لقد تعددت المؤسسات والمراكز البحثية العربية ولكنها قليلة بل نادرة, تلك التي تعمل من منطلقات أكاديمية للتوقف عند بعض الملفات الدقيقة لاستشراف رأي المتخصصين ونشر نتائجها بعدة لغات, ثم إبلاغها إلى الدوائر المعنية بذلك, عربية كانت أو دولية, بل أننا نشاهد مدى تدخل عديد الدوائر الأجنبية للتأثير على هاته المراكز والعمل على تحجيم اهتمامها بمثل هاته القضايا, وهو ما يبرز مدى نسبية المبادرات التي أنجزت لأغراض دعائية وسياسوية… وفي هذا الإطار, كم يسعدنا حقا أن نوجه اليوم للقارئ العربي والدولي أيضا, النص الاستثنائي حول دارفور : الصراعات الداخلية والخارجية ورهانات المستقبل, وهو نص سمينار الذي نظمناه لهذا الغرض مع سعادة سفير السودان عبد الوهاب الصاوي بتاريخ 7 جويلية/تموز 2007 على منبر مؤسستنا, ثم قيامنا بتسجيل كامل للحوار البناء الذي أجريناه مع سعادته. أليس خليق بالدوائر العربية والسياسية العليا, تفعيل الحوار العربي-عربي لكل قضاياه المصيرية, بدل الركون إلى دوائر القرارات والتقارير الدولية والجرائد الأجنبية, لفهم المتغيرات الجيوسياسية على أرضها ؟ نوجه إذن حصيلة هذا السمينار ذي البعد الدولي حول دارفور, مؤملين أن يتوقف البعض منهم على الأقل حول هذا النص الاستثنائي ويستخلصوا العبرة منه في هذا الاهتمام الجدي والعلمي لقضايانا السياسية, ثم ليساهموا من مواقعهم في إيجاد تيار تأثير عربي ودولي قوي للدفاع عن أمن وسلامة السودان الترابية, وتلك هي الرسالة التي تعمل مؤسستنا على بثها وإبلاغها للجميع. كلمة شكر وتقدير بالغين لسعادة سفير السودان بتونس الأستاذ عبد الوهاب الصاوي الذي شرف بلده بامتياز, ومنح لمهنة السفير قيمة ثابتة وفاعلة, تقطع تماما مع روتينية المهام التقليدية التي يؤديها السفراء عموما. فليتفضل من جديد بقبول شكرنا وتقديرنا. الأستاذ عبد الجليل التميمي
د. عبد الجليل التميمي: كم يسعدني في هذا السيمنار ذي البعد الدولي، أن يكون ضيفنا اليوم الأستاذ عبد الوهاب الصاوي(*) سفير السودان بتونس ، كما يشرفنا أيضا أن يكون معنا هذا الصباح مندوب الجماهيرية السيد مختار النقاصة وكذا سفير المغرب بتونس الأستاذ نجيب زروالي وارثي وسفير سوريا الدكتور فيصل علوني وأيضا عدد من الوزراء السابقين ومن الشخصيات التونسية الجامعية والثقافية. والحقيقة فأن انفتاح المؤسسة على بعض الملفات الدولية، هو انفتاح جديد وذلك بعد نجاح المؤسسة في سيمنارات الذاكرة الوطنية، والذي كان وراء انفتاحها على إشكاليات المعرفة على الصعيد الدولي. واليوم نأخذ المبادرة بالتنسيق مع سعادة سفير السودان بفتح ملف دقيق وحرج هو ملف دارفور. والأستاذ الصاوي يعد من بين السفراء القلائل الذين يتقنون عدة لغات (الفرنسية والأنقليزية والإسبانية) ونحن بلا شك سعداء أن نتواصل مع خبراء من صنف الأستاذ الصاوي. لقد أخذ ملف دارفور أبعادا خطيرة خلال السنوات الأخيرة وازدادت أهميته خلال المدة الأخيرة، حيث انعقد اجتماع بمجموعة من الخبراء الأمريكان والأوربيين بباريس وسينظم بعد عشرة أيام مؤتمر بطرابلس بحضور السودان وليبيا والتشاد وإريتريا لدرس هذا الملف. والمجتمع التونسي بدوره يرغب في الاطلاع على دقائق هذا الملف والتساؤل بشأن خلفيات هذا التهافت على قضية دارفور، وهل يعود ذلك إلى الثروات الباطنية الهائلة، خاصة وأن دارفور تقع على بحيرة بترول خيالية، ولماذا اقتصر التناحر على فصيلين فقط؟ وهل من رؤية مستقلة لإيجاد حل وإرجاع الثقة في هذا الفضاء السوداني العربي؟ واليوم نرغب في فهم هذه الجوانب من سعادة السفير حتى نطمئن على مصير دارفور، لأن قلوبنا معكم ومع الأمن ومع السلم ومع إرجاع الحق إلى نصابه. كما نود التعرف إلى هؤلاء الجانجويد وهل هم فعلا فرقة من الفرق العسكرية السودانية؟ ستكون الأسئلة المطروحة على قدر من الصراحة والصرامة حتى نتعرف إلى حقائق الأمور. ونحن حقا سعيدون بحضور سعادة سفير السودان بيننا لإطلاعنا على خبايا ملف دارفور الذي لم يهتم به كثيرا الرأي العام التونسي. وقد أخبرني السيد الطيب البكوش، أن هناك ملفا سيعرض يوم 21 من هذا الشهر حول دارفور أيضا، ولكن للأسف لم نتوصل إلى صياغة أوجه التنسيق بيننا. وفي غياب ذلك أخذنا هذه المبادرة لأهمية الملف ولاستراتيجيته حتى نفهم الحقيقة من عدمها. والآن أحيل الكلمة إلى سعادة السفير، فليتفضل.
الأستاذ عبد الوهاب الصاوي: أشكر الدكتور عبد الجليل التميمي على هذه الاستضافة وشكرا للسادة السفراء والوزراء والخبراء وللإخوة الباحثين والأكاديميين على تفضلهم بالحضور في هذه الندوة وفي هذا الجمع، لأني سأعتمد كثيرا على أسئلتكم وعلى تفاعلكم أكثر من الاعتماد على الورقة التي أعددتها للغرض، وأن الدافع الكبير لإقدامي على المشاركة في هذا اللقاء، هو حضوري في بعض سيمنارات هذه المؤسسة الكريمة والمضيافة وتأكدي من رقي مستوى الحوار الذي يجري في لقاءاتها العلمية. وقد تأكدت لدي قيمة حوارات الذاكرة الوطنية وبقية الحوارات القيمة. والأهم هو درجة ديمقراطية الحوارات رغم مرارات التجارب الماضية. وأنا كسوداني، ورغم ما عايشته من أحداث الاقتتال والتصادم، فإني عند حضوري بهذه الاجتماعات في هاته المؤسسة، كنت شاهدا على نوع راق من النقاش يعاودني الأمل في الانفتاح الديمقراطي وقبول الآخر في بقية أرجاء العالم العربي. وأنا بوصفي سفيرا لبلادي، لا أستطيع أن أضع نفسي في إطار الباحثين الأكاديميين الذين يقدمون عملا بشروطه المنهجية المعروفة، لأننا كديبلوماسيين أميل إلى الانتماء إلى حلقة السياسيين الممارسين للمهنة. وإن شاء الله أن لا تكون هذه المحاضرة على نفس وتيرة ونغم المحاضرات السياسية المملة، بل سنعمل على تقديم مقاربة، هي إلى الحقيقة أقرب وفي نفس إطار وجهة نظر الحكومة لأني الممثل الشخصي لحكومتي، ومن هذا المنطلق سأبدأ محاضرتي بالتذكير ببدايات مشكلة دارفور التي برزت بقوة إلى واجهة الأحداث في السودان والعالم منذ عام 2003. وبدأ التساؤل يتردد في كل العالم عن هذه المنطقة، التي أصبحت محل زيارات وقرارات دولية وإقليمية هامة. فقد تضافرت عوامل داخلية وخارجية في التطورات الدرامية للأزمة التي أبرزت في وسائل الإعلام الغربية بتجاهل لجذورها ومسبباتها وتضخيم لتداعياتها بتشكيل صورة نمطية عن ممارسات فظيعة لما يسمى بالجنجويد، وجرائم إبادة جماعية واغتصاب كذرائع للتدخل الأجنبي بوصفات إنسانية. إن دارفور سلطنة قديمة تداخلت عبر التاريخ مع مثيلاتها من سلطنات التنجر ووداي وكانم برنو غرباً وممالك كردفان وممالك النيل في السودان الحالي شمالا. تأثر هذا التداخل والحركة السكانية بعمق بدخول العروبة والإسلام، ونتج عن هذا التنوع والاختلاط العربي الأفريقي الموزايك الذي يشكل التركيبة السودانية بكل وحدتها وتناقضاتها. ينقسم إقليم دارفور في غرب السودان إلى ثلاث ولايات، وفق قانون الحكم الفيدرالي لعام 1994، وتمتد حدوده مع ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، وتبلغ مساحته حوالي 570 ألف كيلومتر مربع وعدد سكانه يفوق 6 ملايين نسمة، من قبائل الفور والزغاوة والمساليت والبرتي والتاما والبرقو والرزيقات والتعايشة والمسيرية وبني هلبة والمعاليا والسلامات والمحاميد والمهيرية والترجم وغيرهم. واللغة العربية هي لغة التخاطب المشتركة بين هذه القبائل التي من بينها من له لغة خاصة ومن يتحدث العربية فقط. ويدين كل سكان الإقليم بالإسلام، ويطلق على دارفور دار القرآن، لكثرة حفظة القرآن فيها.
