الأحد، 21 مايو 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2190 du 21.05.2006

 archives : www.tunisnews.net


الهيئة الوطنية للمحامين بتونس: الإعتصام في يومه الثاني عشر

لطفي الهمامي: اقتحام نزل املكار واختطاف عضو الهيئة التنفيذية لمنظمة العفو الدولية بسويسرا

الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة: بيــان رسالة اللقـــاء رقم (7) : محاصرة الحرية ومصادرة الإبداع كلمة: أضواء على الأنباء كلمة أم زياد: ألف شكر أم زياد: هذه الملاحم وإلا بلاش كلمة :  تأبين االفقيد المرحوم عادل العرفاوى – ملف صابر التّونسي: خطاب من المتحف ورد من الأرشـيـف شوقي عريف: معرض تونس الدولي للكتاب في دورته 24 رقابة وتراجع في الإقبال رفيق بن عبد الوهاب معلى: رسالة  السيد رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة  و الصناعات التقليدية بصفاقس علي شرطاني:أثر الذاكرة على نبض الشارع  في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين(3/3 ) البلاد- مع نبيل الريحاني: . في سياق البلاد- مع نصرالدين اللواتي: سيميائيات متهافتة.. البلاد مع مكي هلال: الثقافة والسياسة: هل التماسّ ضروري اليوم؟ البلاد- مع بسام بونني: مشايخهم ومشايخنا البلاد-مع نورالدين العويديدي: هل نحن حقا أمة مهزومة؟ محمد العروسي الهاني: كلمة حقوق الإنسان تهز المشاعر وتحي في النفوس نخوة المواطنة والحقوق التي يكتسبها الإنسان في وطنه توفيق المديني: نصر جديد لواشنطن من دون اطلاق رصاصة واحدة … الجماهيرية الليبية تدخل رسمياً «العصر الأميركي» الحياة: أحزاب غائبة و«جماعة» حاضرة!


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 
الهيئة الوطنية للمحامين بتونس قصر العدالة ~  تونس  

 
الحمد لله وحده،  تونس في  :  20 ماي 2006 الإعتصام في يومه الثاني عشر  

 
زميلاتي الفضليات، زملائي الأفاضل، يدخل اعتصامنا يومه الثاني عشر في جوّ نضالي وتضامني رائع يؤكّد وحدة المحاماة وتصميمها الراسخ على ردّ الإعتبار لهياكلها وتحقيق مطالبها المشروعة رغم حملة التشويه الشرسة التي تشنها السلطة والتعتيم الإعلامي حول الاعتصام و حول حقيقة مواقف هياكل المهنة و تواصل الحصار الأمني والاعتداءات البوليسية و كان آخرها الاعتداء المجاني على الأستاذ منذر الذيب وتمزيق الإطار المطّاطي لعجلات سيارتي الأستاذة راضية النصراوي والأستاذ خالد الكريشي. ولقد تأكّد تشبث المحامين بمواقفهم وتضامنهم مع هياكلهم الشرعية بالأمس في سوسة وصفاقس أين تنقل أعضاء مجلس الهيئة وعلى رأسهم العميد وأشرفوا على اجتماعين حاشدين حضرهما مئات المحامين الذين أكّدوا عزمهم الراسخ على مواصلة النضال و رفضهم لسياسة الأمر الواقع وتصميمهم على إنجاح اليوم الاحتجاجي الوطني بقصر العدالة بتونس المحدد ليوم الثلاثاء 23/05/2006 في حين لم يحضر أكثر من عشرين محاميا اجتماعا دعا إليه وزير العدل بمقر لجنة التنسيق بصفاقس في حملته التشويهية ضدّ القطاع وهياكله. إنّ قوّتنا في اتحادنا ومطالبنا توحّد بيننا جميعا، ودفاعنا عن كرامتنا واستقلاليتنا هو حقّنا ومسؤوليتنا وواجبنا تجاه الأجيال المستقبلية للمحاماة  التي كانت ولازالت وستظل مستقلة .   عاشت المحاماة مستقلة مناضلة وصامدة  العميد عبد الستار بن موسى

 

  اقتحام نزل املكار

واختطاف عضو الهيئة التنفيذية لمنظمة العفو الدولية بسويسرا

 

انطلقت أشغال مؤتمر فرع تونس لمنظمة العفو الدولية بنزل اميلكار الراجع للاتحاد العام التونسي للشغل الواقع بضواحي العاصمة التونسية ( قرطاج) ,ولكن كالمعتاد فاجأ البوليس السياسي المؤتمرين وأصدقاءهم من الحركة الديمقراطية التونسية وضيوف المؤتمر من المنظمات الدولية ,فعلى الساعة الثانية من مساء اليوم الاحد 21 ماي 2006(الساعة 14)اقتحم البوليس مقر المؤتمر وحاول اختطاف عضو الهيئة التنفيذية لمنظمة العفو الدولية فرع جنيف وعديد منظمات المجتمع المدني السويسري السيد ايف ستينار(Yves (Steiner وذلك بقاعة الاستقبال وأمام أنظار الحضور الذين هبوا لمنع ذلك بإحداثهم مانع بشري رافضين اعتقاله وفي الأثناء تدخل على وجه السرعة عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشعل المسئول عن النزل لنهرهم وإخراجهم من المكان. ولكن على الساعة الرابعة مساءا(الساعة 16)عاد البوليس السياسي بأعداد غفيرة وبمعدات منها (الغاز) واقتحم قاعة الأشغال وطلب من المؤتمرين عدم التحرك وملازمة كل مكانه واختطف السيد ايف ستينار من القاعة إلى وجهه غير معلومة و في نفس اللحظة عند خروجهم من النزل كان سفير سويسرا يهم بالدخول .ومنذ تلك اللحظة عمد البوليس السياسي إلى تطويق مقر المؤتمر والى الانتشار داخل النزل بما فيه قاعة المؤتمرين . وتشير مصادر دقيقة إلى أن السيد عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل هو الذي أعطي أوامر دخول البوليس السياسي في المرة الثانية وهو ما يفسر عدم اعتراض المسئولين عن النزل في المحاولة الثانية للبوليس اقتحام قاعة المؤتمرين .وقد احتج الحضور وأصيبوا في نفس الوقت بحالة من بالذهول والرعب.ورغم أن هذه الحادثة تعيد الذاكرة إلى ما تعرض إليه العديد من الصحافيين وممثلي المنظمات خلال انعقاد قمة المعلومات والى سنة 2002 خلال المحاكمات السياسية,فإنها اكتست طابع جديد من الممارسات الخطيرة للحكم الذي يقوم بهجمة غير مسبوقة على المنظمات والجمعيات والأحزاب السياسية مستعملا الحصار الأمني والاعتداءات الجسدية و التشويه والتحريض .    أما في ما يتعلق بالمؤتمر فلقد تم انتخاب الهيئة الجديدة المتكونة من سبعة أعضاء,وهم كل من السادة. هشام عصمان,حبيب مرسيط,هاشمي بن فرج,الطيب بوعجيلة ,لطفي المثلوثي,محمد الخميلى,فتحي سوسو.   الاحد 21 ماى 2006 لطفي الهمامي

 

الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة تونس في 21 ماي 2006 أرض حرية كرامة وطنية   بيــان  
 
كعادته لا يتورّع نظام العمالة والخيانة الوطنية عن الإمعان في ممارسة شتى أشكال الإستبداد والعنف والقهر. وهو بذلك يؤكد أنّه لا يستطيع ولن يستطيع الخروج من وضعه المأزوم الذي يعبّر عن جوهره الطبقي المعادي لجماهير شعبنا. ويتجلى ذلك في مظاهر احتداد الصراع الطبقي وتعبيراته المتمثلة في بروز بعض مؤشرات الإستياء والتململ الشعبي وتوسع نطاق النضال والإحتجاج الذي تخوضه عديد القطاعات العمالية ومختلف الشرائح الشعبية ومكوّناتها الحقوقية والمهنية  في صراعها من أجل الدفاع عن مصالحها وفرض إستقلاليتها وصون كرامتها والذي تقابله السلطة بالقمع ومحاولة التدجين والإحتواء. وفي الآونة الأخيرة تتصاعد وتيرة النضال من خلال ارتفاع نسق الحركة الإضرابية العمالية (البريد, الضمان الإجتماعي, المعلمين, أساتذة التعليم الثانوي…), وإصرار الرابطيين على عقد مؤتمرهم  وتمسك القضاة بهيئتهم الشرعية… في هذه الأثناء يتجدد الهجوم على قطاع المحاماة عبر المحاصرة الأمنية والإعلامية وضرب استقلاليته باصدار جملة من القوانين  وآخرها قانون معهد المحاماة الأحادي الذي جعل المعهد خاضعا للسلطة التنفيذية وهمش دور الهيئة الوطنية للمحامين. وعلى ضوء الحركة الإحتجاجية التي شرع المحامون في القيام بها يوم 9 ماي 2006 من خلال تنظيم اعتصام بقصر العدالة بتونس ومواصلته بدار المحامي قامت قوّات القمع بالإعتداء الجسدي واللفظي عليهم والحيلولة دون تنقلهم إلى دار المحامي ومنع العميد والهياكل المنتخبة من الإتصال بوزارة العدل. وهو ما يشكّل دليلا جدّيا وساطعا على الممارسة القمعية الدكتاتورية من طرف النظام العميل. وباعتبار أنّ الحركة الطلابية تمثل فصيلا وطنيا مناضلا ومكوّنا أساسيا من مكوّنات الحركة النضالية بالقطر وشكلت تاريخيا جزئا لا يتجزأ من الحركة الشعبية المناضلة يهمّنا كوطنيين ديمقراطيين بالجامعة أن نؤكّد في هذا الظرف للرأي العام الوطني ما يلي: – إن النظام البوليسي بمحاصرته للمحامين والمربين وكافة أبناء شعبنا وهجومه الإعلامي عليهم يؤكد نهجه اللاديمقراطي حيث تمثل عملية التصعيد في القمع محاولة جديدة يائسة لتدجين جماهير شعبنا وترهيبها وتلجيم أصوات نخبه ومناضليه جاعلا من أجهزته القضائية والتشريعية والتنفيذية  القمعية والإعلامية العصا الغليظة التي تطال كل رافض لتوجهاته اللاوطنية ولخياراته اللاشعبية المأزومة. وهي تعبر في الحقيقة عن حالة ارتباك شديد  تميز وضعه السياسي الحالي. – إن استهداف الحركات الإجتماعية المناضلة ومهنة المحاماة بالخصوص التي راكمت تاريخيا نضالات كبيرة وخاضت عديد المعارك الوطنية, وكانت مكونا أساسيا في حركة النضال العامة وسباقة في تشكيل حاجز حقيقي أمام سياسة التنكيل والظلم التي تنتهجها السلطة تجاه المناضلين السياسيين والنقابيين ومختلف مناضلي الرأي ومناضلي حركتنا الطلابية…ليس إلا حلقة جديدة من قبل النظام العميل في مسعاه المحموم لإعادة ترتيب الأوضاع السياسية عبر محاولته السيطرة على كل مجالات التعبير والرفض وترسيخ أجواء من الخوف والتهديدات للحفاظ على مصالح الإئتلاف الطبقي الحاكم وتحميل تبعات الأزمة الإقتصادية والإجتماعية لجماهير شعبنا وتمرير مشاريع النهب والتفقير الناتجة عن اختياراته اللاوطنية. – نندد بهذه الهجمة ونعبر عن تجندنا التام واستعدادنا للنضال من أجل محاماة مستقلة, حرة ومناضلة. – نعلن عن تضامننا المتواصل واللامشروط مع المحامين ونطالب برفع حالة الحصار المسلطة على هذا السلك وتحقيق مطالب المحاماة العادلة. – نثمن صمود المحامين واعتصامهم المتواصل ونؤكد على التلاحم النضالي بين الحركة الطلابية المناضلة المتمسكة بثوابت النضال التقدمي وسلك المحامين المناضلين الذين طالما وقف في وجه المحاكمات الصورية ضد الطلبة. – نعلن عن تضامنا المبدئي مع المحامين وتجندنا للدفاع عن الحريات. – ندعو مجمل القوى الوطنية والتقدمية للإلتفاف والوقوف ضد الهجمة على قطاع المحاماة وكل الحركات النضالية الإجتماعية والحقوقية…   الوطنيون الديمقراطيون بالجامعة   تونس 21 ماي 2006

 


 
 

رسالة اللقـــاء رقم (7)

 

محاصرة الحرية ومصادرة الإبداع

 

د.خالد الطراولي

ktraouli@yahoo.fr

 

تتوالى الأيام تباعا في تونس ويتواصل التصعيد في اعتقال الحرية ومواطن الإبداع. حوصرت دار المحامي وحوصر الإطار الحقوقي واهتزت استقلاليته وأصبح القاضي والمحامي رهائن مشهد سياسي محتقن.

 

كما شهدت الساحة الثقافية التونسية حدثا لم يأخذ نصيبه الأوفى من الأضواء الكاشفة تمثل في مصادرة كتاب إشراقات تونسية الديمقراطية ورحلة الشتاء والصيف، ولعل كثرة ما تعانيه الحرية هذه الأيام من غبن وحصار غيّب الحديث وطمس معالمه، أو لعل التعوّد على الكبت والتعتيم جعل بعضنا يقبل أحيانا بالتعدي والتعسف ويعتبرهما ملح طعام!

 

ليس هذا الكتاب هو الأول ولعله ليس الآخر فقائمة المنع طويلة، طالت ديوان الشعر والرواية والكتاب السياسي والتاريخي وحتى الشعائري ككتاب المرحوم سيدي الشيخ عبد الرحمان خليف حول الحج. ولقد قدرّ عدد الكتب المحجوزة سنة 2005 بتونس قرابة العشرين عنوانا [[1]]

 

إن هذه الحساسية نحو الكتاب المخالف والرأي المخالف والكاتب المخالف، تبرز مدى ضيق صدور البعض وتكريس منهجية الرأي الواحد واللون الواحد والفكر الأوحد في المشهد الثقافي والسياسي على السواء. و مصادرة الفكر لن يعالج أية مشكلة، إن كان التعبير عن القرف من الاستبداد مشكلة، وتعرية التخلف السياسي مشكلة، والسعي من أجل توعية العقول واستنهاض الهمم جريمة، والعمل على تنمية البلاد سياسة وثقافة خيانة للوطن واستقواء عليه. والفكر لا يصادر ولا يموت وإن حبس في نفق ووضعت على أفواهه الكمائم والأغلال،  فسوف يجد متنفسا ويتأقلم مع وعورة المكان ولعله يستأنس بالظلام فيزداد تمكنا وثباتا وإصرارا على الحياة.

 

إن مصادرة كتاب هو مصادرة للفكرة ومحاولة إبعادها قصرا عن مواطن الفعل والتأثير وميدان المناظرة والتلاقح. فالفكرة عند انطلاقتها هي محاولة تحمل في طياتها الخطأ والصواب لا تتدثر بقدسية مزعومة ولا بعصمة منشودة، بل هي ملك الصالح العام منذ أن غادرت صدر صاحبها وتفوّه بها أو كتبها واطلع عليها الناس. وإذا كانت الفكرة ملكا للعامة، فإن مصادرتها هو مصادرة للحق العام واعتداء على المجتمع ومنعه إحدى حقوقه وممتلكاته!

 

حق العلم والتعلم وحق المعرفة والاكتشاف والإطلاع هي حقوق الإنسان الأولى في تشكل بنائه كإنسان يأكل ويشرب ويفكر ويختار، وأن منعه من هذا الحق هو منع لأن يكتمل تشكله كإنسان. ولعل الأنظمة المستبدة وهي تصادر الكلمة الحرة تسعى إلى توليد مواطن مشوّه، مواطن جاهل، عازف عن القراءة والإطلاع، حبيس الفكر الواحد بليد الفهم والاستيعاب.

 

فسياسة المنع والمصادرة هي منهجية واعية لتوسيع الأمية السياسية للشعوب، فأشد ما يقض مضاجع الاستبداد مهما كان لونه، سياسيا أو دينيا أو ثقافيا، هو الوعي والرشد والرشاد. فوعي الناس ورشدهم بجبروته واكتشافهم لهيمنته، ومعرفتهم بالاستخفاف بحالهم، هو نذير للاستبداد باكتشاف أمره وزوال أيامه. ولعل أعجب ما قرأت أن من بين أول الكتب الممنوعة بعد اكتشاف المطبعة في القرن الخامس عشر، كان الإنجيل، حيث تراء لرجال الدين أن الناس بدأو يقرأونه ويفهمونه ويحاولون تأويله على غير ما تودّ الكنيسة إيصاله إليهم، فطلبت من الملوك والأباطرة منعه عن الناس!

 

إن مصادرة الكلمة والفكرة يعبر عن أزمة الفكر أولا ثم أزمة السياسة بكل جحافلها وميكيافلتها. ولن تنمو بلاد وفكرها مغلول وسياستها مطوّقة. فالساحة الثقافية التونسية رغم ما يملأها في الكثير من أطرافها الغث والهزيل، غير أنها لا تزال ساحة سخنة مفتوحة، تنتظر الكلمة الجادة والقصيدة الرائعة والملتزمة، والمقالة المتزنة، والمسرحية الواعية، واللوحة المعبرة في إطار شفاف من المماحكة بين أطراف مختلفة ومتعددة. فاللون الواحد الذي تصطبغ به الساحة الثقافية والذي يصبوا إليه القرار السياسي هو ضرب للإبداع وتهميش لتنمية سياسية سليمة، وتكريس لمشهد سياسي مغشوش ومتسلط، يصادر ويمنع ويقصي، وهي أزمة السياسة والسياسيين في تونس.

 

لقد صدق من قال أن الخائفين لا يصنعون الحرية، والمترددين لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء… فللحرية أخلاق وللبناء قيم، ونحن من موقعنا لن نجبن ولن نتردّد على مواصلة المشوار من أجل الكلمة الحرة والواعية، من أجل كرامة الإنسان.

المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net

 


[1]  لطفي حجي « الرقابة في تونس تحاصر كتب الدين والسياسة موقع الجزيرة نت »

 

أضواء على الأنباء

إعداد اطفي حيدوري   

تشجيع رئاسي للمنخرطين تهافت مئات من الحاملين لبطاقة صحفي على تسجيل انخراطاتهم بجمعية الصحافيين التونسيين على إثر البلاغ الصادر عن الجمعية إلى المنخرطين يوم 20 أفريل 2006 بفتح « باب التسجيل لاقتناء حاسوب محمول ». وقد فتحت للغرض قائمة موضوعة في كتابة الجمعية. ويأتي هذا البلاغ تنفيذا للقرار الرئاسي الصادر في 27 سبتمبر 2005 « بتمكين الصحافيين من تسهيلات في اقتناء حواسيب ». ويفهم من كلمة صحفي في هذا الإجراء أنّه المنخرط بجمعية الصحافيين، وهو ما يعتبر إقصاء للمنخرطين بنقابة الصحافيين ولغيرهم من الذين قطعوا صلتهم بالجمعية أو ممّن لم ينخرطوا بالمنظمتين. كما اعتبر استهدافا للنقابة ودعما غير محايد للجمعية عبر الإغراءات المادية. وهو ما تحقق جزء منه بتضاعف عدد المنخرطين بالجمعية من بضع عشرات إلى عدّة مئات !!

 

اختفاء سجين سياسي سابق انقطعت أخبار الطالب هشام السعدي عن عائلته منذ فجر يوم 17 أفريل 2006 بعد أن اعتقلته مجموعة من أعوان الأمن من منطقة شرطة أريانة أمام المسجد. وقد أعلمت الشرطة عائلته في نفس اليوم أنّه قد أفلت منهم لحظات بعد إيقافه داخل المنطقة. وكان هشام السعدي الطالب بكلية الطبّ قد حوكم في ما عرف بمجموعة شبان أريانة بـ9 سنوات سجنا قضى منها 3 سنوات بعد إيقافه مع مجموعة من الطلبة قرب ساقية سيدي يوسف وقدّ صرّح بكونه كان يعتزم الالتحاق بالمقاومة الفلسطينية. وأطلق سراحه في نهاية شهر فيفري المنقضي بموجب سراح شرطي.  
رقابة تقنية على زيارة المساجين تغيّرت منذ مدة طريقة زيارة المساجين في برج الرومي. فقد أصبح يفصل بين السجين وعائلته حاجز زجاجي متين لا يخترقه الصوت وتتم عملية المخاطبة عبر سماعة الهاتف من الطرفين. وهكذا تستغني الإدارة عن خدمات أعوانها الذين يُسخّرون لنقل محاورات المساجين وعائلاتهم أو يتدخّلون لوقف الزيارة وسحب السجين.  
الجلاّد يعطف على الضحيّة أفاد كثير من المساجين السياسيّين المحكومين أو الموقوفين من مختلف القضايا أنّ مسؤولين من وزارة الداخلية لم يكشفوا عن هوياتهم يزورونهم من حين لآخر بدعوى الإنصات إلى مشاغلهم واحتياجاتهم ولطمْأنتهم بأنّ « يوم الفرج قريب » وأنّ العفو على الأبواب أو لتحذيرهم من مغبّة تحركات عائلاتهم التي تواصل التعريف بقضيتهم لدى المنظمات الحقوقية التونسية والدولية ودعوتهم للضغط على عائلاتهم.  
بعض زوايا الفساد تتواتر المعلومات المتضاربة بشأن سقوط بعض الوجوه من صنف الهواة في عالم الفساد داخل المؤسسات التونسية. وبعد أن راجت إشاعات متفاوتة المضمون حول إقالة عبد الرحيم الزواري علمنا أنّ السيد الشاذلي الحجري رئيس شركة نقل تونس (بعد توحيد شركتي المترو الخفيف والشركة التونسية للنقل) ربّما يخضع منذ فترة لتحقيق بشأن اختفاء مئات الملايين من الشركة ووجود صفقة موهومة لاقتناء حافلتين… وهذا ما قد يكون أثارته حاثة تعطّل حافلة قرب شارع لندرة بالعاصمة نجم عنه تعطّل حركة المرور لساعات عديدة. والسيد الشاذلي الحجري رئيس بلدية رادس كان قد اختير في المؤتمر الأخير للحزب الحاكم لعضوية لجنته المركزية.
الفواكه الجافّة نحو الأزمة ربّما تكشف الأيّام المقبلة عن أزمة كبيرة داخل قطاع تجارة الفواكه الجافّة بعد نكبة أحد أهم مستوردي هذه المادة بخسارة تعدّ بالمليارات ناجمة عن رفضه مواصلة إغداق العطايا على الذين تركوه ينفرد بالسوق التونسية واكتفوا بنصيبهم من الأرباح الصافية. وقد تكون الضربة القاضية سددت من جهة الضرائب. وبمعاينة سوق البيع بالجملة والتفصيل لهذه المادة لاحظنا الارتفاع غير العادي لأسعار بعض الموادّ.  

دهاليز معرض الكتاب  

1 – جناح تحت الحراسة الجناح السعودي كان يوزّع المصاحف وكأنّه ينشر الإسلام في دولة وثنية في أقاصي إفريقيا مع تهافت المواطنين التونسيين رجالا ونساء على هدية « خادم الحرمين الشريفين ». وقد لفت الانتباه إلى هذا الجناح رواج كتابين هما : « منهاج العقيدة الصحيحة » و »أسس البيت السعيد ». وقد تدخّلت الأجهزة التونسية لوقف عملية البيع بالجناح وصارت الكتب للعرض فقط.
2 – سماحة المفتي والأحباش دار البشائر اختصت بترويج فكر طائفة الأحباش المتشددة وممّا يلفت الانتباه وجود كتاب لرئيس هذه الطائفة « الهرري » بعنوان « ضلالات ابن تيمية » قدّم له مفتي الديار التونسية كمال الدين جعيط مطبوع منذ سنوات قليلة !!

