات الحياة الجديدة يجادلها فيقبل منها ويرفض وفق معاييره، فـ »الإسلام يعلو ولا يعلى »، كما بيّن ذلك ابن مسعود رضي الله عنه، ويعيد تجسير العلاقة بين المسجد وبين الحياة التي مضت بها مشاريع التحديث الأهوج بعيدا، فاحتدمت المجادلات في مراكز العلم والثقافة عن دين الله بين دعاة الإسلام الجدد وبين أصحاب العقائد العلمانية التي كانت سيطرتها تامة على الجامعة ومراكز الحداثة، وكان للمسجد وللصحافة مثل « مجلة المعرفة » وللنشاط الطلابي والتلمذي وفي دور الثقافة، ولما تطور من نشاط نقابي في نهاية السبعينيات أثر فاعل في تشكل تيار إسلامي واسع، فما مرت السبعينيات حتى كان التيار الإسلامي يزاحم بجدارة تيارات العلمنة. وانداحت المصلّيات في مراكز التعليم والإدارة والعمل، واستعاد الشارع المنفلت قدرا من الحشمة، فشهدت سنة 1974 ظهور أول حاملة لزي التقى. تفاعل التيار الإسلامي الحديث الذي ولد متتلمذا أساسا على تيارات الحركة الإسلامية المشرقية مع رياح الإحداث العاصفة داخل البلاد وخارجها مثل أحداث المواجهة العاصفة بين الدولة وبين الحركة النقابية، كما تفاعل مع بدايات ظهور الحركة الديمقراطية وحركة حقوق الإنسان، وتفاعل خارجيا مع بعض التجارب الإسلامية التجديدية مثل التجربة السودانية بصدد مشاركة المرأة ودورها الفاعل، والتجربة الإيرانية في أبعادها الثورية المنتصرة للمستضعفين… ومع الفكرالاجتماعي لمالك بن نبي وعلي شريعتي… أثمر كل ذلك مراجعة مهمة جدا لفكر النشأة الأولى المحافظ، في اتجاه استيعاب إسلامي لبعض منجزات الحداثة على صعيد حقوق المرأة والإنسان والمواطن وتأصيل الفكر الديمقراطي والانحياز إلى قضايا العمال والمستضعفين. فكان لذلك أثره المقدر في امتداد أسباب الحوار والتواصل والتعاون مع قطاع واسع من الحركة الديمقراطية التونسية، ومع الحركة القومية ومع منظومة حقوق الإنسان العالمية ومع كثير من القوى التحررية. كما كان له أثره في قطاعات واسعة من التيار الإسلامي في الإقليم وفي العالم في اتجاه التفاعل الإيجابي مع الفكرة الديمقراطية والتيارات العلمانية الحاملة لها. وحتى بعد الذي نجح فيه نظام القمع إلى حين في تأليب التيارات الحديثة ضد النهضة وتخويفها منها فسرعان ما تم التغلب عليه وعادت أسباب التواصل، وكانت هيأة 18أكتوبر تعبيرا عن ذلك. الثابت اليوم أنّ معركة الهوية وهي الساحة الأساسية التي استثمرت فيها الحركة أهم جهودها وحققت فيها أهم إنجازاتها أنها قد حسمت لصالح الهوية العربية الإسلامية. وليس من شك في أنّ النهضة واقعة في مهب رياح صاعدة، فقد بدأت بالظهور بواكير بركات دماء شهدائها والصمود الخارق لمساجينها ووفاء مهجريها، بدأت تؤتي أكلها على أكثر من صعيد ضمن صعود تيار الصحوة الإسلامية العالمية جزء من تصاعد تيارات الممانعة والمقاومة للسياسات الهيمنية الامبريالية والصهيونية وتوحل أساطيله في الرمال الإسلامية وتدهور اقتصادياته العملاقة وتساقطها كأوراق الخريف، بينما خصوم النهضة لا يعدون كونهم عربة خلفية في قافلة قوى الهيمنة المتوحلة. النظر القصير الحسير الذي تخدعه الظواهر الخداعة أو الأطماع الوهمية هو الذي يعجز عن رؤية المشهد على هذا النحو، فلا يرى أنوار الفجر سافرة ولا يرى ما يتكشف عنه الصباح من قوى إسلامية وتحررية صاعدة وقوى ظلامية طاغوتية متذيلة للامبريالية والصهيونية ولعصابات المافيا غاربة بل تحتضر. هذا لا يعني أنّ المعركة حسمت نهائيا ولا يعني أنّ النهضة لم ترتكب أخطاء في إدارة المعركة وقد بادرت بتقويم مسيرتها، ولا أنها قد حققت أهدافها ولكنها اليوم أقرب إليها من أي وقت مضى، وإنما يعني شيئا واحدا أنها في سياق مسار صاعد وخصومها في مسار آفل، مستقبل النهضة أمامها ومستقبلهم وراءهم. مسيرتها ستذكر وتحمد وتشرف بها الأجيال القادمة، وهم لن تبكيهم سماء ولا أرض وإنما ستشيعهم بما يستحقون.

 الحوار.نت: يتردد في بعض وسائل الإعلام والتحاليل أنّ قيادة الحركة بين خط سياسي معتدل يدعو إلى الحوار والمصالحة مع السلطة واتجاه آخر يتجنب ذلك يأسا منه أو من المناخات الراهنة ما هي حقيقة الموقف.

