الأحد، 22 يوليو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2616 du 22.07.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


الحملة الدولية لحقوق الإنسان بتونس: من أجل إنقاذ حياة الزعيم الطلابي عبدالكريم الهاروني حركة النهضة: بلاغ انهيار صحة رضا البوكادي سجين الرأي الذي يخوض إضرابا عن الطعام البديـل عاجل: قطار توحيد اتحاد الطلاب يتقدم بثبات الصباح: بين أم العرائس والمتلوي – إيقاف شبكة للتنقيب عن الآثار تضم 20 شخصا جعفر الأكحل:من وحي الذكرى الـ50 لإعلان الجمهورية بتونس وفاء للجمهورية:معا من أجل جمهورية الغد تونسي ونصف: أين قيادات النهضة وأبناءها؟ أبو أيمن :جيل »الجال » الإرادة: المعارضة السياسية في تونس و فن الممكن السياسي في ظل الأوضاع القائمة الإرادة: اتفاقية الاستثمار في البحيرة الجنوبية بتونس العاصمة تثير الجدل داخل مجلس النواب الإرادة: الوضع الاجتماعي في تونس وبوادرالاحتقان الإرادة: ما وراء تبادل الزيارات بين الدولتين التونسية والأمريكية؟ !! الوطن الكويتية: ارتفاع عائدات السياحة في تونس في النصف الاول من 2007 اف ب: ارجاء محاكمة 42 اسلاميا بينهم امرأة للمرة الحادية عشرة في المغرب رويترز: الاتحاد الاوروبي يعرض على ليبيا علاقات أفضل اذا سلمت الممرضات رشيد خشانة: مقايضة ليبية – غربية لطي ملف الممرضات البلغاريات الهادي بريك: الإمام القرضاوي : آخر مجدد لآخر مائة الأستاذ حميدة النّيفر لـ »لأوان »: جوهر الإسلام مسعى لا ينتهي ولا تنضب طاقاته. د. رجاء بن سلامة: لماذا تريد المرأة أن تكون زهرة؟ ولماذا تُقطع أكمامها؟ محمد عبد الحكم دياب: العصيان المدني يغير الحكم ويعصم مصر من الفوضي المتوقعة! عزت القمحاوي: التنكيل بالعربية مؤسسة التميمي للبحوث والدراسات :دارفور: الصراعات الداخلية والخارجية ورهانات المستقبل

الصباح: إحباط عملية «حرقان» بقربة تورط فيها 17 متهما


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


الحملة الدولية لحقوق الإنسان بتونس International Campaign for Human Rights in Tunisia

icfhrt@yahoo.com

Tel: (0044) 02083813270 -7903274826

 

نداء (2)

من أجل إنقاذ حياة الزعيم الطلابي عبدالكريم الهاروني

 

للأسبوع الثاني على التوالي يواصل الأمين عام الأسبق للإتحاد العام التونسي للطلبة عبد الكريم الهاروني، الإضراب عن الطعام  للمطالبة بإطلاق سراحه وإيقاف سياسة الإنتقام والتشفي التي تنتهجها السلطة ضده بحرمانه من العلاج والتغذية الصحية المناسبة لوضعه الصحي المتدهور.

 

وإننا في الحملة الدولية لحقوق الإنسان بتونس، اذ نجدد التحذير من سياسة التجاهل و  الإهمال للأوضاع الصحية للمساجين السياسيين، والتي أدت سابقا الى وفاة العشرات منهم، فإننا نحمل السلطة كامل المسؤولية عن نتائج هذه السياسة، وما يمكن ان تؤول اليه حالة السجين عبدالكريم الهاروني. ونناشد أصحاب الضمائر الحية في الداخل والخارج والمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية، التدخل العاجل من اجل إنقاذ حياة السجين عبد الكريم الهاروني قبل فوات الأوان، ورفع المعاناة عن كل المساجين السياسيين بإطلاق سراحهم واعلان العفو التشريعي العام.

عن الحملة الدولية لحقوق الإنسان بتونس

علي بن عرفة

لندن  في 22 جويلية 2007

 


بسم الله الرحمن الرحيم

حركة النهضة بلاغ
 
يواصل الأمين العام الأسبق للاتحاد العام التونسي للطلبة والقيادي في حركة النهضة الأخ عبد الكريم الهاروني إضرابه عن الطعام لليوم الثالث عشر احتجاجا على سوء معاملة إدارة سجن المرناقية وحرمانه من حقه في التداوي و الصحف والقفة العائلية وقد تدهورت حالته الصحية تدهورا حادا يجعل حياته مهددة بالخطر في ظل تجاهل متعمد من الإدارة العامة للسجون للتدخل لوضع حد لمعاناته ، رغم مناشدة عائلته والعديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية. أن حركة النهضة وهي تتابع بانشغال الوضع الصحي الأخ عبد الكريم الهاروني ـ  تحمل السلطة تبعات ما قد يحصل للأخ عبد الكريم الهاروني ـ لا قدر الله ـ ـ تدعو المنظمات الإنسانية والحقوقية لمزيد الضغط على السلطة لتضع حدا لمعاناة الأخ عبد الكريم الهاروني وبقية إخوانه المساجين وذلك بإطلاق سراحهم. ـ تحث الأحزاب والشخصيات الوطنية والأفراد مساندة الأخ عبد الكريم الهاروني وإخوانه المساجين في  محنتهم بمختلف وسائل المساندة المتاحة. لندن في 22 جويلية
حركة النهضة
الشيخ راشد الغنوشي


بسم الله الرحمن الرحيم

انهيار صحة رضا البوكادي سجين الرأي الذي يخوض إضرابا عن الطعام

 
وقعت نقلة السيد رضا البوكادي سجين الرأي الذي يخوض إضرابا عن الطعام منذ يوم الخميس 5 جويلية 2007 إلى مستشفى شارل نيكول بالعاصمة لإجراء  التحاليل، و قد لاحظ الطبيب الانهيار الجلي لصحة رضا و قد حذرهمن مواصلة الإضراب إذ أنه أصبح مهددا بجلطة في أي وقت… كان ذلك يوم الثلاثاء الماضي 17 جويلية 2007… كما أن الإدارة استجابت لاحقا لطلبهالمتمثل في تمكينه من بعض الأطعمة المساعدة على تدعيم المناعة الذاتية… فهل يكون هذا الإضراب هو الأخير الذي يشنه رضا مطالبة برعاية صحية مناسبة و احتجاجا على ممارسات إدارية متخلفة…؟؟؟ علما بأن السيدة نهى البوكادي كانت قد توجهت يوم 7 جويلية 2007 ببرقيات لجهات سياسية و إدارية عديدة لآفتة الانتباه لمعاناة أخيها رضا مع المرض أولا و مع الإهمال الصحي ثانية و مع الممارسات اللانسانية الممنهجة المسلطة عليه و التي يقودها السيد الوكيل عبدالحميد الدريدي…

و هذا نص البرقية التي وجهتها السيدة نهى إلى السيد: أما بعد: فإنني الممضية أسفله أخت السجين السياسي رضا بوكادي – انتماء- نعلمكم أننا في اشد الحيرة و الأسى على حالة أخي المنهك بالأمراض السجنية و الذي دخل في إضراب عن الطعام ابتداء من يوم الخميس 5 جويلية 2007 بالسجن المدني بالمرناقية احتجاجا على مواصلة حملة التنكيل به في جانب التغذية و المتابعة الصحية، فالمرض الذي يعاني منه أخي قرابة السنة( إضافة إلى أمراض أخرى)     و هو عبارة عن التهاب حاد بالكلى و اسمه العلميSyndrome néphrotique  يتطلب ظروفا غذائية و صحية ( النظافة) و نفسية خاصة حتى يتمكن من أخذ العلاج الذي بدوره يتطلب ظروفا خاصة جدا و خاصة كل ما يتعلق بزيادة المناعة   و منها الجانب الغذائي  و عوض أن تأخذ الإدارة هذا الأمر بعين الاعتبار أمعنت في التضييق على أخي و عدم الاستجابة لمطالبه المعقولة ( بل و وقوفها مع الوكيل عبدالحميد الدريدي الذي اعتدى على أخي بالعنف الشديد إثر تقديم أخي لعريضة باسم الإدارة يشرح فيها طبيعة مرضه و  الحمية التي يتبعها و هذا عند نقله من السجن المدني ببرج العامري إلى السجن المدني بالمرناقية في بداية هذه السنة     و إثر رفعنا دعوى ضد النقيب المذكور قام الأخير بتزوير الحقيقة مسنودا من طرف الإدارة  و وقع حفظ القضية…. و ها أن إدارة السجن اليوم تواصل تعنتها     و لا تتعامل بإنسانية مع حالة أخي إذ حتى  » القفة » وقع التضييق على ما ندخله فيها خاصة الأغذية التي تقوي المناعة كالعسل و الثوم و البصل…. و التي تساعد أخي على الاستغناء على أكلة السجن التي تنقصها النظافة… و إننا بهذا النداء نتوجه إلى كل ضمير حي ليقف معنا في محنتنا و يوقف معاناتنا بإطلاق سراح أخي ليكمل ما تبقى من عمره في سلام.. و السلام الأخت الحزينة: نهى بوكادي ملاحظة: وجهت الأخت الفاضلة نهى هذه البرقية إلى كل من رئاسة الجمهورية و وزارة العدل و الهيئة العليا لحقوق الإنسان و الحريات العامة و الإدارة العامة للسجون و الإصلاح بتغييرات تحريرية طفيفية… (المصدر: مراسلة خاصة من السيد عبد الله الزواري بتاريخ 22 جويلية 2007)


قطار توحيد اتحاد الطلاب يتقدم بثبات

 

 
عقدت « اللجنة الوطنية من أجل المؤتمر الموحد » للاتحاد العام لطلبة تونس خلال الأسبوع المنقضي اجتماعها الذي شهد التحاق تيار « الشباب العربي البعثي » تناولت فيه بالتقييم فعاليات ونتائج الندوة الوطنية التي نظمتها وأشرفت عليها أيام 7 و8 و9 جويلية الماضية والتي ستنشر ما تمخض عنها من مواقف وتحاليل وقرارات. كما تناولت بالدرس برنامج العمل المستقبلي لما تبقى من فترة العطلة الصيفية الذي يتضمن عقد ندوة صحفية في الأسبوع الأول من شهر أوت وتنظيم ندوة نقابية في موفاه حول الإعداد للعودة الجامعية وكذلك ندوة تكوينية لإطارات اتحاد الطلبة وتجمع طلابي في وقت لاحق. وفي مسار مصاحب لذلك كانت التيارات النقابية والسياسية في الجامعة التونسية أجرت مشاورات داخلية وتنسيقا موسعا أثمر بيانا مشتركا ضم الغالبية الساحقة من التيارات الناشطة والمؤثرة في الساحة الطلابية في ما يلي نصه : بيــان تونس في 18 جويلية 2007

نحن الأطراف السياسية والفعاليات النقابية المتمسكة بالاتحاد العام لطلبة تونس مستقلا ديمقراطيا مناضلا وموحدا، وإيمانا منا بما تمثله المنظمة الطلابية من إطار قادر على توحيد نضالات طلاب تونس، وتمثلا منا لما يقدمه تجميع وتوحيد كل الجهود والطاقات المناضلة صلب الاتحاد العام لطلبة تونس، وأمام مواصلة الأقلية المنشقة سياسة الهروب إلى الأمام وتحزيب المنظمة وبعيدا عن كل أشكال الوصاية والتدخل في الشؤون الداخلية للمنظمة نعلن ما يلي : 1 – تمسكنا بالاتحاد العام لطلبة تونس منظمة ديمقراطية مناضلة مستقلة وطلابية تسييرا وأهدافا ودعمنا الكامل دون وصاية لمشروع التوحيد بهدف وضع حد لحالة التشتت النقابي. 2 – نجدد التزامنا باللجنة الوطنية من أجل المؤتمر الموحد إطارا للإعداد للمؤتمر الموحد وحسم كل الخلافات. 3 – اعتبارنا الندوة التي انعقدت أيام 6 و7 و8 جويلية 2007 مرجعية أساسية في بناء مشروع التوحيد النقابي على قاعدة وحدة البرامج والتصورات بعيدا عن عقلية المحاصصة والصراع على المواقع. 4 – رفضنا لكل ما أصدرته الأقلية المنشقة عن الاتحاد وعن مساره التوحيدي تحت أي مسميات أو عناوين وتنديدنا بمواصلتها للنهج الانقلابي ومحاولاتها اليائسة للسطو على منظمة عموم الطلبة. 5 – نؤكد أنه لا خيار أمام مناضلي الاتحاد العام لطلبة تونس وطاقاته إلا المسار التوحيدي، ونعلن التزامنا بدعم إنجاز المؤتمر الموحد في غضون السنة الجامعية المقبلة وتسخير كل الطاقات والجهود لإنجاحه كما نعبر عن استعدادنا الحازم للتصدي لكل ممارسات الأقلية المنشقة ونجدد لها الدعوة للتراجع عن ممارسات الانقلاب عن الشرعية وعن التوحيد إن الحركة الطلابية بمكوناتها التقدمية قد راكمت تجارب متعددة في الدفاع عن منظمتها النقابية الاتحاد العام لطلبة تونس، وأكسبتها حصانة ومناعة ضد الانقلابات وضد التخريب. فالمجد كل المجد للتوحيد والخزي كل الخزي لسلوك الانقلاب والتخريب. الإمضاءات : –  الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة –  التيار النقابي التقدمي –  اتحاد الشباب الشيوعي التونسي –  الشباب العربي البعثي –  النقابيون الراديكاليون –  الطلبة القوميون –  طلبة مستقلون
 
(المصدر:  « البديـل عاجل   » (قائمة مراسلة حزب العمال الشيوعي التونسي) بتاريخ 22 جويلية 2007 ).


 

بين أم العرائس والمتلوي: إيقاف شبكة للتنقيب عن الآثار تضم 20 شخصا

نظرت الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بقفصة الخميس 19 جويلية الجاري في قضية تورط فيها 20 شخصا مثل 15 منهم بحالة ايقاف و05 بحالة سراح وكلهم من أم العرائس والمتلوي لاتهامهم بتكوين شبكة للبحث والتنقيب عن الآثار الأبحاث انطلقت لدى ورود معلومات لاحدى الفرق الأمنية المختصة عن وجود شخص بصدد البحث عن الآثار وتحوزهم بمجموعة منها، فتم إيقاف الشخص المذكور، هذا الأخير اعترف أن شخصا من نفس منطقته طلب منه البحث عن قطع أثرية بالمنطقة ومدّه بها لترويجها خارج ولاية قفصة مقابل مبلغ مالي هام، فامتثل للأمر نظرا للمردودية المالية الهامة، وفي الأثناء علم بوجود شخص بحوزته قطعا خشبية أثرية مكتوبة بلغة غير مفهومة تبدو لغة رومانية فاتصل به وعثر لديه على القطع المذكورة لكنه لم يسلمه إياها حينها في انتظار تقييم قيمة اللوحات المذكورة وثمنها… كما انتجت الأبحاث اتصال المتهم المذكور بمجموعة أخرى من الأشخاص للحصول على قطع نقدية أثرية… وقد تم حجز عدد 20 لوحة أثرية و300 قطعة نقدية أثرية، كما تم إيقاف 20 شخصا لهم علاقة بالقضية بقي 15 منهم بحالة إيقاف في حين بقي الخمسة الباقون بحالة سراح. ويوم الجلسة طلب بعض محامي المتهمين تأجيل البت في القضية لاستكمال بعض المؤيدات فتم الاستجابة للطلب وتأجيل النظر في القضية للخميس القادم. رياض
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم  22 جويلية 2007)

 

ارتفاع عائدات السياحة في تونس في النصف الاول من 2007

 
تونس (ا ف ب) – اعلن مكتب السياحة الوطني التونسي السبت ان عائدات السياحة في تونس بلغت حوالى 1,207 مليار دينار (693 مليون يورو) خلال النصف الاول من العام 2007 بارتفاع 9,6% عن الفترة ذاتها من العام الماضي. وسجلت حركة دخول السياح نموا بنسبة 3% حيث دخل تونس 2,8 مليون زائر فيما وصل عدد الحجوزات لتمضية ليلة في الفنادق الى 14 مليونا بزيادة 1%. وتبقى دول اوروبا الغربية المصدر الاول للسياح بارتفاع 8,4% وذلك بالرغم من تراجع عدد السياح الالمان والبريطانيين (-10%) والايطاليين (-6%) بحسب المصدر ذاته. ويأتي الفرنسيون في طليعة السياح الغربيين القادمين الى تونس حيث بلغ عددهم 550 الفا في النصف الاول من السنة (+3,2%) يليهم الالمان ثم الايطاليون والبريطانيون. وارتفع عدد السياح القادمين الى تونس من دول اوروبا الشرقية وفي طليعتها روسيا والجمهورية التشيكية وبولندا بنسبة 11%. وطورت تونس سياحة تقوم على القطاع الطبي ومن المتوقع ان تجتذب مليون جزائري وحوالى مليوني ليبي عام 2007 بحسب توقعات مكتب السياحة. وسجلت تونس عام 2006 رقما قياسيا من حيث عدد السياح الذين دخلوا اليها وقد بلغ 6,5 ملايين سائح بالمقارنة مع عدد السكان البالغ عشرة ملايين نسمة. ويوظف القطاع السياحي في تونس ثلث السكان الذين هم في سن العمل ويعتبر المصدر الرئيسي للعملات الاجنبية في هذا البلد حيث يمثل 6,5% من اجمالي الناتج الداخلي. وتتوقع وزارة السياحة ارتفاعا في العائدات بنسبة 8,6% عام 2007 ما يساوي اكثر من ضعفي عائدات العام 2002 الذي شهد ازمة على صعيد النشاط السياحي نتيجة اعتداء جزيرة جربة السياحية في السنة السابقة. ( المصدر: موقع صحيفة الوطن الكويتية نقلا عن وكالة الأنباء الفرنسية بتاريخ 22 جويلية 2007 )


من وحي الذكرى الـ50 لإعلان الجمهورية بتونس وفاء للجمهورية

معا من أجل جمهورية الغد

يوم 25 جويلية 2007 الحلقة الأولى 

 
بقلم جعفر الأكحل كاتب وباحث – تونس مقدمة: تحت سامي إشراف سيادة الرئيس زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية، تحتفل تونس في كنف الاعتزاز والنخوة بمرور نصف قرن على إعلان النظام الجمهوري يوم 25 جويلية 1957 وإنها لمناسبة جليلة حرص سيادة الرئيس على ان يقع الاحتفال بها على أوسع نطاق وفي كامل البلاد، وذلك تاكيدا من سيادته على اهمية هذا الحدث التاريخي الكبير وما يحمله من دلالات واعتبارات حضارية رائعة وباعتبارها مرحلة فاصلة بين عهدين…عهد الجمود والتسلط والاستبداد وعهد الحرية والسيادة الشعبية من خلال مؤسسات الجمهورية. وإني لأرى ماهو ابعد من ذلك من خلال التأكيد على معاني أبعاد الجمهورية من طرف سيادة الرئيس أي التأكيد على توفر كل أسباب البقاء للجمهورية وضمان مناعتها من خلال هذه الوقفة الاحتفالية الكبرى لإتاحة الفرصة للشباب بالخصوص لاستخلاص العبرة من هذا الحدث الوطني البارز في حياة تونس والتونسيينن، وبالتالي التأكيد على دورهم مستقبلا باعتبارهم رجال الغد – في ضمان مناعة الجمهورية والحفاظ على اسس الدولة العصرية والمجتمع المدني الذي ننعم بثماره ونستظل بظلاله منذ نصف قرن من الزمان. تلك هي في نظري المنطلقات والأبعاد التي تندرج في إطارها هذه الاحتفالات والتي تتجاوز الطابع الاحتفالي لترقى الى مستوى الاستلهام من حدث مضى والانطلاق منه لاستشراف المستقبل بوعي حضاري وبوفاء متجدد لقيم الجمهورية وأسسها ومنطلقاتها. وانتهاء بالعمل المثمر والجماعي من أجل بناء جمهورية الغد. تونس ما قبل الجمهورية: حري بنا نذكر والذكرى تنفع المؤمنين بما كانت عليه تونس قبل يوم 25 جويلية 1957 وقبل الاستقلال الذي تحقق في 20مارس 1956 دخلت تونس منذ العهد العثماني بفرعيه المرادي(1574- 1705) والحسينيين منذ(1705 إلى يوم 25 جويلية 1957) عصورا مظلمة وقد عرف العهد المرادي حسب عديد المؤرخين بأنه عصر توقف فيه العلم وساده الاستبداد. وبرغم وجود بعض الأمراء الذين عرفوا ببعض الأعمال والمآثر فإن أسس النظام كانت اقصائية واستبدادية وأبعد ما تكون على الاهتمام بقضايا الشعب. بل كانت الأسر الحاكمة تعيش وحولها فئة من الموالين من الأسر العريقة في نعيم ومباهج الحياة بينما كان الشعب يئن تحت وطأة الظلم بأنواعه ويعاني من كل أنواع المهانة والإذلال ومن الفقر والجهل والأمراض تفتك بجميع فئات الشعب وكانت الأوبئة منتشرة وتحصد الآلاف وكذلك المعاناة من الجفاف والمجاعات المشهورة في بطون التاريخ. وبرغم وجود بعض الأصوات التي حاولت إصلاح الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وخاصة في أوساط القرن التاسع عشر، وبرغم مبادرات أمثال المصلح خير الدين التونسي الذي تولى الوزارة الكبرى أيام المشير الصادق باي (1859-1882) والذي جاء بعد الوزير سيء الذكر مصطفى خزندار حيث عاث في الأرض فسادا على امتداد أكثر من 30سنة وعاصر 3 بايات هم المشير احمد باي وامحمد باي والصادق باي والذي حدثت في أيامه ثورة شعبية بقيادة علي بن غذاهم سنة 1869 على اثر مضاعفة الصادق باي وبتحريض من مصطفى خزندار لأداء المجبى من 36الى 72 ريال فكانت هذه الثورة الشعبية العارمة التي سرعان ما فشلت والقي القبض على قائدها علي بن غذاهم حيث تحالفت القوى المهيمنة والمستفيدة من سلطة الباي وهذه القوى تتكون اساسا من مشايخ الطرق الصوفية وأصحاب الزوايا وكذلك طبقة مشايخ الجامع الأعظم من هيئة النظارة العلمية والمدرسين الكبار وشيخا المذهبين المالكي والحنفي وما يتصل بهذه القوى التي سعت بكل الوسائل لإخماد هذه الثورة الشعبية العارمة، وإنقاذ العرش الحسيني. وهذه القوى نفسها التي ساندت مصطفى خزندار وعملت على إسقاط خير الدين وإبطال مشروعه الإصلاحي وأجبر على الاستقالة ولجأ الى اسطنبول مع اسرته وهرب قبله الجنرال حسين الى ليفورنة بايطاليا ومات هناك في ظروف مأساوية، ولجا الشيخ محمد بيرم الخامس الى مصر ومات هناك وكذلك الجنرال رستم وبقي تحت الاقامة الشيخ محمد السنوسي صاحب الرحلة الحجازية والصحفي والكاتب القدير والمحرر بجريدة الرائد التي اسسها خير الدين سنة 1860. فشلت هذه الجماعة الاصلاحية برغم صدق نواياها وبرغم بعد النظر والعزيمة الوطنية التي كانت تحدوهم. و في اعتقادي أن طبيعة النظام الاستبدادي والمؤسس على الاستغلال والهيمنة لا يمكن أن تثمر في أيامه الأعمال الإصلاحية. وهذا ما أدركته لاحقا حركة الدستور الجديد بعد1934 من أن الإصلاحات الاجتماعية والسياسية لا يمكن أن تكون إلا بعد استرجاع السيادة الوطنية وقيام سلطة منبثقة من الشعب وبإرادته الحرة. وهكذا فشلت حركة خير الدين وغادر معظم أفرادها إلى الخارج وتفرق شملهم، وتولى الوزارة الكبرى بعد خير الدين الوجه الآخر لخزندار والنسخة منه أي مصطفى بن إسماعيل الذي لعب أقذر الأدوار مع القنصل الفرنسي ليون روش لإعداد الحملة على تونس وكان الصراع حاميا بين ايطاليا وفرنسا لاحتلال تونس بعد احتلال الجزائر سنة1830. وهكذا دخلت البلاد في وضع اشد وطأة على الشعب فبعد حكم البايات المستبد دخلت البلاد تحت نظام الحماية يوم 12 ماي 1881. ومع الأسف الشديد اكتفى رجال الدين من مشايخ الصوفية وأئمة الإسلام وهيئة النظارة العلمية التابعة للجامع الأعظم بضمان مصالحهم وامتيازاتهم، بل أن بعض مشايخ الفرق الصوفية قد تعاونوا مع الاستعمار على احتلال البلاد وعملوا على عرقلة كل مقاومة، كيف لا ونحن نعلم وان علي بن غذاهم قد ألقى عليه القبض من طرف شيخ الطريقة التيجانية.

 


 

أين قيادات النهضة وأبناءها؟

 
سؤال طرحه تونسي ونصف فمن يجيب؟
تابعت كيما تابع غيري « النـّقلة « النوعية في التعاون بين المواقع التونسية الثلاثة :الحوار نت وتونس نيوز والوسط… فرحت برشه على خاطر هذه خطوة للتوحيد تغيض الأعداء ( النظام القمعي التونسي) وتغيض حتى حزب النطيحة والمتردّية…وتغيض كل من لا يريد لأصوات الإسلاميين ان تتحد ولو على عريضة… المهم ضربت اخماسي في اسداسي وعملت حساباتي قلت في ظر ف يومين نوصلوا ألف توقيع…وإلا ألفين بحول الله.. كيفاش!!! موش النهضة تقول راهم المهجرين بالألاف…موش الى حضروا مؤتمر النهضة بالمئات…قلت انا بيني بين روحي المئات هاذوما كيف نزيدولهم المئات الى ما حضروش والمئات الى من حزب  » راقدة وتمنجي » والمئات الي حاطين رجل هنا ورجل غادي توه في نهارين بالكثير تتعمر العريضة… وعمكم التونسي ونصف يستنّى… واستني يا دجاجة حتى يجيك القمح من باجة… العام طلع « عجرودة » القمح ما جاش والدجاجة ماتت بالشرّ… الحكاية ما طلعتش كيما حسبتها وظهرتْ بوجادي في الحساب …على خاطر أستاذ الرياضيات إلي قرّاني هو وقتها رئيس شعبة ، الله لا تخلف عليه ولا على الشعبة متاعو، ما هواش لاهي بالقراية متاعنا ، نهار ربي وهو يحوّس من قسم لقسم يشمشم على الاخبار باش يخدم على روحو…( يعني حاشاكم يقوّد) والا غايب على المدرسة وحاضر في اجتماع الحزب …لكن اشكون يقول للصيد فمّك أبخر.. نرجعوا وين كنا…!!! قلت ليكم أنا طلعت دغفة في الحساب…المئات ذابوا وطاحت الأصفار على اليمين والمئات صاروا عشرات …وهانو سي الشيخ راشد ربي يبارك فيه هو والنائب متاعو باش يطيروا العين على العريضة ( عين الحسود فيها عود ) بعثوا أسماواتهم آش قالك هاني معاكم لا تنسوني… وينهم بقية القيادات التي لاتحصى ولا تعد؟ وينهم أولاد النهضة والا الجماعة يتشخلعوا في البحورات والا باعثين نساوينهم لتونس يصيفوا ويزيدوا ينكدوا على عائلات المساجين باللّبسة والمصروف اش قالك انا راني جيت من  » أوروبا » جاي لبلادي إلي نحبها برشه ونموت على البحر متاعاها.. في الوقت الى سي الهاروني وخيوانوا من الصناديد يتشخلعوا حتى هوما في البحر متاع العرق في الزنزانات ، ونصفهم قاتلوا الشر بسبب اضرابات الجوع على خاطر بن علي الله لا يربـّحوا ولا تخلف عليه دنيا واخرة رافض حتى يهزوهم للسبيطارات… نرجعو وين كنا…!!! وينهم هاك الجماعة إلي يدزوا في صدروهم ويدّعون حب المساجين والدفاع عنهم ويطلبون من النهضة رفع اليد عنهم… ياخي موش قالوا نحنا رانا اغلبية.. هيـّا ورّونا الأغلبية متاعكم والا زعام في  » التبهبير » والمزايدة الفارغة!؟ ويني المعارضة  » الوطنية » ورموزها والا كل فول لاهي في نوارو… وفي قلوبهم يقولوا ان شاء الله ما يخرجوش من الحبس كان للقبر ….راهم اذا خرجوا خبزتنا تقطعت …وينهم الي يرفعوا في شعارات حقوق الإنسان… والمواطنة…وهاك اللاوي….!!! ونيهم اصحاب الضماير « الحيّة » ربي يعافينا ويعافيكم من الحيـّات … وإلا خايفين وزارة الداخلية تسجل اسمايهم… وثمـّة اشكون يروّح هو بنفسوا لتونس وثمّة اشكون يبعث في المرى والذراري يقولك اش لزني يلقوا اسمي يزيدوا يشدولي العائلة غادي واحنا ما حاسب على ربـّي ((خرّجتهم لينا النهضة بنضالاتها كان بالسيف… نزيد نعمل عمله اخرى ونباصيهم))…المساجين والله نحبهم لاكن من بعيد لبعيد…والمساعدة المالية موش واجب شرعي كيف الصلاة وزيد على هذا راهي تهمة يعاقب عليها القانون التونسي وموش غريبة قريبا القانون الدولي …ماله هاني كيف نصلي وحدي في الدار ندعي ليهم ربي يصبرهم مساكين… شوفوا والله لو تسلخوا ارواحكم النظام ما هو مسيبكم ، حتى إلي باعوا « ضمايرهم » ومشوا لربيع تونس وزيتونها » والله راهم عند النظام ارخس من بصلة خامجة…ماله استرجلوا من جديد …وساندوا اصحاب الحق ، فالساكت عن الحق شيطان أخرس…!!! تحية لكل من قام بالواجب وساند أصحاب الحقوق ودعوة لمن لم يلتحق بعد أن عجّل فإن الموت أعجل والبقية نقول ليهم ربي يهديكم وللأقلية : قل موتوا بغضيكم وحسبنا الله ونعم الوكيل تونسي ونصف… بلاد ربي الواسعة في 21/07/2007 (المصدر: المنتدى الكتابي بموقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 21 جويلية 2007)