 

3- كتب في انتظار الإفراج عنها لا تزال بعض الكتاب والناشرين التونسيّين في انتظار تأشيرة توزيع كتبهم المطبوعة هذه السنة ومنها ثلاثة كتب : – بورڤيبة والمسألة الدينية، آمال موسى، سيراس للنشر. -Qui sont les Barbares ? ، يوسف صدّيق، سيراس للنشر. – بنيان الفحولة، رجاء بن سلامة، دار المعرفة. وفي حين يقول القائمون على دار سراس إنّ كتابيهما قادمان، تنتاب دار المعرفة حيرة كبيرة خاصة وقد صودر كتاب آخر لرجاء بن سلامة صادر عن دار الطليعة ببيروت (نقد الثوابت).

 

4 – دور نشر تونسية بدون عنوان حرمت معظم دور النشر التونسية دون غيرها في معرض الكتاب من اللوحات الإشهارية على الأجنحة مما اضطرّ البعض منهم إلى استخدام أوراق عادية ألصقت بالطاولات. ورغم احتجاجات العارضين التونسيين فلا من مجيب حتى نهاية المعرض. ولم يبق من دالّ على هذه الدور سوى دليل المعرض.
5- الشيعة والمعارضة التونسية تراجع أحد المشايخ الإيرانيين السيد حسّون عن تقديم محاضرة على منبر منتدى الجاحظ الذي يديره صلاح الدين الجورشي بعدما وافق على ذلك خلال معرض الكتاب بالكرم. وقد برر الضيف الإيراني تراجعه بنصيحة الشيعة التونسيين له بعدم المساهمة في نشاط فضاء معارض للحكومة التونسية.

 

6 – تبرير إيديولوجي للسرقة ظاهرة غير أخلاقية انتشرت منذ سنوات وهي السرقة داخل المعرض ويقترفها لصوص غير محترفين، وهم مجموعة من الطلبة منهم مَن يُعرف بنشاطه النقابي الطلابي ومنهم نشطاء سياسيون شبّان. وتتفاوت تبريرات السرقة عندهم ولكنّ الجواب البديهي الحاضر عندهم إيديولوجي. ومن المؤسف أنّ الكتب المسروقة تعرض للبيع على الأصدقاء فيما بعد.

 

 (المصدر: مجلة « كلمة  » الألكترونية، العدد 42 ماي 2006)

 

 ألف شكر
كلمة أم زياد لساني طويل ولسان قلمي أطول. ولكنّهما لا يجدان العبارات القادرة على وصف تأثّري بما لقيته من الناس من تعاطف معي ومع عائلتي في المحاولة الآثمة التي أقدم عليها النظام لتدنيس عرضنا وتشتيت ما اجتمع من شملنا. إنّ النظام ككلّ غشيم وطائش يريد الشيء فيدرك عكسه : أراد التشهير بنا فجعلنا أكثر شهرة… ايجابية. وأراد تفكيك أواصرنا الأسرية فزادها التحاما وصلابة وأراد عزلنا فكثر الناس من حولنا… وأراد تسويد وجوهنا فبيّضها ناهيك أنّ صديقا لأحد أبنائي قال له إنّه يحسده على وضعه المشرّف (هكذا) ويتمنّى لو كان مثله ابنا لأبوين مستهدفين من أجل مواقفهما وليس ابنا لأبوين راكدين منكمشين خوفا من الدكتاتورية. لقد وجدت وزجي في المدة الأخيرة من مظاهر التعاطف والمساندة ما لم نكن نتوقعه : زيارات ومكالمات هاتفية من تونس وخارجها وبريد الكتروني وعبارات مساندة وصلتنا (عبر وسائط) من أناس مهمّين داخل السلطة والحزب الحاكم عبّروا فيها عن استهجانهم للفرية البوليسية التي استهدفتنا وعن تبرّؤهم من هذه الممارسات القذرة التي لا تمثّل نظامهم حسب قولهم. ومهما يكن من أمر فالشكر لهم على هذا الاعتراف بالحق ولو كان في رأيي منقوصا… والشكر كلّ الشكر لكلّ من زارونا وهاتفونا وشدّوا أزرنا مؤكّدين بحركاتهم النبيلة تلك أنّ تونس ليست الطغمة الحاكمة الرعناء التي لا تستبعد أسلوبا مهما كانت قذارته وخسّته وليست أذناب هذه الطغمة بذلّها وصَغارها واستقوائها بالأشرار للانتقام من الأحرار. بل هي تونس الذوق والجمال والحق والشرف التي تلفظ القذارة والرداءة والدناءة وتدحر الجلاّد بتكريم الضحية… فلك كلّ حبّي واحترامي يا تونس الجميلة، وكلّ رجائي الذي أعمل من أجل تحقيقه هو أن يزول عنك هذا الكابوس وأن تكوني أنت المنتصرة. وتصوّروا…! لقد كتبت عن شخصي البسيط مقالات تكريم وتمجيد تفيض عن قيمتي الحقيقية. وكان من المفروض أن تحرج هذه المقالات تواضعي (الحقيقي والله) وتحملني على إنكار ما نسب إليّ من حميد الصفات ولكنّ شيئا من ذلك لم يحدث. والذي حدث هو أنّ هذه المقالات أطالت قامتي (القصيرة والحق يقال) وأغرتنب بأن أخرج لساني ساخرة ومعابثة للطغاة المتغطرسين الذين يحصلون بعد الترهيب المقيت ودفع الأجور المكلفة على مديح أجوف ومتكلّف في حين احصل أنا « ببلاش » وبصفة عفوية على تكريم من القلب ولا أجر له إلاّ الشعور بالرضا على نصرة المظلومين والدفاع عن الأخلاق في هذا البلد الذي تدوس فيه السلطة الأخلاق وتستسهل هتك أعراض الناس… فألف شكر لمن حسّسوني بأنّي أفضل من الأمير والرئيس والوزير ولمن كتب لي وكتب عنّي فطمأنني على أنّي لا أواجه عواصف البغاة بمفردي. شكرا خالد شوكات وبارك الله فيك ولك في أطفالك الذين تريد تعريفهم بي. شكرا مرسل الكسيبي على كتاباتك واتصالاتك وجزاك الله والوطن عنّي وعن عائلتي بكلّ خير. شكرا « صابري أنا » ولا تمت أرجوك ولا تتراجع عن النهج الذي اخترته لكتابتك… شكرا لرفيقي الدرب وبلسم الروح والقلب سهام ومنصف. شكرا لجريدتي الموقف والطريق الجديد اللتين قامتا بوظيفتهما الإعلامية فنشرتا في عموم الناس ما أحجمت الجرائد المأجورة عن نشره من خبر الفضيحة التي أرادها النظام لي ولعائلتي، فلم تكن إلاّ فضيحته هو. وشكرا لـ »جرأة » العزيز سليم بڤة التي فتحت لي مجالا للتشهير بالمجرمين وللوصول إلى إخواني وأخواتي في المنفى. شكرا لـ »تونس نيوز » ناشرة الرأي الحرّ وجامعة الشمل. وشكرا للمواقع الأخرى التي لا أعرفها جيّدا بحكم الحصار المضروب على الانترنت… شكرا واعتذارا لكلّ من لم أذكرهم. وممّا سرّني وأثلج صدري نوعية الأسماء الجيّدة التي طلبت أو قبلت التواجد في اللجنة التي شكّلت لمساندتة عائلتي. وقد ضاعف شعوري بالارتياح وجود أسماء لم يسبق لها الانخراط في أيّ مبادرة احتجاجية على السلطة ولكنّ شناعة الفعلة أخرجتها عن تحفّظها.

 

(المصدر: مجلة « كلمة  » الألكترونية، العدد 42  بتاريخ 20 ماي 2006)

 

هذه الملاحم وإلاّ بلاش !!

أمّ زياد هذه تحيّة تقدير وعبارة مساندة للمحامين المعتصمين الذين تعذّرت زيارتهم نظرا للحصار البوليسي المضروب على دار المحامي معجزة تونسية ينساها دائما مدّاحو النظام وهي معجزة انتقال تونس في وقت قياسي من بلد له بوليس إلى بوليس له بلد. وفي الفترة الأخيرة لم يعد هناك لا بوليس ولا بلد، فقوّات الأمن التي انحرفت عن وظيفتها إلى أقصى درجة، صارت أشبه شيء بقوّات الاحتلال. والبلد صار ضيعة خاصّة لطغمة لها حرّاسها الخاصّون الذين يعدّون بمئات الآلاف والذين أطلقت أيديهم في البلد المحتلّ حتى نزلوا به إلى الدرك الأسفل من القمع والتنكيل ونزلوا بأنفسهم إلى درك أسفل من الممارسات المزرية بالجهاز الأمني والكاسرة لهيبته الضرورية أصلا للحفاظ على الأمن العام… وما يحدث هذه الأيّام حول دار المحامي بباب بنات خير دليل على تردّي الوضع الأمني في تونس. المحامون غاضبون على القانون الجديد المؤسس للمعهد الأعلى للمحاماة والذي صيغ بكيفيّة لا تستجيب لتصوّراتهم هم المعنيّين الأوائل بهذا المعهد، ولذلك قرّروا الاعتصام بدارهم التي على ملكهم. وكان هذا القرار صادرا عن الهيئة الوطنيّة للمحامين ممثلهم الشرعي. ولكن السلطة التي ذهبت شوطا في هدم كلّ هيكل شرعي يرفض استبدادها قررت كسر اعتصام المحامين وعزل المعتصمين في خطوة أخرى لمحاولة القضاء على هيأة المحامين التي بقيت الهيكل الشرعي الوحيد المستقل في البلاد الذي لم تغلق أبوابها وتسلم مفاتيحها إلى صنائعها مثل جمعية القضاة، أو الذي لم تعرقل سيره الطبيعي بتحريك قضايا ضدّه أو بمحاصرته أمنيّا مثل الرابطة والأحزاب القانونية المستقلّة. إنّ هذا في حدّ ذاته فضيع ولكن عندما نقترب من دار المحامي لنرى الطرق البائسة التي يقمع بها الاعتصام فإنّنا نجد أنّ كلمة « فظيع » لا تكفي ونرى رأي العين الحضيض الذي نزلت إليه السياسة الأمنية في تونس : معارك… ويا لها من معارك لا يصدّق بؤسها إلاّ من رآها وعاشها أو سمع عنها من ثقة أسوق إليكم تفاصيل البعض منها وأسجّلها للتاريخ وأقدّمها كمرايا أضعها أمام بعض المسؤولين الأمنيّين الذين مازالت فيهم « شعرة سيدنا علي » عساهم يرون فيها صورة سلكهم الشوهاء فيتداركوها قبل فوات الأوان ولا يقال فيهم كما قالت « الغنّاية » الجنوبية وهي تنشد « خلف سدايتها » وتندب حظّها العاثر الذي جعلها تعوّل على زوج يحميها فإذا به يخذلها : صْديدْ شِيركو ماكش حديد مْناجلْ نَا غِيرْشي من الـهَمْ دِرْتك راجِلْ  

معركة « الجراري » يُجمع شهود العيان والرواة الثقاة على أنّ هذه المعركة هي « أمّ المعارك » التي خاضها صناديد بوليسنا المظفّر ضدّ المحامين المعتصمين وكان ذلك مثلما هو الشأن بالنسبة إلى بقيّة المعارك تحت قيادة الضابط الكبير عماد العمري رئيس منطقة القصبة الملقّب بذي الكفايتين كفاية السيف وكفاية القلم، وذلك لأنّه كان في الأصل أستاذ عربية ثم التحق بالسلك الأمني لمّا تبيّن أنّ البلاد تحتاج بوليسيّة أكثر ممّا تحتاج مدرّسين. انقدحت الشرارة الأولى لهذه المعركة المجيدة لمّا شاهد البوليس الذي كان يملأ شارع باب بنات والشوارع المتفرعة عنه والمجاورة له مجموعة من المحامين الملتزمين بقضايا المهنة ومن بينهم عضو في الهيئة وهم يفتحون باب سيّارة ويخرجون منها بعض حشايا « الموس » الرقيقة قصد حملها إلى دار المحامي ليفترشها المحامون المعتصمون. لقد كانت الفعلة فظيعة والتحدّي صارخا وإلاّ فكيف تُحدِّّث محاميا نفسه بأن يدخل إلى داره « جراية » تهدد النظام العام وتجعل أمن الدولة على كفّ عفريت.ذ لا ! هذا كثير ولا يمكن أن يقبل به « الشرف » البوليسي وهذه « الجراري » العدوانية لا يمكن أن تدخل دار المحامي وفي فرسان جمهوريتنا عرق ينبض بالدماء الغيورة على الوطن. ولهذا كانت الغضبة البوليسية مستشيطة والحرب على جراري الموس حربا ضروسا اُستعملت فيها أحدث الأسلحة البوليسية من سبّ الجلالة واستعراض للأعضاء التناسلية للأمّهات، هذا طبعا إلى جانب الأسلحة البوليسية الثقيلة من « بونية » و »مشطة » و »شلابق » انهالت على ممثّلى الدفاع في المحاكم التونسية مخلّفة ضحايا، بعضهم جرح وأغمي عليه ونقل إلى المستشفى مثل الأستاذين عبد الرزاق الكيلاني عضو الهيئة الوطنيّة للمحامين وعيّاشي الهمامي الذي له سوابق لا تغتفر في الدفاع عن الحريات. أمّا البعض الآخر فقد جرح دون أن يغمى عليه أو تنقله سيّارة الإسعاف إلى المستشفى مثل الأستاذ عبد الرؤوف العيادي وفي سجلّه عند النظام خطايا لم يعد يتّسع لها الورق. كان المشهد ملحميّا من تلك المشاهد التي تكبر عن قلمي ولا تستحق إلاّ أن يكتب عنها « هوميروس » والمتنبّي مجتمعين. ولولا أنّ المواطنين المارين بالطريق آنذاك يخافون كثيرا من البوليس ولو أنّهم فهموا أنّ بوليس بلادهم يخوض تلك المعركة العظيمة ضد « الجراري » من أجل هيبة دولتهم لكانوا تجمّعوا لتشجيع أبطال بوليسهم فيزغرد النسوة ويهلّل الرجال ويكبّرون. وقد أسفرت معركة « الجراري » عن فوز فريق البوليس بالنقاط وليس بالضربة القاضية بما أنّ فريق المحامين استطاع أن يُدخل إلى داره جراية واحدة بينما وقعت الثلاث الأخريات غنيمة في أيدي أبناء القائد المظفّر عماد العمري. ومن ألطاف الله وبنصر منه استطاع فريق البوليس تجنّب التعادل مع فريق المحامين وذلك بسبب تقنيّ بحت حيث كانت الجراري الثلاث التي ظفر بها الفريق المظفر مربوطة إلى بعضها بخيط « قرنب » ولولا هذا القرنب المبارك لاستطاع المحامون انتزاع جراية أخرى وتحقيق التعادل المخلّ بهيبة الدولة أو التفوّق، وتلك الطامّة الكبرى. وعلى كلّ هنيئا لك النصر أيّها القائد العظيم وها أنّك ضمنت مادة لمسامرة أبنائك وأحفادك واستعراض أمجادك أمامهم كما يفعل في العادة قدماء المحاربين… ورجاء يا ذا الكفايتين لا تنسى أن تقول للأنجال إنّك أبتّ على الأسمنت رجالا من خيرة ما أنجبت بلادك لكي يستريح على حشايا الريش أفراد العصابة التي تحتجز بلادك.
 
معركة « الفليجة المنطق وقواعد النظافة وحفظ الصحّة تقول إنّ من يبيت في غير بيته يحتاج إلى أدباش نظيفة وأدوات نظافة وذلك ما اعتقده المحامي وعضو هيأة المحامين الأستاذ محمد جمور واعتبره أمرا بديهيا ولكن هيهات… فلكلٍّّ بديهياته وموقفه من النظافة : لقد تحوّلت حقيبة الأدباش التي أراد الأستاذ جمور إدخالها دار المحامي إلى قضيّة سياسيّة من العيار الثقيل : شدّ وجذب ونقاشات حادّة ومفاوضات انتهت كلّها بفوز « الدبلوماسية » البوليسية ومنع فليجة جمور من دخول دار المحامي وتجنّب ما كان سينتج عن دخولها من عواقب تطير بها كراسي وتقطع بها رؤوس… ومعلوم أنّ الشعار المرفوع في هذه البلاد هو « راسي راسي !! » هذا جانب الملحمة الخاص بمحاصرة العدوّ وحجز معدّاته ويمكن أن نطلق على هذا الجانب شعار اللائين التاريخيّين  » لا للجراري لا للفاليجات في دولة القانون والمؤسسات ». أمّا الجانب الآخر من الملحمة فيتعلّق بالأكل… أي بالطعام الذي صار اللغة السياسية الوحيدة في رداءة هذه المرحلة، بعضنا يضرب عنه احتجاجا و »بعضنا » الآخر يمنعه عن المحتجّين. ويمكن أن نطلق على هذا الجانب من المرحلة شعار « الطعام أو الاعتصام ». وهذا تخيير قد يفهم لو كان مانع الطعام هو الذي يدفع ثمن الأكل من جيبه أو من مال أبيه ولكن القوم بلغت بهم الصفاقة والرقاعة وقلّة الحياء إلى حدّ منع الطعام عن أصحابه… هاكم بعض المعارك.
 
معركة الدجاج والكسكروتات عميد المحامين السابق الأستاذ بشير الصيد أراد أن يطعم زملاءه المعتصمين فاشترى لهم ما تيسّر من دجاج مصلي وكسكروتات. ولكنّ ممثلي سلطتنا البعيدة عن الرشد قاموا مثل رجل واحد وأقاموا بين الطعام وأصحابه جدارا عازلا ولمّا حاول العميد التمسّك بحريته في إطعام زملائه افتكّوا منه لفافاته وبعثروا محتوياتها في الطريق بما في ذلك الدجاجات وفي تعارض صارخ مع الشعار المرفوع في تلفزتنا بمناسبة أنفلونزا الطيور والذي يحثّ على أكل الدجاج قائلا « دجاجنا سليم ميا في الميا اتهنّى وكول بالشفا » فلله درّه من انتصار دجاجي حقّقه فرسان الجمهورية وسيسجّل لهم لا محالة في تاريخ ذوات الريش والمناقير والديوك المغرورة التي تصيح زهوا وسيقانها غائصة في المزابل… وللتاريخ أيضا مزابله… اللقطة المميّزة في هذه المعركة هي أنّ من قاد كتيبة الدجاج هذه كان ضابطا ساميا في الأمن بنجومه اللامعة وشعار الجمهورية على قبّعته…
 
معركة البيتزا بجانب دار المحامي انتصب مركز للشرطة انتصابا عشوائيّا ركّبت فيه رادارات بشرية تدخّن وتشرب القهوة طوال النهار وفي جزء من الليل. وقد ضبطت هذه الرادارات ذات ليلة مجموعة من المحامين المعتصمين وهم عائدون إلى دارهم وبأيديهم أربعة علب بيتزا فدخل المركز على الفور في حالة استنفار قصوى وشنّ في الحال هجوما سريعا على « المهربين » قصد افتكاك بضاعتهم. وبما أنّ حاملي البيتزا لم يكونوا من النوع الذي يستسلم فإنّهم صمدوا ودافعوا عن قوتهم وقوت زملائهم المناضلين وأسفرت العملية عن دخول بيتزتين دار المحامي في حين لم يظفر البوليس إلاّ بقطعة بيتزا واحدة تقاسموها فيما بينهم بينما تفتت البيتزا الرابعة وتبعثرت أشلاؤها فوق الرصيف. وهكذا حرم فرسان جمهورية الغد من… وسام البيتزا.
 
معركة الفطائر لقد كانت لهذه المعركة أبعاد كونية إذ تحدثت بها وكالات الأنباء والفضائيات. وهذه وقائع المعركة : الأستاذة ليلى بن دبّة محامية « ڤدعة » وبنت بلد وذات توجّه شعبي ولهذا لمّا عزمت على حمل فطور الصباح إلى زملائها المعتصمين اتّجه اختيارها إلى فطائرنا الشهيّة دون « البريوش » أو « الكورن فلايكس »… وحسنا فعلت ليلى كما سنرى. لقد قرر مهندسو الحصار الغذائي زملاء شارون وأولمرت أنّ أيّ طعام يدخل دار المحامي يعدّ خطرا يهدّد بزوال دولة الاحتلال ولهذا اعترضوا سبيل ليلى وطلبوا منها تسليم فطائرها بسلام ومواصلة طريقها. وبما أنّ ليلى قوّة من قوى الطبيعة فقد أصرّت على عصيان هذه الأوامر الغبيّة وواجهت قذائف « حراس السرداب » الكلامية التي حاولت النيل من شرفها وعرضها. ولمّا تطوّر الأمر نحو التجاذب والتعنيف الجسدي وبما أنّ ليلى كانت وحيدة وهم كثر فقد انتزعت من ليلى فطائرها انتزاعا عنيفا وكلّه « رجولة » خلّف للمحامية الشابّة أضرارا بدنية منها كسر بأحد أصابعها أمّا « أبطال » هذه المعركة البائسة فقد لطّخ الزيت أيديهم وعلقت بقعه بثيابهم التي اشتروها بمال لا يرضى به ذوو مروءة. ماذا أكتب بعد هذا ؟ وماذا أكتب عن حرب الجبناء التي تشنّ على رجال قانون لم يفعلوا شيئا سوى الاحتجاج على قانون يرونه خارج القانون ؟ بل أي كتاب يمكن أن يسع الحديث عن الآفة البوليسية التي تنخر بلادنا مثلما تنخر الأرضة الخشب ؟ بل من هو الذي يصحّ أن نطلق عليه اسم بوليس في بلادنا : البوليس النظامي أم الإدارة المبولسة أم محامي الخليّة الذي يتطاول على أسياده ويوجّه إليهم التهم الخطيرة على الأثير وهو في مأمن من العقاب (أو هكذا يعتقد) أم الصحافي المأجور الذي يزيّن الباطل ويسمّي القرد غزالا أم… الوزير ورجل القانون الذي يمارس التضليل على الهواء مباشرة ويحاول أن يشوّه صورة الأحرار في غيابهم وهو يعلم ألاّ فرصة حقيقية للردّ عليه؟؟
 
(المصدر: مجلة « كلمة  » الألكترونية، العدد 42  بتاريخ 20 ماي 2006)


 

وصيّة عادل
عمر المستيري في صباح السبت 6 ماي رنّ جرس الهاتف داخل مقرّ المجلس الوطني للحريات بتونس ولمّا رفع سامي نصر السماعة تلقّى صوت عادل الذي أحال على المجلس حالة سجين الرأي إلياس الرمضاني حيث أبلغته عائلته أنها فقدت الصلة به منذ أكثر من شهر وهي تتنقل بين سجون البلاد المتباعدة دون أن تتمكّن من مقابلته… لم نستغرب من موضوع المكالمة، إذ كانت صلة عادل بالمجلس متسمة بكثافة تداول مثل هذه الحالات، إنما اندهشت لمعرفتي أنّ عادل بادر بهذه المكالمة وهو ملقى على سرير غرفة الإنعاش المكثّف بمستشفى المنجي سليم بالمرسى حيث زرته قبل يومين وانتابني الفزع لما عاينت حالة الإنهاك البدني البادي عليه وهو محاط بعديد شاشات أجهزة المراقبة الصحية وخيوطها تخترق أنحاء جسمه. اندهشنا فرحة وصار الأمل يخلخل الإحباط الذي ساد من جرّاء ما بلغنا من معلومات طبية سيئة حول حالة صديقنا. واندهاشنا كان أيضا إعجابا أمام برهان نادر على عمق انغراس الحس الحقوقي. فرحتنا لم تدم. فلم تمر خمسة أيام حتى رنّ جرس هاتف المجلس، دقائق معدودات بعد الساعة الثالثة ظهر يوم الخميس 11 ماي لنتلقى مكالمة ثانية من المستشفى ذاتها إلاّ أن السماعة هذه المرة أبت أن تطمئننا بإيصال صوت عادل إلينا وإنما صعقتنا بإسماعنا كلمات طبيبه الصارمة وهو يعلمنا أن صديقنا سكت إلى الأبد. أدركنا بعد الصدمة أنّ مكالمة عادل مِن على سرير الإنعاش تحوّلت إلى وصية أصدرها من فراش الموت : متابعة ملفات الانتهاكات والاستماتة في التشبث بحقوق الضحايا إلى آخر رمق. هذه الوصية الراقية تنضاف لتثري رسائل أخرى لا تقلّ بلاغة خلّفها إيقاع أنشطة فقيدنا العزيز على امتداد السنين في الحقول الحقوقية والاجتماعية والثقافية. تميّز بقدرة ميدانية عجيبة في فهم خصوصيات المحيط وربط الصلات بالمواطنين ودقّته في جمع المعلومات وأمانته في توثيق الوقائع. في بيئة صعبة تتسم بكثافة الحضور الأمني من جراء مجاورتها للحدود الجزائرية وتفشي الفقر نجح عادل في التشهير ببشاعة ممارسات البوليس السياسي. هكذا، في فترة صمتت جل الأصوات وجُمّدت أغلب الأطر استطاع أن يعرّف بمحنة رضا الخميري سجين الرأي الذي مات جوعا بسجن بلاريجيا سنة 1994 بعد أن اضطرّ للإضراب عن الطعام لإبقائه اعتباطيا بالسجن بعد أن قضّى عقوبته. تميّز عادل كذلك في ملاحقة الجلادين وكان له دور هام في تتبّع خالد بن سعيد الموظف السابق بقنصلية سترازبرغ الفار من العدالة الفرنسية من جراء أعمال تعذيب اقترفها بولاية جندوبة حيث كان يشغل خطة محافظ شرطة. من اليسير الحديث عن دوره في إعداد التقارير أو الدراسات أو تنظيم الهياكل… فكلّ من عاشر عادل يعرف حجم التغيير الذي طال الأطر بانضمام عادل لها أو بابتعاده عنها. لتكتمل الصورة عن الرجل أريد فقط أن أذكر الصعوبة الكبرى التي لقيناها كي نرفق هذا الكراس الخاص بصورة للمرحوم. فتفحصنا مئات الصور التذكارية لعشرات الأحداث التي مرّت بها الحركة الديمقراطية التونسية، فلم نعثر على صورة واحدة يظهر في صدارتها على عكس الأدوار التي تقمصها وخلافا للعديدين بارزين في الصور التذكارية وهامشيين ميدانيا. فقد جسّد نكران الذات في أبعاده القصوى… لقد قضى عادل أكثر من ليلة شتوية قاسية في أهواء محطة سيارات الأجرة في انتظار أول رحلة صباحية تمكّنه من الالتحاق بمكان تدريسه في الإبان بعد أن فاتته آخر رحلة مسائية من جراء إصراره على مواكبة كاملة للاجتماعات. دقة، نجاعة، شجاعة، روح خلاقة، مثابرة، حس اجتماعي قوي، إنسانية… تلك كانت خصال عادل العرفاوي. من الصعب جدّا جمعها في شخص واحد. سيبقى مكانه شاغرا لمدة أخشى أنها لن تكون بقصيرة.
 