 الشيخ الغنوشي: منذ مؤتمر 1995 وما جاء بعده من مؤتمرات لم يختلف النهضويون حول مطلب المصالحة وهو مطلب تكاد تجمع عليه المعارضة الجادة، إلا أنّ المشكل أنّ مادة المصالحة تتضمنّن بالضرورة معنى المشاركة، بينما تثبت التجربة المتكررة انعدام الشريك حتى الآن. إنّ السلطة وهي الشريك الأساسي المفترض في تحقيق أي مصالحة لم تثبت منذ انتصابها ولم يشهد سلوكها يوما على توفر هذا الاستعداد للتعامل مع مواطنيها على أساس المواطنة أي الاشتراك في امتلاك البلاد واكتساب الجميع فيها حقوقا متساوية. السلطة وهي برنامج الحكم المشغّل للدولة لم يتوفر يوما منذ استيلائه على الدولة منذ « الاستقلال » لم تعترف للتونسيين حتى الآن أنها نائبة عنهم وكيلة لهم بل هي المالكة لهم المتصرفة بإطلاق في شؤونهم .رضي من رضي وغضب من غضب .الحقوق هنا تغدو هبات وعطايا ومكارم. وأبسط مثال على ذلك جواز السفرأي حق التنقل لم تتعامل معه السلطة يوما على أنه حق للمواطن بصرف النظر عن اتجاهه. ولو كانت مسألة جوازات السفرمسألة حق من حقوق المواطنة، لم يمنع الشيخ عبد الفتاح مورو منذ أكثر من عقدين من السفر وابن عيسى دمني وكذا حمادي الجبالي ومحمد النوري المحامي وآلاف غيرهم ويسمح لغيرهم؟ هذا في أمر وثيقة بسيطة ترسل للمواطن في الديمقراطيات بالبريد فكيف بوثائق أخطر منها مثل الحصول على رخصة جريدة أو جمعية أو حزب أو المنافسة في انتخابات.في ظل سيادة هذاالمنتظم السياسي الاستبدادي المتخلف لا حديث جادا عن مصالحة إلا أن يكون المقصود هدفا نهائيا يُراد الوصول إليه وفرضه عبر نضال ناصب يعدّل موازين القوة لصالح الشعب. أما إذا كان القصد استجداء هذا الهدف بالكلام المعسول الذي يقلب حقائق الأمور ويتستر على طبائع الاستبداد الراسخة من طريق وبذل الرشاوى للقائمين عليه والمستفيدين منه فلا نهضويا جادا أومناضلا من أي اتجاه يمكن أن يتصور إمكان حصول ذلك من هذا الطريق. نحن في النهضة حركة تغييرية جادة، مبرّروجودها جهادها الدائب من أجل تغيير واقع علاقات الاستبداد والإذعان والقهر القائمة بالوسائل السلمية الشعبية وليس التطبيع معها. ويحسن من أجل تقريب طبائع الاستبداد القائمة إلى من لا يزال منها في ريب أن أورد له طرفا مما كان يدور بيني وبين مستشار للرئيس كان مكلفا بـ »التفاوض » معنا صائفة 1988بحثا عن « مصالحة ». لقد أدركت بعد عدة جلسات « تفاوض » مع مستشار الرئيس أنه كان يبذل وسعه من أجل إعادة تشكيل تصوراتي السياسية حتى أتمكن من التعاطي الإيجابي مع المنظومة السياسية الرسمية، فكان يقول لي: إنّ الرئيس هو الذي يرسم الأهداف وهي واضحة جدا ويرسم الطريق الموصل إليها، ويحدّد سرعة السير، فأسأله وأنا ما دوري؟ فيجيب: أنت تقدّم مطالبك إلى الرئيس متيقنا أنه سيستجيب لها بالقدر المناسب في الوقت المناسب، وإياك أن تحاول الضغط عليه، لأنه لا يتحمل ذلك ولا يسمح به بل قد يدفعه ذلك إلى السير في الاتجاه المضاد لك. وعندما اختليت بنفسي وتأملت في هذه النصائح تجلت لي الصورة مرعبة: الرئيس وحده هو من يرسم الأهداف والطريق إليها وسرعة السير. وأنت تقدم مطالبك دون أي ضغط قد يعرضك لغضبه، حسبك أن تثق فيه الثقة المطلقة على أنه يوما ما سيستجيب لك بالقدر المناسب لك. وإذا علمنا أنّ السياسة المدنية هي فنّ تبادل الضغوط بين قوى سياسية تتصارع سلميا لتنتهي في النهاية إلى وفاقات وتسويات، فإذا سحبنا هذه الآلية من السياسة فماذا يبقى منها؟ لا شيء، غير صورة لحاكم تبوّأ مقام الألوهية بغير حق، فقد تعلمنا في أدب الدعاء مع الله أن ندعوه سبحانه دون ممارسة أي صورة من صور الاستعجال والتأقيت واثقين تماما أنه سبحانه يسمعنا وسيستجيب لنا حتما في الوقت الذي يقدّره سبحانه، فهو أعلم بمصلحتنا، إن لم يكن في هذه الحياة الدنيا يكون قد ادخر لنا ذلك في الآخرة فما عند الله خير وأبقى. واضح أنّ ما يمارس اليوم في البلاد من « سياسة » ينتمي لمرحلة ما قبل السياسة بمعناها الحديث، إنها مرحلة العبودية والرق، علاقة السيد بالعبد.  الحوار.نت: ما هي مطالبكم اليوم من سلطة بن علي وما هي الحواجز دون مصالحة وطنية تونسية وما هي علاقتكم بالأحزاب السياسية التونسية وما هي آفاق التعاون بينكم في قضية الحريات الأساسية؟  الشيخ الغنوشي: ليس للنهضة عموما مطالب خاصة بها، مطالبها هي نفس مطالب المعارضة الجادة كما بلورتها في حدها الأدني « السميق » هيأة 18أكتوبر وتتلخص في مطالب الحرية الأساسية بدءً بإفراغ السجون من مساجين الرأي وفي طليعتهم الشيخ صادق شورو وآلاف من شباب الصحوة ورفع كل القيود المكبلة للحياة السياسية وللمواطن المتمثلة في منظومة القوانين التعسفية: قانون الصحافة والجمعيات والأحزاب والمساجد والانتخابات والجوازات..الخ. باختصار إعادة هيكلة النظام السياسي كما قدمنا، واستعادة التوازن المختل في الحياة الاقتصادية بوضع حد للنهب، واحترام مقومات الهوية العربية الإسلامية للبلاد ومقومات الاستقلال عامة. وكلها منتهكة في العمق من طرف النظام القائم ولا معنى لأية مصالحة جادة دون تحققها. قد ينفع في ذلك التدرج وهو المعقول ولكن بشرط أن لا يفرضه طرف واحد هو السلطة على الآخرين وإنما أن يكون ثمرة مشاورة شعبية عامة ووفاق بين كل القوى في المعارضة والحكم، وهو تصور للمصالحة وللسياسة أصلا غير وارد في قاموس السلطة وخارج عن خبرتها وما اعتادت، وما من سبيل لإقناعها به دون حملها عليه حملا بنضال شعبي ناصب يعيد في النهاية السيادة للشعب والأمور إلى نصابها ويضع الحصان أمام العربة خلافا للوضع المقلوب القائم. أما علاقتنا بالأحزاب السياسية المعارضة ودعك من الهياكل الإدارية المصنوعة على عين الأمن، فهي علاقات حوار وتعاون في حدها الأدنى،نسعى إلى الارتقاء به إلى ما نصبو إليه من تشكيل جبهة وطنية واسعة تجعل التغييروإرساء نظام ديمقراطي حقيقي وبرلمان تونسي ظلاّ حلما مجهضا منذ زهاء قرن ونصف من نضال شعبنا، نضالا خذلته الجغرافيا أي الجوار الأروبي المتواطئ مع الاحتلال ومخلفاته، جبهة وطنية تفرض التغيير وتعيد تشكيل هيكل الدولة بما يوزع سلطاتها المتغولة، توزيعها على أوسع نطاق مركزيا وجهويا، فرديا وجماعيا. وما حاجة بلد صغير أكثر بلاد العالم انسجاما إلى هذا التمركز الشنيع للسلطات في يد فرد واحد وفي العاصمة، أوليس الأنسب نظاما برلمانيا ورئيسا رمزيا وحكما محليا منتخبا واسع السلطات؟   الحوار.نت: هل يمكن لتونس أن تحتضن حركتكم من جديد سيما بعد ورود تحاليل كثيرة موثقة تفيد بأنّ النسيج الاجتماعي في البلاد شهد اختراقات خطيرة في اتجاه اهتزاز كيان الأسرة ونشوء ظواهر اجتماعية غريبة من مثل الأمهات العزباوات والجريمة الجماعية المنظمة وتمزق سبل التكافل حتى في دوائر الرحم القريبة الدافئة وتواصل تراجع النمو العمراني (الديمغرافي) وغير ذلك..  الشيخ الغنوشي: لقد تعرض المجتمع التونسي منذ زهاء قرن ونصف لمتوالية من الخطط التفكيكية على يد الاحتلال وأشد منها على يد دولة الاستقلال، تفكيكا يتجه إلى حد سواء إلى عالم الأفكار والقيم والمعتقدات وإلى عالم المؤسسات من مدرسة ومسجد ووقف وأسرة وجمعية ولغة، بغرض إحلال الشخصية الغربية محل الشخصية العربية الإسلامية بكل مقومات الشخصيتين. والحقيقة أنّ ما عجزت عنه دولة الاحتلال مثل القضاء على التعليم العربي الإسلامي إحباطا لمشروع لتحديث تونس في إطار عربي إسلامي كان قد قطع خطوات هائلة في جامع الزيتونة، لحساب مشروع آخر للتحديث في إطار النموذج الغربي الفرنسي، وجاءت دولة الاستقلال منتصرة لهذا الأخير وكأنّ الاستقلال ليس إعلان انتصار العروبة والإسلام على مشروع الفرنسة وإنما العكس هو الصحيح. ولذلك لم يكن صدفة أن كان من بواكير قرارات دولة الاستقلال القضاء على نظام التعليم الزيتوني الذي كان قد امتد على طول البلاد وشمل كل مراحل التعليم، بما حول نظاما للتعليم إلى مجرد معهد تابع للجامعة التونسية، نظاما يستوعب عشرات الآلاف من التلاميذ إلى نظام لا يستوعب غير بضع مئات، حاكما على أبناء وأساتذة ذلك النظام بالتشريد والتبديد. وكان من آخر الحملات على الشخصية التونسية في كل المجالات الحملة الأشرس والأشمل التي انطلقت في التسعينيات يقودها في مجال التعليم محمد الشرفي خليفة لسلفه محمود المسعدي تنفيذا لخطط دولية ماسونية حملت عنوان تجفيف الينابيع. فلا عجب أن تثمر تلك الخطط المتوالية تفكيكا هائلا في عالم القيم وفي عالم السلوك على كل المستويات وأن تحتل تونس المراتب الأولى في تفكك الأسرة (الطلاق) والعزوبية والانتحار والجريمة المنظمة والعنف في مجال الأسرة والمدرسة والشارع وبذاءة اللغة وانحطاط السلوك العام، ونضوب النسل، بما أصاب تونس دون كل بلاد العالم الثالث بشيخوخة مبكرة وضعتها على طريق الانقراض فأي مشروع هذا؟ هل يكون النظام البوليسي إذن إلا منتجا طبيعيا لهكذا مجتمع ولك أن تقول نظام عصابات المافيا. يقول المستشرق البريطاني الأمريكي هاملتون جب متحدثا باسم السياسة الغربية إزاء تونس: »لقد أردنا أن نجعل من تونس حقلا لتجريب الحضارة الغربية لنرى إلى أي مدى يمكن لبلد إسلامي أن يسير في تاريخ الغرب وحتى تكون التجربة صالحة لنقلها إلى بلاد إسلامية أخرى » النص نقله الدكتور محمد محمد حسين. تاريخ الأدب الوطني في مصر. وواضح أنّ أكثر من سياسة غربية في العالم الإسلامي انطلقت من تونس ثم لحق بها غيرها مثل تجربة تحديد النسل وهي سياسة غربية موضوعة للعالم الثالث وخصوصا عالم الإسلام، وسياسة القضاء على التعليم الإسلامي وسياسة تجفيف الينابيع وسياسة التطبيع مع إسرائيل ومحاربة الحركات الإسلامية. سياسات مطلوب من كل دول عالم الإسلام تطبيقها بحسب ما تطيق أوضاعها… وتونس سباقة… وما تراه فيها اليوم ستراه في غيرها بعد حين… ولكن رحمة الله سبحانه القوي المتين اقتضت تدافعا لا ينقضي بين قوى الخير وقوى الشر قوى البناء وقوى التدمير قوة الحياة وقوة الموت… ولذلك رأينا أنه في أوج صعود موجة التغريب في نهاية الستينيات انبثقت من جذور شجرة الإسلام أغصان غضة للصحوة الإسلامية وسرعان ما امتدت على طول البلاد وعرضها تعبيرا عن طلب مجتمعي عميق للهوية استشعارا للخطر عليها، وخلال عشرين سنة فقط وعلى إثر محنة طاحنة سنة 1987 كان مرادا لها أن تستأصل شجرة الإسلام… عبر الشعب تونس بشكل مذهل عن توجه عارم وبيعة جماعية لممثلي التيار الإسلامي، ما جعل العلمانية تستخرج أثقل أسلحتها وتنخرط في حرب شاملة أشد وأعمق من سابقتها، حتى غدت شعائر الإسلام كالصلاة قاعدة تصنيف وتمييز بين الأصولي وغيره فهجرت المساجد والمصاحف والكتاب الإسلامي، حتى خيّل لزوار تونس في التسعينيات أنّ الإسلام لم يمر من هنا ولم تصوت أغلبية الشعب منذ سنوات قليلة لصالح رموزه… ولكن ما إن أخذت موجة الهجوم تنكسر في نهاية تلك العشرية ممهدة لعشرية للعشرية الموالية عشرية الصحوة الإسلامية الثانية، بما دل بيقين عن عمق الإرث الإسلامي في الشخصية التونسية الإرث الذي أحيته الصحوة الأولى، وأن جذور شجرة الإسلام لم يطلها معول الدولة، جل ما طالت الأغصان… أما الجذور فضاربة في الأرض لا تنتظر غير الظرف المناسب حتى تنتفض بأغصان جديدة غضة حية متجددة رائقة يبدو معها الإسلام في عز شبابه مصداقا لوعد رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام « يَبْعَثُ اللهُ عَلَى رأسِ كلِّ مائِة سنةٍ منْ يُجَددُ لهذِه الأمة أمرَ دِينِهَا ». وإذا كان التخريب في المجتمع التونسي قد بلغ بأثر الحملة الصليبية الأخيرة مبلغا خطيرا كما ذكرتم فذلك مبرر آخر لشرعية الانبعاث والحاجة للصحوة وللحركة الإسلامية من أجل بناء ما خرب واستعادة التماسك والإجماع إلى مجتمع قد فككته ومزقته شر ممزق خطط العلمنة والتخريب، بما يجعل مهمة استعادة الإجماع والتماسك والتضامن والتراحم إلى المجتمع التونسي على رأس اهتماماتهم، وذلك يقتضي النضال من أجل تحجيم سطوة الدولة ونفوذها على المجتمع حتى يستطيع أن يتنفس ويصلح من نفسه ويبني مؤسساته المستقلة. ولولا فضل الله ورحمته وحفظه لدينه ما بقي في مثل هذه البلاد قبس من نور أو أمل في الإصلاح، ولكن الله حافظ دينه وأمته، ولذلك رأينا تعاقبا بين خطط التدمير وخطط البناء بين خطط الإفساد وخطط الإصلاح، فما أن يبدو لقوى الهدم أنها قد انتصرت وإلاّ ويجعل الله للمؤمنين مخارج من حيث لم يحتسبوا!…  الحوار.نت: هل يمكن أن تحلل لقرائنا أسباب الجمود الديمقراطي في تونس وهل أنّ المعارضة بصفة عامة وحركتكم بصفة خاصة مندرجة ضمن تلك الأسباب؟  الشيخ الغنوشي: ليس هناك جمود بل هناك حراك بطيء يعكس ميزان القوة بين الخارج والداخل التونسي. تونس بلد صغير مرهق بموقعه الجغرافي من اروبا (أقل من ساعة طيران)، بما جعل « سياساته » ترجمة للخارج أكثر مما تعبيرا عن الداخل. والمقصود بالخارج هنا الخارج الغربي، لأنّ الخارج العربي ضعيف التأثير جدا وخصوصا بعد انهيار المشرو ع الديمقراطي في الجزائر ودخول هذا القطر في التسعينيات في نفق مظلم من الفتن، وبعد فرض الحصار على ليبيا، وسقوط العراق تحت الاحتلال وانخراط المنطقة في متاهة التسويات، واعتماد الغرب سياسات الإرهاب والزحف الرأسمالي… ولقد استفاد نظام القمع في تونس من كل ذلك وركب تلك الموجات وجوزي بقبوله شريكا لأروبا، بما أطلق يده في قوى التغيير الداخلية. فدفعت أثمانا باهظة وخصوصا الإسلاميين، غير أنّ ميزان القوى هذا أخذ في التبدل في القرن الجديد: انهار مشروع التسويات ومعه اقتصاد السوق الرأسمالي ومشروع الشرق الأوسط الكبير مصطدما بقوة المقاومة الإسلامية والإنسانية، وأخذت الجزائر تتعافى من الإرهاب إلا أنها لم تتعاف من الفساد الذي يدفع بها إلى انتفاضة جديدة، وخرجت ليبيا من الحصار… وهو ما كان له بعض الأثر في ساحة البلاد إذ أخذت مفاعلات المجتمع ومقاوماته الداخلية تلتقط بعض أنفاسها متجاوزة بعض عوائقها الداخلية مثل كابوس التخويف من الإسلاميين على مكاسب الحداثة، وإعطاء الأولوية للثقافي على السياسي، بما يمثل عائقا أمام كل عمل مشترك بين جناحي المعارضة الإسلامي والعلماني ويجعل سلطة القمع أقرب إلى كل منهما من خصمه الأيدولوجي. فاستئصاليو العلمانية يرون في علمانية السلطة على استبدادها شريكا هو أقرب إليهم من الإسلاميين الخطر الأعظم دون تمييز بين معتدل ومتطرف، فيرتمون في أحضان البوليس، وكثيرا ما يكون ذلك مجرد ذريعة لخدمة مصالح شخصية ليس أكثر، وأنصار الهوية ولك أن تقول الجناح المحافظ من الإسلاميين يرون في اليسار عموما دون تمييز بين استئصالي ومعتدل، العدو الألد، فيعزفون على وتر التصالح مع سلطة القمع باعتبار الخلاف سياسيا فهو هيّن وليس دينيا، ولا تخلو دوافع بعضهم من المصالح الشخصية المعبرة عن نفاد الزاد النضالي والميل إلى الراحة. مع أنّ ما توصل إليه الطرفان من وثائق جامعة مهمة في المستوى الثقافي كفيلة بأن تخرج هذا الملف من شواغل العمل المعارض ليستمر الجدل حوله في مستوى المجتمع المدني، ويتفرغ المجتمع السياسي المعارض لمهمة التغيير مواجهة للاستبداد والنهب والتفريط في ما تبقى من الاستقلال. ينبغي أن نسجل بإكبار ما قامت به لجان الحوار التابعة لهيأة 18أكتوبر من جهد نزع الذريعة في التنكب عن العمل الجماعي الجبهوي المعارض حتى يتجه الجميع بإرادة موحدة لمواجهة مشكلات البلاد الحقيقي وعلى رأسها مشكلة الشرعية مشكلة الاستبداد. إنّ الإعراض عن مواجهة هذه الآفة الراسخة هو ما نقل الصراع إلى داخل صفوف الجماعات المعارضة، بل نقلها إلى داخل كل جماعة منها صراعا بين مدافع عن اتجاه التطبيع مع سلطة الاستبداد وبين الاتجاه إلى التغيير. لا يبعد أن تكون شيخوخة الطبقة السياسية الحاكمة كالمعارضة سببا من أسباب ركود الحياة السياسية. إنّ مستويات الأعمار لدى جملة الفاعلين السياسيين تنتمي لمرحلة ما بعد الخمسين، وهي بالتأكيد ليست المرحلة العمرية التي تصنع التغيير وتقود الثورات بل هي أميل للتصالح مع الواقع ومحاولة جني بعض الثمار قبل فوات الفرصة الأخيرة. الذي يلقي بعض خيوط النور على هذا المشهد القاتم هو دخول فئات من الأجيال الجديدة مسرح الأحداث فيما يبدو من نشاطها النضالي في فضاء الإنترنات… فالموقع الاجتماعي الفايسبوك يستقطب أكثر من مليون تونسي معظمهم شباب، وما يجري فيها من حوارات ساخنة وتحفزات للانتفاض لن تلبث حتى تنتقل إلى الشارع. الثابت أنّ السلطة خسرت بلا رجعة المعركة الإعلامية وهو تغير كبير لن يبقى معه وجه المنطقة كلها على ما هو خلال السنوات القليلة القادمة فإما أن يكون للقائمين على هذه الأنظمة المتخلفة الذكاء والجرأة للإقدام على التغيير من باب بيدي لا بيد عمرو أو تتم بشكل أو آخر إزاحتهم من داخل مؤسسة الحكم أو بضغط جماهيري وقد يفعلا باشتراك موضوعي.   الحوار.نت: هل يمكن أن تفيد قراءنا بكسب حركتكم في شتى المهاجر التي توزعتم عليها منذ عام 1981 ثم بصفة مكثفة منذ عام 1992  الشيخ راشد الغنّوشي: لقد شاءت الأقدار أن تشنّ الحرب الشاملة على الحركة في ظروف تحول دولي كبير أنهى ظروف الحرب الباردة لصالح المعسكر الرأسمالي الذي يعد نظام بلادنا جزء منه، واقتضته الحرب علينا تعميق انخراطه فيه، إذ قبل شريكا في ناديه، بما جعل أمر الهجرة صعبا فلا أحد يناسبه أن يظهر مساندا لمعارضة عضو في النادي الرأسمالي، وشريك في الحرب الكونية الصليبية على الإرهاب، وظف كل حقوقه في النادي وعلائقه في ملاحقة لصيقة دؤوبة لمهاجرينا مصمما على الإلقاء بهم تحت جرافة الإرهاب لطحنهم. فأن تنجح قيادة الحركة في إفشال خطة خصمها في تجريمها وإعدامها سياسيا بعد أن أحكم قبضته عليها في الداخل، وأن تنقذ صفتها السياسية حركة إسلامية وسطية ديمقراطية، فلم يكن بالأمر اليسير بل كان أعظم الكسب للنهضة المهاجرة بل للنهضة عامة، أسهم في ذلك ولا شك وأساسا صمود أبطال السجون، وثباتهم في الدفاع عن هذه الصورة في الأيام العصيبة الحارقة التي مروا بجحيمها. ونتيجة لذلك أمكن لحوالي ألفي مهاجر أن يظفروا بحق الإقامة في كل البلاد الديمقراطية وفق اتفاقية جونيف للاجئين، حيث انتهى بهم المطاف فالتقطوا أنفاسهم وبدؤوا يلملمون ما تفرق من شملهم واستئناف حياتهم بالتأقلم مع أوضاعهم الجديدة، فتعلموا لغات مهاجرهم وأخذوا يؤسسون لحياتهم الاجتماعية بحثا عن مهنة وبناء أسرة أو النضال من أجل لمّ شمل، وفي الوقت ذاته تجندوا للدفاع عن إخوانهم والانتصار لمظلوميتهم ومحاصرة أكاذيب السلطة ورشاواها للصحافة، وكذا التعريف بقضية تونس وإزاحة الوشاح السياحي البراق الخادع للكشف عن الوجه الحقيقي وجه القمع والبؤس والنهب والعدوان على الإنسان، على الدين والأخلاق والأرزاق. وتعاونت الحركة في ذلك مع مؤسسات حقوق الإنسان وأنصار الحرية داخل البلاد وخارجها, كما كان على الحركة أن تعرف عامة المسلمين بمظلمة الإسلام في تونس وأن تخاطب الضمير المسلم ليتحمل مسؤوليته إزاء الحملة غير المسبوقة التي يتعرض لها الإسلام ودعاته في تونس. كما كان عليها أن تبذل أقصى الوسع في رعاية عوائل الشهداء والمساجين وبعض المسرحين ولو بالحد الأدنى المقدور عليه فأسست في مهاجرها جمعيات إغاثية لهذا الغرض وللإسهام في التخفيف من معاناة المسلمين والضعفاء عامة. كما كان عليها أن تبذل الوسع في المحافظة على وحدة الحركة الفكرية والسياسية والتنظيمية ولم يكن ذلك سهلا بين مهاجر ممتدة عبر أكثر من خمسين دولة، واقتضى كل ذلك من بين ما اقتضاه: 1- إقامة وضع قيادي يعمل وفق قانون انتقالي ينظم قيام وعمل مؤسسات شورية ومناطقية منتخبة. 2- القيام بتقويم للمسار الذي آل بالحركة إلى هذا الوضع، وتم إقراره في أول مؤتمر مهجري سنة 1995 ونشر للعموم. 3- قيام عمل إعلامي وحقوقي عبر شبكة من المؤسسات والجمعيات التي أقامتها الحركة أو شجعت أعضاءها على ذلك. 4- قامت بعمل إغاثي استقطب ملايين الدولارات لصالح أسر الضحايا، أو شجعت على ذلك. 5- تواصلت مع قوى المعارضة في الداخل والخارج ويسرت فتح الطريق مجددا أمام العمل المشترك. 6- ربطت صلات للحركة مع ممثلي التيار الوسطي في الحركة الإسلامية في العالم ومع كثير من القوى القومية والتحررية عامة. 7- كان لها إسهام معتبر في التأسيس والدعم لفكر الوسطية الإسلامية والتصدي لتيارات التطرف والغلو التي فشلت في اختراق الحركة، ما أسهم في إنقاذ صفة الحركة ووحدتها. 8- أمكن للعشرات من أبنائها أن يتبوؤوا مراكز قيادية مهمة إن في مستوى العمل الإسلامي الدعوي أو الإعلامي وغيره.  وبالخلاصة فرغم أنّ الهجرة لم تكن موقفا اختياريا بل اضطراريا « لولا أنّ أهلك أخرجوني ما خرجت » ورغم كل ما صاحبها من معاناة إلا أن بركاتها كانت عظيمة وستمثل ركنا ركينا في مستقبل الإسلام ليس في البلد الحبيب بل أوسع من ذلك بكثير. والخير فيما اختاره الله عزّ وجلّ.  الحوار.نت: سلطة بن علي اليوم تتمسح على أعتاب الإسلام وتستعد للتكفير عن خطة تجفيف منابع التدين من خلال رموز العائلة الحاكمة نفسها (إذاعة الزيتونة مثلا وبنك الزيتونة مثال آخر كذلك فضلا عن تلون الشارع التونسي ـ بل الإدارة التونسية نفسها ـ بلون الالتزام الإسلامي من مثل الالتحاء والخمار وغير ذلك)… كيف تقرؤون ذلك وهل تفكرون في الانخراط في ذلك التوجه الجديد دعما لمناخات الخير في البلاد ومحاصرة لمناخات الشر فيها؟  الشيخ الغنّوشي: وكما قدمنا سلفا فإنّ ما ذكرتم هو تعبير عن أصالة الإسلام في الشخصية التونسية، وأنّ معركة الهوية التي كانت منطلق الحركة الإسلامية الأساسي وفيها كانت أهم استثماراتها، قد حسمت لصالح الإسلام، فما عاد تيار في البلاد يستطيع أن يجاهر بإنكارها، وحتى دولة الاستقلال التي اتخذت من تفكيك الهوية العربية الإسلامية أيدولوجيتها أخذت تحت وطأة تنامي تيار الهوية تتراجع وتحاول أن تستدرك بعض ما فات ترقيعا لشرعية مهتزة، لأنّ الدولة مهما عتت لا تستطيع أن تجدّف إلى الأبد ضدا عن التيار الشعبي، ولذلك بدأنا نرى قدرا ولو طفيفا محتشما من التراجع عن سياسة « تجفيف منابع الإسلام » التي ورطت فيها الدولة تيارات علمانية وماسونية متطرفة. أفرجت الدولة عن « إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم » فأخذ القرآن يذاع في الأسواق، وتلقى منه على الجمهور مواعظ، بعد أن كان شريط منه يعثر عليه في سيارة أجرة كفيلا بسحب الترخيص، إن لم يرم بالتطرف ويعتقل… ولأنّ الإسلام عندنا ليس أصلا تجاريا نخشى أن ينازعنا في ملكيته أحد أو سلعة نحذر أن ينافسنا في تسويقها منافس بل القضية التي من أجل عزها وسيادتها وانتشارها نحيا ونموت إن شاء الله، فكم يكون مبلغ سعادتنا عظيما إذ نرى التزاحم على حمل لوائه حتى من بين من كانوا بالأمس خصومه، والله سبحانه « أعلم بمن اتقى »، « والله يعلم المفسد من المصلح »، ولذلك نحن – رغم خصومتنا مع السلطة – لم نتردد في التعبير عن سعادتنا بالترخيص لإذاعة الزيتونة بما يؤكد أن معارضتنا ليست عدمية، ولا هي تقوم على الحكم على النوايا، فمرد هذه إلى الله سبحانه، غير أنّ الإسلام منهاج شامل للحياة، وليس تفاريق ممزعة، نعم نزل منجما وطبق كذلك، وكذلك يعود. ولذلك هو يقبل التدرج الجاد في تطبيقه إلا أنه لا يقبل الأخذ ببعضه والحرب على بعضه الآخر « أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ » ومن ذلك استمرار الحرب على »الحجاب « المنصوص عليه في القرآن الكريم، فلا يزال محظورا ويفتي وزيرالشؤون الدينية بغربته عن الإسلام، فأيهما الغريب عن الإسلام؟ إنها فضيحة « الحداثة التونسية ». على كل حال الإسلام اليوم هوية دينية للبلاد، والإسلام صحوة إسلامية واسعة أسست لها النهضة، فكل شاب يعمرالمساجد اليوم أو شابة تزهو بزي التقى، ما أحد في البلاد يمكن أن يزعم أنه له أولها سلف قريب غير حركة النهضة التي نفضت الغبار عن المساجد والمصاحف وبثت في البلاد روحاجديدة من التقى وفكر الإسلام ومنهاجه امتدت في كل اتجاه. والإسلام اليوم أكثر من ذلك حركة إسلامية عائدة واثقة قوية راشدة تبسط فكر الوسطية الباحث عن الجامع المشترك في مجتمع مفكك.ولن تكون تونس وهي إحدى قلاع الإسلام الحضارية التاريخيةإلا جزء فاعلا إن شاء الله في أمة إسلامية متجهة قدما إلى العيش وفق تعاليم دينها. وللاعتبار بالتاريخ نذكّر بمحنة أحمد ابن حنبل مع دولة بني العباس أقوى دول العالم في زمنها، تصدى لغرورها في محاولتها أن تفرض على الأمة بقوة الدولة تفسيرها للإسلام، وصمد في مواجهة كل صنوف النكال التي سلطت عليه على يد خلفاء تتابعوا، إلا أنّ التيار الشعبي انحاز إلى الإمام على نحو عارم، ما اضطرالدولة إلى أن تنقلب على أيدولجيتها السابقة ومنظّريها النهّازين، وتعلن أنها على عقيدة الإمام. فهل يعتبر الوزير المسكين وأشباهه بما حصل لأبي دؤاد ونظرائه؟ « لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ » الحوار.نت: هل يمكن أن ترصد لقرائنا حركة الإسلام في العالم وأثر ذلك على المقاومة في فلسطين وهل تعتبر أنّ العالمانية اليوم هي حجر العثرة في وجه الإسلام أم أنه الاستبداد السياسي أم الصهيونية وبناتها أم كل ذلك مجتمعا؟