 
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله جيل »الجال »
نسأل أحيانا مجموعات متنوعة من شباب اليوم عن بعض الأصول والثوابت ذات خصوصيات تاريخية عريقة فنجده ناس أو متناس جاهل أو متجاهل وغافل أو متغافل… ومن ينسى ماضيه ينساه مستقبله… تجد نفسك أحيانا مبهوتا أمام نماذج من الشباب ذوي الألوان المختلفة من الأصباغ « الماكياجية » للشعر و »الجال »  » شكل بدون منضمون » علب زينة فارغة مشحونة بالسطحيات والسخافات والفراغات ففضلا عن كون هؤلاء يجهلون كل شيء عن ثوابت الأمة وتاريخها القديم والحديث فهم يجهلون رموز الأمة كأبي بكر الصديق أو عمر بن الخطاب أو صلاح الدين الأيوبي أو ليس لهم فكرة عن هزيمة 1967… فهم فضلا عن ذلك لا يخططون لأي شيء على المستوى الفردي ولا على المستوى الجماعي،  ولهذا العمل القديم الجديد، ولهذه الغفلة عن الماضي والحاضر والمستقبل ولهذا اللامبالاة المطلقة بالقيم والنواميس الطبيعية للحياة ، أسباب تاريخية واجتماعية وسياسية و غيرها ، فلا مجال لإنقاذ الشباب من جيل « الجال »  إلى جيل الحال إلى جيل الجد والفعل إلا بفعل الثوابت ثوابت الأمة التي لا مجال للعب بها فكفانا نحرا للشباب ولعبا بقيمه واستعبادا لذاته وحريته ودينه. فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا…؟ أبو أيمن بنزرت

 
أخبار نشرية الإرادة
 
عناية فائقة تتالت زيارات المسئولين في الإدارة الأمريكية لتونس التي زارها في بداية شهر ماي الأميرال « باستيان الابن » مساعد رئيس أركان الجيوش الأمريكية. وعلى اثر ذلك انعقدت بتونس الدورة الـ22 للجنة العسكرية المشتركة التونسية-الأمريكية والتي ترأستها من الجانب الأمريكي « تيريزا ويلان » مساعدة وزير الدفاع للشؤون الإفريقية. وفي أواخر شهر ماي زار تونس وفد من الكنغرس الأمريكي برئاسة النائب « جون تانر » وجاء في بيان للسفارة الأمريكية في تونس أن زيارة هذا الوفد تأتي عشية اجتماعات الجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي التي ستعقد في البرتغال لمناقشة « العمليات العسكرية الجارية في أفغانستان، والتهديد الذي يشكّله الإرهاب على الأمن والاستقرار في العالم ». ويوم 13 جوان تشكّلت بمقر الكنغرس الأمريكي بواشنطن لجنة برلمانية (تونيزيا كوكيس) تضمّ أعضاء من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بحضور نائب وزير الدفاع الأمريكي « غوردن انغلند » ووزير الخارجية التونسية الذي كان قد التقى قبل ذلك بـ »كندليزا رايس » ومساعدها المكلف بالشرق الأوسط. إن هذا التركيز الأمريكي على البلاد التونسية يرمي إلى تحقيق جملة من الأهداف: 1. دفع التوجه الليبرالي الذي تدعو له الامبريالية الأمريكية وصناديق النهب التابعة لها والسعي لإبرام اتفاقية للتبادل الحر بين البلدين بما يخدم مصالح الاحتكارات الكبرى. 2.دفع عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني وحشد الدعم للسياسة العدوانية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان تحت شعار مقاومة الإرهاب والتي تدفع للمعارك الجانبية والاقتتال والعنف الطائفي. 3.دعم التواجد الأمريكي في القارة الإفريقية عبر إقامة آلية عسكرية جديدة « افريكوم » والبحث عن مقر لها في أحد البلدان الإفريقية لصد الانتشار الصيني وتطويق البلدان الكبرى المنافسة لها والسيطرة على موارد الطاقة في الجزائر وليبيا ونيجيريا وانغولا والحقول الجديدة التي تمّ اكتشافها في موريتانيا والسودان و التشاد. وهي تلجأ في هذه المنطقة كما في غيرها إلى تأجيج النزاعات الطائفية والعرقية كما هو الحال في السودان والصومال والتشاد. دعم النفوذ السياسي الأمريكي في تونس من خلال استدراج النخب السياسية والإعلامية والجمعياتية وتأهيل ما يسمى بالإسلام السياسي المعتدل لاحتلال موقع محوري في الخارطة السياسية ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير. مؤتمر التجديد   ينعقد في أواخر شهر جويلية مؤتمر حركة التجديد الذي يمثل محطة هامة في محطات الحياة السياسية والذي يسترعى اهتمام القوى السياسية وخاصة منها قوى اليسار. ويتّسم هذا المؤتمر بانخراط عدد كبير من المناضلين المستقلين الذين كانوا قد ساهموا ضمن « المبادرة الديمقراطية » في الحملة الانتخابية لسنة 2004 وساندوا ترشّح الأستاذ محمد علي الحلواني لرئاسة الجمهورية وانضموا للقوائم التي رشّحتها الحركة للانتخابات التشريعية. وعلى امتداد سنة كاملة احتضنت مجلة الطريق الجديد وبعض الصحف الأخرى حوارا فكريا وسياسيا ثريا حول طبيعة « الحزب الكبير » ومرجعيته الفكرية وموقعه في الخارطة السياسية. وللإجابة على ذلك تشكّلت لجنة وطنية متناصفة كما تشكلت مجموعات عمل لإعداد لوائح ومقررات المؤتمر في شتى الميادين، نذكر منها لجنة المؤسسات والحريات ولجنة الثقافة والإعلام ولجنة القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والعلاقات الدولية ولجنة الهجرة. ونحن في « الإرادة » نعبّر عن تمنياتنا بالنجاح لمؤتمر حركة التجديد حتى تساهم في إعادة تشكيل القطب الديمقراطي التقدمي الذي يستجيب لمتطلبات المرحلة ولرهانات الاستحقاقات.  
بدون تعليق   تقدّم السيد محمد الهاشمي الحامدي بخطة للمصالحة بين السلطة والإسلام السياسي و تتمثل هذه الخطة في النقاط التالية: 1. الإفراج عن المعتقلين… وإدماج الجميع في الدورة الاجتماعية 2. الحصول على رخصة للعمل الثقافي ضمن قانون الجمعيات… وبوسع السلطة أن تسمح بتكوين « منتدى الإمام مالك » أو « منتدى ابن خلدون » على شاكلة « منتدى الجاحظ » الذي يديره عدد من الإسلاميين التقدميين. 3. توضيح المسارات المتاحة للعمل السياسي لمن أراد ذلك من مناصري التيارات السياسية الإسلامية. فإذا كان التجمع الديمقراطي الدستوري مستعدا لاستيعاب الراغبين منهم في الالتحاق بصفوفه فهذا هو الخيار الأفضل للجميع. أما الخيارات الأخرى بعد ذلك فكثيرة: يستطيع مناصرو التيارات الإسلامية… أن ينضموا فرادى لأي حزب آخر من الأحزاب المرخّصة..المنشور 108 لن يبقى له داع لأنه صدر أول مرة سنة 1981 في أجواء المواجهة الأولى… والمتدينات المتحجبات اليوم لسن أعضاء في جمعيات سياسية محظورة ». (المصدر:  « الإرادة » نشرية  حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ  العدد الثالث جويلية-أوت 2007)


 

المعارضة السياسية في تونس و فن الممكن السياسي في ظل الأوضاع القائمة

 
إذا كانت السياسة هي فنّ الممكن و إذا كان هذا الممكن متوفرا في الواقع الملموس و ليس في مستوى الذهن الافتراضي فانّ السياسة تصبح فنّا قائما لصياغة التحالفات السياسية الممكنة والتي تلبي ضرورات اللحظة التاريخية في بعديها الزماني والمكاني بعيدا عن تسطيح الواقع أو التحليق فوقه …وحتى نجعل من الكلمة قوّة فاعلة في الواقع علينا بالتوجّه إلى هذا الواقع والفعل فيه……نودّ الحديث عن واقعنا السياسي الآن وهنا أي في هذه الفترة الزمانية وتحديدا هذه السنة 2007  وفي هذا المكان أي في تونس …ونودّ التطرّق إلى موقف المعارضة السياسية من السلطة الحاكمة ومن بقيّة مكونات المشهد السياسي القائم وكيف تتفاعل مع الممكن السياسي وكيف تصوغ تكتيكاتها وتحالفاتها. يتّسم الوضع السياسي في تونس مثلما هو الشأن في بلدان عدة بالتعقيد حيث يصعب تفكيكه وتحليله  بيسر فمن ناحية يجري الحديث في الآونة الأخيرة عن إجراءات متخذة من قبل السلطة الحاكمة يمكن أن تؤدي إلى انفراج سياسي محتمل ويتمّ ذكر جملة من المؤشرات الدالة تتعلق بالإفراج عن الأموال المجمدة لفائدة جمعية « النساء الديمقراطيات »…وعن تمكين « فرع منظمة العفو الدولية »…من عقد جلسة عامة ب »بورصة الشغل »على اثر لقاء مع السيد  » منتصر الرويسي »…وعن لقاء هذا الأخير مع السيد « مختار الطريفي »عن الرابطة التونسية لحقوق الإنسان و عن تمكين بعض المعارضين من جوازات سفر وعن غضّ النظر عن أنشطة سياسية مختلفة لمعارضين دون التعرض لهم …هذا من ناحية ومن ناحية ثانية يقلل البعض من شان المؤشرات المذكورة أعلاه ويعتبرون إن المؤشرات الدالة على تشدّد السلطة وانغلاقها وهم ويذكرون ما تتعرض له الرابطة من ضغوطات على مقراتها ومنع لأنشطتها (ما جدّ بالقيروان أخيرا)…كما يذكرون الإيقافات ذات العلاقة بملف « الدعوة والقتال » وما تعرض له بعض النقابيين من قطاع التعليم الابتدائي أخيرا (أحداث القصرين) …فهل نحن إزاء مزيد من الانغلاق والتشدّد أم نحن بصدد بداية انفراج سياسي ربما بمناسبة الإعداد لعشرينية  7/11 … وفيما يتعلّق بالمعارضة السياسية فإننا إزاء تعقيدات من نوع آخر حيث تتضارب المواقف في صلب الحزب الواحد وتبدو أحيانا التحالفات غير مستساغة ولا تجد لها تفسيرا إلا في الارتباك السياسي الذي تتصف به بعض الأحزاب في الساحة السياسية فإذا اعتبرنا أحزاب « اللقاء الديمقراطي »أحزاب موالاة للسلطة هي في قطيعة مع المعارضة الفعلية فان هذه الأخيرة تتشكل في توجهين كبيرين …تكتل 18/10 والائتلاف الديمقراطي التقدمي والأطراف غير المنظمة والشخصيات السياسية المستقلة ذات العلاقة بهذا التكتل أو ذاك… ويمكن حصر الاختلافات بين هذين التوجهين في المسائل التالية: 1– استقلالية القرار السياسي للمعارضة عن السلطة وعن الدوائر الأجنبية 2- تقدمية المشروع السياسي للمعارضة فيما يتعلق بالقضايا الكبرى على غرار المساواة التامة بين الجنسين وتوطيد أسس العمل السياسي المدني بعيدا عن أي توظيف للدين في السياسة و دون نكوص وارتداد. 3- ترسيخ المشاركة الشعبية في العمل السياسي للمعارضة 4- ضرورة العمل المشترك في صلب تحالفات ممكنة وفاعلة ولئن كان أغلب الفاعلين يعلنون التوافق حول عديد المسائل فإنهم يتبادلون التهم فيما بينهم حول عدم احترام هذا الطرف أو ذاك لها إلا أن المتتبع للشأن السياسي في تونس يمكن أن يلاحظ الاختلافات بجلاء فبالنسبة للمسالة الأولى ذات العلاقة باستقلالية القرار السياسي للمعارضة فان تكتل 18/10 لا يرى مانعا في تحمل الدوائر الأجنبية مسؤولياتها للضغط على السلطة في تونس من اجل إحداث التغيير المنشود وفي هذا الإطار يندرج تحرك « إضراب الجوع » الذي تزامن مع عقد قمّة المعلومات بتونس…أما التوجه الثاني والمتمثل في مكونات الائتلاف الديمقراطي فان بعض الأطراف فيه ترفض رفضا تاما الارتباط بالدوائر الأجنبية (الدول الكبرى والمنظمات الممولة من قبلها في إطار مشروع الدمقرطة و الإصلاح في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا) على غرار حزب العمل و الاشتراكي اليساري بينما يرى غيرهم إمكانية التنسيق وتبادل الآراء مع بعض هذه الأطراف الأجنبية (سفارات مثلا )إذا كان ذلك في مصلحة المعارضة ودون التدخّل في شؤونها. أما بالنسبة للمسالة الثانية وهي المعارضة تحت راية التقدم فان تكتل 18/10 يعتبر نفسه معنيا بهذه المسالة حيث أن الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يعدّ العمود الفقري لهذا التكتل يورد هذا المبدأ في اسمه وفي ذلك  دلالة واضحة ولذلك سعى هذا الحزب إلى ضمان انخراط النهضويين في صياغة « وثيقة المرأة » ولكن تمّ ذلك على مضض بل واعتبره قياديون في الديمقراطي التقدمي من قبيل المطاردة الفكرية للنهضويين هؤلاء الذين وضحوا موقفهم من مثل هذه المسائل بمناسبة انعقاد مؤتمرهم الأخير بلندن حيث أكدوا تمسكهم « بما هو مضمن في النصوص الشرعية القطعية … ».ويعتبر بعض قيادات الديمقراطي التقدمي هذا القرار تمسكا بالمنهج الأصولي (انظر المقال بعنوان »أجندا « النهضة » وأجندا المعارضة الديمقراطية متباعدان » الموقف عدد 412 )إذا هناك اخذ ورد بشان هذه المسألة في صلب 18/10 …ويرد هذا المبدأ كذلك في اسم الائتلاف الديمقراطي التقدمي وتتمسك مختلف مكونات الائتلاف بهذا المبدأ ولا تقبل التنازل عنه وتعتبره علامة بارزة في تحديد هويتها بل ويتهمهم البعض بالمبالغة في تبني المساواة التامة بين المرأة والرجل دون قيد أو شرط… أمّا بالنسبة للمسالة الثالثة فان الاختلاف بين التوجهين كبير وهو اختلاف تكتيكي بالأساس فتكتل 18/10 يولي أهميّة قصوى للفعل النخبوي وما تحرّك « الإضراب النخبوي » إلا تكريس لهذا التكتيك ويبرّر أصحاب هذا التكتيك اختيارهم له بانعدام المشاركة الشعبية ولا مبالاة أوسع أبناء الشعب بالشأن السياسي حيث مازال المواطن التونسي « يعاني في بلادنا من حالة إحباط مزمنة …ولّدت لديه شعورا بعدم الجدوى بل بضرر الانخراط في أي شكل من أشكال المعارضة السياسية للسلطة… » (الموقف…عن السيد نجيب الشابي عدد410) كما أن مختلف مكونات هذا التكتل تتبنى مثل هذا التكتيك الاستعراضي سواء تعلق الأمر بالشأن السياسي الصرف أو في المجالين الحقوقي والنقابي حيث نلاحظ ميل البعض للعمل الفردي البطولي اللافت للنظر نيابة عن بقية المعنيين بذلك الأمر ومع احترامنا لجميع المعارضين إلا أننا نرى أن الاقتصار على العمل النخبوي لا يكرّس إلا النزعة البطولية الفردية التي تخلف الحالات الزعاماتية المتكبرة والمتعالية على الجميع نخبا وجماهير…وحول هذه المسالة يرد موقف الائتلاف واضحا لا لبس فيه حيث يحتل مبدأ المشاركة الشعبية في الشأن السياسي مكانة بارزة ولو استدعى ذلك وقتا طويلا(انظر –الطريق الجديد-عدد مارس 2006 ) فالتغيير الديمقراطي أما أن يكون شعبيا أو لا يكون ومع أهمية دور النخب المناضلة إلا أن الكلمة الحاسمة يجب أن تكون للشعب وفي هذا المستوى تتنزّل أهميّة الاقتراع العام وأهمية المشاركة الشعبية في الانتخابات والإدلاء بالأصوات ولتحقيق ذلك لابد من إصلاحات دستورية مؤكدة ولابد من تنقيحات في المجلة الانتخابية حتى تتوفر الشروط الضرورية لانتخابات حرّة …وتفعيلا لمبدأ الاقتراع العام أسلوبا للتغيير الآن وهنا لابدّ من صياغة تحالفات قوية ومبدئية على أرضية المبادئ المشار إليها أعلاه… وحول مسالة التحالفات ذات الأهمية في الشأن السياسي فان التباين بين التوجهين واضح وجلي فتحالف 18/10 ضمّ أطرافا يصعب الجمع بينها من قبل وتشكّل على أرضية هي حقوقية أكثر منها سياسية وهي ما عبر عنه بعضهم « بالسميق الديمقراطي » ثمّ تحوّل إلى حلف سياسي بصدد تشكيل « عهد ديمقراطي » لكن هذا الحلف يشكو من تناقضات داخلية ظهرت على السطح بمناسبة « ندوة القاهرة » انظر الموقف عدد407 حيث عبر القوماني عن انحراف هيئة 18/10 عن برنامجها الأصلي وتحوّلها إلى هيئة تعمل على إحداث القطيعة مع الحكم وهو ما لا ينسجم الآن مع أجندة الإسلاميين عموما وجماعة النهضة بالخصوص(باستثناء جماعة الدعوة والقتال)…وتتمثل هذه الأجندة  الآن في التهدئة والمصالحة مع السلطة بعيدا عن أية توترات واحتقانات واردة بينما يدفع البعض الآخر من داخل هذا التوجّه إلى التصعيد والمواجهة ….أما التحالف الثاني فانه تشكّل على أرضية المبادئ المشار إليها أعلاه وهو لم يحل كما يتصور البعض بل مازال قائما وسوف يستأنف نشاطه ما إن تنتهي حركة التجديد من عقد مؤتمرها وينتهي حزب العمل والحزب الاشتراكي اليساري من ترتيب الأمور داخل حزبيهما علما وان هذين الحزبين بصدد الإعداد لوثيقة عمل مشترك فيما بينهما تحت راية اليسار الديمقراطي الموحد وسوف يكون لهما برنامج مشترك للنضال في الفترة القادمة وإذا كانت السياسة فنا للممكن فإنها كذلك تعبير عن الاقتصاد أي تعبير عن الأوضاع الاقتصادية القائمة وفي هذا المستوى يعبّر الوضع الاجتماعي المتحرك عن صعوبات كبيرة في الأداء السياسي للسلطة بهذا الشأن فتفاقم البطالة من ناحية وارتفاع الأسعار المشط من ناحية ثانية إذا أضفنا لهما تداعيات الخوصصة على التشغيل وعلى الأسعار بالنسبة لسلع المواد أو الخدمات المخوصصة..فإننا نفهم سبب الحراك الاجتماعي الواسع وحيث نشدّ على أيدي الشغيلة المناضلة ونقف إلى جانبها دون حسابات ضيقة إلا إننا ندرك أهمية المكاسب المحققة وبالتالي فإننا نهنئ كل قطاع توصل إلى تحقيق مطالبه أو جزء منها لان في ذلك دليل على جدوى النضال وعلى أهميته ونرفع عاليا راية النضال النقابي المستقل في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل من اجل مستقبل أفضل للشغيلة بعيدا عن التوظيف السياسي الضيق للنضال النقابي حتى لا نكرس حالات الفوضوية النقابية أو التعويض النقابي للفعل السياسي …وفي هذا المستوى أيضا يختلف المعرضون كل طرف ينظر إلى الواقع من خلال مرجعياته الخاصة ووفق استراتيجياته المحددة. فهل تظل التحالفات القائمة ثابتة غير قابلة للتبدل أم أنها لن تصمد أمام التغيرات الجارية…وأي مستقبل للمعارضة التونسية …في أفق استحقاقات 2009 القادمة…. أبو علي   تونس 07/07 (المصدر:  « الإرادة » نشرية  حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ  العدد الثالث جويلية-أوت 2007)

اتفاقية الاستثمار في البحيرة الجنوبية بتونس العاصمة تثير الجدل داخل مجلس النواب

 
عقد مجلس النواب يوم 10/07/2007 جلسة عامة تمّت خلالها المصادقة على قانون يتعلّق باتفاقية استثمار بالبحيرة الجنوبية لتونس العاصمة بين الدولة التونسية وشركة الاستثمار الإماراتية « سما دبي ». وقد احتفظ ثلاثة نواب فقط بأصواتهم وهم ممثلو « حزب التجديد » ورأى أحدهم وهو السيد ثامر إدريس أن هذه الاتفاقية تمسّ بالسيادة الوطنية لأنها تسمح للمستثمرين الأجانب بتملك الملك العمومي البحري وتكرّس حسب قوله الاستيطان الأجنبي بتونس. أما السيد أحمد الغندور (الاتحاد الوحدوي الديمقراطي) فإنه هاجم « المشككين » في جدوى الاتفاقية على البلاد ورحّب بها أيما ترحيب. النائب صالح الطبرقي عن التجمع الدستوري الديمقراطي طالب بعدم عرض الاتفاقية على المجلس الدستوري الذي من المفروض أن يعطي رأيه في كل مشاريع القوانين وهو رأي يخالف نص الدستور التونسي. الملاحظ أن خلال عرض مشروع الاتفاقية على لجنة التشريع العام بمجلس النواب تداول 5 وزراء للدفاع عن هذه الاتفاقية في محاولة منهم لتحديد التحفظات والتردد و « للردّ على المشككين » فما هو محتوى هذه الاتفاقية؟ وما هي البادئ الأساسية التي مسّت بها؟ وما هي أسباب تخوفات نواب « التجديد » المشروعة الذين نحييهم بهذه المناسبة على موقفهم الوطني وكنا نتمنى لو اتخذوا موقفا أكثر صرامة وصوتوا ضدّ مشروع القانون.  I – أهم بنود هذه الاتفاقية  1) بموجب هذه الاتفاقية فوّتت الدولة التونسية لفائدة شركة « سما دبي » البحيرة الجنوبية لمدينة تونس التي تمسح 837 هكتارا. بالدينار الرمزي عن كل متر مربع. وتشتمل هذه القطعة، الأرض القائمة (أي سطح الأرض) والأرض المطمورة وماء البحر المحاذي لها والذي كان ميناء تونس قديما وجميع مجاري المياه الاصطناعية. 2) مكّنت هذه الاتفاقية شركة « سما دبي » من اقتناء أية أرض إضافية ترى فيها هذه الشركة مصلحة لها. 3) يهدف التفويت إلى تمكين الشركة « الإماراتية » من إقامة مجمعات عقارية سكنية وتجارية وخدماتية والمرافق المتعلقة بها باستثمار جملي قدره 18.2 مليار دينار تونسي. 4) مدّة هذا التفويت غير محددة 5) بموجب هذه الاتفاقية تتمتع شركة سماء دبي بحق حصري في انجاز المشروع وإدارته وحقّ تشغيل من تريد وتتمتع كذلك بحق التشغيل والسيطرة على المنطقة البحرية. 6) تمكن الدولة التونسية شركة « سما دبي » من حقّ التصرّف بالبيع والتأجير ومنح حقوق وامتيازات دون مراقبة ودون حصول على أي ترخيص مسبّق أو لاحق من السلط التونسية للعقارات والمنشآت المقامة على القطعة. 7) تمنح شركة سما دبي امتيازات استثنائية في مادّة المعاملات المصرفية. إذ لها حقّ التعامل بالعملة الأجنبية مع الغير وفتح حسابات خاصة بالعملة الصعبة وتحويل العملات الأجنبية بكامل الحرية إلى خارج تونس وتوريد الأموال الأجنبية بكل حرية كذلك وبدون قيد أو مراقبة إلخ… 8) تعفى شركة « سما دبي » من كافة الضرائب تقريبا التي تسحب عادة على الشركات المحليّة والمستثمرين الأجانب وعلى جميع الضرائب تقريبا المعمول بها في بلادنا. 9) تعفى شركة « سما دبي » من القيود التي حدّدتها مجلة الشغل في ما يتعلق بتشغيل العمال الأجانب بتونس.  II لماذا تثير هذه الاتفاقية تحفظات؟  أولا: للأسف تمكن ولأول مرة في تاريخ تونس أطرافا أجنبية من تملك جزء من الملك العام العمومي وهو أمر مخالف للقانون علاوة على أنه يمسّ بحرمة البلاد وبسيادتها. نلاحظ أنه لا يحقّ التفويت في الملك العام العمومي البري أو البحري حتى للتونسيين. ثانيا: لأن ثمن التفويت كان جد زهيد (دينارا واحدا لكل متر مربع) ثالثا: لأن الدولة أسندت لأجنبي حقّ إدارة منطقة بحرية والحال أن هذا موكول حصرا لوزارات السيادة وخاصة لوزارتي الداخلية والدفاع إلى جانب البحرية التجارية التونسية. رابعا: لأن الإعفاءات الممنوحة في المادة الضريبية تخلّ بمبدأ المساواة في دفع الضرائب الذي تضمنّه دستور البلاد. خامسا: لأن التسهيلات الممنوحة في المادة الصرفية قد تسمح بغسل الأموال المكتسبة بصورة غير مشروعة وقد تسمح بأن تصبح بلادنا مرتعا لتجّار المخدرات. سادسا: لأن الاتفاقية لا تمكّن البلاد التونسية من ممارسة حقّها المشروع في مراقبة هوية الذين سيشترون عقارات في تلك المنطقة. إذ يمكن مستقبلا أن تصبح تلك المنطقة مرتعا لجواسيس صهاينة وعملاء دول غايتها الإضرار بمصالح بلادنا وشعبها. سابعا: لأن الاتفاقية تسمح بعدم تطبيق تشريع العمل التونسي على الأجراء العاملين بها. ثامنا: لأنها تمكّن شركة « سما دبي » من تأجير عمال وخبرات أجنبية دون رقابة أو حدّ (ويعتقد أن العمال الصينيين سيكونون الأغلبية في حضائر البناء لأنهم أقل تكلفة). كان على الدولة التونسية ولضمان الشفافية أن تنير الرأي العام حول تركيبة رأس مال شركة سما دبي وجنسيات المساهمين فيه. وكان عليها أن تدعو لحوار وطني مفتوح وواسع حول الاتفاقية المذكورة التي قد تؤدي « لتكريس الاستيطان الأجنبي في بلادنا » كما أكد ذلك السيد ثامر إدريس احد نواب حركة التجديد في البرلمان التونسي. (المصدر:  « الإرادة » نشرية  حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ  العدد الثالث جويلية-أوت 2007)

الوضع الاجتماعي في تونس وبوادرالاحتقان

 
 شهدت تونس خلال هذه السنة وخاصّة في الأيام الأخيرة حراكا اجتماعيا ذا شأن تمثل في سلسلة من الإضرابات في قطاعات مؤثرة. فقد أضرب الأساتذة وكذلك المعلمون ومثلهم فعل العاملون في قطاع الصحة والمالية والبريد والطب الجامعي وأعوان السوق المالية دون إغفال الإضرابات العديدة في المؤسسات داخل جهات البلاد. وقد ارتبطت هذه الإضرابات في البعض منها بمطالب مشروعة وجاء البعض الأخر ردّا على سياسة سحب المكاسب (حركة النقل في التعليم الأساسي) أو ردّا على عملية التفويت في مؤسسات القطاع العام لفائدة الخواص (اتصالات تونس) أضف على ذلك نضال أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل الذين مارسوا أشكالا نضالية متصاعدة. هذه النضالات واجهتها السلطة بأسلوب أمني بعيد عن معالجة أسبابها (وما حدث في سيدي بوزيد والقصرين شاهد على ذلك). إنّ ما حدث ويحدث دليل على عمق الأزمة. فالشغالون في كل القطاعات بدؤوا يضيقون ذرعا بتردي أوضاعهم المعيشية بسبب ارتفاع الأسعار وبدؤوا يستشعرون خطورة الأوضاع بسبب الخصصة والطرد وسحب المكاسب فاحتموا بمنظمتهم النقابية دفاعا عن موارد رزقهم ومكاسبهم. والجميع يدرك الغليظة لإيقاف المسار الاحتجاجي المتنامي في جلّ القطاعات والذي ينذر بانفجار شامل خاصة وأنها تدرك أن الأسوأ قادم مع مزيد التفويت في المؤسسات العمومية ومزيد تغلغل الرأسمال العالمي في الحياة الاقتصادية التونسية. ومساعي تهميش دور الاتحاد العام التونسي للشغل، من ذلك مثلا تطبيق الاتفاقية 135 لمنظمة العمل الدولية حول حماية نوّاب العمّال من جانب واحد ودون اتفاق مع الاتحاد وبعد افراغه من محتواه الحقيقي وما شهده ملف التأمين على المرض يندرج في نفس الاتجاه. كما يتواصل العمل على الصراعات داخل المنظمة النقابية وإضعافها وتعطيل دورها الطبيعي في الدفاع عن الشغالين. والمحافظة على استقلاليتها إن هذه الأوضاع تدعو بإلحاح إلى اتخاذ إجراءات سياسية واجتماعية انفراجية قبل فوات الأوان. (المصدر:  « الإرادة » نشرية  حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ  العدد الثالث جويلية-أوت 2007)

ما وراء تبادل الزيارات بين الدولتين التونسية والأمريكية؟ !!