(المصدر: مجلة « كلمة  » الألكترونية، العدد 42  بتاريخ 20 ماي 2006)


 
عادل العرفاوي فقيد الحرية  
بقلم أم زياد مثل أخيه زهير اليحياوي، رحل عادل العرفاوي عن الحياة مبكّرا وبه مثله ظمأ للحرية التي خدم قضاياها في صمت لا يقدر عليه إلاّ كلّ متواضع أصيل. وبتفان لا يعرف طريقه إلاّ إلى القلوب السخيّة أغمض عادل عينيه إلى الأبد عن مشهد مظلم من القمع والعسف وفي أذنيه وهو على فراش الموت صدى نحيب ضحايا الظلم الذين اعتاد سماع شكاياتهم وتبليغها… فيا لها من نهاية تجعل أصدقاء عادل يبكونه بدل المرة مرتين. عادل العرفاوي زهرة أخرى من زهور حرية تونس يقطفها الموت قبل الأوان وترحل عنّا تاركة في صدورنا حسرة وفي قلوبنا عزم على تحقيق الحلم الذي لا يموت. وداعا يا عادل الصديق والرفيق المحبوب الذي غادرنا قبل أن تشبع عيوننا من رؤيته. بل إلى اللقاء أيّها الفتى الذي لا يحضر في الملمّات ويختفي في التشريفات. والرأي عندي أنّ المستقبل لن يتركك للغيبة والنسيان بل سيحضرك رغما عنك وسيخجل تواضعك بمنحك التكريم الذي أنت به جدير… سيكون اختيار مجال تكريمك عسيرا، فأنت في التعليم وجهاده المضني وفي الحريات وصراعاتها المكلفة مع السجان، وفي العمل النقابي ومحنة تخليصه من القيد… أنت في قلوبنا يا عادل. (المصدر: مجلة « كلمة  » الألكترونية، العدد 42  بتاريخ 20 ماي 2006)


كلمة تأبين الأخ عادل العرفاوي
 
مولدي الجندوبي أخواتي وإخواني : أقف أمامكم في هذا المقام الجلل وهذا الحدث المهيب لننعى باسمكم وباسم جندوبة وباسم الوطن أحرار الإنسانيّة أخانا عادل العرفاوي الذي توفته المنيّة يوم أمس، فكل نفس ذائقة للموت، ولكن العزيز الشريف يخلّف في القلوب حرقة وفي النفوس لوعة يمتد لظاهما من العائلة وأسرته وكرائمه إلى إخوانه ورفاقه وزملائه وتلامذته وكل من عرف فيه نبل الأخلاق وشريف الأعمال. إنّا لله وإنّا إليه راجعون. هكذا تأتي ساعة القدر لتوقف في فقيدنا الغالي شرارة الفعل والطموح والنضال فهو سليل عائلة اشتهرت بمواقفها الاجتماعيّة والنضاليّة، إذ كان والده المرحوم محمد العرفاوي من مؤسسي اتحاد الشغل بجندوبة سوق الإربعاء. ومن مناضليه الأوائل في النصف الأوّل من القرن الماضي. أمّا أخونا عادل العرفاوي فإنّه من الشخصيات النادرة بشهادة الجميع فهو متعدّد الأنشطة دائم الفعل. إذ كان من مؤسسي فرع الرابطة التونسيّة لحقوق الإنسان بجندوبة سنة 1981 وعمل في رئاسة الفرع ردحا طويلا إلى أن فاز بعضويّة الهيئة المديرة في المؤتمر الخامس ولا يزال حتى سرقته يد المنون. وهكذا مصائب الدهر. كما كان مناضلا نقابيّا يشارك في إعداد جميع التحركات ويعمل على تعبئة المناضلين أثناء الندوات والاجتماعات وكان في طليعة التحركات الجماهيريّة التي نزلت إلى الشوارع هادرة دفاعا عن شعبنا في فلسطين والعراق. كما كان المرحوم شديد الاهتمام بالحياة الثقافيّة في الجهة سواء إدارته لمهرجان بلاّريجا واستضافته للفنّانين الملتزمين أو تنظيمه الندوات الفكريّة من خلال مؤسستي الاتحاد أو الرابطة. أو دار الثقافة القديمة. كما كان يحتضن أبناء الفرقة المسرحيّة ويذود عن الأعمال الجدّية. ويكرّم مبدعي الأدب والفكر. ويحتضن التلاميذ ويساعدهم. إنّ موتك أيّها العزيز على قلوب المناضلين والصادقين يمثل حدثا تتوقف على إيقاعه الحزين مدينة جندوبة التي خسرت بفقدك شخصيّة وطنيّة عملت ما في وسعها من أجل الدفاع عن الحريّة والكرامة والوطنيّة والهويّة والحقوق العربيّة المهدورة. فكم تردّدت على أقطار من المشرق إلى المغرب في سبيل فكّ الحصار الإعلامي عن الحقيقة. كم عملت من أجل يوم ترفع فيه رايات الحق والعدل ولكن أعمالك سيخلّدها التاريخ المحلّي والوطني والإنساني. كما يخلّد أعمالك الفكريّة المنشورة في الصحف والدوريات العربيّة والوطنيّة. كما يبقى كتابك « خمس دراسات عن جندوبة » شاهدا على أن موطنك كان همّك الأكبر إذ أنفقت جلّ وأغلب سنوات عمرك بين شوارع جندوبة وفي أكناف نواديها ومقرّات اتحادها ورابطتها ومقاهيها. فلتبكيك المدينة ولتحزن لفقدك مياه مجردة وليفتقدك أحباؤك وذاكرتهم حرى من شعلة نشاطك وكثير أعمالك ولتتسلّمك تربتها الطيبة لتقر عينيك فيها، ولتجدنّ رحمة ربّك أوسع ممّا يجمعون. فرحمك الله وأسكنك فراديس جنانه ورزق أهلك ومحبّيك ورفاقك وتلامذتك جميل الصبر وخير السلوان. مولدي الجندوبي الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بجندوبة  

(المصدر: مجلة « كلمة  » الألكترونية، العدد 42  بتاريخ 20 ماي 2006)

 


 

 

عادل العرفاوي مثال التواضع والقدرة على اعلاء قضية التحرّر من الاستبداد فوق كلّ الاعتبارات

كمال العبيدي لا يكاد يمرّ يوم منذ أن بلغني نبأ وفاة عادل العرفاوي دون قضاء وقت طويل في التفكير في حجم الخسارة التي منيت بها فجأة حركة حقوق الانسان التونسية وهي تتعرض لحصار شرس قلّ نظيره في مخثلف أنحاء العالم و في سبل الاستفادة من سيرة مناضل رحل وبلاده التي ثحوّلت الى سجن كبير لازالت في أشدّ الحاجة اليه. حرمتني منذ عام 1996 سنوات الهجرة القسرية الى عدّة بلدان حيث لا اضطهاد ولا استبداد ولا بوليس سياسي يطرق بابك لترويعك أو افتكاك جواز السفر من متعة الجلوس الى أعزّ الأقرباء و الأصدقاء ومن مزيد التعرّف على تونسيات وتونسيين كعادل العرفاوي يؤثرون وطنهم وقضية تحريره من الظلم والفساد على أنفسهم. كانت ثصلني من حين لاخر أصداء طيبة عن عادل الذي كان وسيبقى في نظري مثالا للاخلاص لقضية تحريرتونس من قيود الاستبداد وبناء مؤسسات تضمن العدل والمساواة والأمن للجميع الى أن حظيت بلقاء طويل معه في القاهرة في شهر مارس 2005. كانت المناسبة مشاركته في ورشة عمل نظمتها الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرّية التعبير(أيفكس) لفائدة صحفيين ومدافعين عن حقوق الانسان من عدّة دول عربية. شعرت بعد اللقاء بعادل وأثناء مشاركته في الورشة باعتزاز كبير لأنّي وجدت نفسي لبضعة أيام رفيق درب لأحد خيرة من عرفت وأكثرهم تواضعا ونكرانا للذّات من بين نشطاء حقوق الانسان العرب في السنوات الماضية. .كما أنّ مشاركته و لطفي الحيدوري – بامتياز- ساهمت في الرفع من شأن تونس المقاومة للاستبداد في نظر بقية المشاركين العرب في الورشة والمشرفين عليها و خاصة كريستينا ستوكوود مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال افرقيا بشبكة « ايفكس » والمدرّب جول كمبانيا، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا بلجنة حماية الصحفيين. انّ خير ما يمكن أن يقدّمه من عرف عادل وأحبّه وذلك بعد الفراغ من اداء واجب التعازي والتضامن مع أسرتيه في جندوبة و العمران حيث يشتدّ الحصار على الرابطة هو النسج على منواله في اعلاء قضية التحرّر من الاستبداد فوق الاعتبارات والخلافات الشخصية والحزبية الضيّقة والتحلّي دوما بالتواضع والعمل الدؤوب على كسب الأنصار والأصدقاء.   (المصدر: مجلة « كلمة  » الألكترونية، العدد 42  بتاريخ 20 ماي 2006)


 
 

أنكر ذاته وسخر كل طاقته وإمكانياته لنصرة الحق والعدل  

المحامي سعيد المشيشي عندما يخطف الموت الفقيد المرحوم عادل العرفاوي تكون الفاجعة كبيرة بكل المقاييس ويجفّ الحبر وينهمر الدمع ويعتصر القلب كمدا ويظل الفكر شاردا فاقدا لتوازنه مدّة طويلة… كان الفقيد صديقا وأخا ورفيقا مخلصا لكل من عرفه واقترب منه… كان كريما مؤْثرا الغير على نفسه ولو كانت به خصاصة.. وكان من طينة المناضلين الكبار، متمسكا بالقيم والمبادئ الإنسانيّة وحريصا على صونها، متواضعا، كثير العمل والحركة قليل الكلام… التزم الفقيد بقضية الدفاع عن حقوق الإنسان في سنّ مبكّرة من عمره وكرّس حياته في سبيل خدمتها حتى أنّه يعرف لدى الخاص والعام بصفة المناضل في مجال حقوق الإنسان… وفي كل المعارك التي خاضتها القوى الديمقراطيّة بالبلاد كان الفقيد حاضرا وفي الصف الأمامي وبصفة الفاعل المسؤول… عمل الفقيد بجديّة لا مثيل لها في سبيل المبادئ النبيلة وضحّى بما لديه في سبيل نشر ثقافة حقوق الإنسان ودعمها… وبشجاعة نادرة قام برصد التجاوزات وكشف عن الانتهاكات وعمل على فضحها في فترات كان مجرد اعتبار لمستواهم الاجتماعي والثقافي وانتماءاتهم وتوجهاتهم الفكريّة والعقائديّة… لا أحد من جيلي مارس الفعل مثلما مارسه الفقيد… أنكر ذاته والتزم بخدمة القضايا العادلة وسخر كل طاقته وإمكانياته لنصرة الحق والعدل… بشهادة الجميع يمثّل فقدان المرحوم عادل العرفاوي خسارة كبيرة للحركة الديمقراطيّة المناضلة… ويصعب ملأ الفراغ الذي أحدثته وفاته… إنّ لله وإن إليه راجعون…

 

(المصدر: مجلة « كلمة  » الألكترونية، العدد 42  بتاريخ 20 ماي 2006)


خطاب من المتحف

ورد من الأرشـيـف

نشر في كلمة عدد42

 

بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة السنة الماضية في مفتتح ماي 2005 وجه « السيد » الرئيس خطابا إلي جمعية الصحفيين وجمعية مديري الصحف وإلى جميع أفراد الأسرة الإعلامية !

ورد نص الخطاب على صفحة تونس نيوز الإلكترونية، الممنوعة في تونس كغيرها من الصفحات المستقلة

بتاريخ 2ماي 2005  وقدم فريق تونس نيوز للخطاب يومها بالآتي:

 

 نماذج مستمدة من الخطاب الرسمي التونسي (علامة مسجلة):

قطع متحفية لانريد أن نحرمكم منها قبل تحويلها قريبا بإذن الله إلى إدارة الآثار:

وقد « جنّح » كاتب الخطاب في الخيال وتحدث عن صحافة في مدينة أحلام لا في بلد تكتم فيه الأنفاس وتكمم فيه الأفواه وينكل فيه شر تنكيل بكل من يغرد بكلمة واحدة خارج سرب « المرتزقة والمطبلين »

لقد زايد « كاتب » الخطاب على سيده الذي يكتب له الخطاب!

فقد اعترف رئيس الدولة بنفسه لما قابل « الصحفيين » قبل سنوات، تلك المقابلة اليتيمة! بأن وضع الصحافة بائس « رغم التشجيع »! وصرح بأنه بمجرد الإطلاع على جزء من جريدة واحدة يكون قد اتطلع على كل الجرائد!

ثم نسي « سيادته » ذلك وألقى هذا الخطاب الموغل في الخيال ومجانبة الصواب! والمتجاهل لمآسي الصحافة والصحافيين وكل من أمسك بالقلم بما لايوافق  « سيادته »!

 

والأدهى والأغرب من ذلك أنه بمناسبة الإحتفال بنفس الذكرى هذه السنة بداية ماي 2006 أعيد استعمال نفس الخطاب كلمة كلمة(*) مع مراعاة نفس ترتيب الفقرات! فقط أضيفت كلمة واحدة ويتيمة في أول الخطاب والكلمة هي « اليوم » وتم إدخالها على النحو التالي :

تشارك تونس اليوم الأسرة الدولية احتفالها باليوم العالمي لحرية الصحافة……..

ويبدو أن كاتب الخطاب قد تكاسل عن كتابة خطاب جديد وأراد أن يوهم سيده بأنه فعل ذلك  بإدخال كلمة اليوم في أول النص أو لعله عرف أنه لايحتاج لخطاب جديد فالوضع هو الوضع ودار لقمان على حالها!

والدولاب « داير » بخطابات الماركة المسجلة، الخطابات التى تنفع لكل وقت ما دمنا نتحدث عن خيال نسلي به أنفسنا وندجل به على الناس تدجيلا مفضوحا! إن هذا الخطاب يصدق عليه ما كان يسميه أستاذي في لفلسفة بالمقدمات « الجوربية » (كلاسط) 39ـ42 البس!!

يُشكر كاتب الخطاب أنه قد انتبه لحذف الفقرة التي تتحدث على أن تونس ستحتضن قمة للمعلومات في نوفمبر 2005 وإلا كنا سنصاب بالغم أن تحل بنا « كارثة » جديدة!

وكنت في السنة الماضية قد أدخلت تعديلات طفيفة على الخطاب بأسلوب هزلي حتى يكون الخطاب مطابقا للواقع ودون تجنّ! نشر في الكلمة عدد 35 وتونس نيوز.

وبما أن الحالة قد ازدادت سوءا وكثير من الصحافيين والكتاب قد ذاقوا الويلات ـ بسبب مقالات كتبوها أو آراء نشروها. أذكر على سبيل الذكر لا الحصر لأن القائمة طويلة جدا: الدكتورالمنصف بن سالم ،السيد حمادى الجبالي، السيد عبدالله الزواري المنفي في وطنه، السيد محمد عبو السجين،والسيدة أم زياد التي تتعرض لحملة لاأخلاقية خسيسة، والسيدة سهام بن سدرين، والسيد سليم بوخذيرالذي يخوض إضراب جوع منذ شهر ثم تعرض إلى اعتداء عنيف، والسيدة شهرزاد عكاشة و…و…. ـ

فإنني أعيد نشر الخطاب « المعدل » أو المحرّف!

بما أنهم قد سمحوا لأنفسهم إعادة نفس خطاب السنة الماضية بل لعلهم ينشرونه في نفس المناسبة منذ « التغيير » ولم يحصل لي « شرف » النهل من معينه إلا السنة الماضية! ويكون بذلك قد فاتني خير كثير لسنين متوالية!

وإنني إذ أعيد نشر الخطاب « المحرف » فإنني سأضيف الكلمة التي أضيفت وأحذف الفقرة التى حذ فت

وإن عدتم عدنا!! (بالخطاب إلى صوابه)

 

                    مغامرة: حاشية على خطاب الرّئيس!

 

بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة اجتمع مجموعة من صحافيي تونس الأحرار الّذين ضيّق عليهم ونكّل بهم شرّ تنكيل وتعاهدوا على خطّة موحّدة وتناسوا فوارقهم السّياسية والفكرية حتّى إنجاز المهمّة الّتي مفادها أن يكون خطاب الرئيس زين العابدين بن علي بهذه المناسبة صادقا ومعبّرا عن واقع الصّحافة في بلادهم واستعانوا بكلّ القوى المادّية والغيبية ! واستحضروا المغامر « أبو » الحروف من برنامج المناهل وتوابع ابن شهيد الأندلسي وزوابعه، فتسلّلوا إلى جيب سيادة الرّئيس قبل إلقاء الخطاب بلحظات وأحدثوا فيه بعض التّعديلات من حذف أو إضافة بعض الحروف والكلمات أو الجمل أحيانا وبما أنّ سيادته يقرأ كلّ ما يكتب له دون زيادة أو نقصان! فقد ألقي الخطاب على النّحو التّالي:

 

 » تشارك تونس اليوم الأسرة الدولية احتفالها باليوم العالمي لحرية الصحافة ولكن بطريقتها الخاصّة، لذلك يطيب لي بهذه المناسبة أن أتوجه بأخلص التهاني وأحرها إلى أعضاء مكتبي جمعية الصحافيين التونسيين وجمعية مديري الصحف والكتّاب العموميين(*) والى جميع أفراد الأسرة الأمنية بكلّ فرقها وتنوّعاتها معربا عن تثميني وتقديري لما تبذلونه من جهود للارتقاء برسالةهذه القطاعات بما يعمق مبادئ الخضوع للسّلطان  ويجسم قدرة أمننا وخطابنا الإعلامي على التكيف مع القمع والدّكتاتورية والإعراض عن التحول الحضاري الكبير الذي تشهده بلاد العالم وما فيها من التزام بالموضوعية في تناول الأحداث وعرض الأفكار والأخبار.

 

لقد اعتبرنا حرية التعبير والصحافة حقا خاصّا بنا وليس من حقوق الفرد والجماعة وأرسينا المناخ الملائم لذلك بفضل ما أقدمنا عليه من توفير للأجهزة « البشريّة » والتّقنية لكتم كلّ صوت حرّ والتّعتيم عليه انطلاقا من قناعتنا الراسخة بخطر رسالته ودوره في توعيةالمجتمع .

 

كما عملنا على أن نواكب التطور السريع لتكنولوجيات الاتصال الجديدة وحرصنا على تنمية قدرات القطاع الأمني في هذا المجال والارتقاء بمهارات العاملين فيه تكوينا وتأهيلا لتيسير أداء الدور الموكول لهم بأفضل الوسائل وفي أحسن الظروف .

 

ونحن على ثقة بان محاولات تنويع المشهد الإعلامي ستـزداد اتساعا ورسوخا و فضاءات التعبير ستزداد اختناقا  بعد أن أغلقنا المجال أمام القطاع الخاص كي لا يساهم في إثراء المشهد الإعلامي في المجالين المرئي والمسموع .

 

وإذ نسجل الإلتزام الذي حققه أداء إعلامنا المكتوب منه والمرئي والمسموع بالدّور المطلوب منه وأحادية مشهده واقتصار مضامينه علي تلميع صورتنا فإنني ادعوكم إلى مزيد المثابرة على هذا الدّرب بما يرسخ مكانتـنا في فضاء  الحكم ويبرز جدارتـنا بعرش تونس  وبما يجعل من المادة الإعلامية انعكاسا صادقا لرغباتنا  وتعبيرا وفيا عن مشاغلنا وتطلعاتنا .

 .

 إننا مستمرون في قهر إعلامنا الوطني حتى يكون أقلّ قدرة على ترجمة ما يشهده مجتمعنا من محاولات عميقة على درب الديمقراطية والتحديث وساهرون على مزيد كبت حرية الصحافة وتقليص دورها في خدمة ثوابت الوطن وتعزيز قيم الانتماء إليه وحماية مصالحه رهاننا في ذلك على ما نملك اليوم من كفاءات تعمل على طمس الرأي العام و تهميش  المعرفة الحقيقية بواقعنا الوطني ومعولين من جهة أخرى على ما أثبته بعض الإعلاميين التونسيين من كفاءة  في عدم الإلتزام بأخلاقيات المهنة .

 

إن تونس وكما رسمنا ملامحها في برنامجنا لتونس الغد هي بلد ينحدر إلى مراتب دنيا من المناعة والازدهار وينتقل من مرتبة البلد الصاعد إلى مصاف الدول المتخلّفة بلد تزداد فيه حرية الصحافة تضييقا وتنحصر فيه حرية التعبير في أبشع معانيها وأوسعها ويحتل فيه رجل الإعلام المكانة الّتي لا تليق به ليؤدي دوره المنشود منه من خلال إعلام مقموع وغير ديمقراطي خدمة لنا ولتطلعاتنا نحو بقاء سلالتنا على عرش تونس .

 

وكل عام والصحافة والصحافيون التونسيون في خدمتنا« .

 

 

لم يشعر السّيد الرّئيس بما حصل على الخطاب من تغيير من شدّة التركيز حتّى يظهر بمظهر الواعي بما يقول أو قد يكون لأسباب أخرى!

أمّا الحاضرون فقد حضروا ليصفّقوا على كلّ كلمة يتفوّه بها سيادة الرّئيس دون أدنى تفكير أو إعمال للعقل! وقد تعالى التّصفيق والهتاف للزّعيم طيلة إلقاء الخطاب!!