الشيخ الغنّوشي: واضح اليوم لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، أي لكل صاحب علم أو مقلّد له أنّ الإسلام قوة صاعدة، قد فشلت في التصدي لها كل أساليب القوة أوالاحتواء، ما أفسح المجال أمام القوى العاقلة لتعلي صوتها بالاعتراف بالإسلام شريكا فاعلا في إدارة شؤون العالم وتحقيق السلام فيه بدءً بالاعتراف على سيادته على أرضه وربما تكون الحرب على الإسلام في أفغانستان الحرب الحاسمة باعتبارهاالمحاولة الأخيرة لاستخدام القوة القاهرة لاستبعاد شراكة الإسلام والاعتراف به، المحاولة الأخيرة التي يقوم بها صقور الغرب لرفض ذلك الاعتراف وتلك الشراكة. الحلف الأطلسي وضع كل ثقله هناك.  واقتصادياته المتهالكة لم تعد تسمح له حتى بمواصلة تلك الحرب طويلا بله أن تسمح له بفتح حرب أخرى، ولذلك ترى إيران مثلا مطمئنة إلى أن إدارة أوباماالماسكة بقيادة زعيمة الغرب يستبعد جدا-  رغم الضغط الرهيب للوبي الصهيوني وللمحافظين الجدد – أن يتورط في ضرب إيران. البنيان الرأسمالي كله معرض للانهيار ما دام مركز الزلزال لم يهدأ، لقد أخذت الأساطير التي نسجت حول قوة إله السوق وقدراته العجيبة وقدرات دولته النموذجية العملاقة، أخذت بسرعة تتبخروتنهار،بل لقد رأينا كيف أخذت قدرات إنسان التطور تتبدد إزاء غيمة صغيرة منطلقة من بركان تتجول بسرعة هائلة من بلد إلى آخر دون استئذان من أحد فارضة الجمود والجثو على الركب حيثماحلت. وإذا كان قلب الزلزال في الولايات المتحدة لم يهدأ ولا يستبعد اندلاعه في كل حين فكيف يكون حال الأتباع وحال أتباع الأتباع؟ الجميع اصطدموا بصحوة الإسلام بمنطق آخر منطق الإيمان، لم تستوعبه الحواسيب الضخمة ومراكز الدراسات والتخطيط العملاقة. لقد اصدطمت المادة بخالقها، الحق مع القوة. العالم اليوم يقف على عتبة تحولات هائلة الإسلام محركها الأساسي، وهو بين أن يتغلب العقلاء في الغرب فيعترفوا بالإسلام شريكا في إعادة صياغة العلاقات الدولية على أساس العدل والاعتراف بالتعدد والتخلي عن نزوعات الهيمنة الغربية أي الاعتراف بالإسلام شريكا وممثلا لأمته من خلال ممثليه الحقيقيين، ومقتضى ذلك الانسحاب من ديار الإسلام وإيكال الكيان الصهيوني لنفسه باعتباره خطرا أعظم على السلام الدولي وورط الغرب في حروب خاسرة مدمرة، أما البديل عن ذلك فليس غير الإمعان في الطريق المسدود بفتح جبهات جديدة للحرب على الإسلام على امتداد العالم بما فيه الساحات الغربية، ولن يغيرذلك شيئا من النهايات فقط رفع الكلفة وتضخيم حجم الخسائر. الأيدولوجيات في حالة مدها وصعودها مواجهتها بالقوة لن تزيدها إلا عنفوانا وشراسة .هم يواجهون شعوبا يتفاقم ويتسع تمردها على السيد الغربي وجرأتها عليه وهي ترى حرائقه تتنقل من ساحة إلى أخرى وجيوشه العملاقة تصطدم بمقاومات من طبيعة أخرى تتفاقم. مركز الثقل العالمي يتنقل بسرعة من الغرب إلى الشرق. وما إقدام البرازيل وتركيا على مد اليد لإيران لإيجاد مخرج للأزمة إلاواحدا من مئات التعبيرات الأخرى… حالة الوهن والتراجع التي تعيشها أمم الغرب مقابل نهوض أمم أخرى تتوهج فيها قوة الروح في طليعتها أمة الإسلام. على هذه الصعدهناك مشكلات كثيرة وفي الجهة الأخرى منجزات حضارية كبيرة ولكن كل لا يغيرطبيعة المشهد. « وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون الحوار.نت: هل من كلمة أخيرة إلى الرئيس بن علي أو المعارضة التونسية ونخبتها أو أبناء الحركة أو إلى أي جهة أخرى أو إلى قرائنا الكرام..  الشيخ الغنّوشي: أنصح نفسي والجميع بتقوى الله عزّ وجلّ، ودوام ذكر نعمائه والتهيئ أبدا للقائه بالحذر من سخطه والحرص على طاعته، أداء لحقوقه علينا وحقوق عباده، مستيقنين أنّ الظلم ظلمات يوم القيامة وأنّ دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وأنّ الله يمهل ولا يهمل. أما عن موقع الحوار المغوار، فإني إذ أعبر عن تقديري للجهد التنويري الذي يقوم عليه هذا الموقع المناضل، جزاكم الله خيرا وتفهّمي للصعاب ولظروف الترهيب التي أحاطت بالمنابر الإعلامية المناضلة ما حمل الكثير من كتابها إلى التخفي وراء أسماء وهمية، فإنّ تجربة الأشهر الأخيرة قد كشفت عن حجم كبير من التلويث الذي أصاب بعض فضاءات الإنترنات جراء ما قذفت به جهات متنكرة، قد تسرب من خلالها أعداء متربصون بالجميع. دعوتي إليكم وإلى كل المناضلين على المواقع الجادة، أخوية حارة، إلى أن تبذلوا الوسع في الارتفاع بمستوى الحوار من طريقين: الأول: من جهة المسؤولية، فيكون حوارا مسؤولا، بوجوه مكشوفة، لا سيما والبلاد من خلال شبابها الأخيار تتحفز لفرض التظاهر في الساحات العامة بالبلاد، فكيف نسمح بتواصل الحفلات التنكرية والتقاذف من ورائها بالبذاءات؟ ثانيا: حمل المتحاورين على الالتزام بأخلاقيات المهنة الصحفية الشريفة وهي في المحصلة ضوابط إسلامية من مثل الإعراض عن المهاترات والنيل من الأعراض والاتهام بغير دليل والتحريش والوقيعة وما إلى ذلك. والله ولي التوفيق. قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ».  الحوار.نت: نتوجه بالشكر الجزيل إلى الشيخ راشد الغنوشي لما أولانا به من حوار صريح مطول بمناسبة الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة التونسية.
(المصدر: موقع « الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 6 جوان 2010)


تعالى أخ الدّرب نضمّد جرحنا


 في الفترة الأخيرة اضطررت إلى الكتابة اضطرارا لأنّي شعرت بأنّني أُهدّد في الغالي والنّفيس من طرف الغالي والنّفيس فقسوت وقد يقسوا الأخ على أخيه والأب على إبنه والأمّ على إبنها دونما كراهية. نعم قسوت لأنّي أحبّ ولأنّي أرفض الخسارة ولأنّي مددت يدي فردّت وقد علّمتني الحياة ألاّ أجامل في الحقّ. اليوم، وبمناسبة الذكرى 29 لتأسيس الحركة أحاول أن آخذ نفسي بالعزيمة و أن أبتلع ألمي وأطوي صفحة وأرجو ألاّ أرتهن بعد اليوم لمواقف غيري ولغير مبادئي و ألاّ يُقرأ لي كلام بعد اليوم في موضوع العودة ولست بصدد الإعتذار لأحد وأسأل الله الهداية والتّوفيق لي ولكلّ إخواني.   غريبين نحن لا يفرّقنا العداء ولن يستطيع الدّهر فكّ رباطنا وغصّت بحلقي في دجى اللّيل عبرة وقلّبت وجهي أبحث عنك ها هنا فزمرة سلطان تسعّر فتنة ونزغ من الشّيطان أفسد ودّنا وكيد من الخصم ومكر وخدعة سيهلكنا إن لم نبده بريحنا سجدنا سويا ثمْ رفعنا بواكيَ حبيبين نحن لا يُفرَّق بيننا ولن يبق ظلّي واقفا حين تنحني ولن يسعد القلب إذا خار عزمنا سرينا من الظّلماء نرفع راية كجذوة موسى قد أنارت سبيلنا بحقّ الذي سوّاك عبدا صالحا ونوّر بالحقّ المبين عقولنا تعالى أبايعْك بألاّ خصومة تشتّت جمعا أو تشقّ صفوفنا فداك أبي أنت وأمّي ومقلتي فلا عشتُ إن دام التّلاسن بيننا تعالى أخ الدّرب نضمّد جرحنا ونحمي حمانا لا نبدّد غزلنا أتذكر يوما حين كنّا فتية نصارع غلاّب الهوى في نفوسنا لنا وثبة في الفجر والليل مدبر نوزّع منشورا ونُمضي شعارنا ولمّا صحَا القوم تناظر بعضهم وقالوا : رسّول الحقّ زار ديارنا و أسرع واش كي يبثّ وشاية وجاء خبير كي يقصّ أثارنا ولم يظفروا منّا بغير مرارة وكانت أمام مخفر الأمن دارنا حمانا القويّ لمّ لم نتنازعِ ووقّانا من شرّ الذي يمكر بنا فما بالنا اليوم بسنّ كهولة يُظنّ بنا الظّنّ ويُطمعهم بنا تعالى أخي كفّا بكفّ وننهل من الحبّ في الله ونشفي غليلنا ونُعرض صفحا عن جدال وفتنة ونطوي الّذي قد كان أفسد ودّنا يُحطّم تاج الحقّ بين حماته ونحن نكابر لا تسامح بيننا تعالى يدي مُدّت إليك نقيّة بغير خداع كي نواصل دربنا فإن أنت أعرضت تبوء بإثمها وحُقّ فراق الباغي ينكأْ جرحنا وإن أنت أرجيت أضعت فريضة وإن أنت أقبلت تعاظم أجرنا وإن أنت أصفحت تلاحم صفّنا وإن أنت آثرت تجمّع شملنا سلام على الدّنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الودّ مثلنا (*)     * محاكاة العربي القاسمي / نوشاتيل سويسرا في 26.05.2010  


عَلَيهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ


قد يعجز القلم أحيانا عن الاستجابة إلى صاحبه، أو قد يعجز صاحبُه – حياء من الكلمة – عن مسكه ودعوته إلى رسم ما بخاطره… فتمرّ الدقائق والساعات والأيّام، وتُحجب أحداث كثيرة عن النّور رغم حاجتها إليه (النّور) كي يُكشَف ما فيها من الظلمات، دون أن يتوقّف عندها أحد لوجودها ربّما في ظلّ أحداث جسام أخرى أخذت الألباب وصرفت إليها الانتباه… وقد كان من هذه الأحداث انضمام بلد آسيوي إلى القافلة التي عقدت العزم على مواجهة الحجاب والنّقاب ومحاربة شرع الله سبحانه وتعالى بدعاوى استندت على « حقوق الإنسان » التي تحدّثت مبادئها عن ضرورة احترام الإنسان وحقوقه… فقد قرّرت الحكومة الطاجيكية حظر الحجاب في المؤسّسات التعليمية… وقد كان الملفت في ذلك القرار بالنسبة لي على الأقلّ سير طاجاكستان على خطى دولتنا التونسية التي برّرت من قبل المنع بعدم احترام الذات التونسية، مستقبحة بالمقابل على لسان وزير الشؤون الدينية احترام التونسيين الذّات الإلهية، فقد رأى في تمسّك التونسيات بارتداء الحجاب « الدّخيل » على اللباس التونسي – استجابة لله سبحانه وتعالى – ضربا بغيضا من الخروج عن العرف ونوعا من التحدّي للسيادة التونسية… فقد بيّنت السلطات الطاجيكية أنّ اللباس الإسلامي في أرضها يحاكي أزياء بلدان أخرى كإيران والسعوديّة وغيرها، وهو ما لا يجوز القبول به في بلد يسمح فيه بتغطية الرّأس بطريقة تقليدية طاجيكية…   ولقد رأيت وسائل الإعلام تتناول المنع في طاجكستان فتصنّفه ثالثا من نوعه بعد تركيا وفرنسا، دون الإشارة من قريب أو من بعيد إلى المنع التونسي الذي كان أكثر الأصناف الأربعة جرأة على الله سبحانه وتعالى، ودون أن تربط بين هذا التطابق في أسباب المنع، فهم لا يمنعون « الاحتشام » ولكنّهم يمنعون الطريقة التي بها يتمّ الاحتشام… تماما كما يرى المتابع لسلوكيات الكيان الصهيوني اليوم وهو يردّد أنّه لا يمنع وصول حمولة السفينة « راشيل كوري »، ولكنه يمنع أن تكون حسب رغبة مسيّريها والنّاشطين عليها!… فمرور البضاعة – إن مرّت – لا يعني أبدا أو بالضروررة وصول السفن إلى غزّة، وكذلك القبول بـ »الاحتشام »، فإنّه لا يعني عندهم أبدا أو بالضرورة تطبيقا لشرع الله… وكأنّهم يريدون كسر العلاقة بين الاحتشام والدّين أو التديّن (فقد تكون محتشما غير متديّنا، وقد تكون متديّنا غير محتشم؛ بهذا التمييع)!..   أنا لا ألوم فرنسا كثيرا على إصدار قانون منع النّقاب فيها، فتفهّمي أو لأقل بصراحة حيائي يمنعني أن أوجّه الإصبع إلى دولة لا تدين بالإسلام من أجل منعها نقاب مختلف فيه، ولا أوجّه في الوقت نفسه أو قبله الإصبع إلى دولة تحشر نفسها – دستوريّا – ضمن المسلمين تمنع الزيّ الإسلامي المتّفق على وجوبه!… والحقيقة أنّ أيّ منع في بلاد الغرب أو العجم إنّما هو تأسّ بما يفعله المتجرّؤون على الله في بلاد الإسلام، إذ ما كان لفرنسا أو غيرها من البلدان المتحاملة على أبناء المسلمين المهاجرين إليها أن تتجرّأ على تجاوز مبادئ حقوق الإنسان فيها إذا لم يشجّعها تصرّف خونة المسلمين من حكام ومثقّفين وغيرهم المسرّب لفكرة أنّ المحافظة على حقوق الإنسان تمرّ حتما بمنع مظاهر « التطرّف والإرهاب »، كاللباس « المكبّل » للمرأة واللحية المذهبة عندهم لـ »نضارة » الذكور… وقد صحّ عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم فيما أخرجه مسلم عن أَبي عمرو جرير بن عبد الله رضي الله عنه، أنّه قال: « مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أجْرُهَا، وَأجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورهمْ شَيءٌ، وَمَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيهِ وِزْرُهَا، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهمْ شَيءٌ »… فالتاجيك قد حمّلوا « التونسيين » أوزارا على أوزارهم بحسن اتّباعهم لهم…   قد يبرز من بين ثنايا هذه الكلمات والأفكار مَن يُقيم عليّ الحجّة بهدف التكذيب، فيستفيض في الكلام عن الحجاب يملأ الآن الشارع والمؤسّسة وكلّ الفضاءات التونسية!… وإنّي لأحدّث بنعمة ربّي فأشكره عليها شكر العارفين مؤكّدا تكاثر الحجاب في تونس مقارنة بالسنوات التي ظنّ فيها الأشقياء إمكانية إنهاء دين آخر الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم. ولكنّي لا أتناول هنا موضوع الحجاب انتشارا خارجا عن إرادة محاربي الله وشرعه ومظهرا لإرادة الله في إحباط عمل المفسدين، ولكنّي أناقشه وقد حُورب وكتبت فيه المناشير ومنع به أهله – رغم تفوّقهم – من الترقّي في العلوم والعمل بل وحتّى الزّواج فقد خوّفوا النّاس من الاقتراب من حاملات الحجاب « اللاّوطنيات » المحاربات للصناعة التقليدية التونسية… ولعلّي على سبيل الذكر لا الحصر، ومن باب بيان خواء حجّة الذين تعلّلوا لمنع الحجاب بالغيرة على المرأة وتقدّمها وتطوّرها وخروجها إلى سوق العمل، أشير إلى الكثير من أخواتنا المتحجّبات ممّن تفوّقن تفوّقا واضحا على غيرهنّ من بنات جنسهنّ بل وحتّى على الكثير من الذكور المدّعين الانفتاح الزاعمين للرّيادة… وأذكر منهنّ في هذه السانحة هند الهاروني، فقد تحصلت على الإجازة (الأستاذية) في اللغة الإنقليزية منذ 1988 ولكنّها حرمت من مواصلة المرحلة الثالثة نتيجة اضطرارها إلى العمل الذي تستدعيه ظروف عائلتها المحرومة من خدمات ابنها البارّ يومئذ عبدالكريم الهاروني الذي أكلت شبابه السجون الوطنيّة… ولمّا عملت مضطرّة؛ فإنّها لم تعمل في مجالها كأستاذة لغة إنقليزية (اسمعوا يا دعاة حرّية المرأة، يا من تريدون تحريرها من قيمتها)، بل عملت في مجال النّقل البرّي والجوّي والبحري فتردّدت على المواني وراقبت الشحن والحاويات وما فيها، كما اشتغلت في المجال التجاري ونبغت فيه… بل لقد اقتحمت المجال السياحي فعملت منسّقة قسم المشتريات في أحد النّزل ثمّ رئيسة قسم المشتريات في نزل آخر… والمهمّة سيّما وقت التأسيس – كما كان شأن هند – تستوجب الكثير من الجهد والصبر لما فيها من كثير المعاناة!… هند متحصّلة كذلك على شهادة في علوم التربية وأخرى في العلوم الاجتماعية والثقافية البريطانية من بريطانيا. وهي إلى ذلك من أنشط نساء تونس اليوم من حيث مواكبة الأحداث والإسهام بقلمها المتعدّد اللغات (العربية والإنقليزية والفرنسية) في تغطية الأحداث والاهتمام بعالمها الإسلامي وبما يدور خارجه، بما يجعل نظريّا تونس تفخر بمثيلاتها وهنّ كثر… ولكنّ « التنويريين المدافعين عن المرأة » لا يحبّذون مثيلاتها، فلعلّها قد كسبت من الرّجولة التي جافوها لآماد طويلة ما يزهّدهم في التعامل معها ومع مثيلاتها!… والسؤال هنا: آالحجاب معطّل حقّا للإنتاج محدّ من حركة المرأة الحرّة، أم أنّ العائق عائق فكري عقدي لم يفقه أهله معنى المسؤولية حتّى تجاسروا على الله ورسوله، دون خوف من ثقل أوزارهم وأوزار مع أوزارهم؟!… نسأل الله الهداية للجميع!…         عبدالحميد العدّاسي الدّنمارك في 6 يونيو 2010.

حزب بيئي يعارض مشروعا نوويا في تونس خطة لإنشاء محطة نووية تونسية بحلول عام 2020

 


تونس: المنجي السعيداني  
أبدى حزب بيئي معارض في تونس تحفظه على مشروع بناء محطة نووية في البلاد. وقال المنجي الخماسي الأمين العام لحزب الخضر للتقدم (معارض) إن الحزب ما زال متحفظا على مشروع الملف النووي التونسي. وعرض الخماسي في ندوة صحافية نظمها أمس بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للبيئة، نتائج استطلاع شمل ألف تونسي وتطرق إلى أسئلة حول الموضوع البيئي. وأظهرت النتائج أن 46.5% من التونسيين يؤيدون استعمال الطاقة النووية في توليد الكهرباء، مقابل معارضة 11.6% بشكل قاطع اللجوء إلى الطاقة النووية في توليد الكهرباء. ولم يدل 41.8% بأي إجابة. وقال الخماسي إن المكتب السياسي للحزب تمنى لو أن كل التونسيين المستجوبين قد عارضوا استعمال الطاقة النووية في تونس حتى يجد الحزب السند القاعدي الهام عند معارضته مثل هذا الملف. وأضاف الخماسي لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الاستجواب وما احتواه من إجابات معارضة للتوجه النووي السلمي التونسي، يعكس تماما وجهة نظر حزب الخضر للتقدم الذي يبقى غير مقتنع بالملف النووي التونسي في الوقت الحالي، وهذا يفسر على وجه الخصوص بالنقص المسجل على مستوى الوعي البيئي للتونسيين. وكانت تونس قد أعلنت عن نيتها بناء محطة نووية بحلول سنة 2020، مما سيوفر لها قرابة 15 في المائة من حاجياتها المتزايدة من الكهرباء، ومن المنتظر أن تنتهي المرحلة الأولى من مراحل إنجاز المشروع سنة 2012. وكان الاستطلاع الأول من نوعه الذي ينفذ في تونس قد أظهر كثيرا من الحقائق الأخرى من بينها أن 84 في المائة من التونسيين غير منخرطين في جمعية بيئية على الرغم من وجود أكثر من 200 جمعية بيئية في البلاد، كما أن 62.7% من المستجوبين لا يعلمون بوجود حزب بيئي في تونس، وقي مقابل ذلك يبدي التونسيون اهتماما متزايدا بالتلوث الهوائي وبالنقص الحاصل على مستوى المياه وتدهور المناظر الطبيعية في تونس. (المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » (يومية – لندن) الصادرة يوم 6 جوان 2010)  


الفيج يطالب الجزيرة بتوضيح ظروف استقالة خمس صحفيات


حرر من قبل التحرير في السبت, 05. جوان 2010 أصدر الاتحاد الدولي للصحفيين بيانا يوم الجمعة 4 جوان 2010 طالب فيه قناة الجزيرة الفضائية بتوضيح الظروف التي أدت إلى استقالة خمس صحفيات يوم 25 ماي 2010 بعد تلقيه لتقارير تشير إلى تعرض الصحفيات المذكورات لمضايقات بسبب نوعية ملابسهن التى اعتبرت قليلة الاحتشام. واعتبر الاتحاد الدولي للصحفيين أن الحادث أثار مخاوف جديدة حول غياب الحرية النقابية في قطر، وعدم وجود ضمانات لموظفين الجزيرة تسمح لهم بتنظيم نقابة تمثل مصالح موظفي وسائل الإعلام والمساعدة في حل النزاعات مع الادارة.
(المصدر: مجلة « كلمة » الإلكترونية ( يومية – محجوبة في تونس)، بتاريخ 05 جوان 2010)