-الجذور الداخلية للصراع: أسباب النزاع الداخلية في دارفور لا تختلف عنها في بلدان مماثلة بين تشكيلات قبلية مختلفة، وضعف في التنمية وتنازع على الموارد الشحيحة من مياه ومرعى وضعف عمليات بناء الأمة وإدارة الدولة الحديثة. فقد أدى الجفاف الذي ضرب منطقة السهل الأفريقي في الثمانينات إلى انهيار العلاقة التي كانت حميمة بين فئات المزارعين والرعاة. وبدلاً عن تبادل المنافع والمصاهرات التي كانت سمة هذه العلاقة، دخلت القبائل في صراعات على المياه بخروج الرعاة من مساراتهم التقليدية، للرعي والدخول في أراضي المزارعين، الذين سدوا بدورهم الآبار وحرقوا القصب الذي كانت تقتات عليه حيوانات الرعاة. ونستطيع القول إن دارفور واحدة من ضحايا التغير المناخي العالمي الذي ترفض الولايات المتحدة توقيع اتفاقية كيوتو لتخفيف آثاره . ومن اضطراب الأحوال وانتشار الأسلحة، نمت ظاهرة عصابات النهب المسلح، وتشكلت المليشيات القبلية في ظروف ضعفت فيها قبضة الإدارة الأهلية. وبدأ شباب دارفور ممن عانوا من البطالة والصعوبات في بلاد المهجر، بتنظيم أنفسهم لمواجهة ما أسموه بالتفرقة والتهميش. ولم تكن القيادات السياسية التقليدية قادرة على الإحاطة بأزماتهم لحلها واستيعاب طموحاتهم لتبنيها. وكان أوار الحرب الأهلية في الجنوب قد استعر، وبذلت أثناءها، الحركة الشعبية قائدة التمرد في الجنوب، الجهود لخلق بؤر للتمرد في ما أسمته بالمناطق المهمشة بشمال السودان لتخفيف الضغط عليها، فكان لها دور في دعم وتسليح المليشيات المسلحة في دارفور وتغيير منحى النزاع من صراعات قبلية إلى قتال ضد الدولة القائمة. وقد تشكلت في عام 2002، حركة تحرير دارفور التي تحولت إلى اسم حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور. وتكونت في عام 2003 حركة من الإسلاميين بقيادة د. خليل إبراهيم تحت مسمى العدل والمساواة. وشنت الحركتان هجمات على نقاط الشرطة والجيش واستهدفتا مطار الفاشر في أول هجوم كبير في أبريل 2003. ومعظم عناصر هاتين الحركتين من قبائل الزغاوة والفور والمساليت مما سهل على ذوى الأغراض توصيف النزاع تبسيطا بأنه بين قبائل عربية وأخرى إفريقية. وحقيقة الأمر غير ذلك إذ أن الصراعات فيه كانت شتى، بينما ما دار بين قبيلتين عربيتين وهما قبيلتا الرزيقات والمعالية بشأن الأراضي الرعوية. والعرب في السودان لمن لا يعرف هم سود البشرة ويشبهون إلى حد كبير الأفارقة مع فارق وحيد بين هذا وذاك هو من يتحدث اللغة العربية ومن لديه لغة ثانية إلى جانب العربية. -التدخل الخارجي ودوافعه: منشأ العديد من النزاعات بين الدول الأفريقية وداخل هذه الدول، كان دائما قضية الحدود الوهمية الموروثة من الاستعمار والتداخل القبلي على طرفيها وهي دول حديثة الإنشاء. هذا ما يعني أن مفاهيم الأمة والدولة لم تكن راسخا بحكم سيطرة العلاقات القبلية وعلاقات القرابة والمصاهرة على الانتماء القومي. وكان ذلك سببا في اتساع رقعة النزاعات الداخلية إلى نطاق إقليمي وربما دولي. وعلاقة دارفور بجيرانها ليست استثناء من هذه القاعدة. لقد كان حصول تشاد على الاستقلال بسيطرة الأقلية الأفريقية المدعومة من فرنسا على حساب القبائل ذات الأصول العربية والمسلمة، سبباً في اندلاع الحرب الأهلية فيها. وكان التداخل القبلي وراء إنشاء منظمة فرولينا في نيالا بالسودان عام 1964، وبدء نشاطها عبر الحدود بين البلدين. منذ ذلك الوقت أصبحت الحرب الأهلية في تشاد مصدرا للتوتر في علاقات الدولتين، وأذكر تبادل الاتهامات آنذاك بين الصادق المهدي كان رئيس الوزراء السوداني، وتمبلباي رئيس التشاد، وكادت أن تؤدي إلى أن تندلع الحرب بين السودان والتشاد لولا تدخل بعض الأطراف لإنهاء الأزمة. وهكذا انطلقت حركة تسلح القبائل السودانية المتمردة بالتشاد والقبائل التشادية المتمردة بالسودان، وعجزت الحكومات عن إيقاف تحركات المتمردين عبر الحدود. وبدلا من ذلك تبادل الطرفان التهم بالتدخل. وانعكست تداعيات الحرب الباردة في ذلك الوقت، والحرب الليبية التشادية على قطاع أوسع والصراع بين مصر والسودان من جهة وليبيا وحليفاتها من جهة أخرى، على الإقليم باستقطاب هذا الطرف أو ذاك لتحالفات القبائل وإنشاء الجيش الإسلامي والمليشيات من كل حدب، مما أوجد ظروف اضطراب أدت بدورها إلى تكوين عصابات للنهب المسلح وبؤر للتمرد عبر المنطقة. إن عدنا إلى الوراء وجدنا أن السياسة الاستعمارية الغربية تجاه السودان، ظلت سياسة مستمرة للتفرقة والإضعاف ومحاولات التركيع. فقد عمل الإنجليز على بذر الفتنة في جنوب البلاد بإصدارهم قانون المناطق المقفولة عام 1920، لمنع أي صلات ثقافية ودينية بين الشمال والجنوب بدعوى محاربة الرق والسماح للتبشير المسيحي. إذن تم عزل الجنوب وفرض على الشمالي الحصول على تأشيرة للدخول إلى الجنوب، ومنعوا سكان الجنوب ارتداء الجلابية والطاقية العربية ولا يستعمل الأسماء العربية (كعلي ومحمد..) وتعللوا في ذلك بأنهم يحاربون الرق، بينما سمحوا للبعثات التبشيرية بالدخول المنظم وبالتالي كرسوا عملية التفرقة وعند الاستقلال أشاعوا أن الشمال سيفرض سيادة العربي وامتلاكه للجنوبي كرقيق. وشجعوا بذلك التمرد انفجارا بالجنوب قبل 4 أشهر من إعلان الاستقلال عام 1956. وعمقوا جذور الاختلافات الطائفية في العمل السياسي بالشمال نفسه، الذي أصبح هو الآخر يقوم على أسس طائفية (الختمية وأنصار المهدي و…) إذن تمت تقوية الطوائف الدينية عن الطرق الصوفية ثم أقحموهما في صراع داخلي. ولكن السودانيين برهنوا على مقدراتهم في فض النزاعات بحل مشكلة الجنوب بتوقيع اتفاقية أديس ابابا عام 1972 بين النميري وحركة الأنيانيا من الجنوبيين، لكن الحرب عادت من جديد سنة 1983. حتى انتهت بتوقيع اتفاقية السلام الشامل بنيروبي في يناير 2005. وبدلا من استقطاب الدعم الدولي لبناء السلام، بذلت مجموعات اليمين المتطرفة في أمريكا والمخابرات والمنظمات المشبوهة في الغرب، جهوداً في تحريض التنظيمات بدارفور على التمرد على الحكومة. وتم إنفاق الملايين من الدولارات في حملة إعلامية هائلة، لإبراز صورة الأوضاع في دارفور على أنها إبادة وتطهير عرقي، مثلما أثاروا مسألة أسلحة الدمار الشامل لغزو العراق. تتعدد الأهداف الخفية لأمريكا في تصعيد الأوضاع بدارفور. فقد وعدت السودان برفع العقوبات وعودة السفير ورفع الحظر واسم السودان من لائحة الإرهاب الدولي بعد توقيع اتفاقية السلام بالجنوب، ولم تفعل. وبذلت نفس الوعود قبل التوقيع على اتفاقية أبوجا للسلام بدارفور، ولم تف بها، إذ لا يوجد بالسودان سفير للولايات المتحدة الأمريكية ولا يزال اسمه في قائمة الدول المغضوب عليها ولا زال تحت طائلة العقوبات المفروضة عليه. بل يلاحظ أن قرارات الحظر والعقوبات تصدر كلما كانت الظروف مواتية للسلام. فمثلا أصدر بوش في الشهر الماضي، مجموعة من العقوبات في الوقت الذي قبل فيه المتمردون حضور المفاوضات، ومع ذلك قررت أمريكا إصدار عقوبات جديدة ضمت قائمة من الشركات وأهمها شركات النقل التي كانت أساسية لإيصال المساعدات الإنسانية وشركات الطيران ومشروع الجزيرة… وهي شركات هامة في خلق أمن وسلامة السودان وإنمائه، ومع ذلك صدرت ضدها عقوبات بدعوى أنها عقوبات ضد حكومة السودان، وفي الحقيقة لم تسقط، في حين تواصلت معاناة الشعب السوداني من العقوبات. والدافع الأكبر لما ذكرنا آنفاً، هو إضعاف السودان وتركيعه بحيث يتنازل عن الجرأة التي تعاملت بها حكومته بإعلان مشروعها الإسلامي وفي استقلالية مواقفها الدولية، برفضها القوات الدولية في حرب الخليج الثانية وإدانة احتلال العراق ورفض أي تعامل مع إسرائيل. وترى مجموعات الضغط اليمينية المتطرفة والصهيونية أن هذه المواقف المستقلة، خطرا لا بد من اقتلاعه. وذلك رغم الحديث على أن حكومة السودان متعاونة في محاربة الإرهاب وكان هذا بهدف خلق مشاكل بيننا وبين الإرهابيين. ونحن لا نعرف إن كنا ضحية الإرهاب أم أننا نحن أنفسنا كإرهابيين؟ وكان قرار استغلال البترول وتصديره بفتح الأبواب أمام شركات صينية وماليزية وهندية، خروجا على أهداف أمريكا في السيطرة على مصادر النفط في إفريقيا كبديل لنفط الشرق الأوسط وتعتبر بعض الدوائر الغربية أن السودان بثرواته المائية والفلاحية والبترولية والمعدنية، وتركيبته الاثنية والثقافية وموقعه الجيوسياسي الرابط بين العرب وإفريقيا يشكل خطراً إن توحد واستقر وتنامى. وتشاركهم في تلك الوساوس بعض الجهات في دول الجوار التي ترى أن قوتها في إضعاف السودان الذي قد تأتي المعارضة إلى مقاعد الحكم من أبوابه.