ويتوالى التصفيق على نفس الخطاب لسنين متعاقبة! (مضافة2006)

ابتهج المتآمرون بنجاح خطّتهم!! « وراح فيها » كاتب خطابات الرّئيس

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(*) تعبير محمّد كريشان للصحافة في تونس

1ـ اللّون الأسود الدّاكن: للرّاوي

2ـ اللّون الأزرق النّص: الأصلي لخطاب الرّئيس

3ـ اللّون البنفسجي: الإضافات والتّغييرات على النّص الأصلي

4ـ الخطاب الأصلي منقول من تونس نيوز(2ماي2005)

(*) نشر في الوسط التونسية ماي2006                                                          

 

                                                                    صابر التّونسي


معرض تونس الدولي للكتاب في دورته 24 رقابة وتراجع في الإقبال

 

 
شوقي عريف
إنتهت يوم الإثنين الماضي 8 ماي فعاليات الدورة الرابعة والعشرين لمعرض تونس الدولي للكتاب الذي إمتد على 11 يوما. وشهد فضاء المعارض بالكرم مشاركة أكثر من 260 دار نشر وهيئة ممثلين لما يزيد عن العشرين دولة إضافة إلى جامعة الدول العربية. وبحسب مطوية وضعتها إدارة المعرض على ذمة العموم فقد فاق عدد المشاركين 260 عارضا قدموا من دول عربية وأخرى أجنبية. وبحسب نفس المطوية فقد تجاوز عدد المشاركين من تونس الـ90 مشاركا، وشارك لبنان بـ40 عارضا أما مصر فقد مثلها ما يزيد عن الـ50 دار نشر ومكتبة في حين شاركت الجزائر بدار نشر واحدة إضافة إلى نقابة الناشرين الجزائرية وكانت بلاد المليون شاعر ممثلة في المعرض بوزارة الثقافة.   إقبال ضعيف وكان السيد نبيل نوفل، مدير المبيعات والتسويق بدار « الآداب » اللبنانية قد قال في تصريح لجريدة « الموقف » بأن معرض الكتاب بتونس تسوء حالته عاما بعد عام ملاحظا تراجع الإقبال على الكتاب من الجمهور التونسي. ورغم أن فضاء المعرض شهد إقبالا كبيرا يوم السبت الماضي، الذي يعتبر فرصة للموظفين والذين لا تتاح لهم فرصة الزيارة وسط الأسبوع، فإن السيد نوفل لم يكن متفائلا وقال بأن الجمهور الموجود بفضاء المعرض لم يأت لشراء الكتب بل للتجول.   رقابة وقال نوفل أن الرقابة « تشتغل » بشكل ملفت إذ منعت عديد العناوين السياسية والفكرية وحتى الأدبية النقدية. وعدد نوفل جملة من النقاط التي إعتبرها عراقيل تحول بين الكتاب والقارئ في تونس. وأضاف « أقترح أن ترفع وزارة الثقافة يدها على تنظيم المعرض والإشراف عليه أو إلغائها أصلا إذ أن لا وظيفة لها سوى العرقلة والمزيد من البيروقراطية ».   وكان المشرف على فضاء العرض الخاص بـ »مركز دراسات الوحدة العربية » قد صرح للـ »موقف » بأن الرقابة حجزت له مجموعة من الإصدارات ويبدو أن كتاب « الإستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة » على رأس قائمة الكتب المطلوبة « للتحقيق معها ». وكان ناشر آخر معروف، فضل عدم الكشف عن إسمه، قد صرح بأن الرقابة حجزت له بعض العناوين التي تتناول قضايا فكرية وسياسية.  

« ..نحن لا نبيع الكتاب »

أما في ما يخص تكلفة الإشتراك في المعرض فقد قال نوفل بأنه لا يرى داعيا للرسوم الجمركية التي تفرضها السلطات على الكتب إضافة إلى الأسعار المشطة التي يتحملها العارضون للحصول على بضع أمتار مربعة لعرض إصداراتهم. « ثمن كراء المتر المربع الواحد يقدر بـ450 دولارا، أداءات على الكتب، رقابة…كل هذا يؤثر سلبا على ثمن الكتاب (يرتفع سعره). » نحن لا نبيع الكتاب بل نسعى إلى أن يصل إلى القارئ حيثما كان… » يؤكد السيد نوفل.   وأضاف  » أنظر إلى المنظمات الحكومية والجهات الرسمية، ستائر…بوستارات » في إشارة منه إلى المساحات التي تخصص للجهات الرسمية التي تقوم بالدعاية للقادة والزعماء على حساب الثقافة والفكر. وإتفق الناشرون والعارضون الذين إلتقتهم « الموقف » أن الرسوم والأداءات الجمركية التي تفرضها السلطات التونسية على الكتب المشاركة في المعرض إضافة إلى البيروقراطية من أسباب إرتفاع سعر الكتاب وعدم وصوله إلى القارئ بيسر. يشار إلى أن المشرفين على فضاء العرض الخاص بالمملكة العربية السعودية يقومون بتوزيع كتب دينية مجانا على زوار المعرض.       وقال فيصل أحد زوار المعرض الذين إلتقتهم « الموقف » بأن المعرض قد إجتاحته الكتب « الصفراء »، في إشارة إلى الكتب الدينية، على حساب كتب الفكر والعلوم.   وكانت جريدة الصباح اليومية في عددها الصادر بتاريخ 3 ماي 2006 قد نقلت عن وزير الثقافة والمحافظة على التراث محمد العزيز بن عاشور قوله بأن معرض الكتاب ليس مجرد سوق للإتجار، بقدر ما يمثل مرآة للنهضة الثقافية التونسية. جاء ذلك أثناء رده على تساؤلات أحد النواب في جلسة عامة برلمانية.  


السيد رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة و التجارة  و الصناعات التقليدية بصفاقس

               

 

صفاقس في 20 ماي 2006 الموضوع : طلب إصدار تنبيه مسبق للصد عن العمل.عدد 04-2006-09                و بعد فإنه أمام استخفاف مجموعة من العاملات بحق المؤجر في ممارسة سلطته التأديبية و لعدم امتثالهن لعلوية القضاء الذي حكم بتاريخ 17 جانفي 2006 بقطع العلاقة الشغلية لمجموعة منهن و حدد لهن مستحقاتهن ضمن الحكم، كما قضت الدائرة الاستعجالية يوم 17 أوت 2005 بإلزام المعتصمات بمركز العمل بالخروج لإنعدام الصفة، كما اعتبر القضاء في القضية عدد 27361 و بتاريخ 06 ديسمبر 2005 عدم الانصياع لقرار الإيقاف عن العمل غير قانوني و البقاء بالمصنع خارج أوقات العمل ممارسة غير شرعية، لكن المحتلات لمركز العمل تجاوزن قدسيّة القانون و العرف و الأخلاق و واصلن الاحتلال القسري و المطلق واضعات أيديهن على كل ما يحتَاجُه احتلالهن من مرافق موجودة بالمصنع مانعات حتى المؤجر من الدخول إلى مؤسسته  و متصديات له و منعه من إخراج ما لديه من بضاعة مخزونة بالمصنع بوسائل شحنه الخاصة و هن في كل ما يَفعلن مدعومات بغرباء عن المؤسسة يصرحون بأنهم ينتسبون للاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس، و تواصل احتلالهن للمصنع أكثر من عشرة أشهر (من 21 جوان 2005 إلى يوم 28 أفريل 2006 بدخول الغاية) و رغم الأحكام القضائية المُدِينة لفعلهن فإن السلطة الجهوية مع شديد الأسف لم تقف إلى جانب الحق و ردع مَانعي حرية العمل و مغتصبي ملك الغير المجاهرين بذلك بكل صلف و تحدٍ.

إن هذه الممارسة غير المشروعة و التغافل عن صدها شجع المعتديات المتسلطات على التصعيد، من أجل ذلك لجأ المؤجر إلى الصد عن العمل باعتباره إجراءً مشرُوعا، فعلقت العلاقة الشغلية و حرم عَدَدٌ هام من العملة من الأجور من جراء أفعال مجموعة لا تمثلهم. إن الأسباب التي نفذ من أجلها الصد عن العمل الأول و الثاني مازالت قائمة بل الوضع الآن أصبح أكثر ترديا و قد أخذ بُعْدًا أشد خطورة و العلاقة الاجتماعية داخل المؤسسة بلغت حدًا من الاحتقان يُنذر بالخطر.

بمجرد استئناف العمل يوم 29 أفريل 2006 بعد انتهاء الصد اقتحمت قاعة العمل بالقوة تسع عاملات علاقتهن الشغلية قطعت بحكم القضاء العادل نهائيا، و اقتحمت 10 عاملات أيضا قاعة العمل رغم أن إدارة المصنع أعلمتهن مباشرة و بحضور عدلي تنفيذ و عدلي اشهاد بتوقيف علاقتهن الشغلية في انتظار مآل القضية الجزائية عدد 2006/6034  المرفوعة ضدهن. و لأنه لا حق لهن قانونا بمباشرة العمل لم تُكَلَّف أيّةُ واحدة منهن بأي عمل فأصبحن يتجولن في شكل مجموعات من آلة إنتاج لأخرى و من مكان لآخر مانعات من لهم حق الشغل في العمل. وفعلهن هذا أضر بطاقة الإنتاج و بالجودة و خلق توترا حادا بينهن و بين العاملات و العملة الآخرين الذين يرغبون في العمل حفاظا على مواطن رزقهم.

إن هذه الأوضاع المزرية و التي تزيد في تكبيد المؤسسة الخسائر الأدبية و المادية، و إن التحول الخطير الذي أصبح عليه المؤجر محل استخفاف و استفزاز و قهر تتحكم في مؤسسته فئة ضالة مدعومة، دون صدّها و مواجهتها، كل هذا اضطرني لاتخاذ قرار الصد عن العمل بالمصنع التونسي لأدوات الترتيب « التقدم » الكائن بطريق منزل شاكر كلم 11 الخزانات صفاقس لمدة سنة كاملة بداية من 10 جوان 2006 إلى 09 جوان 2007 بدخول الغاية في انتظار :   1) إخلاء المؤسسة من المحتلات لها تطبيقا للحكم الاستعجالي القاضي بإلزامهن بالخروج من المؤسسة لانعدام الصفة  و باعتبار أن مجموعة منهن قطعت نهائيا علاقتها الشغلية  و المجموعة الباقية علقت علاقتها الشغلية. 2) ضمان و حماية حرية العمل للراغبين فيها و هم الأغلبية المطلقة. 3) ضمان حق المؤجر في ممارسة سلطته  التأديبية في حدود القانون الذي يُنظم العقدة الشغلية بين المؤجر و الأجراء. 4) ضمان حق المؤجر في  متابعة قضاياه العدلية لرفع المظالم عنه و لجبر الأضرار الأدبية و المادية التي لحقته مما ارتكبته العاملات و من يَكشف عنه البحث حتى تسترد المؤسسة كامل قدراتها لتساهم كما كانت في الدورة الاقتصادية و الاجتماعية. هذا و إنني أعيد القول بأنني سأظل أحترم القانون و أتعامل معه، رافضا كل محاولات الإذلال و التركيع و الضغوط ، و إنني عاقد العزم على الوقوف في وجه كل مَن يعتدي علّي و على أرزاقي و إنني واثق بصد المظلمة لثقتي الكاملة بأهمية القوانين في بلادنا،  و لأنني واثق أيضا أنّ عمر الظلم قصير و الحق لا بد أن يَعلوَ ولا يُعلى عليه، و أملي وطيد أن يحظى  الطلب المشروع بصريح القانون بالموافقة.         و تقبلوا خالص الشكر و التقدير.                                                                                              و الســــلام                                                                                        الممثل القانوني للمصنع                                                                                      رفيق بن عبد الوهاب معلى


 
      

أثر الذاكرة على نبض الشارع

في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين(3/3 )

 

– إنقلاب الصورة:

لقد أصبحت المعادلة مقلوبة على اعتبار وعلى خلفية أن خصوم الإسلام وأعدائه من مكونات الطائفة العلمانية اللائكية الجديدة المحدثة ومن صانعيها من الصليبيين الإستعماريين واليهود المتصهينين ومن الصهاينة اليهود الأعداء التقليديين والتاريخيين للعروبة والإسلام وللعرب والمسلمين يستهدفون فينا غير المعنى الذي جعلوه سائدا بين الناس، ويعملون باستمرار بكل الوسائل وبكل الأساليب على أن يظل ذلك كذلك، حتى لا تتضح الصورة ولا تصحح المفاهيم، ولا تفند المغالطات، ولا ينتهي التضليل، وحتى لا تعاد الأمور إلى نصابها. وليظل الوضع الإستثنائي الشاذ في أوطان أمة العرب والمسلمين أصلا، والأصل الذي يجب أن تكون عليه استثناء.فهم يستهدفون فينا المعنى الصحيح بالنفي ويعملون على تأكيد المعنى الخاطئ الذي أصبح لدى العرب بالإثبات، والذي أصبح بمقتضاه الإسلام عندهم شيئا والعروبة شيئا آخر بديلا عنه ،على اعتبار أن الإسلام وأن كانوا مازالوا يعترفون أنه عنصر له تأثيره التاريخي والواقعي على تكوين الشخصية العربية الإسلامية، وهو الذي  أصبح مثله عندهم بالنسبة للعروبة كمثل المسيحية واليهودية بالنسبة للعرب المسيحيين واليهود. وبذلك حاولت الحركة القومية العربية أن تكون العروبة سواء في إطار النظام الليبرالي الرأسمالي الإستعماري أو الشمولي الإشتراكي الأمبريالي هي المكون الأساسي لهوية الأمة ولذاكرتها في الجانب العربي منها، مما يزيد الأمة الإسلامية الواحدة انقساما وتشتتا وتشرذما، في وقت هي في أمس الحاجة فيه إلى الوحدة والتضامن والتعاون والإقتراب شعوبها بعضها من بعض. وفي وقت يتجه فيه العالم من حولها إلى مزيد الوحدة والتوحد والإتحاد.وهي وإن كانت عنصرا هاما في تكوين هوية الأمة، وفي تشكيل ذاكرتها من ناحية اللغة العربية التي هي لغة العرب، وهي لغة القرآن على الأقل، إلا أنها تعتبر ثانوية وثانوية جدا إذا ما قورنت في ذلك بالإسلام بالمعنى الذي جاء كل من القرآن والسنة النبوية الشريفة مبينان وموضحان له في وضوح وجلاء بعيدين عن المعنى الذي أعطاه الغرب للدين من خلال الطبيعة التحريفية للمسيحية الكنسية. هذا المعنى الذي يفيد أن الإسلام لا يمكن إلا أن يكون عقيدة وشريعة، ودينا ودولة، ودنيا وآخرة، وهو منهج حياة يختلف في جوهره وفي طبيعته عن المناهج البشرية الوضعية كلها.

وإذا كان هؤلاء الأعداء والخصوم يحاربون فينا المعنى الصحيح للإسلام، فنحن نقدم لهم أنفسنا بالمعنى الذي قدموه لنا في ثقافتهم الغربية ،وذلك ما يريدون لنا أن نكون عليه، وهم يعملون باستمرار وبكل جهد على أن لا نكون على المعنى الذي يدعونا إسلامنا على أن نكون عليه، لأننا بذلك فقط نكون قد استعدنا ذاكرتنا فعلا.ولئن كان لأعداء الأمة دورا في فقدانها لذاكرتها وإضعافها ،فإن لأبنائها كذلك دورا لا يقل أهمية عن الدور الذي لعبه ويلعبه أعداؤها وخصومها في ذلك.يقول تعالى: »ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ».

وإذا كان العرب قد استمدوا قيمتهم الحضارية، وأخذوا امتدادهم التاريخي والبشري من الإسلام وحده، وهو الذي أكسب الكثير من الشعوب والأقوام والأعراق والأمم قيمتهم منه، وأصبح عنوان شخصيتهم التي لا عنوان لهم بدونه وهويتهم التي لا هوية لهم غيرها، وجنسيتهم التي تميزهم عن غيرهم من الشعوب والأقوام والأعراق والتي لا جنسية لهم غيرها، كشعوب دول البلقان وهي دول شرق وسط أوروبا كالبوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو وعيرها من الأقليات الإسلامية في تلك الدول من القارة الأوروبية، ودول القوقاز وهي الدول الواقعة في مناطق شمال شرق آسيا ،وتلك الواقعة في الوسط وفي أقصى جنوب القارة، فإن الإسلام يبقى كذلك عنوان شخصية العرب وهويتهم التي لا شخصية ولا هوية لهم بدونه، ولا وحدة لهم بدونه، ولا قيمة ولا اعتبار لهم بدونه، ولا جنسية ولا ذاكرة لهم بدونه، وليس أفضل من التاريخ شاهد على ذلك. وإذا كان لا يجادل في ذلك عاقل حين يكون الأمر متعلقا بالمسلمين العرب، فإن الأمر لا يمكن أن يكون على خلاف ذلك كذلك إذا ما نظرنا إلى العرب اليهود والمسيحيين بصفة خاصة،وبصفتهم تلك، وبصفتهم الإنسانية، وبصفتهم كونهم من السكان الأصليين في أوطان شعوب أمة العرب في المنطقة العربية، ومكونا أساسيا من مكونات المجتمع في حياته السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية ولا شيء أكثر من ذلك.

وإذا كانت الأمة الإسلامية هي مجموع كل هذه الشعوب والأقوام والقبائل والأعراق واللغات واللهجات والألسن التي اعتنقت الإسلام وارتضته دينا لها، ومن قبل التعايش معها من الأقليات العرقية والدينية والأتنية ،فإن الحديث يجب أن يكون عن الأمة الإسلامية، لأنه بذلك فقط لا يمكن أن يفهم أن في ذلك استثناء لأحد.لأن العروبة لسان ولسان الإسلام اللغة العربية ،ومن تكلم العربية فهو عربي ،ليلتقي مع الإسلام لسانا بقطع النظر عن دينه وليلتقي مع المسلمين المطالبين إسلاميا أن يكون لسانهم عربيا لمزيد تمتين العلاقة بينهم وبين الإسلام الذي هو دينهم ،وهم المدعوون شرعا لتعلم اللغة العربية باعتبارها شعيرة إسلامية ليكونوا عربا لسانا بقطع النظر عن أصولهم العرقية وعن لسانهم ولغتهم العرقية التي هي خاصية من خاصياتهم ومكونا من مكونات شخصيتهم التي من حقهم أن يحافظوا عليها دون أن ينقص ذلك من إسلامهم شيئا ،وليبق بذلك العرب غير المسلمين عربا بدون إسلام وليصبح المسلمون غير العرب عربا لسانا التحاقا بالإسلام بدون عروبة الدم والعرق.ولم تكن العروبة اللسان جامعا بين العرب غير المسلمين وبين العرب المسلمين وبين المسلمين غير العرب الذين يمكن أن نطلق عليهم إسم المسلمين العرب من ناحية وجوب تعلمهم اللغة العربية باعتبارها لسان الإسلام ولغته إلا لأن الإسلام هو الذي صاغ هذه الخريطة وهذه المعادلة ليصبح هو الجامع لغة وتاريخا وحضارة وعقيدة وشريعة خاصة من حيث انه مدعو للمحافظة على عقائد واديان المخالفين له واحترامها وإقرارهم عليها في كل شيء عدى النظام العام فهو كما هو معلوم في كل الشرائع والمناهج السماوية والوضعية وبحسب نظام الديمقراطيات المعاصرة نظام الغالبية المطلقة أو الأكثرية. إما إذا خصصنا بالذكر أمة دون أخرى على أساس عرقي أو أتني أو طائفي فكأنما نكون بذلك قد أفردناها بالإسلام دون غيرها من الأمم المكونة للأمة الإسلامية.

 

فحين نقول الأمة العربية والإسلامية فكأنما كان هناك أمة عربية وأخرى إسلامية، وإن كان مصطلح الأمة يحتمل أكثر من معنى ،ويتسع إلى دلالات كثيرة: فكان إبراهيم عليه السلام أمة ،وما الطير والنحل والنمل إلا أمم أمثالنا ،بما يجعل العرب أمة ،والأكراد امة ،والبربر أمة ،والدروز أمة ،والتركمان امة ،والأقباط أمة ،والمسيحيون أمة ،واليهود أمة ،والمسلمون أمة ،وكل هذه الطوائف والأقوام وغيرها أمم .وإذا صحت الصفة الإسلامية على باقي الأمم والشعوب الإسلامية فإنه يتبادر إلى الذهن أن الأمة العربية هي أمة عربية فقط وليست إسلامية، ولذلك فإن الأمة الإسلامية هي الأمة بكل أعراقها وألوانها ولغاتها وأديانها وأوطانها وطوائفها .وأن الأمم والشعوب المكونة لها هي الشعوب والأمم العرقية الإسلامية والأقليات الدينية المختلفة كالشعوب العربية الإسلامية والشعب الكردي المسلم والشعب الفارسي المسلم والشعب الباكستاني المسلم بمختلف طوائفه وأعراقه وقبائله والشعب الأفغاني المسلم وغير ذلك من الشعوب والأمم الإسلامية.

إن الحديث عن الأمة الإسلامية هو بداية الوعي بالذات، وبداية الإهتداء إلى طريق الهوية الحقيقية الصحيحة ،بعد أن كادت حركة الغزو الصليبي الصهيوني الغربي والحركة العلمانية الهجينة الدخيلة الوريث غير الشرعي لثقافة الإستغراب والتبعية والإلحاق الإستعمارية أن يأتيا على الأخضر واليابس.وهو بداية الصحوة واستعادة الذاكرة. وكل ابتعاد عن مثل هذا الحديث هو استمرار في التنكر للذات واستمرار على طريق أزمة الهوية والذاكرة.

وبقدر ما تكون شعوب الأمة مستعيدة للذاكرة ومتمسكة بهويتها الإسلامية بقدر ما يكون نبضها قويا وشارعها ضاغطا وقياداتها ورموزها الميدانية حاضرة ومسؤولة، بالرغم من افتقادها لقيادتها السياسية الشرعية في سدة الحكم ولنظامها الإسلامي الذي هو نظامها الطبيعي القائم على عقيدة التوحيد،  وعلى فلسفة التكريم الإلاهي للإنسان، وعلى أساس من الشريعة الإسلامية المنظمة لأوجه الحياة المختلفة على أساس من الوصل الدائم بين عالمي الغيب والشهادة، والحضور المستمر للدنيا والآخرة في عقل الإنسان وفي وجدانه وفي واقعه.وبقدر ما يكون حسها مرهفا بقدر ما تكون حاضرة للتحرك السريع باتجاه التصدي لأعدائها وخصومها المتربصين بها والمستهدفين لها، والقيام بردة الفعل المناسبة في الوقت المناسب وبالأسلوب المناسب وبالوسائل المناسبة وعلى الجهة المناسبة حين يقتضي منها الموقف ردة الفعل، حتى يأتي اليوم الذي يمكن أن تكون قادرة فيه على المبادرة وصناعة الحدث. وهي التي في الحقيقة وكما هو معلوم تاريخيا شعوب أمة رائدة في صنع الأحداث وفي صناعة الحدث الحضاري بكل ما بالكلمة من معنى على امتداد قرونا من الزمن. وهي التي لم يعد مطلوبا منها ردود الأفعال التي لم تعد قادرة عليها في أغلب الأحيان وإلا نادرا وفي حدود ضعيفة جدا لا ترتقي إلى مستوى الحد الأدنى المطلوب، إلا عندما أصيبت بما أصيبت به من ضياع الهوية وفقدان الذاكرة وضعف الروح المعنوية إلى حد الموت أحيانا، وفي فترات مختلفة من مراحل حياتها .وكان الأهم من هذه المراحل على الإطلاق ما حصل لها من ذلك في مرحلة ما بعد رحيل الغزاة الغربيين من أوطانها، وفي ظل الأنظمة العلمانية والتقليدية الإستبدادية الفاسدة. حتى أننا لا نجد اليوم هذه الشعوب في حالة الإستنفار التي يجب أن تكون عليها.وقد بدا واضحا، أن نبض الشارع يكون أقوى ،ويكون الحس أرهف عند أي شعب كان للحركة الإسلامية فيه وجود أحيانا فضلا على أن يكون لها حضور وثقل ،لأنها تستمد هذا الحس وهذا النبض من ذلك المعين الصافي الذي جعل منه الله نورا يهدي به من يشاء من عباده إلى سواء السبيل ،وهو القرآن الكريم وسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ،ومن ذلك المخزون الثقافي والمعرفي والتراث الغزير الذي يمثل لهذه الشعوب رصيدا ثقافيا ومعرفيا وعلميا ليس لأي أمة من الأمم مثله.وأي حديث عن العلم والثقافة والمعرفة في الإسلام لدى الأمة الإسلامية وشعوبها لا يجب أن يكون بمعزل عن مؤسسة المسجد التي بقدر ما تكون ناشطة بقدر ما تكون الأمة مستعيدة لعافيتها ،وبقدر ما يصادر دور هذه المؤسسة العريقة بقدر ما يلحق الأمة من ضرر. ومهما حاول الغزاة والأعداء والخصوم سواء من الداخل كانوا أو من الخارج، سواء ممن ينتسبون اعتباطا لهذه الأمة أو ممن هم من خارجها، أن يفتوا في عضدها ويغرقوها في مجاهل الضلال والإنحراف والكفر والإلحاد، فإن جهودهم ومحاولاتهم ومخططاتهم سيكون دائما بإذن الله مآلها الفشل.

ولعل ما نراه اليوم من صمود أبناء هذه الأمة في الكثير من أصقاع الأرض، هو خير دليل على ذلك، رغم ما يتعرضون له من حملات تنكيل وإبادة جماعية ،وتصفية وتطهير عرقي ،واستثناء وتهميش في إطار تآمر دولي مكشوف ومفضوح ،كانت الأطراف الأشد خطرا فيه عليهم ومن خلالهم على الأمة كلها هي الأطراف المكونة للحركة العلمانية العبثية، لما تبديه من عداء للإسلام وللحركة الإسلامية، سواء من خلال السلطة أومن خارجها، والأطراف المكونة للحركة التقليدية العدمية لما هي عليه من جمود وتحجر وسطحية، ولما لها من نفوذ أدبي ومادي وشرعية وقداسة تستمدها من الإسلام نفسه، والأجنبي الغربي الصليبي الصهيوني الإستعماري المعادي المتحالف مع هذين الحركتين والمتحالفتين معه، والعالم كله يعلم اليوم خطة تجفيف المنابع التي وضعتها مكونات الطائفة العلمانية التكفيرية المتحالفة في إطار نظام تحالف 7نوفمبر الرهيب في تونس العروبة والإسلام، تمكينا للعلمانية ومواصلة فرضها بالقوة كما جاء الغزاة الغربيون عاملين على فرضها بالقوة ،ومحاولة لإنهاء الإسلام وهدمه وإلغائه بالقوة.

والكل يعلم اليوم كذلك منظومة الفتاوى الصادرة عن علماء الفكر التقليدي في الحركة التقليدية التكفيرية المبيحة لقتل المسلم بالكافر ،والقائلة بتحريم الإنضمام للمقاومة المقاتلة لقوات الإحتلال الغربي الصليبي بقيادة الأمبراطورية الأمريكية بكل من العراق وأفغانستان ،ومنطقة الخليج العربي وفلسطين وغيرها من أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين والإنخراط فيها والإلتحاق بها.

والكل يعلم اليوم بما لا يدعوا مجالا للشك ،ما يعانيه الشعب الفلسطيني العربي المسلم الصامد بأرض الإسراء والمعراج من الحصار الظالم الذي يفرضه عليه حلف الفجار العلماني التقليدي الصليبي الصهيوني بسبب اختياره في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة بشهادة هذا العالم الظالم كله لبرنامج خيار المقاومة والإصلاح والصمود الذي اختار على أساسه حركة المجتمع الإسلامي (حماس)لقيادته على أساس ذلك البرنامج. وليس غريبا أن تكون حركة منظمة التحرير الفلسطينية ذات الطبيعة العلمانية هي الأكثر نشاطا في هذا الإتجاه، والمعرقل والعائق الأكبر للحكومة المنتخبة من خلال مؤسسة الرئاسة التي لم يكن التنافس في الإنتخابات التي جاءت بمرشح الكيان الصهيوني والإمبراطورية الأمريكية والغرب الصليبي والنظام الرسمي العربي الحليف الإستراتيجي له إلا بين المفسدين في مختلف مكونات الحركة العلمانية في فلسطين المحتلة.هذا الرئيس الذي يسكن البيت الفتحاوي الذي امتدت فيه يد المجرم آريال شارون رئيس وزراء الكيان الصهيوني عن طريق هؤلاء الفتحاويين أنفسهم إلى الرئيس ياسر عرفات فأخمد أنفاسه. والذي يزاول نشاطه لا باعتباره رئيسا للشعب الفلسطيني، ولكن باعتباره رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية المنتهية صلاحياتها، والتي مازال يقال أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وليس من الغرابة في شيء أن يكون النظام الهاشمي التقليدي العريق في العمالة ذات المنزع العلماني العبثي، رأس الحربة الأول في مواجهة الحكومة المنتخبة، والتصدي لها والتحريض ومزيد تحريض العالم  وتعزيز الحصار المعلن عالميا عليها.

هذا العالم بهذه المكونات ذات الطبيعة المعادية لحقوق الشعوب المستضعفة في الحرية والإستقلال والإنعتاق، هو الذي ينظر إلى الشعب العربي الفلسطيني المسلم الأعزل وهو يخوض معركة ضارية غير متكافئة مع آلت الحرب الصهيونية اليهودية المتطورة، وينظر إلى الإحتلال الصليبي الغربي الأمريكي للعراق وأفغانستان وللمنطقة العربية في المشرق، وتطويعها وإخضاعها لمخططاته في المغرب، واستهداف أمة العرب والمسلمين قاطبة ولا يحرك ساكنا. كيف لا وهو المخطط والمنفذ لكل هذه الجرائم في حق الأمة وفي حق جميع الشعوب المستضعفة في الأرض.فما كان لانتفاضة الأقصى المبارك أن تكون لولا شموخ المسجد الأقصى  بزهرة المدائن في أرض الإسراء والمعراج ،لأن المسجد الأقصى مازال يمد هذا الشعب بجذوة الإيمان، ومازال يقوم فيه رجال وشيوخ صدقوا ما عاهدوا الله عليه مثل شيخ الشهداء أحمد ياسين بتعبئة أبناء الشعب الفلسطيني العربي المسلم روحيا وثقافيا وعلميا ،حتى جعلوا منه بركانا دائم التفجر ،ونارا محرقة وحمما لكل من تحدثه نفسه المساس بحقوقه ،والإعتداء عليها أو التفريط فيها وبأرضه ومقدساته. وما كان للمقاومة في أرض الرافدين وفي أفغانستان أن تتشكل لولا استعادة العلماء دورهم في حركة التحرير، واستعادة المساجد مهمتها وتفعيل دورها في الحياة السياسية والإجتماعية والتربوية والأخلاقية والثقافية والإقتصادية والمعرفية والعلمية…

وما كان لهذه الشعوب ولمقاومتها الباسلة أن تكون لولا أنها استعادت ذاكرتها التي فقدتها كليا أو جزئيا أو كادت في العقود العجاف التي أخضعها الإستعمار لهيمنته فيها ثم الإستبداد من بعده بهيمنة الدولة العلمانية والتقليدية الحديثتين التابعتين له والملحقتين به ،واللاتي ظلتا على وفائها له، بما يحيلنا إلى القول أن مهمة التحرير والإستقلال والإصلاح مازالت قائمة. ومازال مطروحا على هذه الشعوب أن تستوفي حق أوطانها وأبنائها وأجيالها المقبلة عليها في ذلك.

هذه الذاكرة التي كادت أن تفقدها نهائيا في مرحلة من التاريخ، وهي التي تعطل فيها الدور الإيجابي للمسجد، وتخلى فيها العلماء عن دورهم الإصلاحي ومسؤولياتهم الثقافية والعلمية والسياسية والإجتماعية والحضارية، وانخرط فيها الفلسطينيون كغيرهم من أبناء شعوب الأمة في تنظيمات – وإن كانت متشبثة بالأرض وتقاتل من أجل تحريرها وطرد الغزاة المحتلين لها منها – إلا أن علاقتها بالأقصى وبمؤسسة المسجد عموما كانت في مستوى العلاقة التي جاءت الثقافة الغربية مبشرة بها وداعية إليها، بما تحول به الأمر من هجر للمساجد، إلى إعمار للخمارات ودور اللهو والقمار ومواخير الدعارة التي أصبحت في الكثير إن لم تكن في جل أو كل أوطان أمة العرب والمسلمين مهنة ووظيفة معترف بها، تتعاطاها النساء في إطار القوانين المنظمة للحياة المهنية .

وكان فيها الشعب العراقي بكل قومياته وطوائفه وأديانه وأثنيا ته خاضعا كغيره من شعوب أمة العرب والمسلمين لسيطرة نظام البعث العلماني العبثي اللائكي عليه، مثبتا بقوة السلاح وبالقمع والإرهاب والإبادة والمقابر الجماعية ذلك المعنى باسم العروبة، وربما باسم الإسلام أصلا أحيانا ،وربما باسم الطائفة السنية تحديدا كما يحاول بعض المغرضين اللائذين بالطائفية البغيضة ممن كان لهم انخراط كغيرهم وربما بكثافة اكبر في النظام العراقي البعثي الفاشي الفاسد، ودور في ما أحدثه من مفاسد وما ألحق به الشعب العراقي المسلم من أضرار.هؤلاء الذين تبين من خلال الأحداث والوقائع، ومن خلال الواقع وتطور الأوضاع في بلاد الرافدين اليوم، أنه لا فرق بينهم وبين صدام حسين وزمرته، سواء في جلب القوات الغربية الصليبية الغازية بقيادة الأمبراطورية الأمريكية، أو في التمسك بها والإبقاء عليها والدفاع عنها وإصدار الفتاوى القائلة بمشروعية وجودها ،والتعامل معها على أنها قوات تحرير وليست قوات احتلال وتدمير، وبتحريم قتالها ومقاومتها. وكان صادف أن التقت الطائفة العلمانية والمرجعية الطائفية الشيعية في الفتوى هذه المرة، ليكون الإحتلال إحلالا على حد فتوى بعض من يسمون أنفسهم بالليبراليين الجدد من المغادرين لمواقع العمالة للشرق إلى مواقع العمالة للغرب، والغزو تحريرا، والمقاومة إرهابا، والوطنية خيانة، والعرب والمسلمون أجانب، والأمريكيون والغربيون أهالي ووطنيون على حد قول القائلين بذلك. على أن مصدر هذه الأقوال والفتاوى ما يقال انه مكتب « آية الله العظمى السيد علي السيستاني » الذي ستظل لعنة التاريخ تطارده حيا وميتا كأبي رغال1.

وما إن تم التفطن إلى خطورة ما وصلت إليه الأمور، وما قد تزداده من سوء جراء هجر المساجد عموما وهجر الأقصى تحديدا في الوطن السليب، وفقدان الذاكرة وضياع الهوية الإسلامية التي تنادت التنظيمات السياسية والعسكرية المختلفة بالهوية الوطنية بديلا عنها، حتى هب رجال إلى العمل على إعادة الهوية العربية الإسلامية لشعوب الأمة، والذاكرة الإسلامية التي كادت الشعوب الإسلامية كلها أن تفقدها، وليس الشعب الأفغاني والشيشاني والعراقي والكشميري والفلسطيني فقط.

ومع بداية استعادة الأمة عافيتها وظهور بعض بوادر إمكانية استعادة ذاكرتها كاملة، كانت استجابة الشعوب الإسلامية عربية كانت أو أعجمية مختلفة باختلاف ما هي علية من وعي إسلامي، وبقدر ما كانت

 

1   – هو الرجل الذي قبل أن يكون دليل القائد العسكري الروماني أبرهة الأشرم عام الفيل في طريقه إلى هدم الكعبة بشبه الجزيرة العربية في مسعى منه لتحويل قبلة عرب الجاهلية إلي القليس تلك الكنيسة الرائعة التي يقال أنه أشادها باليمن على أساس أحسن ما كان معلوما من روائع العمران في ذلك الزمن والذي مازال الحجيج إلى يوم الناس هذا يلعنونه كلما مروا بقبره.     

مستعيدة لذاكرتها بقدر ما كان نبض شارعها أقوى وحسها أرهف، واستجابتها لنداء انتفاضة الأقصى ومختلف فصائل المقاومة في العراق وفي أفغانستان وفي الشيشان وفي كشمير وفي كل مكان من العالم الإسلامي كان لحركة التحرر الإسلامية وجود. وكان ضغطها على أنظمتها أشد وإحراجها للعالم المتغطرس أكبر.

وبما أن الإسلام لا يعتبر التدين مسألة شخصية كما تقدمه لنا ثقافة المحتل الغربي والصهيوني، بل هو انخراط جماعي في الطاعة والعبادة يستعين عليها الناس بعضهم مع بعض في كل ميادين الحياة مهما كانت دقيقة وخاصة. فقد جعل الإسلام للمسلمين الأرض مسجدا وطهورا. وخص المجتمع الإسلامي في الشعوب الإسلامية المكونة للأمة الإسلامية بمؤسسة يلتقي فيها الآلاف من النساء والرجال من مختلف الألوان والأعراق والألسن، و من مختلف الفئات الإجتماعية والمستويات العلمية والمعرفية والمهنية ،ومن مختلف الأعمار في مواعيد محددة من اليوم الواحد ،وخاصة يوم الجمعة على مر الزمان ،لا يجمعها إلا عبادة الله وطاعته. وبذلك يمكن أن تكون على موعد وبتلك الصفة الجماعية مع الأحداث، حتى إذا خرجت فإن خروجها الذي لا يكون إلا جماعيا ومن نفس الأماكن، إضافة إلى أماكن أخرى ومن ساحات أخرى وفي أوقات مختلفة من اليوم من الليل إلى الليل أي من صلاة الفجر إلى صلاة العشاء، إذا ما كانت على قلب رجل واحد ولغاية واحدة طاعة لله ولرسوله،من أجل الحرية والحق والعدل والمساواة والعزة والكرامة والإستقلال والتحرير والأمن والسلام يكون طوفانا بشريا يمكن أن يقتلع كل ما يجده أمامه باتجاه وفي سبيل تثبيت وفرض تلك القيم والمبادئ على المستكبرين لصالح المقهورين والمستضعفين.وتلك هي رسالة الإسلام وذلك هو دور المسلمين إذا ما وعوا حقيقة هذا الدين.

وبذلك يصبح من السهل على كل المسلمين أن يكون خروجهم جماعيا دائما ومن نفس الأماكن وفي نفس الأوقات، وهم قادرون على ذلك كلما أرادوه وفي خمس مواعيد مختلفة من كل يوم.

ولذلك كان من السهل على جماهير الشعب الفلسطيني المسلم والعربي الدائم الإستنفار، وهو الذي على

جاهزية دائمة أن تخرج جميعا كبارا وصغارا، نساء ورجالا، ويلتحم بعضها مع بعض في ساحات

المواجهة مع العدو اليهودي الصهيوني في انتفاضة الأقصى الذي يقود المعركة ويرص الصفوف، وتعبأ من خلاله الجماهير.وليس غريبا أن نرى أكبر التجمعات البشرية في العالم الإسلامي تخرج يوم الجمعة حين يكون لابد من خروج.وبقدر ما يكون هذا الخروج متواصلا وبكثافة بشرية ناضجة أكثر بقدر ما تكون الأمة في طريقها إلى تحقيق أهدافها الحقيقية في التحرير والإستقلال والوحدة.

وليس غريبا أن لا نرى أي خروج إلا ما كان من بعض المحاولات الهزيلة والضعيفة في البلدان الإسلامية التي تم تعطيل المساجد فيها عن أداء مهمتها التربوية والتوعوية والتثقيفية والتعبوية.وإذا كان للمساجد في الإسلام مثل هذا الدور الخطير وغيره من الأدوار الحضارية الرائدة على مر التاريخ، فإن ذلك لا يعني إن التجمعات الكبيرة خارج المساجد لا يمكن أن توجد وليست ممكنة، ولكن إذا كان ذلك ممكنا في ميادين وفضاءات أخرى فإن ذلك لا يمكن أن يكون في مثل حجم ما تؤديه المساجد من أدوار ومن حشد جماهيري حين تكون الأمة متمسكة بهويتها وغير فاقدة لذاكرتها ومحافظة على روحها المعنوية.ولا يمكن أن تكون  تلك الفضاءات والساحات بذلك في النهاية إلا امتدادا للمسجد الذي لا يحصره الإسلام في حيز مكاني معين ومحدود ولكنه اعتبر أن الأرض كلها مسجدا.   

ذلك أنه يكفي الأمة ضياعا وانحلالا وانحطاطا أن تهجر مساجدها، وتستعيض عنها بفضاءات وساحات و ومؤسسات أخرى مهما كان لها أن تكون بديلا عنها. لذلك لم يكن من الغريب أن يحتج الوزير السابق في أحد تشكيلات حكومات المفسدين في منظمة التحرير الفلسطينية- فتح- نبيل عمرو على وزير الداخلية سعيد صيام في حكومة الإصلاح والمصلحين التي شكلتها الحركة الإسلامية حماس بعد التفويض الذي أخذته من الشعب الفلسطيني في أول انتخابات تشريعية حرة ونزيهة وديمقراطية لم يكن هناك مجال لطاعن أن يطعن فيها، لما زاول أحد أنشطته السياسية في إطار الصلاحيات المخولة له قانونيا والمتعلقة بإصلاح المؤسسة الأمنية، بالمسجد العمري بالضفة الغربية ،معتبرا أن ذلك النشاط « المدني »لا يجب أن يكون في المسجد، تثبيتا منه للإستثناء العلماني، ومواصلة منه لنفي واستثناء الأصل الإسلامي التزاما بالثقافة العلمانية والتمسك بالعمل على فرضها على الآخرين. ذلك أن شبح المسجد يفزع المفسدين الذين لا يجدون راحتهم إلا في ساحات الرذيلة والفساد واللصوصية والنهب، ويريح ويرتاح له وفيه المصلحون الذين لا يجدون راحتهم إلا في ساحات الفضيلة والصلاح والأمانة.

وهل كان لانتفاضة الأقصى أن تكون لو لم يكن المسجد الأقصى هو المستهدف، وهو رمز فلسطين كلها ورمز الأمة كلها وليس رمز الشعب الفلسطيني فقط. ذلك أنه لا معنى لفلسطين بدون الأقصى، ولا معنى للأقصى بدون فلسطين التاريخية. وكما أنه لا معنى للأمة كلها بدون الأقصى، فإنه لا قيمة لها بدون فلسطين. وأن الحركة العلمانية التي فرطت في الأقصى وتنكرت له وأعرضت عنه في غياب الحركة الإسلامية ،وفرطت في فلسطين التاريخية كما فرطت في مطالب الأمة في الوحدة والعزة والكرامة والإستقلال والسيادة بقبولها استعاضة الثقافة الإسلامية بالثقافة العلمانية الغربية الصليبية الصهيونية الإستعمارية، والنظام الإسلامي  بالنظام العلماني اللائكي، والمنظومة الفقهية القانونية الإسلامية بالمنظومة القانونية الفقهية الوضعية، والشريعة الإسلامية بالشريعة الوضعية، لا يمكن أن تصنع مجدا جديدا ،ولا أن تستعيد مجدا ضائعا. وهي التي ارتبطت في عالمنا العربي والإسلامي بالهزائم والنكبات والتخلف والإنحطاط والفساد، لا يمكن أن تحقق نصرا، ولا أن تستعيد أرضا محتلة ولا حقا ضائعا. كما أنها لا يمكن بحكم طبيعتها المادية الفاسدة أن تسمح لتجربة أخرى بالنجاح إلا قصرا، خاصة وأن هذه التجربة لا يمكن اليوم إلا أن تكون إسلامية. وعلى هذا الأساس كان هذا التحالف الذي يشاهده العالم اليوم وشاهد عليه بين مختلف مكونات الحركة العلمانية ،خاصة في فلسطين وجل الأنظمة العربية الفاسدة، وخاصة تلك ذات الطبيعة العلمانية المرتهنة للصهيونية وللغرب الصليبي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية ضد مشروع المقاومة والتحرير والإستقلال الذي تقوده حركة حماس، التي هي عن استحقاق حركة الشعب الفلسطيني، لإفشاله بالإسرار من داخل بيت الطاعة الأمريكي على تسليم الإستحقاقات المالية والمادية إلا للمفسدين، وعدم السماح لها بالمرور من أي طريق للمصلحين الذين لا تجد طريقها إلى الشعب الفلسطيني في إطار من الشفافية والوضوح والعدل والمساواة إلا عن طريقهم والكل يعلم ذلك.

وهل كانت هذه لتكون لو كان المستهدف بالتدنيس من قبل المجرم شارون في ذلك الوقت هو أي مؤسسة أو فضاء آخر كائنة ما كانت أهميته؟لاسيما وأنه قد تم في تلك الأيام وفي تلك المرحلة من تاريخ جهاد الشعب الفلسطيني هدم ومحاصرة كل مؤسسات السلطة، وكنيسة المهد ازدراء للدين المسيحي ،وإذلالا للمسيحيين العرب، وغير ذلك من المؤسسات، ولم يكن تصدي الشعب الفلسطيني بالقدر الذي كان عليه تصديه لقوات الإحتلال ولرؤوس الفساد في الكيان الصهيوني في كل مرة يحاولون فيها المساس بالمسجد الأقصى المبارك.

لذلك فقد بات من المؤكد أن المسجد الأقصى يمثل وعن جدارة ضمير الأمة وهويتها وذاكرتها وروحها المعنوية العالية التي حركت العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، ومن جنوبه إلى شماله رجالا ونساء وشيوخا وصبيانا، إلا ما كان من بعض الأوضاع في بعض البلدان التي كان للعلمانية المتطرفة والفاشية المعلنة عداءها للإسلام في جوهره ولمؤسساته ورموزه ومقدساته، وفق خطة متفق عليها أحيانا في ما بين مكونات نظامها لمواجهته وإنهاء أي دور سياسي أو اجتماعي أو تربوي أو أخلاقي فيها ،مثل ما هو عليه الحال في تونس نظام تحالف 7نوفمبر الرهيب والنظام الطائفي السوري والنظام القبلي الليبي مثلا، بحيث لا يتجرأ أحد على الخروج و التظاهر للتعبير عن غضبه وسخطه ونقمته عما يتعرض له إخوانه في الوطن السليب، أرض الإسراء والمعراج، من قتل وإبادة جماعية ،وما تتعرض له مقدسات الأمة من تدنيس وهدم وحرق من طرف قوات العدو الصهيوني اليهودي والتحالف الخياني العربي الإسلامي الرسمي التقليدي منه والعلماني ،والغربي الأمريكي الصليبي في أفغانستان والشيشان وعراق العروبة والإسلام، إلا ما كان من إشراف بعض هذه الأنظمة بنفسها على بعض التظاهرات المحدودة، وتسيير بعض المظاهرات التي لا يراد بها وجه الله طبعا، ولكن في سياق إحداث بعض المتنفسات خوفا من انفجار الوضع والخروج به عن نطاق السيطرة ،وفي إطار المزايدة التي يمكن أن تشهدها الساحة الدبلماسية قبل انعقاد بعض القمم العربية مثلا، كتلك التي عقدها قادة العرب يومي 21 و22 اكتو بر سنة 2000 والتي لم تستطع أن تكون حتى مجرد ترديد لما انتهت إليه قمة شرم الشيخ من قرارات حصل فيها العدو الإسرائيلي على أكثر مما كان يؤمل أن يحصل عليه فيها.وكم كان النظام العربي المتهالك سعيدا بانعقادها قبل القمة العربية التي أصبحت لا تعقد إلا بإفساح الإرهاب الأمريكي لها بالإنعقاد.والذي كان يميز الأوضاع في مثل هذه البلدان أن العلمانية التي هي ثقافة الصهيونية اليهودية لا تستطيع تحريك الشارع الذي هي غريبة عنه وهو الذي ظل حتى في حالة الضياع التي كان يشهدها والتي هي من فعلها وبفعل نظامها السياسي والثقافي التغريبي غريبا عنها فيها. وبحكم غربتها عن المساجد، وعن الثقافة الأصيلة، وفقدانها للذاكرة الإسلامية، وجهل عناصر النخبة المكونة لها بالثقافة العربية الإسلامية ومناهضتها لها، فقد كان من الطبيعي جدا أن لا يهزها تدنيس الإرهابي شارون للمسجد الأقصى، ولا حتى هدمه من طرف أصدقائها وأصدقاء الكثيرين منهم من اليهود الصهاينة، ولا يهزها تدنيس وهدم القوات الغربية الأمريكية الصليبية الغازية للمساجد وانتهاك حرمتها في بلاد الرافدين وفي أفغانستان وفي غيرها من الأوطان التي للمسلمين فيها وجود، والتي يدور فيها الصراع بين المشروع الحضاري والثقافي الغربي السائد والمهيمن والمشروع الحضاري والثقافي العربي والإسلامي النازع للصعود.

وكان طبيعيا واستنادا إلى طبائع الأشياء، أن لا يترك هذا التدنيس وهذا الهدم وهذه الإنتهاكات للأعراض وللمقدسات أي اثر ربما في نفوس هذه النخبة، بل وفي نفوس الأغلبية الساحقة من عناصرها ،ولا يحركها بحكم التصور الذي تحمله للدين الإسلامي ولمقدساته، أو يجعلها تتجاهل على الأقل خروج الجماهير للتعبير عن مساندتها لانتفاضة الأقصى المبارك ،وتأييدها للمقاومة العراقية ،ورفضها للإحتلال الغربي الأمريكي لأوطان أمة العرب والمسلمين،وهي التي لا علاقة لها بالمسجد الأقصى ولا بما دونه من المساجد في أوطان أمة العرب والمسلمين التي لها عليها السيطرة من خلال سدة الحكم ،لرعاية مصالح أوليائهم الغربيين والصهاينة، والتمكين لمشاريعهم الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية والحضارية.

أما الشعب الفلسطيني، وبحكم علاقته الحميمية والمباشرة بالمسجد الأقصى، وبحكم ما له عنده من معزة وقداسة ،وما يزوده به من طاقة وما يعمه به من سكينة وما يضفيه عليه من اطمئنان ،رغم الفواجع والفزع وعظم الكارثة وجلل الحدث، وما يمثله له من أنس وما يشعره به من مسؤولية على الأرض المقدسة وعلى كل مقدساتها، هذه الأرض التي تستمد كل حبة رمل فيها  وكل هباءة منها قدسيتها من قداسة مساجدها  وعلى رأسها المسجد الأقصى، ومن كنائسها العتيقة وعلى رأسها كنيسة المهد، فقد كان خبر أمين عليه ووفاه حقه وما يليق به من استبسال في الدفاع عنه وحمايته إلى الآن.ذلك الدفاع وتلك الحماية التي ينظر إليها شذاذ الآفاق وحصيرو النظر على انه دفاع عن المسجد الأقصى وغيره من المقدسات من دون الأرض المقدسة كلها. وهو الذي لم يضن عليه بالأرواح فكانت فداه، وبالدماء فأهرقت على عتباته وفي باحاته وأكنافه نيابة عن الأمة كلها.وقد برهن بما لا يدعو مجالا للشك على انه جدير بالقيام بهذا الدور، وقد قدم له من القرابين والأرواح والدماء والأموال ما لا طاقة لأي شعب آخر في وضعه وفي مأساوية ظروفه بتقديمه له كرمز للوطن وللأمة، مما جعله في نظر الشرفاء والعقلاء والأحرار والصادقين والمخلصين أكبر من أي كبير بعد الله ورسوله عند الكبير والصغير، وبما جعل أبناء الأمة الصادقين تهفوا نفوسهم لطلب الشهادة والسعي إلى أن يكون لهم دور في انتفاضة الأقصى وتحرير فلسطين والشيشان و أفغانستان وبلاد الرافدين من الإحتلال الغربي الصليبي الصهيوني، ينالون به شرف الشهادة والإستشهاد، والمساهمة في تحرير الأرض المغتصبة في كل بلاد العرب والمسلمين. هذا التحرير الذي لا يمكن أن يكون ممكنا بدون تحرير الإرادة وتحرير المبادرة في صفوف أبناء الأمة، وبدون تحرير العقول من العادات والتقاليد البالية المحسوبة على الإسلام ،ومن الخرافة والأسطورة ،ومن السلبية والتواكل، ومن الخوف من غير الله ومن الطمع في غيره، ومن التعصب الأعمى ،ومن الغزو الفكري التغريبي ،والإلحاق الحضاري ،والتبعية الثقافية والسياسية والحضارية، وتحمل الشعوب مسؤوليتها في  تحرير نفسها بنفسها من الأنظمة الفاسدة، ومن هيمنة النخب المتغربة والتقليدية على حد سواء على دوائر اخذ القرار. وأن غدا لناظره لقريب، وان موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ؟وذلك هو معنى استعادة الأمة لذاكرتها والإعتزاز بهويتها وبمقومات شخصيتها، وإيمانها بنمطها المجتمعي وتميزها الثقافي والحضاري الذي لا قيمة ولا وجود لها بدونه ولا معنى لهذا الوجود بدون ذلك كذلك.

                                                                

بقلم:علي شرطاني                                                                                   

قفصة

تونس 

 

. في سياق

مع نبيل الريحاني

 

 تمر علينا هذه الأيام احتفالية اليوم العالمي لحرية الصحافة، وبالحقيقة من التعسف وصفها بالاحتفالية لأن المناسبة تمر بنا وسط أنباء غير سارة لصاحبة الجلالة. هذا ما تقوله تقارير تصدر بين الحين والآخر تؤكد أن فرسان القلم يتعرضون لمصاعب تتضاعف يوما بعد يوم، وتحول دونهم والقيام بالواجب الخطير المنتظر منهم.

 

هو ليس احتفالا لأن المكاسب التي حققتها الصحافة تجد نفسها مهددة في أجواء دولية مشحونة يعد الإعلام واحدة من أدوات الصراع بين القوى المتصارعة. حتى تلك الدول التي كانت تعتبر معاقل لحرية الكلمة عادت هي بدورها لتصاب بداء مراقبة الإعلام والضغط على العاملين فيه.

 

مع ذلك تبقى المقارنة مع صورة الوضع في العالم العربي بعيدة المنال، فإذا كان الغرب قد حقق مكاسب يخشى التراجع عنها، نجد الدول العربية وهي ما تزال تتخبط في نظرة متخلفة لمهمة الإعلام ولدور أهله. ما تزال الاعتداءات على الصحفيين العرب متواصلة على قدم وساق. تعددت أشكالها بين مباشر ومستتر لكن الهدف منها واحد: تطويق أي نفس تحرري يتعارض مع مصالح أصحاب الكراسي التي تريد التحكم في الخبر والتحليل بما لا يهدد نفوذها. ورغم حرص كثير من الصحفيين من باب النضج المهني على تجنب الخلط بين وظيفتهم وبين الصراعات السياسية إلا أن ذلك لم ينجح في تبديد مخاوف أولي الأمر من أن يفلت الأمر من أياديهم. ولعل مصر تشكل مؤشرا بالغ الخطورة في هذا الاتجاه، فرغم ما تشتكي منه الأحزاب المعارضة في أرض الكنانة منه . ورغم ما ترفعه المنظمات الحقوقية من مطالب، تعد « الحالة الإعلامية » في هذا البلد متقدمة على غيرها. يقال إن مصر مثال حي لديمقراطية أنت تقول ما تشاء ونحن نفعل ما نشاء، لكن ذلك لا يحجب حقيقة الهامش الواسع والمهمّ لحرية الكلمة. قد لا يعجب هذا التقييم بعضا من إخوتنا المصريين الذين يعملون من أجل التغيير في بلدهم. لكن الخروقات الخطيرة التي تنتهك بها الحكومة حرمة الإعلام والإعلاميين تبقى دون الانغلاق الكامل الذي نجده في بلدان عربية كثيرة أخرى. والمستنتج من هذه المقارنة هو أن النظام الرسمي العربي هو المسؤول دون غيره عن كل التضييقات والاعتداءات التي يكابدها الصحفيون مع تفاوت في ذلك. ولو كانت الحكومات العربية تحمل قناعات واضحة وإرادة صارمة في الإصلاح الديمقراطي الذي يمر قطعا بتحرير الإعلام، لفسحت المجال للإعلام العربي كي يتنفس الحرية ويقوم بالدور المطلوب منه.

 

يبدو من ملامح المقاربة الرسمية العربية للشأن الإعلامي أن الحكومات باعت الاستثمار الاستراتيجي في الحرية الإعلامية بأهداف آنية عابرة وضيقة. والمتأمل في هذا السلوك السياسي يجده غاية في الضرر حيث ترسخت حالة فقدان الثقة المتبادل بين الحاكم والمحكوم، كيف لا وقد تحولت بعض وسائل الإعلام إلى غير ما وجدت من أجله. فعوض أن تبحث عن الخبر وتوصله لمن يحتاج العلم به، أصبحت المؤسسة الإعلامية العربية الرسمية وشبه الرسمية تؤد الخبر في مهده وتكفنه بالأكاذيب قبل أن تدفن حقيقته و تخفي معالمه. وعوض أن يقوم الإعلاميون بدور الرقيب والموصل لصوت الناس، أصبح الإعلام الرسمي يشتغل أساس على تبرير سياسات الحاكم وتسويقها باعتبارها جنة لا نشاز فيها..أو النشاز فيها هي المعارضة بمختلف أشكالها: تلك التي تشوه الحقيقة الناصعة وتنكر الانجازات الرائدة.. للأسف أنتجت هذه الممارسات جيلا من الصحفيين المدجنين الذين لا تجد تعبا في اكتشاف حقيقة الدور الذي ارتضوا لأنفسهم القيام به..أو « غرر بهم » ليقوموا به.

 

وفي المقابل كان من الطبيعي لهذه النظرة أن تضايق كل من لا يقبل بها. ولهذا السبب بالذات ينكل بزملاء لنا ليس إلا لأنهم صنفوا متمردين وصاروا مادة غزيرة لتقارير المنظمات المدافعة عن حقوق الصحفيين. وأصبحنا نحصي على الدول العربية تلك المراتب غير المشرفة التي احتلوها في درك الترتيب العالمي. يحدث ذلك في وقت شهدت فيه بعض البلدان الفقيرة تطورا في الحرية الإعلامية جعلها على الأقل تعكس مشاكل ومطالب الشعوب فيها. وما دامت الدول العربية تصنف في الدول النامية وتتبارى عواصمها في الافتخار بالانجازات وبالإرث الحضاري العظيم وبأنها ملتقى الحضارات، كان من المنطقي أن يواكب الإعلام هذه « الفتوحات » العربية.. لكن للأسف ليس هناك ما يؤكد ذلك في الواقع. مانراه هو ازدواجية لا يقتنع بها إلا من يرفعها لوحده تقريبا. بالعودة إلى الصلة بين تراجع الحريات الإعلامية حتى في معاقلها التقليدية وبين الواقع الإعلامي العربي، يلوح التفاؤل صعبا إذ أن هذا التراجع أصبح هو نفسه حجة لمن يريد أن يقنع الشعوب العربية بأننا لسنا استثناء في أسوأ الأحوال..وأننا ما نزال نخطو خطواتنا الأولى مقارنة مع تلك التجارب العريقة ومن الطبيعي أن نخطئ وأن نتقهقر ما دامت هي نفسها تتقهقر.

 

على ضوء ذلك يمكن القول إن الطريق أمام الإعلام العربي كي يثبت أقدام حريته على الأرض تنتظرها أيام صعبة وتقارير مؤسفة ستتحدث عن تواصل مسلسل التنكيل بالصحفيين العرب.

 

(المصدر: ركن « نقطة » بمجلة البلاد، إلكترونية نصف شهرية مستقلة، العدد الثالث بتاريخ 18 ماي 2006)

 


سيميائيات متهافتة..

مع نصرالدين اللواتي

 

 من الخبر إلى « العلامة » ومن المعنى إلى التأويل، ومن الأصل إلى المحتمل، مآل غريب يمضي نحوه « الحدث الصحفي » في العالم بعد سنوات من البث الفضائي، مآلٌ تستبدل فيه الوقائع والمضامين بالرموز، ويعوض فيه خطاب التفسير بتلك السيمياء المعقدة التي تتجاور فيها العلامات وتحتشد الدلالات وتلتبسُ.

 

لغة بصرية جديدة تقترحُ نفسها بديلا عن البلاغة الخبرية، أو بلاغة موازية على الأقل، معولة على المفعول التلخيصي في الصورة، دون أن يهم المضمون،  بل أبعد من الصورة ذاتها تلك العلامات المنفلتة من حدث إلى آخر ومن تغطية إلى أخرى، آلاف التغطيات عن التفجيرات الدامية في العراق، بالجثث الموزعة في الصورة مثلا تكاد تنتج نمطا اسمه « الموت العراقي » نمط واحد ثابت دائري من يوم لآخر ومن شهر لآخر، ومشاهد الركض بالمصابين أو القتلى في شوارع غزة تكاد تفضي إلى نمط اسمه » الفلسطيني شهيدا » وكأن لا حاجة إلى « الفلسطيني إنسانا »، أو « الفلسطيني موظفا »، أو »الفلسطيني » أي شيء آخر.. إلا قتيلا، وكذلك صور المقابر الجماعية في البوسنة، استدعاء لوعي تاريخي بالمأساة يؤبد فيه الضحية والمجرم كل في موقعه، واحد تحت الأرض وآخر فوقها ولا حاجة للفهم، مجرد تأبيد واطمئنان للصورة كما هي، أو صور رامسفيلد في بياناته الصحفية في البنتاغون بنفس نظرات اليقين وبيديه الشارحتين المحلقتين في الفضاء كجناحي « ب52 ».. أو صور اجتماعات الإتحاد الأوروبي في بروكسل، وصور لقاءات المسئولين العرب… لا تعدو كلها أن تكون شبكة سيميائية لتأبيد متصور ما، بأسلوبٍ أدّى إلى كسر نرجسية « الخبر » وسلطة الكلام، وثمّن العلامة،  طالما أن المُشاهد توصل بعد سنوات البث الفضائي إلى التقاط  ضمنيات في الصورة وتفكيكها وإعادة تشكيلها على طريقته.

 

وطبعا فلن تلغي هذه اللغة البصرية المقومات الكلاسيكية للمضمون الإخباري التلفزيوني، غير أن تَضَخَّمَ حضورها في العرض الإخباري اليومي أصبح لافتا، بدليل أن عددا غير قليل من « صنّاع » الحدث الدولي تفطنوا إلى الحيلة الطريفة الظريفة، فأصبحوا محترفي علامات وحولوا الشاشات إلى مهرجان للسيميائيات المتهافتة عبر التسجيلات المصورة لتصريحاتٍ أصحابها غالبا مختفون ومطاردون… لكنهم يجدون الوقت الكافي للجلوس أمام الكاميرا، والزج بمفردة جديدة في حقل التناول الإخباري اسمها « ..وفي شريط تحصلنا على نسخة منه.. ».

 

في شريط مصور..

 

بعيدا عن الخطاب، قريبا من الرموز والإشارات تترسخ الخبرة البصرية للمشاهد مستنفرة آليات نفسية في التقاط الحدث وتكييفه وهضمه، ومن مؤتمرات صحفية متماثلة غالبا، إلى تصريحات تلفزية متطابقة لفاعلين كلاسيكيين تتدفق المواد المصورة دون أن تفلح في  كسر ذلك المتصور الذهني لدى المشاهد عن صناع الحدث العالمي (شخصيات سياسية متأنقة في الغالب تشغل حيزا ما في التداول الإخباري العام للمواقف والتطورات)، غير أن  شاشة العرض الإخباري اتسعت منذ سنوات إلى مؤدين جدد في سياقات جديدة وبإكسسوارات جديدة تخففت من ترف المكاتب والمنابر وساحات الحدث السياسي المعهودة واستعاضت عنها بتسجيلات « هواة » التقطت في الصحراء أو إلى ربوة واحتاجت فقط إلى ما يرسّخ لدى المشاهد « دراما الابتلاء ».

 

شخص قابع في ركن ما، مع رشاش خلفه على الجدار، وإضاءة كافية لتبيين تعابير الوجه، تنضاف إليها عبارة exclusive على جانب الشاشة تكفي وحدها ودونما حاجة للإنصات من قبل المشاهد، لصياغة دراما ما هي جزء من مرويّات « الحرب على الإرهاب »، مناظرة مفتوحة مرة تطل من إحدى صحاري قلب آسيا ومرة من حديقة البيت الأبيض.. مناظرة سيميائية فحسب تلك هي الحرب على الإرهاب.

 

وهكذا، دون أية حاجة للقول، أو لبلاغة الخبر، يمكن للمشاهد الاكتفاء بالصور واستدعاء الرموز وتفكيك الرسائل و رسم سطر طويل يبدأ من القرن الأول للهجرة إلى سنة 2006 ويرتب عليه الصور والأسماء والأحداث كما يشاء معيدا نفس العملية دونما حرج، طالما أن الشرطة متوفرة بكثافة هذه الأيام، من بن لادن إلى الظواهري وبعدهم الزرقاوي، فضلا عن تسجيلات أسماء الصف الثاني أو الثالث.. وأغلبها ورغم أنها تظهر كعمل هواة إلا أنها التقطت بكاميرا تدرك تماما وظيفة اللقطة وتفهم منطق الإطارcadre.

 

منذ أيام تم بث صورة لشخص بلباس أسود يتوسط مجموعة المسلحين في مكان مقفر قد يكون صحراء العراق أو مالي أو خلف البناية البعيدة آخر الشارع.. اللقطات تحاول دونما إتقان كبير التركيز على صبغته القيادية وسط المجموعة، والشخص نفسه الملتحف بالسواد (لماذا على اللون الأسود أن يكون تنميطا بصريا لمعنى التصميم والبأس والمجاهدة…؟) يوجه بتصميم رشاشه إلى الصحراء ويطلق النار على الفراغ، على لا أحد، أو ربما على عدو افتراضي موجود بالقوة لا بالفعل سيكون على المشاهد أن يستدل عليه ويكتفي بتخيله وإدراجه في المواجهة، وعندما يضاف إلى الصورة اسم « الزرقاوي »  تكون شبكة العلامات منحتنا مُتَصَوَّرا ذهنيا جاهزا تقديره « هل من مبارز؟ »

 

طبعا ظهر فيما بعد أن صورة « التصميم » و »البأس » و »واصلوا الزحف يا رجال.. » مجرد تمرين سيميائي لعب فيه المونتاج دورا كبيرا، فالشريط  الأصلي يبرز أن بروفات عديدة متعثرة جرت أثناء التصوير، وأن هذا الشخص الذي سُمّي « الزرقاوي » لا يعرف كيف يمسك رشاشا، وجرح أحد مساعديه عندما كان يعينه على التصويب.

 

مهرجان التقارير

 

« التقرير » علامة أخرى تحولت دون تخطيط مسبق  إلى الـ »حدث »، مستفيدة – وهي تمطرُ المشاهد في التغطيات الإخبارية – من التهافت العالمي الغريب هذه الأيام على دبلوماسية التقارير وسياسات التوثيق والجرد وكشف الحساب بوصفها أدوات جديدة للتعامل من أسلحة العراق إلى مقتل الحريري فنوايا إيران… وكلما كان الحديث عن « لجنة تحقيق » أو « تقرير » فلا بد أن تكون هنالك مسيرة طويلة مملة ترتقي في ذروة ما : من لجنة التقرير، وتحضيرات ما قبل صياغة التقرير، وإشاعات ما بعد الصياغة وتوقعات ما قبل الإعلان وصولا إلى يوم الفصل حيث يستوي صاحب التقرير على منصة (لابد أن تكون هنالك منصة لاستكمال المشهد) مقدما القول الفصل..وسيكون علينا كلما تكرر نفس المشهد من على نفس المنصة أن نقوم بجهد كبير لكي لا نفهم أن هنالك حروبا بصدد الإعداد، لتحريك بعض الحدود أو بعثرة بعض الأنظمة.

 

ودون شك لم يدر بالمرة بخلد الشاعر والمسرحي الراحل محمد الماغوط ومعه المبدع دريد لحام، أن يتحول موضوع عملهما السينمائي الشهير » التقرير » من كاريكاتور مركّب إلى سقف لتحريك المواقف الدولية وصناعة الإجماع الدولي.

 

تقارير يديرها الفاعلون الدوليون بالوكالة عبر  لجان تحقيق مرتجلة مضيفين كل مرة قصة إخبارية معادة بشخوص مكررين،  من محمد البرادعي إلى هانز بليكس فكولن باول وديتليف ميليس وبراميرتز… محولين التقرير إلى « تيمة » في ذهن المشاهد تختزل  الشرعية، وتعطي صورة ما عن العدالة لكن هذه التقارير التي تزدحم على الشاشات من حين لآخر توثق لتاريخها بعناية، تؤرخ لما قيل ولما أهمل، وتحتفظ بما أجيز ولكنها تحيل على ما حذف،  وربما لذلك خشيت إسرائيل مجرد فكرة وجود تقرير، حتى شكلي،  حول مجزرة جنين سنة 2002، فلم تكتف بإجهاض لجنة التحقيق الأممية بل تدخلت بالتشذيب والتعديل في تقرير الأمين العام كوفي عنان مسهمة في إنتاج » تقرير » بلا إقرارات ومعان ولا استنتاجات عدا تحميل مسؤولية المجزرة للفلسطينيين، قبل أن يعود المسؤولون الإسرائيليون إلى سب نفس هذا التقرير وتتفيه محتوياته غير قادرين على تحمل أن يربط حتى منطق سيميائي ما بين اسم إسرائيل ومفردة التقرير.

 

رحابة صدر كبيرة إذن للشاشة الإخبارية، لكنها رحابة الالتباس بين الأخبار والدلالات والخلفيات والضمنيات والإشارات المقصودة وغيرها العرضية، كل ذلك إزاء مشاهد يطور لوحده آليات التفكيك والفهم دونما انضباط لمقاصد الباث. وهكذا من الخبر إلى العلامة مسار جديد يمضي نحوه الحدث الصحفي، وسط كم متسع من قنوات البث الفضائي، مع ذلك، هل أصبح الناس أكثر فهما للراهن أكثر إمساكا بالمعلومة؟ هل أصبحنا أكثر إدراكا أكثر يقينا وأكثر ثقة بما يبثّ؟ أم أنه إخفاق جديد في عمر المهنة الصحفية؟

 

(المصدر: ركن « خارج المتن » بمجلة البلاد، إلكترونية نصف شهرية مستقلة، العدد الثالث بتاريخ 18 ماي 2006)

 


 

الثقافة والسياسة: هل التماسّ ضروري اليوم؟

مع مكي هلال

 

ما بين الثقافة والسياسة وشائج عدة وتحولات في العلاقة تراوحت بين تماس اضطراري عند منعرجات حاسمة وتقاطع أملته طبيعة الدور والاشتغال ضمن بنية متقاربة، فكلاهما يقترح مشروعا وإن اختلفت أدوات التنفيذ وتناقضت الوسائل بين ثقافة التغيير وسياسة فن الممكن.

 

 العلاقة الملتبسة

 

الثقافة ثقافات ومشاريع  وكذلك السياسة والساسة  والعلاقة بين المثقف والسلطة سواء كانت هذه السلطة في الحكم أو سلطة الحزب في المعارضة كانت دوما ملتبسة ومحكومة بارتياب أحدهما من الآخر إلى حد يستقيم معه توصيف الشاعر ممدوح عدوان بأن العلاقة بين الطرفين هي على الأغلب حرب شوارع.

 

وإن عدنا إلى عصر سطوة الشعر العربي والحظوة التي كان يتمتع بها في البلاط وفي المجتمع،بوصف الشارع كان يختزل ويختزن صورة المثقف آنذاك مشاغبا كان أو مهادنا، لوجدنا شعر التكسب والمد حيات المطولة أو الهجاء المقذع أحد ضروب علاقة متفجرة منذ البدء بين الشعر والقصر لا بل بين المثقف والسلطة

 

 ولنا فيما نظمه المتنبئ في كافور الإخشيدي وانقلاب النص حين انقلبت العلاقة من الصفاء إلى الكدر خير دليل على تقلبات الموقف واللسان متى ارتهن المنجز الثقافي بعطاء أو مجد أو ولاية أو مجرد وعد سرعان ما يخيب.

 

مثقف المرحلة

 

غرا مشي تحدث مطولا عن المثقف العضوي  ودوره وفضله على المثقف التقليدي وصارت تصنيفاته شعارا تقدميا في صالونات الانتلجنسيا  وجلساتهم 

 

وصار ديدن المثقف أن يستقل ما أمكن عن دوائر القرار السياسي أو البنى التقليدية  والو لاءات الجمعية ويعمق لدى الآخرين حسا نقديا وروحا ترفض السائد ولا تتواطأ معه، مهما كانت مغريات مال السلطان أو محاذير سيفه ،ورغم الأوضاع الضاغطة التي تحيط  بالمثقف العربي فهو يختار دوما، إن كان عضويا ،خروجا جميلا نحو نزعة إنسانية تحررية تجعل منه الأقدر على رصد حاجات الناس خصوصا إذا اهتم   المثقف بالجمع بين التنظير والفعل الاجتماعي ،لأن الوظيفة الأبقى للثقافة ليست الإبداع  والتجديد فحسب ،بل يتحمل المثقف الحقيقي مسؤولية  ما يسمى الضبط الاجتماعي  الذي يتسنى لمن ينتجون وعيا نقديا جديدا لا يهادن، ويفتحون دروبا بكرا لقيم معرفية جديدة تستدعيها المرحلة والتحديات التي تطرحها التحولات الكبرى اجتماعية كانت أو سياسية.

 

استثمار الموقف

 

المواقف والحالات التي نعيش تطلعنا أيضا على نماذج أخرى من المثقفين وأشباههم فالمثقف المستثمر في عصر الصورة والترويج صار أكثر حضورا من المثقف الملتزم أو العضوي  فهو صاحب بضاعة يعرضها ويستثمرها مع السلطة أو ضدها حتى يضمن لنفسه موقعا ووجاهة، وعلى الأغلب يختار المثقفون الطريق الأسهل وحينها يصبح الانتماء معوقا آخر ،لأن المثقف  الحقيقي هو بالضرورة حمال لهم سياسي، دون أن يحترف السياسة، وإذا استقطبته حبائلها سيحرم نعمة الاستقلال واتساع الأفق، فهو بوصفه صاحب مشروع مطلوب منه أن يكشف ويحلل ويشخص ويبدع  وألا يصمم حملات  شعاراتية  وينازع أهل السياسة في أكثر عمل يجيدونه.

 

تقاطع لا تماس مصالح

 

بالنظر إلى ما تعيشه السياسة اليوم من مأزق وما تعيشه الإيديولوجيات  والمعرفة بشكل عام من أفول أمام سلطان المال والقيم التبادلية بدل القيم المعيارية، اتخذت العلاقة اليوم شكلا جديدا في الدول المتقدمة أكثر،أو على الأقل تجدها تهتم أكثر هناك بالثقافة كمشروع وبالمثقفين كحملة لهذا المشروع، لا كرسل أو مبشرين بنهضة أبدية.

 

 فالمثقف وإن تعود عندنا على منافقة السلطة وتزلفها بحثا عن دور فهو عندهم ،كما يعرفه الراحل إدوارد سعيد، قوال للحقيقة في وجه السلطة، مهما كانت التضحيات،فالتهميش متوقع ،أعني تهميش المثقف متى تصارعت السلطة والمعرفة، فالسلطة قاهرة بطبعها، لكن المثقف بطبعه رافض للتهميش متى أدرك حقيقة دوره، رغم  تراجع طبقته وتأثيرها في تونس والعالم العربي، أقصد الطبقة الوسطى التي حملت دوما حلم النخبة ومطلب التغيير الهادئ أو الانقلابي في مراحل مهمة من تاريخ الإنسانية.

 

تماس المصالح يحدث غالبا متى أدرك المثقف أن بوسعه بيع رأسماله الرمزي إلى السلطة ،وحين تكون السلطة ممثلة في الساسة على يقين بأنها قادرة على شراء كل المواقف واستكتاب كل المثقفين.

 

عواصم للثقافة

 

ليس مطلوبا للعلاقة بين المثقف والسلطة أن تكون موتورة أو أن يكون طرفاها في حالة استعداء دائم، بل إن التقاطع ضروري بين المثقف والسياسي لبعث المشاريع الثقافية البديلة أولا ولإنجاحها ثانيا،فليس المطلوب عملا موسميا وعواصم ثقافية عربية تنام قبل الأرياف النائية أو تقصي مثقفيها الخارجين عن بيت الطاعة ،ولا تكل من الترويج لشعارات لا تخدم إلا متعهدي العمل الموسمي وسدنة الثقافة الرسمية.

 

ومتى آمنت السلطة بذلك وأحسنت الظن بالمبدع والمثقف ووسعت أمامه حقل الإبداع وقلصت قائمة الممنوعات والتابوهات ،حينها فقط قد نرى ثقافة تحرك المدن ولا تريفها،نسبة إلى الريف،كما هي الحال في أغلب « مدن الملح » العربية تذوب فيها كل بارقة بمجرد أن  تسطع شمس السلطة ويشتد لظاها ليحرق أوراقا ثقافية قبل أن تينع ويحين قطافها .

 

(المصدر: ركن «  »ريحة البلاد » بمجلة البلاد، إلكترونية نصف شهرية مستقلة، العدد الثالث بتاريخ 18 ماي 2006)


مشايخهم ومشايخنا

مع بسام بونني

 

تأسست منذ أيام في العاصمة الفرنسية باريس الرابطة المغاربية للديمقراطية. ولئن كان الحضور الإعلامي مكثفا لتغطية الإعلان عن هذه المنظمة فإن أبرز ما ميز الندوة التي انتظمت لهذا الغرض تمثل في وجود الوزير التونسي الأسبق الطاهر بلخوجة من بين الحاضرين.

 

هذا الاسم الذي تداولته الألسن كثيرا في نهاية السبعينات وأول الثمانينات وطرحته أخرى كبديل للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة قد يوحي لكثيرين بكوارث حصلت في عهده لا سيما أثناء توليه وزارة الداخلية وقد يعني لآخرين بداية النهاية ل »للمجاهد الأكبر ».

 

لكن حضور الطاهر بلخوجة أو لنقل عودته إلى الساحة السياسية على الأقل من خلال الرابطة المغاربية للديمقراطية تثير استفاهامات عديدة لا طالما خصت المشهد السياسي التونسي دون غيره حتى في المحيط ألمغاربي.

 

أين هي الأجيال السابقة من السياسيين؟ ما تموقعها في الساحة السياسية؟ وما مدى حضورها وتأثيرها على مجريات الأحداث؟

 

في سنوات غير بعيدة، ظن الكثير من التونسيين – ولا سيما منهم أولئك الذين عاصروا فترة ما بعد الاستقلال وتأسيس الجمهورية – أن رجالات الحقبة البورقيبية قد وافتهم المنية نظرا لغيابهم – أو تغييبهم – بعد اعتلاء الرئيس زين العابدين بن علي السلطة. لكن مساهمات البعض وبروز البعض الآخر من خلال منابر إعلامية أجنبية كذب تلك الظنون، حتى جاءت مؤسسة التميمي لتفتح ملفات الحقبة البورقيبية من خلال العادة الحميدة التي أرستها والمتمثلة في شهادات شخصيات كانت فاعلة في تلك الحقبة من خلال مراكزها أو أفكارها.

 

ولئن اعتبر البعض أن دور مؤسسة التميمي كان تقزيما لمكاسب تحققت في عهد الرئيس بورقيبة، فإن المؤسسة لعبت دورا فعالا في إعادة زعامات تاريخية للواجهة، على الأقل من خلال شهاداتها.

 

لكن مجرد المشاركة في ندوات مؤسسة التميمي ليس بالكافي ولا بالشافي للساحة السياسية التونسية التي قطعت فجأة مع ماضيها.

 

إذ كيف نفسر غياب قيادات كانت لها خلفياتها الإيديولوجية وتاريخها السياسي الذي وإن لم يخل أحيانا من « الكوارث » فإنه كان حلقة بطريقة أو بأخرى في تأسيس تونس الحديثة؟

 

من منا لم يفاجأ، مثلا، بابتعاد شخصية مثل أحمد المستيري – الذي يعتبره البعض أب الديمقراطية التونسية – من دائرة الضوء؟ ومثال أحمد المستيري لا يلخص قائمة يطول ذكرها في هذا المقام. فالحقبة البورقيبية بمساوئها كونت جيلا متكاملا ومتينا إلى درجة أن فرضية غياب الرئيس بورقيبة عن الحكم لم تكن مطروحة، نظرا لوجود بدائل عديدة ومن آفاق مختلفة.

 

هنالك من عزا الأمر إلى إرادة النظام الحالي طي الصفحة البورقيبية بتغييب رموزها. وهنالك من تحدث عن « تقاعد » سياسي لشخصيات أنهكتها المعارك الداخلية التي شهدتها تونس في سنوات بورقيبة الأخيرة.

 

لكن، مهما كان من أمر، فمن واجب هذه الشخصيات المضي قدما نحو غد أفضل لبيت هم أدرى بأسراره وخفاياه. مشاركتهم في الساحة السياسية، في الظرف الراهن، أضحت أكثر من مهمة. فالحراك السياسي الذي تشهده البلاد في خضم تحولات دولية عميقة يحتم على الأجيال السابقة الوقوف مع الوجوه الجديدة لتخطي مرحلة تعتبر الأصعب في تاريخ البلاد، لا سيما وأن من ملامحها بروز قوى رفض جديدة من شأنها الدفع بالمسار الديمقراطي، فلا تواني ولا انسحاب.

 

عند الجارة الجزائر نرى أن الرئيس الأسبق، أحمد بن بلة، قد لعب دورا كبيرا في مشروع المصالحة الوطنية. أما في مصر، فها هو ذا عزيز صدقي، رئيس الوزراء الأسبق يتزعم حركة مناهضة لتوريث الحكم.

 

مغادرة رجل السياسة لمنصبه القيادي لا تعني بالأساس انسحابه من المعترك السياسي. فكم من مسئول غادر موقع صنع القرار من الباب الصغير لتراه يحيا من جديد من خلال مسؤوليات أخرى بعيدة عن عبء السلطة وأثقالها. 

 

مثال ذلك الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان الذي رغم تقدمه في السن فقد كان رئيس اللجنة التي سهرت على إعداد « المعاهدة الأوروبية » التي تعطي روحا وهوية للاتحاد الأوروبي.

 

عودة المخضرمين للساحة السياسية التونسية سيكون له وقع أكثر من إيجابي. فلو عدنا فقط للشهادات التي أدلى بها مسئولون سابقون في ندوات الذاكرة الوطنية التي تنظمها مؤسسة التميمي سنلمس حتما رؤية نقدية حتى لأدائهم الشخصي. بل هنالك من اعتذر منهم على « ذنوب » اقترفها خلال تقلده منصبا ما.

 

كل ذلك يوحي باستيعابهم دروس الماضي، دروس بالإمكان أن ننطلق بها في الحاضر نحو غد أفضل.

 

(المصدر: ركن « هواء طلق » بمجلة البلاد، إلكترونية نصف شهرية مستقلة، العدد الثالث بتاريخ 18 ماي 2006)

 


هل نحن حقا أمة مهزومة؟

مع نورالدين العويديدي

 

يجادل البعض بخصوص مستقبل العرب والمسلمين. البعض يراه كارثيا بكل المقاييس، فهم يسيرون، بحسب وجهة النظر هذه إلى فواجع محققة، قد تجعل منهم هنود هذا الزمان الحمر. لكن هذه الرؤية المغرقة في التشاؤم لا تلحظ جوانب قوة وتقدم وارتقاء كثيرة في الوضع العربي والإسلامي في حاجة إلى إبرازها، والبناء عليها، ولا تدرك أن الزمان يفعل فعله لغير صالح المشاريع المعادية للعرب والمسلمين، مهما بدا الأمر على خلاف ذلك في الظاهر الخادع الغشاش.

 

فقد كان العرب والمسلمون أثناء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي مجرد مناطق نفوذ متقاسمة بين عملاقين كبيرين. أما اليوم، وبالرغم من أن الكثير من الحروب والأهوال تجري على أراضيهم، وتنتج عنها خسائر هائلة لهم، وهو ما يوحي ظاهرا بأن أحوال العرب والمسلمين تسير من سيء إلى ما هو أسوأ، إلا أن ما يحدث في الواقع لا ينبئ عن تراجع وتقهقر، كما يشاع، إذا ما أمعنا النظر، وتجاوزنا ظاهر الأمور، وغصنا إلى باطنها، فثمة أشياء كثيرة تستحق النظر والتأمل في غابة البشاعة المسيطرة على المشهد الظاهر.

 

فبالرغم من جريان الحرب على أرضنا، في أكثر من ساحة، فإنها لا تقارن بالحرب العالمية الثانية مثلا، التي جرى شطر كبير منها على أرضنا وفي مدننا، حين لم يكن لنا طول ولا فهم لما يجري ولا قوة على ردها ولا حول، فمعارك اليوم تجري بين أمتنا وإرادة أبنائها في التحرر والاستقلال الحقيقي من جهة، وبين قوى استعمارية، لم تعد قادرة على ضمان مصالحها غير المشروعة في أرضنا بغير الهيمنة المباشرة عليها، من جهة أخرى، بخلاف الحرب العالمية الثانية التي كانت أرضنا مجرد ميدان لبعض فصولها القاسية.

 

لنأخذ مثلا حيا على نصاعة هذه الفكرة وقوتها مما يجري في العراق. فبرغم كل ما في العراق من آلام ودموع ودماء وأوجاع، فإنه يكشف بجلاء التقدم الكبير في أوضاع الأمة، وهو الأمر الذي يحتاج الناس إلى الانتباه إليه جيدا. فقد كان بوسع دولة غربية واحدة، قبل قرن، أو أقل من ذلك، أن تحتل شطرا كبيرا من دولنا، وتسيطر عليها لعقود طويلة، دون أن تدفع ضريبة باهظة لاحتلالها. إذ احتلت بريطانيا لوحدها أكثر من نصف الكرة الأرضية، منها الكثير من الدول العربية والمسلمة. واحتلت فرنسا لوحدها أيضا جزء آخر كبيرا من دولنا وشعوبنا. لكننا صرنا الآن نرى ثلاثين دولة غربية، بما فيها الدولة العظمى: أمريكا، عاجزة عن السيطرة على العراق بمفرده، بعد أن تمكن أبناؤه من ناصية التقنية، وانتشرت بينهم ثقافة الاستشهاد والمقاومة.

 

لقد أتاح سقوط المعسكر الشرقي والاستفراد الغربي بالعالم لكثير من الشعوب أن تأخذ شأنها بيدها، وأن تحك جلدها بأظافرها، بعد تعويل طويل على صراع العملاقين المحسوب بدقة لبقاء سيطرتهما على العالم لأطول فترة ممكنة. الآن وبعد يقظة الشعوب، وأخذها أمرها بيدها، ها نحن نرى ذلك يرفع من الكلفة الباهظة، على الأصعدة البشرية والمادية والأخلاقية، لمشاريع الهيمنة الغربية المنفلتة من عقالها، ونرى ساحات جديدة للمقاومة، بمختلف أنواعها، العسكرية والسياسية والأخلاقية، تفتح في وجه الهيمنة وعودة الاستعمار.

 

ومع ما يجري في أمريكا اللاتينية من عودة الروح إلى الجسد الذي أنهكه العبث والتدخل الأمريكي، ها نحن نرى معظم شعوب الأرض تقف إلى جانب حقوق العرب والمسلمين، مهما تكالب عليهم الطغيان، الأمر الذي يجعل قضاياهم تحتل الصدارة في بؤرة الاهتمام العالمي، بعد أن لم يكن أحد يأبه لها كثيرا. مثلما نرى أعداء أمتنا وقد صاروا محاصرين أخلاقيا، (أنظر ما يحصل لشعبية بوش وبليرفي بلديهما وفي العالم)، عاجزين عن الدفاع عن شرعية عدوانهم، والعالم كله يقف مع العرب والمسلمين أخلاقيا في وجوههم، حتى إن إسرائيل وأمريكا باتتا في استطلاعات الرأي أخطر دول العالم على السلام العالمي، كما كشف عن ذلك استطلاع رأي شعوب دول الاتحاد الأوروبي، حين صنف 59 في المائة من الأوروبيين الولايات المتحدة وإسرائيل على أنهما أكبر خطر على السلم والأمن في العالم.

 

في ساحة أخرى شديدة الأهمية، أجبرت المعركة الجارية بين العدو الصهيوني والشعبين الفلسطيني واللبناني، هذا العدو على التراجع المستمر منذ انتصاره الكاسح في حرب 1967. فمنذ ذلك التاريخ والعدو يتراجع، سلما أو حربا، بعدما عجز عن هضم ما ضم من أرض وسكان. وقد كانت هزيمته في لبنان وانسحابه منه عام 2000 خائبا ذليلا من أبرز تراجعاته. ثم انسحب لاحقا من قطاع غزة، وفي غد قريب سينسحب من الضفة الغربية، محاولا تغطية انسحاباته بالتورط في المزيد من الإجرام ضد الشعب الفلسطيني وقياداته، حتى يظهر تراجعاته على أنها من موقع قوة.

 

إسرائيل التي عرفت سابقا بحرصها على ترك حدودها مفتوحة للغزو والتوسع والعدوان، وكان الحديث يدور بين نخبها عن إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، قد باتت اليوم في موقع دفاع، تحاصر نفسها بالجدران والأسوار، حتى ترد هجوم الشعب الفلسطيني عليها، وتحاول أن تحمي القاعدة التي أقامت عليها مشروعها، لكن تلك القاعدة ستنهار على ساكنيها طال الزمن أو قصر، حتى وإن بدت إسرائيل المسنودة أمريكيا لدى بادي الرأي راسخة رسوخ الجبال. فشعورها الدائم والمرضي بعدم الأمن كاشف عن عمق هشاشة هذا الكيان.

 

ثمة جبهة أخرى للصراع لا يدركها كثيرون. فالقارة الأوروبية العجوز، التي احتلت خلال القرون الثلاثة الأخيرة معظم أراضي العرب والمسلمين، قد شاخت وغلب عليها الهرم. أما أمتنا فأمة شابة متدفقة بالحياة. ولم تعد « المعركة » تجري على أرضنا وحدها. فقد صار العرب والمسلمون أقلية يحسب لها في أوروبا ألف حساب. وبعد 25 عاما فقط يصير المسلمون في دولة مثل هولندا أغلبية. أما في فرنسا وبريطانيا فإن الأمر لا يحتاج إلا مائة عام فقط ليتحقق ذلك. وهكذا فعلى الرغم من الهزائم الظاهرة لأمتنا يخبئ لها التاريخ أدوارا عظيمة جليلة، لم يكن بوسعها تحقيقها في القرون السالفة، حين كانت تسود العالمين.

 

بالمختصر المفيد، فإن إيجابيات كثيرة قد لا نلمسها ولا ندركها « بالعين المجردة »، حصلت في وضع أمتنا، والحالة العراقية تكشف واحدة منها بجلاء.. أوليس استعصاء شعب واحد من شعوبنا على دول وجيوش كثيرة معادية، بعد أن كان جيش دولة واحدة قادر على أن يسيطر على عدد كبير من دولنا، يعد من علامات التقدم والارتقاء؟..

 

إن وضع الأمة انتقل انتقالا كبيرا من السلب إلى الإيجاب، فأمتنا تتزايد عددا ونوعا، وكفاءة أبنائها في هضم علوم العصر ومعارفه، من دون فقدان الهوية والروح الجامعة الموحدة، تتزايد باستمرار، حتى وإن ظلت الأطر المادية والسياسية لم تعرف التحول ذاته. وهذا تطور بالغ الأهمية لابد من الانتباه له، ولابد من الكف عن إدمان النقد المدمر، الذي لا يرى في الأمة إلا ركاما وكتلا من السلبيات، بعضها فوق بعض. فالأمم إذا أرادت أن تنهض تنظر لما فيها من إيجابيات وتفعّلها، لا أن تعكف على ما فيها من سلبيات، تضخمها وتلوكها باستمرار، وتنظر للعالم من زاويتها، وتظل تجلد ذاتها باستمرار!!.

 

وهذا النقد الهدام هو للأسف ما أدمنت عليه الكثير من النخب، التي يفترض أن تكون الأقدر على رؤية ما يلوح من نور في نهاية النفق المظلم.

 

(المصدر: ركن  » فضاءات » بمجلة البلاد، إلكترونية نصف شهرية مستقلة، العدد الثالث بتاريخ 18 ماي 2006)

 

 
الحلقة الثانية لحقوق الإنسان (2/2)
كلمة حقوق الإنسان تهز المشاعر وتحي في النفوس نخوة المواطنة والحقوق التي يكتسبها الإنسان في وطنه
 
بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري. رئيس لشعبة الصحافة الحزبية سابقا  
 
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أفضل المرسلين   

تونس في 17/05/2006   أواصل الحديث حول حقوق الإنسان، على إثر انتخاب بلادي ضمن مجموعة الدول الراعية لحقوق الإنسان مؤخرا وقلت في مقالي الأول أن هذا مكسبا هاما ورافدا مهما لدعم الحقوق التي لخصتها في النقاط العشرة. واليوم أريد التعمق في ذكر بعض الحقوق الأساسية منها حق الإعلام وحرية التعبير ودور الصحفي أو الكاتب والمواطن المساهم في هذا المجال الهام الذي اعتبره من أهم العناصر التي تتطلب عديد المقالات حتى نعطي حق حرية الرأي وحق الإعلام الحر ما يستحق من العناية والاهتمام والتركيز. لماذا.. لأن دور الإعلام في بلادنا ما زال دون المطلوب ودون الغايات المنشودة وطموحات المواطن الذي ينشد أعلاما حرا نزيها محايدا يبين الحقائق دون تجميل ومدح وتكرارا للمدح.   الإعلام رسالة سامية نبيلة   أن الإعلام رسالة وطنية سامية ومهمة أخلاقية عالية ومسؤولية وطنية كبرى وخطيرة للغاية سوف نحاسب عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون. صدق الله العظيم.   وفي اعتقادي أن الإعلام في بلادنا متعثرا ويخطو بخطوات بطيئة للغاية وإذا قرناه مع الإعلام الخارجي الغربي أو الشرقي نجد أنفسنا مازلنا في بداية الطريق وكأن في عهد الاستقلال عام 1956. بينما العالم يتطور من حولنا عربيا وإسلاميا ودوليا، ووسائل الإعلام شرقا وغربا تطورت على الأقل بنسب متفاوتة.. ونحن في تونس مازلنا نردد المدح والبرقيات والولاء والتأييد والشكر والتنويه وذكر الإيجابي في اليوم ألف مرة سواء في تلفزتنا الوطنية أو إذاعتنا العريقة. أما صحفنا المكتوبة فحدث ولا حرج ما تسمعه اليوم تقرأه غدا وبعد الغد والأسبوع القادم والعام القادم..   دور الصحفي محدود   هناك بعض الصحفيين الأحرار الوطنيين الذين تربوا في مناخ سليم وفكرا متحررا حاولوا الكتابة بحرية طبعا في نطاق الحدود الحمراء والخطوط الحمراء. ولكن كتابتهم لم تعجب بعضهم، وكان مصيرهم التهميش والإقصاء أو الثلاجة نعم الثلاجة ولا تخفى هذه الكلمة على أصحاب الأقلام الحرة. وقد عرفت أحدهم منذ يوم 17 ماي 1977 حوالي 29 سنة مضت وفي مثل هذا اليوم 17 ماي 1977 وكان صحفي بجريدة العمل شاب يتقد حماسا وشمعة تضيء على الآخرين نظيفا وملتزما وعاشرته من قرب وكان آنذاك كاتبا عاما لمكتب الشباب الدستوري بصحافة الحزب وكنت في تلك الفترة رئيسا لشعبة الصحافة الحزبية. وواكبت نشاط هذا الشاب المتحمس الذي أحمل عليه انطباعات طيبة للغاية. وقد انتقل إلى مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسية وزاد تألقا ونجاحا ولكن كان مصيره مع بعض المسؤولين التهمشين وهو من الأقلام الهادفة والأصوات الصادقة والغيورة على الوطن.   وهناك شاب آخر متخرج من المعهد الأعلى للصحافة عام 1977 واكب العمل الصحفي لمدة 29 عاما وهو من الأقلام الممتازة ولم يغادر الصحيفة إلى اليوم رغم أنه تعرض إلى عدة ضغوط ومضيقات خاصة في الأعوام الأخيرة وهو من الوجوه المناضلة والملتزمة وقدم الكثير للوطن، ولكن هو الآن في حالة إحباط وربما منذ 6 أشهر متوقف عن العمل والغريب والعجيب أن خصوم الأمس هم الآمرين اليوم في هذه الصحيفة الملتزمة… وكذلك رئيس تحرير آخر في نفس الجريدة يمتاز بالرصانة والتعقل والوفاء والهدوء، لكن لا يركع إلا لله وحده هو الآخر مجمد ومصيره مصير الأول الجلاصي: ثم باشا وأعرف شاب آخر ذكي مجاز عمل بصحيفة ناطقة بالفرنسية والده كان معتمدا من الوطن القبلي. كبت كبتا شديدا وأصبح في الصحيفة يترجم البرقيات فقط فأحبطت عزائمه وأنهارت مواهبه وحار عقله وقلبه فقرر مغادرة الدار والبلاد وهو اليوم محرر ممتاز في قناة الجزيرة واسمه باسم وقد ابتسم له الحظ والحمد لله مبدل الأحوال وحدث ولا حرج في عديد الأوضاع والوضعيات مع أخونا خالد الطبربي وغيره… ولا أريد مزيد ذكر الأسماء والحالات واكتفى بذكر الحالات الخمسة. الحباشي، والجلاصي، وباشا والطبربي وبسام بونيني: ولا أريد ذكر اسم الصحفي بمجلة حقائق… هذه عينات قليلة من بحر زاخر بالأسماء …. أما المساهمين الأحرار دون أن تكون لهم مطامع أو منح فإنهم مصنفون عند الصحافة إلى صنفين صنف يكتب يوميا إذا أراد مدحا ومواكبة للأحداث، وصنف محروم من الكتابة والتعبير منذ أعوام والصحف عندها تعليمات بعدم النشر لأمثالي على الأقل في 6 صحف لم تنشر لي منذ أعوام ومجلة حقائق…: لماذا لأن كتاباتي لم ترق لهم وهي من النوع الجري والشجاع والصادق، وهناك تعليمات حتى أن أحدهم صارحني والآخر قالها بذكاء. والثالث بالتلميح والرابع بصد الأبواب والخامس قال خبزة الأولاد يا هاني.  هذه صحافتنا اليوم وهذه حرية الصحافة ومفهومها.. أما في خطنا مادحا منوها شاكرا أو أنت مغضوب عليك إلى حين.. ولكن يا سادة يا أصحاب المدح يا أصحاب الإعلام الحر والمنافع الهامة.. اتقوا الله فحرية التعبير هي جزء من حقوق الإنسان وما دمتم تذكرون هذه الأيام بترشح تونس لمنصب عضوا قارا بمجلس حقوق الإنسان الأممي.. فبادروا بفتح ملف الإعلام فهو بحق جزء هام من حقوق الإنسان.. بادروا بفتح ملف التلفزة الوطنية واجعلوا الملفات مفتوحة للجميع.. أجعلوا ملف المحاماة الأخير أن يشارك فيه كل الأطراف.. نسمع هذا ونسمع الطرف الآخر ثم بعد ذلك نحكم.. أما أن يكون ملف فيه طرف واحد فهذا ملف يسمى « الطير يغني وجناحه يرد عليه ».. أفتحوا ملف الصحافة المكتوبة لدعم حقوق الإنسان والتعبير فحرية التعبير هي من حقوق الإنسان الأساسية… أفتحوا مجال التنافس النزيه لبعث قنوات حرة وإذاعات جديدة للخواص فتلك من حرية حقوق الإنسان… أفتحوا حتى موقع الانترنات تونس نيوز للجميع في تونس حتى يطالعوها الناس ويطالعون كل من يكتب في هذا الموقع خاصة ومقالات صحافتكم ينشرها الموقع..   ارفعوا القيود على الانترنات ولا تخافوا من كلمة الحق فالقوي بالحق لا يخشى كلمة الحق ولا يخاف من الكلمة.. أعطوا مجالا واسعا لحرية التعبير يرحمكم الله ويرحمكم الرحمان.. توسموا الخير في أبناء الوطن يحفظكم الحفيظ.. أرفعوا أقلامكم على الأحرار يكرمكم الكريم.. ابتعدوا عن السبب والشتم والثلب فهم وسائل يستعملها ضعاف الحجة والبرهان.. وهذا هو البرهان.. خففوا من إثارة الأحقاد وبث الفتنى، يجنبكم الله الفتنى.. كفوا من مس الآخرين وخافوا يوما لا ريب فيه..   يوم الحاقة والقارعة والطامة   اتقوا الله في حقوق الإنسان فالإعلام هو من حقوق الإنسان الأساسية وأحسنوا الظن بأبناء الوطن فالمواطنة ليست حكرا على طائفة دون أخرى…   راعوا حقوق غيركم في التعبير وليس لهم ناقة ولا بعير.. كونوا أوفياء وكولوا من القصعة ما طاب لكم من لحم الخرفان ولا تهاجموا غيركم وكل إناء بما فيه يرشح… لا تسبوا غيركم ولا تلعنوا.. فأقلام أخرى يأتي دورها وتلعن أو تصحح ولنا في تاريخنا عديد العبر…. والدروس… وبالأمس كانوا جماعة في صحيفة المستقبل والرأي فرسان معارضون يكتبون ما يشاؤون وخدشوا وتطاولوا على الأشخاص والحزب والنظام والزعماء، ومنهم  من كان يبعث بـ12 حربوشة في المقال واليوم أصبحوا مسؤولين ومنهم من تحمل المسؤولية الأولى في صحيفة حزبية هامة.. كان في السابق يهاجم خطها ومنهجها وبالتالي حزبها وسبحان الله ما بدل الأحوال سبحان الله مبدل الأحوال..   استخلاص العبرة واجب   يجب استخلاص كل العبر والدروس حتى نفهم أن ما يحمله الغد لا يعلمه إلا الله. كما أن الأمس لم نعلم أسراره وما يحمله اليوم. هذه بعض المعاني أذكرها للتاريخ حتى لا نجري وراء السب والشتم لمن يريد التعبير وهو جزء من حقوق الإنسان يا سادة الكرام. وأدركوا أن مفهومكم يجب أن يتطور مع الأحداث ويجب على العقليات أن تتحرر مع الزمان والأحداث وإلا عمت الكارثة يوم الفزع الأكبر. ويومها لا تنفع الأقلام ولا المدح ولا المطابع والدينار والعقار والجاه والثمار والسيارات الفخمة وأعلموا أن الله علام الغيوب لا تخفاه خافية قال الله تعالي: « إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ». صدق الله العظيم. وللحديث بقية إذا كان في عمري عشية.   ملاحظة: لو كتب الله لمحمد الحباشي ولمحسن الجلاصي أن يتحملا المسؤولية في أعلى هرم الإذاعة والتلفزة وصحافة التجمع لا يردان الفعل ولا يتشفيان من أحد باذن الله وللحديث بقية. أقتصر على ذكر موضوع الاعلام و الحلقة القادمة حول حق الشغل.   محمد العربي الهاني مناضل دستوري صريح تونس  


 

نصر جديد لواشنطن من دون اطلاق رصاصة واحدة … الجماهيرية الليبية تدخل رسمياً «العصر الأميركي»

توفيق المديني        
أخيراً، قرّرت الولايات المتحدة إعادة فتح سفارتها في طرابلس الغرب، وشطب اسم ليبيا من لائحة الإرهاب. هكذا كافأت إدارة الرئيس جورج بوش العقيد الليبي معمر القذافي على «القرارات التاريخية» التي اتخذها على مدى السنوات الثلاث الماضية، وقررت، باستئنافها العلاقات الدبلوماسية شبه المقطوعة بين البلدين منذ 25 عاما، تحويل ليبيا «نموذجاً» على أمل أن تقتدي به كل من إيران وكوريا الشمالية. وتأتي الخطوة الأميركية تتويجا لمسيرة أطلقها القذافي عام 2003 بعد شهور من احتلال العراق بقراره التخلي عن برنامج ليبيا لتطوير أسلحة دمار شامل ونبذ الإرهاب والعمل على حل كثير من العقد من طريق إعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين وعلى رأسها قضية لوكربي. فما هي الخلفية السياسية والإيديولوجية لهذا التحول الذي شهده نظام القذافي من العروبة الوحدوية إلى القطرية الشوفينية تحت رايات «النظرية العالمية الثالثة»، ومن أوهام التحرر والتحرير والاشتراكية المحققة للعدالة الاجتماعية، إلى اعتناق العولمة الرأسمالية، ومن اعتبار القدس كلمة السر في انقلاب أيلول (سبتمبر) 1969 إلى إسقاط القداسة عن فلسطين القضية وإسقاط صفة العدو عن إسرائيل، ومن الدعوة لمجابهة أميركا ومساعدة حركات التحرر الوطني في العالم الثالث إلى التسليم المطلق بحق الإدارة الأميركية في أن تعيد تنظيم العالم وفق معاييرها؟ دوافع الخيار الجديد اندرجت «الثورة الليبية» في الخط الناصري المباشر، اذ اعتبر «الضباط الأحرار» في ليبيا تجربة مصر حافزا لهم، والرئيس جمال عبد الناصر «القائد الملهم»، ما اجتذب الشارع الناصري على امتداد الوطن العربي الكبير إلى هذه التجربة الصاعدة. ولعل الالتزام بـ»الهوية» الناصرية جعلها تحتل موقعها المميز في الضمير الشعبي، لا سيما أن الرئيس عبد الناصر كان من أوائل المؤيدين للحركة الانقلابية في ليبيا، وأعلن في أكثر من مناسبة مراهنته على التجربة الجديدة ورموزها الشابة باعتبارهم «أملا ً للأمة» ويذكرونه بشبابه. وكان العقيد القذافي أثيرا ً لدى الثوريين العرب بشعاراته الطنانة، وتفجيره «ثورة شعبية» وانتقاله المباشر إلى تشييد «الديموقراطية المباشرة» بعدما تبين أن بيروقراطية الاتحاد الإشتراكي عاجزة عن الانتقال بالجماهير إلى السلطة الشعبية. ففي 15 نيسان (أبريل) 1973 ألقى القذافي خطابه الشهير في مدينة زواره (غرب ليبيا) معلناً الحرب على الدولة الكلاسيكية ذات النمط الرجعي، ومؤذنا ً بـ»عصر الانعتاق والتحرر من كل القيود القانونية»، بل وتعطيل القوانين و تطهير البلاد من «المرضى سياسيا ًأعداء الثورة»، و إعلان عصر الثورة الشعبية والثقافية والإدارية. أي باختصار: عصر انهيار كل ما كان قائما ًمن أركان الدولة قبل هذا التاريخ. و في هذا المسعى المنهجي في تدمير الدولة الكلاسيكية القديمة، صاغ العقيد القذافي «الكتاب الأخضر» و»النظرية العالمية الثالثة» مع بداية عام 1977، وشهدت تلك المرحلة تحولات جذرية في اتجاه إلغاء المؤسسات الحكومية بأطرها القانونية والبيروقراطية التقليدية لتحل محلها سلطة الشعب المباشرة. ولد نص إعلان سلطة الشعب على أن «السلطة الشعبية المباشرة هي أساس النظام السياسي في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية، فالسلطة للشعب ولا سلطة لسواه، ويمارس الشعب سلطته من طريق المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية والنقابات والاتحادات والروابط المهنية، ومؤتمر الشعب العام، ويحدد القانون نظام عملها». وفي آذار (مارس) عام 1979، أنشئت اللجان الثورية التي شكلت مفصلاً جديداً في تطور النظام السياسي الليبي نظراً الى تأثيرها الكبير في المجتمع الليبي. واللجان الثورية من الناحية السياسية العملية هي في منزلة حزب شمولي يؤطر الجماهير لخدمة أغراض النظام السياسي الليبي، فضلاً عن أنها تقوم بوظيفة أمنية مثل بقية الأحزاب الشمولية الحاكمة. ففي شباط (فبراير) 1980، أعلن أن اللجان الثورية ستتولى مسؤوليات جديدة استعداداً للاقتحام النهائي لمجتمع الاستغلال و الديكتاتورية، ومن هذه المسؤوليات التصفية الجسدية لأعداء الثورة في الخارج، وتصفية كل العناصر التي تعرقل عملية التحوّل الثوري، وإقحام الجماهير في تحويل المجتمع البورجوازي الاستهلاكي إلى مجتمع اشتراكي وإنتاجي، وإنشاء محكمة ثورية مكونة من أعضاء في اللجان الثورية يكون قانونها قانون الثورة فقط لا غير. وانطلاقا من ذلك أصبحت اللجان الثورية، بسبب حماستها الشديدة والتزامها الكامل تصورات «الكتاب الأخضر» وتوجهاته، أهم الأدوات الأساسية لدى العقيد القذافي لتعبئة الجماهير الليبية وتوحيدها. غير أن العقيد القذافي الذي التزم الخط الناصري واعتنق العروبة والوحدة العربية مذهبا لليبيا، ثم تبنى لاحقا ً الاشتراكية، انتقل مع بداية عقد التسعينات من خدمة أهداف القومية العربية إلى اعتناق الفضاء الإفريقي، وأخيراً إلى الدوران حول الفلك الأميركي تحت ضغوط شديدة مارستها واشنطن. التحولات في السياسة الخارجية الليبة بيد أن التحول في علاقات ليبيا مع الغرب حصل عندما قبلت طرابلس في تشرين الأول (أكتوبر) 2002 دفع تعويضات تقدر بنحو 2.7 بليون دولار لأقارب ضحايا طائرة «بانام» الأميركية التي فجرت فوق اسكوتلندا بواقع 10 ملايين دولار عن كل ضحية، وقررت التخلي عن برنامجها في شأن أسلحة الدمار الشامل في كانون الأول (ديسمبر) 2003، والانضمام إلى معاهدة تدمير الأسلحة الكيماوية في كانون الثاني (يناير) 2004، وتوقيع بروتوكول إضافي لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية يسمح بالتفتيش المفاجئ في آذار (مارس) 2004. ومن جانب آخر، استطاعت ليبيا أن تعيد علاقتها مع فرنسا بعدما دفعت 35 مليون دولار تعويضات لضحايا طائرة «يوتا»، ثم وافقت على تعديل اتفاق التعويضات في 9 كانون الثاني (يناير) 2004، الى 170 مليون دولار. ومذذاك ما انفكت مسيرة عودة ليبيا إلى المجتمع الدولي تسير بخطى متسارعة. وبرر القذافي انعطافته المفاجئة بأنها جاءت نتيجة اقتناعه الشخصي نافيا ً أن يكون قراره نتيجة سقوط النظام العراقي واعتقال صدام حسين المهين. ودعا البلدان التي تملك أسلحة دمار شامل إلى أن تحذو حذو ليبيا لمنع تعرض شعوبها للمآسي، معتبراً أن قراره «سيشدد الخناق على الإسرائيليين» حتى يكشفوا عن أسلحتهم للدمار الشامل! وهنا يمكن أن نحدد مضمون السياسة الخارجية الليبية الجديدة في النقاط الآتية: – تخلي ليبيا عن دعم ما يسمى «الإرهاب» بخاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن الرقم 731 (عام 1992)، اذأعلنت الجماهيرية في بيان الأمانة (وزارة) الخارجية أنها: 1- قطعت علاقاتها مع كل المجموعات والمنظمات المتورطة في الإرهاب الدولي في كل صوره وأشكاله. 2- ليست لديها معسكرات لتدريب الإرهابيين وإيوائهم، ودعت لجنة من مجلس الأمن والأمانة العامة للأمم المتحدة أو أي هيئة تابعة للأمم المتحدة الى التحقق من ذلك. 3- لن تسمح باستخدام أراضيها ومواطنيها أو مؤسساتها للقيام بأعمال إرهابية في صورة مباشرة أو غير مباشرة، وتوقيع العقوبات على من يثبت تورطه في مثل هذه الأعمال. 4- تلتزم احترام الخيارات الوطنية وتبني علاقاتها على أسس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة. ولم تكتف ليبيا بإصدار هذا البيان بل وضعته موضع التنفيذ. وبدا ذلك في مؤشرات عدة أبرزها إنهاء ليبيا الأزمة حول قطاع أوزو مع تشاد بتحويل القضية الى التحكيم الدولي الذي حكم لمصلحة تشاد عام 1994، كما أوقفت دعم حركات التمرد و النظم «الثورية» في إفريقيا. وتنبغي الاشارة الى أن تخلي ليبيا عن أسلحة الدمار الشامل (التي لم تكن امتلكتها بعد!) لا يكفي سبباً لهذا الاندفاع الأميركي – البريطاني نحو التطبيع معها. فالسياسة الأميركية النفعية القائمة على استنفاد موارد الأطراف الأضعف وقدراتها الى أبعد مدى يصعب تصديق قبولها التطبيع مع ليبيا وإدخال تحول جذري في الموقف تجاهها لمجرد إعلان طرابلس وقف مساعيها لبناء قدرات نووية أو تسليم ما لديها من كميات غازات سامة. كما اعتقد مراقبون أن التحول الحاصل في السياسة الليبية جاء نتاج «الصدمة والترويع» اللذين أصيب بهما العالم العربي جرّاء سقوط العراق وسقوط رئيسه صدام حسين، وهو اعتقاد غير محله. اذ ان المسؤولين الليبيين أنفسهم أكدوا ان اتصالاتهم مع الولايات المتحدة تعود إلى ما قبل شن الحرب على العراق. وواقع الأمر أن التحولات الليبية التي بدأت قبل سنوات لم تتوقف عند مستوى الخطاب، كما لم تقتصر على وقف الدور الليبي في مساندة بعض التنظيمات أو الحركات السياسية والعسكرية. فهناك مظاهر أخرى لهذا التحول يصعب فصلها عما نشهده حالياً من تحول مقابل في السياسات الأميركية والبريطانية تجاهها، وربما يأتي موقف ليبيا من الوضع العربي على رأس هذه المظاهر. فمعروف أن لواشنطن على وجه الخصوص موقفا ً معاديا ً بوضوح وأحياناً بصراحة للنظام العربي. بالتالي فإن الابتعاد الليبي عن الإطار العربي يصب مباشرة في خانة موالية لواشنطن وسياساتها، سواء كان هذا الأمر مقصوداً أو متفقا ً عليه أم لا. فربما كان التوجه الأفريقي لليبيا نتاجاً تلقائياً لطبيعة شخصية العقيد القذافي بما تحمله من سمات المفاجأة والقرارات غير المتوقعة، أو مجرد جرأة على كسر التابو العربي والثورة على حال الجمود والخنوع العربي العام السائدة منذ سنوات. أي ليس بالضرورة أن تكون الأهداف والنوايا غير طيبة، لكن في النهاية النتيجة واحدة هي أن دولة ما تباشر سياسة تتوافق مباشرة مع مصالح دولة أخرى وأهدافها. من طريق الانضمام الليبي إلى الغرب، تحقق الولايات المتحدة نصراً استراتيجياً يوفر لها الوصول إلى حقول النفط الليبية الغنية بالنفط الخفيف ذي النوعية العالية، بعد حقول النفط العراقية. وبعد أكثر من 34 عاما ًعلى احتفاء القذافي بطرد الغرب من القواعد العسكرية في بلاده، ها هو يعود ويفتحها له مجدداً! كاتب تونسي.  ( المصدر: صحيفة  الحياة  بتاريخ 21 ماي 2006 )

 


 

أحزاب غائبة و«جماعة» حاضرة!

 

 

لم تُحَل أزمة القضاة في مصر وإن خُففت. فالحكم الذي صدر ببراءة المستشار محمود مكي، وتوجيه اللوم للمستشار هشام البسطويسي، ارجأ المواجهة بين الطرفين الى مرحلة أخرى مقبلة. وستطفو الأزمة من جديد على سطح الأحداث عندما يناقش البرلمان مشروع «السلطة القضائية» الذي أعده المجلس الأعلى للقضاء ويعترض عليه بشدة «نادي القضاة». فالنادي الذي تحول الى هيئة معبّرة عن القضاة يُصر على الفصل التام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والأزمة التي حدثت بسبب محاكمة القاضيين مكي والبسطويسي، بسبب ادلائهما بتصريحات تحدثا فيها عن تجاوزات وقعت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عكست قناعة القضاة بأن السلطة التنفيذية مُصرة على ممارسة الهيمنة عليهم. ووضع «نادي القضاة» مشروع قانون السلطة القضائية يضمن هذا الفصل، ويحفظ للقضاة استقلالهم، ويمكنهم من إشراف كامل على أي انتخابات تجرى في البلاد، وهم الذين اعتبروا ان حديث الدولة عن إجراء الانتخابات تحت إشراف القضاء غير صحيح، لقصر دور القضاة على متابعة عملية الاقتراع من دون أن يكون لهم أي تأثير على ما يجري خارج اللجان من تدخلات، أو محاولات للتزوير. لكن الحكومة مُصرة على رفض هذا المشروع، وتقديم المشروع الآخر الذي وضعه «المجلس الأعلى للقضاة» الى البرلمان، ما يعني أن أزمة أخرى ستضع الحكومة في مواجهة القضاة ستزيد وربما ستفوق تداعياتها أزمة مكي والبسطويسي.

لكن أهم ما كشفت عنه أزمة القضاة هو غياب أي دور للأحزاب التي تتمتع بالشرعية بما فيها الحزب الوطني الحاكم، وأن المواجهة الحقيقية على المسرح السياسي المصري الآن، وفي المستقبل، ستكون بين الحكم وجماعة «الاخوان المسلمين» مع بعض «المناوشات» من جانب حركات سياسية أخرى غير حزبية كحركة «كفاية». لم يكن لأحزاب المعارضة وجود في التظاهرات الاحتجاجية واكتفت صحفها بتبني قضية القضاة والكتابة عنها، وانتقاد التصرفات الحكومية، من دون حركة أو حراك حقيقي في الشارع. أما الحزب الوطني فاكتفى بترديد مقولة إن الأزمة هي بين القضاة انفسهم ولا دخل لأي حزب آخر فيها، فابتعد وترك الساحة لـ «الاخوان» الذين برعوا في مثل تلك المواقف في عرض قواهم في كل محفل. نشاط نواب «الاخوان» في البرلمان هو الأبرز وظلت حركتهم في الشارع هي الأكثر كثافة وتأثيراً. ورغم الاجراءات الحكومية بدا «الاخوان» أكثر مرونة وقدرة على التعاطي مع الواقع والتغلب على الصعاب فاذا قررت السلطات منع التظاهرات وأغلقت القاهرة بالآلاف من الجنود قفز «الاخوان» إلى أماكن أخرى واختاروا مجمعات المحاكم ساحات لتظاهراتهم الاحتجاجية لتفاجأ السلطات بغياب «الاخوان» عن وسط العاصمة وبروزهم في أماكن متفرقة من انحائها. مرة أخرى بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة والنتائج الهزيلة التي حققتها الاحزاب يعود التساؤل عن جدوى النظام الحزبي في مصر ومدى تأثيره على الشارع وقبول الشارع أحزابا يتصارع اعضاؤها على مقاعد السلطة فيها، مقابل جماعة لا تتمتع بالشرعية لكنها تتميز بالمرونة وترفع شعارات تحاول اقناع الناس بأن الانضمام الى «الجماعة» أو على الأقل مناصرتها يضمن لهم الجنة في الآخرة! (المصدر: صحيفة  الحياة     الصادرة يوم 21 ماي 2006)


Home – Accueil الرئيسية

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.