الوجه الآخر لأزمة اليورو فرصة لانخفاض أسعار المستورد.. وعمالنا العائدون يتقشفون


يواصل الأورو انخفاضه هذه الأيام ليصل أدنى مستوى له منذ أربعة أعوام مقابل الدولار وتتباين آراء الخبراء الاقتصاديين حول تأثير تراجع صرف الأورو أمام الدولار والعملات الأخرى، مما ضاعف مخاوف العالم وخاصة المنطقة الأوروبية واثار العديد من التساؤلات حول التأثيرات المحتملة لهذا التراجع وكيفية تجاوزه. فهل سيكون لهذا التراجع تأثير على المستهلك التونسي ؟ وكيف يمكنه التعامل مع هذا الظرف؟ «ستزداد مصاريفنا يوما بعد يوم ولن نكون قادرين على مجابهة ما ينتظرنا من التزامات تجاه العائلة والصيف وشهر رمضان خاصة ان عودتنا من المهجر تتزامن مع موسم الأفراح والمناسبات العائلية دون اعتبار الالتزامات الأخرى المتمثلة في مشاريع البناء والصيانة والتجديد وغيرها من المسائل الأخرى» هذا ما أفادنا به السيد عبد الستار مقيم بايطاليا منذ 20 سنة. ومن جهتها تقول السيدة حليمة بن مبروك مقيمة بفرنسا منذ 37 سنة انه بسبب هذا التراجع للاورو لن تقوم بتصريف أموالها دفعة واحدة وستحاول متابعة سوق الصرف حتى لا تخسر كل أموالها خاصة ان لديها العديد من الالتزامات العائلية والشخصية. وأكدت السيدة فاطمة (موظفة بالقطاع المالي) أن تراجع الأورو سيساعد على اقتناء المواد المستوردة من المواد الغذائية والاستهلاكية بأرخص الأسعار في صورة بقاء هذه الأسعار على ما هي عليه ولن يكون لهذا التراجع اي تاثير سلبي على المستهلك التونسي. تأثير «إيجابي» يرى السيد اسكندر ونيس (أستاذ جامعي محاضر ومستشار اقتصادي سابق لدى الهيئة العامة للاستثمار بدولة الكويت) ان ضعف الأورو لن يتواصل بل سيزول بمجرد زوال أسبابه وهي الأزمة المالية والصعوبات التي تعيشها بعض الدول الأوروبية وسيعود الاورو الى سالف موقعه في الساحة المالية العالمية. واكد ان هذا التراجع يخدم الاقتصاد الوطني بشكل ايجابي في حال استمراره او ثباته على المدى المتوسط والطويل، ولكنه قد ينعكس سلبا اذا ما تراجعت الصادرات الوطنية لدول الاتحاد الأوروبي. وعن تاثير تراجع الاورو على المواطن التونسي يقول الأستاذ ونيس ان المستهلك سيكون اكبر المستفيدين بصفة كلية ومباشرة من هذا التراجع خاصة على مستوى الواردات للمواد الاستهلاكية من الدول الأوروبية في قطاع الصحة والأدوات المدرسية والغذائية، وقال ان هذا الانخفاض سينعكس إيجابا على تكاليف الواردات من دول الاتحاد الأوروبي الأمر الذي سيساهم في انخفاض أسعارها عند بيعها في السوق المحلية وبالتالي ستشتد المنافسة وتتضاعف في الأسواق التونسية. وافاد ان بعض التجار الذين يزودون السوق بالمواد الاستهلاكية المستوردة سيجدون الفرصة سانحة لجلب أكثر ما يمكن من الحرفاء ومضاعفة وارداتهم بما يتيح لهم الحصول على منتجات ذات جودة عالية مقابل أسعار اقل مما كانت عليه في السابق. وبالاضافة الى المنح السياحية للتونسيين الذين يتجهون في العطل إلى الدول الأوروبية فان الطلبة الذين يزاولون تعليمهم العالي في هذه الدول في صورة بقاء الدينار التونسي في نفس المستوى والأسعار على ما هي عليه سينتفعون بدورهم من هذا التراجع. ويرى ايضا ان تراجع سعر صرف الأورو سيساعد التونسيين الذين يتوجهون إلى مكاتب الاستشارات والخدمات بالخارج في صورة ما حافظت هذه المكاتب على نفس التعريفة الخدماتية. المستوى الوطني ومن جهته يقول السيد خالد بن محمد النيفر( خبير مالي واقتصادي) أن العديد من المتخصصين في أسواق المال يرجحون أن العملة الأوروبية الموحدة اليورو لن تنتعش في وقت قريب، ويقول محللون آخرون إن اليورو سيعاود الانخفاض في الأيام المقبلة حتى يتعادل مع الدولار بشكل كامل قبل أن يعاود الارتفاع مجددا.  وقال ان «اغلب الباحثين في أسواق المال يرون ان الأورو سيصبح عملة ذات أسس ضعيفة اذا ما تواصلت الأزمات المالية « هذا بالنسبة الى الوضع العالمي اما على المستوى الوطني فيقول الخبير ان المعطيات الرسمية تؤكد بان تونس تنجز نسبة 40 بالمائة من جملة وارداتها بالدولار و60 بالمائة بالاورو وقال انه وعلى عكس ما يتوقعه البعض فان ارتفاع سعر الدولار سيكون له «تأثير سلبي» على الميزان التجاري لواردات تونس من المواد الأساسية حبوب وزيوت نباتية وسكر.. والأولية بترول حديد.. التي يتم اقتناؤها بالدولار في حين أن تراجع قيمة الأورو سيكون له تأثير «إيجابي» على توريد التجهيزات والمواد نصف المصنعة من منطقة اليورو بما يساعد على تقليص «الضغوط التضخمية الخارجية» مشيرا الى احتمال تطور واردات تونس من دول الاتحاد الأوروبي في صورة استمرار تراجع قيمة العملة الأوروبية الموحدة وهو ما سينعكس ايجابيا على المستهلك التونسي الذي سيستفيد من هذا التراجع. وقال ان هذا التراجع سيكون له اثر سلبي على المداخيل المتأتية من التصدير نحو دول الاتحاد الأوروبي وعلى القدرة التنافسية للمؤسسات التونسية المصدرة التي ربما قد تجد نفسها مضطرة الى التداين او غلق ابوابها وتسريح عمالها في بعض الأحيان. واضاف انه بالنسبة للقطاع الصناعي فان الفرصة حاليا قد تكون مواتية لمضاعفة الواردات من الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بالسيارات والانتاج الصناعي المستورد من مناشئ اوروبية.  مردة دلهومي محمدي (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 06 جوان 2010)

المقاومة الثقافية والمدنية تقض مضاجع الصهاينة


سمير ساسي يكاد الصهاينة يجمعون على أن ذكرى قيام دولتهم هذه السنة هي الأسوأ على الإطلاق لتوالي الخيبات الإعلامية والسياسية التي منيت بها قيادة دولتهم في المحافل الدولية، خاصة إثر تقرير غولدستون وتداعيات الهجوم على أسطول الحرية. ولم يخفف عنهم هذا الشعور بالسوء عدم استفادة العرب منه، ومرور ذكرى النكبة بدورها عند العرب كأسوأ ذكرى يحيونها نظرا لتواصل حالة التشرذم والانقسام في الصف العربي. ذلك أن الصهاينة رغم متابعتهم لتطورات الأمور عند أعدائهم العرب فإنهم يولون أهمية أكبر لتطور الموقف تجاههم في دول الغرب التي تعدّ الحامي الحقيقي للمشروع الصهيوني والمسؤول المباشر عن أمن إسرائيل ووجودها. وفي تقييم الصهاينة شهد الموقف الغربي تحولا كبيرا ضد إسرائيل خلال هذه السنة وقبلها بقليل، وقد يتواصل إذا لم تقدر دوائر القرار في الدولة الصهيونية على محاصرة هذا التحول وتجميده أو إيقافه نهائيا. ويتساءل المتابع: كيف يمكن لموقف لا يستفيد منه العدو المباشر (العرب) أن يشكل مصدر قلق بالغ بالنسبة للصهاينة؟ إن هذا التناقض الظاهر في محتوى ما ذكرنا ينجلي إذا عرفنا أن قلق الصهاينة ينبع مما يلاحظونه من تحول خطير داخل الحقل الثقافي الغربي تجاههم. ولأن الصهاينة يدركون قيمة « المقاومة » الثقافية بالنسبة لمستقبل دولة الكيان، فإنهم اعتبروا أن ذكرى قيام دولتهم هذه السنة هي الأسوأ باعتبار ما شهده هذا العام من بروز مواقف ثقافية تفضح الطبيعة العنصرية والاستعمارية البغيضة لدولة الكيان.  » في تقييم الصهاينة شهد الموقف الغربي تحولا كبيرا ضد إسرائيل خلال هذه السنة وقبلها بقليل، وقد يتواصل إذا لم تقدر دوائر القرار في الدولة الصهيونية على محاصرة هذا التحول وتجميده أو إيقافه نهائيا  » ونقصد بالمواقف الثقافية هنا ما استطاع أن يحققه عدد من المثقفين والكتاب في دول الغرب من خرق لمبدأ الحصانة الثقافية التي تتمتع بها إسرائيل هناك من خلال التباكي على المحرقة (الهولوكست) والتخويف بها، حتى صار محرما على كل مفكر أو مثقف يحترم نفسه أن يشكك في سياسات إسرائيل أو أن يندد بطبيعتها اللاإنسانية والعنصرية، وهو ما نجح الصهاينة في استثماره عقودا طويلة من الزمن. ظهور كتاب ريجيس دوبري « إلى صديق إسرائيلي » أواسط مايو/أيار الماضي، أعاد سؤال « المكتسب الثقافي » إلى نقطة الصفر. ذلك أن الكتاب جاء ليصب الزيت على نار هذه الثورة الثقافية الهادئة التي يشهدها الغرب ضد ممارسات الكيان الصهيوني، وإن كانت لم ترتق إلى مطامح الشعب الفلسطيني وآمال الأمة العربية والإسلامية. غير أن هذين العاملين (مطامح الشعب الفلسطيني وآمال الأمة) لا يعتبران محددين في فهم هذا التحول، بما أننا نتحدث عن نسق فكري وفضاء ثقافي مختلفين يتحركان وفقا لآليات خاصة، لكن ذلك لا يمنع من الجزم بأن ما يشهده هذا الفضاء يعتبر إنجازا عظيما مقارنة بالمكتسب التاريخي الصهيوني داخل هذا الحقل وما آل إليه الوضع في السنوات الأخيرة، وخاصة هذه السنة بعد حرب إسرائيل الإجرامية على قطاع غزة. فكتاب دوبري نقطة في سلسلة مواقف ثقافية هامة بدأت برسالة المؤرخ اليهودي الأصل أندري نوشي إلى سفير إسرائيل في فرنسا والتي أكد فيها أنه « لم يعد من الممكن الصمت أمام سياسة الاغتيالات والتوسع الإمبريالي لإسرائيل ». وتبعتها عريضة المثقفين التي وقع عليها نحو ثلاثة آلاف من اليهود البارزين من المثقفين بينهم أساتذة جامعيون من أمثال برنارد هنري ليفي وألين فنكيلكراوت اللذين يعتبران من بين أشد المدافعين عن إسرائيل بين المثقفين الفرنسيين. ومن بين الموقعين أيضا دانييل كوهين بينديت، وهو زعيم الاحتجاجات الطلابية التي جرت في ستينيات القرن الماضي ويتمتع حاليا بعضوية البرلمان الأوروبي. ووصفت العريضة الاستيطان « بالخطأ الأخلاقي والسياسي ». وحتى ندرك معنى القلق الصهيوني إزاء هذا التحول في ساحة ثقافية عرفت بدفاعها المستميت عن إسرائيل، لابد من الوقوف عند غياب الدور العربي في هذا التحول أولا، فلم تكن هذه المواقف لمثقفي أوروبا عموما وفرنسا خصوصا نتيجة تحرك مواز نظمه المثقفون العرب لإقناعهم بالنظر إلى الأحداث نظرة موضوعية بعيدة عن التعصب الأعمى للكيان الصهيوني، وهذا الغياب الثقافي العربي عن الفعل قرأته إسرائيل ودوائر القرار فيها على أنه علامة على وجود « وعي مؤسس لدى مثقفي أوروبا ومفكريها » لن يزول بزوال « الهبّة الإعلامية » المعتادة التي خبرت إسرائيل التعامل معها بإلقاء تهمة معاداة السامية على من ينتقد سياستها. وثانيا يجدر بنا الرجوع إلى التاريخ لفهم القلق الصهيوني من هذا « الانفلات الثقافي والفكري » الذي تشهده الساحة الثقافية الأوروبية عامة والفرنسية خاصة، ففرنسا مثلا تعتبر أكثر الدول الأوروبية التي يدافع مثقفوها عن إسرائيل، فمنذ حرب عام 1967 صدر في باريس يوم 28 مارس/آذار 1967 ما سمي ببيان المثقفين الفرنسيين الذي وقعه سارتر وسيمون دوبوفوار وأعلن فيه عدد من المثقفين تأييدا كاملا للدولة الصهيونية ودفاعهم المستميت عنها وانحيازهم إلى جانبها واستنكارهم لما وصفوه بتهديد سلامتها من الدول العربية.  » حتى ندرك معنى القلق الصهيوني إزاء هذا التحول في ساحة ثقافية عرفت بدفاعها المستميت عن إسرائيل، لا بد من الوقوف عند غياب الدور العربي في هذا التحول أولا, وثانيا يجدر بنا الرجوع إلى التاريخ لفهم القلق الصهيوني من هذا الانفلات الثقافي والفكري الذي تشهده الساحة الثقافية الأوروبية عامة والفرنسية خاصة  » ولم تفلح مواقف الفيلسوف روجيه غارودي عام 1996 ولا القس المعروف بالأبي بيار الذي سانده في الحفاظ على ذلك الخرق الذي سُجّل في دائرة المحرمات داخل فضاء السياسة والثقافة الفرنسيين وأضر بصورته، الأمر الذي اضطره إلى سحب أقواله. وقد سارع اللوبي الصهيوني إلى محاولة إعادة تجربة غارودي ضد ريجيس دوبري فقلل أنصار هذا اللوبي المتنفذ من أهمية ما نشره، وكانت التهمة المألوفة « العداء للسامية » سباقة. واعتبر كلود لينزمان -أحد أكثر الإعلاميين تأييدا لإسرائيل- أن دوبري لا يفهم شيئا مما يحصل هناك في إسرائيل، بينما قال جون كريستوف روفان الكاتب والطبيب الفرنسي إن دوبري يستولد أعداء ليضع نفسه في وضع الضحية التي تحوله إلى بطل. والملاحظ أن الحملة التي ثارت ضد دوبري قادها أكاديميون ومثقفون، وهو ما يبرز حقيقة القلق الصهيوني إزاء هذا « الاختراق الثقافي » في ساحة كانت تعد فضاء خاصا بهم، رغم المحاولات العربية لكسر هذا « التملك الصهيوني للمثقفين الفرنسيين ». ولا بد هنا من التوقف عند هذه المحاولات التي تتسم بندرتها منذ اندلاع الصراع العربي الصهيوني، فموقف جون بول سارتر والمثقفين معه لم تقابله آنذاك سوى رسالة يتيمة من الدكتور سهيل إدريس نشرتها الصحف اللبنانية الصادرة بالعربية والفرنسية وبعض المجلات المصرية جاء فيها: « نستنكر بيان بعض المثقفين الفرنسيين الذي وقعتموه مع سيمون دوبوفوار بتأييد إسرائيل. ويؤسفنا نحن المثقفين العرب أن تكونوا في موقف العجز عن التوحيد بين الإمبريالية الأميركية التي تدينونها وإسرائيل وليدة هذه الإمبريالية. موقفكم الحالي في تأييد دولة اغتصبت أرضا وشردت شعباً يخون مواقفكم السابقة في تأييد نضال شعوب الجزائر وكوبا وأفريقيا وسواها لاسترداد حريتها والدفاع عن حقوقها. المثقفون العرب -وفيهم أصدقاء كثيرون لكم- آسفون لسقوطكم أنتم أيضا ضحية التضليل الصهيوني. أعاني ندما عميقا لترجمة كثير من كتبك وتقديمها للقارئ العربي. فقدان المثقفين العرب ثقتهم بكم لن يزيدهم إلا إيمانا برسالتهم في الدفاع عن الحق العربي في فلسطين ». لكن يبدو أن « ندم » الدكتور إدريس صار عقدة لدى المثقفين العرب أعاقتهم عن الفعل تجاه هذه الساحة التي كانت تزخر بمثقفين شكلوا في تلك الفترة مثلا عليا للمثقفين العرب ولمناضلي الحركات السياسية والطلابية في مجتمعاتنا، فلم نشهد محاولة تفكيكية لفهم سرّ النجاح الصهيوني في الحيلولة دون أن ينظر مثقفون تقدميون ويساريون إلى الحقائق كما هي في موضوعيتها. لم تكن هناك محاولات جادة وعلمية بعيدة عن الأيدولوجيا لفهم واقع ثقافي مختلف عنا سبقنا الصهاينة إليه بعقود من الزمن، ولم يكن هناك من مبرر لهذا الغياب العربي لأن الفترة التي تزامنت مع النكبة وتلتها كانت من أكثر الفترات التاريخية ازدهارا لحركة الثقافة العربية مقابل التردي السياسي. لكن يبدو أن توجه أصحاب هذه الإبداعات نحو تفكيك البنى الداخلية لمجتمعاتهم التقليدية أو ما صوره البعض بأنه معركة التحرير الداخلي، هي التي ألهتهم عن هذا الفعل الذي كان يمكن -إن تم- أن يغير المعادلة بصفة كلية. يذكر سهيل إدريس أن الشاعر محمود درويش عاتبه في موقفه من سارتر إثر عدوان 5 يونيو/حزيران 1967 واعتبره موقفا انفعاليا جدا، وقال له « أن يكون سارتر قد أيد إسرائيل فهذا شأنه، وما كان ينبغي لك أن تترك عقدة الذنب تستولي عليك » (مجلة الآداب/العدد المزدوج 4/5-1980). وموقف درويش يحتمل في نظرنا تأويلين: إما أن الشاعر الفلسطيني كان واعيا بأن عقدة الذنب لن تفيد في العلاقة مع هؤلاء المثقفين وبالتالي وجب تجاوزها إلى الفعل المباشر معهم، وهو تأويل ضعيف لأن درويش لم ينجز ما يمكن أن يبرهن على هذا الوعي ولم يسجل له التاريخ سوى فتح علاقات مع بعض المثقفين الصهاينة، وهو الموقف الذي يأخذه عليه الكثير ممن لا يؤمنون بالتطبيع الثقافي مهما كانت مبررات الدعوة إليه. والتأويل الثاني أن درويش كان من دعاة الفصل بين الموقف السياسي والموقف الفكري، وهو التأويل الأرجح إذ دلت عليه مواقف الشاعر الراحل وبرزت آثاره لدى المثقفين المتأثرين بخط درويش في هذا المجال بالإضافة إلى مواقف غيره من دعاة الفصل، مع التنبيه هنا إلى أننا لا نعتبر درويش الرمز الأول لهذا التيار بل واحدا من رموزه.  » وجد العرب أنفسهم في زمن العولمة دون أن يعدوا لها وظلوا حبيسي مقولاتهم القديمة إلا قليلا، وهو ما أفقد الساحة الثقافية والفكرية نصيبا لا بأس به من المناعة ضد التطبيع، تجلى ذلك في غياب مصطلحات العدو الصهيوني والمقاومة وفلسطين التاريخية ورفض الصلح والتفاوض  » وتثير دعوة الفصل هذه جدلا كبيرا في الساحة العربية المعاصرة، خاصة مع هذا الصنف من الأكاديميين والأدباء والمثقفين الذين يلجؤون إلى الاحتماء بالندوات العلمية الدولية للتطبيع مع الصهاينة، أو الذين يبررون التطبيع تحت مقولات مختلفة كالاطلاع على ثقافة الآخر والتسامح.. وغيرها من الدوافع التي يرى عدد هام من المتابعين للشأن الثقافي العربي أن الدافع المنفعي المادي يأتي على رأسها نظرا لنجاح دول الاستقلال العربية في « الإيقاع » بالمثقفين عموما في دائرة مفرغة من اللهث وراء « الهم اليومي » المعيق للإبداع. إن ثقافة الفصل أنتجت طبقة مثقفة لا يستهان بها من دعاة التطبيع، غير أن الحركة السياسية والاجتماعية والفكرية ما قبل العولمة غطت عليها ومنعتها من نشر مقولاتها، حتى تسارعت الأحداث ووجد العرب أنفسهم في زمن العولمة دون أن يعدوا لها، وظلوا حبيسي مقولاتهم القديمة إلا قليلا وهو ما أفقد الساحة الثقافية والفكرية نصيبا لا بأس به من المناعة ضد التطبيع، تجلى ذلك في غياب مصطلحات العدو الصهيوني والمقاومة وفلسطين التاريخية ورفض الصلح والتفاوض، والأغاني الملتزمة التي تحث على المقاومة والإنتاجات الأدبية والفكرية التي تمجد المناضلين والشهداء، لتترك المجال لمقولات التسامح وحوار الأديان والحضارات، وهي مقولات حق أريد بها باطل. لا يمكن لمثل هذا الجيل أن يطرح على نفسه « اختراق » الفضاءات التي تحتكرها الصهيونية، لكن الأمل معقود بنواصي المثقفين الذين ما زالوا يجاهدون من أجل مقاومة التطبيع، شريطة أن تنفتح رؤاهم على مثل هذه المستجدات التي مثلها ريجيس دوبري وغيره من مثقفي أوروبا الأحرار الذين لا يتحرجون من طرح المواضيع المزعجة لمجتمعاتهم على حد تعبير دوبري نفسه في كتابه « الأنوار التي تعمي ». (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 5 جوان 2010)  