-تطورات الأوضاع: كان موقف حكومة السودان المبدئي ول ازال، أن قضية دارفور هي قضية تنمية وبناء الأمة ولا تحل إلا بالوسائل السلمية. وعندما انفجر التمرد، واجهته الدولة بقوة السلاح ودحرته لإعادة هيبة الدولة وأمن المواطنين. واتبعت الإجراءات العسكرية بعقد مؤتمرات الصلح الداخلية، وقبول الوساطة التشادية مع حاملي السلاح ثم التوصل معهم لاتفاقية أبشي واتفاقية أنجمينا في 8 أبريل 2004، وقبلت بدخول الاتحاد الأفريقي الوليد في مراقبة وقف إطلاق النار. غير أن التشجيع الذي وجده المتمردون، مكنهم من استعادة عملياتهم إذ يكفي أن يقوم ثلاثة عناصر فقط من المتمردين بإطلاق النار، حتى يقع تصويرهم وتقام بذلك الدعاية والحملة الإعلامية الغربية الضخمة بشأن انعدام الأمن وتدفق اللاجئين والنازحين على المعسكرات وقدوم المنظمات الدولية والطوعية، بذريعة معالجة القضايا الإنسانية وشكل ذلك عوامل إذكاء المشكلة وتحويلها إلى قضية تشغل الأجهزة الدولية بمختلف مصنفاتها. وكان موقف الحكومة ثابتاً في التعامل بمرونة مع المجتمع الدولي بالحوار وفن الممكن مع تأكيد الموقف المبدئي بأن القضية داخلية يمكن حلها بالتفاوض على أن يكون الدعم الإقليمي في مراقبة وقف إطلاق النار والعمل على نزع متزامن لسلاح المتمردين والمليشيات القبلية المنفلتة، وتسهيل العودة الطوعية للاجئين والنازحين وتقديم الإغاثة والخدمات لهم في قراهم بدلاً عن تشجيعهم للبقاء في المعسكرات. واستقبلت الحكومة الأمين العام السابق للأمم المتحدة في يوليو 2004 في دارفور، ووقعت معه خارطة طريق بشأن المسيرة السلمية والمسائل الإنسانية. ومنذ ذلك التاريخ انهالت زيارات كبار المسؤولين الغربيين وغيرهم على دارفور: كولن باول وتوني بلير ودو فيلبان والقائمة تطول حتى وفد البرلمان الأوربي الأسبوع الماضي. جرت جولات مفاوضات السلام، بتعثر بعد انتقالها من انجمينا إلى أبوجا، بسبب العقبات المتأتية من الانقسامات في صفوف المتمردين، ورفضهم الالتزام بوقف إطلاق النار وتحديد مواقعهم، وإثارتهم للفتن بالهجوم على القبائل ونهب مواشيها مما أدخل المنطقة في صراعات قبلية مدمرة للنسيج الاجتماعي للإقليم. وتم إلصاق صفة الجنجويد على القبائل العربية، علما بأن الجنجويد « أي جندي مسلح على جواد » وهم عصابات نهب مسلح تولدت كالنبت الشيطاني في ظروف الاضطراب الأمني، ويقصد بعبارة « الجندي المسلح » التخويف للاستيلاء على الأموال، وكان هؤلاء الجانجويد يفتخرون بأنهم وبفضل مجرد تسلحهم برشاش ألماني، يكسبون من الأموال ما لا يقدر على كسبه المهاجرون للعمل بدول الخليج. ولكن الصفة جاءت لغايات سياسية تفريقية، لأن القبائل العربية المتنقلة بالصحراء الكبرى وحتى بجنوب تونس، ليست كلها قبائل مسلحة ولا تتعاطى السطو والاستيلاء على بقية القبائل. ولكن أجهزة الإعلام للأسف، ابتلعت الطعم وأذكت شوكة الجانجويد بفضل الحملة الإعلامية الجارية.. وبالالتزام بالصبر والمثابرة، تم التوصل لاتفاقية سلام دارفور في العاصمة النيجيرية يوم 5 مايو 2006 وقعتها حكومة السودان والفصائل الرئيسية لحاملي السلاح وممثلين عن الدول المراقبة ومن بينها الولايات المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية. وباشرت الحكومة تنفيذ الاتفاقية في مجالات المشاركة في السلطة بتعيين منى أركو مناوي رئيس الفصيل الموقع للسلام يوم 3/8/2006 في منصب مساعد رئيس الجمهورية، ورئيساً للسلطة الانتقالية لدارفور، وتم تعيين وزراء في المركز والولايات ونواب بالبرلمان القومى والبرلمانات الولائية. والمشاركة في الثروة بتخصيص مبالغ لتمويل التنمية بالإقليم والترتيبات الأمنية. وكذلك تم تعيين مفوضية لعودة النازحين واللاجئين. وبدأت المشاورات لعقد الحوار الدارفوري – الدارفوري، وتعيين عبدول محمد من أثيوبيا، لإعداد الترتيبات لهذا الحوار. كما قدمت الحكومة للاتحاد الإفريقي في يوليو 2006، خطة كاملة لنزع سلاح الجنجويد والمليشيات في الإقليم وفق الاتفاقية. وأهم شيء في هذا الموضوع هو النزع المتزامن للأسلحة، لأن نزع سلاح مجموعة دون أخرى يعني العودة للتسلح من جديد خاصة وأن التسلح اليوم من أسهل المسائل. لذلك فنحن دائما نلح على أهمية مسألة نزع السلاح المتزامن من كل الأطراف. نشير إلى أن توقيع اتفاقية أبوجا قد صحبه اتفاق ضمني بالضغط على الجهات التي ترفض التوقيع وفرض عقوبات عليها، حتى تعود إلى رشدها وتقبل تغليب السلام على مصالح قادتها. إلا أن الإدارة الأمريكية رأت عكس ذلك، بقرارها الرئاسي بفرض عقوبات جديدة على حكومة السودان، وباعثة على إثر ذلك، برسالة خاطئة للمتمردين ليتمادوا في غيهم. واستصدرت القرار رقم 1706 من مجلس الأمن الدولي، بتحويل قوات الاتحاد الأفريقي التي بلغت حوالي 7 آلاف جندي، عندما نضب عنها التمويل، إلى قوات للأمم المتحدة، على أن يرتفع عددها إلى 22 ألف جندي أممي، تعمل تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، ودون اعتبار للقضاء والشرطة السودانية. كما أصدر المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية أمرا، رفضه السودان، بتسليم اثنين من السودانيين بينهما وزير للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. إن قرار مجلس الأمن 1706، إن قضي له التنفيذ كان سيضع السودان تحت الوصاية الدولية إذ ينص فصله السابع على الحد من نفوذ القضاء السوداني والشرطة السودانية، فكان لزاما علينا كدولة ذات سيادة أن نرفضه، والحمد لله أن تجاوزته الأحداث تماما.
-العملية الهجين: ولكن رفضنا للقرار 1706، جعل البعض من المعارضين الداخليين يتهم حكومة السودان بأنها ستدخل السودان في معركة مع المجتمع الدولي، وطرحت إشكالية مقدرة السودان المسكين على مواجهة المجتمع الدولي. لذلك أصبح علينا أن نقبل بتنفيذ قرار 1706، وإلا فإنا سنواجه أمريكا ومجلس الأمن، ولنا فيما يحصل في العراق وفي أفغانستان المثال، خاصة وقد كنا متطلعين لمحدودية القوات الدولية التي يقتصر دورها على كونها مجرد مغناطيس لجذب الإرهاب، خاصة وأن منطقة الصحراء الكبرى، منطقة حساسة وقابلة أن تكون منطقة حرب متواصلة وإن تواجد القوات الأممية لن يزيد إلا في تعقيد الوضع، لأن هذه القوات أثبتت عجزها في خلق التوازن أو السلم. وجاء رفضنا للقوات الأممية ومن منطلق أنها ستكون خرقا لسيادة السودان، بالرغم من هذه المواقف الحادة والواضحة. لم يكن رفض السودان للقوات الدولية متعنتا، فقد رافقت حكومة السودان رفضها، بتعامل إيجابي مع المجتمع الدولي. فلم نترك مجلس الأمن والمجتمع الدولي لأمريكا فقط، نحن أعضاء بأجهزة الأمم المتحدة، لذلك دخلنا في مشاورات والتأم الاجتماع الإفريقي في نيويورك، ورفض خلاله القادة الأفارقة أنفسهم التدخل الدولي بالسودان، وتواصل عقد الاجتماعات على مختلف المستويات وبذل الإخوة الليبيون مجهودات جمة لجمع أطراف المجتمع الدولي، وانتهت هذه الاجتماعات بالاجتماع التشاوري بأديس أبابا في نوفمبر 2006 على وثيقة توافق تعطي الأولوية لتفعيل العملية السلمية التي باءت بوساطة يقودها الدكتور سالم أحمد سالم، عن الاتحاد الأفريقي ويان الياسون عن الأمم المتحدة، للعودة للتفاوض مع غير الموقعين لاتفاقية أبوجا. واحتوت وثيقة أديس أبابا إلى جانب حفظ السلام بالتوافق على مشروع دعم أممي على ثلاث مراحل: حزم دعم خفيف ودعم ثقيل وعملية مختلطة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، اصطلح على تسميتها بالعملية الهجين. وقد كنا قبلنا هذه الإجراءات بكل مرونة، لغاية دفع العملية السلمية بالسودان التي تمثل القضية الأهم وكنا متمسكين بأن تكون هذه القوات إفريقية. واعتمد مجلس السلم والأمن الأفريقي في نوفمبر 2006، مقررات أديس أبابا. كما اعتمدها مجلس الأمن الدولي بقرار رئاسي في ديسمبر 2006. وتم تعيين وزير خارجية الكنغو الشعبية رودلف أدادا، ممثلاً مشتركاً للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهو الآن بموقعه في السودان. وعلى هذا المنوال جرت اجتماعات في نيويورك وعلى هامش القمة العربية بالرياض، وفي المؤتمر الدولي بعاصمة الجماهيرية الليبية، كانت قد أجازت جميعها توافق أديس ابابا ودعت لتكامل مساراته السلمية وحفظ السلام، كما نبهت إلى ضرورة تنسيق وتوحيد المبادرات حتى لا نفقد الاتجاه. وهكذا أصبحت العملية مقبولة عالميا، على أن تكون وفق الإيضاحات التي قدمت للسودان وأن ترسل القوات الإفريقية قواتها للسودان. ولكن طرحت بالمقابل قضية تمويل هذه القوات الإفريقية، ومع ذلك بقيت العملية السلمية هي التي تشغلنا بالدرجة الأولى، لأننا نعتبر أنه بتحقيقنا للعملية السلمية، نكون قد قطعنا ¾ المشوار ويبقى الربع الأخير هي العملية الهجين. اكتمل الاتفاق على العملية الهجين وتفاصيلها في اجتماع الأطراف الثلاثة: الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وحكومة السودان يوم 12 يونيو الماضي بأديس أبابا، والذي قدمت فيه توضيحات أعطت العملية السياسية، موقعها كأولوية وأكدت أن القيادة والصبغة، إفريقية للقوات، مع تطبيق النظم الإدارية والمالية الأممية. وتمت تسمية الجنرال مارتن لوثر أوقوي من نيجيريا، قائداً للقوات المشتركة ويتولى الآن قيادة القوات الإفريقية حتى بداية العملية الهجين في ديسمبر القادم. وتوثيقاً للتعاون مع المجتمع الدولي، زار أعضاء مجلس الأمن الدولي الخرطوم والفاشر يوم 17 يونيو الماضي بدعوة من حكومة السودان، مما أكد جدوى الحوار البناء بين الأطراف المعنية. وهكذا تأكد الجميع من مصداقية السودان في تعاونه مع المجتمع الدولي وأصبحت إشاعات تعنت السودان إشاعات مغرضة ولا أساس لها من الصحة. وأقنعتنا بضرورة التعامل مع المجتمع الدولي من منطلق أن السياسة هي « فن الممكن » مع الإصرار على أن لا يكون السودان تحت الوصاية الدولية. ونشير في عجالة لمؤتمر باريس حول دارفور الذي عقده الرئيس ساركوزي يوم 25 يونيو الماضي، ولم يشارك فيه السودان ولا الاتحاد الأفريقي. وكان موقفنا المتحفظ تجاه المؤتمر، ناتجا عن رغبتنا في توحيد المبادرات كما جاء في بيان طرابلس. ولكن لا بد أن نقدر ما تمخضت عنه أعماله، خاصة إعطاء الأولوية للعملية السلمية واحترام سيادة ووحدة السودان، وتوجيه الضغوط على رافضي السلام ودعم الجهود الأفريقية – الأممية الجارية. إن الأوضاع الحالية في دارفور مستقرة لحد كبير. وتنعكس عليها خيراً، العلاقة مع الجارة تشاد التي تشهد تحسناً مستمرّاً. والتعاون مع المجتمع الدولي يسير في الاتجاه الصحيح بعد تفاهمات أديس أبابا حول العملية الهجين، والمجموعات المتمردة أصبحت أكثر ميولاً للسلام بعد الجهود التي بذلها النائب الأول للرئيس سالفا كير والوساطة الارترية، لتجميع صفوف المتمردين وسعي الجماهيرية الحميد لعقد اجتماع طرابلس يوم 15 يوليو الجاري لتحديد زمان ومكان التفاوض مع حاملي السلاح. هذه هي الإضاءات على طريق السلام، تشجعنا على رسم صورة متفائلة لمستقبل توفرت له معظم الظروف المواتية ليكون مشرقا.
-آفاق المستقبل: تأكد لجميع الأطراف المعنية أن قضية دارفور سياسية في المكان الأول، ولا تحل بوسائل عسكرية. والمطلوب من المجتمع الدولي دعم العملية التفاوضية في إطار توسيع اتفاقية أبوجا، بضم الرافضين لها بتوحيد كلمتهم على برنامج سلام يطرح للتفاوض مع الحكومة بهدف الوصول إلى حلول دائمة للمسائل العالقة. وعليه نرى ضرورة أن يتكاتف أهل السودان، لتثبيت أركان نظام الحكم الفيدرالي الذي أصبح واقعا ملموسا، يأخذ شكله ويتطور بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل بجنوب السودان واتفاقية سلام دارفور واتفاقية سلام الشرق، وبممارسة التقسيم العادل للسلطة والثروة بالتراضي في مناخ ديمقراطي. وهذه خطوة هامة في عملية بناء الأمة، على أسس جديدة قائمة على العدالة والديمقراطية والمشاركة الحقيقية للأطراف في اتخاذ القرار مع المركز. أن تتولى الدول الأفريقية مسؤولياتها وخاصة العربية منها للعمل على توفير القوات المطلوبة لحفظ السلام بدارفور. فالسودان حريص على إنجاح دور الاتحاد الأفريقي في فض النزاعات الأفريقية، حتى تتفادى القارة مغبات التدخل الأجنبي. وقد يكون تطاول أزمة دارفور ضارة نافعة لتجويد الممارسة والاستفادة من التجربة ونمو ثقة الأفارقة في أنفسهم لتحقيق نجاحات قادمة. وأن تتمكن الأمم المتحدة من توفير التمويل للقوات المشتركة في العملية الهجين، ودعمها بالقدرات المادية والفنية واللوجستية والإدارية، حتى لا يصيبها ما أصاب القوات الأفريقية من تقاعس الدول والمنظمات المانحة من الإيفاء بإلتزاماتها. هناك اتجاهات طيبة ظهرت في تقارير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومقال للأمين العام بان كى مون مؤخراً في الواشنطن بوست وتقارير، تعيد مشكلة دارفور إلى التغيرات المناخية والصراع بين المزارعين والرعاة على الموارد الشحيحة، كواحد من أهم جذور المشكلة. فإن هيمنت المقاربة البيئية والتنموية على النظرة العالمية تجاه دارفور، فإنه يمكن أن نجد مشروعات مثل مشروع حفر ألف بئر الذي اقترحه مؤخرا العالم المصري دكتور فاروق الباز، كما يمكن تفعيل وتمويل مشروعات تنموية تؤدي إلى تطوير نشاطات الإنتاج الحيواني وتحديد مسارات الرعاة وتقديم الخدمات لهم ولأنعامهم، وتطوير إمكانات الفلاحة للمزارعين بحزم تقنية لتنمية المنطقة ومواردها المائية ومنتجاتها الزراعية وتحديث الحياة في الإقليم لمصلحة أهله بكل قبائلهم وفئاتها الاجتماعية. ان يكون فتح باب الحوار بين أبناء دارفور حول قضايا الإقليم بديلا مقنعا للمواجهات المسلحة، وجهدا يعيد للنسيج الاجتماعي فيه رونقه، ويقدم الحلول لمشكلة تملك الأرض وتطوير الإدارة المحلية واستعادة هيبة أجهزة الدولة ومنع الإفلات من العقاب وتقوية أجهزة الحكم لضمان الاستقرار. وأن يتم ذلك في مناخ ديمقراطي يملك فيه الجميع بمختلف انتماءاتهم الأثنية والجهوية والاجتماعية، الحق في التعبير عن مصالحهم وإيجاد حلول سلمية للنزاعات بالتوازن بين الآليات الأهلية التقليدية وأجهزة الدولة الحديثة. إن توثيق أواصر التعاون مع دول الجوار، شرط أساسي لمنع تحويل المناطق الحدودية إلى قواعد انطلاق للمعارضة المسلحة من دولة إلى أراضي الأخرى. والعمل سويّاً بمساعدة المجتمع الدولي على تسهيل الانتقال وتبادل المنافع بتطوير البنيات التحتية وتسهيل انتقال الأشخاص والسلع حتى تغلب المصلحة في الاستقرار على الانتماءات القبلية والجهوية الضيقة وعليه فإن معالجة الأوضاع الأمنية بتنفيذ الترتيبات الأمنية وفق اتفاقية أبوجا، بعون من المجتمع الدولي، سيساهم في حل كل المليشيات وجمع سلاحها بصورة متزامنة لبث الطمأنينة وتنفيذ خطة التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج DDR ونزع الألغام وتأمين الطرق ومعالجة القضايا الإنسانية وفق الاتفاق الموقع بين حكومة السودان والأمم المتحدة بتاريخ 27/3/2007، يكون عبر السعي لدى المانحين من المنظمات والمتلقين من النازحين ليتجهوا بجهدهم لمعالجة المسألة الإنسانية من مقاربة تنموية وتشجيع وترتيب العودة الطوعية وتقديم الخدمات في القرى الأصلية لاستعادة العمل المنتج فيها وتصفية المعسكرات. إن السلام والاستقرار في السودان سينتج خيرا على الدول المجاورة ويساهم في استقرار القرن الإفريقي وتحويل وسط أفريقيا، والبحيرات، والكنغو وأنجولا إلى فضاء سلام وتنمية للانتفاع بالثروات المائية والمعدنية والطاقة الهائلة لمصلحة كل القارة الأفريقية والسلام في العالم بأجمعه. ولا شك أن قضية بهذا الحجم تستحق مساهمة الجميع.
د. عبد الجليل التميمي: شكرا لسعادة السفير عبد الوهاب الصاوي على هذه البيانات الأساسية وهذا الشرح الناضج وهذه الاقتراحات البناءة في حل هذه المشاكل وكانت اقتراحات مستمدة بالأساس من تجربة السودان من خلال تبني الديمقراطية والكنفدرالية وتقسيم الثروات ومقاربة جميع الفصائل بكل خصوصياتها للحوار الداخلي والحوار الدولي. وهذا من شأنه أن يجنب السودان الحالي زلزالا تجاه مصيره في إقليم دارفور. وأرجو أن نثري هذه المحاضرة من خلال الحوار وتعلمون قيمة الحوار في تنويع وإثراء هذه المعلومات.
د. أحمد جدي (أستاذ بجامعة سوسة): إني لسعيد بانفتاح الديبلوماسيين العرب في الحديث عن القضايا المعقدة في تاريخ العرب المعاصر، والتي تقتضي حرية الرأي والتعبير. ومن وجهة نظري ليست مسألة دارفور مسألة معزولة عن بقية قضايا التدويل في العالم العربي، إذ تعود العرب على تدويل قضاياهم. وينطوي تدويل تاريخ العرب على إشكال تاريخي يصعب على القانون الوضعي والإعلام والديبلوماسية، فهم منطقه الداخلي، إذ يكفي أن نبرز نماذج من القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، إذ تم خلال هذه الفترات تدويل قضايا العرب وطرحها للنقاش بطرق غير عربية وفي ظروف غير عربية وبعواصم أولا أوربية بباريس ولندن ودبلن وروما. واليوم بعواصم أمريكية وأعني بها واشنطن ونيويورك. وهذا يعني بالضرورة بلغة الطب المعاصر، أن العرب فقدوا « المناعة » أي عندما تبلغ قضية داخلية درجة من التعقيد تفشل معها الأطراف الداخلية في إدارتها، ويقع تكليف الآخر بالنظر فيها، وهذا ما يصعب على الإعلامي والديبلوماسي وعلى القانون الدولي حله. الملاحظة الثانية، هي أن الغرب لم يعد ذاك الغرب التقليدي المستعمر لإفريقيا، وأما الجديد فهو أن قضية الصراع الغربي في الفضاء العربي الإسلامي، لم تعد مقتصرة على الغرب التقليدي وأعني أنقلترا وفرنسا اللتين لهما تجربة بالعالم الإسلامي، وإنما تجاوزت ذلك إلى غرب يقتدي بتجارب أخرى جديدة لعلها تفيد. وتبقى القضية الأخطر هي أن نطلب من الغير حل مشاكلنا، لأن هذا الغير ومهما كان لا يمكن أن يستمر وجوده في ظل هذه الأوضاع غير العادية، فيستمر بطريقته ونساعده نحن بطريقتنا، والتي قد يكون فيها من الوعي ومن اللاوعي النصيب الكبير. ولأختم أؤكد أن إقليم دارفور ينخرط في إطار مشاكل أخرى تتمثل في الخلل التاريخي في العلاقة القائمة بين العرب والغرب مما أفرز مشاكل على درجة من التعقيد سنحيل معها جهود الديبلوماسية والإعلام…
الأستاذ الطاهر بوسمة (محام ومسؤول سياسي سابق): لا زلت أذكر ما دار بيني وبين سعادة سفير السودان في أحد سيمنارات هذه المؤسسة بشأن قضية دارفور، وكان آنذاك قد طمأنني وأكد لي أنه سيحضر ليقدم تفاصيل القضية على منبر هذه المؤسسة، ها هو، قد قدم لنا اليوم رؤيته الخاصة إزاء المسألة، وأود أولا أن أثني على شجاعته وحضوره بهذه المؤسسة وتقديمه معطيات عن قضية دارفور وعما يدور بالسودان، لا سيما وأن السودان دولة ذات وزن، إذ أن مساحتها تتجاوز مساحة أوروبا وتضم عددا من اللغات والأعراق والعادات وتضاهي في ذلك قارة لوحدها. كما أقدر مجهود وجرأة سعادة السفير وقبوله الإدلاء بهذه المعلومات، كما أقدر شعوره بواجب التحفظ بوصفه يمثل الحكومة وباحترام مواثيق دولته، ولدي في هذا الإطار سؤال وملاحظة. وأما الملاحظة فتتمثل في مسألة حساسية جميع الدول من التدخل الأجنبي سواء كان أمميا أو استعماريا، وهذه الحساسية مشروعة ولكن في الواقع انعدمت إمكانية تجنب هذا التدخل في ظرف شهدت فيه العلاقات الدولية مزيدا من الانفتاح. لذلك أرى أنه من غير المجدي إضاعة الوقت في التحسر على هذا التدخل الدولي لأنه أصبح ضرورة من ضرورات العصر الحالي. أما سؤالي فهو بشأن ما تورده جريدة (Le Monde) من أن أكثر من مليوني مهجر من دارفور وأن عدد الوفيات في هذا الإقليم تجاوز 200 ألف قتيل؟ وكان من الأجدى طرح قضايا مقدرتنا على بلورة الحلول الضرورية لهذه الأوضاع وتبقى الأهمية الآن في إزالة أسباب النزاع وليس البحث عن سبل منع التدخل الأجنبي.
السيد محمد قريمان (رجل تربية): أقدم شكرا أولا للسيد السفير الأستاذ الصاوي، ولا شك أن ما قاله فيه جملة من العبر والدروس سواء كان لإقليم دارفور أو لبقية دول العالم العربي. وأرى أنه لا بد من إعادة النظر في منهجية طرح قضية النزاع بدارفور وبالسودان، ولا بد من تجاوز الصراعات المبدئية بين القبائل وبين الفلاحين والبدو… والتمعن في أسباب الصراع الأصلية وهي خاصة أسباب دولية. وإذا ما علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك ربع إنتاج العالم من النفط في حين تنتج فقط 7%، وبذلك فإن مشكل النفط هو المشكل الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية خاصة وأن البترول الأمريكي أوشك على النفاد. وهذا ما جعل من أمريكا تدخل في المناطق المزودة للنفط دون موافقة الأمم المتحدة كما كان بالعراق. وتتهيأ لنفس المسألة بدارفور عندما وقع اكتشاف البترول خاصة وقد أصبحت الصين منافسة حقيقية بهذا المجال لذلك نكون على قدر من السخافة إذا ما صدقنا أن الولايات المتحدة تبحث عن إرساء قيم الديمقراطية بهذه المناطق على غرار دارفور.
د. أحمد الشيخ الأمين (مدير إدارة التوثيق والمعلومات بمنظمة الألكسو): في البداية أود شكر الدكتور عبد الجليل التميمي الذي عرفته عن قرب منذ أمد، وحضرت ندواته منذ كانت المؤسسة بزغوان وعرفته رجلا عالما ومفكرا، وكانت لنا صولات وجولات في اجتماعات أكاديمية وعلمية هامة وذلك في اجتماع الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات الذي أشرف عليه الدكتور التميمي منذ تأسيسه وهو الآن رئيسه الشرفي. وتواصلا مع هذه الأنشطة، وجدنا اليوم الدكتور التميمي يطلعنا على قضية هي من أهم قضايا المعاصرة، وهي في الآن نفسه قضية السودان. لذلك سعدت جدا بما قدمه سعادة السفير من المعلومات القيمة التي أتحفنا بها. ولدي سؤالان: الأول بشأن الحملة الإعلامية من طرف دول الغرب على إقليم دارفور، وكمثال على ذلك الزيارة التي قام بها جورج بوش لمعرض الهولوكست الذي خصص جانب منه عن دارفور، وعندما نرى أن أمريكا خصصت قناة فضائية وعشرات البوابات عن دارفور.. تتأكد من حجم هذه الهجمة الإعلامية المسعورة على السودان وعلى دارفور بالأخص. وهنا لا بد من التسلح لمقابلة الهجمة الإعلامية وتفنيد ما يقال زورا وبهتانا عن دارفور. وسؤالي هل تمتلك السودان خطة إعلامية لمواجهة هذه الهجمة المتمثلة في الحملة الإعلامية على صفحات الأنترنات. أما سؤالي الثاني، بشأن مبادرات السلام، وهي مبادرات ليبية وسعودية والآن فرنسية وربما ستقتحم بريطانيا وألمانيا هذا الخط، ألا تعتقدون أنه أصبح من الضروري الإعراض عن هذه المبادرات التي لن تزيد إلا في تعقيد الوضع؟
-محمد جدة (باحث من التشاد): أشكر مؤسسة التميمي للبحث العلمي على فتحها ملف دارفور وعلى هذه المبادرة الجليلة التي سيخلدها التاريخ بلا شك. وفي الحقيقة تدخلي ليس لطرح تساؤلات بل للفت النظر إلى إشكالية الحوار بين دولتي التشاد والسودان، ولا شك أن سعادة السفير أدرى بدقائق هذه العلاقة، وهو يعلم بخلفية تعذر زيارة رئيس التشاد للسودان للمرة الرابعة. الإشكالية الثانية هي أن السودان تعلم أن السفير التشادي بالولايات المتحدة الأمريكية، له فصيل عسكري معارض وهو موجود الآن بالسودان وكذلك سفير التشاد بالسعودية معارض للتشاد ومقيم بالسودان وكذلك عدد من السياسيين المرموقين التشاديين ممن تخرجوا من الجامعات التونسية هم الآن مقيمون بالسودان بوصفهم معارضين للحكم التشادي. مع أن هناك عدة جهود ليبية للتوسط بين هذه المعارضة ولكن بدون جدوى .
-سمير ساسي (جريدة الموقف): شكرا للمؤسسة ولسعادة السفير، وأود طرح بعض الأسئلة. والسؤال الأول بشأن المقال الذي بعثتم به لجريدة الموقف والذي لم تذكروا فيه انتهاكات حقوق الإنسان بالسودان. ولكن اليوم عدتم للتقليل من أهمية هذه الانتهاكات في تدخلكم اليوم، لذلك أتساءل: لماذا لم تكن لديكم الجرأة للاعتراف بما هو واقع والاقتصار على البحث على شماعة خارجية؟ أما سؤالي الثاني بشأن تذبذب الموقف السوداني من التدخل الأممي بين الرفض والقبول. والسؤال الثالث: ما الذي يدفع شريككم الفكري الترابي، إلى أن يكون له فصيل موال له ومتمرد بدارفور. ألا يعد هذا سببا كافيا لإقرار الانتهاكات التي تقوم بها السلطة والتي عمقت مشكلة التمرد بدارفور؟
-محمود بالسرور (سفير تونس سابقا بماليزيا ودول جنوب شرق آسيا): أود أولا شكر الدكتور عبد الجليل التميمي الذي قام بتنظيم هذا العدد من السيمنارات حول القضايا الدولية ومن بينها اليوم قضية دارفور. كما أود شكر سعادة سفير السودان على هذه المحاضرة القيمة حول أحد أكبر مشاكل الساحة السياسية. وحسب اعتقادي، فإن العالم دخل اليوم حربا باردة جديدة ولكنها اليوم بين الولايات المتحدة والصين حول قضايا النفط والطاقة. وفي هذا الإطار قامت أمريكا بمشروع موله البنك الدولي لربط التشاد بالكامرون حول البترول المكتشف بالتشاد، وساهمت عدة شركات نفط أمريكية في إنجاز هذا المشروع. وهو نفس ما تقوم به الصين في جنوب السودان وتحديدا بإقليم دارفور، بعد أن اكتشفت النفط وبنت منشآت ضخمة لاستثمار هذا المخزون الطاقي. وهكذا فإن النزاع في السودان وفي التشاد أسبابه واحدة وهي العوامل الجيوسياسية وعامل النفط. وهنا أطلب من سعادة السفير مزيد التوضيح بشأن هذه النقطة بما قاله أحد المسؤولين الأمريكيين: « Le Darfour et le Tchad ne sont que extension par d’autres moyen de la politique irakienne des USA qui consiste à contrôler le pétrole partout » وهذه القولة لكاتب الدولة الأمريكي والتركايستام وشكرا.
– محمد صالح فليس: أضم صوتي إلى أصوات الذين سبقوني وشكروا سعادة السفير على جرأة الحديث بشيء من الانفتاح عن قضية دارفور. ويذكر سعادة السفير بأن الغرب يتألب على السودان كما يتألب عن مناطق أخرى وهذا واقع. ولكن في المقابل يتم التكتم على الواقع الداخلي لهذه المناطق، فما هي توضيحات سعادة السفير بشأن هذه المعطيات الداخلية؟ وماذا عن صيغة الحكم بالسودان التي خلقت بلا شك عددا من الفجوات ونقاط الضعف. وأنا شخصيا أعلم أن السودان عاش على وقع انقلابات عسكرية متتالية، وهي انقلابات لم تخدم مصالح الأغلبية الساحقة من سكان السودان، بل كانت تخدم مصالح فئوية محدودة. فكيف تمكن الغرب من الدخول إلى ديارنا بهذه الطريقة؟ ثم أتساءل عن أسباب الغزو؟ وأود لو يتجاوز سعادة السفير عن حق التحفظ وأن يحدثنا بمزيد من الموضوعية عن واقع السودان الحقيقي؟
-السيدة جنات مقراني (من مركز جامعة الدول العربية بتونس): أشكر الدكتور التميمي وأشكر سعادة السفير الذي أثرى هذه الجلسة بمعلومات هامة عن أحداث دارفور الأخيرة وعن السودان إجمالا. والسودان دولة عربية تستحق المقارنة، فهي أكبر دولة عربية من حيث المساحة ومن حيث الأراضي الزراعية والموارد المائية، إذ تحتوي النيل الأبيض والنيل الأزرق وهي على حد تعبير بعضهم: مطمورة العالم العربي (Le grenier du monde arabe). وتظم طبقة سياسية وفئة مثقفة هامة ومعتبرة، وهذا يقودنا إلى مقارنتها بالعراق الذي يضم دجلة والفرات وكون نخبة ثقافية وسياسية الأهم في العالم العربي. وللأسف فإن ما حصل بالعراق بصدد الحصول بالسودان، حيث أطلعنا سعادة السفير عن تشتت السودان، إذ انفصل عنه الشرق والجنوب. وكانت هذه الأقاليم المتمردة، شوكة في حلق كافة الحكومات السودانية وأهمها حكومة جعفر النميري إذ خصصت حكومته حوالي مليون دولار يوميا لمقاومة المتمردين بجنوب السودان، في حين كان المفروض أن تخصص هذه الأموال لتنمية اقتصاد وسكان البلاد. وعادت هذه الأحداث اليوم في إطار أحداث دارفور ويشاع اليوم أن إسرائيل تقوم بتسليم السلاح لبعض الفصائل المتمردة، وذلك لغاية الاستحواذ على مادة الأورانيوم. ثم دخلت فرنسا على الخط، منذ القمم التي كان عقدها شيراك. وسؤالي للسيد السفير: ما هي نتائج المحاولات الفرنسية التي قام بها شيراك ويقوم بها الآن ساركوزي؟ سؤالي الثاني بشأن مدى صحة توجه وفود مهاجرة من شباب دارفور إلى إسرائيل؟ مع العلم أن الصحف تقدر أعداد هؤلاء بحوالي 850 شاب سوداني ممن استقطبتهم الجامعات الإسرائيلية؟ وما هي إجراءات حكومة الخرطوم لوقف هذا المد الإسرائيلي؟
– نجيب بوزيري (سفير تونس سابقا في العديد من دول العالم آخرها الأمم المتحدة): أود أن أذكر ما جاء بصحيفة Le Monde، فقد ذكرت الصحيفة : « A Darfour, après deux décennies de violence causé en partie pour la multiplication des armées et l’intervention des pays de la région, Libye en tête, Tripoli avait déversé des armes au Darfour notamment pour tenter et implanter sa légion Islamique » وسؤالي لسعادة السفير عن معلوماته في هذا الموضوع، لأننا في تونس كنا هدفا سنة 1980 لمجموعة مسلحة من طرف ليبيا وقامت بالاستيلاء على مدينة قفصة، فما هي أوجه المقارنة في هذا الإطار؟
د. عبد الجليل التميمي: أود أن أذكر هنا بشخصية تونسية، هو عمر التونسي الذي زار دارفور وواداي في أوائل القرن التاسع عشر، وكتب أهم كتاب عن تاريخ السودان وتاريخ واداي ودارفور بالذات وكان من أهم الكتب في الغرض لكن غيب هذا الكتاب وأصبح غير ذي أهمية في الدراسات العربية، رغم أهميته، هذا وقد وقعت ترجمته للفرنسية في عهد محمد علي والي مصر ! وسؤالي، هل ساهمت محاولة الرئيس عمر البشير أسلمة الدولة، في هذا التعتيم الدولي لتعجيز الدولة السودانية؟ وأود أن أبين أنه كان من الأولى والأهم تبني الدولة السودانية خطة إعلامية مضادة وموسعة منذ البداية. لكن للأسف نلاحظ مدى التعتيم الإعلامي الكامل لقضية السودانية بالدول العربية وكذلك بالدول الغربية في إطار غطرسة الإعلام الغربي. ووددت كذلك لو يذكر لنا سعادة السفير أوجه التحول الديمقراطي الحاصل بالسودان وكذا عن حجم مداخيل البترول اليوم؟ فهل تقوم هذه المداخيل بتمويل جزء من هذه الجيوش الأممية أم أن الاعتمادات الأممية هي الطاغية على مسألة التمويل؟ أود كذلك التأكيد على نجاعة وفاعلية مسألة الحوار الداخلي والحوار الدولي في تحقيق الاستقرار والأمن والسلم. بحيث وجب أن لا يتوقف الحوار على المستوى الدارفوري السوداني، بل يجب أن يشمل كافة النخب العربية والدولية من خلال الندوات والمؤتمرات والنشر بعدة لغات. لقد تحدث سعادة السفير عن مشروع الألف بئر مياه، ولكن من يضمن أن تكون هذه الآبار مائية؟ ألا يمكن أن تكون آبارا نفطية؟ وهل أكدت الدراسات على جدوى هذه الآبار وغاياتها الحقيقية. ولا شك أن كل هذه المسائل تؤكد على ضرورة تفعيل وتوسيع الحوار ومجابهة الإعلام الغربي والأمريكي المتغطرس.
-عبد الله العبيدي: أشكر سعادة السفير على ما قدمه، وقد كان ذكر على أهمية المساعدات الخارجية في جعل السودان يتحكم في موارده، وهل يعني ذلك أن السودان حقا عاجز عن القيام بهذه المهام بصفة مستقلة؟ والسؤال الثاني بشأن حقيقة مجريات الأمور بدارفور؟ والمسألة الرئيسية تعود إلى قيام عدد من الأنظمة السياسية بدول افتقدت لمقومات الدولة، وهذا ما فتح المجال لتهافت الدول الغربية على هذه المناطق، ودليلنا على ذلك أن أول زيارة قام بها الرئيس ساركوزي كانت للسودان. وفي المقابل غابت الدول العربية على الساحة السودانية، باستثناء ما ذكر عن دور ليبيا، واقتصر دور القادة العرب إما على السمسرة في القضايا العربية أو على التطوع المجاني للتكلم باسم بقية العرب.
-ردود الأستاذ عبد الوهاب الصاوي: بعد الشكر على الأسئلة أجيب بأنها إشكاليات هامة تستحق كل واحدة منها محاضرة بذاتها، ولضيق الوقت سنحاول تقديم إجابات إجمالية ومختصرة: أولاً فيما يخص مقولة تدويل كل مشاكل الوطن العربي، فإنني أشير إلى أن ما أسماه الغرب بالشرق الأوسط هي منطقة جذب وتأثير للعالم كله منذ فجر التاريخ. والسودان غير بعيدة إن لم تكن جزءاً من المنطقة. والتداعيات والمشاكل الناتجة عن هذا الوضع الجيوسياسي يجب ألا تجعلنا نتكئ على نظرية المؤامرة، فكل طرف يبحث عن مصالحه. ويجب أن نتسلح بالتحليل والنظرة الثاقبة للأوضاع ونضع لها وسائل التعامل الإيجابي دون شعور بالدونية الناتجة من عقدة الماضي الاستعماري. والمهم هو التعامل مع هذه الظروف بالصورة التي تمكننا من الوصول لأهدافنا وغاياتنا المرسومة. وأنا بداية أعتبر أن مثل هذه الندوة نموذج للمساهمة في وضع أسلوب جديد وتقاليد جديدة للحوار والفهم الصحيح لمشاكلنا. والحساسية من التدخل الأجنبي ورفضه أمر مشروع، وسيادة الرئيس البشير نفسه قال إنه يفضل أن يكون قائداً للمقاومة من أن يحافظ على الرئاسة عند التدخل الأجنبي، وفي المقابل أبقى على إمكانية الحوار والتعامل مع المجتمع الدولي والاتفاق على العملية الهجين لقوات أفريقية وأممية وإعطاء عملية التفاوض السلمي الأولوية. إنني أعتقد جازماً أن السودان لن تقبل التدخل الأجنبي، بل تقبل تدخل الأصدقاء للتوسط وإيقاف نزيف الدم البشري والاقتتال الذي أكبر المتضررين منه الأبرياء. والمقارنة بين ما يحدث في السودان وما حدث في رواندا من مذابح جماعية كان المقصود منه ابتزاز كوفي عنان ودفعه بعقدة الذنب إلى تأييد التدخل الدولي بالسودان. ونحن مع رفضنا للقوات الدولية أحسنا التعامل مع القوات الأممية الموجودة وفق اتفاقية الجنوب. وأحسنا التعامل مع موظفي الأمم المتحدة وكل زوار دارفور من القادة الأجانب، حتى أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي آلفا عمر كوناري أصر على المبيت في معسكر للنازحين بدارفور وقبلنا له ذلك رغم المحاذير الأمنية. وكل القيادات الأوربية ذهبت للمعسكرات بدارفور، والتقطت الصور مع النازحين. هل يمكن أن يفعلوا ذلك في كولمبيا مثلاً ؟ نحن لا نخجل من مشاكلنا ونحن دولة نامية حديثة، وكان على هؤلاء أن يخجلوا من استغلال معاناة النازحين لتحسين صورتهم السياسية والانتخابية. أما عن أن السودان بلد الانقلابات العسكرية، فهذا حكم نسبي جائر على السودانيين. حقيقة عرف السودان الانقلاب العسكري بعد عام من الاستقلال. ويعود ذلك لحالة عدم الاستقرار الناتجة عن انفجار التمرد الذي تسبب فيه الاستعمار بالجنوب، هذا بالإضافة لعدد من المشاكل الداخلية، والاختلافات بين مناصري الاتحاد مع مصر ومناصري الاستقلال والنزاع الطائفي بينهما. وكان تدخل الجيش بسبب أنه أكثر الأجهزة تأثراً بالحرب في الجنوب. ورغم أن الحكم العسكري الأول للفريق عبود دام ست سنوات إلا أنه وصف بأنه « الحكم العسكري الديمقراطي » على حد قول أحد قادة الشيوعيين فقد كان ما وجدوه منه من عنت لا يقارن بما لقوه بعد ذلك من الحكم بعد انقلاب النميري الذي أعدم سكرتير الحزب الشيوعي وبعض قادته بعد محاولة انقلابية فاشلة. إن الأوضاع غير المستقرة هي التي تمهد الطريق لاستيلاء الجيش على السلطة. فقد كان من قرارات حكم الجنرال عبود إيقاف البعثات التبشيرية المسيحية من العمل بالجنوب وإدخال اللغة العربية هناك. هذه الإجراءات جلبت علينا تحامل الفاتيكان التي أشاعت أن السودان يقوم بأسلمة وتعريب الجنوب بالقوة. ودعمت التمرد الذي استمر حتى وصول النميري إلى الحكم وتوصله إلى اتفاقية أديس أبابا للسلام عام 1972 وذلك بفضل توسط الإمبراطور الأثيوبي هيلا سلاسي والمصالحة مع الكنيسة التي أقنعت المتمردين بالتفاوض. واستطاع السودان أن يشم رائحة السلام التي دامت عشر سنوات، ليعود التمرد للانفجار عام 1983 بعد إعلان الرئيس النميري تطبيق الشريعة الإسلامية. وفي حقيقة الأمر إن إعلان الشريعة ليس هو سبب التمرد الوحيد، إنما كانت تداعيات الحرب الباردة في العالم والنزاعات في الإقليم هي وراء اشتعال نار التمرد، وقد شهد جون غرانق نفسه بأن بعض الدول العربية قد أمدته بسلاح كثير لم يجد عدد من يستعمله ولا داعي لذكر أسماء الدول. د. عبد الجليل التميمي: تستطيع أن تذكر هذه الدول، فلا داعي للتكتم.
الأستاذ عبد الوهاب الصاوي: إن امتهاننا الدبلوماسية يفرض علينا التحفظ. والحقيقة أن الأوضاع تتغير. ولا وجود لأعداء دائمين ولا لأصدقاء دائمين، إنما هناك مصالح أو قل مبادئ دائمة. ومسألة التحفظ هي لهذا الغرض وليس قضية أن الدبلوماسية « مصدر أكل عيش »، إنما هي مهنة، وإن كان لي أن أتحدث وفق الهوى، إذن لأبحث عن مهنة غير أن أكون سفيراً لبلادي. وذكر أسماء الدول في هذا الظرف لا يخدم غرضاً إن لم يكن مضراً، خاصة إن كانت الدول المعنية تسعى لخدمة قضية السلام بالسودان. وعودة لموضوع دارفور فإن إسقاطات الحرب الباردة والنزاعات في المنطقة كانت مؤثرة، فقد كان سقوط حكومة جكوني عويدي حليف ليبيا في تشاد على يد حسين حبري بدعم من مصر والسودان قد أثار غضب الجماهيرية. والحقيقة فإنه منذ قيام تمرد فرولينا عام 1964 في تشاد ظلت الحكومات التشادية على اختلافها تتهم السودان بدعم المتمردين الذين يريدون إسقاطها. ويتعرض السودان لمواقف مثيلة لذلك من جيرانه. فقد كانت الثورة الأرترية ودعم الدول العربية لها عبر السودان وراء غضب أثيوبيا ودعمها للتمرد بجنوب السودان. وعادت أرتريا بعد استقلالها تعادي السودان وتساند التمرد حتى كاد يخنق البلاد من منفذها على البحر الأحمر في الشرق. وأعتقد أن مسألة وجود المعارضة التشادية أو غيرها في السودان ليس برغبة من حكومة السودان إنما للتداخل القبلي من جهة وتخوف حكومات الجيران من دخول المعارضة من السودان. والحل لا بد أن يكون داخليا في تشاد، ثم إقليميا بجعل المناطق الحدودية أماكن تواصل وتبادل. فالسودان بوضعه الجغرافي والسكاني يؤثر ويتأثر بما يجري في تشاد وفي دول القرن الأفريقي، ولا بد من استيعاب مشاكلنا وإيجاد الحلول لها في الأطر الداخلية والإقليمية بحيث لا نترك ثغرات للتدخل الخارجي. والمسألة الدينية مسألة حساسة في هذا المنحى. وقد يكون لنهوض المسلمين سياسيّاً في بعض بلدان القرن الأفريقي تداعيات خطرة على الإقليم. والدين الإسلامي عامل وحدة لا عامل تقسيم, وقد نجحت السودان إلى حد كبير في معالجة قضية الدين وفض النزاعات في إطار اتفاقية سلام جنوب السودان. أما السؤال عن ذهاب أعداد من الشباب السودانيين إلى إسرائيل فإن الدعاية الغربية بالجنة الموعودة في المهجر قد جعلت كثيرا من الشباب الذين كانوا بمصر لحثه للجوء إلى دول أخرى يقعون تحت تأثير الدعاية الإسرائيلية خاصة بين أبناء الجنوب وجبال النوبة وذلك لإضعاف الانتماء العربي والإسلامي وسط هذه الفئات. والسؤال عن تحديد أعداد القتلى والنازحين في دارفور فإن الأرقام التي تروج لها أجهزة الإعلام والمنظمات أرقام مبالغ فيها. والدليل على ذلك أنه رغم حالة الاستقرار بالمنطقة الآن، لا تزال أجهزة الإعلام الغربية تروج أرقاماً خيالية لدوافع معادية وتحت ضغوط الحكومات التي لها أجندتها. وبعض المنظمات العاملة في الحقل الإنساني ترى أسباب وجودها في استمرار الأزمات. والجهات الرسمية تقول بأن عدد القتلى لا يتجاوز 10 آلاف شخص. ونرى أن المشكلة ليست في الأرقام إنما في حالة الاقتتال. ونحن ندين مقتل شخص واحد ومن قتله كأنما قتل الناس جميعا. ففي حالة الحرب يكون الأحياء كالموتى لاستحالة العمل والتنقل والعلاج والتعليم. لذلك فإن القضية في إيجاد حل للمشكلة من جذورها. ومشكلة النازحين لا تحل بالمعسكرات إنما بالعودة الطوعية للقرى الأصلية وتوفير الأمن فيها حتى يعيش الناس ويمارسون حياتهم الطبيعية. ولمنظمات المجتمع المدني دورها شريطة أن يكون إيجابيّاً ويجب الأخذ في الاعتبار الخصوصيات الثقافية والأثنية للسودانيين وضرورات احترام العاملين في الحقل الإنساني، والتخلي عن إصدار الأحكام الجاهزة وإثارة النعرات القبلية وغيرها. أما عن موقع السودان في الحرب الباردة الجديدة بين أمريكا والصين حول النفط، فالسودان لم تكن طرفاً في هذه الحرب. بل ظللنا منفتحين للتعامل في مجال استثمار البترول ولم نمنع أمريكا من استخراجه لأن أمريكا هي التي اكتشفت البترول ثم انسحبت وباعت امتيازها في السوق العالمية وفازت الصين بعطاءات وفق اتفاقيات تمت بشفافية وأمام الصحافة العالمية. أما الشركات الأمريكية والغربية فقد تعرضت لضغوط للانسحاب من السودان. وإنتاج السودان للتصدير يصل 500 ألف برميل يوميّاً. وهناك تذبذب في العائدات بحكم تذبذب الأسعار العالمية. وأصبحت ميزانية البلاد تتأثر بذلك. وما نريده هو أن تذهب هذه العائدات للتنمية الزراعية. والبعض يرى أن البترول له مشاكله وما يولده من اهتزاز ميزانية و أطماع خارجية ونزاعات داخلية تفرز أوضاعاً أصعب مما كان قبل اكتشافه. وجواباً على السؤال عن الخطة الإعلامية، فإن السودان لديه خططه الإعلامية، ولكننا جميعاً ندرك حالة الإعلام العالمي اليوم، ونحن الجالسون هنا سنذهب بعد هذه الندوة لمشاهدة الجزيرة أو البي بي سي أو القناة الفرنسية، وهذا يؤثر على ضعف تأثير الجهود الإعلامية الداخلية ويضعنا تحت رحمة ما تقدمه الأجهزة المسيطرة على الساحة الإعلامية الدولية. وفيما يتعلق بمسألة التنمية والمقارنة بين السودان وكوريا في الستينات، فهي مقارنة متداولة. وكانت السودان بعد الاستقلال على خطى تنموية كبرى كمشروع الجزيرة ومشروعات الري.. وكان في الإمكان تجاوز النهضة الكورية ولكن الفرق أن كوريا ساعدتها أمريكا بعد أن تدخلت دوليّاً لتقسيمها. أما في السودان فقد أثاروا فينا التفرقة والأزمات. وأصبحنا نبذل الوقت في النزاعات وكيفية حلها. مثلاً هذه الندوة بدلاً أن تكون لجذب المستثمرين التونسيين أو لبحث فرص الشراكة وتوثيق تعاون اقتصادي مثمر، نبذل الجهد لشرح تفاصيل أزمة دارفور. وضاع بذلك قدر هام من الجهد والمال في مقاومة تفتت الأمة ومواجهة التمرد وأسباب الصراع. ومع ذلك أستطيع القول إن الجهود التنموية تواصلت. وتشهد الخرطوم توافداً للمستثمرين العرب والآسيويين والأجانب. وبلغت معدلات النمو 11% في السنة والجهد متواصل لرفع التحديات المفروضة علينا. وفي الختام أشكر لكم حضوركم واهتمامكم بقضية دارفور في بلادي وأتمنى أن أكون قد وفقت في الإجابة على استفساراتكم. د. عبد الجليل التميمي: أود باسم الجميع أن أشكر سعادة السفير عبد الوهاب الصاوي على هذه المحاضرة القيمة جدا التي تضمنت بيانات جد دقيقة نحن في حاجة إليها لفهم الملف الدارفوري، ولكن أيضا أشكر سعادة السفير على هذه الأريحية في الرد على تساؤلات الحاضرين وإن لم يرد على بعضها لأسباب ديبلوماسية. وعليه فما أود التأكيد عليه هو أننا سنعمل على نشر هذه المحاضرة باللغة العربية في مرحلة أولى عن طريق الأنترنات من منطلق قناعتنا بأهمية هذه المعلومات وضرورة اطلاع الرأي العام التونسي والعربي والدولي عليها وخاصة دوائر الخارجية العربية والدولية. وسنفكر مع سعادة السفير في إمكانية نشرها كاملة في كتيب تعميما للفائدة… وفي الختام أعيد شكر سعادة السفير على تفضله بالحضور وعلى ما أمدنا به من معلومات حول هذا الملف الذي لا زال يحتاج إلى حوارات دولية وعربية أخرى.
((*)الأستاذ عبد الوهاب الصاوي متحصل على الإجازة في العلوم السياسية من جامعة الخرطوم وفي اللغة الفرنسية من جامعة ليون, كما تحصل على عدة شهادات حول التاريخ واللغة الإسبانية وماجستير في الترجمة, وهو ما يبرز اتقانه للغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية, وهو ما يعد أمرا نادرا جدا على صعيد السلك الديبلوماسي العربي. وقد تولى عدة مناصب في الوزارات السودانية ثم بالسفارات في الخارج ومستشار ثم نائب المدير العام للإدارة الإفريقية ووزير مفوض بباريس والمندوب الدائم للسودان لدى منظمة اليونسكو, ولا شك أن كل هاته المسارات قد أنضجت لديه عددا من الرؤى والاختمارات, الأمر الذي أهله لأن يشارك في العديد من المؤتمرات الدولية بالبلاد العربية والدولي وفي العالم وفضلا عن ذلك فهو رئيس جمعية الصداقة السودانية-الفرنسية. (المصدر: مراسلة وزعتها مؤسسة التميمي للبحوث والدراسات بالبريد الألكتروني يوم 20 جويلية 2007)
إحباط عملية «حرقان» بقربة تورط فيها 17 متهما
المتهمون في قضية الحال 17 شابا تتراوح اعمارهم بين 23 سنة و42 عاما جلهم من ولاية منوبة والبقية من بن عروس واحدهم موظف تورطوا في قضية إبحار خلسة كان منطلقها من الوطن القبلي وتحديدا من مدينة قربة وقد انطلقت الابحاث في قضية الحال اثناء قيام الاعوان التابعين لفرقة الابحاث والتفتيش للحرس بنابل رفقة أعوان مركز الحرس الوطني بقربة بدورية مراقبة وتمشيط يوم 6 سبتمبر 2005 وحوالي الخامسة صباحا تم القاء القبض على مجموعة من الاشخاص داخل بيت مهجور باحد الاماكن بقربة واتضح أن الشبان غرباء عن المنطقة وبالتحري معهم تبين أنهم قدموا من تونس لغاية الابحار خلسة الى ايطاليا فتمت إحالة أربعة متهمين بحالة ايقاف على قلم التحقيق بقرمبالية في حين تمت احالة البقية بحالة سراح من اجل تهمة المشاركة في وفاق يهدف الى مغادرة التراب التونسي خلسة بحرا طبق أحكام الفصول 38 و 39 و42 من قانون 3 فيفري 2004 وباستنطاقهم انكر عشرة متهمين التهمة المنسوبة لهم في حين اقر البقية بذلك.
ومن خلال الابحاث اتضح بأن جملة المتهمين اتفقوا على الابحار خلسة الى ايطاليا وتعاونوا مع بعضهم البعض ودفعوا الاموال اللازمة لتنفيذ رغبتهم وربطوا الصلة بالمتهم الاول ثم نسقوا بينهم كامل فترة الاعداد للرحلة كما أن احدهم تولى مساعدتهم على تأمين الطريق عند نقاط التفتيش للوصول الى المكان المتفق عليه للابحار وقد أحيل ملف القضية على المحكمة الابتدائية بقرمبالية لتحكم بما تراه صالحا.
فاطمة الجلاصي
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 22 جويلية 2007)