 
زار تونس في بداية شهر جوان 2007 وفد من الكنغرس الأمريكي له صبغة عسكرية إذ ضمّ السيناتور الديمقراطي جون تانر وهو عسكري سابق في البحرية الأمريكية برتبة رائد ويرأس الوفد الأمريكي حاليا في الجمعية العامة لبرلمان الحلف الأطلسي وكذلك النائب الجمهوري بول جيلمور نائب رئيس مؤتمر بلمانيي حلفا ناتو. وتقابل هذا الوفد مع رئيس الدولة ورئيس مجلس النواب ووزيري الخارجية عبد الوهاب عبد الله والدفاع كمال مرجان. واتضح أن الزيارات كانت لها أبعاد سياسية وعسكرية وأمنية. فخلال مقابلة الوفد الأمريكي مع فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب، تناول الوفد الأمريكي بالبحث الإصلاح السياسي في تونس واحترام حقوق الإنسان قولا وفعلا وتحرير قطاع الإعلام وتوسيع هامش حرية التعبير وحقّ التنظيم والتجمع وتفعيل دور المجالس المنتخبة. رئيس الوفد الأمريكي صرّح بأن تونس جاهزة لحرية أوسع في الميدان السياسي وحرية التعبير. وهذان عنصران سياسيان هامان حسب رأيه في الارتقاء بتونس نحو تطوير كبير على المستوى العالمي وجلب الاستثمارات التي تمكن من خلق مواطن الشغل. أما على المستوى العسكري والأمني، أكّد رئيس الوفد الأمريكي أن الزيارة « تندرج في سياق اجتماعات تنسيق وتشاور بين واشنطن ودول جنوب البحر المتوسط (من بينها تونس بالطبع) المنخرطة في مسار الحوار الأطلسي المتوسطي وتناولت محادثته مع وزيري الدفاع والخارجية مقترحات وأفكار أمريكية عملية لتطوير التعاون بين واشنطن وشركائها في الحوار الأطلسي والمتوسطي في مجال مكافحة الإرهاب وتهديدات تنظيم القاعدة لمناطق عديدة ومنها منطقة شمال إفريقيا. ونوّه الوفد بالكيفية التي عالجت بها قوات الأمن التونسي أحداث سليمان وحمام الشاطئ في نهاية ديسمبر 2006 وبداية جانفي 2007 وأكّد أن الولايات المتحدة الأمريكية تولي اهتماما خاصا بتونس والمغرب الأقصى. وأخيرا، نفى الوفد الأمريكي أن يكون تطرّق في محادثاته مع المسؤولين التونسيين لمسألة إقامة القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا في تونس (المجراب تحكو مرافقو) كما يقول المثل الشعبي التونسي. ولم تمض إلا بضعة أيام على هذه الزيارة حتى سارع وزير الخارجية التونسي عبد الوهاب عبد الله بالردّ عليها في 15/06/2007 وقابل خلالها كلا من كوندوليزا رايس وبحضور دافيد ولش مساعدها المكلف بالشرق الأوسط وديك شيني نائب الرئيس بوش وسلّمه خلالها رسالة خطية من الرئيس التونسي. قد تكون الزيارة تعلّقت بإبداء وجهة النظر التونسية من المسائل التي تطرّق لها الطرفان خلال زيارة الوفد الأمريكي لتونس والتي تمحورت كما أسلفنا حول مسائل سياسية وعسكرية وأمنية. إننا نؤكد في « الإرادة » أن مطلب الإصلاح السياسي ودمرقطة الحياة السياسية في تونس هو مطلب رفعه التونسيون والتونسيات منذ عدة عقود. وهم لم يوكلوا أحدا وخاصة الامبريالية الأمريكية عدوة الشعوب للدفاع عن هذين المطلبين. و »الإرادة » تشدد على أن دمقرطة الحياة السياسية في تونس يجب أن تشمل الأحزاب السياسية المدنية والجمعيات الأهلية التي تدافع عن قيم التقدّم والحداثة والمساواة بين الناس والعدالة الاجتماعية ولا تستثني التيار الاشتراكي الماركسي الذي ناضل من أجل تلك القيم ومن أجل حق الشعوب في تقرير مصيرها والدول في استقلالها ويناهض الهيمنة والتسلط والعسكرة التي تنتهجها حفنة من الاحتكاريين الموغلين في الرجعية في العالم والمساندين للصهيونية. والإرادة تطلب من الدولة التونسية أن تعبّر بكل وضوح وعلى رؤوس الملأ عن رفض استضافة مقر القيادة العسكرية الأمريكية لإفريقيا وكذلك الكف عن المشاركة في المناورات العسكرية مع قوات الحلف الأطلسي. (المصدر:  « الإرادة » نشرية  حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ  العدد الثالث جويلية-أوت 2007)


ارجاء محاكمة 42 اسلاميا بينهم امرأة للمرة الحادية عشرة في المغرب

 
الرباط ـ اف ب: ارجأت محكمة سلا (قرب الرباط) المتخصصة في مكافحة الارهاب للمرة الحادية عشرة محاكمة كانت بدأتها قبل سنة يمثل فيها 42 متهما بالانتماء الي مجموعة تدعي جماعة التوحيد علي ان تعقد الجلسة المقبلة في 19 تشرين الاول (اكتوبر). وافادت وكالة الانباء المغربية ان الموقوفين وبينهم امراة متهمون بتشكيل عصابة اشرار بهدف التخطيط وارتكاب اعمال ارهابية و ممارسة نشاطات في جمعية غير قانونية و عقد اجتماعات دون ترخيص . (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 21 جويلية 2007)

 


 

الاتحاد الاوروبي يعرض على ليبيا علاقات أفضل اذا سلمت الممرضات

 
بروكسل (رويترز) – عرض الاتحاد الاوروبي يوم الجمعة امكانية تعزيز العلاقات بسرعة مع ليبيا إذا تم حل مسألة مصير الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني بطريقة مرضية. ويطالب الاتحاد الاوروبي المؤلف من 27 دولة بتسليم الممرضات البلغاريات الخمس وطبيب فلسطيني أصبح مواطنا بلغاريا في الآونة الأخيرة الى صوفيا بعد ان خففت ليبيا الحكم الصادر عليهم من الاعدام الى المؤبد يوم الثلاثاء. وقال دبلوماسي كبير برئاسة الاتحاد الاوروبي « اذا انتهت هذه العملية حيث نريدها ان تنتهي فان تعزيز العلاقات مع ليبيا يصبح احتمالا كبيرا ويصبح شيئا سيحدث. » وقال الدبلوماسي البرتغالي ان الاتحاد الاوروبي سيرفع مستوى العلاقات مع ليبيا الى نفس مستوى التعاون مع الدول الاخرى في الشمال الافريقي الذي يغطي علاقات التجارة والمساعدات الاقتصادية والهجرة والعلاقات الثقافية والسياسية. وقال « وهذا يمكن ان يحدث بسرعة. » وسيبحث وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي القضية يوم الاثنين. وبعد جهود دبلوماسية مكثفة ودفع مئات ملايين الدولارات الى عائلات 460 طفلا اصيبوا بالفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب ( الايدز) خفف المجلس الاعلى للهيئات القضائية في ليبيا أحكام الاعدام الى المؤبد يوم الثلاثاء فيما يمهد الطريق لتسليم الممرضات والطبيب بموجب اتفاقية لتبادل السجناء وقعت في عام 1984 . وبمجرد ان يتم تسليمهم الى صوفيا يمكن ان يصدر عفو من رئيس الدولة التي انضمت حديثا الى عضوية الاتحاد الاوروبي. (المصدر:موقع « سويس إنفو » نقلاعن وكالة رويترز بتاريخ 19 يوليو 2007)
 

 

مقايضة ليبية – غربية لطي ملف الممرضات البلغاريات

 
يعتزم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي زيارة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الثلاثاء المقبل في ليبيا لشكره على إطلاق الممرضات البلغاريات الخمسة المسجونات في ليبيا منذ ثماني سنوات رفقة طبيب فلسطيني يحمل الجنسية البلغارية. ويرجح مراقبون أن زيارة الرئيس الفرنسي الخاطفة لطرابلس الغرب تهدف إلى تكريس صفقة إطلاق الممرضات البلغاريات لقاء الإفراج عن ضابط المخابرات الليبي عبد الباسط المقرحي المسجون في سكوتلندا. من الواضح أن الهدف من هذه الزيارة – التي تقررت في اللحظات الأخيرة التي سبقت الجولة الإفريقية الأولى لساركوزي – لا يتمثل في إرضاء كبرياء القذافي الذي يعتبر نفسه « حكيم أفريقيا » وداعية وحدة القارة ببدء الجولة بلقاء قمة معه وعرض مشروع « الإتحاد المتوسطي » عليه. بل إن الهدف الأساسي من الزيارة الخاطفة يتمثل في تتويج صفقة ظلت تُطبخ طيلة أشهر بتنسيق بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وتحولت أحيانا إلى قضية عائلية عندما انتقلت زوجة الرئيس الفرنسي الجديد سيسيليا إلى ليبيا الأسبوع الماضي لتنافس مفوضة العلاقات الخارجية في الإتحاد الأوروبي النمساوية بنيتا فريرو فالدنر على إدارة مفاوضات « الربع ساعة الأخير » مع المسؤولين الليبيين. تبادل سجناء وكانت فالدنر رافقت وزير الخارجية الألماني شتاينماير بصفته رئيس المجلس الوزاري الأوروبي في منتصف يونيو الماضي إلى طرابلس لإجراء مفاوضات عسيرة ودقيقة مع الليبيين للتوصل إلى مقايضة يُسمح بموجبها لضابط المخابرات الليبي عبد الباسط المقرحي المسجون في سكوتلاندا بقضاء باقي العقاب في بلده، مقابل الإفراج عن الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني لقضاء باقي العقاب أيضا في بلغاريا. ويُمضي المقرحي عقوبة بالسجن مدى الحياة في سكوتلاندا بعدما أدانته محكمة بريطانية بالضلوع في عملية إسقاط طائرة ركاب تابعة لشركة « أميركان آيرلاينز » فوق قرية لوكربي السكتلندية، وبرأت ساحة مواطنه الأمين خليفة فحيمة. وكان الرجل الثاني في الخارجية الأمريكية جون نغروبونتي استعرض هذا السيناريو مع المسؤولين الليبيين الذين التقاهم في طرابلس خلال زيارة أداها إلى ليبيا في أبريل الماضي، وحثهم على المضي في تكريسه رغم أن القذافي رفض استقباله. وعاد الأمريكيون ليبحثوا الأمر بتفصيل أكبر خلال الزيارة التي أدتها مستشارة الأمن الداخلي بالبيت الابيض فرانسيس تاونسيند إلى طرابلس في التاسع من يوليو الجاري، وقد حملت رسالة في هذا المعنى من رئيسها جورج بوش إلى القذافي حرصت على تسليمها إليه بنفسها. وربما كانت تاونسيند أول من أعلن من طرابلس عن سيناريو الإفراج عن الممرضات البلغاريات لقضاء العقاب في بلدهن، فهي حملت للقيادة الليبية قرار تسمية سفير أمريكي في طرابلس للمرة الأولى منذ 35 عاما (هو جين كريتز الذي يشغل الآن منصب نائب رئيس البعثة بالسفارة الامريكية في تل أبيب ) وطلبت السماح بشراء قطعة أرض لبناء سفارة جديدة. ورد الليبيون على الرسالة الأمريكية الإيجابية بمثلها فأعلنوا في اليوم الثاني من زيارة المسؤولة الأمريكية عن إلغاء عقوبة الإعدام بحق البلغاريات والطبيب الفلسطيني واستبدالها بالسجن المؤبد ما فتح الطريق للإفراج عنهن. وكشفت فرانسيس تاونسيند بعدما اجتمعت مع القذافي نحو نصف الساعة في خيمته في ثكنة العزيزية عن أجزاء من رسالة بوش تعلقت بـ »أهمية حل قضايا مثل تعويضات أقارب الضحايا الأمريكيين الذين لقوا حتفهم في طائرة بان امريكان عام 1988 فوق لوكربي باسكتلندا والإفراج عن الممرضات البلغاريات »، لكنها اعترفت بأنها أبقت أجزاء أخرى طي الكتمان. وأفادت مصادر ليبية أن الأمر يتعلق بموافقة واشنطن على السماح بنقل المقرحي إلى بلده، أي عمليا الإفراج عنه، لقاء إطلاق البلغاريات واستكمال دفع التعويضات لأسر ضحايا حادثة « لوكربي ». إلا أن تاونسيند حرصت على مراعاة حساسية الليبيين فأعلنت أن قرار إلغاء عقوبة الإعدام بحق الممرضات هو « قرار ليبي محض »، وأضافت « إنه تطور إيجابي ونأمل ان يكون بداية لعودتهن الى الوطن ». إخراج … داخلي لكن الأمر الأعقد هو كيفية إخراج القرار أمام الرأي العام الليبي الذي تم شحنه طيلة ثماني سنوات ضد الممرضات والطبيب الفلسطيني على أساس أنهم المسؤولون عن إصابة 438 طفل ليبي بالفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) في مستشفى بنغازي (شرق ليبيا)، توفي منهم حتى الآن 56 طفلا. وسببُ التعقيد أن الليبيين سمعوا من خلال الفضائيات التي باتوا يلتقطون برامجها بكثافة أن الحكومة الليبية استخدمت الممرضات الخمس والطبيب «كبش محرقة» لتبرر لشعبها تفشي الايدز في مستشفى بنغازي، وهي قضية تسبب تذمرا كبيرا في الشارع الليبي بالنظر لرداءة الخدمات الصحية والتي تدفع العائلات الموسرة للسفر إلى أوروبا أو تونس للعلاج. وكان خبراء عالميون من بينهم مكتشف الايدز الفرنسي لوك مونتانيي والايطالي فيتوريو كوليزي جزما بأن العدوى تفشت قبل وصول الممرضات والطبيب إلى ليبيا واعتبروا أن الأحكام القضائية بإدانة المتهمين تحركها «دوافع سياسية داخلية» في إشارة إلى أن بنغازي أقوى معقل لمعارضة حكم العقيد القذافي، وهو الأمر الذي تجلى في مناسبات عديدة آخرها الإنتفاضة التي ادت إلى حرق القنصلية الإيطالية في المدينة في سياق الإحتجاجات الجماهيرية على الصور المسيئة للرسول. ولم يكن من بد للحكومة الليبية من ضمان تعويضات مُجزية لأسر الأطفال الليبيين تتيح تمرير الصفقة شعبيا، وجاء حكم المجلس الاعلى للهيئات القضائية الليبي يوم الثلاثاء 17 يوليو 2007 لينص على تسوية مالية قضت بدفع مليون دولار على سبيل التعويض لعائلة كل طفل من الأطفال الـ 460 الذين ثبتت اصابتهم بالفيروس. وكان المسؤولون الليبيون يُمنون أنفسهم بأن يستعيدوا باليسرى التعويضات الباهظة التي صرفوها باليمنى لأسر ضحايا « لوكربي ». وأكدت هذا المسعى تصريحات وزير الخارجية عبدالرحمن شلقم الذي قال تعليقا على إلغاء الإعدام بحق البلغاريات «ما زالت هناك مرحلة هامة وهي إعطاء ضمانات علاجية للأطفال وأسرهم، والكرة الآن في الملعب الأوروبي والبلغاري». لعبة سياسية غير أن الأوروبيين والأمريكيين امتنعوا عن التكفل بدفعها، وأعادوا الكرة إلى الملعب الليبي في لعبة تجاذب ارتدت طابعا سياسيا لم يعد خافيا على أحد. وأكدت تصريحات شلقم أن المسألة سياسية وليست قانونية عندما أشار إلى أن بلاده لا تمانع من «استفادة الممرضات والطبيب (الفلسطيني) من كل الفرص التي تتيحها الاتصالات السياسية والصيغ القانونية». وبددت المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية بنيتا فيريرو فالدنر من جهتها الغموض الذي أحاط بمصدر التعويضات حين كشفت أن ليبيا تعهدت بتدبيرها عبر «مؤسسة القذافي للتنمية» التي يرأسها نجل الزعيم الليبي سيف الإسلام القذافي. وشددت على أنها « أموال ليبية »، وهذا مؤشر على أن أسر الأطفال لن تنال شيئا من التعويضات أو النزر القليل في أفضل الحالات، لأنه لا أحد يستطيع مراقبة « مؤسسة القذافي » أو مطالبتها بدفع التعويضات كاملة. وأفادت مصادر فرنسية لـ « سويس أنفو » أن شروط الإفراج عن الممرضات البلغاريات شكل المحور الرئيسي للمكالمة الهاتفية التي أجراها القذافي يوم الثلاثاء 17 يوليو الجاري مع الرئيس ساركوزي ودعاه خلالها لزيارة ليبيا. وكانت تلك المكالمة الرابعة بين الزعيمين منذ وصول ساركوزي إلى « الإيليزي ». ورجحت المصادر أن الزيارة ستساعد على حسم ملفي الممرضات البلغاريات والأطفال الليبيين المصابين، في أعقاب « مفاوضات شاقة » بين طرابلس وباريس. وتسببت تلك المفاوضات بحساسيات بين فرنسا وأعضاء آخرين في الإتحاد الأوروبي من بينهم ألمانيا وبريطانيا، وخصوصا بعد دخول سيسيليا ساركوزي على خط المفاوضات، إذ اتهمها هؤلاء الأعضاء بالسعي لتجيير الإتفاق الذي طبخه المفاوضون الأوروبيون بجهود مضنية، لصالحها هي. وقد اجتمعت سيسيليا التي زارت طرابلس يوم 12 يوليو الجاري مع القذافي مرتين وزارت الممرضات البلغاريات في سجنهن ثم طارت إلى بنغازي لزيارة أسر الأطفال المصابين بالإيدز، في حركة تُذكر بالمهام « الإنسانية » التي كانت دانييل أرملة الرئيس الراحل فرنسوا ميتران (1981 – 1995) تحرص على إحاطتها بكثير من الأضواء الإعلامية. غاز وسلاح غير أن ملف الممرضات لن يكون المحور الرئيسي للزيارة التي قرر ساركوزي أداءها لليبيا، فهو لن يقبل أن يتنقل فقط من أجل عيونهن وإنما سيذهب بحقيبة تضم ملفات استراتيجية لعل أبرزها الغاز والنفط اللذين كانا وراء زيارته الأخيرة للجزائر، وكذلك السلاح. وفي هذا الملف الأخير سيسعى ساركوزي لتثبيت الصفقات التي أبرمتها طرابلس مع باريس وخاصة تلك المتعلقة بتحديث 30 طائرة حربية من طراز ميراج أف1 كانت اشترتها ليبيا من فرنسا قبل فرض حظر دولي على تصدير الأسلحة إليها. وفي هذا الإطار أجرت شركتا « أستراك » و »داسو للطيران » مفاوضات فنية مع الجانب الليبي لتحديد سعر كلفة التحديث والتي تراوح بين 10 و20 مليون يورو لكل طائرة بحسب مستوى التجديد الذي سيطلبه الليبيون. كذلك أبرمت مجموعة « إيدس » EADS للتصنيع الحربي صفقة مع ليبيا لتجهيزها بنظام رادار لمراقبة الحدود والمواقع النفطية، وأبدى الليبيون ميلا لنظام الدفاع الجوي المعروف بأستر (Aster). ولم تقتصر خطة التحديث الليبية على القوات الجوية وإنما شملت أيضا صفقة مماثلة مع فرنسا لتطوير الدفاعات البحرية، إذ وقع الليبيون بالأحرف الأولى في يوليو الماضي على صفقة مع شركتي « تيليس » (Thales) و »المنشآت الميكانيكية » في مقاطعة نورماندي (شمال) لبناء ست خافرات سواحل مجهزة بالصوايخ الفرنسية – الإيطالية « أوتومات » بقيمة 400 مليون يورو، فيما توصلت مجموعة « إيدس » إلى اتفاق مع مؤسسة « ليبيا أفريكا بورتوفوليو » لإقامة مركز للتدريب والصيانة في مجال الطيران الحربي. وشملت الصفقات مع فرنسا كذلك اتفاقا مبدئيا بين مجموعة « إيدس » EADS)) والخطوط الليبية (الأفريقية) يخص شراء 14 طائرة من طرازي أيرباص أ319 وأيرباص أ320 ، وست طائرات أخرى من طراز أيرباص أ330 ، وتقدر قيمة هذه الصفقة ب1.7 مليار دولار. وتعتبر هذه الصفقة الأكبر التي حصدتها المجموعة الفرنسية منذ ثلاثين عاما. ومن هذه الزاوية سيسعى ساركوزي للحصول على حصة رئيسية من المشاريع العسكرية الكبيرة التي تخطط لها ليبيا للمرحلة المقبلة والتي تُقدر موازنتها الإجمالية بنحو 20 مليار دولار. وأعطت الحكومة الفرنسية السابقة موافقتها على بيع طائرات جديدة من طرازي « رافال » و »تيغر » لليبيا. وطبقا لتقديرات فرنسية سيعمل ساركوزي من أجل الحصول على حصة لا تقل عن عشرين في المئة من الصفقات العسكرية الليبية. وكان ملفتا الإعلان في باريس يوم 19 يوليو أن بنك «بي إن بي باريبا» الفرنسي قد وقع الإختيار عليه من قبل البنك المركزي الليبي «شريكاً استراتيجياً» لـ «بنك صحارى» الحكومي الليبي، ليصبح أول مصرف أجنبي يقدّم نشاطات وخدمات مصرفية كاملة في الجماهيرية حسبما أفادت بذلك صحيفة « الحياة » اللندنية. أما في مجال المحروقات فمعروف أن فرنسا، أسوة بسائر البلدان الصناعية الأخرى، تعتبر الطاقة شريان اقتصادها ومصدر رفاهية شعبها، ومن هذه الزاوية يسعى الفرنسيون لأخذ نصيبهم من الكعكة الليبية بعد تسابق الشركات الغربية والآسيوية إلى « الألدورادو » الليبي منذ رفع العقوبات الدولية عن البلد في سنة 2003. ومن شأن الإقبال الغربي على تعزيز العلاقات الإقتصادية واستطرادا السياسية مع ليبيا إعطاء دفعة قوية للتيار الليبرالي الذي يتزعمه رئيس «مؤسسة القذافي للتنمية» سيف الإسلام النجل الأكبر للعقيد القذافي. ولم يكن من باب الصدفة إشارة مسؤولين غربيين إلى أن هذه المؤسسة هي التي تكفلت بتأمين التعويضات للأسر الليبية. ورجح مراقبون أن يساهم نجاح هذه المقايضة في صعود نجم سيف الإسلام الذي أفل في الفترة الماضية بعد عملية قصقصة أجنحة اضطر لها والده أمام ضغط النومونكلاتورا التي رعاها طيلة نحو أربعة عقود من الحكم المطلق. وابتعد النجل الأكبر في السنتين الأخيرتين عن الأضواء الدولية بعد الزيارات التي قام بها إلى بلدان غربية وآسيوية مهمة إما في إطار سياسي واضح أو تحت غطاء مهام إنسانية. مع ذلك لا يمكن الجزم بأن تسوية قضيتي المقرحي والممرضات البلغاريات ستعيد سيف الإسلام إلى مقدمة الركح السياسي، طالما لم يحسم والده أمر خلافته الذي يغذي تنافسا صامتا بين الأبناء. تونس – رشيد خشانة (المصدر:موقع « سويس إنفو » بتاريخ 21 جويلية 2007) وصلة إلى الموضوع:http://www.swissinfo.org/ara/swissinfo.html?siteSect=105&sid=8039517
 

الإمام القرضاوي : آخر مجدد لآخر مائة. ( الجزء التاسع ).

 
مع آخر كلمتين في التحدي السياسي : الولاء والبراء : يتعلق هذا الموضوع ( الولاء والبراء ) في موضوع التحدي السياسي الذي يواجه الأمة عامة والحركة الإسلامية خاصة بفروع أخرى كثيرة لا يسعفنا المجال هنا لفرط ضيقه حتما للتعرض لها واحدة واحدة ومنها : مشاركة المسلم فردا أو جماعة في دولة غير إسلامية ومشاركة غير مسلم في دولة إسلامية ومنه موضوع المواطنة الذي هو أصل كل ذلك ومنه طبعا العلاقات الخارجية للدولة الإسلامية وغير ذلك. مشكلة من يرفع اليوم قضية الولاء والبراء إلى درجة العقيدة الأصلية المحكمة ( بينما هي قضية عمل وليست قضية عقيدة ولكن ضمن علوية العقيدة ) هي مشكلة فكرية بالأساس فبمثل ما حشر الخوارج أنفسهم في تأويل كتاب الله سبحانه ببضاعة مزجاة ويد فارغة وأخرى لا شيء فيها كما يقال حتى أوهموا الناس أن الله سبحانه سينزل ليحكم بين الناس بنفسه في قضية الخلاف يومها من خلال سوء تأولهم لقوله سبحانه  » إن الحكم إلا لله » .. حتى قال لهم علي عليه الرضوان بأن ذلك الحكم ـ فضلا عن كونه قدريا كونيا أصلا في البداية ـ كلمته المشهورة التي بقيت مضرب الأمثال  » كلمة حق أريد بها باطل  » .. بمثل ذلك يفعل بعض أولئك اليوم حين يهملون قوله سبحانه في آيات الولاء والبراء  » من دون المؤمنين « . إذ إهمال ذلك من سياق الآية يغير معناها  » لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين  » وقد تكرر ذلك في كل تلك الآيات تقريبا ليؤكد على أن الولاء لغير المؤمنين ليس محرما في كل الأحوال ولكنه مشروط ـ سيما حال الضرورة والحاجة والمصلحة ـ بألا يكون خارج دائرة ولاء المؤمنين وذلك هو معنى  » من دون المؤمنين  » فهي المعدل في الآية للمعنى الذي تؤكده كل الآيات التي لم تخل منها واحدة تقريبا. كما أن الآيات لم تتحدث عن الموادة التي هي عمل قلبي لا يلتقي مع الإيمان بالله واليوم الآخر ولكنها تحدثت عن الموالاة. أنظر كيف نهى مطلقا عن الموادة لأنها عقيدة مستكنة في القلب ولكنه لم ينه عن الموالاة سيما في حالات معروفة يضيق المجال هنا عن تفصيلها لأنها عمل مسلوك وليست عقيدة. ومع ذلك فإن البر وهو كما سنرى بعد قليل قرين الود وصنوه موصول للكافرين المسالمين وذلك يؤكد أن المقصود الأسنى من كل ذلك هو : صيانة الوحدة الإسلامية وحفظها وعدم التساهل في بيعها لأي كان أما إذا إقتضت الموالاة بسبب مصلحة حربية مثلا أو إتفاقية إقتصادية أو غير ذلك فليست هي تلك الموالاة الممنوعة. فالموالاة الممنوعة هي إذن موالاة من جمع مع الكفر الظلم ( وهنا فائدة عظيمة القدر جليلة النفع لا بد لكل طالب علم من إلتقاطها وهي أن أكثر ما يمنع العلاقة مع الكافرين من كل ضرب من ضروب الكفر هو : الإستكبار والظلم والبغي والعدوان والإخراج من الديار وغير ذلك بحسب تردد كل تلك الكلمات في القرآن الكريم. أرصد ذلك بنفسك لتجد له مصداقا). والنتيجة من كل ذلك هي أمران : أولهما أن المانع من الموالاة هو الظلم وليس مجرد الكفر مع إبتغاء  المسالمة وثانيهما هو أن حصول الموالاة بدون رضى الأمة وإجماعها  » من دون المؤمنين  » أو بالمعنى الثاني لها وهو : أن تكون تلك الموالاة على حساب مصالح الأمة هو ما يسمى اليوم خيانة عظمى. ولا أدل على ذلك ـ بعد كل الذي ذكر ولو بإقتضاب يرجع للتوسع فيه إلى مظانه ـ من أن العلاقة الأسرية مع الكافرة ( الكتابية ) التي هي زوج وأم وغير ذلك هي علاقة  » مودة ورحمة « . ومع ذلك كله فإن مقابل الولاء هو البراء وليس العداء. والفرق واضح بين الموقفين.كما أن قضية الولاء والبراء عرضت على الإمام أحمد فأنكرها وهي قديمة قدم الخوارج. ومانع الولاء ليس مجرد الكفر بل هي المحادة وهي المبالغة في العدوان. أما في مسألة المشاركة في الإتجاهين : المسلم في الحكومة غير الإسلامية وغير المسلم في الحكومة الإسلامية فهو مقيد بما تؤول إليه شورى أهل الرأي من جني لمصالح ودفع لمفاسد على أساس نشدان المصلحة الأكبر توفيتا للصغرى وتحمل الضرر الأدنى توقيا للأعلى وتقديم درإ المفاسد على جلب المصالح إذا تعارضا. يورد الإمام هنا صفحات مطولة في بعض كتبه تدور كلها حول ذلك المبحث المقيد بشروط لا يتسع المجال هنا لبسطها وكذا إجتهادات قيمة جدا لبعض الأئمة من مثل سلطان العلماء العز وإبن تيمية وغيرهما. ومعلوم أن الإمام ميز بين الوظائف التي يتولاها هذا أو ذاك وذلك على أساس موافقة الوظيفة لدين صاحبها. أسس السياسة الخارجية : آيتان وردتا في سورة الممتحنة كفتا الأمة بأسرها في كل زمان ومكان ـ وهو مظهر من مظاهر الإحكام في القرآن الكريم بالمعنى العام للإحكام الوارد في قوله  » كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير » وإن كانت الأيتان تنتميان إلى المحكم بالمعنى الخاص الوارد في بداية سورة آل عمران ـ فيما يخص تصريف السياسة الخارجية.  » لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ». بدأ بمن يجب بسط البر إليهم والقسط. والبر يصرف إلى الوالدين فأنظر إلى أي حد إرتقى التشريع الإسلامي بقيم العدل والقسط مع الكافرين المسالمين لعلك تكسب فقها يقربك منه سبحانه زلفى. ولم يبدأ بالضرب الثاني أي المحاربين المعتدين ولو كانوا مجرد مظاهرين أي محرضين لا فاعلين. ذلك هو ميزان الإسلام. ذلك الميزان الذي لا ينبغي إخساره ولا الطغيان فيه. ذلك يتطلب فقها يوجه عملا يؤول إلى مراد الله فينا فإن غاب الفقه فسدت الممارسة قطعا ولم يتحقق مراد الله فينا حتما. موضوع الجزية : وفي موضوع غير بعيد من ذلك وهو الجزية ينتهي إجتهاد الإمام إلى ما يلي : يؤكد بداية أن الفاروق تنازل عن المصطلح رغم أنه قرآني قح لتحقيق المقصد منه وذلك لما طلبت قبيلة تغلب وهي قبيلة عربية منه عليه الرضوان دفع المعلوم بشرط ألا يكون تحت عنوان الجزية أنفة فقبل منهم وقال لأصحابه : هؤلاء حمقى رضوا بالمسمى وأنفوا من الإسم. إذا كان ذلك كذلك فكيف يستنكف المسلم عن إقتباس مصطلحات جديدة كلما حققت المقصد؟ إذا كان ذلك يدخل تحت مصيبة البدعة فهل هناك من بدعة أشد شرا من هذه : يتنازل عمر عن كلمة قرآنية قحة تطييبا لخاطر عرب كافرين؟ ألا ما أصدق النبي الأكرم وهو يقول عليه الصلاة والسلام  » رب مبلغ أوعى من سامع ورب مبلغ فقه إلى من هو أفقه منه « . يا حسرة على العباد حقا عندما تقفر الأفئدة من الفقه. يوافق الإمام هنا الفقهاء الذين قالوا بأن الجزية في مقابل الدفاع العسكري وفريضة الزكاة واليوم بعد التجنيد الإجباري على كل مواطن مهما كان دينه في الدولة الإسلامية لم يعد هناك مجال لدفع أي مال لا بإسم جزية ولا غيرها. وبذلك نكون قد أنهينا الحديث عن التحدي السياسي الذي خصص له الإمام حيزا كبيرا من إهتمامه وهي فصول مطولة في كثير من كتبه فضلا عن ثلاثة مؤلفات تمحض أحدها للتحرير الشرعي ( السياسة الشرعية ) وتمحض الثاني للدولة والثالث للسياسة. تحديات أخرى متفرقة ضمن جبهة الثقافة الإسلامية المعاصرة : قضية المرأة : يثبت الإمام في البداية بأن المرأة إنسان مساو للرجل في أصل النشأة  » يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة  » وهي مساواة مصدرية لها إستتباعاتها العملية وليست تقريرا نظريا لا إقتضاء له في حياة الناس. وأكد النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام ذلك بقوله  » إنما النساء شقائق الرجال  » ولك أن تلاحظ أن ذلك التأكيد ورد بصيغة الحصر وأداة القصر ليدل على النكير المطلوب على من يرتاب في ذلك كما أن التعبير بالشقاقة يخلص معنى المساواة من كل ما سيحفل به تاريخ الإنحطاط الإسلامي فيما سيأتي بعده عليه الصلاة والسلام فضلا عن الإنحطاط اليوناني الغربي الذي ظل حتى قرنين قبل يومنا هذا يعتبر المرأة كائنا بلا روح. وهي مساواة دعمها الوحي الكريم بالتساوي أمام العبادة  » إن المسلمين والمسلمات … » من سورة الأحزاب التي عددت في هذه الآية وحدها عشر خصال بين أعمال قلب وجوارح. وهي مساواة أكدت إشتراك الإنسان بوصفه وحدة متكونة من الرجل والمرأة سواء بسواء في الولاية وهي ولاية مطلقة عامة لم يأت في الشريعة من بعد ذلك ما يخصصها على وجه اليقين إلا فيما يتصل بتكامل الوظائف بين كل من شقي الإنسان  » والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض « . مساواة تامة في العلم والعمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك مما لا يحصى. من مقاصد التمييز بين الرجل والمرأة في أعمال قليلة وأمثلة لها : الشهادة : تنصيف شهادة المرأة في الشهادة بمثل ما ورد في سورة البقرة معلل بأمرين إثنين أولهما ما صرح به القرآن الكريم نفسه بقوله  » أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى  » وهو ضلال يشغب على كل كائن عندما يباشر لأول وهلة عملا لم يكن له به عهد فالمقصود إذن هو التحوط لصون أموال الناس وأعراضهم وأنفسهم وليس المقصود منه تقرير دونية المرأة وفي حق الرجل أيضا لو شهد من شهد عليه بما قاله رجال الرجال  » العدالة والضبط  » لا بد من تعزيره بشاهد آخر لئلا يضل. الأمر الثاني هو أن المرأة بحكم تأهلها لأعمال تختلف عن الرجل تكاملا معه وليس دونية عنه بما جعلها معبأة بالعاطفة بمعناها الإيجابي لا السلبي .. قد لا تسعفها تركيبتها تلك لحسن إستيعاب كل مشاهد الجريمة بكل جزئياتها مما يجعل شهادتها عامة لا تفيد القاضي كثيرا وقد تضيع جانبا كبيرا من حقوق الناس. والدليل على ذلك إجازة فقهاء كثيرين شهادة المرأة منفردة فيما هو من متعلقات حياتها التي تختلف عن الرجل بل لا يشهد الرجل هنا لغربته عن المجال تساويا معها في إستبعاد جزء من شهادتها هناك لغربتها عن المجال. وفصل الفقه في ذلك تفصيلا كثيرا ذلك هو مقصده : كلما كانت المرأة مؤهلة لأداء الشهادة فهي أولى بها من غيرها من الرجال حفظا لحقوق الناس وأعراضهم وأموالهم وليس شهادة عليها بالدونية. ومثال الشهادة في اللعان الوارد في سورة النور دليل ساطع على مساواة المرأة للرجل في الشهادة. أربع شهادات من كل واحد منهما دون إعتبار الأنوثة ولا الفحولة. العدل في الإرث : تناولنا هذا الموضوع سابقا في موضع  من هذه الرسالة وخلاصته أن المساواة في الإرث كالمساواة في كل ما يختلف فيه الناس إنفاقا وأعباء هي عين الظلم والجور والغبن وأن العدل هنا هو المطلوب والعدل هنا هو عدم المساواة ولكن عبيد الفكر الغربي سحرتهم كلمة المساواة ونزعت عنهم لبهم فتعاملوا معها ومع أهلها في الغرب كما يتعامل الطفل الصغير عندما تغريه بقطعة حلوى فإنه دون ريب يجري وراءك تاركا كل ما وراءه. الإختلاف في أعباء كل من الرجل والمرأة هو إذن مقياس عدم المساواة في الإرث رغم حصول حالات كثيرة جدا تفوق فيها المرأة الرجل نصيبا وحالات أخرى كثيرة جدا يتساويان فيها. ولا دخل في ذلك لأنوثة المرأة فضلا عن إعتبار دونيتها. الدية : تعرضنا لهذه القضية كذلك فيما سبق من هذه الرسالة والإمام يؤكد على عدم وجود أي نص صحيح ولا إجماع مستيقن مما يصلح للإحتجاج فأيلولة الأمر إذن إلى المساواة المطلقة فيها تناسبا مع الأصل العام في المساواة المصدرية والرسالية والمصيرية كما وقع شرح ذلك آنفا. إذ عند تخلف خاص ثابت قطعي يحتفظ العام بيقينه. ذلك هو فقه الأصول أما الشغب فيحسنه كل أحد. ولا يعذر الباحث عن الحقيقة بإتباع أخطاء العلماء الأجلاء الكبار من مثل إبن القيم الذي رغم جلالة قدره وعلو كعبه قال بالحرف الواحد  » وليس الذكر كالأنثى  » دليل على تفضيل الرجل عن المرأة ومن مثل إمام في التفسير كالطبري وهو من هو لمن يدرس علم التفسير حين قال بالحرف الواحد  » وأهجروهن في المضاجع  » أي هجر الدابة وبالخلاصة لو إتبعت أخطاء العلماء الكبار والفقهاء الجهابذة من مثل أولئك وغيرهم لسللت نفسك من الدين كما تسل الشعرة من العجين بيسر وسهولة ولكن يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال والعبرة دوما بالدليل وليس بمورد الدليل. القوامة : القوامة عبء على الرجل ومسؤولية وتكليف لسببين أولهما ما أهل له من نظر لعواقب ما يلحق بالأسرة التي بناها بماله وما فطر عليه لأجل ذلك تحقيقا دقيقا من غلبة عقل على عاطفة أي عقلا مكتسبا لا عقلا فطريا يتساويان فيه وثانيهما ما أنفق من ماله في البداية والنهاية وفيما بينهما. وهي قوامة أسرية عائلية وليست قوامة إجتماعية أو إقتصادية أو سياسية أي ليست قوامة خارج أسوار البيت لأنها تتعارض مع إقرار الولاية العامة بين أهل الإيمان من ذكور وإناث والنصوص يفسر بعضها بعضا فإن حصل تناقض فهو من عقولنا لا منها هي وهو تناقض قد يحصل في الميدان وليس في تقرير الحقائق. كما عدل الإسلام ما قد يترتب على القوامة من إستبداد بفريضة الشورى وضرب لذلك مثلا في سورة البقرة بالتشاور والتراضي حول الفصال والإسترضاع وهو مثل يجري عليه العمل وليس محنطا لا تكون الشورى في غيره. ذلك مثال واحد على تهذيب القوامة أن تتغول. ولا بد من ملاحظة مهمة جدا هنا وهي : الإسلام بشريعته يقرر ما يكون عليه أغلب الناس ولا يشرع بإعتبار الإستثناءات إلا في حدود معروفة وبذلك عندما تثور ثائرة العلمانيين اليوم وعبيد الفكر الغربي عامة بسبب تبدل أحوال المرأة وعدم تبدل أحوال الشريعة فإنهم يتغافلون عن الخلل الكبير الذي يحدثه ذلك التبدل في الحياة الإجتماعية للناس بسبب تقمص المرأة لأعمال الرجل بشكل غير محدود وبما يشغب على أصل الوظيفة الأنثوية فهما يشتركان في شيء ويختلفان في آخر فكلما حصن كل واحد منهما مناطق الإختلاف بينهما أن تذوب وعزر ذلك بالتقدم على طريق ماهو مشترك بينهما بقدر ما تسمح به الظروف .. كان التوازن محفوظا. وبذلك يكون العيب فينا وليس في الشريعة. أما الإستثناءات فتقدر بقدرها في شريعة الإسلام التي عادة ما تنبري لتقرير الأحكام العظمى حتى في تفصيلاتها وجزئياتها. المشاركة السياسية والقضائية والإجتماعية والإقتصادية : الأصل في كل ذلك ـ الأصل العام ـ هو إباحة مشاركة المرأة في كل ذلك على أساس ما قرر آنفا من إحترام فلسفة الإشتراك والإختلاف. أجاز أبو حنيفة مثلا تولي المرأة القضاء فيما تجوز شهادتها فيه أما الطبري وإبن حزم فأجازا توليها القضاء مطلقا في الأموال والجنايات وغير ذلك. ولعله وقع التفصيل في المشاركة السياسية للمرأة في هذه الرسالة آنفا من منطلق المساواة والإشتراك في فرض الولاية بين المؤمنين والمؤمنات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليست السياسة إلا لب كل ذلك دون ريب. المشكلة الوحيدة هنا هي : تولي المرأة الخلافة العظمى وهي مشكلة زادتها حدة حينا ويسرا حينا آخر مسألة عدم وجود خلافة في زماننا ولذلك ذهب كثير من فقهاء العصر إلى أن رئاسة الدولة فضلا عما دونها ليست خلافة عظمى فهي جائزة للمرأة. لعلي أرجع إلى هذه القضية في آخر هذه الرسالة عندما أناقش قضية تحفظ الإمام القرضاوي حيال هذه القضية دون تصريح بات ينسجم مع مقدماته التي بنى عليها رؤيته للمرأة. كما ناقش الإمام مكانة المرأة كأنثى. وذلك بعد الإنتهاء من تقرير مكانتها إنسانا مكرما مساو للرجل في كل شيء وأعلى شيء هنا هو : وحدة المصدرية ووحدة الرسالة ووحدة المصير. يثبت الإمام أن الإسلام حافظ على أنثوية المرأة لتحافظ عليها خدمة لقانون الإزدواج من مثل حلية الحرير والذهب لها بخلاف الرجال وغير ذلك مما يضيق عنه هنا هذا العرض الموجز. وهي أنثوية لا بد من حفظها كما تحفظ فحولة الرجل جريا وراء التكامل إذ لا يتكامل سوى مشتركان ومختلفان في الآن نفسه أما المتماثلان فلا يتكاملان بل يتعاونان وأنت تميز في هذا الصدد بين التكامل المطلوب لسير الحياة بيسر وبين التعاون المطلوب لتقوية شيء. هي أنثوية محفوظة بسبب إنبناء الغريزة البشرية على حب الشر  » وإنه لحب الخير لشديد  » أي الخير المادي المقصود هنا. ولذلك أحيطت تلك الأنثوية بما لا يدنسها ويستهين بها بمثل ما يحدث في الغرب حتى لو سمى عبيده ذلك حرية وأي حرية للمرأة وهي سلعة تباع وتشترى بأتم معنى كلمة البيع والشراء وزوقا تزور به الأشياء إغواء للزبون فهي زينة وهي حقيقة كذلك في الإسلام ولكن في درجة ثالثة وليس بدرجة أولى ولكنها هناك زينة تستغل لتلبية مطالب السياسيين والمترفين والفاسدين. ومن ذلك أيضا حفاظا على أنثويتها أنه أباح الإختلاط وقيده فلم يجعله حائلا دون التعاون والتكامل في طلب العلم وتعمير الحياة بالعبادة والخلافة ولم يجعله سببا وذريعة لإستغلال المرأة جنسيا مبينا أن الكلام البريء مباح مستشهدا بقصة موسى عليه السلام مع إبنة شعيب عليه السلام ورادا على من إعتبر ذلك من شريعة من قبلنا وموردا مشاهد من السنة والسيرة تبين الإختلاط المشروع والمشاركة المتعاونة في كل شيء من الأسرة حتى الحرب والسياسة والإستقلال المالي وغير ذلك مما لا يأتي تحت حصر. ومن المهم تجديد الإشارة إلى أن الإمام وهو يفعل كل ذلك يلتجإ إلى القول كثيرا عندما يكثر عليه الإستطراد وجلب النصوص والأدلة بالرجوع إلى ما سماه سفرا يتيما في موضوعه حتى مع إختلافه معه في جزئيات صغيرة أي تحرير المرأة في عصر الرسالة. وأنا بدوري أقول وأردد دوما في كل مناسبة : كل من يحترم نفسه ويفرض على غيره إحترامه فإنه ما ينبغي له أن ينبس ببنت شفة في قضية المرأة حتى يدرس بعناية ذلك السفر اليتيم ثم يحدد إختلافه معه إن كان من أهل التحقيق والترجيح والإجتهاد وله بعد ذلك أن يتخذ له رأيا مخالفا بالكلية أو جزئيا ولكن تجاهل ذلك لا يوقع إلا في الغرور والكبر ( وهو داء لا يغفر  » لا يدخل الجنة من كان في قلبة مثقال حبة من كبر « ) وليس ذلك من شيم أهل العلم وطلبته. كما ينبه الإمام إلى أن أخطر الأمراض المعاصرة التي تؤدي في كل لحظة ـ أجل كل لحظة وليس دقيقة بحسب أدق الإحصائيات الأممية الثابتة ولا يتسع المجال هنا لها ـ بحياة نفس بشرية إنما سببها المباشر أو غير المباشر إطلاق حرية الإختلاط المحموم بين الرجل والمرأة دون قيود ولا حدود بإسم الحرية التي جنت على البشرية عندما أساءت إستخدامها وهي التي عرفت بالأمراض الجنسية ( أشهرها السيدا ) وأسباب غير مباشرة من مثل المخدرات التي عادة ما تكون حلقة من حلقات ذلك الإختلاط وكلها دائرة واحدة محكمة الحلقات : العري الفاضح فالزنا فالإجهاض أو الأم العزباء أو القتل بإسم الشرف أو الوأد بعد الولادة فالتدخين فالمخدرات تناولا يسيرا ثم كثيرا ثم التجارة فيها فأكل أموال الناس بالباطل وخلال ذلك الكذب والتدليس والغش فالقتل في أغلب الحالات فالسجن إلى آخر ذلك من حلقات تفضي كلها مجتمعة إلى فناء الإنسان إما فناء جسديا فلا هو ميت ولا هو حي أو فناء روحيا أي ميت الأحياء. تماما كالفراش الحائم حول النار يقع فيها لا محالة أو كالذباب الطائر حول القاذورات إما يقع فيها فلا يخرج منها أو ينقل منها الجراثيم للأسوياء فيؤذيهم. كل ذلك بإسم الحرية وعبيد الفكر الغربي يصفقون بحماقة وسخافة وسذاجة. ثم يصفون الإسلام بالتشدد والتزمت. وإلى اللقاء في الجزء العاشر من هذه الرسالة. الهادي بريك ـ ألمانيا

الأستاذ حميدة النّيفر لـ »لأوان »: جوهر الإسلام مسعى لا ينتهي ولا تنضب طاقاته.

 
أجرى الحوار: حسن بن عثمان  الأستاذ الدكتور حميده النيفر من الشخصيات الفكرية والأكاديمية المرموقة في تونس وفي خارجها، وفضلا عن بحوثه ودراساته وكتبه وعن تجربته العميقة في التدريس، فهو من الرواد البارزين في نوعية من الطرح التجديدي في الخطاب الديني الإسلامي، وكانت له مجلة شهرية مختصة بهذا الشأن أصدر منها الكثير من الأعداد في تونس ثم توقفت بعد أن استقطبت نخبة من أصحاب الذهن الوقاد والأسئلة الجريئة، وكان اسم المجلة مثيرا في حدّ ذاته (21/15) للإيحاء بإمكانية التقاء وتحاور الزمن الإسلامي في تاريخه مع الزمن المسيحي، بصفته الزمن الرسمي أو الإداري للحضارة الإنسانية الراهنة.كان الأستاذ حميده النيفر من أسماء تيار اليسار الإسلامي المعروفين للمهتمين بشأن الإسلام، وعمل على تأسيس هذا التيار في تونس، في هذا الحوار التي تفضل به مشكورا لـ »لأوان » رغم حالته الصحية المتوعكة، شفاه الله، نستعيد معه بعض سمات تفكير اليسار الإسلامي كفكرة تنظيم وكأسلوب تفكير وكمواقف حول بعض القضايا العويصة فقهية وتراثية وفي الواقع. وفي ما يلي نص الحوار… شهدت الساحة الفكرية والسياسية والدينية العربية خلال السبعينات والثمانينات بروز تيار سمّى نفسه اليسار الإسلامي، وكنت أحد رموزه الكبار خصوصا في تونس، هذا التيار حين نسأل عنه حاليا لا نظفر بشيء كما لو أنه اندثر. لو نستعيد معك ظروف نشأة تيار اليسار الإسلامي وما كان يطرحه على نفسه من مهام فكرية وثقافية ودينية وسياسية؟ اليسار الإسلامي في منطلقه كان اسم مجلة في مصر صدرت في السبعينات وكان مديرها والمسؤول عنها الدكتور حسن حنفي أصدر منها عددا واحدا يتيما كبير الحجم. وإذا أردنا محاولة فهم هذا الخط علينا أن نتذكر غلاف عدد المجلة المذكورة الذي كان عبارة عن صورة لجمال الدين الأفغاني، وفي ذلك موقف وإيحاء بموقف يذهب إلى أن مشروع اليسار الإسلامي تواصل مع التوجّه الإصلاحي الذي ظهر منذ القرن التاسع عشر مع الأفغاني، فلم يكن في اعتبار حنفي أنه يسعى لإحداث قطيعة مع التجربة الإصلاحية. لكن بطبيعة الحال، مشروع اليسار الإسلامي، كما وضعه حسن حنفي، يتجاوز القراءة الإصلاحية إذ يعتبر أن هناك على الأقل ثلاثة مسائل جديدة ينبغي أن يواجهها هذا اليسار الإسلامي. النقطة الأولى تخصّ المسألة الاجتماعية وهذا وجه اختيار تسمية اليسار، وبما يجعل الإشكالية الأساسية لليسار هي إشكالية سياسية اجتماعية. النقطة الثانية التي اشتغل عليها توجه اليسار الإسلامي هي ضرورة إعادة قراءة التراث الديني سواء كان متصلا بالفقه أو بأصول الدين أو التصوف أو بكل القضايا الكبرى التي عالجها هذا التراث. النقطة الثالثة هي قضية الآخر والعلاقة به… وإذا شئنا أن نلخّص اليسار الإسلامي نكتفي بهذه النقاط الثلاث، التي كانت تميّزه عن غيره من الحركات والتيارات بمختلف تسمياتها وانتماءاتها. ما هو جانب الأصالة والطرافة في هذه التجربة التي كأنها انتحلت اليسار الماركسي العربي وتسمّت باسمه وأضافت لنفسها صفة دينية انتسبت بها للإسلام، لكن أين في كل ذلك الإضافة الذاتية الخاصة بها؟ أظن أن العكس هو الصحيح. أساسا اعتمدت رؤية إصلاحية إسلامية كما كانت تستوعب ما كتبه الإخوان المسلمون في فترة من الفترات، ثم تتجاوزه بالنقد. وكانت تستوعب المناهج التحليلية للتاريخ التي طرحها اليساريون العرب. فهي أضافت هذا البعد على الرصيد الأصلي الإسلامي. كانت إضافتها الحقيقية في المنهج الذي اعتمدته والذي استفادته من الأدبيات اليسارية العربية وغير العربية … إن المضاف في المسألة هو الانفتاح على الفكر الإنساني وعلى قيمة التقدم فيه، ولذلك حين أردنا أن نفكر في تسمية في تونس لهذا التيار لم نستنسخ عبارة اليسار الإسلامي، وإنما فضّلنا عبارة أخرى « الإسلاميون التقدميون »، باعتبار أن الإضافة التي قدّرنا أنها ذات أولوية في هذا المشروع الجديد هي قيمة التقدم الإنساني الذي يمكن أن تشترك فيه جميع المجتمعات البشرية، فهو القاسم المشترك بينها وهو أفضل ردّ على فكرة التميّز الإسلامي الذي يتبنّاه البعض، أو تميّز المركزية الأوروبية التي يتبنّاه البعض الآخر… كنا نتبنّى الجانب اليساري الاجتماعي مثل إيلاء الواقع وأولويته في تحليل المشاغل المختلفة التي تواجه المجتمعات، لكن نعتبر هذا ضمن قضية أكبر هي رفض للجوهرانية في تجلياتها المختلفة، أي رفضنا القراءة التي تعتبر مثلا أن جوهر الإسلام هو عدوانيته وصداميته، ولا يكون غير ذلك. كما رفضنا اعتبار أن الغرب هو كتلة واحدة منتهية جامدة ليس فيها إلا التحلل الخلقي كما يطرحه البعض الآخر. لكن إذا نزعنا عن الإسلام شعوره بالتميّز والامتياز وجردناه من جوهره، خصوصا مع فقه متراكم وفقهاء لا ينفكون يتحدثون آناء الليل وأطراف النهار، وما بين الليل والنهار، عن جوهر واحد خالد للإسلام لا يبلَى، منحهم أسرار فهمه ومفاتيح مغلقاته فصاروا هم المستأمنون عن تميّز الإسلام وجوهريته؟ للإجابة هناك أكثر من زاوية نظر. زاوية أولى هي أننا نجد فكرة التميّز الإسلامي في النص التأسيسي موجودة لكن مشروحة ومشروطة، مشروحة ضمن سيرورة تاريخية وضمن علاقة المسلمين بمن سبقهم من أصحاب الرسالات الأخرى فتميّزهم في جانب منه يراعي هذا الجذع المشترك الذي يضمّهم إلى من سبقهم. من هذه الناحية يتميّز الإسلام باحترامه لهؤلاء السابقين وبإضافته لما ميّز رسالته بالنسبة إلى ما انتهى إليه الدين حين يصبح مٌمَأسَسًا في أطر، فاقدا للقدرة على التجديد. أما بخصوص جوهر الإسلام فهو مسعى لا ينتهي ولا تنضب طاقاته إذا اعتبرنا أن الحضور الإلهي ليس خاصا بفئة دون أخرى. إذن، جوهر تميّز الدين الإسلامي في عدم تعيّن الجوهر، واعتبار أن امتلاك الحقيقية بصورة نهائية أمر لا إنساني… وكدعم لهذا التميّز الذي استقيناه من النص ينبغي الإلحاح، من زاوية أخرى، حضارية هذه المرة، وهي المتعلّقة بما أنتجه الفلاسفة المسلمون وبعض المتكلمين المسلمين من جهة، وبعض المتصوّفة من جهة أخرى، الذين واجهوا خط الانكفاء الذي انخرط فيه المحدثون ودعّموا به سلطا سياسية معيّنة في التاريخ. ومثل هذه القضايا هي من الدّقة بحيث لا يستوفيها حوار صحفي مهما كان عميقا ولكن تستوجب البحث العلمي الممنهج. أعود إلى تسمية اليسار الإسلامي التي أراها شبيهة، من جهة المفارقة والالتباس اللغويين، بتسمية قصيدة النثر في حقل الأدب العربي، مع أن قصيدة النثر العربية راكمت تجارب شعرية مهمة ولا تنفك تحوز الاهتمام من قبل الشعراء والدارسين والقراء، في حين أن اليسار الإسلامي كمقترح ثقافي وإيديولوجي وسياسي يتقلّص باستمرار ويكاد يندثر، فماذا تقول في أمر المسمّى حين يرفض اسمه؟ كتسمية لا شك أنها لم تكن تسمية محظوظة، لكن كمنهج تفكير له نوع من الحضور المتواصل في صيغ وتعبيرات مختلفة. وما هو موجود الآن من تساؤلات كبرى بين النخب المسلمة في إيران مثلا حول قضية ولاية الفقيه وقضية أولوية الشريعة الإسلامية على الجماعة هو جزء من ديناميكية التفكير التقدمي الإسلامي. ولو واصلنا في محاولة مسح لما يجري في أجزاء أخرى من العالم الإسلامي غير العربي كتركيا وباكستان وماليزيا وما يكتب بأقلام مسلمة في العالم الغربي كأوروبا والولايات المتحدة لوجدنا أن هذه الحركية الفكرية تواصل فعلها وتحليلها من أجل رؤية مستقبلية تختلف اختلافا جذريا عما يبرز خاصة في الساحة العربية وما يطرح فيها من رؤى تقوم على المفاصلة والتكفير والدعوة الجهادية. لكن الدعوة الجهادية موجودة بدرجة أكثر حدّة لدى المسلمين من غير العرب، هناك حيث محاضن تفريخ الجهاد المحارب الصلب المقطوع عن اللغة العربية، لغة القرآن، وهناك تنشط القاعدة وتوسّع من قاعدتها وقواعدها؟ ثمة مركز الصورة وأطراف الصورة. لنأخذ باكستان نموذجا، ماذا يعرف عموم المثقفين العرب عن مفكر باكستاني مثل فضل الرحمن الذي توفي عام 1988 مقارنة بما يعرفونه عن المودودي أو أمير الجماعة الإسلامية الحالي في باكستان. المشكلة باختصار في العالم هي أن الفكر التقدمي يظل فكر أقلية مرتبطا بأشخاص وغير مصاغ صياغة مؤسساتية. ليس له مؤسسات قادرة على تنمية طاقاته، مقارنة بالفكر السلفي التقليدي، الذي له جذور تاريخية أولا، وله أطر تنظيمية جماهيرية واسعة، ويتناغم مع عقلية رد فعلية، أكثر من عقلية نقدية. وهل تأمل مثلا، وأنت المختص في الشأن الإسلامي والمشغول به، في يوم يكون فيه الفكر النقدي التقدمي الإسلامي يحظى بالانتشار والأنصار، بما يحافظ على مكاسب الدولة العربية الحديثة، ويدعم تلك المكاسب على قلّتها وهشاشتها؟ ولا يتركها عرضة لجماعات الإسلام السياسي بملامحها الحالية المفزعة وتفكيرها التكفيري التجهيلي وعداوتها الصميمة القاتلة للحياة والإنسان؟ كيف سينمو هذا الفكر النقدي في العالم الإسلامي وتحت أي اسم سيكون؟ هذا أمر لا نستطيع توقعه بصفة مضبوطة. ما أستطيع أن أؤكده أن حظوظه والطروحات التي يمكن أن تتولّد عنه هي التي تفتح الأفق للبلاد العربية والإسلامية أن تصبح فاعلة في عالم معولم. أما ردود الفعل الظرفية العنيفة والإنكفائية فهي عاجزة عن أي تغيير نوعي في خط عولمة متوحشة. أما من يقسّم العالم إلى فسطاطين فهو يراهن أن الحقيقة حصرية لديه، معدومة لدى الآخر، ومن ثمة فهو عاجز عن المساهمة في فكر إنساني وفي الإجابة عن معضلات الحياة الإنسانية، قد يكون له في المدى القريب نوع من الرواج والقوة ولكنه في المدى المتوسّط والبعيد لا يمكن أن يشكّل رهانا للمجتمعات والأفراد. من العوامل الخطيرة التي تغذي هذا التوسّع الكبير للإحيائية الجهادية نجد أولا: مشكلة المؤسسة التعليمية في العالم العربي وتراجع الرهان على المعرفة في هذه المؤسسة، وهذا ينتج عنه حالة من اليأس وانسداد الأفق ويشجّع على الإقبال على الحلول السهلة القائمة على عقلية الفسطاطين. ثانيا: الأوضاع وفرص المساواة بين الناس خصوصا في ظل اكتساح هذه العولمة التي لا تحمل قيمة العدل أساسا من أسس خطابها وانتشارها مقارنة بقيمة الربح والسوق والمردودية المادية . أما العامل الثالث الذي يُعِين على دعم هذا التوجه فهو موضوع الحريات السياسية والثقافية والفكرية التي تشهد تراجعا بصفة واضحة، وكأن هناك اتفاقا ضمنيا بين مختلف مكونات المشهد السياسي، الحاكم منه والمعارض والمستقل، على أن الحرية هي مسألة لا ضرورة لها، وهذا رأي يجمع حوله من في الحكم ومن في المعارضة، بدليل أن الأحزاب المعارضة لا تثبت من خلال تجاربها وممارساتها أنها تراهن على الحرية كقيمة وخيار وتحقّق في الواقع. تطرح في إحدى دراساتك أن هناك ثلاثة عناصر أساسية لا يمكن إهمالها لكل فكر وسعي من قبل المجتمعات العربية والإسلامية إذا رغبت في أن لا تندثر في عهد العولمة، وتحددها في مسائل المرأة والهوية والإبداع. اسمح لي أن أراجع معك هذه العناصر الثلاثة. لنبدأ بالهٌوية. فما هي الهُوية وما هي دوائرها وما هو الحاسم فيها؟ الهُوية ليست جملة خصوصيات لها تشكل نهائي، بل فيما أفهم من الهُويّة أنها في حالة تشكل دائم . البعد الديني في الهوية التونسية أساسي، البعد العربي أساسي، البعد المتوسطي أيضا. هذه الجوانب من الهوية هل لها صياغة نهائية وسقف تقف عنده؟ أم أنها في حالة نموّ متواصل على ضوء الحراك الاجتماعي الثقافي في البلاد. المشكل في الهُوية هي كيف نفهم الهُوية وليس المشكل في الهوية ذاتها. الرهان على اللغة العربية جزء من الهُوية، لكن المشكل هي كيف نصوغ هذا البعد من الهُوية في ضوء مجتمع، قِسْمٌ منه يرفض هذه اللغة، وقسم آخر لا يجيدها، وأقسام أخرى تعتبر أن اللغات الانجليزية أو الأسبانية أو الصينية أو الألمانية هي لغات المستقبل. إذن هذا البعد من الهوية يحتاج أن يتمثل هذا التعدّد والاختلاف من أجل إثبات قيمة اللغة العربية وطرق تعليمها وكيفية تطويرها بما يسمح لها فعلا أن تكون مؤثرة في مجتمعها المصطبغ بصبغة التعدّد اللغوي. ويمكن أن نتحدث بنفس المنطق عن البعد الديني والبعد المتوسطي. المرأة، وما أدراك ما المرأة، خصوصا التونسية من النساء. حيث أن التجربة المجتمعية التونسية الحديثة تشاكلت وتضافرت مع مشروع الدولة التونسية المستقلة. هذه الدولة هي التي جادت على المرأة بحقوق ومكاسب جعلتها متفوقة في حقوقها على الكثير من النساء في الشرق والغرب، بصورة تجعل من قضية المرأة في تونس ليست على ذات الحدّة التي تطرح بها في مجتمعات عربية وإسلامية ما تزال تخفي المرأة وتتستّر عليها كعورة، ماذا تقول حول هذه المسألة التي انشغلت بها واشتغلت عليها؟ صحيح أن مشكلة المرأة في تونس ليست مطروحة بنفس الإلحاح المشاهد في المجتمعات العربية الإسلامية الأخرى، لكن أفهم أن قضية المرأة مرتبطة بقضية أعمق سواء عندنا أو عند غيرنا، وهي قضية الشريعة والقانون، وخلاصتها: هل يجوز للإنسان أن يشرّع القانون أم أن القانون له صبغة إملائية فقط من خارج الإنسان. ما سميته أنت قضية الخفاء، يتحدّد في ما يمكن أن يقال عن الوضعية الخفية للمرأة المسلمة ومرتبط بهذه الإشكالية الكبرى، وهي إشكالية، في الحقيقة، قديمة عالجها مفكرون مسلمون في الفكر الإسلامي الوسيط، وخاصة عند بعض المعتزلة، الذين اعتبروا أن العقل يمكن له أن يصل إلى الحقّ دون المرور بطريق الوحي، والعبارة المعروفة  » الحسن والقبح عقليان » ماذا عن سفور المرأة وتسفسرها، أي لبسها السفساري التونسي أو ما يقوم مقامه من « لباس ستر »… كيف سيكون تعامل الرجل الشرقي، في نظرك، مع هذه الأوضاع العولمية المستجدة وهو العالق في ذكورة تخشى على نفسها أنوثة متحررة وسافرة؟ لا أتصور أن السفور فيه إثارة أنثوية أكثر. أما الجانب التقليدي كرؤية سائدة في المجتمعات فهي ناتجة من أمرين، أولا: تعميم حكم قيمة على تجربة الحرّية في المجتمعات الأوروبية دون اطلاع كاف عما يوجد ضمن تلك المجتمعات من حركية تعمل على تركيز قيمة الحرية للمرأة ومن ثمة للمجتمع بأسره. ثانيا: اختزال قيمة الشرف العربي في أمور محدودة واستبعاد معاني أخرى جديدة لهذه القيمة لا يمكن التوصل إليها إلا بتعليم المرأة وحرية عملها والرهان على ذكائها وقدرتها على حماية نفسها. كأن ثمّة حَوَلاً فكريًا يجعل العيون منحرفة إلى زاوية ما لا تبرحها. المرأة في تونس بين الحداثيين بمن فيهم السلطة الحاكمة وجماعات الإسلام السياسي صارت مجال النزاع الأكبر بين تيارين كبيرين ومزايدات ومناورات بينهما إلى درجة جعلت فصيلا كبيرا من الإسلام السياسي المحظور يعترف بمجلة الأحوال الشخصية التونسية، التي كانت بدعم من بورقيبة عدوّهم اللّدود حيّا وميّتا، ويقرّ هذا الفصيل بالكثير من حقوق المرأة التي أصبحت في تونس من المسلّمات والبديهيات، فهل ترى أن مواقف جماعات الإسلام السياسي من مثل هذه المواضيع هي مجرد مناورات وتصريحات التفافية، أم ماذا؟ من الأشياء الغريبة في تونس هي كما لو أن ثمة التباسا في علاقة المرأة بمشروع الحداثة، بينما إذا تفحصنا ما وقع إرساؤه منذ بداية القرن العشرين في تونس يتبيّن أن المشروع الحديث انضوى فيه تحديثيون تونسيون متأثرون بالقراءة الأوروبية الفرنسية للحداثة إلى جانب إصلاحيين عروبيين يؤمنون بنهضة الشرق، ولم يكن التمفصل على الصورة الراهنة، وللعلم أن أول طبيبة تونسية تخرّجت وهي من عائلة محافظة سنة 1924. ما آل إليه الأمر منذ الستينات هو استقطاب بين مشروع حداثي لا يمثله إلاّ اختيار واحد، من جهة، ومن جهة أخرى مشروع تقليدي يراهن على انحسار كل الجهود التحرّرية التي وقع التوصل إليها فيما سبق. مسألة المناورات والحلول الالتفافية وجدت أم لم توجد لا تهمّني، الأهم عندي هو إنكار كل الجهود التحررية للمجتمع التونسي أو لقطاعات واسعة من المجتمع ضمن المسيرة التحررية للمرأة من أسر التقاليد. جامع الزيتونة تخرّجت منه نخب مختلفة منها، فيما يتعلق بموضوعنا، من اعتبر أن التحرر الاجتماعي رهين انعتاق المرأة من التقاليد الآسرة، ومن أهم هؤلاء شخص مغمور هو الشيخ سالم بن حميدة الأكودي الذي ربّى بناته الثلاث تربية متميّزة، فكانت لهن مساهمات اجتماعية وسياسية تحتاج إلى أن تُدرس. وللذّكر فإن إحدى بناته كانت زوجة الأستاذ الهادي نويرة الوزير الأول الأسبق في عهد بورقيبة. نصل في الختام إلى عنصر الإبداع التي تعوّل عليه كثيرا كمدخل رئيس للإقامة في هذا الزمن المتعولم، هل أنت مع الإبداع بكل معانيه ومستوياته بلا حسيب ولا رقيب؟ المفارقة في المجتمعات الإنسانية هي أنها بقدر ما تمجّد زعماءها ومفكريها وشعراءها وفنانيها في القديم بقدر ما تُعرض في الواقع المعيش عن كل نوازع التغيير، كأن المجتمعات تقول عن الحاضر: ليس بالإمكان أكثر مما كان، بينما حين تعيد النظر في الماضي يقول لسان حالها: كان بالإمكان أفضل مما كان… النزعة التقليدية في المجتمعات الإنسانية نزعة مستحكمة وفاعلة، ومن هنا تبرز أهمية الفرد. لا تستطيع المجتمعات أن تخرج من أسر هذا الارتهان إلا بالرّهان على قيمة الأفراد وحريتهم وطاقاتهم الفكرية والروحية التي تتيح المجال للتجاوز المتواصل لما وقع الاتفاق حوله في القضايا المختلفة والخلافية. أرغب في سماع رأيك، ونحن بصدد الإبداع والمجتمعات، عن علاقة حرية الإبداع في رأيك بسلمان رشدي وروايته « آيات شيطانية » أو ما يسمّى بالرسوم المسيئة للرسول الكريم الخ..؟ إذا أخذنا أمثلة محددة متعلقة بقضية الإبداع وما أثارته بمناسبة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول وكذلك رواية سلمان رشدي وأيضا رواية تسليمة نسرين… المشكلة أن هذه الأمثلة دخل فيها على الخط الحضور الأوروبي، أي كأن الإبداع هنا يستقوي بالغرب لفرض نوع من الإلزام الذي لا يتوخّى حركية ذاتية للإبداع. بينما روائي كنجيب محفوظ رغم أنه تعرّض في فترة من الفترات لمضايقات ومخاطر فلا نزاع بين غالبية النخب العربية على كفاءته الإبداعية باعتبار أنه استلهم أساسها من حياة المجتمع العربي ومشاغله بطرح إنساني مدرك للمشاغل الكبرى التي تخترق المجتمعات الإنسانية. فالإبداع هو جدل بين ذات مأزومة ووعي إنساني مفتوح، أما إذا كان بقصد مزيد هزم هذه الذات المأزومة المهزومة فإنه لا يفضي إلا إلى مزيد من الانقسامات، وإلى سوء فهم البعد الكوني لخصوصية المجتمعات. أعتقد في الأخير أن هناك أشياء في المجتمعات العربية والإسلامية تتبدّل ولكن ببطء. ( المصدر: موقع « الأوان » تصفح يوم 22 جويلية 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=1174&Itemid=18

لماذا تريد المرأة أن تكون زهرة؟ ولماذا تُقطع أكمامها؟

  

 
د. رجاء بن سلامة    لا يشبّه الشّعراء والعشّاق المرأة بالزّهرة فحسب، بل هي نفسها تريد أن تكون زهرة، ولا يشبّهونها بالقمر، بل هي نفسها تتوق إلى أن تطلع كالقمر. تريد أن تتزيّن وتتبرّج ولو بالحجاب، أو رغم الحجاب، وتوقها هذا أقوى من كلّ مؤسّسات المنع والخوف من الفتنة، وكلّ أجهزة القطع والبتر. من العبارات المكرّرة المسجوعة التي علقت في ذهني منذ أن كنت طفلة أنصت إلى خرافات النّساء، مجموعة من الجمل القصيرة تقدّم بها المرأة نفسها عندما تروي قصّتها بعد أن ترمّلت أو طلّقت أو أصابها « الزمان » الغادر بنوائبه. لم يتبقّ في ذاكرتي من هذه الجمل إلاّ ما انطبع في ذهني، لأنّني ألّفت حوله أسطورة طفوليّة، ها أنّني أعود إليها، أو ها أنّها تعود إليّ بالأحرى، لأمتحن طاقتها التّفسيريّة في عالم الكبار وفكرهم. فربّما تكون الأسطورة فعلا طفولة الفكر، وربّما لا تبرح الفكر إلاّ في الظّاهر، أو لا تبرحه إلاّ بعد لأي وجهد جهيد في نحت المفاهيم وجردها من الواقع. العبارات الحبيبة التي حفظتها ذاكرتي هي التي أحاول تقريبها إلى الفصحى كالتّالي: « عندما كنت في أيّام زماني، وتزوّجت ابن عمّي الحقّانيّ، وكنت أحمل القدر بأكمامي… » أعتقد أنّ هذه العبارات ترد في خرافة اسمها « عجائز القمر »، وفي هذه الخرافة تجتمع سبع نساء على ضوء القمر، وتروي كلّ واحدة قصّتها وسبب تطليق زوجها إيّاها، وهي تنتظر افتتاح السّوق لكي تبيع شيئا ممّا صنعته بمغزلها أو نولها. كنت أفهم أنّ سياق العبارة هو سياق حنين وفخر بنوع من المجد والرّفاهية ولّى وانقضى بانقضاء الزّواج، وأشعر اليوم بأنّه سياق حسرة ممزوجة بشيء من حكمة المسنّين، وشيء من تمرّد النّساء، وشيء من جبريّة المؤمنين. ولكنّني لم أكن أفهم جيّدا مدلول الكمّ الذي تفتخر المرأة بطوله، كنت بتفكيري الحسّيّ السّاذج أسند إليه وظيفة عمليّة انطلاقا من « أحمل القدر بأكمامي »، فالكمّ الطّويل يمكن أن يستعمل أداة لحمل القدر عندما يكون متسخا أو ساخنا. ولكنّني كنت أربط الصّلة بين الأكمام المذكورة في الخرافات وأكمام بعض الجدّات والأمّهات اللّواتي يقصصن هذه الخرافات نفسها. فهذه الأكمام كانت في بعض المناطق التّونسيّة عريضة في آخرها، وطويلة نسبيّا، وكانت في بعض الأحيان مصنوعة من الدّانتيل الشّفّاف، فكانت تحمل حشدا من الأزهار والتّلافيف والأشكال النّباتيّة، يضاف إليها حشد آخر من هذه الصّور تحمله الملابس الأخرى. ولكنّ العجائز اللّواتي عرفتهنّ لم يكنّ يأخذن القدور بأكمامهنّ. ففي الخرافة بقايا لا نجد لها نظائر في الواقع. وعندما انتقلت من الخرافة إلى المدرسة، ومن الدّارجة إلى الفصحى، تعلّمت معنى آخر من معاني »الكمّ ». لم تكن الفصحى، لغة الكبار، في طلاق تامّ مع لغة جدّاتي، لغة النّساء أو لغة الأطفال، أو هكذا فهمت الأمور، بحيث أنّ الكمّ هو كم الزّهرة أو الثّمرة، ولذلك أصبحت أومن بوجود علاقة بين كمّ الزّهرة وأكمام النّساء الطّويلة، وأنا أردّد في نفسي عبارات « عجائز القمر » في الخرافات التي تقصّها العجائز. كنت أقول في نفسي إنّ العجائز اللّواتي يرتدين هذه الأكمام المزهّرة يردن أن يكنّ أزهارا، وإنّهنّ رغم تجاعيد وجوههنّ أزهار ذابلة تحنّ إلى زهرة العمر. وانطلاقا من الأزهار والأكمام، وأكمام الأزهار التي تحلّي أكمام النّساء، صنعت لنفسي أسطورة عن النّساء باعتبارهنّ أزهارا، وباعتبار أنّ كلمة « كمّ » التي تعني اللّباس تريد « كمّ الزّهرة »، أو تحنّ إليه، وكان يحملني إلى هذا الاعتقاد نوع من الإيمان المبهم بأنّ الكلمات تحبّ الأشياء وتحنّ إليها وتشتاق. لم أكن أفقه كنه هذه العلاقة بين الكلمات والأشياء، ولكنّني فهمت بعد سنين طويلة أنّها تعود إلى سطوة الدّوالّ، وقدرتها الإيحائيّة التّناثريّة، بحيث أنّ كلمة « كمّ » لا تحيل إلى القماش الذي يلفّ اليدين فحسب، بل تحيل أيضا إلى الكمّ الذي يلفّ الزّهرة، وتحيل إلى الزّهرة، والمرأة ذات الأكمام، وقد تحيل أيضا إلى القطع والبتر، بما أنّ الزّهرة قد تقطع، أو يقطع منها كمّها. نعم كلمة « كلب » لا تنبح، كما كان يقول اللّسانيّون لتوضيح مبدإ اعتباطيّة الدّليل اللّغويّ، وانفصال عالم الكلمات عن الأشياء. ولكنّ كلمة « كلب » لا تحيل فحسب إلى الحيوان المعروف، أو لا تحيل قبل كلّ شيء إلى هذا الحيوان، بل إلى النّباح، أو المهانة، أو القبيلة العربيّة التي تحمل نفس الاسم، أو كلب الجيران الشّرس… كلمة « كلب » تنبح إذن، ولكن من حيث أنّ كلّ الكلمات تنبح، وتردّد نباحا مختلفا، وربّما تعضّ… ما السّرّ في ولع النّساء بالأكمام ورغبتهنّ في أن يكنّ أزهارا؟ هل لأسطورة النّساء ذوات الأكمام، أي النّساء اللّواتي يردن أن يكنّ أزهارا معنى؟ الخصاء كما يقول لنا التّحليل النّفسيّ قدر الرّجال والنّساء معا على تفاوت بينهم، ولكنّ جاك لاكان يفيدنا أنّه موزّع على الجنسين بطريقتين مختلفتين: فالرّجل يملك القضيب ويمكن أن يفقده، وسبق أن هُدّد بفقده، والمرأة ليس لها القضيب ولكنّها تريد أن تكون هي القضيب. تريد أن تكون زهرة، لأنّها لا تملك الزّهرة، ولذلك فهي قضيب من الدّرّ والياقوت، أو « قضيب على كثيب »، رغم أنّ القضيب ليس لها. فالاختلاف الجنسيّ هو كذلك اختلاف في نوعيّة الإخصاء بحسب مقولتي الملك والوجود: من له القضيب ليس قضيبا، ومن هو القضيب ليس له القضيب، مع معطى أساسيّ يتمثّل في أرضيّة النّفي التي تعود إلى الإخصاء وإلى الحدود المنجرّة عن المنزلة البشريّة: من له القضيب ليس له القضيب مطلقا، ومن هو القضيب ليس قضيبا مطلقا. ولكنّ ما يهدّد الرّجال والنّساء ليس الإخصاء بقدر ما هو رفض الإخصاء، أو الإمعان في إخصاء الآخر والزّيادة في إخصائه بأكثر ممّا تقتضيه صيرورة الأوديب والاختلاف بين الجنسين. فقد يريد الرّجل أن يكون مالكا مطلقا للقضيب، وقد يريد أن يكون القضيب، وقد لا تقبل المرأة الإخصاء، فتريد أن تكون القضيب المطلق الدّائم، والزّهرة المعروضة على كلّ الأنظار، أي تتحوّل إلى عابدة للأشياء تتّخذ جسدها شيئا معبودا. وقد يعترض الرّجل الخائف من الإخصاء ومن متعة المرأة طريق المرأة إلى أن تكون زهرة، فيقطع أكمامها، ويحرمها من الزّينة التي تكون بها زهرة ناضرة. وما مؤسّسة الحجاب سوى التّعبير عن القلق الرّجوليّ من قدرة المرأة على أن تكون زهرة، وخوف الرّجل من أن لا تكون له زهرة، أو رغبته في أن يكون الزّهرة المطلقة. ولذلك فإنّ النّساء من حيث أنّهنّ زهرات، أو من حيث ما يمكن أن نسمّيه بـ »منزلتهنّ الزّهريّة » على ثلاثة ضروب : – زهرة ذات أكمام، معرّضة إلى الذّبول ككلّ الأزهار، عارفة بذلك، ولكنّها على أيّة حال زهرة، وتريد أن تبقى زهرة وإن كان ذلك في عالم « الكون والفساد ». – زهرة قُطع كمّها كما قطعت أكمام النّساء في مصر في القرن الثّامن الهجريّ. فرض عليها الإخصاء مرّات: إخصاء الأنوثة والتّفريق بين الجنسين، وإخصاء القطع بفعل تدخّل السّلطة الأخلاقيّة. وهذه المخصيّة مرّتين أو أكثر لا بدّ أن تتمرّد على عالم الإخصاء المفروض، وقد تخصي الرّجل ذاته بأشكال مختلفة. – زهرة ترفض الذّبول، وتزيل كمّها، لتعرض نفسها على أنّها الزّهرة المطلقة، وهذه تضيع في نظرة الآخرين، ولا تكاد تداري قلقها من الإخصاء بعبادة جسدها وقد تحوّل إلى زهرة مقتلعة. الأولى تقبل الإخصاء، والثّانية يفرض عليها إخصاء على إخصاء، والثّالثة لا تقبل الإخصاء، وتدغدغ حلم الرّجل بالإفلات من الإخصاء. طريقة المرأة في تضميد جرح الإخصاء هو أن تكون زهرة، أن تكون علقا نفيسا لكي يتعلّق بها الرّجل. والتّفكير النّسويّ الذي لم يفهم توق المرأة إلى الزّينة، فشنّع عليها العناية بجمالها وزينتها، هو تفكير عبوس وغير نسويّ. أمّا التّعاليم الدّينيّة التي شنّعت عليها التّبرّج وأجبرتها على الخفاء والقبح، فهي تقدّم حلولا يائسة لا تزيد النّساء إلاّ اغترابا أو عنتا، ولا تزيد الرّجال إلاّ لجاجة ولهاثا ودورانا بائسا بين لّذّة الانتهاك الآثم ومتعة الطّاعة المازوشيّة. ( المصدر: موقع « الأوان » تصفح يوم 22 جويلية 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=1114&Itemid=4

 

العصيان المدني يغير الحكم ويعصم مصر من الفوضي المتوقعة!

 
محمد عبد الحكم دياب  
تتعلق الأنظار بمصر هذه الأيام، فخلال اليومين القادمين، تدخل اختبارا يمكنها، لو اجتازته، من أن ينقلها نقلة كبري، تقرب من يوم التغيير، ومن لحظة الخلاص من حكم بدائي متخلف، لا يريد أن يُغير أو يتغير. نقلة، إذا ما تمت، سوف تترك آثارها وبصماتها علي المنطقة العربية بأسرها. ومن نوافل القول أن نعيد علي الأسماع أن مصر يتحكم فيها حلف شيطاني، بأطرافه المرئية والخفية، ومصالح هذا التحالف تجد الرعاية من المستبدين واللصوص والفاسدين والمستسلمين، وتجار السموم والمخدرات ومافيا غسيل الأموال، وعصابات النهب والتهريب والاحتكار والمضاربة، وتري الحماية في وجود الحكم الراهن استمراره، ومشكلة مواجهته، رغم أنه يضم قـوي وفـئات هــامشية، لا تــعيش إلا علي الانحراف. وتمثل أقلية الأقلية، هي فيما يملك من أسلحة وأدوات، مكنته من تهميش المواطن وإسقاطه من الحساب. فهو يملك القرار، ويتحكم في الثروة، ويوجه أجهزة الدولة والأمن علي قيم الغدر والبطش والترويع، وعلي سبل الاستقواء بالمنظومة الصهيو غربية، وتنفيذ مخططها وتلبية مطالبها، ولأنه تحالف معاد بطبيعته لمصالح الوطن والمواطن. يصاب بالجنون من أي تحرك أو تجمع جماعي ولو كان محدودا قليل العدد، ولهذا فأسلحته دوما موجهة ومشرعة في وجه المواطن الأعزل، وتجاوز في ذلك كل الحدود. الأنظار المعلقة تتطلع إلي ما يمكن أن يترتب علي دعوة العصيان المدني، في يوم الثالث والعشرين من تموز (يوليو)، الذي تحل ذكراه بعد غد. وهناك من يسأل هل يمكن أن يكون يوما لثأر المصريين من حكم أذاقهم المر، وعلي يده ذاقوا صنوف العذاب، بلا رحمة ولا شفقة، وديست كرامتهم وانتهكت أعراض بناتهم وأولادهم، وعلي الرغم من أن المطلوب في هذا اليوم القريب يبدو بسيطا. يتمثل في عدم الخروج من البيوت والاستقرار في المنازل، ورفع علم مصر علي الأبواب والشرفات، وحمل شرائط وأعلام سوداء، كتعبير عن سواد وبؤس الحكم الحالي، والأمر علي العكس من ذلك، وصعوبة هذا الذي يبدو بسيطا هو في اعتماده علي درجة عالية من الوعي والفهم، خاصة من هؤلاء الذين تقوم أنشطتهم وأرزاقهم علي أيام الأعياد والمناسبات والعطلات الرسمية. وإذا ما نجح العصيان، بشكل كلي أو جزئي، فهو في كل الأحوال درجة متقدمة من تطور الحراك السياسي والاجتماعي، الذي تصاعدت وتيرته في السنوات الثلاث الأخيرة، والذي تعيد بدايته إلي الأذهان ما كان البعض يصف به التظاهرات الأولي، وقلة عدد المشاركين فيها. صفات اتسمت بالمراهقة، وكان بعضها مغرضا، منها أوصاف كانت بمثابة الإهانة للأفراد والجماعات، فالمظاهرات حين بدأت بأعداد قليلة، لم تتجاوز المئات، وأحيانا العشرات، وجدت من يلعن المواطن ويسبه، تبرئة للنفس من عبء المشاركة وثقل المسئولية، ومنهم من قال كيف لشعب تجاوز في عدده 75 مليون نسمة، أن تتظاهر منه هذه الأعداد المحدودة، وخلال سنتين، أخذت الظاهرة، التي بدت للبعض غير مشجعة، في الانتشار، بفضل من أصروا علي انتزاع حق التظاهر والاحتجاج، والخروج إلي الشوارع والميادين، رغم قانون الطوارئ ووحشية الأمن وبلطجة الحزب الحاكم وعنفه. وخطوة فخطوة تحول ما كان استثناء إلي قاعدة، وبعد أن كانت التظاهرات قاصرة علي فئات وجماعات مهنية، مثل الصحافيين والمحامين والقضاء والمهندسين امتدت رأسيا وأفقيا، علي المستويين الفئوي والجغرافي. فمن اعتصامات العريش، مرورا بإضرابات المحلة الكبري، وصولا إلي كفر الدوار والعامرية ومطروح، حتي وصلت مناطق ومدن وقري ونجوع بأكملها، وبكل مكوناتها، من سيناء شرقا، حتي السلوم غربا، ومن الإسكندرية شمالا حتي حلفا جنوبا. وكانت الذروة فيما حدث في قرية البرلس ، فقد جاء بمثابة إعلان لهبة هي الأولي من نوعها، تسبب فيها العطش، والحرمان من الماء النظيف، وامتدت إلي غيرها من القري. ويوم أن خرجت البرلس ، عن بكرة أبيها، تعلن العصيان، استعملت قوارب الصيد القديمة، وقطعت بها الطريق الدولي المار بها، لمدة اثنتي عشرة ساعة، ولم ينفض أهلها إلا بعد عودة المياه إلي بيوتهم ومساكنهم. وكانت عودة الآلاف إلي القرية بشكل منظم وسلمي، مثار تقدير من تابع المشهد، ولفت نظر المراقبين غياب التجاوزات الأمنية المعتادة، بجانب عدم وقوع جريمة سرقة واحدة. وكيف تنقطع المياه لشهور عن البرلس وتعود في ساعات؟ هل معني هذا أن الماء متوفر ومتاح وانقطاعه كان متعمدا؟.. هذا هو الاحتمال الأرجح، وذلك اعتمادا علي فهم ظروف حياة عدد ليس بالقليل من القري المصرية، ومنها البرلس ، كواحدة من قري محافظة كفر الشيخ، وكانت معقلا من معاقل الإقطاع، قبل الثورة، والأكثر حرمانا وجهلا وتخلفا ومرضا، ثم صارت الأكثر استفادة من قوانين الإصلاح الزراعي، فذاقت مر العيش في كنف الإقطاع، وحلاوة الحياة تحت حكم كان راعيا وسندا لمتوسطي الحال والفقراء والمحرومين.. وفر لهم التعليم المجاني، والعمل الكريم، والرعاية الصحية اللازمة، وهذا التناقض الحاد بين زمنين جعل من هذه المحافظة واحدة من أكثر المحافظات وعيا، علي المستويين السياسي والاجتماعي، وتصادمت عودة الإقطاع وانتزاعه للأرض من الفلاحين مع حدة الوعي وارتفاعه، فشهدت قراها قلاقل وصورا عدة من عدم الاستقرار، وترتب علي ذلك وضعها تحت طائلة العقاب المستمر والتأديب الدائم، من أجل تمكين الإقطاع العائد من استعادة نفوذه، ومن ذلك منع وصول ممثلين حقيقيين عنها إلي مجلس الشعب، وكان هذا يستلزم تعيين المحافظين من بين رجال الشرطة الأشداء القساة. والمحافظ الحالي رأس أخطر أجهزة الأمن المصرية، معروف بجهاز أمن الدولة.. وهو اللواء صلاح سلامة، وشغل هذا المنصب برغبة شخصية من حسني مبارك، ومن ثم كلف بإسقاط النائب القومي الناصري حمدين صباحي. إلا أن الرياح أتت بما لا يسمح بسير مراكب صلاح سلامة في بحر كفر الشيخ المتلاطم، وكان السبب مخزيا وطريفا في آن. ومن بين مشاكل البرلس أنها مسقط رأس، حمدين صباحي، وواحدة من قري تقع في دائرته الانتخابية، وعندما قرر خوض الانتخابات كان يعلم أن التعليمات لدي المحافظ تقضي بإسقاطه بأي ثمن، مقابل مكافأة كبيرة.. منصب وزاري.. وكانت عين المحافظ علي وزارة الداخلية، للثأر من غريمه حبيب العادلي، المتهم بأنه كان وراء إبعاده عن منصبه المرعب. ورتب لكل شيء. فالمنصب الكبير في انتظاره، والثمن بسيط، اعتاد علي دفعه مرات ومرات. وتشاء الظروف أن يحط السفير البريطاني، في جولته، التي كان يتفقد فيها سير الانتخابات، رَحْلَه في كفر الشيخ، ويصل إلي دائرة الحامول، التي تتبعها البرلس . وشُلّت يد المزورين، وتظاهر المحافظ بالحياد مضطرا. فكسب حمدين المقعد النيابي، وخسر المحافظ الوزارة، وكان رد الفعل ارتفاع وتيرة التأديب وزيادة جرعة العقاب، وحرمان الدائرة من الخدمات. فالخدمات من نصيب الحزب الحاكم فقط، وانقطاع المياه جزء من التأديب والعقاب، وعادت نتيجة هبة الأهالي. والمحافظ الذي هزمه السفير البريطاني في المرة الأولي. هزم في موقعة البرلس في المرة الثانية ، علي الرغم من أنها أعمال كفر الشيخ المعذبة، وليست من توابع شرم الشيخ المدللة!!. والراصد لما جري خلال السنوات القليلة الماضية، يكتشف أن النضج السياسي والاجتماعي للمواطن ارتفع إلي مستوي المبادرة، والاستجابة لمحفزات المطالبة بالحقوق، والمحفاظة علي بقايا المكاسب المتاحة. ويكشف أثر انتشار ثقافة الاحتجاج عليه. والمواطن لمس، مع هذا التطور، أن التحالف الشيطاني، المدعوم من لصوص الخصخصة والمحتكرين وكبار المسؤولين، ووكلاء الشركات الأجنبية ومافيا الأراضي. لمس أن هذا التحالف انتقل من موقع الهجوم إلي الدفاع، فقد اتسع خِرْق العصيان والاحتجاج علي راتق الأمن و الحكم العائلي . والفضل في ذلك يعود إلي الروح الفدائية التي ميزت تحرك الجماعات الجديدة، التي ولدت من خارج رحم النظام السياسي، بشقيه في الموالاة والمعارضة، وتحَمّل حركة كفاية وأخواتها ضغوط الأمن وملاحقاته، وتحديها لظروف لم تكن مواتية، وتشجع المواطن علي التطلع إلي الاندماج في عمل جماعي أكبر وأكثر اتساعا، فتهيأت الأذهان والنفوس لتقبل دعوة العصيان المدني والعمل من أجل تحقيقه. وإذا تأملنا الواقع نجد أن مصر في حالة عصيان مستمر، إلا أنه مجزأ وموزع بين جزر متباعدة، تحتاج إلي جسر يصنع يابسة متصلة جامعة، ويربط الجزر المتباعدة ببعضها. خاصة أن الدعوة راعت ألا تكلف المواطن فوق طاقته، وحصرت طلبها في بقائه في بيته لا يبرحه، وحرصت ألا تعرضه للصدام مع الشرطة والبلطجية، واتاحت له ما هو ممكن له وفي مقدرته، لتثبت أنها لا تسعي لإيذائه، إنما تريد تفاعله ومشاركته، والسعي معا لاستكمال كسر حاجز الخوف وهدم جدار السلبية، والتعلم الذاتي من التجارب والمحاولات، حتي تكون المواجهة مع حكم شديد التجبر والبطش ناجعة وفاعلة. وحتي لو بدت المواجهة بالصمت. فليس ذلك صمت السلبي قليل الحيلة، إنما موقف القادر ذي العزم، وهو في أحيان كثيرة أخطر وأكثر جدوي من الكلام والصراخ. فصمت الشعب سحب للاعتراف، وإنذار بوقف التعامل، وهذا ما لا تفهمه أو تعيه العائلة الحاكمة ، بما أصابها من عقم وبلادة وفقدان للحس الإنساني. أفقدها قدرة التعرف علي ما يحيط بها، وإلا كانت قد انسحبت وأدبرت من زمن. العصيان المدني يفتح الطريق أمام حلول غير انقلابية، ويقطعه علي جماعات سرية تحاصرها الشكوك، ويطمئن المواطن إلي تراجع عوامل الفوضي، فالحراك السلمي، ووصول الفعل الإيجابي إلي هذا المستوي، يملأ الفراغ، الذي لو ترك غائبا يكون باعثا علي الفوضي، والقواعد التي ارتضاها المواطن لضبط العصيان تخلق أوعية وقنوات تحتوي فيضان السخط المتدفق، عكس الفوضي، التي تتفجر طوفانا، لا يجد من يضبطه أو يوقف من اندفاعه. والعصيان في النهاية باب لتغيير ملح، دون جراحة أو عملية قيصرية، إذا ما اندلعت الفوضي وفرضت نفسها. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 21 جويلية 2007)  

التنكيل بالعربية
 
عزت القمحاوي نتباكي علي تدهور اللغة العربية، ونلقي بالاتهامات أحياناً علي قوي غامضة هدفها تدمير لغتنا الجميلة. وقد أصبحت صفة الجمال مبتذلة من كثرة ما ترددت في غياب كل صدي للجمال فيما نستخدم من لغة. والحق أقول لكم إن أعداءنا ـ ولو اجتمعوا ـ لايقدرون علي إيذاء اللغة العربية مثلما يؤذيها منهج التعليم الحالي. في كل السنوات الدراسية تحظي كتب العربية بمقدمات تمتدح جمالها الذي لن يتوفر عليه الطالب بين غلافي الكتاب، فالجمال كلمة تلقي، وكأن للسادة المؤلفين قوة إلهية، يقولون لهرائهم كن جميلاً فيكون. لا يبدو في أي من سنوات التعليم قبل الجامعي أن الجمال هاجس لدي مؤلفي الكتاب، لأن عبودية الكراكيب أصبحت منهجاً في التفكير يتسلل من حياتنا العملية حتي في التعامل مع الأشياء غير المادية كتأليف كتاب في اللغة العربية. فتبدو فكرة الحشد واضحة تماماً ويبدو الكتاب مثقلاً بقضايا درسها الطالب حتي عافها في مواد أخري. ولكي لايكون الكلام نظرياً أتوقف اليوم أمام كتاب اللغة العربية للثانوية العامة، التاج البائس للتعليم الأساسي. للكتاب أحد عشر مؤلفاً وتسعة مراجعين، ثمانية عشر منهم من حملة الدكتوراه. وفي المقدمة التي تمثلهم جميعاً يخاطبون الطلاب: ها هو كتابكم اللغة العربية وآدابها، بذلنا فيه غاية جهدنا من أجل أن يكون قادراً علي اقناعكم وامتاعكم.. من أجل أن يكون أهلاً لانتقائكم ولاقتنائكم.. ومن أجل أن ينتصر لعلوم العربية علي الوجل منها أو الوجوم تجاهها.. ومن أجل أن يساعدكم علي استثمار وقتكم في التحليل والتعليل بأكثر من الاستذكار أو الاستظهار . ونكتفي بهذا الاقتباس الذي يوضح الاستعراض اللغوي، وقد أخذ السجع كاتب أو ديوان الإنشاء الذي اشترك في المقدمة إلي متاهة من افتقاد المعني، ويكفي أن نتوقف أمام الجناس الناقص الزلق (الانتقاء والاقتناء) لنسأل كاتب هذه الكلمات: هل هذا المقرر اختياري من حق الطلاب أن ينتقوه أو يلفظوه؟! الحديث يبدو موجهاً إلي رب عمل، وليس إلي الطلاب (لقد عملنا المطلوب) لأن مضمون الكتاب يعمل تماماً عكس ما جاء بالمقدمة، ويبث الوجل والوجوم والوجد في نفوس رهائن المنهج. وأول ما يصدمنا هو مقرر القراءة الذي يبدأ كل درس من دروسه ببرواز يحدد الأهداف بدقة ببغائية (الأهداف: في نهاية هذا الموضوع ينبغي أن يكون الطالب قادراً علي: الخ). ويضم المنهج ثماني مقالات، كل منها يحمل رسالة معرفية وأيديولوجية مختلفة،ولا يجمعها أي سياق جمالي، وهو ما ينبغي أن يكون هاجس كتاب لغتنا الجميلة . المقال الأول عن القيم الإنسانية في الاسلام، والثاني عن العلم في الاسلام، والثالث عن مدينة القدس، والرابع عن الأرقام العربية، والخامس عن الأساليب، والسادس عن قضية السكان، والسابع عن اليوجينيا (فكرة الانتقاء البيولوجي) والثامن لمحات من حياة العقاد. وهكذا يبدو كتاب القراءة غرفة خزين بائسة، بها الفائض عن الحاجة من كتب الدين والاقتصاد والعلوم، والقطعة الوحيدة المسكونة بهاجس اللغة وجمالها هي (أسلوب وأسلوب) وهي مجتزأ خفيف الروح ليحيي حقي في صفحتين اثنتين، بينما يعقبها مقال عن قضية السكان، أجتزئت من عجينته اللغوية فقرة، وليخبرنا ديوان الإنشاء إن كان فيها ما يمكن أن يقنع أحداً بجمال العربية: علي أنه ينبغي توخي الحذر بالفعل من مجرد الانسياق وراء الآمال، فالمعروف أن متوسط النمو الاقتصادي لكثير من الدول النامية لايتعدي المعدلات العالية الحالية للنمو السكاني ويخشي من أن كثيراً من تلك الدول يمكن أن تظل محشورة في مرحلة التحول السكاني ولاتستطيع الإفلات منها إلي المرحلة التالية، وذلك بسبب أن الظروف التي أتاحت للدول المتقدمة أن تنمو ليست متوافرة الآن للدول النامية، خاصة الدول التي تناضل بالفعل من أجل البقاء تحت ظروف المبالغ الرهيبة المطلوبة لخدمة الديون . طال الاقتباس لكنه مجرد ثلث جملة الكاتب، وعلي من يريد إكمالها أن يرجع إلي كتاب اللغة العربية للثالث الثانوي صفحة 24. والسؤال الآن: هل يمكن أن نكسب قضية السكان أو قضية اللغة بمثل هذا الأسلوب؟! (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 21 جويلية 2007)


تونس، في 20 جويلية  2007

دور المؤسسات والمراكز البحثية الجادة للاهتمام بقضايا الأمة المصيرية

 
لقد تعددت المؤسسات والمراكز البحثية العربية ولكنها قليلة بل نادرة, تلك التي تعمل من منطلقات أكاديمية للتوقف عند بعض الملفات الدقيقة لاستشراف رأي المتخصصين ونشر نتائجها بعدة لغات, ثم إبلاغها إلى الدوائر المعنية بذلك, عربية كانت أو دولية, بل أننا نشاهد مدى تدخل عديد الدوائر الأجنبية للتأثير على هاته المراكز والعمل على تحجيم اهتمامها بمثل هاته القضايا, وهو ما يبرز مدى نسبية المبادرات التي أنجزت لأغراض دعائية وسياسوية… وفي هذا الإطار, كم يسعدنا حقا أن نوجه اليوم للقارئ العربي والدولي أيضا, النص الاستثنائي حول  دارفور : الصراعات الداخلية والخارجية ورهانات المستقبل, وهو نص سمينار الذي نظمناه لهذا الغرض مع سعادة سفير السودان عبد الوهاب الصاوي بتاريخ 7 جويلية/تموز 2007 على منبر مؤسستنا, ثم قيامنا بتسجيل كامل للحوار البناء الذي أجريناه مع سعادته. أليس خليق بالدوائر العربية والسياسية العليا, تفعيل الحوار العربي-عربي لكل قضاياه المصيرية, بدل الركون إلى دوائر القرارات والتقارير الدولية والجرائد الأجنبية, لفهم المتغيرات الجيوسياسية على أرضها ؟ نوجه إذن حصيلة هذا السمينار ذي البعد الدولي حول دارفور, مؤملين أن يتوقف البعض منهم على الأقل حول هذا النص الاستثنائي ويستخلصوا العبرة منه في هذا الاهتمام الجدي والعلمي لقضايانا السياسية, ثم ليساهموا من مواقعهم في إيجاد تيار تأثير عربي ودولي قوي للدفاع عن أمن وسلامة السودان الترابية, وتلك هي الرسالة التي تعمل مؤسستنا على بثها وإبلاغها للجميع. كلمة شكر وتقدير بالغين لسعادة سفير السودان بتونس الأستاذ عبد الوهاب الصاوي الذي شرف بلده بامتياز, ومنح لمهنة السفير قيمة ثابتة وفاعلة, تقطع تماما مع روتينية المهام التقليدية التي يؤديها السفراء عموما. فليتفضل من جديد بقبول شكرنا وتقديرنا. الأستاذ عبد الجليل التميمي

سيمينار حول الدراسات الدولية مع سعادة سفير السودان الأستاذ عبد الوهاب الصاوي خلف الله حول ملف:

دارفور: الصراعات الداخلية والخارجية ورهانات المستقبل

يوم السبت 7 جويلية 2007

 
د. عبد الجليل التميمي: كم يسعدني في هذا السيمنار ذي البعد الدولي، أن يكون ضيفنا اليوم الأستاذ عبد الوهاب الصاوي(*) سفير السودان بتونس ، كما يشرفنا أيضا أن يكون معنا هذا الصباح مندوب الجماهيرية السيد مختار النقاصة وكذا سفير المغرب بتونس الأستاذ نجيب زروالي وارثي وسفير سوريا الدكتور فيصل علوني وأيضا عدد من الوزراء السابقين ومن الشخصيات التونسية الجامعية والثقافية. والحقيقة فأن انفتاح المؤسسة على بعض الملفات الدولية، هو انفتاح جديد وذلك بعد نجاح المؤسسة في سيمنارات الذاكرة الوطنية، والذي كان وراء انفتاحها على إشكاليات المعرفة على الصعيد الدولي. واليوم نأخذ المبادرة بالتنسيق مع سعادة سفير السودان بفتح ملف دقيق وحرج هو ملف دارفور. والأستاذ الصاوي يعد من بين السفراء القلائل الذين يتقنون عدة لغات (الفرنسية والأنقليزية والإسبانية) ونحن بلا شك سعداء أن نتواصل مع خبراء من صنف الأستاذ الصاوي. لقد أخذ ملف دارفور أبعادا خطيرة خلال السنوات الأخيرة وازدادت أهميته خلال المدة الأخيرة، حيث انعقد اجتماع بمجموعة من الخبراء الأمريكان والأوربيين بباريس وسينظم بعد عشرة أيام مؤتمر بطرابلس بحضور السودان وليبيا والتشاد وإريتريا لدرس هذا الملف. والمجتمع التونسي بدوره يرغب في الاطلاع على دقائق هذا الملف والتساؤل بشأن خلفيات هذا التهافت على قضية دارفور، وهل يعود ذلك إلى الثروات الباطنية الهائلة، خاصة وأن دارفور تقع على بحيرة بترول خيالية، ولماذا اقتصر التناحر على فصيلين فقط؟ وهل من رؤية مستقلة لإيجاد حل وإرجاع الثقة في هذا الفضاء السوداني العربي؟ واليوم نرغب في فهم هذه الجوانب من سعادة السفير حتى نطمئن على مصير دارفور، لأن قلوبنا معكم ومع الأمن ومع السلم ومع إرجاع الحق إلى نصابه. كما نود التعرف إلى هؤلاء الجانجويد وهل هم فعلا فرقة من الفرق العسكرية السودانية؟ ستكون الأسئلة المطروحة على قدر من الصراحة والصرامة حتى نتعرف إلى حقائق الأمور. ونحن حقا سعيدون بحضور سعادة سفير السودان بيننا لإطلاعنا على خبايا ملف دارفور الذي لم يهتم به كثيرا الرأي العام التونسي. وقد أخبرني السيد الطيب البكوش، أن هناك ملفا سيعرض يوم 21 من هذا الشهر حول دارفور أيضا، ولكن للأسف لم نتوصل إلى صياغة أوجه التنسيق بيننا. وفي غياب ذلك أخذنا هذه المبادرة لأهمية الملف ولاستراتيجيته حتى نفهم الحقيقة من عدمها. والآن أحيل الكلمة إلى سعادة السفير، فليتفضل. الأستاذ عبد الوهاب الصاوي: أشكر الدكتور عبد الجليل التميمي على هذه الاستضافة وشكرا للسادة السفراء والوزراء والخبراء وللإخوة الباحثين والأكاديميين على تفضلهم بالحضور في هذه الندوة وفي هذا الجمع، لأني سأعتمد كثيرا على أسئلتكم وعلى تفاعلكم أكثر من الاعتماد على الورقة التي أعددتها للغرض، وأن الدافع الكبير لإقدامي على المشاركة في هذا اللقاء، هو حضوري في بعض سيمنارات هذه المؤسسة الكريمة والمضيافة وتأكدي من رقي مستوى الحوار الذي يجري في لقاءاتها العلمية. وقد تأكدت لدي قيمة حوارات الذاكرة الوطنية وبقية الحوارات القيمة. والأهم هو درجة ديمقراطية الحوارات رغم مرارات التجارب الماضية. وأنا كسوداني، ورغم ما عايشته من أحداث الاقتتال والتصادم، فإني عند حضوري بهذه الاجتماعات في هاته المؤسسة، كنت شاهدا على نوع راق من النقاش يعاودني الأمل في الانفتاح الديمقراطي وقبول الآخر في بقية أرجاء العالم العربي. وأنا بوصفي سفيرا لبلادي، لا أستطيع أن أضع نفسي في إطار الباحثين الأكاديميين الذين يقدمون عملا بشروطه المنهجية المعروفة، لأننا كديبلوماسيين أميل إلى الانتماء إلى حلقة السياسيين الممارسين للمهنة. وإن شاء الله أن لا تكون هذه المحاضرة على نفس وتيرة ونغم المحاضرات السياسية المملة، بل سنعمل على تقديم مقاربة، هي إلى الحقيقة أقرب وفي نفس إطار وجهة نظر الحكومة لأني الممثل الشخصي لحكومتي، ومن هذا المنطلق سأبدأ محاضرتي بالتذكير ببدايات مشكلة دارفور التي برزت بقوة إلى واجهة الأحداث في السودان والعالم منذ عام 2003. وبدأ التساؤل يتردد في كل العالم عن هذه المنطقة، التي أصبحت محل زيارات وقرارات دولية وإقليمية هامة. فقد تضافرت عوامل داخلية وخارجية في التطورات الدرامية للأزمة التي أبرزت في وسائل الإعلام الغربية بتجاهل لجذورها ومسبباتها وتضخيم لتداعياتها بتشكيل صورة نمطية عن ممارسات فظيعة لما يسمى بالجنجويد، وجرائم إبادة جماعية واغتصاب كذرائع للتدخل الأجنبي بوصفات إنسانية. إن دارفور سلطنة قديمة تداخلت عبر التاريخ مع مثيلاتها من سلطنات التنجر ووداي وكانم برنو غرباً وممالك كردفان وممالك النيل في السودان الحالي شمالا. تأثر هذا التداخل والحركة السكانية بعمق بدخول العروبة والإسلام، ونتج عن هذا التنوع والاختلاط العربي الأفريقي الموزايك الذي يشكل التركيبة السودانية بكل وحدتها وتناقضاتها. ينقسم إقليم دارفور في غرب السودان إلى ثلاث ولايات، وفق قانون الحكم الفيدرالي لعام 1994، وتمتد حدوده مع ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى، وتبلغ مساحته حوالي 570 ألف كيلومتر مربع وعدد سكانه يفوق 6 ملايين نسمة، من قبائل الفور والزغاوة والمساليت والبرتي والتاما والبرقو والرزيقات والتعايشة والمسيرية وبني هلبة والمعاليا والسلامات والمحاميد والمهيرية والترجم وغيرهم. واللغة العربية هي لغة التخاطب المشتركة بين هذه القبائل التي من بينها من له لغة خاصة ومن يتحدث العربية فقط. ويدين كل سكان الإقليم بالإسلام، ويطلق على دارفور دار القرآن، لكثرة حفظة القرآن فيها. -الجذور الداخلية للصراع: أسباب النزاع الداخلية في دارفور لا تختلف عنها في بلدان مماثلة بين تشكيلات قبلية مختلفة، وضعف في التنمية وتنازع على الموارد الشحيحة من مياه ومرعى وضعف عمليات بناء الأمة وإدارة الدولة الحديثة. فقد أدى الجفاف الذي ضرب منطقة السهل الأفريقي في الثمانينات إلى انهيار العلاقة التي كانت حميمة بين فئات المزارعين والرعاة. وبدلاً عن تبادل المنافع والمصاهرات التي كانت سمة هذه العلاقة، دخلت القبائل في صراعات على المياه بخروج الرعاة من مساراتهم التقليدية، للرعي والدخول في أراضي المزارعين، الذين سدوا بدورهم الآبار وحرقوا القصب الذي كانت تقتات عليه حيوانات الرعاة. ونستطيع القول إن دارفور واحدة من ضحايا التغير المناخي العالمي الذي ترفض الولايات المتحدة توقيع اتفاقية كيوتو لتخفيف آثاره . ومن اضطراب الأحوال وانتشار الأسلحة، نمت ظاهرة عصابات النهب المسلح، وتشكلت المليشيات القبلية في ظروف ضعفت فيها قبضة الإدارة الأهلية. وبدأ شباب دارفور ممن عانوا من البطالة والصعوبات في بلاد المهجر، بتنظيم أنفسهم لمواجهة ما أسموه بالتفرقة والتهميش. ولم تكن القيادات السياسية التقليدية قادرة على الإحاطة بأزماتهم لحلها واستيعاب طموحاتهم لتبنيها. وكان أوار الحرب الأهلية في الجنوب قد استعر، وبذلت أثناءها، الحركة الشعبية قائدة التمرد في الجنوب، الجهود لخلق بؤر للتمرد في ما أسمته بالمناطق المهمشة بشمال السودان لتخفيف الضغط عليها، فكان لها دور في دعم وتسليح المليشيات المسلحة في دارفور وتغيير منحى النزاع من صراعات قبلية إلى قتال ضد الدولة القائمة. وقد تشكلت في عام 2002، حركة تحرير دارفور التي تحولت إلى اسم حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور. وتكونت في عام 2003 حركة من الإسلاميين بقيادة د. خليل إبراهيم تحت مسمى العدل والمساواة. وشنت الحركتان هجمات على نقاط الشرطة والجيش واستهدفتا مطار الفاشر في أول هجوم كبير في أبريل 2003. ومعظم عناصر هاتين الحركتين من قبائل الزغاوة والفور والمساليت مما سهل على ذوى الأغراض توصيف النزاع تبسيطا بأنه بين قبائل عربية وأخرى إفريقية. وحقيقة الأمر غير ذلك إذ أن الصراعات فيه كانت شتى، بينما ما دار بين قبيلتين عربيتين وهما قبيلتا الرزيقات والمعالية بشأن الأراضي الرعوية. والعرب في السودان لمن لا يعرف هم سود البشرة ويشبهون إلى حد كبير الأفارقة مع فارق وحيد بين هذا وذاك هو من يتحدث اللغة العربية ومن لديه لغة ثانية إلى جانب العربية. -التدخل الخارجي ودوافعه: منشأ العديد من النزاعات بين الدول الأفريقية وداخل هذه الدول، كان دائما قضية الحدود الوهمية الموروثة من الاستعمار والتداخل القبلي على طرفيها وهي دول حديثة الإنشاء. هذا ما يعني أن مفاهيم الأمة والدولة لم تكن راسخا بحكم سيطرة العلاقات القبلية وعلاقات القرابة والمصاهرة على الانتماء القومي. وكان ذلك سببا في اتساع رقعة النزاعات الداخلية إلى نطاق إقليمي وربما دولي. وعلاقة دارفور بجيرانها ليست استثناء من هذه القاعدة. لقد كان حصول تشاد على الاستقلال بسيطرة الأقلية الأفريقية المدعومة من فرنسا على حساب القبائل ذات الأصول العربية والمسلمة، سبباً في اندلاع الحرب الأهلية فيها. وكان التداخل القبلي وراء إنشاء منظمة فرولينا في نيالا بالسودان عام 1964، وبدء نشاطها عبر الحدود بين البلدين. منذ ذلك الوقت أصبحت الحرب الأهلية في تشاد مصدرا للتوتر في علاقات الدولتين، وأذكر تبادل الاتهامات آنذاك بين الصادق المهدي كان رئيس الوزراء السوداني، وتمبلباي رئيس التشاد، وكادت أن تؤدي إلى أن تندلع الحرب بين السودان والتشاد لولا تدخل بعض الأطراف لإنهاء الأزمة. وهكذا انطلقت حركة تسلح القبائل السودانية المتمردة بالتشاد والقبائل التشادية المتمردة بالسودان، وعجزت الحكومات عن إيقاف تحركات المتمردين عبر الحدود. وبدلا من ذلك تبادل الطرفان التهم بالتدخل. وانعكست تداعيات الحرب الباردة في ذلك الوقت، والحرب الليبية التشادية على قطاع أوسع والصراع بين مصر والسودان من جهة وليبيا وحليفاتها من جهة أخرى، على الإقليم باستقطاب هذا الطرف أو ذاك لتحالفات القبائل وإنشاء الجيش الإسلامي والمليشيات من كل حدب، مما أوجد ظروف اضطراب أدت بدورها إلى تكوين عصابات للنهب المسلح وبؤر للتمرد عبر المنطقة. إن عدنا إلى الوراء وجدنا أن السياسة الاستعمارية الغربية تجاه السودان، ظلت سياسة مستمرة للتفرقة والإضعاف ومحاولات التركيع. فقد عمل الإنجليز على بذر الفتنة في جنوب البلاد بإصدارهم قانون المناطق المقفولة عام 1920، لمنع أي صلات ثقافية ودينية بين الشمال والجنوب بدعوى محاربة الرق والسماح للتبشير المسيحي. إذن تم عزل الجنوب وفرض على الشمالي الحصول على تأشيرة للدخول إلى الجنوب، ومنعوا سكان الجنوب ارتداء الجلابية والطاقية العربية ولا يستعمل الأسماء العربية (كعلي ومحمد..) وتعللوا في ذلك بأنهم يحاربون الرق، بينما سمحوا للبعثات التبشيرية بالدخول المنظم وبالتالي كرسوا عملية التفرقة وعند الاستقلال أشاعوا أن الشمال سيفرض سيادة العربي وامتلاكه للجنوبي كرقيق. وشجعوا بذلك التمرد انفجارا بالجنوب قبل 4 أشهر من إعلان الاستقلال عام 1956. وعمقوا جذور الاختلافات الطائفية في العمل السياسي بالشمال نفسه، الذي أصبح هو الآخر يقوم على أسس طائفية (الختمية وأنصار المهدي و…) إذن تمت تقوية الطوائف الدينية عن الطرق الصوفية ثم أقحموهما في صراع داخلي. ولكن السودانيين برهنوا على مقدراتهم في فض النزاعات بحل مشكلة الجنوب بتوقيع اتفاقية أديس ابابا عام 1972 بين النميري وحركة الأنيانيا من الجنوبيين، لكن الحرب عادت من جديد سنة 1983. حتى انتهت بتوقيع اتفاقية السلام الشامل بنيروبي في يناير 2005. وبدلا من استقطاب الدعم الدولي لبناء السلام، بذلت مجموعات اليمين المتطرفة في أمريكا والمخابرات والمنظمات المشبوهة في الغرب، جهوداً في تحريض التنظيمات بدارفور على التمرد على الحكومة. وتم إنفاق الملايين من الدولارات في حملة إعلامية هائلة، لإبراز صورة الأوضاع في دارفور على أنها إبادة وتطهير عرقي، مثلما أثاروا مسألة أسلحة الدمار الشامل لغزو العراق. تتعدد الأهداف الخفية لأمريكا في تصعيد الأوضاع بدارفور. فقد وعدت السودان برفع العقوبات وعودة السفير ورفع الحظر واسم السودان من لائحة الإرهاب الدولي بعد توقيع اتفاقية السلام بالجنوب، ولم تفعل. وبذلت نفس الوعود قبل التوقيع على اتفاقية أبوجا للسلام بدارفور، ولم تف بها، إذ لا يوجد بالسودان سفير للولايات المتحدة الأمريكية ولا يزال اسمه في قائمة الدول المغضوب عليها ولا زال تحت طائلة العقوبات المفروضة عليه. بل يلاحظ أن قرارات الحظر والعقوبات تصدر كلما كانت الظروف مواتية للسلام. فمثلا أصدر بوش في الشهر الماضي، مجموعة من العقوبات في الوقت الذي قبل فيه المتمردون حضور المفاوضات، ومع ذلك قررت أمريكا إصدار عقوبات جديدة ضمت قائمة من الشركات وأهمها شركات النقل التي كانت أساسية لإيصال المساعدات الإنسانية وشركات الطيران ومشروع الجزيرة… وهي شركات هامة في خلق أمن وسلامة السودان وإنمائه، ومع ذلك صدرت ضدها عقوبات بدعوى أنها عقوبات ضد حكومة السودان، وفي الحقيقة لم تسقط، في حين تواصلت معاناة الشعب السوداني من العقوبات. والدافع الأكبر لما ذكرنا آنفاً، هو إضعاف السودان وتركيعه بحيث يتنازل عن الجرأة التي تعاملت بها حكومته بإعلان مشروعها الإسلامي وفي استقلالية مواقفها الدولية، برفضها القوات الدولية في حرب الخليج الثانية وإدانة احتلال العراق ورفض أي تعامل مع إسرائيل. وترى مجموعات الضغط اليمينية المتطرفة والصهيونية أن هذه المواقف المستقلة، خطرا لا بد من اقتلاعه. وذلك رغم الحديث على أن حكومة السودان متعاونة في محاربة الإرهاب وكان هذا بهدف خلق مشاكل بيننا وبين الإرهابيين. ونحن لا نعرف إن كنا ضحية الإرهاب أم أننا نحن أنفسنا كإرهابيين؟ وكان قرار استغلال البترول وتصديره بفتح الأبواب أمام شركات صينية وماليزية وهندية، خروجا على أهداف أمريكا في السيطرة على مصادر النفط في إفريقيا كبديل لنفط الشرق الأوسط وتعتبر بعض الدوائر الغربية أن السودان بثرواته المائية والفلاحية والبترولية والمعدنية، وتركيبته الاثنية والثقافية وموقعه الجيوسياسي الرابط بين العرب وإفريقيا يشكل خطراً إن توحد واستقر وتنامى. وتشاركهم في تلك الوساوس بعض الجهات في دول الجوار التي ترى أن قوتها في إضعاف السودان الذي قد تأتي المعارضة إلى مقاعد الحكم من أبوابه. -تطورات الأوضاع: كان موقف حكومة السودان المبدئي ول ازال، أن قضية دارفور هي قضية تنمية وبناء الأمة ولا تحل إلا بالوسائل السلمية. وعندما انفجر التمرد، واجهته الدولة بقوة السلاح ودحرته لإعادة هيبة الدولة وأمن المواطنين. واتبعت الإجراءات العسكرية بعقد مؤتمرات الصلح الداخلية، وقبول الوساطة التشادية مع حاملي السلاح ثم التوصل معهم لاتفاقية أبشي واتفاقية أنجمينا في 8 أبريل 2004، وقبلت بدخول الاتحاد الأفريقي الوليد في مراقبة وقف إطلاق النار. غير أن التشجيع الذي وجده المتمردون، مكنهم من استعادة عملياتهم إذ يكفي أن يقوم ثلاثة عناصر فقط من المتمردين بإطلاق النار، حتى يقع تصويرهم وتقام بذلك الدعاية والحملة الإعلامية الغربية الضخمة بشأن انعدام الأمن وتدفق اللاجئين والنازحين على المعسكرات وقدوم المنظمات الدولية والطوعية، بذريعة معالجة القضايا الإنسانية وشكل ذلك عوامل إذكاء المشكلة وتحويلها إلى قضية تشغل الأجهزة الدولية بمختلف مصنفاتها. وكان موقف الحكومة ثابتاً في التعامل بمرونة مع المجتمع الدولي بالحوار وفن الممكن مع تأكيد الموقف المبدئي بأن القضية داخلية يمكن حلها بالتفاوض على أن يكون الدعم الإقليمي في مراقبة وقف إطلاق النار والعمل على نزع متزامن لسلاح المتمردين والمليشيات القبلية المنفلتة، وتسهيل العودة الطوعية للاجئين والنازحين وتقديم الإغاثة والخدمات لهم في قراهم بدلاً عن تشجيعهم للبقاء في المعسكرات. واستقبلت الحكومة الأمين العام السابق للأمم المتحدة في يوليو 2004 في دارفور، ووقعت معه خارطة طريق بشأن المسيرة السلمية والمسائل الإنسانية. ومنذ ذلك التاريخ انهالت زيارات كبار المسؤولين الغربيين وغيرهم على دارفور: كولن باول وتوني بلير ودو فيلبان والقائمة تطول حتى وفد البرلمان الأوربي الأسبوع الماضي. جرت جولات مفاوضات السلام، بتعثر بعد انتقالها من انجمينا إلى أبوجا، بسبب العقبات المتأتية من الانقسامات في صفوف المتمردين، ورفضهم الالتزام بوقف إطلاق النار وتحديد مواقعهم، وإثارتهم للفتن بالهجوم على القبائل ونهب مواشيها مما أدخل المنطقة في صراعات قبلية مدمرة للنسيج الاجتماعي للإقليم. وتم إلصاق صفة الجنجويد على القبائل العربية، علما بأن الجنجويد « أي جندي مسلح على جواد » وهم عصابات نهب مسلح تولدت كالنبت الشيطاني في ظروف الاضطراب الأمني، ويقصد بعبارة « الجندي المسلح » التخويف للاستيلاء على الأموال، وكان هؤلاء الجانجويد يفتخرون بأنهم وبفضل مجرد تسلحهم برشاش ألماني، يكسبون من الأموال ما لا يقدر على كسبه المهاجرون للعمل بدول الخليج. ولكن الصفة جاءت لغايات سياسية تفريقية، لأن القبائل العربية المتنقلة بالصحراء الكبرى وحتى بجنوب تونس، ليست كلها قبائل مسلحة ولا تتعاطى السطو والاستيلاء على بقية القبائل. ولكن أجهزة الإعلام للأسف، ابتلعت الطعم وأذكت شوكة الجانجويد بفضل الحملة الإعلامية الجارية.. وبالالتزام بالصبر والمثابرة، تم التوصل لاتفاقية سلام دارفور في العاصمة النيجيرية يوم 5 مايو 2006 وقعتها حكومة السودان والفصائل الرئيسية لحاملي السلاح وممثلين عن الدول المراقبة ومن بينها الولايات المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية. وباشرت الحكومة تنفيذ الاتفاقية في مجالات المشاركة في السلطة بتعيين منى أركو مناوي رئيس الفصيل الموقع للسلام يوم 3/8/2006 في منصب مساعد رئيس الجمهورية، ورئيساً للسلطة الانتقالية لدارفور، وتم تعيين وزراء في المركز والولايات ونواب بالبرلمان القومى والبرلمانات الولائية. والمشاركة في الثروة بتخصيص مبالغ لتمويل التنمية بالإقليم والترتيبات الأمنية. وكذلك تم تعيين مفوضية لعودة النازحين واللاجئين. وبدأت المشاورات لعقد الحوار الدارفوري – الدارفوري، وتعيين عبدول محمد من أثيوبيا، لإعداد الترتيبات لهذا الحوار. كما قدمت الحكومة للاتحاد الإفريقي في يوليو 2006، خطة كاملة لنزع سلاح الجنجويد والمليشيات في الإقليم وفق الاتفاقية. وأهم شيء في هذا الموضوع هو النزع المتزامن للأسلحة، لأن نزع سلاح مجموعة دون أخرى يعني العودة للتسلح من جديد خاصة وأن التسلح اليوم من أسهل المسائل. لذلك فنحن دائما نلح على أهمية مسألة نزع السلاح المتزامن من كل الأطراف. نشير إلى أن توقيع اتفاقية أبوجا قد صحبه اتفاق ضمني بالضغط على الجهات التي ترفض التوقيع وفرض عقوبات عليها، حتى تعود إلى رشدها وتقبل تغليب السلام على مصالح قادتها. إلا أن الإدارة الأمريكية رأت عكس ذلك، بقرارها الرئاسي بفرض عقوبات جديدة على حكومة السودان، وباعثة على إثر ذلك، برسالة خاطئة للمتمردين ليتمادوا في غيهم. واستصدرت القرار رقم 1706 من مجلس الأمن الدولي، بتحويل قوات الاتحاد الأفريقي التي بلغت حوالي 7 آلاف جندي، عندما نضب عنها التمويل، إلى قوات للأمم المتحدة، على أن يرتفع عددها إلى 22 ألف جندي أممي، تعمل تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة، ودون اعتبار للقضاء والشرطة السودانية. كما أصدر المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية أمرا، رفضه السودان، بتسليم اثنين من السودانيين بينهما وزير للمحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. إن قرار مجلس الأمن 1706، إن قضي له التنفيذ كان سيضع السودان تحت الوصاية الدولية إذ ينص فصله السابع على الحد من نفوذ القضاء السوداني والشرطة السودانية، فكان لزاما علينا كدولة ذات سيادة أن نرفضه، والحمد لله أن تجاوزته الأحداث تماما. -العملية الهجين: ولكن رفضنا للقرار 1706، جعل البعض من المعارضين الداخليين يتهم حكومة السودان بأنها ستدخل السودان في معركة مع المجتمع الدولي، وطرحت إشكالية مقدرة السودان المسكين على مواجهة المجتمع الدولي. لذلك أصبح علينا أن نقبل بتنفيذ قرار 1706، وإلا فإنا سنواجه أمريكا ومجلس الأمن، ولنا فيما يحصل في العراق وفي أفغانستان المثال، خاصة وقد كنا متطلعين لمحدودية القوات الدولية التي يقتصر دورها على كونها مجرد مغناطيس لجذب الإرهاب، خاصة وأن منطقة الصحراء الكبرى، منطقة حساسة وقابلة أن تكون منطقة حرب متواصلة وإن تواجد القوات الأممية لن يزيد إلا في تعقيد الوضع، لأن هذه القوات أثبتت عجزها في خلق التوازن أو السلم. وجاء رفضنا للقوات الأممية ومن منطلق أنها ستكون خرقا لسيادة السودان، بالرغم من هذه المواقف الحادة والواضحة. لم يكن رفض السودان للقوات الدولية متعنتا، فقد رافقت حكومة السودان رفضها، بتعامل إيجابي مع المجتمع الدولي. فلم نترك مجلس الأمن والمجتمع الدولي لأمريكا فقط، نحن أعضاء بأجهزة الأمم المتحدة، لذلك دخلنا في مشاورات والتأم الاجتماع الإفريقي في نيويورك، ورفض خلاله القادة الأفارقة أنفسهم التدخل الدولي بالسودان، وتواصل عقد الاجتماعات على مختلف المستويات وبذل الإخوة الليبيون مجهودات جمة لجمع أطراف المجتمع الدولي، وانتهت هذه الاجتماعات بالاجتماع التشاوري بأديس أبابا في نوفمبر 2006 على وثيقة توافق تعطي الأولوية لتفعيل العملية السلمية التي باءت بوساطة يقودها الدكتور سالم أحمد سالم، عن الاتحاد الأفريقي ويان الياسون عن الأمم المتحدة، للعودة للتفاوض مع غير الموقعين لاتفاقية أبوجا. واحتوت وثيقة أديس أبابا إلى جانب حفظ السلام بالتوافق على مشروع دعم أممي على ثلاث مراحل: حزم دعم خفيف ودعم ثقيل وعملية مختلطة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، اصطلح على تسميتها بالعملية الهجين. وقد كنا قبلنا هذه الإجراءات بكل مرونة، لغاية دفع العملية السلمية بالسودان التي تمثل القضية الأهم وكنا متمسكين بأن تكون هذه القوات إفريقية. واعتمد مجلس السلم والأمن الأفريقي في نوفمبر 2006، مقررات أديس أبابا. كما اعتمدها مجلس الأمن الدولي بقرار رئاسي في ديسمبر 2006. وتم تعيين وزير خارجية الكنغو الشعبية رودلف أدادا، ممثلاً مشتركاً للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهو الآن بموقعه في السودان. وعلى هذا المنوال جرت اجتماعات في نيويورك وعلى هامش القمة العربية بالرياض، وفي المؤتمر الدولي بعاصمة الجماهيرية الليبية، كانت قد أجازت جميعها توافق أديس ابابا ودعت لتكامل مساراته السلمية وحفظ السلام، كما نبهت إلى ضرورة تنسيق وتوحيد المبادرات حتى لا نفقد الاتجاه. وهكذا أصبحت العملية مقبولة عالميا، على أن تكون وفق الإيضاحات التي قدمت للسودان وأن ترسل القوات الإفريقية قواتها للسودان. ولكن طرحت بالمقابل قضية تمويل هذه القوات الإفريقية، ومع ذلك بقيت العملية السلمية هي التي تشغلنا بالدرجة الأولى، لأننا نعتبر أنه بتحقيقنا للعملية السلمية، نكون قد قطعنا ¾ المشوار ويبقى الربع الأخير هي العملية الهجين. اكتمل الاتفاق على العملية الهجين وتفاصيلها في اجتماع الأطراف الثلاثة: الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وحكومة السودان يوم 12 يونيو الماضي بأديس أبابا، والذي قدمت فيه توضيحات أعطت العملية السياسية، موقعها كأولوية وأكدت أن القيادة والصبغة، إفريقية للقوات، مع تطبيق النظم الإدارية والمالية الأممية. وتمت تسمية الجنرال مارتن لوثر أوقوي من نيجيريا، قائداً للقوات المشتركة ويتولى الآن قيادة القوات الإفريقية حتى بداية العملية الهجين في ديسمبر القادم. وتوثيقاً للتعاون مع المجتمع الدولي، زار أعضاء مجلس الأمن الدولي الخرطوم والفاشر يوم 17 يونيو الماضي بدعوة من حكومة السودان، مما أكد جدوى الحوار البناء بين الأطراف المعنية. وهكذا تأكد الجميع من مصداقية السودان في تعاونه مع المجتمع الدولي وأصبحت إشاعات تعنت السودان إشاعات مغرضة ولا أساس لها من الصحة. وأقنعتنا بضرورة التعامل مع المجتمع الدولي من منطلق أن السياسة هي « فن الممكن » مع الإصرار على أن لا يكون السودان تحت الوصاية الدولية. ونشير في عجالة لمؤتمر باريس حول دارفور الذي عقده الرئيس ساركوزي يوم 25 يونيو الماضي، ولم يشارك فيه السودان ولا الاتحاد الأفريقي. وكان موقفنا المتحفظ تجاه المؤتمر، ناتجا عن رغبتنا في توحيد المبادرات كما جاء في بيان طرابلس. ولكن لا بد أن نقدر ما تمخضت عنه أعماله، خاصة إعطاء الأولوية للعملية السلمية واحترام سيادة ووحدة السودان، وتوجيه الضغوط على رافضي السلام ودعم الجهود الأفريقية – الأممية الجارية. إن الأوضاع الحالية في دارفور مستقرة لحد كبير. وتنعكس عليها خيراً، العلاقة مع الجارة تشاد التي تشهد تحسناً مستمرّاً. والتعاون مع المجتمع الدولي يسير في الاتجاه الصحيح بعد تفاهمات أديس أبابا حول العملية الهجين، والمجموعات المتمردة أصبحت أكثر ميولاً للسلام بعد الجهود التي بذلها النائب الأول للرئيس سالفا كير والوساطة الارترية، لتجميع صفوف المتمردين وسعي الجماهيرية الحميد لعقد اجتماع طرابلس يوم 15 يوليو الجاري لتحديد زمان ومكان التفاوض مع حاملي السلاح. هذه هي الإضاءات على طريق السلام، تشجعنا على رسم صورة متفائلة لمستقبل توفرت له معظم الظروف المواتية ليكون مشرقا. -آفاق المستقبل: تأكد لجميع الأطراف المعنية أن قضية دارفور سياسية في المكان الأول، ولا تحل بوسائل عسكرية. والمطلوب من المجتمع الدولي دعم العملية التفاوضية في إطار توسيع اتفاقية أبوجا، بضم الرافضين لها بتوحيد كلمتهم على برنامج سلام يطرح للتفاوض مع الحكومة بهدف الوصول إلى حلول دائمة للمسائل العالقة. وعليه نرى ضرورة أن يتكاتف أهل السودان، لتثبيت أركان نظام الحكم الفيدرالي الذي أصبح واقعا ملموسا، يأخذ شكله ويتطور بتنفيذ اتفاقية السلام الشامل بجنوب السودان واتفاقية سلام دارفور واتفاقية سلام الشرق، وبممارسة التقسيم العادل للسلطة والثروة بالتراضي في مناخ ديمقراطي. وهذه خطوة هامة في عملية بناء الأمة، على أسس جديدة قائمة على العدالة والديمقراطية والمشاركة الحقيقية للأطراف في اتخاذ القرار مع المركز. أن تتولى الدول الأفريقية مسؤولياتها وخاصة العربية منها للعمل على توفير القوات المطلوبة لحفظ السلام بدارفور. فالسودان حريص على إنجاح دور الاتحاد الأفريقي في فض النزاعات الأفريقية، حتى تتفادى القارة مغبات التدخل الأجنبي. وقد يكون تطاول أزمة دارفور ضارة نافعة لتجويد الممارسة والاستفادة من التجربة ونمو ثقة الأفارقة في أنفسهم لتحقيق نجاحات قادمة. وأن تتمكن الأمم المتحدة من توفير التمويل للقوات المشتركة في العملية الهجين، ودعمها بالقدرات المادية والفنية واللوجستية والإدارية، حتى لا يصيبها ما أصاب القوات الأفريقية من تقاعس الدول والمنظمات المانحة من الإيفاء بإلتزاماتها. هناك اتجاهات طيبة ظهرت في تقارير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومقال للأمين العام بان كى مون مؤخراً في الواشنطن بوست وتقارير، تعيد مشكلة دارفور إلى التغيرات المناخية والصراع بين المزارعين والرعاة على الموارد الشحيحة، كواحد من أهم جذور المشكلة. فإن هيمنت المقاربة البيئية والتنموية على النظرة العالمية تجاه دارفور، فإنه يمكن أن نجد مشروعات مثل مشروع حفر ألف بئر الذي اقترحه مؤخرا العالم المصري دكتور فاروق الباز، كما يمكن تفعيل وتمويل مشروعات تنموية تؤدي إلى تطوير نشاطات الإنتاج الحيواني وتحديد مسارات الرعاة وتقديم الخدمات لهم ولأنعامهم، وتطوير إمكانات الفلاحة للمزارعين بحزم تقنية لتنمية المنطقة ومواردها المائية ومنتجاتها الزراعية وتحديث الحياة في الإقليم لمصلحة أهله بكل قبائلهم وفئاتها الاجتماعية. ان يكون فتح باب الحوار بين أبناء دارفور حول قضايا الإقليم بديلا مقنعا للمواجهات المسلحة، وجهدا يعيد للنسيج الاجتماعي فيه رونقه، ويقدم الحلول لمشكلة تملك الأرض وتطوير الإدارة المحلية واستعادة هيبة أجهزة الدولة ومنع الإفلات من العقاب وتقوية أجهزة الحكم لضمان الاستقرار. وأن يتم ذلك في مناخ ديمقراطي يملك فيه الجميع بمختلف انتماءاتهم الأثنية والجهوية والاجتماعية، الحق في التعبير عن مصالحهم وإيجاد حلول سلمية للنزاعات بالتوازن بين الآليات الأهلية التقليدية وأجهزة الدولة الحديثة. إن توثيق أواصر التعاون مع دول الجوار، شرط أساسي لمنع تحويل المناطق الحدودية إلى قواعد انطلاق للمعارضة المسلحة من دولة إلى أراضي الأخرى. والعمل سويّاً بمساعدة المجتمع الدولي على تسهيل الانتقال وتبادل المنافع بتطوير البنيات التحتية وتسهيل انتقال الأشخاص والسلع حتى تغلب المصلحة في الاستقرار على الانتماءات القبلية والجهوية الضيقة وعليه فإن معالجة الأوضاع الأمنية بتنفيذ الترتيبات الأمنية وفق اتفاقية أبوجا، بعون من المجتمع الدولي، سيساهم في حل كل المليشيات وجمع سلاحها بصورة متزامنة لبث الطمأنينة وتنفيذ خطة التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج DDR ونزع الألغام وتأمين الطرق ومعالجة القضايا الإنسانية وفق الاتفاق الموقع بين حكومة السودان والأمم المتحدة بتاريخ 27/3/2007، يكون عبر السعي لدى المانحين من المنظمات والمتلقين من النازحين ليتجهوا بجهدهم لمعالجة المسألة الإنسانية من مقاربة تنموية وتشجيع وترتيب العودة الطوعية وتقديم الخدمات في القرى الأصلية لاستعادة العمل المنتج فيها وتصفية المعسكرات. إن السلام والاستقرار في السودان سينتج خيرا على الدول المجاورة ويساهم في استقرار القرن الإفريقي وتحويل وسط أفريقيا، والبحيرات، والكنغو وأنجولا إلى فضاء سلام وتنمية للانتفاع بالثروات المائية والمعدنية والطاقة الهائلة لمصلحة كل القارة الأفريقية والسلام في العالم بأجمعه. ولا شك أن قضية بهذا الحجم تستحق مساهمة الجميع. د. عبد الجليل التميمي: شكرا لسعادة السفير عبد الوهاب الصاوي على هذه البيانات الأساسية وهذا الشرح الناضج وهذه الاقتراحات البناءة في حل هذه المشاكل وكانت اقتراحات مستمدة بالأساس من تجربة السودان من خلال تبني الديمقراطية والكنفدرالية وتقسيم الثروات ومقاربة جميع الفصائل بكل خصوصياتها للحوار الداخلي والحوار الدولي. وهذا من شأنه أن يجنب السودان الحالي زلزالا تجاه مصيره في إقليم دارفور. وأرجو أن نثري هذه المحاضرة من خلال الحوار وتعلمون قيمة الحوار في تنويع وإثراء هذه المعلومات. د. أحمد جدي (أستاذ بجامعة سوسة): إني لسعيد بانفتاح الديبلوماسيين العرب في الحديث عن القضايا المعقدة في تاريخ العرب المعاصر، والتي تقتضي حرية الرأي والتعبير. ومن وجهة نظري ليست مسألة دارفور مسألة معزولة عن بقية قضايا التدويل في العالم العربي، إذ تعود العرب على تدويل قضاياهم. وينطوي تدويل تاريخ العرب على إشكال تاريخي يصعب على القانون الوضعي والإعلام والديبلوماسية، فهم منطقه الداخلي، إذ يكفي أن نبرز نماذج من القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، إذ تم خلال هذه الفترات تدويل قضايا العرب وطرحها للنقاش بطرق غير عربية وفي ظروف غير عربية وبعواصم أولا أوربية بباريس ولندن ودبلن وروما. واليوم بعواصم أمريكية وأعني بها واشنطن ونيويورك. وهذا يعني بالضرورة بلغة الطب المعاصر، أن العرب فقدوا « المناعة » أي عندما تبلغ قضية داخلية درجة من التعقيد تفشل معها الأطراف الداخلية في إدارتها، ويقع تكليف الآخر بالنظر فيها، وهذا ما يصعب على الإعلامي والديبلوماسي وعلى القانون الدولي حله. الملاحظة الثانية، هي أن الغرب لم يعد ذاك الغرب التقليدي المستعمر لإفريقيا، وأما الجديد فهو أن قضية الصراع الغربي في الفضاء العربي الإسلامي، لم تعد مقتصرة على الغرب التقليدي وأعني أنقلترا وفرنسا اللتين لهما تجربة بالعالم الإسلامي، وإنما تجاوزت ذلك إلى غرب يقتدي بتجارب أخرى جديدة لعلها تفيد. وتبقى القضية الأخطر هي أن نطلب من الغير حل مشاكلنا، لأن هذا الغير ومهما كان لا يمكن أن يستمر وجوده في ظل هذه الأوضاع غير العادية، فيستمر بطريقته ونساعده نحن بطريقتنا، والتي قد يكون فيها من الوعي ومن اللاوعي النصيب الكبير. ولأختم أؤكد أن إقليم دارفور ينخرط في إطار مشاكل أخرى تتمثل في الخلل التاريخي في العلاقة القائمة بين العرب والغرب مما أفرز مشاكل على درجة من التعقيد سنحيل معها جهود الديبلوماسية والإعلام… الأستاذ الطاهر بوسمة (محام ومسؤول سياسي سابق): لا زلت أذكر ما دار بيني وبين سعادة سفير السودان في أحد سيمنارات هذه المؤسسة بشأن قضية دارفور، وكان آنذاك قد طمأنني وأكد لي أنه سيحضر ليقدم تفاصيل القضية على منبر هذه المؤسسة، ها هو، قد قدم لنا اليوم رؤيته الخاصة إزاء المسألة، وأود أولا أن أثني على شجاعته وحضوره بهذه المؤسسة وتقديمه معطيات عن قضية دارفور وعما يدور بالسودان، لا سيما وأن السودان دولة ذات وزن، إذ أن مساحتها تتجاوز مساحة أوروبا وتضم عددا من اللغات والأعراق والعادات وتضاهي في ذلك قارة لوحدها. كما أقدر مجهود وجرأة سعادة السفير وقبوله الإدلاء بهذه المعلومات، كما أقدر شعوره بواجب التحفظ بوصفه يمثل الحكومة وباحترام مواثيق دولته، ولدي في هذا الإطار سؤال وملاحظة. وأما الملاحظة فتتمثل في مسألة حساسية جميع الدول من التدخل الأجنبي سواء كان أمميا أو استعماريا، وهذه الحساسية مشروعة ولكن في الواقع انعدمت إمكانية تجنب هذا التدخل في ظرف شهدت فيه العلاقات الدولية مزيدا من الانفتاح. لذلك أرى أنه من غير المجدي إضاعة الوقت في التحسر على هذا التدخل الدولي لأنه أصبح ضرورة من ضرورات العصر الحالي. أما سؤالي فهو بشأن ما تورده جريدة (Le Monde) من أن أكثر من مليوني مهجر من دارفور وأن عدد الوفيات في هذا الإقليم تجاوز 200 ألف قتيل؟ وكان من الأجدى طرح قضايا مقدرتنا على بلورة الحلول الضرورية لهذه الأوضاع وتبقى الأهمية الآن في إزالة أسباب النزاع وليس البحث عن سبل منع التدخل الأجنبي. السيد محمد قريمان (رجل تربية): أقدم شكرا أولا للسيد السفير الأستاذ الصاوي، ولا شك أن ما قاله فيه جملة من العبر والدروس سواء كان لإقليم دارفور أو لبقية دول العالم العربي. وأرى أنه لا بد من إعادة النظر في منهجية طرح قضية النزاع بدارفور وبالسودان، ولا بد من تجاوز الصراعات المبدئية بين القبائل وبين الفلاحين والبدو… والتمعن في أسباب الصراع الأصلية وهي خاصة أسباب دولية. وإذا ما علمنا أن الولايات المتحدة الأمريكية تستهلك ربع إنتاج العالم من النفط في حين تنتج فقط 7%، وبذلك فإن مشكل النفط هو المشكل الأساسي للولايات المتحدة الأمريكية خاصة وأن البترول الأمريكي أوشك على النفاد. وهذا ما جعل من أمريكا تدخل في المناطق المزودة للنفط دون موافقة الأمم المتحدة كما كان بالعراق. وتتهيأ لنفس المسألة بدارفور عندما وقع اكتشاف البترول خاصة وقد أصبحت الصين منافسة حقيقية بهذا المجال لذلك نكون على قدر من السخافة إذا ما صدقنا أن الولايات المتحدة تبحث عن إرساء قيم الديمقراطية بهذه المناطق على غرار دارفور. د. أحمد الشيخ الأمين (مدير إدارة التوثيق والمعلومات بمنظمة الألكسو): في البداية أود شكر الدكتور عبد الجليل التميمي الذي عرفته عن قرب منذ أمد، وحضرت ندواته منذ كانت المؤسسة بزغوان وعرفته رجلا عالما ومفكرا، وكانت لنا صولات وجولات في اجتماعات أكاديمية وعلمية هامة وذلك في اجتماع الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات الذي أشرف عليه الدكتور التميمي منذ تأسيسه وهو الآن رئيسه الشرفي. وتواصلا مع هذه الأنشطة، وجدنا اليوم الدكتور التميمي يطلعنا على قضية هي من أهم قضايا المعاصرة، وهي في الآن نفسه قضية السودان. لذلك سعدت جدا بما قدمه سعادة السفير من المعلومات القيمة التي أتحفنا بها. ولدي سؤالان: الأول بشأن الحملة الإعلامية من طرف دول الغرب على إقليم دارفور، وكمثال على ذلك الزيارة التي قام بها جورج بوش لمعرض الهولوكست الذي خصص جانب منه عن دارفور، وعندما نرى أن أمريكا خصصت قناة فضائية وعشرات البوابات عن دارفور.. تتأكد من حجم هذه الهجمة الإعلامية المسعورة على السودان وعلى دارفور بالأخص. وهنا لا بد من التسلح لمقابلة الهجمة الإعلامية وتفنيد ما يقال زورا وبهتانا عن دارفور. وسؤالي هل تمتلك السودان خطة إعلامية لمواجهة هذه الهجمة المتمثلة في الحملة الإعلامية على صفحات الأنترنات. أما سؤالي الثاني، بشأن مبادرات السلام، وهي مبادرات ليبية وسعودية والآن فرنسية وربما ستقتحم بريطانيا وألمانيا هذا الخط، ألا تعتقدون أنه أصبح من الضروري الإعراض عن هذه المبادرات التي لن تزيد إلا في تعقيد الوضع؟ -محمد جدة (باحث من التشاد): أشكر مؤسسة التميمي للبحث العلمي على فتحها ملف دارفور وعلى هذه المبادرة الجليلة التي سيخلدها التاريخ بلا شك. وفي الحقيقة تدخلي ليس لطرح تساؤلات بل للفت النظر إلى إشكالية الحوار بين دولتي التشاد والسودان، ولا شك أن سعادة السفير أدرى بدقائق هذه العلاقة، وهو يعلم بخلفية تعذر زيارة رئيس التشاد للسودان للمرة الرابعة. الإشكالية الثانية هي أن السودان تعلم أن السفير التشادي بالولايات المتحدة الأمريكية، له فصيل عسكري معارض وهو موجود الآن بالسودان وكذلك سفير التشاد بالسعودية معارض للتشاد ومقيم بالسودان وكذلك عدد من السياسيين المرموقين التشاديين ممن تخرجوا من الجامعات التونسية هم الآن مقيمون بالسودان بوصفهم معارضين للحكم التشادي. مع أن هناك عدة جهود ليبية للتوسط بين هذه المعارضة ولكن بدون جدوى . -سمير ساسي (جريدة الموقف): شكرا للمؤسسة ولسعادة السفير، وأود طرح بعض الأسئلة. والسؤال الأول بشأن المقال الذي بعثتم به لجريدة الموقف والذي لم تذكروا فيه انتهاكات حقوق الإنسان بالسودان. ولكن اليوم عدتم للتقليل من أهمية هذه الانتهاكات في تدخلكم اليوم، لذلك أتساءل: لماذا لم تكن لديكم الجرأة للاعتراف بما هو واقع والاقتصار على البحث على شماعة خارجية؟ أما سؤالي الثاني بشأن تذبذب الموقف السوداني من التدخل الأممي بين الرفض والقبول. والسؤال الثالث: ما الذي يدفع شريككم الفكري الترابي، إلى أن يكون له فصيل موال له ومتمرد بدارفور. ألا يعد هذا سببا كافيا لإقرار الانتهاكات التي تقوم بها السلطة والتي عمقت مشكلة التمرد بدارفور؟ -محمود بالسرور (سفير تونس سابقا بماليزيا ودول جنوب شرق آسيا): أود أولا شكر الدكتور عبد الجليل التميمي الذي قام بتنظيم هذا العدد من السيمنارات حول القضايا الدولية ومن بينها اليوم قضية دارفور. كما أود شكر سعادة سفير السودان على هذه المحاضرة القيمة حول أحد أكبر مشاكل الساحة السياسية. وحسب اعتقادي، فإن العالم دخل اليوم حربا باردة جديدة ولكنها اليوم بين الولايات المتحدة والصين حول قضايا النفط والطاقة. وفي هذا الإطار قامت أمريكا بمشروع موله البنك الدولي لربط التشاد بالكامرون حول البترول المكتشف بالتشاد، وساهمت عدة شركات نفط أمريكية في إنجاز هذا المشروع. وهو نفس ما تقوم به الصين في جنوب السودان وتحديدا بإقليم دارفور، بعد أن اكتشفت النفط وبنت منشآت ضخمة لاستثمار هذا المخزون الطاقي. وهكذا فإن النزاع في السودان وفي التشاد أسبابه واحدة وهي العوامل الجيوسياسية وعامل النفط. وهنا أطلب من سعادة السفير مزيد التوضيح بشأن هذه النقطة بما قاله أحد المسؤولين الأمريكيين: « Le Darfour et le Tchad ne sont que extension par d’autres moyen de la politique irakienne des USA qui consiste à contrôler le pétrole partout » وهذه القولة لكاتب الدولة الأمريكي والتركايستام وشكرا. – محمد صالح فليس: أضم صوتي إلى أصوات الذين سبقوني وشكروا سعادة السفير على جرأة الحديث بشيء من الانفتاح عن قضية دارفور. ويذكر سعادة السفير بأن الغرب يتألب على السودان كما يتألب عن مناطق أخرى وهذا واقع. ولكن في المقابل يتم التكتم على الواقع الداخلي لهذه المناطق، فما هي توضيحات سعادة السفير بشأن هذه المعطيات الداخلية؟ وماذا عن صيغة الحكم بالسودان التي خلقت بلا شك عددا من الفجوات ونقاط الضعف. وأنا شخصيا أعلم أن السودان عاش على وقع انقلابات عسكرية متتالية، وهي انقلابات لم تخدم مصالح الأغلبية الساحقة من سكان السودان، بل كانت تخدم مصالح فئوية محدودة. فكيف تمكن الغرب من الدخول إلى ديارنا بهذه الطريقة؟ ثم أتساءل عن أسباب الغزو؟ وأود لو يتجاوز سعادة السفير عن حق التحفظ وأن يحدثنا بمزيد من الموضوعية عن واقع السودان الحقيقي؟ -السيدة جنات مقراني (من مركز جامعة الدول العربية بتونس): أشكر الدكتور التميمي وأشكر سعادة السفير الذي أثرى هذه الجلسة بمعلومات هامة عن أحداث دارفور الأخيرة وعن السودان إجمالا. والسودان دولة عربية تستحق المقارنة، فهي أكبر دولة عربية من حيث المساحة ومن حيث الأراضي الزراعية والموارد المائية، إذ تحتوي النيل الأبيض والنيل الأزرق وهي على حد تعبير بعضهم: مطمورة العالم العربي (Le grenier du monde arabe). وتظم طبقة سياسية وفئة مثقفة هامة ومعتبرة، وهذا يقودنا إلى مقارنتها بالعراق الذي يضم دجلة والفرات وكون نخبة ثقافية وسياسية الأهم في العالم العربي. وللأسف فإن ما حصل بالعراق بصدد الحصول بالسودان، حيث أطلعنا سعادة السفير عن تشتت السودان، إذ انفصل عنه الشرق والجنوب. وكانت هذه الأقاليم المتمردة، شوكة في حلق كافة الحكومات السودانية وأهمها حكومة جعفر النميري إذ خصصت حكومته حوالي مليون دولار يوميا لمقاومة المتمردين بجنوب السودان، في حين كان المفروض أن تخصص هذه الأموال لتنمية اقتصاد وسكان البلاد. وعادت هذه الأحداث اليوم في إطار أحداث دارفور ويشاع اليوم أن إسرائيل تقوم بتسليم السلاح لبعض الفصائل المتمردة، وذلك لغاية الاستحواذ على مادة الأورانيوم. ثم دخلت فرنسا على الخط، منذ القمم التي كان عقدها شيراك. وسؤالي للسيد السفير: ما هي نتائج المحاولات الفرنسية التي قام بها شيراك ويقوم بها الآن ساركوزي؟ سؤالي الثاني بشأن مدى صحة توجه وفود مهاجرة من شباب دارفور إلى إسرائيل؟ مع العلم أن الصحف تقدر أعداد هؤلاء بحوالي 850 شاب سوداني ممن استقطبتهم الجامعات الإسرائيلية؟ وما هي إجراءات حكومة الخرطوم لوقف هذا المد الإسرائيلي؟ – نجيب بوزيري (سفير تونس سابقا في العديد من دول العالم آخرها الأمم المتحدة): أود أن أذكر ما جاء بصحيفة Le Monde، فقد ذكرت الصحيفة : « A Darfour, après deux décennies de violence causé en partie pour la multiplication des armées et l’intervention des pays de la région, Libye en tête, Tripoli avait déversé des armes au Darfour notamment pour tenter et implanter sa légion Islamique » وسؤالي لسعادة السفير عن معلوماته في هذا الموضوع، لأننا في تونس كنا هدفا سنة 1980 لمجموعة مسلحة من طرف ليبيا وقامت بالاستيلاء على مدينة قفصة، فما هي أوجه المقارنة في هذا الإطار؟ د. عبد الجليل التميمي: أود أن أذكر هنا بشخصية تونسية، هو عمر التونسي الذي زار دارفور وواداي في أوائل القرن التاسع عشر، وكتب أهم كتاب عن تاريخ السودان وتاريخ واداي ودارفور بالذات وكان من أهم الكتب في الغرض لكن غيب هذا الكتاب وأصبح غير ذي أهمية في الدراسات العربية، رغم أهميته، هذا وقد وقعت ترجمته للفرنسية في عهد محمد علي والي مصر ! وسؤالي، هل ساهمت محاولة الرئيس عمر البشير أسلمة الدولة، في هذا التعتيم الدولي لتعجيز الدولة السودانية؟ وأود أن أبين أنه كان من الأولى والأهم تبني الدولة السودانية خطة إعلامية مضادة وموسعة منذ البداية. لكن للأسف نلاحظ مدى التعتيم الإعلامي الكامل لقضية السودانية بالدول العربية وكذلك بالدول الغربية في إطار غطرسة الإعلام الغربي. ووددت كذلك لو يذكر لنا سعادة السفير أوجه التحول الديمقراطي الحاصل بالسودان وكذا عن حجم مداخيل البترول اليوم؟ فهل تقوم هذه المداخيل بتمويل جزء من هذه الجيوش الأممية أم أن الاعتمادات الأممية هي الطاغية على مسألة التمويل؟ أود كذلك التأكيد على نجاعة وفاعلية مسألة الحوار الداخلي والحوار الدولي في تحقيق الاستقرار والأمن والسلم. بحيث وجب أن لا يتوقف الحوار على المستوى الدارفوري السوداني، بل يجب أن يشمل كافة النخب العربية والدولية من خلال الندوات والمؤتمرات والنشر بعدة لغات. لقد تحدث سعادة السفير عن مشروع الألف بئر مياه، ولكن من يضمن أن تكون هذه الآبار مائية؟ ألا يمكن أن تكون آبارا نفطية؟ وهل أكدت الدراسات على جدوى هذه الآبار وغاياتها الحقيقية. ولا شك أن كل هذه المسائل تؤكد على ضرورة تفعيل وتوسيع الحوار ومجابهة الإعلام الغربي والأمريكي المتغطرس. -عبد الله العبيدي: أشكر سعادة السفير على ما قدمه، وقد كان ذكر على أهمية المساعدات الخارجية في جعل السودان يتحكم في موارده، وهل يعني ذلك أن السودان حقا عاجز عن القيام بهذه المهام بصفة مستقلة؟ والسؤال الثاني بشأن حقيقة مجريات الأمور بدارفور؟ والمسألة الرئيسية تعود إلى قيام عدد من الأنظمة السياسية بدول افتقدت لمقومات الدولة، وهذا ما فتح المجال لتهافت الدول الغربية على هذه المناطق، ودليلنا على ذلك أن أول زيارة قام بها الرئيس ساركوزي كانت للسودان. وفي المقابل غابت الدول العربية على الساحة السودانية،  باستثناء ما ذكر عن دور ليبيا، واقتصر دور القادة العرب إما على السمسرة في القضايا العربية أو على التطوع المجاني للتكلم باسم بقية العرب. -ردود الأستاذ عبد الوهاب الصاوي: بعد الشكر على الأسئلة أجيب بأنها إشكاليات هامة تستحق كل واحدة منها محاضرة بذاتها، ولضيق الوقت سنحاول تقديم إجابات إجمالية ومختصرة: أولاً فيما يخص مقولة تدويل كل مشاكل الوطن العربي، فإنني أشير إلى أن ما أسماه الغرب بالشرق الأوسط هي منطقة جذب وتأثير للعالم كله منذ فجر التاريخ. والسودان غير بعيدة إن لم تكن جزءاً من المنطقة. والتداعيات والمشاكل الناتجة عن هذا الوضع الجيوسياسي يجب ألا تجعلنا نتكئ على نظرية المؤامرة، فكل طرف يبحث عن مصالحه. ويجب أن نتسلح بالتحليل والنظرة الثاقبة للأوضاع ونضع لها وسائل التعامل الإيجابي دون شعور بالدونية الناتجة من عقدة الماضي الاستعماري. والمهم هو التعامل مع هذه الظروف بالصورة التي تمكننا من الوصول لأهدافنا وغاياتنا المرسومة. وأنا بداية أعتبر أن مثل هذه الندوة نموذج للمساهمة في وضع أسلوب جديد وتقاليد جديدة للحوار والفهم الصحيح لمشاكلنا. والحساسية من التدخل الأجنبي ورفضه أمر مشروع، وسيادة الرئيس البشير نفسه قال إنه يفضل أن يكون قائداً للمقاومة من أن يحافظ على الرئاسة عند التدخل الأجنبي، وفي المقابل أبقى على إمكانية الحوار والتعامل مع المجتمع الدولي والاتفاق على العملية الهجين لقوات أفريقية وأممية وإعطاء عملية التفاوض السلمي الأولوية. إنني أعتقد جازماً أن السودان لن تقبل التدخل الأجنبي، بل تقبل تدخل الأصدقاء للتوسط وإيقاف نزيف الدم البشري والاقتتال الذي أكبر المتضررين منه الأبرياء. والمقارنة بين ما يحدث في السودان وما حدث في رواندا من مذابح جماعية كان المقصود منه ابتزاز كوفي عنان ودفعه بعقدة الذنب إلى تأييد التدخل الدولي بالسودان. ونحن مع رفضنا للقوات الدولية أحسنا التعامل مع القوات الأممية الموجودة وفق اتفاقية الجنوب. وأحسنا التعامل مع موظفي الأمم المتحدة وكل زوار دارفور من القادة الأجانب، حتى أن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي آلفا عمر كوناري أصر على المبيت في معسكر للنازحين بدارفور وقبلنا له ذلك رغم المحاذير الأمنية. وكل القيادات الأوربية ذهبت للمعسكرات بدارفور، والتقطت الصور مع النازحين. هل يمكن أن يفعلوا ذلك في كولمبيا مثلاً ؟ نحن لا نخجل من مشاكلنا ونحن دولة نامية حديثة، وكان على هؤلاء أن يخجلوا من استغلال معاناة النازحين لتحسين صورتهم السياسية والانتخابية. أما عن أن السودان بلد الانقلابات العسكرية، فهذا حكم نسبي جائر على السودانيين. حقيقة عرف السودان الانقلاب العسكري بعد عام من الاستقلال. ويعود ذلك لحالة عدم الاستقرار الناتجة عن انفجار التمرد الذي تسبب فيه الاستعمار بالجنوب، هذا بالإضافة لعدد من المشاكل الداخلية، والاختلافات بين مناصري الاتحاد مع مصر ومناصري الاستقلال والنزاع الطائفي بينهما. وكان تدخل الجيش بسبب أنه أكثر الأجهزة تأثراً بالحرب في الجنوب. ورغم أن الحكم العسكري الأول للفريق عبود دام ست سنوات إلا أنه وصف بأنه « الحكم العسكري الديمقراطي » على حد قول أحد قادة الشيوعيين فقد كان ما وجدوه منه من عنت لا يقارن بما لقوه بعد ذلك من الحكم بعد انقلاب النميري الذي أعدم سكرتير الحزب الشيوعي وبعض قادته بعد محاولة انقلابية فاشلة. إن الأوضاع غير المستقرة هي التي تمهد الطريق لاستيلاء الجيش على السلطة. فقد كان من قرارات حكم الجنرال عبود إيقاف البعثات التبشيرية المسيحية من العمل بالجنوب وإدخال اللغة العربية هناك. هذه الإجراءات جلبت علينا تحامل الفاتيكان التي أشاعت أن السودان يقوم بأسلمة وتعريب الجنوب بالقوة. ودعمت التمرد الذي استمر حتى وصول النميري إلى الحكم وتوصله إلى اتفاقية أديس أبابا للسلام عام 1972 وذلك بفضل توسط الإمبراطور الأثيوبي هيلا سلاسي والمصالحة مع الكنيسة التي أقنعت المتمردين بالتفاوض. واستطاع السودان أن يشم رائحة السلام التي دامت عشر سنوات، ليعود التمرد للانفجار عام 1983 بعد إعلان الرئيس النميري تطبيق الشريعة الإسلامية. وفي حقيقة الأمر إن إعلان الشريعة ليس هو سبب التمرد الوحيد، إنما كانت تداعيات الحرب الباردة في العالم والنزاعات في الإقليم هي وراء اشتعال نار التمرد، وقد شهد جون غرانق نفسه بأن بعض الدول العربية قد أمدته بسلاح كثير لم يجد عدد من يستعمله ولا داعي لذكر أسماء الدول. د. عبد الجليل التميمي: تستطيع أن تذكر هذه الدول، فلا داعي للتكتم. الأستاذ عبد الوهاب الصاوي: إن امتهاننا الدبلوماسية يفرض علينا التحفظ. والحقيقة أن الأوضاع تتغير. ولا وجود لأعداء دائمين ولا لأصدقاء دائمين، إنما هناك مصالح أو قل مبادئ دائمة. ومسألة التحفظ هي لهذا الغرض وليس قضية أن الدبلوماسية « مصدر أكل عيش »، إنما هي مهنة، وإن كان لي أن أتحدث وفق الهوى، إذن لأبحث عن مهنة غير أن أكون سفيراً لبلادي. وذكر أسماء الدول في هذا الظرف لا يخدم غرضاً إن لم يكن مضراً، خاصة إن كانت الدول المعنية تسعى لخدمة قضية السلام بالسودان. وعودة لموضوع دارفور فإن إسقاطات الحرب الباردة والنزاعات في المنطقة كانت مؤثرة، فقد كان سقوط حكومة جكوني عويدي حليف ليبيا في تشاد على يد حسين حبري بدعم من مصر والسودان قد أثار غضب الجماهيرية. والحقيقة فإنه منذ قيام تمرد فرولينا عام 1964 في تشاد ظلت الحكومات التشادية على اختلافها تتهم السودان بدعم المتمردين الذين يريدون إسقاطها. ويتعرض السودان لمواقف مثيلة لذلك من جيرانه. فقد كانت الثورة الأرترية ودعم الدول العربية لها عبر السودان وراء غضب أثيوبيا ودعمها للتمرد بجنوب السودان. وعادت أرتريا بعد استقلالها تعادي السودان وتساند التمرد حتى كاد يخنق البلاد من منفذها على البحر الأحمر في الشرق. وأعتقد أن مسألة وجود المعارضة التشادية أو غيرها في السودان ليس برغبة من حكومة السودان إنما للتداخل القبلي من جهة وتخوف حكومات الجيران من دخول المعارضة من السودان. والحل لا بد أن يكون داخليا في تشاد، ثم إقليميا بجعل المناطق الحدودية أماكن تواصل وتبادل. فالسودان بوضعه الجغرافي والسكاني يؤثر ويتأثر بما يجري في تشاد وفي دول القرن الأفريقي، ولا بد من استيعاب مشاكلنا وإيجاد الحلول لها في الأطر الداخلية والإقليمية بحيث لا نترك ثغرات للتدخل الخارجي. والمسألة الدينية مسألة حساسة في هذا المنحى. وقد يكون لنهوض المسلمين سياسيّاً في بعض بلدان القرن الأفريقي تداعيات خطرة على الإقليم. والدين الإسلامي عامل وحدة لا عامل تقسيم, وقد نجحت السودان إلى حد كبير في معالجة قضية الدين وفض النزاعات في إطار اتفاقية سلام جنوب السودان. أما السؤال عن ذهاب أعداد من الشباب السودانيين إلى إسرائيل فإن الدعاية الغربية بالجنة الموعودة في المهجر قد جعلت كثيرا من الشباب الذين كانوا بمصر لحثه للجوء إلى دول أخرى يقعون تحت تأثير الدعاية الإسرائيلية خاصة بين أبناء الجنوب وجبال النوبة وذلك لإضعاف الانتماء العربي والإسلامي وسط هذه الفئات. والسؤال عن تحديد أعداد القتلى والنازحين في دارفور فإن الأرقام التي تروج لها أجهزة الإعلام والمنظمات أرقام مبالغ فيها. والدليل على ذلك أنه رغم حالة الاستقرار بالمنطقة الآن، لا تزال أجهزة الإعلام الغربية تروج أرقاماً خيالية  لدوافع معادية وتحت ضغوط الحكومات التي لها أجندتها. وبعض المنظمات العاملة في الحقل الإنساني ترى أسباب وجودها في استمرار الأزمات. والجهات الرسمية تقول بأن عدد القتلى لا يتجاوز 10 آلاف شخص. ونرى أن المشكلة ليست في الأرقام إنما في حالة الاقتتال. ونحن ندين مقتل شخص واحد ومن قتله كأنما قتل الناس جميعا. ففي حالة الحرب يكون الأحياء كالموتى لاستحالة العمل والتنقل والعلاج والتعليم. لذلك فإن القضية في إيجاد حل للمشكلة من جذورها. ومشكلة النازحين لا تحل بالمعسكرات إنما بالعودة الطوعية للقرى الأصلية وتوفير الأمن فيها حتى يعيش الناس ويمارسون حياتهم الطبيعية. ولمنظمات المجتمع المدني دورها شريطة أن يكون إيجابيّاً ويجب الأخذ في الاعتبار الخصوصيات الثقافية والأثنية للسودانيين وضرورات احترام العاملين في الحقل الإنساني، والتخلي عن إصدار الأحكام الجاهزة وإثارة النعرات القبلية وغيرها. أما عن موقع السودان في الحرب الباردة الجديدة بين أمريكا والصين حول النفط، فالسودان لم تكن طرفاً في هذه الحرب. بل ظللنا منفتحين للتعامل في مجال استثمار البترول ولم نمنع أمريكا من استخراجه لأن أمريكا هي التي اكتشفت البترول ثم انسحبت وباعت امتيازها في السوق العالمية وفازت الصين بعطاءات وفق اتفاقيات تمت بشفافية وأمام الصحافة العالمية. أما الشركات الأمريكية والغربية فقد تعرضت لضغوط للانسحاب من السودان. وإنتاج السودان للتصدير يصل 500 ألف برميل يوميّاً. وهناك تذبذب في العائدات بحكم تذبذب الأسعار العالمية. وأصبحت ميزانية البلاد تتأثر بذلك. وما نريده هو أن تذهب هذه العائدات للتنمية الزراعية. والبعض يرى أن البترول له مشاكله وما يولده من اهتزاز ميزانية و أطماع خارجية ونزاعات داخلية تفرز أوضاعاً أصعب مما كان قبل اكتشافه. وجواباً على السؤال عن الخطة الإعلامية، فإن السودان لديه خططه الإعلامية، ولكننا جميعاً ندرك حالة الإعلام العالمي اليوم، ونحن الجالسون هنا سنذهب بعد هذه الندوة لمشاهدة الجزيرة أو البي بي سي أو القناة الفرنسية، وهذا يؤثر على ضعف تأثير الجهود الإعلامية الداخلية ويضعنا تحت رحمة ما تقدمه الأجهزة المسيطرة على الساحة الإعلامية الدولية. وفيما يتعلق بمسألة التنمية والمقارنة بين السودان وكوريا في الستينات، فهي مقارنة متداولة. وكانت السودان بعد الاستقلال على خطى تنموية كبرى كمشروع الجزيرة ومشروعات الري.. وكان في الإمكان تجاوز النهضة الكورية ولكن الفرق أن كوريا ساعدتها أمريكا بعد أن تدخلت دوليّاً لتقسيمها. أما في السودان فقد أثاروا فينا التفرقة والأزمات. وأصبحنا نبذل الوقت في النزاعات وكيفية حلها. مثلاً هذه الندوة بدلاً أن تكون لجذب المستثمرين التونسيين أو لبحث فرص الشراكة وتوثيق تعاون اقتصادي مثمر، نبذل الجهد لشرح تفاصيل أزمة دارفور. وضاع بذلك قدر هام من الجهد والمال في مقاومة تفتت الأمة ومواجهة التمرد وأسباب الصراع. ومع ذلك أستطيع القول إن الجهود التنموية تواصلت. وتشهد الخرطوم توافداً للمستثمرين العرب والآسيويين والأجانب. وبلغت معدلات النمو 11% في السنة والجهد متواصل لرفع التحديات المفروضة علينا. وفي الختام أشكر لكم حضوركم واهتمامكم بقضية دارفور في بلادي وأتمنى أن أكون قد وفقت في الإجابة على استفساراتكم. د. عبد الجليل التميمي: أود باسم الجميع أن أشكر سعادة السفير عبد الوهاب الصاوي على هذه المحاضرة القيمة جدا التي تضمنت بيانات جد دقيقة نحن في حاجة إليها لفهم الملف الدارفوري، ولكن أيضا أشكر سعادة السفير على هذه الأريحية في الرد على تساؤلات الحاضرين وإن لم يرد على بعضها لأسباب ديبلوماسية. وعليه فما أود التأكيد عليه هو أننا سنعمل على نشر هذه المحاضرة باللغة العربية في مرحلة أولى عن طريق الأنترنات من منطلق قناعتنا بأهمية هذه المعلومات وضرورة اطلاع الرأي العام التونسي والعربي والدولي عليها وخاصة دوائر الخارجية العربية والدولية. وسنفكر مع سعادة السفير في إمكانية نشرها كاملة في كتيب تعميما للفائدة… وفي الختام أعيد شكر سعادة السفير على تفضله بالحضور وعلى ما أمدنا به من معلومات حول هذا الملف الذي لا زال يحتاج إلى حوارات دولية وعربية أخرى. ((*)الأستاذ عبد الوهاب الصاوي متحصل على الإجازة في العلوم السياسية من جامعة الخرطوم وفي اللغة الفرنسية من جامعة ليون, كما تحصل على عدة شهادات حول التاريخ واللغة الإسبانية وماجستير في الترجمة, وهو ما يبرز اتقانه للغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية, وهو ما يعد أمرا نادرا جدا على صعيد السلك الديبلوماسي العربي. وقد تولى عدة مناصب في الوزارات السودانية ثم بالسفارات في الخارج ومستشار ثم نائب المدير العام للإدارة الإفريقية ووزير مفوض بباريس والمندوب الدائم للسودان لدى منظمة اليونسكو, ولا شك أن كل هاته المسارات قد أنضجت لديه عددا من الرؤى والاختمارات, الأمر الذي أهله لأن يشارك في العديد من المؤتمرات الدولية بالبلاد العربية والدولي وفي العالم وفضلا عن ذلك فهو رئيس جمعية الصداقة السودانية-الفرنسية. (المصدر: مراسلة وزعتها مؤسسة التميمي للبحوث والدراسات بالبريد الألكتروني يوم 20 جويلية 2007)


إحباط عملية «حرقان» بقربة تورط فيها 17 متهما

المتهمون في قضية الحال 17 شابا تتراوح اعمارهم بين 23 سنة و42 عاما جلهم من ولاية منوبة والبقية من بن عروس واحدهم  موظف تورطوا في قضية إبحار خلسة كان منطلقها من الوطن القبلي وتحديدا من مدينة قربة وقد انطلقت الابحاث في قضية الحال اثناء قيام الاعوان التابعين لفرقة الابحاث  والتفتيش  للحرس بنابل رفقة أعوان مركز الحرس الوطني بقربة بدورية مراقبة وتمشيط يوم 6 سبتمبر 2005 وحوالي الخامسة صباحا تم القاء القبض على مجموعة من الاشخاص داخل بيت مهجور باحد الاماكن  بقربة واتضح أن الشبان غرباء عن المنطقة وبالتحري معهم تبين أنهم قدموا من تونس لغاية الابحار خلسة الى ايطاليا فتمت إحالة أربعة متهمين بحالة ايقاف على قلم التحقيق بقرمبالية في حين تمت احالة البقية بحالة سراح من اجل تهمة المشاركة في وفاق يهدف الى مغادرة التراب التونسي  خلسة بحرا طبق أحكام الفصول 38 و 39 و42 من قانون 3 فيفري  2004 وباستنطاقهم انكر عشرة متهمين التهمة المنسوبة لهم في حين اقر البقية بذلك.

ومن خلال الابحاث اتضح بأن جملة المتهمين  اتفقوا على الابحار خلسة الى ايطاليا وتعاونوا مع بعضهم  البعض ودفعوا الاموال اللازمة لتنفيذ رغبتهم وربطوا الصلة بالمتهم الاول ثم نسقوا بينهم كامل فترة الاعداد للرحلة كما أن احدهم  تولى مساعدتهم  على تأمين الطريق عند  نقاط التفتيش  للوصول الى المكان المتفق عليه للابحار وقد أحيل ملف القضية على المحكمة الابتدائية بقرمبالية لتحكم بما تراه صالحا.

فاطمة الجلاصي

(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم  22 جويلية 2007) 


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.