الدوحة: 17 جمادى الآخرة 1431هـ      31 مايو 2010م

بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على قافلة الحرية

 


بسم الله ناصر المستضعفين، وقاصم الجبارين، ومذل المتكبرين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله و صحبه أجمعين. (وبعد)
فقد فجع فجر هذا اليوم العالم بجريمة نكراء جديدة ارتكبتها الأيادي الصهيونية ضد « قافلة الحرية » أو  » أسطول كسر الحصار » وهو يتكون من عدد من السفن تضم حوالي 750 مناصرا لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أربع سنوات، وهم يمثلون مواطني 50 دولة من بينهم عدد من البرلمانيين والمثقفين والنشطاء الحقوقيين وبعض وسائل الإعلام.
قرر هؤلاء الأحرار أن يقوموا برحلتهم هذه التي انطلقت من أكثر من دولة ليلتقي جميعها في المياه الدولية بالقرب من جزيرة قبرص محملين بعدد من المواد الغذائية والطبية وبعض مواد البناء، ليكسروا بها الحصار الذي تفرضه الدولة الصهيونية على قرابة مليوني فلسطيني في قطاع غزة منذ الحرب الظالمة، متحدّين التهديدات الإسرائيلية التي أطلقتها بمنعهم من الوصول إلى القطاع.
وفي حدود الساعة الرابعة من صبيحة هذا اليوم الإثنين 31 مايو بتوقيت مكة المكرمة، وقبل أن تصل هذه القافلة إلى المياه الإقليمية لغزة بحوالي 20 ميلا وهي لازالت في المياه الدولية حاصرتهم السفن والبوارج الإسرائيلية الحربية والطوافات من فوقهم لإنزال الجنود الصهاينة المدججين بالسلاح على متن هذه السفن المسالمة، متجاوزين ومتحدّين بذلك كل القوانين والأعراف الدولية التي تنظم حركة الملاحة في المياه الدولية، فتصدى هؤلاء الأبطال لهذه الجيوش التي كانت تعد بالمئات بصدورهم العارية وأياديهم البيضاء الطاهرة، فرفضوا الانصياع لأوامر هذه القوات المدججة بتحويل وجهتهم إلى أحد الموانئ الإسرائيلية، فما كان من هذه القوات المسلحة بأحدث أنواع الأسلحة إلا أن تنطلق بإطلاق الرصاص عشوائيا على هؤلاء المسالمين لإرهابهم وتخويفهم وجعلهم يمتثلون لأوامر تحويل الوجهة بالقوة، فأصابوا منهم العشرات من بينهم إلى حد كتابة هذا البيان حوالي 19 شهيدا و26 جريحاَ أغلبهم من الإخوة الأتراك من أحفاد السلطان عبد الحميد كما صرح أحد المشاركين في القافلة قبل انطلاقتها من السواحل التركية.
وأمام هذه التطورات الخطيرة جدا، وهذه الهمجية الصهيونية التي لا ترقب في مؤمن إلاّ ولا ذمة، ولا ترعى لأحد عهدا ولا حرمة، والتي تقتل المدنيين بكل جرأة، ولا تراعي أي ضابط أخلاقي أو قانوني، متحدية الإرادة الدولية، ومنتهكة كل القوانين والأعراف والمواثيق المتعارف عليها بين شعوب هذا العالم، مما جعلها ككيان فوق العقاب والحساب، فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يعلن ما يلي:
أن هذا الكيان وبإقدامه على هذه الجريمة البشعة والنكراء يؤكد من جديد سياسة الإجرام التي عرف بها مع شعبنا الفلسطيني على امتداد أكثر من 80 سنة، منذ قيام دولته وقبل أن تقوم. وما هذه الجريمة إلا دليل آخر على أن هذا الكيان يجب أن يوضع في قفص المجرمين العالميين، و يحاصر مسؤولوه على أنهم (مجرمو حرب) من الدرجة الأولى.
يحييّ الاتحاد هؤلاء الأحرار الذين تكبدوا مشاق هذه الرحلة، ويترحم على شهدائهم الذين سقطوا من أجل الحق والعدل والحرية، وضد الحصار والظلم والاحتلال، ويدعو للجرحى بالشفاء العاجل.
كما يحيّي الاتحاد وبشكل خاص الاخوة الأتراك الذين شاركوا في هذه القافلة والذين زاد عددهم عن ثلثي المشاركين ومن ورائهم سائر الشعب التركي البطل، وكذلك الحكومة التركية النبيلة والشجاعة، التي ساندت ودعمت هذه القافلة منذ انطلاقتها، وكذلك تحركها العاجل والمشرف بعد وقوع الجريمة، ونقول لهم: إن مواقفهم المشرفة من قضية فلسطين ومن حصار غزة، ومن قضية القدس والمسجد الأقصى، ستضاف إلى الموقف التاريخي الذي خطه السلطان عبد الحميد الثاني رحمة الله عليه حين رفض أن يبيع أو يتنازل عن شبر واحد من أرض فلسطين الى اليهود.
يدعو الاتحاد جميع الشعوب العربية والاسلامية وجميع الأحزاب والقوى الوطنية وأحرار العالم، رجالهم ونسائهم، شيوخهم وشبابهم إلى التظاهر والتعبير عن رفضها السلمي لهذه الجريمة الهمجية البشعة، وتكثيف هذا التظاهر يوم الجمعة القادم ودعوة الخطباء في المساجد إلى التنديد بهذا الجرم الكبير واعتباره يوم غضب شعبي إسلامي ضد العدو الصهيوني، ويوم نصرة لشعب غزة الصابر والمصابر المظلوم.
يجدد الاتحاد دعوته للجهات الرسمية العربية ممثلة في الحكام والملوك والجامعة العربية والسلطة الفلسطينية بالتوقف عن التحاور وطرح مبادرات سلام مع هذه العصابات المجرمة التي لا تعرف للسلام طريقاَ ولا تؤمن إلا بقانون الغاب، فأقل ما يمكن أن نفعله أن لا نكون في من يساهم في تجميل صورة هذا الكيان وإبرازه وكأنه بالفعل يؤمن بالحوار والسلام، فاسحبوا هذه المبادرة العربية التي قتلها هذا العدو وأشبعها موتا بهذه الأعمال الإجرامية التي يرتكبها باستمرار. يدعو الاتحاد كل أعضائه المنتشرين في كافة أنحاء العالم أن يكونوا في مقدمة الصفوف، ويتقدموا كل التحركات السلمية التي تندد بهذه الجرائم الصهيونية، وأن لا يدخروا جهدا في كشف خبث هذا الكيان الإجرامي الدموي الخارج عن كل تعاليم الأديان وقيم الأخلاق، ومواثيق حقوق الإنسان، وعن كل القوانين والأعراف الدولية، مستخدمين في ذلك كل ما لديهم من إمكانيات إعلامية وتقنية وخصوصا على شبكة الانترنت حتى نكشف جرائمه لكل أحرار العالم. ويجدد الاتحاد دعوته إلى العرب والمسلمين والشرفاء في العالم: أن يقاطعوا البضائع الصهيونية، وكذلك بضائع أمريكا التي تناصر الدولة الصهيونية بالحق وبالباطل، فأقل ما يجب على المظلوم ألا يربح ظالمه. وإننا على يقين أن شعب غزة وشعب فلسطين منصور في النهاية {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173،172] وقد قال صلى الله عليه وسلم: « إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته » ثم تلا: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]. {وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ} [هود:122،121].   رئيس الاتحاد أ.د. يوسف القرضاوي


بدعم من سلاح البحرية التركية أردوغان يفكر في كسر حصار غزة بنفسه


أنقرة  ـ وكالات كشفت مصادر مطلعة أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يفكر في التوجه بنفسه الى غزة لكسر الحصار المفروض عليها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة ستزيد حدة التوترات المشتعلة بين أنقرة وتل أبيب. ونقلت صحيفة «المستقبل» اللبنانية عن مصادر تركية مطلعة أن «أردوغان أخبر الإدارة الأمريكية أنه ينوي الطلب من سلاح البحرية التركية مرافقة أسطول جديد لسفن الإغاثة يجرى الإعداد له للتوجه الى غزة، لكن المسؤولين الأمريكيين طلبوا منه التريث لدرس الموضوع». وكان أردوغان قال في مؤتمر صحفي أول أمس في مهرجان شعبي في مدينة كونيا وسط الأناضول أن «مصير القدس مرتبط بمصير اسطنبول ، وأن مصير غزة مرتبط بمصير أنقرة»، متعهداً بـ»عدم تخلي تركيا عن الفلسطينيين وحقوقهم، حتى ولو تخلى العالم عنهم». وقال أردوغان في أعنف كلمات له حتى الآن «أنا أتحدث إليهم بلغتهم… الوصية السادسة تقول «لا تقتل». ألا تفهمون؟». وأضاف في خطاب تلفزيوني لأنصار «حزب العدالة والتنمية» الحاكم «سأقول مجدداً. أقول بالإنقليزية «لا تقتل». هل ما زلتم لا تفهمون؟ سأقول لكم بلغتكم. أقول بالعبرية «لا تقتل». وكرر في حديث لقناة «ان تي في» التركية «نحن جادون بشأن هذا الأمر. نعتزم خفض علاقاتنا مع إسرائيل إلى الحد الأدنى، لكن افتراض إنهاء كل العلاقات مع دولة أخرى على الفور، والقول إننا حذفنا اسمكم تماماً، فإن ذلك ليس من عادات بلدنا». وفي ذات السياق كشفت صحيفة «خبر تورك» التركية امس عن مقاطع من المكالمة الهاتفية التي جرت بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ووزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك مساء الاثنين الماضي عقب هجوم البحرية الاسرائيلية «أسطول الحرية» ، مما اسفر عن سقوط تسعة أتراك ونحو 33 جريحا. وفيما يلي نص المكالمة الهاتفية كما نشرتها الصحيفة: باراك: وقع هجوم عنيف على جنودنا، وجرحوا بالسيوف، وتم الاستيلاء على أسلحة جنودنا واستخدامها ضدهم. داود أوغلو: ننتظر منك الاعتذار. لقد اقترفتم جريمة دولية. وعليكم أن تسمحوا بإرسال القتلى والجرحى إلى تركيا. باراك: هل تريدون الجرحى؟ داود أوغلو: سنأخذهم. فإن من يقتل المدنيين لا يمكن أن يعالجهم. إن كان المدنيون هم المعتدون، فمن القتلى؟ باراك: لقد تحركنا من أساس الحصار المفروض على العدو غزة. داود أوغلو: وهل القتلى أعداء؟ باراك: توجد صواريخ كثيرة. ولقد تعرض شعبنا لهذه الاعتداءات من قبل. ونحن مختلفون مع حماس. ليست لدينا مشكلة مع عزة. داود أوغلو: وهل القتلى وجهوا صواريخ تجاهكم. كيف استطعتم قتلهم. إن تركيا ليست أي دولة. تركيا لديها من القوة ما تحمي به مواطنيها. باراك: نحن نحترم لأقصى درجة تركيا، والدور الذي تقوم به. داود أوغلو: أي احترام هذا؟ وأنتم تقتلون أبناءنا في المياه الدولية. لا يمكن لأي شخص أن يمس مواطنينا. إنكم تناضلون منذ خمس سنوات من أجل جندي إسرائيلي واحد. ومواطنونا بالنسبة لنا أيضا مهمين. وعليكم التعامل معهم باحترام.
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 06 جوان 2010)


« أي استهداف لها سيزيد التعاطف الدولي » عشر مبادرات عالمية لتسيير قوافل بحرية لغزة

 


  غز – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب جمال الخضري، عن وجود أكثر من عشر مبادرات على الصعيد العربي والإسلامي والدولي لتسيير قوافل بحرية إلى قطاع غزة في محاولة لكسر الحصار الصهيوني الظالم المفروض منذ أكثر من ثلاثة سنوات عليه. وأوضح الخضري في تصريح صحفي مكتوب، تلقي  » المركز الفلسطيني للإعلام » نسخة منه اليوم الأحد(6-6) أن القرصنة الصهيونية ضد أسطول « الحرية » ولدت عشرات الأفكار، وعشرات المبادرات على المستويات العربية والإسلامية والدولية، مؤكدًا أن أي استهداف لهذه القوافل سيزيد المتضامنين والتعاطف الدولي. ويرى النائب بالتشريعي،ً أن التفاعل والحراك الدولي والشعبي والرسمي ما زال يتفاعل، مطالبًا بإنهاء الحصار بشكل كامل، وهذا ما أجمع المجتمع الدولي عليه. (المصدر:موقع المرصد الفلسطيني للإعلام (غزة – فلسطين) بتاريخ 6 جوان 2010)  

نهاية حصار قطاع غزة

منير شفيق  
قافلة فك الحصار عن قطاع غزة، والهجوم العسكري العدواني الذي تعرّضت له في عرض البحر بعيداً من شواطئ القطاع بحوالي 75 كيلومتراً أبرزت حقيقتين: الأولى: أعادت إلى الواجهة إشكال حصار قطاع غزة منذ حوالي ثلاث سنوات. ومن ثم خطورة استمراره على مليون ونصف مليون فلسطيني. وقد ضجّ المجتمع الأهلي عربياً وفلسطينياً وإسلامياً وعالمياً من استمراره فصممّ أكثر من سبعمائة مشارك من أربعين دولة تشكيل أسطول بحري صغير للذهاب محمّلاً بالمساعدات إلى القطاع، لكسر الحصار وتحدّي الجيش الصهيوني، ومناصريه بالرغم من التهديدات بمنعه. الثانية: كشف الهجوم العسكري الذي تعرّضت له السفن وفي مقدّمها سفينة مرمرة التركية، أن الكيان الصهيوني يضرب عرض الحائط بكل القوانين الدولية والإنسانية، وبإرادة الرأي العام العالمي. ومن ثم لن يرعوي عن ارتكاب مجزرة جديدة سقط بسببها العشرات بين قتلى وجرحى (لم يُكشف حتى الآن عن الأرقام الحقيقية ونسبة الشهداء إلى الجرحى). بالنسبة إلى الحقيقة الثانية لم يستطع أحد من المسؤولين الدوليين بمن فيهم حماة الكيان الصهيوني تاريخياً من الدفاع أولاً عن الهجوم العسكري، وثانياً، أن يجدوا له مسوّغاً بأي شكل من الأشكال. فالجريمة حدثت هذه المرّة على رؤوس الأشهاد، ومع سبق الإصرار والتصميم من مرتكبيها. بل مع الإمعان في تحدّي العالم كله في الإصرار عليها، ولو من خلال تزوير الوقائع وكيفية وقوع الأحداث. كالعادة لم يستطع الرئيس محمود عباس التعامل مع هذه الجريمة كما تعامل مع حماس يوم شُنَّ العدوان الصهيوني على القطاع في 2008/2009. فاضطرّ إلى إدانته وإعلان الحداد ثلاثة أيام (من دون أن يلبس الربطة السوداء ولم يضع على يده شارة الحداد) فالحداد هنا شكلي ليكون بديلاً عن اتخاذ خطوات عملية في الردّ على الجريمة. مثلاً وقف المفاوضات وقفاً دائماً، أو إلغاء الاتفاق الأمني مع أميركا والكيان الصهيوني لكبت الضفة الغربية وتصفية المقاومة فيها، أي حماية الجيش نفسه الذي شنّ الهجوم على القافلة وارتكب الجريمة. فهو مُحرَج ولا يستطيع أن يوجّه أصابع الاتهام إلى إدارة أوباما الشريكة، بشكل أو بآخر، والمانعة لأي قرار دولي ضدّ الجريمة. ولهذا لم يجد غير الهروب إلى مجلس الأمن وإلى الجامعة العربية. وقد أثبتت التجربة أن هذا الطريق هو الأسلوب الأنجح لإماتة أية قضية تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني أو يمكن أن تؤذي العدو. علماً أن الإحراج وصل حدّه الأقصى بالنسبة إلى الجامعة العربية. موقف أمين عام الجامعة العربية بدا عالياً ولكنه، في الحقيقة، من نمط موقف محمود عباس. فها هنا تسمع قعقعة ولا ترى طحناً، أو ترى طحناً وَضَعَ حَبّه جورج ميتشل مثلاً العودة إلى المفاوضات غير المباشرة. طبعاً الموقف الأسوأ أتى من الخارجية المصرية التي دانت القتل ولكن لم تُدِن فعل المنع. ثم ما معنى المطالبة بوقف الحصار؟ والحصار الصهيوني من الحدود مع فلسطين ومن الجو والبحر فيما الحصار الآخر يُطبِقُ من معبر رفح، أي من الحدود المصرية مع قطاع غزة. عند هذه النقطة يجب العودة فوراً إلى مناقشة الحصار وضرورة كسره، وإلاّ فإن كل تعاطف مع القافلة وشهدائها وجرحاها وأسراها الأبطال لا معنى له إن اقتصر على إدانة الجريمة ومعاقبة مرتكبيها. ما كانت لهذه القافلة التي حدّدت هدفها بكسر الحصار عن قطاع غزة أن توجَد لولا الحصار، وما كان للجريمة أن تُرتكب لولا استمرار الحصار. ولهذا، كيف يجب أن نتعامل مع الحصار وكيف يجب أن نعمل لكسره؟ الحصار كما مرّ ذو شقيْن الأول من الجانب الصهيوني، والثاني من الجانب المصري الفلسطيني. وعلى التحديد من سلطة رام الله والحكومة المصرية. الأساس ورأس الأفعى هو الصهيوني وما يدعمه من تواطؤ الرباعية والإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي وأمانة هيئة الأمم المتحدة. أما الجانب الفلسطيني المصري فهو استجابة له ولكن ليس بلا هدف خاص به كذلك. وصحيح أن التركيز يجب أن يتجّه إلى الأساس، رأس الأفعى. ولكن ما العمل إذا كان أحد أركان إسقاط الحصار يتطلب أن يُكسَر من الجانب المصري؟ حيث لا يبقى له من قيمة إذا ما فتح معبر رفح وعَبَرَت منه المساعدات ولا سيما الدواء ومواد البناء، وأمكن لأهل قطاع غزة من العبور والخروج منه بحريّة. الحجّة المصرية في إغلاق المعبر تستند إلى أن اتفاق المعبر يقضي أن يكون الأمن التابع للسلطة الفلسطينية في الطرف الغزاوي. ولأن أمن محمود عباس/سلام فيّاض/دايتون ليس موجوداً فيه وإنما أمن الحكومة المقالة/حماس فالمعبر يجب أن يُغلق. فلا محمود عباس وكّل الأمن في الطرف الغزاوي أن يتولى صلاحية إدارة المعبر ليفك الحصار، ولا الموقف المصري إذا لم يحدث هذا التوكيل يمكن أن يفتح المعبر. وبهذا من يكون الذي يحاصر قطاع غزة من الجهة المصرية أليس محمود عباس أولاً وقبل كل شيء؟ ثم أليست الحكومة المصرية التي يمكنها أن تتعامل مع أمن حكومة حماس كأمر واقع. علماً بأنها، في الحقيقة، هي الشرعية أصلاً، أما حكومة سلام فياض ففاقدة لكل شرعية، وغدت أثيمة ببطشها في الضفة الغربية. ولهذا كيف يمكن لسلطة رام الله أن تطالب بفك الحصار وهي تمارسه علناً؟ ثم كيف يمكن لمصر أن تطالب بفك الحصار وهي المُنَّفذة له من جانبها علناً؟ أما إذا جئنا إلى وضع النقاط على الحروف بمعنى قراءة الأهداف الحقيقية وراء الحصار الصهيوني الأميركي الدولي من جهة والحصار الفلسطيني المصري من جهة أخرى، فسنخرج بالقول: على المستوى الأول الهدف واضح وهو إخضاع حماس لقبول شروط الرباعية وأولها الاعتراف بالدولة العبرية وثانيها التخلي عن المقاومة وتصفية الوضع القائم المقاوم في قطاع غزة. وعلى المستوى الثاني فهو إخضاع حماس لسلطة رام الله والتسليم بسياسات التنازلات والمفاوضات التي تمارسها وتحت الرعاية المصرية. ولكن الغريب أن مضيّ ثلاث سنوات على الحصار وقد تخللتها حرب العدوان الإجرامية على قطاع غزة لم يستطع أن يحقق الهدف الصهيوني الأميركي الدولي. وذلك ببساطة لأن الإخضاع لم يحدث، ولا مؤشر للخضوع ولو طال سنوات أخرى كذلك. وهو ما يجب أن يُقال بالنسبة إلى الهدف الذي توخاه محمود عباس وسلطة سلام فياض والحكومة المصرية من ورائه. بهذا يكون الحصار واستمراره، على الخصوص، بلا هدف سياسي. ومن ثم يصبح مقصوداً لذاته. فالهدف السياسي من ضرب الحصار لم يتحقق بل زاد وضع القطاع صموداً وسلاحاً واستعداداً للمواجهة. والذين ضربوا الحصار ودعموه، بصورة مباشرة وغير مباشرة، زادوا عُزلة وضعفاً، وحاقت بهم الفضيحة. لأن الحصار ارتكاب جريمة وفقاً للقانون الدولي من حيث هو عقاب جماعي. وهو جريمة بحق الإنسانية وحقوق الإنسان. فكيف يستمر بعد كل هذا؟ أما استمراره على المستوييْن الفلسطيني والعربي فهو جريمة بحق الشعب الفلسطيني والوحدة الوطنية الفلسطينية وفوق ذلك جريمة بحق الأخوّة ووحدة الأمّة الواحدة. فكيف يجوز أن يكون الحصار أصلاً؟  
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 6 جوان 2010)


دروس تركية للدول العربية


محمد بن المختار الشنقيطي تحتاج الشعوب والقيادات العربية أن تتأمل بعمق في مدلول الأزمة التركية الإسرائيلية الأخيرة، وتستخلص منها دروسا وعبرا لحاضرها الماثل ومستقبلها الآتي. وفيما يلي عرض وجيز لهذه الدروس: أول هذه الدروس أن تركيا أدركت –بعد عقود من التعلق بأذيال الغرب- أن دور الرأس في العالم الإسلامي أفضل وأنبل من دور الذنَب في العالم الغربي. وقد كتب المفكر الإستراتيجي الأميركي غراهام فولر مرة يقول « إن تركيا تريد أن تكون جسرا بين العالم الإسلامي والغرب. أما الغرب فيريدها سدا بينه وبين العالم الإسلامي ». وقد قامت النخبة المتغربة في تركيا بوظيفة السد عقودا من تاريخها المعاصر من خلال التعلق بالغرب، والتملص من جذورها الإسلامية. لكن الأتراك لم يعودوا راضين عن هذا الدور التابع. وفي سياق هذا الانتقال من الذنب إلى الرأس.. من السد إلى الجسر، ينبغي أن نقرأ الأحداث الأخيرة في مياه الأبيض المتوسط. ويرجع الفضل في هذا الانتقال إلى النخبة السياسية الواعية التي تحكم تركيا اليوم، خصوصا جيل رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، ورئيس الجمهورية عبد الله غل، ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو، وهم رجال أعادوا لتركيا الثقة بالنفس واحترام الذات في علاقتها بالغرب. وكلما ازداد احترام القادة الأتراك لمكانة بلدهم ودوره في العالم، اكتسبوا احترام الآخرين في الشرق والغرب. فالمواقف الغربية الداعمة علنا للجانب التركي في الأزمة الأخيرة -رغم التواطؤ الخفي مع إسرائيل في بعض ثناياها- إنما اكتسبها الأتراك بموقفهم غير المهادن حول دماء مواطنيهم وسمعة بلدهم ومحنة إخوانهم في غزة. والدرس التركي البليغ للقيادات العربية هنا أن احترام الذات هو المفتاح لكسب احترام الآخرين. أما الدرس الثاني فخلاصته أن احترام الذات لا يرادف منابذة الآخر. فالرجوع التركي إلى الذات وإلى العمق الإسلامي لم يتأسس على نبذ العلاقة بالغرب أو إعلان العداء ضده، كما فعلت بعض الأنظمة الثورية السطحية عندنا في الماضي، وتفعله التيارات السلفية المقاتلة اليوم. بل جاء التحول التركي ضمن رؤية مركبة تسعى لإعادة التوازن إلى مسارات السياسة التركية. وكأنما يريد الأتراك استرجاع خبرتهم القتالية القديمة على ظهور الخيل، وهي مهارة أشاد بها الجاحظ منذ أكثر من ألف عام في رسالته « مناقب الترك » فقال: إن الفارس التركي يرمي في كل اتجاه، وكأن لديه أربع أعين: اثنتان في وجهه واثنتان في قفاه. وقد وصف أحد الكتاب شخصيةَ وزيرِ الخارجية التركي الحالي أحمد داود أوغلو بأنها « تركيب من مكيافيلي وجلال الدين الرومي »، أي أن الرجل جمع بين القلب الشرقي والعقل الغربي اللذين اعتبر الفيلسوف محمد إقبال الجمع بينهما شرطا في نهضة العالم الإسلامي. وقد حدد أوغلو رسالة تركيا بلغة التاريخ والجغرافيا السياسية فقال « تحمل تركيا هويات إقليمية متعددة، فالتركيبة الفريدة لوضعنا التاريخي والجغرافي يحملنا مسؤولية فريدة نابعة من التاريخ التركي المتعدد الأبعاد »، فتركيا الجديدة تحاول أن تكون ممثلا للشرق في الغرب وللغرب في الشرق. ويدرك القادة الأتراك أن اندماج التوجهات والتقاطعات الشرقية والغربية في تركيا ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، مددٌ مهم لبلدهم ومصدرٌ من مصادر قوته وحيويته. فنصف التبادل التجاري التركي -مثلا- هو مع دول الاتحاد الأوروبي، ويكاد يصل تبادلها التجاري مع الدول العربية وإيران إلى الربع. ولا تستطيع تركيا ولا هي راغبة في فك الارتباط مع الغرب كما يظن بعض السذج، بل وليس ذلك من مصلحتها ولا من مصلحة العالم الإسلامي. وإنما يريد القادة الأتراك اليوم أن يجعلوا العلاقة مع الغرب قائمة على الاحترام وتبادل المنافع، لا على أساس من التبعية والغبن والتحكم كما هو حال العلاقات بين بعض الدول العربية والولايات المتحدة. وقد كانت دولة قطر -من بين الدول العربية- سباقة إلى هذا الموقف المتوازن في العلاقة بالغرب، فأبتْ قيادتها أن تكون العلاقة القطَرية الأميركية الوثيقة حائلا دون الوقوف مع الحق الفلسطيني أو إقامة علاقات حياد إيجابي مع إيران. وهذا التوازن هو ما يحتاجه العالم الإسلامي والغرب في سبيل الحصول على أرضية مشتركة من التفاهم والاحترام المتبادل. ومن واجب العرب أن يفرحوا بصعود دولة في مكان وإمكان تركيا تسعى إلى الاضطلاع بهذا الدور الحيوي الإيجابي.. وجوهر الدرس التركي هنا أن الرجوع إلى الذات لا يعني إعلان الحرب على الآخرين، وإنما يعني الجمع بين احترام الذات واحترام الآخر. أما الدرس الثالث فهو أهم هذه الدروس التركية للدول العربية في الوقت الحاضر، وهو الارتباط بين الديمقراطية الداخلية الحقة والسياسة الخارجية الرشيدة. فقد لاحظت دراسة أصدرتها لجنة الأزمات الدولية مطلع هذا العام عن « تركيا والشرق الأوسط.. المطامح والقيود » أن العلاقات بين إسرائيل وتركيا « تزداد سوءا كلما ازداد خضوع الساسة الأتراك للرأي العام في بلدهم »، وهذا هو بيت القصيد فيما نراه اليوم من مواقف تركية مشرفة. إن التواطؤ مع إسرائيل والخنوع لأميركا لدى بعض قادة الدول العربية ليس سوى عرَض لمرض أعمق هو الاستبداد السياسي، ممزوجا بشيء من ضيق الأفق النظري. وحينما تواطأت النخبة المتغربة في تركيا مع إسرائيل ضد الفلسطينيين منتصف القرن العشرين، وعاضدت فرنسا ضد استقلال الجزائر، وتحالفت مع إيران الشاه ضد العرب، كان كل ذلك ثمرة مريرة للاستبداد السياسي والعسكري، ونظرة ضيقة للمصالح التركية خارج سياق المنطقة، ولم تكن تلك المواقف تعبيرا صادقا عن عمق الإرادة الشعبية للشعب التركي. أما اليوم وقد كبرت الديمقراطية التركية واقتربت من النضج، وبدأت تعبر بصدق عن مشاعر الشعب التركي، فها نحن نرى هذه المواقف التركية المشرفة من القضايا العربية. وينطبق الأمر ذاته على الدول العربية، فليست مواقف النظام المصري المتواطئة مع إسرائيل في تجويع الشعب الفلسطيني بالحصار الغاشم سوى ثمرة مريرة من ثمار الاستبداد الجاثم على صدر الشعب المصري الذي ظل دائما يتألم لآلام إخوانه، ويضحي في سبيل حريتهم وكرامتهم. كما أن تلك المواقف انكفاء على الذات المصرية منبتة من محيطها العربي وعمقها الإستراتيجي. فخلاصة العبرة من المسار التركي هنا أننا إذا أردنا استرداد كرامتنا المهدرة وإعانة إخوتنا الفلسطينيين المظلومين، فما علينا سوى تكثيف المعركة الداخلية ضد الاستبداد، وإلا فسنظل نواجه العدو الخارجي بصدور عارية وأيد مغلولة.. وقد قال عنترة بن شداد منذ 1500 عام « إن العبد لا يحسن الكر والفر ». من حسن حظ شعوبنا أنه يوجد من العرب من يملك الفطنة السياسية للاستفادة من الصعود التركي. وقد عبر مسؤول سوري عن ذلك خلال مقابلة مع لجنة الأزمات الدولية بأسلوب لا يخلو من مفارقة ومرارة ضمنية، فقال « لو لم توجد تركيا لتعين علينا إيجادها.. إن تركيا مهمة لنا، لأنها تظهر انعدام المبادرة لدى الدول العربية ». لكن من سوء حظ الشعوب العربية أن بعض قادتنا ينظرون إلى الدور التركي الجديد بريبة، وهو ما يعكس روح الامتلاء والحسد التي يحملها البلداء الخاملون في كل عصر ضد كل من يحمل رسالة أو يملك عزيمة. وقد عبر مسؤول مصري في مقابلة له مع نفس لجنة الأزمات الدولية عن ذلك الاتجاه، فقال « يبدو أردوغان مخمورا خلال تصريحاته حول غزة ». وعبر مسؤول سعودي عن أن العرب سيقبلون النفوذ التركي فقط إذا كان هذا النفوذ سيضع إيران في الزاوية، وحذر من أن « الأتراك يريدون حكم المنطقة من جديد، وذلك أمر خطير باالنسبة لي كعربي ». ونسي هؤلاء البؤساء أن الذين تعاونوا بصفاقة مع الإسرائيليين خلال هجمتهم البشعة على غزة أوْلى بأن يوصفوا بأنهم مخمورون.. وكأن الشهامة العربية يراد لها الحراك ضد الأتراك والإيرانيين فقط وهم إخوة الدين والجوار، أما في وجه الأميركيين والإسرائيليين فلا شهامة ولا كرامة!! وما الذي يضيرنا من نفوذ تركي أو إيراني إذا كان يعيد للمنطقة توازنا أمام الاختراق الصهيوني والغطرسة الأميركية؟! ولم لا يكون لدولنا نفوذ وحضور وكلمة مسموعة؟! أليست دول الخصيان والإمَّعات هي وحدها التي لا طموح لها ولا نفوذ؟! في عالم يحكمه السامري بذهبه وكذبه، وتتحول المسيحية الغربية إلى « عبادة إسرائيل » (the cult of Israel) حسب تعبير الكاتبة الأميركية غريس هالسل، استطاعت تركيا أن تكشف البشاعة الإسرائيلية عارية أمام الضمائر الإنسانية دون إطلاق رصاصة واحدة، وها هي اليوم تقود جهدا مظفرا لرفع الحصار الغاشم على غزة، بعز عزيز وبِذل ذليل.. ولم يكن هذا ليحصل لولا أن تركيا تعيش احتراما للذات، وتوازنا في التحالفات، وديمقراطية صادقة.. وتلكم هي الأسرار الثلاثة الكامنة وراء هذا النجاح التركي المؤزر.. فهل من مدَّكر؟! (المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 06 جوان  2010)

 


العالم كله ضدنا..وأصبح يهدد وجودنا

 


بقلم: يوئيل ماركوس  
صورتنا كمحتلين أدخلت الفلسطينيين بنجاح الى الوعي العالمي. واسرائيل بحصارها الغبي تعزز هذه الصورة السلبية فقط، قوة ردود الفعل الدولية على قرار اسرائيل وقف الاسطول البحري تثبت باننا أثرنا أعصاب الاصدقاء والاعداء على حد سواء. وبعد أن سمعنا التحليلات الى حد التعب ورأينا المشاهد المحرجة، فان ما ينبغي أن يقلقنا هو حملة نزع الشرعية عن اسرائيل التي حقق هذا الحدث الفاشل لها خدمة. يوجد ثمن للغرور – مثلا حين اجلسنا السفير التركي على كرسي منخفض وظننا أننا أبطال. هذا الاسطول لم يكن حملة انسانية، بل حملة علاقات عامة خسرت اسرائيل فيها. إذ انها عملت بالضبط مثلما توقعوا بان تعمل: كالفيل في حانوت من الفخار. الرد العالمي من الاصدقاء، فما بالك من غير الاصدقاء، خطير، إذ انه مؤشر على وضعنا العام في العالم. المواقف والمعاذير عندنا تبدأ في اثارة الملل. عندما يكون العالم مليئا بالمشاكل الاقتصادية والسياسية، التي تحتاج الى حلول، فان اسرائيل تحتل مركز الساحة مع مشاكل سلبية. نعطي الانطباع بان زعماءنا غير واعين الى أنه مطلوب توازن في اقلاق العالم بمشاكلنا. اسرائيل تحتاج على عجل الى تغيير الاتجاه. كيف؟ ان تكف عن ان تكون محتلة. انا لا احب هذه الكلمة، ولكن صورتنا كمحتلين ادخلت الفلسطينيين بنجاح الى الوعي العالمي. واسرائيل، بخطوات من نوع الحصار الذي فرضناه على غزة، تعزز فقط صورتنا السلبية. عندما تعمل امريكا اوباما على تغيير وتقليص بؤر التوتر في العالم من خلال التسويات – اسرائيل لا يمكنها ان تتصرف كالازعر في الحارة. حتى لو كانت كل عملية بحد ذاتها مبررة، فان سياستنا في أنه ما لا يمكن حله بالقوة ينبغي حله بمزيد من القوة، غير مقبولة على امريكا وعلى الاتحاد الاوروبي. وهذه في الفترة التي يقول فيها اوباما ان استخدام القوة يجب أن يكون الوسيلة الاخيرة، والا يكون بأي حال الوسيلة الاولى. وهذا هو السبب الذي يجعله يعمل بحذر وعلى اطراف الاصابع في الموضوع الايراني، وهذا هو السبب الذي يجعل العالم سوي العقل قلقا من التهديدات العلنية والخفية في أن تعمل اسرائيل وحدها ضد ايران. قبل نحو اسبوع نشر في صحيفة بريطانية نبأ نقل ايضا الى صحافتنا ويقضي بان اسرائيل نقلت غواصة نووية الى الخليج الفارسي. ليس واضحا اذا كان هذا النبأ حقيقيا أم لا – ولكن مجرد نشره كان زق اصبع في عين احمدي نجاد والحاق حرج بالادارة الامريكية. الان، عندما رأى الجميع باي غباء عملنا ضد السفينة التركية « مرمرة »، فان العالم بأسره، ولكننا نحن على نحو خاص ينبغي أن نصلي لان تبقي اسرائيل مشكلة ايران في يد القوى العظمى وتركز على جلب السلام الى ساحتها الخلفية. ارادة المصير أم الصدفة الغبية ان تتم السيطرة على « مرمرة » عندما كان بيبي في كندا. وعلى مدى نحو ساعة وصلت من هناك انباء متضاربة في مسألة هل يواصل بيبي الى واشنطن ام يعود الى الديار فورا. وقد سبق أن رفعوا له التقارير عما يجري في السفينة وعن الكمين الذي اعده اصدقاء حماس. وجه سارة لم يعبر عن تردداته. إذ في كل حالة تصوير تلتقط وهي بابتسامة كبيرة. ولكن في نهاية المطاف البيت الابيض قرر تأجيل اللقاء الى مرة اخرى. وحسنا فعل. الناطق بلسان اوباما شجب العملية، على نحو يشبه الناطقين، الوزراء ورؤساء الوزراء في العالم بأسره. كانت هذه اللعبة التلفزيونية « واحد ضد مائة » بالعكس. يتبين أنه يمكن الاستخفاف ببعض العالم لبعض من الوقت، ولكن ليس بكل العالم كل الوقت. « شيء ما هزل في العقل اليهودي »، يقول النائب نحمان شاي، « في كل فشلة لنا توجد بداية الفشلة التالية ». المسألة الفورية هي هل ينبغي تشكيل لجنة تحقيق؟ الجواب هو نعم. إذ توجد الكثير من الاسئلة دون أجوبة. من قرر وكيف؟ من صادق على معايير العملية؟ كيف حصل ان مئير دغان الذي ورطنا مع نصف العالم بسرقة جوازات السفر كي يصفي المبحوح في دبي، لم ينجح في أن يسرب الى « مرمرة » عملاء يبلغوا عن القوى واسلحتها ومنع مفاجأة المقاتلين الذين نزلوا مباشرة الى وحدات الفتك. اين كان العقل اليهودي الذي يحقق لنا الاختراعات؟ جهاز الامن يعرف بالضبط أي كانت الفشلات، ولكن من المهم تشكيل لجنة تحقيق، مع مراقب امريكي، قبل أن تشكل الامم المتحدة لجنة خاصة بها مع رئيس معادٍ. نحن أقوياء في الحرب ضد الضعفاء، ولكن الضعفاء يجعلون من ضعفهم قوة. هذه العملية تطرح علامات استفهام: « كيف اتخذ القرار – ليس في الحكومة، ليس في المجلس الوزاري بل في دائرة مقلصة »، وهل باراك – مثلما في القول الشهير « ذهب العجب وبقي الولد »، سمينا وبهيجا – لا يزال مؤهلا ليكون وزيرا للدفاع. وفوق كل شيء، ألم يحن الوقت لصرف ايلي يشاي وافيغدور ليبرمان وحزبيهما من الحكومة وضم كديما. العالم كله ضدنا – هذه لم تعد انشودة، بل تهديد على وجودنا.  
هآرتس، 5/6/2010 (المصدر:موقع المرصد الفلسطيني للإعلام (غزة – فلسطين) بتاريخ 6 جوان 2010)

توصية صهيونية بإتمام الانفصال عن قطاع غزة لوقف العزلة الدولية

 


ألوف بن « قضية الأسطول » فرصة مناسبة لإتمام الانفصال عن قطاع غزة. حان الوقت أن نقطع مع بقايا الاحتلال، وأن ندع دولة حماس لنفسها. إن محاولة السيطرة على غزة من الخارج، عن طريق قائمة الطعام وقوائم البقول لسكانها، تفرض على إسرائيل وصمة أخلاقية قاتمة وتزيد في عزلتها الدولية. يجب على كل إسرائيلي أن يخجل من قائمة سلع وزارة الدفاع… حان الوقت لكي نجد للضباط والموظفين المشغولين بتحديث هذه القائمة مهمات أشد حيوية. كيف يتم هذا؟ أن تبلّغ إسرائيل الجماعة الدولية بأنها تطرح عن نفسها كل مسؤولية عن سكان غزة ورفاهيتهم. وأن تغلق المعابر تماما، وتهتم غزة بالحصول على إمدادات وخدمات طبية عن طريق الحدود المصرية أو عن طريق البحر. وأن يحدد أجل لقطع شبكات الماء والكهرباء. وان تخرج غزة من «غلاف الجمارك». وأن يكف الشيكل على أن يستعمل نقدا قانونيا هناك. وأن يصدروا أوراقا مالية فلسطينية تحمل صورة الشيخ أحمد ياسين. وتبيّن إسرائيل أنها ستستعمل حقها في الدفاع عن النفس، وأنها ستفحص حمولات مريبة في عرض البحر لإحباط تهريب السلاح. فهكذا تسلك أيضا القوى الغربية التي تجري عمليات التفتيش عن عناصر سلاح ذري وصواريخ في سفن حمولة تجارية. وإذا أطلقوا علينا الصواريخ من غزة فسنطلق عليهم لإصابتهم. وقد تبين لنا أن ذلك ممكن. يوجد لهذا الواقع سابقة على نحو معكوس. حتى توقيع اتفاق السلام مع مصر، كانت جميع حدود إسرائيل مغلقة مسدودة. تمت تجارة إسرائيل الخارجية من طريق الموانئ والمطارات، والحركة اليوم أيضا في الحدود البرية غير ذات شأن. ليس هذا مريحا لكنه قانوني. يحق لدولة ذات سيادة أن تغلق حدودها ولا سيما إذا كان الجيران أعداء كارهين. ليس الوضع الذي تكون فيه الحدود مفتوحة على التناوب بحسب تقدير تعسفي مقبولا اليوم في العالم ويرى قسوة لا تحتمل على السكان المدنيين في الجانب المحاصر. استقر رأي أرييل شارون على الخروج من القطاع إلى الخط الأخضر، وأمل بذلك أن يحصل على اعتراف دولي بنهاية الاحتلال. لكن إسرائيل لم تنجح في الانفصال حقاً. قبل أن تسيطر حماس على غزة، أصرت إسرائيل على السيطرة على الدخول فيها والخروج منها. وبعدما فازت حماس في الانتخابات الفلسطينية، واختطف جلعاد شاليت إلى غزة، قوي الحصار والرقابة. وكأن إسرائيل ندمت في آخر لحظة على الانفصال وأرادت أن تحتفظ بشيء صغير آخر. شيء صغير من غزة الكريهة. يوجد اليوم للحصار على غزة غاية إستراتيجية مربعة: أن يفرض على الفلسطينيين التوحيد من جديد بين الضفة والقطاع تحت قيادة صديقة لإسرائيل؛ وأن تستعمل «أدوات ضغط» على حماس لتخفيف عمليات إطلاق الصواريخ ومحاولات إحداث عمليات على إسرائيل؛ والحفاظ على وهم أن سلطة محمود عباس وسلام فياض الفلسطينية ما تزال صاحبة السيادة القانونية في غزة؛ ومنع الاحتكاك مع مصر التي تشفق من فتح حدودها مع الفلسطينيين. تحرز هذه السياسة في امتحان النتيجة درجة غير كاف. لكن التعاون الاستراتيجي مع مصر قوي، وأصبحت حماس مقيدة منذ «الرصاص المسكوب»، لكن سلطانها لم يضعف. يقولون للجمهور الإسرائيلي إن حظر الكزبرة وما أشبهها يرمي إلى «مساعدة جلعاد شاليت». إن ذكر اسم الأسير، الذي يتعذب في سجن حماس، يمنع أي نقاش جدي للسياسة المطلوبة نحو غزة. لكن هذا تعبير عن عدم القيادة وعن الغوغائية. فالحكومة تختبئ وراء شاليت وأبناء عائلته الذين يتمتعون وبحق بحب الجمهور، بدل البحث عن بديل من الوضع القائم. إن من يعارضون وجود إسرائيل سيستمرون على النضال ضدها ومطاردتها حتى لو طرحت عن نفسها بقايا مسؤوليتها عن غزة. ولم يقنعهم أي انفصال أن يتغيروا. لكن ليسوا هم المستهدفين للسياسة الإسرائيلية، بل حكومات الغرب التي تحتاج إسرائيل إلى تأييدها والى العلاقات السياسية والاقتصادية بها. وحكومات الغرب تقول لها، أزيلي الحصار وحرري غزة. إن العملية الفتاكة التي وجهت إلى أسطول المساعدة، زادت في قوة هذه الدعوات فقط. هذه فرصة إسرائيل. فبدل مشاجرة المجموعة الدولية يجب ان تقول لها: أتريدون غزة ـ خذوها من فضلكم.  
هآرتس، 5/6/2010
 
(المصدر:موقع المرصد الفلسطيني للإعلام (غزة – فلسطين) بتاريخ 6 جوان 2010)  

الحرب وميزان القوى الجديد

د. عبد الستار قاسم
دَخَلت المنطقة العربية الإسلامية في ميزان قوى جديد ظهرت معالمه جيدًا في حرب يوليو 2006، وأكدته الحرب على قطاع غزة عام 2008/2009 وسبق أن انسحبت إسرائيل هاربة من جنوب لبنان عام 2000، وكان ذلك إشارة واضحة بأن إسرائيل لم تعدْ تُصِر على شروطها، وأنها يمكن أن تستجيب تحت الضغط العسكري الذي فرضه حزب الله، كما كان إشارة قوية بأن عهد انتصارات إسرائيل قد انتهى وولّى إلى الأبد إلا إذا أرادت أن تحارب عشاق الهزيمة. أما حرب 2006، فأكدت أن إسرائيل لم تعُدْ قادرةً على تحقيق ما كانت تحققه في السابق، وأنها غيرُ قادرة على تحقيق النصر على الرغم من دعم أمريكا اللامحدود والعديد من الأنظمة العربية، ومن ثَمَّ فشلت إسرائيل في تغيير الأوضاع في غزة على الرغم من التدمير الهائل والقتل الجماعي اللذين قامت بهما. هذا وقد استطاع حزب الله أن يُدخل في الخدمة العسكرية أسلحةً جديدة ومتطورة عام 2007، وأكد ذلك السيد حسن نصر الله عندما تحدث عن المفاجأة الكبرى في أي حرب قادمة دون أن يفصح عنها، وقد كان تحليلي في حينها أنه لا يوجد مفاجأة كبرى أكبر من وجود أنظمة جديدة لإسقاط الطيران أو سلاح الجو، ثم حصل أن تحدث السيد حسن عن عشرات آلاف المجندين في الحزب، وهو رقم ليس ضروريًّا للدفاع، وإنما للهجوم، وما زال السيد حسن يتحدث عن قدرات عسكرية كبيرة وهائلة ومن ضمنها أسلحة تهدد السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأبيض المتوسط، وإذا كان هذا واردًا، وأظنه كذلك لأن السيد حسن لا يكذب ولا يبالغ، فإنه يعني توفُّر البنية التحتية التي تخدم عمل هذه الصواريخ مثل الرصد الفضائي، وأنظمة تلقي المعلومات وتحليلها وأنظمة التوجيه الإلكتروني والبشري، هل فعلا يملك حزب الله مثل هذه البنية، أم أن البنية موجودة في سوريا والصورايخ في لبنان؟ لا أعلم، لكنني أعي أن إسرائيل تأخذ هذا الأمر بجد. حيرة إسرائيل منذ انتهاء حرب يوليو وإسرائيل تطوِّر أسلحة وتقوم بالتمارين العسكرية المختلفة وتُنشئ كتائب وألوية جديدة تتناسب مهامُّها مع ما هو متوقع من أساليب عسكرية من قِبل حزب الله، وهي تجتهد في إنشاء كتائب لاقتحام المخابئ العسكرية، وتجتهد في إعادة تصفيح الدبابات، وفي صناعة قنابل جديدة خارقة للجبال والوديان، وفي تطوير إنسان آلي قتالي يتقدم أرتال الدبابات أو وحدات الجنود المهاجمة، إلخ، هي تواصل الليل بالنهار استعدادًا للحرب الهجومية والدفاعية، وتحسب وتجمع وتطرح وتناقش وتدرس لتقيِّم نتائج أي مواجهة مع حزب الله أو إيران، وربما أيضًا سوريا سواء كانت في موقع هجوم أو موقع دفاع. من الملاحظ هنا أن إسرائيل تتصرَّف الآن بطريقة مختلفة عما اعتدنا عليه، في السابق كانت إسرائيل تهدِّد وتهاجم وتنتصر، وكانت الحرب بالنسبة لها عبارة عن لعبة أشبه ما تكون للتسلية، الآن إسرائيل تفكِّر ثم تفكر ثم تفكر وما زالت تفكر، في السابق كانت إسرائيل تقوم بالتدريبات الهجومية واحتلال أرض العدو ومدنه، وكان جنودها يتدربون على اقتحام المدن ومحاصرة قوات العدو ودفاعاته، لكنها اليوم تضيفُ إلى تلك تدريبات حول كيفية طرد قوات العدو من مناطق إسرائيلية محتلة، وعلى كيفية إيواء الشعب المذعور، وكيفية الحد من تأثير المعنويات الشعبية الهابطة على معنويات الجنود في الجبهة، وفي السابق، كانت تسهل إسرائيل عمل وسائل الإعلام أثناء التدريبات العسكرية، لكنها اليوم تبدو حريصةً على سرية العمل على الأقل في بعض النواحي، وفي السابق أيضًا كانت تتحدث عن الردع الإسرائيلي الذي لا يجابِهُه أحد، أما الآن فهي تتحدث عن ردع متبادل وعن إمكانية تحييد الطيران الإسرائيلي بسبب الردع الصاروخي لحزب الله. أكبر مشكلة صدمت إسرائيل في حرب يوليو هي عدم توفر معلومات عن تسليح حزب الله، لقد فوجئت مرارًا، ومعها الولايات المتحدة، لقد خاضت حربًا عمياء في حين أن حروبها مع الأنظمة العربية كانت دائمًا على بينة، وإن لم يكن النظام نفسه يزوِّد إسرائيل بالمعلومات عن جيشه، كان لدى إسرائيل ما يكفي من الجواسيس والعيون، لقد فاجأها حزب الله في السابق، وهي تخشى المفاجآت الآن بخاصة بعد التطور الهائل الذي حصل في الصناعات العسكرية الإيرانية والسورية، ما الذي يملكه حزب الله؟ هل هي صواريخ مضادة للطائرات، أم أسلحة موجهة بآشعة الليزر، أم أنواع من الأسلحة يصعب التكهن بها؟ وإسرائيل تزداد تساؤلاتها عندما ترى نصر الله يتحدث بهدوء واطمئنان وثقة. وربما السؤال الكبير الذي تطرحه إسرائيل على نفسها يتمثل بردّ فعل الأطراف التي لا تقع تحت هجوم، هل سيؤازر حزب الله حماس إذا هاجمت إسرائيل غزة؟ وهل ستدخل سوريا الحرب إذا تمت مهاجمة حزب الله؟ ماذا عن رد الفعل الإيراني؟ وماذا سيكون وضع السلطة الفلسطينية وبعض الأنظمة العربية إذا نشبت الحرب؟ وهل سيكون بمقدورها أن تحقق النتائج، أو تحقق النصر بوقت قصير؟ الأسئلة أمامها كثيرة ومحيِّرة، ومن الصعب جدًّا أن تجد أجوبة قاطعة إلا إذا نشبت الحرب. احتمالات الحرب أرى أنه لا مفر أمام إسرائيل إلا الحرب، لا شك أن قيام إسرائيل بحرب الآن عبارة عن مغامرة كبيرة، لكن شن الحرب في المستقبل عبارة عن مغامرة أكبر، إسرائيل لا تعرف تمامًا قوة وحجم العدو الذي يمكن أن تواجهه فيما إذا شنت حربًا على أي جبهة من الجبهات والتي هي أربع: جنوب لبنان وسوريا وغزة وإيران، وهي ليست متيقنةً من النصر حتى لو دعمتها الولايات المتحدة الأمريكية وخاضت الحرب معها، لكن معرفتها قد تكون أقل مستوى في المستقبل، وبالتأكيد سيكون عدوها قد طور مزيدًا من الأسلحة الفتاكة بخاصة أن المستوى التقني الإيراني والسوري يتسارع هندسيًّا وليس حسابيًّا. إذا فقدت إسرائيل قوة الردع فإن وجودها يصبح مهددًا، ولا أرى أن المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي يرغب في إبقاء إسرائيل تحت وطأة انطباع قد يشجع أعداءها على مهاجمتها، إنه يبحث بجدّ واجتهاد عن وسائل وأساليب جديدة لاستعادة هيبة الجيش الإسرائيلي وإثبات أن إسرائيل أقدر بكثير مما تتصور تنظيمات المقاومة وإيران وسوريا والقريب والبعيد، لدى هذا المخطط قنابل نووية، لكنها قد تصلح ضد إيران أو ضد حلب ودير الزور والرقة، لكنها لا تصلح ضد النبطية وصور ومارون الراس وغزة ورفح بسبب قربها من التجمعات السكانية اليهودية، لكن عليه أيضًا أن يحسب ردّ الطرف المقابل فيما إذا قرَّر استعمال هذا الخيار، إيران وسوريا تستطيعان امتصاص ضربات قنابل نووية تكتيكية، لكن إسرائيل لا تستطيع أن تمتص وابلًا من الصواريخ التقليدية، خاصة فيما إذا تم توجيهها إلى منطقة الوسط المسماة بمنطقة غوش دان، وهل يضمن هذا المخطط أن الطرف الآخر لن يردّ بأسلحة كيماوية أو جرثومية، هذا علمًا أن مساحة إسرائيل حوالي 21000 كم2 تقريبًا، والمساحة المسكونة حوالي 15% تقريبًا، بينما مساحة إيران 1,600,000 كم2 والمساحة المسكونة حوالي 8%. من المحتمل أن إسرائيل وأمريكا قد طورتا أسلحة تدميرية جدية لا نعلم عنها، وقد يفاجأ حزب الله مثلما سيفاجئ هو إسرائيل، لكن التقدير أن أمريكا وإسرائيل قد ركَّزتا في السنين السابقة على تطوير وسائل قتالية تقلِّل من الخسائر البشرية وعلى القنابل الخارقة للدفاعات تحت أرضية، وعلى الطيران الإلكتروني والجندي الإلكتروني، كم أنجزتا في هذه الميادين؟ لا أعلم، لكن يبقى أن المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي يطرح على نفسه الكثير من الأسئلة، وهناك بالتأكيد ما يستطيع أن يجيب عليه، وما لا يستطيع أن يجيب عليه، وهو يبقى في كل الأحوال تحت ضغط مستمر من المستوى السياسي الذي يبحث عن مخرج لهذا المأزق الأمني والعسكري. في المقابل، عدم قيام إسرائيل بحرب، وبقاؤها تحت وطأة فقدان قوة الردع يعني أن عليها الاستجابة لوضع جديد يترتب عليه قبول مواقف لم تكن تقبل بها في السابق، فمثلًا قد تصِرُّ سوريا على انسحاب من الجولان دون قيد أو شرط، وقد تضطرُّ إسرائيل أن تفعل ذلك مثلما فعلت عام 2000، هذا يعني أن الجيش السوري سيعود إلى مرتفعات الجولان، ووزارة الزراعة السورية ستكون على بحيرة طبريا، ومن المحتمل أيضًا أنها ستخضع لبعض الشروط الفلسطينية من أجل أن تخفِّف من إحراج الأنظمة العربية، ومن أجل تقوية أواصر التحالف العربي الإسرائيلي الأمريكي القائم حاليًا، لكن هذا قد يخضع لنظرية الدومينو بحيث يقود التنازل إلى تنازل آخر، وهكذا. قرار الحرب ليس سهلًا، وستفكر إسرائيل فيه مرارًا، بخاصة أن جبهتها الداخلية قد تغيرت وتبدلت، ولم تعدْ إسرائيل التي كانت في مرحلة بناء الدولة هي إسرائيل الموجودة الآن، الآن إسرائيل تعاني من الفساد المستشري، والذي وصل مرتين على الأقل إلى رئاسة الدولة، ومن الترهل المعنوي والثقافة الاستهلاكية والهروب من التضحية، لكن في النهاية لا خيار أمام إسرائيل إلا الدفاع عن نفسها وهي تعي المغامرة. تغير ميزان القوى ميزان القوى في المنطقة العربية الإسلامية قد تغيَّر، وكل ميزان قوى يفرض علاقاته الخاصة به، ميزان القوى القديم الذي كانت فيه إسرائيل هي القوة التي لا تُقهر لم يعُد موجودًا، وميزان القوى الجديد يفرض تحالفات جديدة وتحديات جديدة، وأمام المهيمنين السابقين خياران: إما الاعتراف بميزان القوى الجديد أو العمل على ضربه والعودة إلى سابق العهد تاريخيًّا، يلجأ المدافعون إلى الحرب. على فرض أن المدافعين قرروا ألا يحاربوا، فماذا سيفعل الذين قلبوا الميزان؟ ربما لن يفعلوا شيئًا إذا استجابت القوى المهيمنة سابقًا للطلبات والشروط، لكنهم سيحاربون إن لم تتم الاستجابة، مطلوب من إسرائيل الآن أن تنسحب من الأراضي اللبنانية ومن مرتفعات الجولان وأن تسمح للاجئين في لبنان أن يعودوا إلى فلسطين، فهل سيقفُ حزب الله وسوريا وإيران عند تكرار المطالب أم سيتخذون إجراءً حربيًّا؟ تقديري أن حزب الله يعدّ العدة للانتقال للهجوم إن لم يكن بالفعل قد وصل إلى هذه المرحلة، حزب الله لديه الآن من النفير (الأعداد الجاهزة للقتال) ما يؤهله للهجوم، وتقديري أن لديه قدرة على تحييد الطيران الإسرائيلي وربما إسقاطه، وبهذا يكون قد قطع شوطًا كبيرًا في مستلزمات الحرب الهجومية، لكن من الأفضل لحزب الله أن يهاجم من خلف خطوط العدو، وهذا ممكن إذا طوَّر ووسائل وأساليب تمكنه من دخول بعض البلدات اليهودية بسرعة خاطفة بحيث لا يتمكن العدو من استخدام أسلحته البرية الثقيلة، ويكسب حزب الله الوقت لإقامة رءوس جسور محمية تفاجئ العدو بالعديد. من الناحية العسكرية، يستطيع حزب الله شنّ هجوم إذا ضمن قدرة الجيش السوري على تقديم الدعم البري، لكن هل سيفعل الجيش السوري ذلك قبل أن يطمئن أن حزب الله يحقق إنجازات ميدانية؟ ويبقى المهم أن العرب هم الذين يجب أن يهاجموا وليس إسرائيل لأن أراضيهم هي المحتلة وشعوبهم هي المهجَّرة. الخلاصة المنطقة العربية الإسلامية تغلي، وقوى كثيرة تستعد للحرب في الصباح والمساء، في تكتم أحيانًا، وأحيانًا أخرى في العلن، قوى كثيرة تصنع السلاح وتطوره، وتطوِّر جيوشها وتقوم بالتدريبات العسكرية وتحشد وتهدد وتتوعد، هذا الغليان لن يُترك يبرد، ولا شيء يبرده إلا الانفجار. وتقديري في النهاية، وفق ما أتابعه من تطورات تقنية وميدانية، إسرائيل ستتلقى ضربات قوية، قطعًا ستكون الخسائر في الجانب العربي كبيرة وهائلة، لكن خسائر إسرائيل ستكون فادحةً أيضًا، وستضطرُّ معها أن تقبل ما لم تكن تقبل به، قد لا تتدمر إسرائيل في الحرب القادمة، لكنَّ وجودَها سيبقى في دائرة التساؤل.  
(المصدر:موقع البشير للأخبار بتاريخ 6 جوان 2010)  

« إسرائيل » في مواجهة العالم وموصومة بالعنصرية

بلال الحسن
لم يستطع «أسطول الحرية» الوصول إلى غزة لرفع الحصار عنها بصورة عملية، ولكنه نجح نجاحاً كبيراً في تحريك العالم كله ضد حصار « إسرائيل » لغزة. كل عواصم العالم، الكبيرة منها والصغيرة، أصبحت تطالب « إسرائيل » برفع الحصار. حتى أصدقاء « إسرائيل » في أميركا وأوروبا اضطروا إلى صياغة موقفهم، فقالوا: يجب رفع الحصار عن قطاع غزة إنما من دون تهديد أمن « إسرائيل ». وحتى أمين عام الأمم المتحدة، الذي تشارك «مؤسسته» في عضوية اللجنة الرباعية الدولية، التي تصر على استمرار حصار غزة، إلى أن تقبل حركة حماس شروط اللجنة الرباعية (أولها الاعتراف بإسرائيل)، وقف قبل أيام ليطالب العالم رسمياً، وباسم الأمم المتحدة، برفع الحصار الظالم عن غزة كما قال. أما مصر، صاحبة القرار بفتح معبر رفح، فقد أقدمت على فتح المعبر إلى أجل غير محدد، وإن كانت قد حصرت فتح المعبر بالعبور وبالحالات الإنسانية، ولكن دلالة القرار كانت واضحة جداً. وحدها « إسرائيل » وقفت أمام العالم كله تقول: لا، وهو موقف لا تحسد عليه، وعناد يدفع إلى الشفقة لا إلى أخذ الموقف على محمل الجد. إنه عناد المأزوم الذي لا بد أن ينتهي. تقول « إسرائيل » إنها تحاصر غزة دفاعاً عن أمنها، ولأن «الإرهابيين» هم الذين يحكمون غزة بدعم من إيران، بينما يرتفع صوت العالم ليدين العملية البحرية الإسرائيلية ويصفها بأنها إرهاب دولة، وبأنها إرهاب فوق المياه الدولية. وبحسب هذا الوضع يكون أسطول الحرية قد تمكن من تحقيق هدفه، إذ أصبح موضوع رفع الحصار عن غزة موضوعاً على رأس جدول الأعمال في المؤسسات الدولية كلها، وتكون « إسرائيل » قد خسرت المعركة بدوي هائل لم تواجه مثله من قبل. وهذا الذي يحدث الآن، يأتي تتويجاً لتغيرات بدأت تتفاعل منذ سنوات، وتصاعدت من دون أن تعيرها « إسرائيل » أدنى اهتمام: التغير الأول: جاء من داخل أوروبا، حيث تظاهرت حركاتها الشعبية والمدنية، ضد موقف حكوماتها، وعبرت عن إدانة لحرب « إسرائيل » ضد غزة، ووجهت إليها اتهامات جرائم الحرب، وقتل المدنيين، واستعمال أسلحة محرمة. وكانت قد سبقت ذلك تحركات الأكاديميين الأوروبيين، وخاصة الأكاديميين البريطانيين، وبقيادات يهودية، تطالب بوقف التعاون الأكاديمي مع « إسرائيل » بسبب سياساتها العنصرية ضد الفلسطينيين. ووصل الأمر في أوروبا إلى حد إصدار عشرات المفكرين والمثقفين اليهود بيانات ضد سياسة حكومة « إسرائيل »، ومن قبل شخصيات عرفت بدفاعها المستميت عن « إسرائيل » على امتداد سنوات طويلة ماضية. إن هذا التغير في المزاج الشعبي الأوروبي، الذي تجاهلته « إسرائيل » بصفاقة، لم يحدث منذ عام 1948، حيث كان المزاج الأوروبي على العكس، مؤيداً بالمطلق ل »إسرائيل ». التغير الثاني: جاء من داخل « إسرائيل »، حيث أعلنت « إسرائيل » رسمياً، ومنذ مؤتمر هرتسليا عام 2000، أنها تتطلع إلى ممارسة سياسة الترانسفير ضد فلسطينيي 1948، ثم ما لبثت أن رفعت، وبتشجيع واعتراف أميركي من الرئيس السابق جورج بوش، شعار «يهودية» دولة إسرائيل، وتمت ترجمة هذا الشعار أخيراً بخطوات متلاحقة ضد الفلسطينيين عامة: حصار في غزة، وإبعاد للمواطنين من وطنهم في الضفة الغربية، وتدبيج اتهامات ضد القيادات الشعبية في أراضي 1948، وتوجيه تهم التجسس والخيانة لهم، من أجل زجهم في السجون، ومن أجل ضرب حالة النهوض الشعبي الفلسطيني التي بدأت ترفع أخيراً شعارات: وحدة الشعب الفلسطيني، والانتماء إلى الأمة العربية. ودخلت هذه الحرب ضد القيادات (من الشيخ رائد صلاح إلى الدكتور عمر سعيد وأمير مخول، وقبلهم عزمي بشارة) في مسار مضحك، فحين تلتقي مع لبناني في أي مؤتمر مثلاً فأنت عميل لحزب الله. وحين تلتقي مع عربي فأنت تتصل بالعدو. وحين يحتاج الأمر إلى دليل مادي يقال إن فلاناً كان يسأل عن عنوان مسكن رئيس المخابرات. لقد لفتت هذه المواقف الإسرائيلية أنظار الجميع في العالم، ولم يروا فيها إلا سياسة عنصرية متعمدة، ولم تقابل من جانبهم إلا بالرفض والاستنكار. ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، إذ بادرت القوى السياسية الإسرائيلية المتنفذة الآن، إلى تقديم سلسلة من مشاريع القوانين إلى الكنيست، لا يمكن وصفها إلا بالعنصرية والفاشية، فهي تشرع لاتهام أي شخص، عربياً كان أو يهودياً، بالخيانة لأنه يعمل ضد سياسة الحكومة. وقد أثار هذا الوضع معركة سياسية إسرائيلية داخلية، وارتفعت الأصوات التي تقول بأن « إسرائيل » قد دخلت في مرحلة الفاشية. ولا شك بأن هذا الوضع قد أثار مخاوف الغربيين المؤيدين ل »إسرائيل »، ولعب دوره في تعميق تحركهم. التغير الثالث: جاء من الولايات المتحدة الأميركية، فنشأت حالة من البرود الشديد بين الرئيس الأميركي أوباما ورئيس وزراء « إسرائيل » نتنياهو. لقد عارض نتنياهو سياسة أوباما التي تريد أن تعطي الأولوية لتسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية، من أجل تقوية المواجهة الأميركية لإيران، بينما أراد نتنياهو أن يطوع السياسة الأميركية، سياسة الدولة العظمى الحامية ل »إسرائيل »، لحساب رؤيته التي ترى ضرورة مواجهة إيران أولاً، ومن دون أي اعتبار لقضية التسوية وتأثيراتها على الوضع العربي. وكان من شأن هذا الخلاف أنه حرك القيادة العسكرية الأميركية، ودفعها للتحرك، وللتصريح علناً، خلافاً لما هو مألوف، بأن سياسة « إسرائيل » ضد التسوية مع العرب، تساهم في ازدياد قتل الجنود الأميركيين في أماكن أخرى في العالم (أفغانستان وباكستان والعراق). لقد كان لهذا الموقف العسكري الأميركي أثره في الرأي العام، ولكن عنجهية « إسرائيل » جعلتها عاجزة عن الالتفات إلى هذا التبدل النوعي في المواقف. وبسبب هذه التغيرات، وبسبب الاستنكار العالمي للهجوم العسكري الإسرائيلي على «أسطول الحرية» في المياه الدولية، نشب داخل « إسرائيل » صراع سياسي وإعلامي حاد، فالتراشق بالتهم يملأ صفحات الصحف الإسرائيلية، وكلهم يدينون حكومة « إسرائيل »، ويدينون قادتها، ويدعون لمحاسبتهم، ويرفعون شعار «المحدال» (أي التقصير)، ويدعون لتشكيل لجنة تبحث في المسؤولية عن هذا التقصير، على غرار لجنة أغرانات التي بحثت في التقصير الإسرائيلي في حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 مع مصر وسورية. لقد أصبحت الوحدة الإسرائيلية الداخلية مهددة هذه المرة، بشعارات العنصرية والفاشية، وأصبح هناك إسرائيليون يوافقون على وصف « إسرائيل » بأنها نمط جديد من حكم جنوب إفريقيا العنصري ضد السود، وهو وضع لم يكن قائما في « إسرائيل » من قبل. لقد كشفت المعركة ضد «أسطول الحرية» في عرض البحر، وما رافقها من جرائم قتل، كشفت النقاب عن كل هذه التفاعلات، التي كانت تجري داخل « إسرائيل »، وعلى الصعيد العالمي، وحتى في أوساط أصدقائها. وهي لا تواجه الآن معركة رفع الحصار عن غزة فقط، بل معركة اتهامها من قبل أصدقائها بأنها دولة جنوب إفريقيا العنصرية الجديدة.  
 المصدر: م. ف. إ. عن الشرق الأوسط  

أيها العرب لا تقتدوا بأردوغان!!

ريما حلواني في هذه الأوقات الحرجة التي يتعرّض لها المسلمون، تظهر على الساحة الإسلامية « تركيا » داعِمة، متضامنة مع قضية فلسطين، رافضة للحصار على قطاع غزة، ومعتبِرة حكومة وشعباً قضية غزة قضية الأتراك فإن ما يجمعهما « دين التوحيد، الإسلام ».. ليس مستغرباً أن تتخبط الآراء بين متعجّل سلبي ومتعجّل إيجابي.. فالبعض جعل رئيس حكومة تركيا « رجب طيب أردوغان » ملاكاً لا يُخطئ ورجل المهمات الصعبة، ومجاهداً يحمل لواء الإسلام وراية الجهاد لا يمنعه عنها شيء.. بينما قلّب البعض الآخر في صفحاتٍ مخزِية لا يرضى عنها الله عزّ وجلّ، ولا يتقبّلها المسلمون مِن سياسات شنيعة تطبّقها الحكومة التركية، سياساتٍ لا يمكن أن يتحمل مسؤوليتها شخص واحد في دولةٍ يبلغ عدد سكانها 70 مليون نسمة أو يزيدون، هو أردوغان.. مع العلم بأن تلك السياسات قد انتهجتها ومنذ زمن دولنا العربية وقياداتنا « الإسلامية » بالخفاء أو بالعلن، أو تحت وابل مِن المصطلحات الملوّنة بألوان الطيف جعلت الحليم حيران!! لكي لا أتعجّل كغيري، -وقد أصيب وأخطئ فكلّنا يرقب الأحداث المتسارعة والمتلاحقة- سأعرض عدة أفكار عسى أن تصلنا بالواقع مع عدم إغفال بعض الصفحات التاريخية مِن صفحات تركيا.. – لقد تعرّض الشعب التركي إثر حكم أتاتورك لأقسى أنواع الاضطهاد الثقافي والفكري، عندما منع الحرف العربي مِن اللغة التركية واستبدله بالحرف اللاتيني، فأدّى ذلك مع مرور زمنٍ ليس بعيد إلى طمس صفحاتٍ تاريخية مهمّة مِن حياة الأتراك التي دامت مئات السنين في ظل حكم الدولة العثمانية؛ واكتفى الجيل الصاعد مِن الأتراك بتاريخ جديد يُحاكي أمجاد القائد « المظفّر » أتاتورك، ويَنشُد العلمانية منهجاً للدولة والشعب. – مِن السذاجة بمكان أن يعتبر البعض أن حملة قد شنّها أتاتورك الزعيم الخائن لدينه على الإسلام والقرآن الكريم بمنع العربية، أن تنجلي آثارها الخبيثة في سنة أو سنتين أو ثلاثة، حملة شعواء كتلك قد طالت تاريخ المسلمين وأفكارهم وفِطَرهم، وغيّرت ارتباطهم وثقتهم بدينهم، لا تتغير في أيام أو سنوات حتى يغير أهلها ما بأنفسهم.. – مِن الإنصاف أن يُذكر إلى جانب أخطاء الحكومة التركية الفادحة والتي تُخالِف صلب الشريعة الإسلامية مِن سلام مع مؤسسة العدو الإسرائيلي، وإرسال جنود أتراك في قوات الناتو ضد المجاهدين الأفغان، والتصديق على قوانين مخالفة للإسلام (الزنا والشذوذ..) بهدف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.. وغيرها مِن الممارسات الخاطئة.. مِن الإنصاف أن نذكر حسنات كثيرة تكاد تكون ذات فاعلية لدى الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية؛ أولى هذه الحسنات بثّ الروح الإسلامية في الشعب التركي وإعادة الثقة بالإسلام لدى الأتراك كحل جذري لمشكلاتهم على تنوّع أشكالها.. ورغم أن الإعلام التركي لازال يغيّب الجانب الإسلامي العظيم لدى الشعب ، فإن هذا الشعب بغالبيته متمسّك بالإسلام محبّ للتديّن، وما استطاعت أن تغيّره الحكومة الجديدة هو بثّ الثقة بدينهم وإعلانها صراحة أنّهم شعب لا ينقسم عن الأمة الإسلامية، فكانت سياسة أردوغان التوجّه نحو العالم العربي والإسلامي للتأكيد لا للشعب العربي بل للأتراك أنفسهم أنّهم جزء مِن هذه الأمة، وعصبٌ قوي يشدّ جسد الأمة الإسلامية بعضها إلى بعض.. ثانيها: مِن الانطباعات التي سجّلتها في زيارةٍ إلى تركيا، وما سمعته مِن شرائح مختلفة مِن الشعب التركي أن أردوغان يشنّ حملة شعواء على العلمانيين في تركيا مِن الفاسدين المفسدين مِن اعتقال وتوقيف ومحاسبة.. أغلق أماكن للفساد والخنا وحوّلها لحدائق ومنتزهات رائعة للعائلات والأسر والأطفال.. ناهيكم عن دعمه وحزبه للمشاريع الإسلامية النافعة ورفد التسهيلات لأصحابها.. وما قناة « الهلال » التركية الإسلامية إلا ثمرة ذلك الدعم. لقد سمعت مِن صحفيين ومتدينين ومتدينات أصحاب فكر ووعي وثقافة لا نراهم في لبنان إلا نادراً كلاماً يسرّ عن الرجل، وحدّثونا عن مستقبل واعد لتركيا، فماذا يعني هذا الدعم للإسلاميين وقضاياهم، وماذا يعني اهتمام الأتراك حكومة وشعباً بالقيم الإسلامية واللغة العربية؟! قد يُطرح سؤال بديهي: كيف يطارد أردوغان العلمانيين الفاسدين، وهو يعلنها أنه علماني؟؟ مستقبل الأحداث جدير بأن يكشف الحقائق.. لكنني هنا أذكرُ حادثةً ذكرها أحد الإخوة الأفاضل، والراعين لمشروع النهضة الإسلامية في تركيا، حيث ذكر أن فور خروج أردوغان مِن سجنه الذي دام أربعة أشهر بسبب قوله في إحدى خطبه أمام الجماهير متحدياً العسكر: « المآذن رماحنا والقباب خوذاتنا » خرج مِن سجنه ليقول أمام العلمانيين: أنا علماني.. فيقولون له: لا أنت لست علمانياً، بل إنك إسلامي، فيردّ: لقد تغيّرت، وانتهجتُ فكر العلمانيين، وبالطبع لا يصدقه العلمانيون مستندين في ذلك إلى إحدى تصريحاته السابقة -وقد ذُكرت في صحف الأحزاب العلمانية- قوله: « لا يمكنني أن أتصور أن يكون مسلماً مَن يحكم بغير ما أنزل الله »..! ثالثها: أن مَن يستمع لخطاب أردوغان بعد اقتحام العدو الإسرائيلي أسطول الحرية وجريمته البشعة على أرض سفينة مرمرة الزرقاء يشعر أن خطابه هذا خطاباً ليس وليد الحدث، بل وليد سياسة تنتهجها حكومة أردوغان، وتدعمها رئاسة عبد الله غُل، وتنقلها للخارج خطابات أحمد داود أوغلو.. رابعها: مِن المعلوم أن القوانين التركية منعت الحجاب في الجامعات الحكومية منذ أكثر مِن 10 سنوات، فها هي اليوم التعديلات الدستورية قد أوشكت على البدء، والكل يهمس ويتمنى أن يُمرَّر قانون حظر الحجاب في الجامعات مِن ضمن هذه التعديلات. – يا أيها العرب، لا تقتدوا بأردوغان!! ليس المطلوب اليوم أن يقتدي العرب بأردوغان في سياسته المتعلقة بالمؤسسة الإسرائيلية العدو مِن تطبيع وسلام وتبادل سفراء، وليس المطلوب منها أن تقتدي بسياسة الحكومة التركية التي نضجت وترعرعت تحت رعاية الاتحاد الأوروبي وتحت كنفه.. لأن ما نأمله اليوم مِن تركيا « البلد المسلم المضطهد في دينه وتاريخه » أن يتفلّت شيئاً فشيئاً مِن تلك السياسات التي تذل المسلمين ولا تعزّهم، وتُبطِل أعمالهم ولا تنصرهم.. وليس المطلوب منا أن نهبّ هبّة واحدة لنسبّح بحمد أردوغان أو غيره، بل المطلوب أن نعرف واجباتنا تجاه هذه القضايا الحساسة، وأن يكون لنا بصمة خير نلقى الله تعالى عليها.. فليقتد العرب برسولهم صلى الله عليه وسلم، سيّد القادة وأعدل الحكام، وخير البشرية، فالطريق لا تزال طويلة ووعرة، واللهَ نسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتّباعه والدفاع عنه، وأن يرينا الباطل ويجنّبنا الوقوع فيه أو الدفاع عنه.. والله مِن وراء القصد وهو يهدي السبيل
 

Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة