الأحد، 2 سبتمبر 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2658 du 02.09.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


هند الهاروني: نسأل أن يعيد أخي  الحبيب عبد الكريم الينا ردّا جميلا  
د.خـالد الطراولي: لا تُحمّلوا المشهد أكثر مما يحتمل: رجال أفاضل ومهمة نبيلة «الحقائق» تحاور إسلاميا تونسيا يعود إلى بلاده بعد 26 عاماً في المنفى – مصطفى الونيسي: اللجوء السياسي طال أكثر من اللازم واستنفد أغراضه
مختار اليحياوي: لمن تنبح الكلاب ؟ نقابي من قطاع التعليم الثانوي: الإتفاق المميز (!)……….يتأكد يوما بعد يوم

راشد الغنوشي: العدالة التركي.. تجاوز أم تطور؟

أم أيمن: عندما يكفر العلمانيون الإسلاميين – الحلقة الثانية

مرسل الكسيبي: تعقيبا على السيد بسام خلف ومطالبته باخلاء سبيل عبدة الشيطان في تونس

تذكير بنداء سبق أن وجهه السيد عبد السلام بوشداخ يوم 20 ديسمبر 1995 من باريس:إلى دعاة ردّ الاعتبار للكلمة الطيّبة و القدوة الحسنة

عبد الحميد العداسي: استراحة الأسبوع

الهادي بريك: في ذكرى تحويل القبلة : أي دلالات في الماضي والحاضر؟ الحلقة الرابعة.

مدونة الصحفي محمد الفوراتي : السياسي المغربي عبد السلام البلاجي: العدالة والتنمية أقرب الاحزاب لهموم ومشاغل الناس

تحيين 1 سبتمبر2007  عدد 5 للعريــــــضة الوطنية المساندة للنقابيين المحالين على لجنة النظام الوطنية بالإتحاد العام التونسي للشغل

 


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


بسم الله الرّحمن الرّحيم و الصّلاة و السّلام على النّبيّ الكريم
 
حلول شهر رمضان المعظّم على الأبواب و نحن اذ  نسأل الله أن يجعله مباركا علينا و على كلّ الأمّة الاسلاميّة
 نسأل الله عزّ و جلّ أن يجمّع القلوب و العقول على ما يحبّه و يرضاه
 
يتبادر الى ذهني هذا السّؤال في هذه الأيّام بالذّات:
 
،هل قبل حلول شهر رمضان المعظّم  و في هذه الأيّام  المباركة و في  أوائل هذا الشّهر  من هذا العام 
لن يقع حرماننا  مجدّدا من عودة أخينا الحبيب عبد الكريم  لنحاول قدر المستطاع أن نسترجع معا باذن الله  تواددنا و تراحمنا و محبّتنا الخالصة لوجه الله و الّتي تجمعنا دائما و أبدا؛ سابقا و حاضرا و مستقبلا باذن الله في بيتنا ومع اخوتنا و أصدقائنا و أحبّائنا بعد ط—————–ول غياب و فراق  بالرّغم من أنّني أعلم جيّدا أنّ فراق والدتنا العزيزة علينا السّيدة المرأة المجاهدة و المناضلة من أجل ابنها سيحدث فراغا كبيرا في قلوبنا و عقولنا و سيبقى كرسيّها  دائما حاضرا معنا و نبدأ باذن الله افطارنا بتلاوة الفاتحة و الدّعاء لها ترحّما على روحها الّطّاهرة و الّتي ندعو الله دائما و أبدا أن يجعلها في مقام صدق عند مليك مقتدر
و انّ القلب ليحزن و انّ العين لتدمع و لكن لا نقول الا ما يرضي ربّنا و آخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين و لا حول و لا قوّة الا بالله العليّ العظيم
الله نسأل أن يعيد أخي  الحبيب عبد الكريم الينا ردّا جميلا  و أن يعيد كلّ من تبقّى من الاخوة في السّجن الى أهليهم في هذه الأيّام المباركة
و السّلام عليكم جميعا و رحمة الله تعالى و بركاته
هند الهاروني شقيقة عبد الكريم الهاروني


لا تُحمّلوا المشهد أكثر مما يحتمل: رجال أفاضل ومهمة نبيلة

 

 

د.خــالد الطراولي

ktraouli@yahoo.fr

 

يعيش المشهد الحقوقي هذه الأيام ضبابية وشبه هزة حملتها بيانات متتالية ومتناقضة للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، وقد أحدثت الصورة بعض الدهشة للعديد من المهتمين بالوضع الحقوقي والمتابعين للشأن العام. في هذه الكلمات التي أردت أن أخطها على عجل أردت التذكير لمن هو ناس أو غافل، أردت التنبيه لمن يريد أن يركب الحدث للتشويه أو المزايدة، أردت التحذير لمن يشكك في قامات ورجال وقضية..، نريد أن نقول للجميع أن المشهد لا يخرج من طبيعة تنافسية بريئة..، لا يتنافس الأستاذ الفاضل محمد النوري والقاضي الفاضل المختار اليحياوي من أجل عمارات للتملك أو الكراء، لا يتجاذب الرجلان أطراف الحديث من أجل ضيعات ومعاملات، لا يجري الأستاذان وراء التقرب من ذوي الجاه والسلطان، لا يسعى الصديقان إلى ترئس جمعية وراءها الكسب والدرجات العلى، لا يركض الطرفان وراء رضاء فلان أو علاّن أو حزب أو منظمة.

الأخوان يتنافسان من أجل خدمة مهمة نبيلة وشريفة وكثيرة المتاعب والأشغال، ولو على حساب الأهل والصحة، مهمة تعرّض صاحبها ولا شك إلى مصاعب ومتاعب، والتاريخ يؤكد ذلك ولا يزال… الجمعية الدولية للدولية لمساندة المساجين السياسيين منبر وفعل وممارسة نبيلة من أجل هؤلاء المرميين ظلما وعدوانا في دهاليز الموت البطيء، الجمعية لم يهدأ لأصحابها بال منذ سنين وهي تسعى لرفع الغطاء عن ممارسات شاذة، ومنهجية حيوانية داخل السجون في التعامل مع الخصوم السياسيين، الجمعية قدمت الكثير ولا تزال من أجل تونس بدون أورام، من أجل تونس خالية من سجناء الرأي.

ووراء هذه الخدمة النبيلة رجال أفاضل ونوايا طيبة وسعي للتغيير السليم في ثقافة وعقلية مهيمنة في التعامل مع الأخر على أنه معدوم وفي إطار بلا قانون. ومن هؤلاء الرجال الكرام الأستاذ الفاضل محمد النوري والأستاذ الفاضل القاضي المختار اليحياوي.

الأستاذ الفاضل محمد النوري ليس من النكرات، فهو علم من أعلام العمل الحقوقي وستفتخر به عديد الأجيال، ولا مزايدة على الرجل في حبه لوطنه وخدمته لقضاياه الحقوقية، وقد أبلى الأستاذ ولا يزال الكثير في ميدان التفريج عن الكرب وفضح القوانين الجائرة والممارسات غير القانونية. وليس الأستاذ الفاضل القاضي اليحياوي بالمتطفل على الوطنية ولا الفضولي على خدمة القضية الحقوقية والسياسية ويكفي الرجل فخرا ما أبداه ولا يزال من أجل الكلمة الحرة والمستقلة، ويكفيه شرفا ما دفعه في رزقه وأهله ومستقبله المعيشي من أجل قامة مستوية لا تنحني.

هذه هي الزاوية التي أردت من خلالها تبليغ رسالة إلى الأخوين الفاضلين أولا، رسالة لا ترتقي حتى إلى صف العتاب ولكن تلمس بكثير من الحياء والتواضع باب النصيحة، نصيحة لي قبل غيري، أن لا تنسوا الفضل بينكما، وأن ما يجمعكما أكثر بكثير مما يفرقكما، وأن لا نخطأ معركتنا الحقيقية التي تبقى قائمة إلى حين، مع الاستبداد والجور والانحطاط.

وهي رسالة ثانيا إلى كل المتابعين للمشهد، من يندهش، من ييأس، من يحبط، أن لا ينسوا بوصلة الاستنتاج والتعليق، ولا يخطؤا رؤية المشهد الحقيقي وهو جثوم الاستبداد وهيمنة العربدة، والذي لولاه لما وجدت أصلا جمعية بهذا المسمى النبيل، لا يجب أن ننسى أن المشهد الحالي ليس إلا تعبيرة عن هذه الحالة المغشوشة للشأن العام.

وهي أخيرا رسالة إلى من يكشّر، من يشمت، من يستخف،  أن ما حدث له نافذة لا يجب أن تُنسى، وهو أن هؤلاء الأفاضل يتنافسون من أجل خدمة قضية نبيلة، وفي هذا إنذار لمن يعتقد أن الموت قد غلب على الساحة التونسية، أن هناك حياة وأن هناك رجال، ومن هذا الباب يأتي بإذن الله الإخلاص ويتبعه الخلاص.

مع التحيات الخالصة والودية من أخ كريم وصديق وفيّ.

 

المصدر

: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net

 


«الحقائق» تحاور إسلاميا تونسيا يعود إلى بلاده بعد 26 عاماً في المنفى

مصطفى الونيسي: اللجوء السياسي طال أكثر من اللازم واستنفد أغراضه

 

** عناقي لوالدتي لحظة روحية لا يعرف حقيقتها إلا من ذاقها

** الكثيرون يريدون العودة ، ولكنهم لا يجرءون مخافة من التنظيم

** وقع التآمر علينا لشل حركتنا الإصلاحية، من طرف الرجل الأول في حركة النهضة، الذي وصفنا بالجيب

** العودة تشجيعاً للسلطة وتطميناً لها ، حتى تمضي في تفعيل مسار الانفراج

** لم أر حرباً لا جزئية ولا شاملة على الحجا

** الجمود والهروب إلى الأمام لا يخدم إلا الاستئصاليين

** الكلمة الأخيرة ليست للمؤسسة ، وإنما هي فقط لبعض العناصر النافذة مالياً وأدبياً

 

أجرى الحوار: الطاهر العبيدي

صحفي وكاتب تونسي مقيم في باريس

taharlabidi@free.fr

 

 

 خلاص فردي أم تطبيع ، أم خطوة في الاتجاه الصحيح ، أم انقلاب على سنوات المنفى والتشريد ، أم عودة روحية تختزن الشوق والحنين ، أم تفلتاً من واقع الإحباط والسكون… تلك هي بعض الممرات ، أو بعض السجالات ، أو بعض المطارحات ، التي أرادت «الحقائق» استجلائها ، من خلال هذا الحوار المكشوف ، مع الأستاذ مصطفى الونيسي أحد أعضاء حركة النهضة التونسية اللاجئ السياسي بفرنسا منذ 26 عاماً والذي عاد هذه الأيام إلى تونس بعد أكثر من ربع قرن في المنفى الإجباري.

 

** بعد 26 سنة في المنفى الاضطراري في فرنسا ، منذ خروجك من البلاد سنة 1981، على إثر الاعتقالات في صفوف (الاتجاه الإسلامي) سابقاً، حركة النهضة التونسية حالياً ، عدت هذه الأيام إلى تونس ، ففي أي إطار كانت عودتك ، وما الذي تغير في المناخ السياسي العام ، الذي جعلك تتخذ هذه الخطوة؟

 

 بسم الله الرحمن الرحيم ، شكراً أستاذ الطاهر العبيدي وشكراً جزيلاً لصحيفتكم «الحقائق» المتفردة في طرح القضايا الإسلامية والعربية ، بكثير من الجرأة والتبصّر ، والتي أتاحت لي هذه الفرصة الثمينة ، لأوضّح للقراء وكل المهتمين بالشأن الإسلامي والواقع التونسي أن عودتي من المنفى بعد 26 سنة كانت في إطار تسوية عادية جداً ، كأيّ مواطن تونسي يريد أن يعود للبلاد فهو مطالباً بالحصول على جواز سفر ، حيث ذهبت للقنصلية التونسية بباريس مستفسراً عن الوثائق اللازمة لاستخراج جواز سفر ، موضّحاً بأني لاجئاً سياسياً ، فطلب مني بعث رسالة باسم القنصل العام ، أشرح فيها كيفية خروجي من تونس ، والبلدان التي مررت بها وأين أقمت منذ خروجي سنة 1981 إلى غاية 2007، وبعد تقديم الأوراق اللازمة تسلمت وصلاً ، وبعد مرور ثلاثة أشهر تقريباً تسلمت الجواز ، فكانت فرحتي كبيرة شاركني فيها الأبناء ، فالجواز هو حق وإن سلب مني بشكل أو بآخر لأسباب يعلمها الجميع ، فاسترجاعه لا ينبغي أن يثير كل هذه الضجّة ، فحصولي وغيري من المعارضين على جوازات سفر ، ثم عودتي للبلاد في زيارة خاطفة ، ليس حدثاً خارقاً للعادة ، وليس علامة تغيير سياسي جذري ، كما تريد المعارضة التي لا تبادر ولا تريد من يبادر ، ولا يسرّها أيضاً هذه الانفراجات ، التي تحدث من حين لآخر ، ولكن تيسير هذه العودة وغيرها من الإجراءات في هذا الاتجاه ، هي علامة على بداية انفراج ، ولو كان محدوداً ونسبياً ، نتمنى أن يتوسع ولو بتدرج ويترسّخ ، حتى يعود كل تونسي إلى بلاده ولا يستثنى أحداً، فنتواصل مع شعبنا وأهلنا وأحبابنا ، ونساهم بالقدر الذي نستطيع وتسمح به الظروف في رسم مستقبل بلادنا ، ونحن آمنين على ديننا وأموالنا وأعراضنا ، فالعودة للبلاد إذا تيسّرت الظروف هي في تقديري الخاص واجباً دينياً ووطنياً ، متى أمن الإنسان على نفسه وعرضه ، ذلك لان الأرض الصلبة والخصبة في آن واحد التي يجب أن نبني على أديمها مشاريعنا ، ونغرس فيها غرسنا المبارك هي تونس ، وأعتقد أن عودة المغتربين ولو فرادى هي تشجيع لإخواننا المترددين ، وكسراً للحاجز النفسي الذي أصبح العديد منا يعاني منه ، فالكثيرون يريدون العودة بل يتمنونها ولكنهم لا يجرءون مخافة من التنظيم ، وما يمكن أن يلحق بهم من التشويه والأذى المغرض ، وفي العودة أيضاً تشجيعاً للسلطة وتطميناً لها ، حتى تمضي في تفعيل مسار الانفراج وتوسيعه وترسيخه ، وهو انفراج انطلق فعلاً ولو كان ببطء شديد بتسريح دفعات من المساجين ، نأمل إنشاء الله أن لا يحل علينا عيد الفطر المبارك إلا وكل المساجين قد أطلق سراحهم ، وكل المهّجرين قد طويت ملفاتهم ، فعودتنا وإن كانت في إطار تسوية شخصية بحتة إلا أن لها مقاصد نبيلة ، منها تطبيع العلاقة مع السلطة وطمأنتها ، والتعبير لها ولسائر قوى المجتمع المدني على استعدادنا الكامل لتأسيس علاقة جديدة معها ، قوامها احترام القانون والمؤسسات ، والاندماج الكامل في معركة التنمية ومحاربة التخلف والغلو وتكريس الديمقراطية والتعددية ، وخدمة الصالح العام ، فلا أحد قال أن الأوضاع السياسية هي على أحسن ما يرام ، ولكن ليس من العدل أيضاً القول بأن الأوضاع لم تتحسن وتتطور نحو الأفضل ، إذا ما قورن الحاضر بالواقع السياسي في سنوات الجمر بداية التسعينات حتى منتصفها…

 

** كيف تمّت تحديداً عملية عودتك ، هل كانت عبر  قنوات حوارية مع السلطة التونسية أم بأشكال أخرى وبأي ثمن؟

 

 عودتي تمت بشكل عادي جداً وبدون شروط ولا إملاءات ، وهذا من فضل الله تعالى لأن عودتي بهذا الشكل دون ضمانات ولا تدخلات فيه ولا شك قدر من المخاطرة ، ولكن جنبني الله كثيراً من الإحراجات والضغوطات ، قد لا أتحملها ولا أطيقها.

 

** بعد أكثر ربع قرن من المنفى ، كيف استقبلت في المطار ، وهل حدثت لك مشاكل ، أم كانت عندك وعود وتطمينات لتسهيل مرورك؟

 

 لم أعد إلى البلاد في الطائرة ولكن عبر الباخرة « قرطاج » ، ولم يستقبلني أحداً في ميناء حلق الوادي ، ولم تحدث لي أي مشاكل ، ولم تكن عندي وعوداً ولا تطمينات من أحد ، أكرر لك ذلك للمرة الثالثة.

 

** في الوقت الذي تضيّق فيه السلطة الخناق على المعارضين ، وتشن حرباً على الحجاب ، تسمح لك أنت بالعودة رغم أنك لا زلت عضواً في حركة النهضة المحظورة من أي نشاط سياسي ، أو تواجد بأي شكل من الأشكال ، وتبقى في نظرها معارضاً أصولياً ، لا يؤتمن جانبه مهما تطهرت من ماضيك، وأحد الوجوه التي شاركت في مسؤوليات قيادية في المهجر ، فهل من توضيح لهذه المعادلة المتقاطعة؟

 

 شخصياً لم اربط عودتي بشرط رفع كل التضييقات المتوقعة ، اللهم إذا أردت أن أؤبّد غربتي ، ولكن ربطت عودتي بحفظ كرامتي وسلامتي الأمنية ، وحصولي على جواز سفري قرأته من هذه الزاوية ، إن تحسّن واقع الحريات مرهون بنضالات كل التونسيين ، وخاصة منهم النخبة المثقفة ، والميدان الحقيقي هو داخل تونس ومع شعبها ، وليس من وراء البحار وعبر الانترنت فقط ، وإني حريص جداً أن تكون علاقتي ببلادي طبيعية بما في ذلك السلطة ، أما عن الحجاب ..شخصياً لم أر حرباً لا جزئية ولا شاملة ، قد يكون ذلك بسبب قصر المدة التي قضيتها ، ولكن ما أؤكده أن المحجبات في كل مكان ، وعددهن إن لم يتجاوز عدد غير المحجبات ، فلا يقل عنهن ، هذا ما رأيته أما ما سمعته وقرأته فشيء آخر ، مفاده أن السلطة في مواجهة شاملة ضد الحجاب وضد مظاهر التدين ، ورأيي الخاص حتى ولو كان ذلك حقاً سواء بصفة كاملة أو جزئية ، فإن ذلك ليس سبباً لتشويه صورة تونس في الخارج والمحافل الدولية ، وتصوير بلادنا على أنها وكراً للفجور والدعارة والكفر والإلحاد ، فالإسلام دين الجميع والأرضية المشتركة الذي نقف عليها جميعاً بما في ذلك الملحدين منا ، فلا ينبغي أن يتخذ من موضوع التدين سبباً للخلاف والمزايدات ، فلا أحد يمكن أن ينصّب نفسه وصياً على الدين ، بل الدين في رأيي مجال منافسة لخدمته والدفاع عنه وصيانته ، دون منّ أو تفاخر ، سواء في السلطة أو النهضة أو الأحزاب الأخرى ، أما عن مسألة عضويتي في حركة النهضة التونسية ، فقد غدت عائقاً وحاجزاً عن التطور ، وذلك لأسباب معروفة ، منها أن حركة النهضة في الوقت الراهن ليست تنظيماً بالمعنى المتعارف عليه ، بقدر ما هي مشروعاً نظرياً له أنصاره في الداخل والخارج ، وتتنازعه بعض الرؤى الغير متجانسة ، إضافة إلى أنها تعيش وضعاً استثنائياً قد طال إلى درجة أنه أصبح موضوعياً هو الأصل ، إلى جانب أن قيادتها الرسمية موجودة في المهجر ، عوض أن تكون في الداخل ، كما أن قيادتها التاريخية ما يزال جزء منها إما في السجون أو المهجر ، وحتى المسرّحين وضعياتهم الاجتماعية لم تسو ، مما أعاق أداء الحركة ، فلم تستطع إدارة نقاشاً واسعاً ديمقراطياً ، في صفوف أبنائها للحسم في الخيارات والتوجهات الكبرى الفكرية والسياسية ، وبقيت تراوح مكانها لا تكاد تتجاوز ، إن لم تتأخر إلى الوراء ، وبناء على هذا الكشف السلبي ، أصبح وضع المناضل الإسلامي داخل التنظيم أو خارجه لن يفيد المشروع ذي الخصوصية التونسية ، والأمر يستدعي حلاً جذرياً ، فانتمائي للحركة بهذه المعاني ليس انتماء تنظيمياً تقليدياً ، بقدر ما هو انتماء رمزياً للمشروع ، أما معارضتي للسلطة فهي ليست حتمية ، ولست مسكوناً بذلك ولا أريدها إلا أن تكون نقدية وواقعية ، ولا تتجاوز الحدود السياسية والحقوقية الاجتماعية ، ولا أتصور نفسي في يوم من الأيام من الآن فصاعداً أن أتواجد في هيئة من الهيئات أو حزب من الأحزاب ، يعارض فقط من أجل المعارضة للمزايدات وتحقيق بعض الانتصارات السياسية الوهمية من غير تعقل وتفكر ، لم أعد أؤمن أن كل ما يأتي من السلطة هو سواد في سواد ، وكل ما يأتي من التيار الإسلامي بياض في بياض ، فدور المعارضة الضغط من أجل الترشيد والنصح ، بعيداً عن أشكال المزايدات والمغالبة والتشخيص..

 

وحول تجربتي الماضية ، كانت ولا شك قابلة لأن تكون أحسن بكثير ، لولا ظلم ذوي القربى ، وحسن الظن الذي يبدو أنى قد وضعته في غير محله.  

 

** ما هي المشاهدات والارتسامات التي طبعت زيارتك إلى تونس بعد 26 سنة من المنع لدخول البلاد ، وما هي التغيرات الواضحة التي بدت لك ظاهرة على ملامح المجتمع التونسي؟

 

 ما لفت نظري هو عودة الناس للتدين ، فالمساجد تغصّ بالمصلين وخاصة الشباب وحتى الأطفال ، وعودة الحجاب رغم ما نسمع من ضغوطات ، ورغبة الناس على الإقبال على أداء فريضة الحج والعمرة ، وتحسّن البنية التحتية بشكل ملفت للانتباه ، وحزم الإدارة التونسية إذا ما قارناها بالعديد من البلدان العربية والإسلامية ، التي كنت قد زرتها ، إلى جانب حسن سلوك أعوان الأمن من شرطة وحرس وطني المكلفين بمراقبة الطرقات وتنظيم حركة المرور ، وهو ما لم أعهده من قبل ، وقد قيل لي أن هذه المعاملة خاصة بالعائدين من الخارج ، أما المظاهر السلبية فتتمثل في الإدمان على التدخين وإضاعة الوقت في المقاهي ، ونموّ ظاهرة الاستهلاك رغم قلة الموارد ، فالإسراف والتبذير أصبحا مرضاً اجتماعياً ، فالتونسي ينفق أكثر من إمكانياته ، ويظهر ذلك في الأعراس ، وبناء المساكن الفاخرة ، التي قد لا يحتاج إليها صاحبها ، على الأقل بمثل ذلك الحجم..

 

** ماذا غيرت لديك هذه العودة سياسياً واجتماعياً وسيكولوجياً؟

 

 مكنتني عودتي على قصرها من عدة أشياء نافعة وصالحة إنشاء الله في الدنيا والآخرة ، منها على سبيل المثال ، ربط الصلة والتواصل بأهلي وجيراني القدامى والجدد وأصدقائي وشعبي وأرضي الحنون التي غادرتها منذ 26 سنة ، كما مكنتني من تقبيل أعزّ مخلوق عندي وهي والدتي الصابرة رمز الوفاء والكرم ، وإليها وإلى كل امرأة صبرت وصابرت ورابطت وقاومت هذا الطوفان ، إلى كل امرأة أنجبت وأرضعت واستقامت وارتفعت فوق هذا الغثيان ، أهدي هذه الكلمات وهذه الدعوات فلعل الله يطوي عنا بعد المسافات ، ويعوّضنا خيراً عما فات ، ويجمع شملنا فوق أديم تونس الخضراء ، هذه المرأة الرمز بالنسبة لي ..قبلتها أخيراً على جبينها الذي لم تسجد عليه إلا لله رب العالمين ، فتعانق الفرع والأصل في عناق كله حب ووفاء وإخلاص ، لقد كان عناقي لوالدتي لحظة روحية لا يعرف حقيقتها إلا من ذاقها ، كما تمكنت من التخفف من هذا الحمل الثقيل الذي كان يرهقني ، ويكبل خطاي والذي استنفذ أغراضه وطال أكثر من اللزوم ، والذي يسمى اللجوء السياسي ، أما على المستوى السيكولوجي فقد شعرت أثناء هذه العودة أني أولد ولادة جديدة ، على عكس ما ذهب إليه البعض ممن اعتبر عودتي هي شهادة وفاة لتاريخي النضالي… 

 

** شاركت في مهمات قيادية في حركة النهضة بالمهجر، وفي بداية التسعينات جمّدت نشاطك القيادي كما تقول « اعتراضاً على التهور والزج بالأبرياء من أبناء الحركة في معركة خاسرة مسبقاً… » ولا زلت عضواً في الحركة ووقفت عند هذا المفترق ، وقد حافظت على علاقات اجتماعية حميمية مع رفاق الدرب ، وساهمت في بيانات من أجل إيجاد حل للمساجين الإسلاميين ، فبماذا تفسّر هذا التشابك في المواقف؟

 

 انتمائي للحركة لم يكن لحساب مواقع قيادية أو شهرة أكسبها ، أو تفرّغ لأحصل على راتباً وإنما كان لله وللمشروع الإسلامي الحضاري الذي طالما حلمنا به ، ولعل هذا هو ما أعطانا القوة للصبر على هذه الوضعية الاستثنائية ، وأحسب أن هذا الخيار هو الذي أبقى على حريتي وجرأتي في الحق ، وهذا الاختيار ولئن كان صحيحاً وأحمد الله عليه إلا أنه لا يخلو من تبعات على المستوى الاجتماعي والعاطفي والعائلي ، وإني أتحدى كل الإخوة القياديين الذين لا يتأخرون في تلقيننا الدروس ، أن تكون لهم الشجاعة الكافية للصبر على تحمل تبعات التهميش والبقاء في المواقع القاعدية مدة وجيزة ، وهذا ما أثبتته الأيام ، فالذين غادروا المواقع القيادية لسبب أو لآخر ونحن نعرفهم بالأسماء تأزموا نفسياً ، وتقوقعوا على أنفسهم ، وفيهم من انقلب إلى معارض شرس للحركة ، وهذا ما لم نسقط فيه والحمد لله ، أما عن تجميد نشاطي فهذا قد حصل فعلاً في بداية التسعينات ، عندما بدأت بعض القيادات تزورنا في باريس ، لتعبئتنا ومطالبتنا بالانخراط في مشروع أسموه بخطة فرض الحريات في البلاد ، وقد حدث ذلك في صمت بعيداً عن الإعلام ، ولعل ذلك كان خطأ ، المهم ولأسباب عديدة منها العزلة والتعتيم الإعلامي ، بقيت ملتزماً بهذا الموقف إلى منتصف التسعينات ، عندما اتصلوا بي لإقناعي من جديد بأن الحركة قد اختارت في مؤتمر ربيع 1995 الخيار السلمي المسؤول والمتدرج ، ولأني أحسن الظن بالناس وخاصة منهم رفاق الدرب ، استجبت تشجيعاً لهم على هذا الخيار ، وكجزاء على هذه الاستجابة فيما يبدو دعوني لعضوية المكتب السياسي ، ولكن بعد مدة وجيزة شعرت أن التهميش ما يزال متواصلاً ، وأن عضويتي داخل هذا المكتب هي صورية ، ومن درجة ثانية ، وأن صوتي غير مسموع ، وأن الكلمة الأخيرة ليست للمؤسسة ، وإنما هي فقط لبعض العناصر النافذة مالياً وأدبياً، ولإزاحتي عن هذه المؤسسة ، دعوني مرة ثانية لعضوية مكتب الدعوة الذي لم أستطع مواكبة أنشطته على قلتها وتواضعها، نظراً لتواجد مقره خارج فرنسا، وحفاظاً على شعرة معاوية والتي لن اقطعها إلا إذا قطعوها ، انخرطت مع مجموعة من الإخوة الأفاضل في معارضة داخلية ، لممارسة شيء من الضغط ، وتحقيق التوازن ، وإحداث بعض الإصلاحات من داخل إطار الحركة ، وبما يسمح به قانونها الأساسي ، فوقع التآمر علينا لشل حركتنا الإصلاحية ، وعزلنا ووصفنا في نشرية المراسلة الداخلية من طرف الرجل الأول في حركة النهضة بالجيب ، وإلى غير ذلك من التهم الباطلة ، وأذكر أني نشرت مقالاً تحت عنوان « المصالحة المساجين والداخل » فأزعج ذلك قيادتنا ، ووقع الاتصال بي رسمياً لتحذيري من سوء عواقب هذه التجاوزات ، إلا أني لم أعر تلك الضغوطات اهتماماً ، فمسألة إطلاق سراح المساجين كان هو الأولوية القصوى ، فساهمت ودعوت لإصدار بعض البيانات ، لإيجاد حل للمساجين الإسلاميين ، أما علاقاتي الشخصية مع رفاق الدرب فهي مستمرة ومقدسة ، وأنا حريص على رعايتها ، ولا يمكن أن أساوم فيها وإن اختلفت مع بعضهم. 

 

** البعض يعتبر عودتك المنفردة إلى تونس تنكراً للعهد ، وبعضهم يعتبرها نوعاً من الخلاص الفردي على حساب المشروع ، والبعض الآخر يراها من قبيل التسوية الشخصية التي تغافلت عن حقوق المجموعة ، والبعض الآخر يراها تقديم شهادة وفاة لتاريخك النضالي الإسلامي وانقلاباً على سنين المنفى الطويلة والبعض الآخر يعتبرها خياراً في الاتجاه الصحيح ورداً على حالة التأرجح والتيه، وأنت تقول « أن في العودة للبلاد وربط الصلة بها ولو كانت منقوصة فوائد لا يعرفها إلاّ من عاشها » فما هي هذه الفوائد التي جنيتها من زيارة سريعة ؟

 

 لا شك أن عودتي إلى تونس هي نوعاً من الخلاص الفردي إذا أصررتم على هذا المصطلح ، ولكنه خلاص لحساب المشروع وليس على حسابه ، والواقعية السياسية هو مباركة كل خطوة في الاتجاه الصحيح ولو كانت منقوصة وبطيئة ، ثم المطالبة بتوسيعها ، أما الجمود والهروب إلى الأمام فلا يخدم إلا الاستئصالين ، الذين يعملون على تعميق الهوة بيننا وبين السلطة ، أما الفوائد التي يمكن أن يجنيها العائد فهي كثيرة على المستوى الفردي والجماعي ، منها التحرر والانعتاق من حمل ثقيل بات يؤرقني طيلة 26 سنة ، كما أنى تخلصت من وضع استثنائي غير طبيعي بالمرة ، فرض علينا وليس هذا ندماً عما كتب الله لنا ، فالعودة للبلاد في تقديري نهاية مرحلة بإيجابياتها وسلبياتها ، وبداية مرحلة جديدة من العمل والنضال المتوازن والمستمر ، فالعودة بهذا المعنى هي ولادة جديدة لمشروع جديد في ثوب جديد ، وكل مولود يولد صغيراً وضعيفاً ثم يكبر ويقوى ، إذا ما أنشأناه نشأة طبيعية ومتدرجة ، وما أنصح به القائمين على هذا الوليد أن لا يحرقوا المراحل ولا يستعجلوا النتيجة ، وليتركوا الوليد ينشأ نشأة طبيعية قائمة على العلم والمعرفة والوطنية ، والإخلاص لله .

 

** هل ما قمت به هو اعتراف بالفشل السياسي للمنهج المتبع ، أم نوعاً من الندم في الخيارات السياسية ، أم خطوة تصحيحية أم شطباً للذاكرة أم تقرّباً من السلطة ؟

 

 ما قمت به وإن بدا شأناً فرديا، فهو شأن جماعي وليس بدعة ، وستثبت الأيام إنشاء الله ما أقول ، وهو خطوة إلى الأمام في اتجاه إعادة التأسيس والتشكل ، بناء على تقييم شامل وموضوعي وشجاع لا بد أن نقوم به لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، فالعودة هي إجراء جزئي في اتجاه فرض هذا التوجه التصحيحي ، الذي من  مفاصله إعادة النظر في العلاقة التي ينبغي أن تكون بين السلطة والتيار الإسلامي.

 

** أنت من دعاة المصالحة مع النظام ، بإيجاز تصورك لهذا الخيار ، خصوصاً في ظل تصلب السلطة ورفضها لكل النداءات في هذا الاتجاه؟

 

 أنا من دعاة المصالحة مع الجميع ، وهذا التصلب من طرف السلطة ورفضها النداءات له مبرراته ، نتحمل نحن جزء من هذه المسؤولية ، لأن هذه الأخيرة لم تلمس جدية في هذه النداءات وثباتاً على نفس الخيار ، وخاصة من طرف الممثلين للتيار الإسلامي ، وعليه لا بد من إعادة فتح قنوات التفاوض وبرموز جديدة مع السلطة ، ومحاولة طمأنتها وإقناعها بجدية مسعانا قولاً وعملاً وسلوكاً.

 

** بماذا عدت من تونس ، وهل لك توصيات من السلطة؟

 

 عفواً هذا سؤال استفزازي لا أجيب عليه.

 

** لاحظ الكثير عند رجوعك هذه الأيام من تونس النص الحاد الذي نشرته حيث قلت بوضوح « القيادات الفاشلة هي دائماً ضعيفة الذاكرة لا تريد أن تتذكر وتعتبر ، ولا تطيق أن يُرد الاعتبار للمخالفين في الرأي ولو كانوا صائبين ». فما المقصود بهذا الكلام وهل من توضيح أكثر لهذا التغير في أسلوب الخطاب لديك الذي لم يكن على هذا الشكل سابقا؟

 

 النص الذي نشرته مباشرة إثر عودتي من تونس ، كان رداً على حوار أجراه نائب رئيس الحركة في إحدى المنابر ، وقد كان جواباً على استفزاز من طرف عنصر قيادي استهدفني ، واستهدف وجهة النظر المخالفة له ، فحدّة هذا النص كانت نتيجة لسلوك غريب ، ولم تكن هي الأصل ، وقد اعتذرت عن ذلك أمام القراء ، في نص سميته توضيح التوضيح.

 

** « ألم يكن أجدر بكم أن تستعملوا ذكاءكم والمال العام لعزل خصومكم الحقيقيين، الذين استعملوكم  وجرّوكم إلى هذا المستنقع الآسن، الذي بقيتم تتخبطون فيه… » هذا الكلام الذي نشرته واضح أنه موجهاً إلى قيادات حركة النهضة فمن هم الخصوم الحقيقيين الذي عنيتهم في هذا الممر؟

 

 هذا الكلام له علاقة متينة بالتحالفات التي عقدتها الحركة في أكثر من مرة ، وأكثر من مناسبة مع أطراف معزولة ومشبوهة ، ما عدا بعض الاستثناءات ، ضربت الحركة مرتين في ظرف لا يتجاوز العقدين ، مرة عندما نظّرت لضربها رافعة شعار لا حرية لأعداء الحرية ، وميدانياً عندما تحالفت سياسياً لعزل الحركة ، والإحاطة بها واستدراجها إلى ما استدرجت إليه ، وضربتها مرة ثانية عندما أوهمت قيادة الحركة بأنها قد تطورت في نظرها ، فاستعملتنا واستعملت قواعدنا ، لفرض ميزان قوى جديد لا فائدة لنا من ورائه باتجاه مغالبة السلطة وإحراجها ، وسواء المرة الأولى أو الثانية فالطرف الفاعل والمؤثر هو دائماً هذه الأطراف ، والطرف المفعول به هو الحركة وقواعدها ، فإلى متى يبقى الإسلاميون وقوداً لمعارك وهمية ، وحتى لا أفهم خطأ ، فإن للحركة أن تتحالف مع من تشاء ، ولكن بضوابط أخلاقية وشروط سياسية ، تحفظ الهدف المشترك ، وتحدّد مساحة القاسم المشترك ، ومن هذه الشروط والضوابط التي لا تقبل المساومة احترام الهوية ودين وتاريخ هذا الشعب ، وأن يكون الطرف المقابل أيضاً جاداً في تحالفه ، ويقبل بك كما أنت دون أن يفرض عليك شروطه وإملاءاته ، وخاصة منها الأيديولوجية والفكرية.

 

** الأستاذ محسن نقزو عضو قيادي في اتحاد المنظمات الإسلامية الأوروبية ، رجع إلى تونس في الأسابيع الماضية بعد حصوله على تطمينات ووعود قاطعة من السفارة بعدم تعرضه لأي مكروه ، قبض عليه مباشرة عند نزوله في المطار ، وهو الآن رهن الاعتقال والتعذيب ، فما تفسيرك لهذا التصرف من جانب السلطة وكيف تقرأ هذه الحادثة ؟

 

 لا علم لي بما حدث له بالضبط ، غير أني وأنا في طريقي للعودة لتونس التقيت به في مدينة مرسيليا، فوجدته متحمّساً ومتفائلاً ومستبشراً بهذه العودة أكثر مني ، تبادلنا وجهات النظر في هذا الموضوع ، وبعد رجوعي إلى باريس ، سمعت أنه قبض عليه ، فتأسّفت لذلك ، ويبدو أن الاحتفاظ به في قبضة الأمن كانت لمسائلة أخرى لا علاقة لها بنشاطه الدعوي في فرنسا ، وأنا على يقين من أن السلطة ستتحقق من براءته ، وتطلق سراحه في أقرب وقت ممكن ، فرجل مثل أخي محسن نقزو لا يمكن أن يصدر منه إلا الخير لبلاده والناس أجمعين ، ومثله لا يمكن إلا أن يكون رجلاً صالحاً من الوزن الثقيل ، يستحق التكريم ويشرف تونس واتحاد المنظمات الإسلامية في أوربا ، وثقتي فيه كبيرة ومساندتي له كاملة.

 

(المصدر: صحيفة « الحقائق الدولية » (اليكترونية – لندن) بتاريخ 2 سبتمبر 2007)

الرابط: www.alhaqaeq.net


 

لمن تنبح الكلاب ؟

مختار اليحياوي

عندما يتعالى نباح الكلاب يمزق سكون الليل يعتقد الكثيرون أن شيئا جللا سيحدث أو بصدد الحدوث ولكن النباح يطول و لا ينتهي حتى يصاب المرء بالسهاد لا يجد ما يفعله سوى لعن الليل و الكلاب. وهيهات أن ينتهي نباحهم مع انقضاء الليلة، فهم كذلك كل ليلة، أليسوا كلابا؟

 و لو كان ما يجعل الكلاب تنبح شيئا يحدث فعلا لكانت كلاب المدن حيث لا تنقطع الحركة ليلا نهارا أشد الكلاب نباحا، و لكن كلاب المدن على عكس كلاب الأرياف لا تكاد تنبح إلا نادرا و إن نبحت فبإذن سيدها و بتعليمات منه. قد تبدو هذه الظاهرة غريبة في فهم تناقض تصرفات الكلاب و لكن الحقيقة أن الكلاب منسجمة في تصرفاتها ففي المدن كما في الأرياف لا تنبح الكلاب إلا تحقيقا لرغبة مالكها. فما يقلق سكان الأرياف ليلا ليس جلبة نباح كلابها و إنما سكوتها لذلك فهي بنباحها المستمر لا تفعل غير الإستجابة لما يطلبه منها سيدها الذي لا يتلذذ النوم إلا على صدى نباحها مطمئنا أنها متفانية في القيام بدورها.

معذرة إن بدا للبعض أني أطلت في هذه المقدمة حول الكلاب و لكن النص من أصله يتعلق بالكلاب. قد يرى البعض أن لا جدوى من الكتابة للكلاب ما دامت الكلاب لا تقرأ و لكني لن أكون أول من كتب عنها فقد كتب الجاحظ منذ قرون موسوعة كاملة خصص الجزء الأكبر منها للكلاب و كانت و لا تزال من أروع ما كتب الإنسان. كما أني لا أزال أحتفظ من بين أروع ما قرأت منذ صباي بتلك الصورة التي رسمها ألبار كامو صاحب جائزة نوبل للآداب للكلب في كتابه الشهير الغريب « L’Etranger » . لذلك ليس المقصود بالكلاب تلك الكلاب الطبيعية التي تكاد تنقرض اليوم من البرية و لكن المقصود هنا تلك الكلاب التي صنعتها علاقة الإنسان بهذا الحيوان على مر الدهور و الأحقاب. فكامو شأنه شأن الجاحظ لا يتحدث في الحقيقة عن الكلاب و لكن عن الإكتلاب الذي يصيب الإنسان بفعل علاقته بالكلاب.

فما سر إفتتان بعض الناس بالكلاب و اهتمامهم بها و إفساحهم كل المجال الذي يخصصونه لها بين اهتماماتهم و هم عن وعي أو غير وعي لا يفعلون سوى تعريض أنفسهم إلى الإنحرافات التي ستنعكس في سلوكهم من علاقتهم بها كما نبه إلى ذلك الكثير من الحكماء؟

عندما ننظر إلى الكلب المملوك علينا أن ننتبه جيدا إلى ذلك البريق الخاص الذي يتلألأ من عينيه ويشد كل ناظر إليه. فالإنسان ليس عقلا محظا و لكنه بالأساس وجدان و من خلال و جدانه يتسرب الكلب إليه و يبني و يوطد علاقته معه. فهل الكلاب بهذا الذكاء و الدهاء حتى استولت على لب و عقل الإنسان؟

الكلاب من أصلها حيوانات شرسة مفترسة كغيرها من بني جنسها من الحيوان و رد فعلها التلقائي كلما اعترضها من هو من غير بني جنسها التوثب و الهجوم لحماية نفسها. و لكن معضلة الكلاب الأهلية مثلها مثل أوضاع أغلب البشر من جنس الإنسانية أنها أخرجت من حياة الحرية و فرضت عليها عبودية الإنسان و تملكه لها فانتقلت إلى وضعية الخضوع و تطبعت بها. و كما يعرف المملوك انه لا يملك أي حقوق و أن وجوده ذاته متوقف على رضاء سيده و استمرار حاجته له يحدس الكلب أنه أصبح رهينة الطمع في سيده. و الطمع هو ما يتلألأ في عيون كل كلب و هو سر ذلك البريق يأخذه به من خلال نضرته إليه.

دعكم من الكلاب و تثبتوا جيدا في نظرات كل من يحدثكم أو تلتقون به و راجعوا أنفسكم كيف تنضرون إليه لأنها في الغالب لا تعدو أن تكون نظرات كلاب أو نظرة إلى كلاب فنحن في عصر لا تملك فيه الأغلبية مصائرها و تدرك جيدا أن مصيرها متوقف على القبول بها و رضا المتحكمين عنها. و حياة الطمع البائسة التي يعيشها أغلبنا لن تنتهي بالتخلص من الكلاب و لا بتحريرها من مالكها لأنها ستفرخ كلابا مثلها و ستبني صنما آخر لسيد يرأسها. لذلك عندما يعترضكم شخص تنهشه الكلاب فالأولى عوض محاولة استقراء ما تقوله بنباحها التنبه لمن تنبح الكلاب.

الفرق بين كلب وكلب على اختلاف أصنافها و أحجامها و أشكالها و أصحابها أنها في النهاية كلاب ككل الكلاب و لا يمكن لها أن تطمح أن تكون سوى كلاب و الكلاب كما نعلم لا تنتج غير النباح ولم يهتم أحد لهذا العصر منها بتصنيف نباحها و التأسيس لحضارة خاصة بها لذلك عندما ينتهى نباح الكلب ننسى الكلب و لا بد له من إعادة النباح ليذكرنا بوجوده حتى نسأم منه فنناوله عظما يلوكه أو نطرده.

و عندما يعيش الإنسان أوضاع الكلاب فهو لا يعيش لذاته و إنما يعيش لولي أمره فهو لا يتصرف حسب طبيعته بل حسبما يضن أن سيده يريده أن يكون عليه كالكلب الذي يحرك ذيله توددا له يركض خلفه و يقف حيث يأمره يتمرغ تحت أقدامه و يلعق حذائه يعادي من يعاديه و يماري من يماريه.

الصورة المزورة ليست تلك التي تقدمها لنا الكلاب و إنما صورة المتطبعين بطباع الكلاب و أصحاب الكلاب صورة إنسان بلا عقل بلا إرادة بلا مشروع بلا هدف في الحياة سوى تحقيق تلك الرغبات الفطرية البهيمية و عليه أن ينبح و يضل أبدا ينبح للفت الإنتباه. و حتى إذا استعمله سيده لحراسته أو لصيده فمهما تأسد و أظهر من شراسته يأتي صاغرا ليلقي بفريسته بين يديه و يلعق قدميه.

الكثير لا يدركون ذلك حتى أنه أحيانا لا بد لنا من وضع قناع الكلب على وجوههم حتى نمكنهم من تبينهم من بني الإنسان. قناع الكلب هم يضعونه من تلقاء أنفسهم و لا يغيب عن كل فطن فهيم. فما قول كلب مع أمر سيده و ما رأي الكلب لنبدد وقتنا في دراسته و ما هي القيم التي يمكن أن يمتلكوها وما هي المبادئ التي يمكن أن يشيعوها و ما هي القوانين التي يمكن أن يكرسوها فهم على أخلاق و قيم و مبادئ و قوانين سيدهم أخلاق وقيم و مبادئ و قوانين العبيد المماليك.

لو كان طول اللسان علامة البيان لكانت الكلاب تجاوزت حضارة الإنسان.

الموضوع طبعا لا علاقة له بالكلاب فمعذرة عن المقاطعة و انبحي يا كلاب…

المختار اليحياوي – قربة في 02 سبتمبر 2007


الإتفاق المميز (!)……….يتأكد يوما بعد يوم

بقلم : نقابي من قطاع التعليم الثانوي

         

  » إتفاق مميز أنهى الخلاف بين وزارة التربية والتكوين ونقابة التعليم الأساسي ! » كان هذا هو عنوان المقال الذي صدر بجريدة الشعب عدد 930 ليوم 11 أوت 2007 وهو مقال عندما قرأ وعندما يقرأ الآن لا يمكن لكل غيور على انتمائه النقابي وعلى كرامة النقابين وعلى استقلالية المنظمة النقابية وعلى جريدة من المفترض أن تكون لسان العمال ومعبرة عن همومهم ومشاغلهم الحقيقية إلا أن يشعر بمرارة كبيرة بل و إستفزاز لمشاعره وكرامته كنقابي واكب بوعي ، وعلى الأقل في السنوات الأخيرة, النضالات الكبيرة التي خاضها المدرسون في الأساسي والثانوي و العالي و المدعومة بإشكال مختلفة من باقي الشغالين دفاعا على مطالب مشروعة وعلى حق نقابي لم يدخر وزير التربية الحالي جهدا لضربه ولمحاصرته.

         ولكي لا يبدو  فيما قلناه تجن على أحد نسوق للجميع الملاحظات الأساسية التالية تاركين للقارئ حرية التقييم  :

1(    إعتبر المقال والمروجون له أن الاتفاق أنهى الخلاف )وليس خلافا من بين العديد من الخلافات !( بين وزارة التربية والتكوين ونقابة التعليم الأساسي حيث، وإضافة إلى العنوان، وردت في المقال تقييمات للإتفاق من قبيل    » فاتحة لعلاقة أكثر إشراقا !  »   و   »  نقطة انطلاق لمناخ جديد قوامه الثقة المتبادلة بعيدا عن كل توتر !  »  و  » فاتحة لصفحة جديدة قوامها علامات متميزة ! ».  لنحاول الإجابة على السؤال الذي يفرض نفسه : ما هو جوهر الخلاف )المنتهي حسب رأي الإتحاد !( الذي احتد في السنوات الأخيرة مع وزارة التربية ؟  ألم يكن ببساطة هو الحق النقابي بما يعنيه من حرية نشاط المسؤول النقابي وحمايته وحق الاجتماع في المؤسسات والاعتراف بحق النقابات والاتحاد في المشاركة في صياغة ووضع الخيارات التربوية ؟  ألم يتبلور جوهر الخلاف هذا كمطلب أساسي لدى نقابات التعليم و لم يغب عن أي من لوائحها المطلبية ؟  ألم يكن شعار  » الحق النقابي واجب كدعامة أساسية لاستقلالية القرار النقابي  » حاضرا في جميع التصريحات والخطب في الإجتماعات والتجمعات النقابية ؟  ومن جهة أخرى أليس الحق النقابي هو ما استهدفه بالأساس وزير التربية الحالي  )الذي فتحت له جريدة الشعب صفحاتها برحابة صدر( في علاقته بنقابات التربية وبالاتحاد عموما ؟.  يكفي أن نذكر في هذا الإطار بما قام به ولا يزال من تهميش للنقابات وللإتحاد من خلال الإجراءات الأحادية الجانب والمرتجلة التي يقررها )مواصلة فرض مجالس المؤسسة , تركيز مدارس إعدادية تقنية ونموذجية دون استشارة أحد, تغيير البرامج والمواد المدرسة بصورة أحادية , الترفيع في رسوم التسجيل بالامتحانات الوطنية والجهوية ( . كما نذكر بحملة الإحالات على مجالس التأديب للنقابين ورفض  رخصهم النقابية، حتى بمناسبة حضورهم الهيئات الإدارية، والسماح بتعنيفهم أمام مقرات الوزارة وحتى في دور الاتحاد بل ووصل الأمر بمسؤوليه الكبار في الوزارة  إلى حد نعت المعلمين  » بالكركارة ! » . هل يصح بعد هذا الحديث ,  » عن انتهاء الخلاف مع وزارة  التربية !  » , أن نقول هذا ؟. دون أن ننسى بقية بنود الاتفاق التي جاءت دون طموحات المعلمين , بل في مطالب حركة النقل , لن نجانب الحقيقة حين نقول أن ما تم إمضاؤه لا يختلف في الجوهر عما عرضه وزير التربية قبل الإضراب الأخير للمعلمين.

2(    عند التمعن في المقال فانك لن تجد )ودون مبالغة( ما يوحي إلى أنه مقال نقابي يتناول اتفاقا أحد الأطراف فيه منظمة عريقة اسمها الاتحاد العام التونسي للشغل ولا هو إتفاق  )بغض النظر عن مضمونه( جاء بعد سلسلة من النظالات والتحركات شغلت بزخمها  وأبعادها الرأي العام النقابي والعمالي بل وحتى الوطني لفترة أمتدت لسنتين ، إذ لا حديث , في ذلك المقال , إلا عن  » الهدف من المفاوضات… ومن ثمارها إنما هو الإرتقاء بمكانة المنضومة التربوية التي تعز علينا جميعا !  » هذا الكلام لعلي رمضان الذي يضيف :  » أتمنى أن يكون الاتفاق فاتحة لعلاقة أكثر إشراقا لفض العديد من الإشكاليات الأخرى والارتقاء بالمنظومة التربوية في كنف التعاون والطمأنينة !  » .  أما المسؤول على الوظيفة العمومية فقد علق:  » الأهم أن يكون الاتفاق نقطة انطلاق لمناخ جديد قوامه الثقة المتبادلة بعيدا عن كل توتر فلا مجال لذلك ما دام المنطلق واحد حب البلاد والروح الوطنية راجيا السعي المشترك لصد كل المؤامرات الممكنة والساعية إلى إفساد العلاقة بين الأطراف الاجتماعية ! ». هل يمكن لأي كان أن يفرق بين كلام وتقييم أعضاء المكتب التنفيذي وتعليقات الوزراء الواردة في نفس المقال ؟  أين الفرق بين موقفين مرجعية أحدها السلطة ومرجعية الأخر يفترض أن تكون عمالية ؟ أين الخصوصية والمسحة النقابية التي يجب أن تطغى على جميع المقالات التي ترد في جريدة اسمها جريدة الشعب ؟  أما آن الأوان أن تكف هذه الجريدة عن لعب دور فوق الشعب ؟

3(     لعل الأشد إثارة في هذا المقال هو ما جاء في تصريحات وزير التربية الذي قال :  » إن في الخيار النقابي أيما إثراء للحياة الاجتماعية وإذا غاب النقابي يوما من الساحة فسنبحث عنه ونوجده ! « .  كما أضاف عند حديثه عن المفاوضات :  » عرفنا خلالها  )المفاوضات( رجالا بأتم معنى الكلمة وعلى رأسهم السيد علي رمضان ! » .  سأكتفي بالقول لمن أورد هذا بجريدة الشعب :  » رجاء شيئا من الاحترام للعمال والنقابين وكفى نفاقا وازدواجية في الموقف على حساب مصالح الشغالين.

4(    أما الملاحظة الرابعة , وهي الأهم , فستؤكد بما لا يدحض أن الاتفاق مميز وأن الخلاف انتهى مع الوزارة التي بادرت مباشرة بعد إمضاء الإتفاق  وفي إطار التعبير عن حسن النوايا إلى :

 أ)   إحالة عضو  النقابة العامة للتعليم الأساسي سليم غريس على مجلس التأديب بتهم اقل عقوبة مفترضة لأي منها هي العزل وأكثرها طرافة هي  :  »  قيامه بإفشال جلسة مفاوضات مع الوزارة !  » . لنرفع نصيحة للإخوة أعضاء المكتب التنفيذي:  »  تجنبوا إفساد أي جلسة مفاوضات مع الحكومة ،حتى ولو طلب منكم خلالها التنازل بالكامل على مطالب العمال، لكي  لا تحالوا على مجلس التأديب بل ولربما تدخلوا تحت طائلة قانون الإرهاب ! « .

ب)  دائما في نطاق حرص وزير التربية على الحق النقابي تم إنهاء تفرغ عضو النقابة العامة للتعليم الأساسي حفيظ حفيظ حتى يتفرغ للإرتقاء بالمنظومة التربوية !.

ج)  سارعت , الوزارة , بتطبيق طلب عبد السلام جراد بإنهاء تفرغ عضوي النقابة العامة للتعليم الثانوي الطيب بوعائشة وفرج الشباح وهو طلب سيشرع لها مستقبلا مطالبة الإتحاد بإنهاء تفرغ كل من لا ترى فيه نقابيا صالحا !

نقابي من قطاع التعليم الثانوي

المصدر: الفضاء النقابي الديمقراطي ضد التجريد السنة الأولى  2 سبتمبر 2007

 

العدالة التركي.. تجاوز أم تطور؟

 
01-9-2007
راشد الغنوشي / رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس
 

آمال كبار لشعب كبير، وفق إلى إزاحة جيل قد استنزف، وأعطى الصولجان لجيل شاب، يتوهج ذكاء وخبرة وإيماناً، فهل سيجد التفهم والدعم من قبل كل القوى الديمقراطية الإسلامية والعلمانية على حد سواء، داخل تركيا وخارجها، سيما من قبل العرب الذين جاءهم الإسلام بتركيا صاحبة أقوى ثاني جيش في الحلف الأطلسي، والمرشحة لتتعزز قوتها… جاءتهم تدق عليهم الأبواب، طلباً للتعاون، وكانت لأمد بعيد قد حولتها العلمانية المتطرفة إلى أحد السيوف الماضية المسلطة على رقابهم.

من جهة الجغرافيا هي بلد يمتد بين قارتين، رغم أن معظمه يقع في آسيا، وهو ما اتخذه الرئيس الفرنسي السابق ذريعة، لتأسيس رفض انتمائه إلى أوربا، بل اعتبر انتماءه للاتحاد بمثابة الإجهاز عليه.  

من جهة النظام السياسي هي بلد ديمقراطي، بل لعلها أقدم ديمقراطية في المنطقة، إذ ظلت صناديق الاقتراع تفرز برلمانات وحكومات، من دون أن يشكك أحد في مصداقيتها، مما هو غريب في دول حديثة مشابهة من جهة تاريخ العلاقة بالحداثة، مثل مصر وتونس.  

ومع ذلك فالبلد تداولت عليه فترات الديمقراطية والانقلابات العسكرية. وكان آخرها انقلاب 1980م، الذي وضع حداً أو أراد لفوضى الاقتتال بين الجماعات القومية واليسارية، كما أراد أن يضع حداً لصعود الإسلاميين.  

ـ تركيا بحق بلد المتناقضات والألوان المختلطة  

ولم يعد الجيش إلى ثكناته إلا بعد أن أعاد ترتيب الحياة السياسية، وضبط الهيكل العام للدولة على نحو يجعل للمؤسسة العسكرية سلطة الرقابة على سير العملية الديمقراطية، ومدى انضباطها بالإطار العلماني للدولة، وبجملة الاختيارات الكبرى الاقتصادية والعسكرية والعلاقات الدولية، وذلك عبر سلطة مجلس الأمن القومي، الذي بلغ سلطانه حد طرده رئيس وزراء منتخب، بل وإيقاف العملية الديمقراطية ذاتها، وحل الأحزاب، والزج برؤسائها في السجون، من أجل إعادة ترتيب الأوضاع بما جعل العسكر هم الدولة في المحصلة النهائية (انظر مقال محمد نور الدين في مجلة « المستقبل العربي » عدد يناير 2003)، ولذلك كان من غرائب تركيا هذا التعايش الحذر بين العسكر والديمقراطية.  

من جهة الثقافة، تركيا بلد القطائع والمتناقضات الشديدة، فقد حولها انقلاب النخبة المتغربة (نخبة جماعة الدونمة أي اليهود المتأسلمين بعد طردهم من الأندلس، والتجائهم إلى حاضرة الخلافة) بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، من عاصمة الأمة الإسلامية المترامية الأطراف، عبر القارات الثلاث، إلى دولة قومية شوفينية، في تعصبها للعنصر التركي، وعلمانية متطرفة حاربت الإسلام بكل ما ملكت من وسائل، وراهنت على استبدال الهوية الإسلامية العثمانية بهوية قومية علمانية أوربية، عبر حملة شاملة على كل مؤسسات الإسلام التعليمية والوقفية والشعائرية بل التشريعية والدولية.  

لقد غيّرت الدولة قبلتها بالكامل، ولم تدخر جهداً في حمل الشعب على ذلك، رغم أن تجربة ثلاثة أرباع قرن أثبتت أن تغيير هويّات الشعوب أمر بالغ العسر، بسبب ما أبداه الشعب من مقاومة متعددة الأشكال، كان من بينها صعود حزب من داخل النخبة العلمانية العسكرية في الخمسينات، بقيادة عدنان مندريس، فتح ثغرة محدودة في جدار العلمانية المتطرفة في عدائها للإسلام، التي أرساها مؤسس الجمهورية.  

وتتمثل هذه الثغرة البسيطة في الاتجاه إلى الاعتراف بالهوية الإسلامية لتركيا، عبر السماح بأداء الأذان بالعربية، ما جعل الناس يخرون سجداً ويبكون فرحاً، وكذا الإذن بفتح معاهد لتخريج الأئمة والخطباء.  

ورغم أن هذه السياسة لم تستمر أطول من الفترة بين 1950 و1960، إذ تم التصدي لها بكل عنف، من قبل حراس المعبد العلماني، الذين انقلبوا على الديمقراطية، بعد أن كانوا قد بدءوا بالانقلاب على الإسلام، فعلّقوا رئيس الوزراء المنتخب عدنان مندريس، ورئيس الجمهورية جلال بايار على المشنقة…  

وبعد أن أعادوا ترتيب الأوضاع، وبضغط من الشركاء الأوربيين، من أجل التحقق بقدر من الانسجام مع الوجه الأوربي، الذي تحرص عليه النخبة، أو المفروض عليها، تمت العودة إلى الديمقراطية، غير أنها أفرزت مرة أخرى حزباً علمانياً معتدلاً بزعامة شخصية معتدلة قريبة من الجماعات الصوفية هو سليمان ديميريل، الذي استأنف على نحو ما سياسة مندريس من جهة السماح بالممارسة الدينية، وهو نفسه كان معروفاً بأداء الصلاة.  

وفي عهده استأنفت الحركة الإسلامية بزعامة البروفسور نجم الدين أربكان عملها، ضمن حزب جديد هو حزب السلامة الوطني، بعد أن حل سابقه، بل إنه ضمن صراعات اليمين واليسار وتشتت الأحزاب، أمكن لأربكان أن يتحالف مع مختلف الأحزاب العلمانية لتشكيل الحكومة مرة مع اليسار بزعامة أجاويد، رئيساً للوزراء، ومرتين مع حزب العدالة بزعامة ديميريل.  

وقدمت هذه التحالفات الغطاء السياسي الضروري لنمو بنية تحتية قوية للإسلام، تتمثل في سلسلة واسعة من المدارس الثانوية والابتدائية لتخريج الأئمة والخطباء، استقبلتهم كليات للشريعة لمواصلة تعلمهم ثم انفتحت في وجوههم مختلف أبواب الاختصاصات، وفك الحصار عن المساجد والتدين عامة. غير أنه أمام صعود الإسلاميين وتفاقم الصدام العنيف بين المتطرفين من اليمين واليسار، تدخلت المؤسسة العسكرية الوصي على تراث أتاتورك لتضع حداً لصعود الإسلاميين المتفاقم مع اندلاع الثورة الإيرانية، من جهة، وللفوضى من جهة أخرى. ولم تعد إلى ثكناتها إلا بعد أن وضعت الوثيقة الدستورية الرابعة، التي نصبّت المؤسسة العسكرية عبر مجلس الأمن القومي حارساً ووصياً على تراث أتاتورك، كما سبق، وتسلم تورغت أوزال رئاسة الوزراء، فلم يلبث أن عاد إلى تراث مندريس في سعي لمصالحة تركيا الحديثة مع هويتها الإسلامية بالتليين من تصلب علمانية أتاتورك في عدائها للإسلام.  

وتفاعلت عوامل خارجية من مثل عودة الحركة الإسلامية في صيغة حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان، وفشوّ الفساد وسط النخبة العلمانية للأحزاب، وتعطش الشعب للهوية، والأزمة الاقتصادية، واستمرار انغلاق البوابة الأوربية في وجه تركيا، وانتشار الكتاب الإسلامي بفعل الترجمات السريعة لكل ما ينشر في العالم الإسلامي، ولا سيما من قبل كتّاب الحركة الإسلامية في تيارها الوسطي، تفاعلت كلها لتعزيز جانب المد الإسلامي، وتعاظم حتى وضع حزب « الرفاه » على رأس الأحزاب التركية، بنسبة فاقت % من أصوات الناخبين، فأمكن لما يسمى الإسلام السياسي أو الحركة الإسلامية تشكيل الحكومة لأول مرة في تاريخ الدولة التركية الحديثة، متحالفاً مرة أخرى مع حزب علماني محافظ، تتزعمه سيدة هي تانسو تشيلر، وذلك سنة 1996.  

غير أن حراس المعبد العلماني قد استنفروا مصممين على الإطاحة بأربكان وحزبه، رغم كل التنازلات، التي قدمها للتواؤم مع شعائر المعبد، من مثل الوقوف على قبر أتاتورك، وأداء التحية له، واستقبال مسئولين إسرائيليين، والمحافظة على الارتباطات الأطلسية والأوربية.  

ولكنهم نقموا عليه جسوراً قوية مدها مع الجوار العربي والعالم الإسلامي عامة، بمبادرته بزيارة عدد من الأقطار العربية والإسلامية (ليبيا ومصر وإيران)، وعمل على تأسيس نادي الثمانية G8 للدول الإسلامية الكبرى، مقابل نادي السبعة للدول الرأسمالية الكبرى G7. واستضاف في رمضان رموز الصوفية والأئمة الكبار.  

ورغم أن أداءه الاقتصادي كان عظيماً في النزول بالتضخم والبطالة والتداين الخارجي إلى أدنى نسبة، بالقياس إلى الحكومات السابقة. ورغم الأداء المتميز غير المسبوق للبلديات، التي تديرها جماعة الرفاه، إلا أن ذلك وبقدر ما رفع مكانة الإسلاميين لدى الشعب، بقدر ما رفع مستوى نقمة الباب العالي (الهيأة العليا لرجال الأعمال والصحافة وقادة العسكر)، فصعّدوا الضغط عليه حتى حملوه على الاستقالة، وحركوا أداة أخرى من أدوات سيطرتهم (المحكمة العليا)، فحلت حزباً في أوج عطائه، بنفس الاتهام الثقافي المعتاد: النيل من هوية الدولة العلمانية. وشنت على التيار الإسلامي ما يشبه حرب إبادة، وذلك على إثر ما استبد بأذهان حراس المعبد العلماني، من شعور بأن الحياة من حولهم بقيادة رئيس الوزراء، زعيم الحركة الإسلامية، اتجهت قدماً في اتجاه الإسلام، بما يهدد بتغيير طبيعة الدولة، فانعقد مجلس الأمن القومي في اجتماع عاصف اشتهر باجتماع 28 فبراير 1997 الذي صدر عنه 18 بنداً، هي جملة من الإجراءات الصارمة ضد التيار الإسلامي على كل الصعد الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، تأمر رئيس الوزراء الإسلامي بتنفيذها، فماطل حتى اضطر غير بعيد للاستقالة، لتدخل تركيا في طور عصيب من الاضطراب السياسي والثقافي والفساد الاقتصادي المهدد بالانهيار.  

واستمرت هذه المرحلة العصيبة، التي عرفت بمرحلة 18 فبراير، ولم تنته إلا بانهيار طبقة سياسية يمينها ويسارها، وجملة أحزابها تقريباً، ليعود التيار الإسلامي بعد خمس سنوات في ثوب جديد بزعامة شابة، تربت في أحضان المعاهد الدينية، ثم في الحركة الإسلامية خلال عقدين، وشملتها موجة الاضطهاد… إنه الطيب رجب أردوغان، الذي أطيح به من رئاسة بلدية من أكبر البلديات في العالم، تجلت فيها عبقريته، إذ توفق إلى حل مشكلات حياتية فشل فيها كل من سبقه، فأحاطه الناس بحب عظيم. ولم يشفع له ذلك من العزل والزج به في السجن.  

لقد أفضى حكم العسكر إلى إقصاء زعيم الحزب أربكان من السياسة، ما اضطره أن يمارسها من وراء ستار، من خلال حزب جديد هو حزب الفضيلة، دفع إلى قيادته أحد رفاقه هو المحامي رجائي قوطان، وحافظ الحزب على مكانه على رأس الأحزاب، لكن في المعارضة.  

ولم يرض ذلك الباب العالي، فصدر قرار بحله، فتشكل حزب السعادة بديلاً له. وفي مؤتمره تحدى تيار الشباب بزعامة عبد الله غول وأردوغان قيادة الحزب المتمتعة بثقة أربكان. وكاد غول أن يفوز بالقيادة، ليضع موضع التنفيذ البرنامج الإصلاحي الذي يطالب به هو وأردوغان، فلما لم يحصل ذلك انطلق هذا التيار إلى تشكيل حزب جديد انحاز إليه 51% من نواب الحزب في البرلمان.  

وكانت الفكرة الأساسية لـ »العدالة والتنمية »، الحزب الجديد من أحزاب الحركة الإسلامية، تحمل جملة من التعديلات على السياسات المعهودة في هذا التيار، اعتباراً بما حدث في السنوات الست العصيبة الماضية، حيث تعرضت الحركة الإسلامية لمخطط إقصاء واستئصال وكسر عظم، على يد صاحب السلطة العليا الجيش.  

والدرس: تجنب كل ما يفضي إلى تجدد الصدام مع صاحب السلطة، بل العمل على كسب ثقته، وكذا تجنب الصدام مع العسكر ومعبدهم العلماني، وهو ما لا يمكن تحقيقه مع استمرار زعامة أربكان، الطرف المباشر في ذلك الصدام. وكذا إعطاء الأولوية للعلاقة مع أوربا وللاقتصاد، والابتعاد عن إثارة المعارك حول بعض القضايا الحساسة، مثل الحجاب، باعتباره من أسخن ساحات الصراع بين التيار الإسلامي والتيار العلماني، الذي لم يتردد في طرد نائبة من البرلمان، وشطبها، رغم أنها منتخبة… فقط بسبب إصرارها على غطاء الرأس، وهو ممنوع بنص دستوري، مع أن الزائر لتركيا يفاجأ بالحجم الواسع لانتشار الحجاب، بما يتراوح في مدينة مثل إسطنبول بين 7 إلى 8%، على حين أن أبسط معنى للديمقراطية أن تكون السلطة معبرة عن إرادة الشعب كله أو أغلبه على الأقل، وهذا مثل آخر صارخ على ما تتلظى به الحياة التركية من تناقضات، فهي خليط من إسلام وعلمانية، عثمانية وأوربية، دكتاتورية وديمقراطية، حكم الشعب وحكم العسكر، بين شارع يملأه الإسلام ودستور يحاربه.  

هذا هو الواقع الذي يجب التعامل معه بالحكمة، والرهان على النفس الطويل في التطوير، وتأجيل طرح المحاور المثيرة، وإعادة ترتيب الأولويات، وإيلاء قضايا المعاش، وحقوق الإنسان، واحترام القانون، ومقاومة الفساد في نخبة الحكم، وتهيئة البلد للانضمام إلى أوربا سبيلاً آخر للتقوي على الباب العالي الجديد، والحد من سلطانه المطلق.  

ـ ما حقيقة مشروع‏ العدالة والتنمية؟  

هل هو استمرار وتواصل مع نفس المشروع الذي بدأه مندريس واستأنفه ديميريل ثم تورغت أزال، ووصل إلى أوجه مع أربكان؟… مشروع مصالحة تركيا الحديثة مع تاريخها وهويتها، من خلال الحد من التطرف العلماني للدولة في عدائها للدين، في مسعى لاستبدال علمانية متطرفة بأخرى معتدلة، هي أقرب إلى النوع الأوربي، الذي يغلب عليه الحياد، إزاء المسألة الدينية، وذلك بالإفادة من التجارب السابقة، باعتماد مرونة أكبر في خدمة نفس المشروع، بما يحفظ جوهره، ويتخلى ولو ظرفياً عن بعض مظاهره، من أجل فتح أبواب التطور في وجهه بعيداً عن أسباب التصادم مع « الباب العالي »؟  

أم أن مشروع « العدالة والتنمية » هو تنازل عن مشروع الحركة الإسلامية بل خيانة له. وفي أفضل الأحوال الرهان على ما سماه البعض بالعلمانية الإسلامية، أو هو ما اعتبره أنصار مؤسس المشروع البروفسور نجم الدين أربكان إيثاراً لملاذ السلطة، والعيش تحت الأضواء، وإرضاء العسكر ومؤسسة المال والإعلام والأمريكان؟ أم هو تنازل عن جوهر المشروع الإسلامي، واستسلام للعلمانية، وانتصار ساحق لها، كما روج لذلك بعض عتاة العلمانية في بلادنا، مبدين فرحة صفراء بانتصار العدالة والتنمية؟  

الثابت أن حزب « العدالة والتنمية »، بزعامة النجم الصاعد الشاب رجب أردوغان، رئيس بلدية إسطنبول، وهو إلى جانب غول أبرز الشباب، الذين أعدهم أربكان لخلافته، قد نجح إلى جانب احتفاظه بشعبية واسعة داخل التيار الإسلامي في استقطاب قطاع واسع من اليمين العلماني المحافظ، الذي تخلى عن أحزابه التقليدية، وتركها تنهار بسبب فسادها وعجزها عن تقديم حلول لمشاكل البلاد الكبرى، كما استقطب فئات أقل من ذلك من اليسار، الذي تراجع بنسبة الثلث لنفس الأسباب.  

واستقطب كذلك حوالي ثلث الناخبين الأكراد، فضلاً عن استقطابه للقاعدة الإسلامية (حوالي 23%)، عدا نسبة ضئيلة (2%) ذهبت إلى السعادة. وكل هذه الفئات الواسعة رأت في العدالة والتنمية وزعامته الشابة منقذاً للبلاد من كارثة الفساد الاقتصادي، أو من الحرب الأهلية في كردستان، أو من التصادم مع العسكر. وكلها رأى فيه، رغم التباين الثقافي، الأمل في إنقاذ تركيا من الفساد الاقتصادي، بما عرف عن زعمائه من فعالية ونظافة خلال ممارستهم لإدارة البلديات.  

ولكن رغم تعدد واختلاف الأوعية التي غرف منها العدالة والتنمية، تبقى الرافعة الكبرى التي رفعته إلى السلطة، في انتصار ساحق، على أحزاب وزعامات عريقة، (أحالها دفعة واحدة على المعاش، كما تفعل رياح الخريف مع الأوراق اليابسة، إيذاناً بتجدد شباب السياسة)، هي قاعدة إسلامية، قد وعت بيقين أن التمادي بنفس السياسات والوجوه بزعامة مباشرة أو غير مباشرة لمؤسس الحركة الإسلامية، ليس من شأنه غير استمرار اشتباك غير قابل للتسوية، قد غدا معوقاً لتحقيق المشروع الإسلامي حتى في مطالبه الأولوية من شعائر وحجاب ومدارس دينية، فلا مناص من تغيير في الخطاب والوجوه والتكتيكات… فكان العدالة والتنمية، وذلك أن:  

أ- القاعدة الإسلامية التي رفعت أربكان إلى سدة الوزارة الأولى، تجاوزت نسبتها 22% من أصوات الناخبين، ولم يذهب منها إلى حزب السعادة غير 2%، فأين ذهب البقية إذا لم يكونوا هم غالبية من صوت للعدالة؟  

ب- إن أداء الإسلاميين في الحكم لم يكن سلبياً، وكانت في إدارة المدن التركية الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وأرض روم ممتازة، وهو الأداء الذي جعل من أردوغان نجماً ساطعاً في سماء إسطنبول، لا بشعارات إسلامية هي أصلاً محظورة الاستعمال في تركيا بل ببرامجه وإنجازاته، التي جعلت الماء والكهرباء ووسائل النقل والخبز تصل إلى كل بيت، والطرقات معبدة ونظيفة، وعشرات الآلاف من الطلبة يتمتعون بالمنح، وخزائن البلدية بها فائض، بعد أن كانت مثقلة بديون تبلغ عدة مليارات من الدولارات، وهو ما فرض على النخبة السياسية أن تسلّم أن لا أحد قادر على منافسة الإسلاميين في إدارة شؤون البلديات.  

كما فرض التسليم بحقيقة أخرى أن رصيد الإسلاميين في الحكم، وحل مشاكل الناس، ليس مجرد شعارات تدغدغ المؤمنين، وتعدهم بالجنة، وتخوّفهم بالنار، على أهمية أثر ذلك لو حصل، وإنما برامج عملية لحل مشكلات معيشية، فشلت أحزاب العلمنة في حلها، بسبب انفصالها عن ضمير الشعب، وما تلوثت به من مفاسد.  

ج- إن كل المؤشرات في العالم الإسلامي، وحيثما وجد مسلمون، تشهد على ارتفاع مذهل لنسب التدين، حتى تلك التي طبقت فيها بشراسة ووحشية وتواطؤ دولي ومحلي خطط الاستئصال وتجفيف الينابيع مثل تونس، بسبب ما تعرض له التدين والمتدينون من قهر على يد حكومات قمعية فاسدة، من مثل تسلط الدولة في تونس وتركيا، على المؤسسات الدينية، وعلى ضمير المؤمنات بتجريم حقهن في التعبير عن تدينهن، بحمل رداء التُقى، ما تسبب في طرد الآلاف، وكبت الملايين وقهرهن وذويهن، وكذا حرمان أصحاب المشروع الإسلامي من حقهم الطبيعي والشرعي في المشاركة في الشؤون العامة، ومنها العمل السياسي، وكبت كل تعبير ديني. وباعتبار أن الدين هو أعمق ما في الضمير الفردي والجمعي لأمتنا، فإن كل مدافع عنه محبوب، وكل عدو له مبغوض، سيما والكبت والقمع لكل حر هو شريعة الأنظمة القائمة، مما جعل الهوة تتسع بينها وبين الشعوب.  

د- إن حملة رسالة الإسلام اليوم هم في الصف الأول من جبهة الذود عن الأمة وعن دينها في مواجهة الحملات المتصاعدة عليها، والتي لم يتردد الأمريكان في تعليق لافتة الصليب عليها، هذه الهجمة الدولية على الإسلام وأمته من جهة، سيما في فلسطين، والعراق، وما ينهض به الإسلام من أدوار تعبئة وتجنيد للرأي العام، وما قدمته وتقدمه الحركة الإسلامية من نماذج رائعة في الفداء، ونقل الرعب إلى صفوف الأعداء، وتعديل موازين القوى… كل ذلك أسهم في تأجيج المشاعر الدينية في الأمة، بما ضاعف من شعبية الإسلاميين، على حساب الجماعات العلمانية، سيما وقد تعاضد خنوع الكثير منها وتذيلها لقوى القمع في الداخل والخارج… تعاضد مع فشو الفساد في أوساط جماعاتها الحاكمة… تعاضد على تدهور شعبيتها، وتضاؤل وزنها، واتساع الهوة بينها وبين شعوبها.  

ظهر ذلك في مختلف أرجاء العالم الإسلامي من جاكرتا إلى طنجة، مروراً بإسلام آباد والمنامة ومصر والجزائر وساراييفو وتونس نفسها… بما يجعل ما حدث من اكتساح إسلامي للشارع التركي ظهر في الانتخابات الأخيرة في شكل فوز ساحق للإسلاميين بحوالي ثلاثة أرباع مقاعد البرلمان، ليس ظاهرة شاذة ولا فريدة في الحالة العامة، التي تمر بها الأمة، بل هو من جهة جزء من هذه الحالة العامة، التي تتعرض فيها الأمة لأشد التحديات، فتحتاج إلى تجريد أمضى أسلحتها.  

وهل وقف في وجه تفوق السلاح الإسرائيلي الساحق غير سلاح الاستشهاد، ورأسماله الإيمان بالله واليوم الآخر، وهو من جهة أخرى تواصل وامتداد لمسار طويل بدأه الشعب التركي منذ خمسينيات القرن الماضي، بل منذ قرن سبقها في اتجاه اكتساب الحداثة في إطار الإسلام وتراثه ولخدمته، وذلك في مواجهة الخيار الآخر الذي طرحه الغرب على الأمة، وتبنته كل الأحزاب العلمانية بمختلف تلوناتها، ولا سيما تلك القائمة منها على النمط الماركسي. أو حتى النمط الفرنسي، الذي تأثرت به النخبة الحاكمة في تركيا وفي تونس، وهو النمط الذي لا يرى في الدين، في المحصلة، غير كونه عقبة في طريق التقدم، مطلوب إزاحتها، والتفلت منها بإحدى آليتي « الاجتهاد » العشوائي، أي غير المنضبط بقواعد تفسير النصوص، والإهمال أو الإلغاء جملة، توصلاً إلى إحالة المسألة الدينية إلى زاوية الخصوصيات الفردية، ثم تنظيم الحياة بمعزل عنها، بل على النقيض من تعاليمها، بما يفضي نهاية إلى انتزاعها من تلك الزاوية نفسها، وإحالتها إلى سلة المهملات، إذ طبيعة الحياة لا تتحمل في النهاية غير سلم أعلى واحد من القيم: إما أن تكون مرجعيته العليا الوحي، وفي ظله يمكن تقبل العيش أقليات تتواءم معه، وتسالمه، على نحو أو آخر، أو أن تكون مرجعيته أرضية، فتستقل بتنظيم المجال العام، وتفرض على الآخرين الانزواء إلى المجال الخاص.  

ولأن مشروع التقدم على طريق التقليد للغرب، والنظر إلى ديننا وحضارتنا وتاريخنا، ومكانة الإسلام القيادية فيهما، من الزاوية الغربية، قد فشلا فشلاً ذريعًا في أن ينجزا أي شي‏ء، مما وعدا به من ازدهار اقتصادي، وتقدم حضاري، وعزة قومية، وعدل وحرية، فضلاً عن تحرير فلسطين، وتوحيد الأمة، وتركيا مثل في الخيبة، حتى إن وحدتها القومية مهددة بالتمزق، بسبب تمزيق الخيط الناظم لشعوبها: الإسلام، وإحلال نزعة شوفينية متغربة بدله، عزلت تركيا عن محيطها العربي الإسلامي، وزجت بها في حرب أهلية مدمّرة مع المكونات العرقية والثقافية غير التركية مثل الأكراد، الذين لم يسمع أحد بمشكل معهم لا في تركيا ولا في العراق خلال تاريخ طويل من الحكم الإسلامي، قبل ظهور النزاعات القومية، ولذلك لا عجب أن صوّت الأكراد بكثافة لصالح إسلاميي حزب العدالة.  

فليس إذن في ما حققه هؤلاء من فوز ساحق أي أمر مستغرب، باعتبار ما غدوا رمزاً له من تديّن، ونظافة يد، وقرب من الناس، وتفان في خدمتهم، ودفاع عن الهوية الإسلامية للبلد… إنهم التواصل لمشروع التصالح بين تركيا وهويتها الإسلامية… بين حاضرها وماضيها… بين إسلامها وحركتها الإسلامية من جهة، وبين عصرها وقوميتها وعلمانيتها من جهة أخرى. إنّهم طموح لمواجهة التحديات الكبرى، التي تواجهها تركيا والعالم الإسلامي، واستجابة تتشكل من مزيج مركب بين الإسلام والحداثة… بين الإسلام والديمقراطية.  

ـ ما هو الإستراتيجي وما هو الظرفي؟  

إن الحركة الإسلامية التركية التي أسسها البروفسور نجم الدين أربكان، في صيغها المختلفة، التي برزت بها إلى الساحة، وآخرها حزبا «السعادة» بقيادة طوقان، و »العدالة والتنمية »، بزعامة رجب الطيب أردوغان، قد غلبت عليها الروح العملية، فلم يعرف لها جهد في مجال الإنتاج الفكري: مؤسس الحركة مهندس يحسن لغة الأرقام والتخطيط، فطبع التيار بطابعه، وللمهندسين دور قيادي بارز في الحركة الإسلامية المعاصرة بديلاً عن المشايخ.  

أما غذاؤهم الفكري، فمستمد في أصله من فكر الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية في الباكستان وحركة النهضة التونسية، عبر الترجمات السريعة، التي برعوا فيها لكل ما يصدر في ساحة الفكر الإسلامي، مضافاً إليه ثلث قرن من العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي في مناخ علني مفتوح، وهو ما يميز الإسلاميين الأتراك والماليزيين عن أمثالهم من العرب.  

إن غلبة الروح العملية على المجادلات النظرية الأيديولوجية جعل حركة التطور لديهم يسيرة، مكتفين في المجال الأيديولوجي بالمتابعة الدقيقة لكل ما يصدر في العالم الإسلامي، عبر الترجمة السريعة، عن مفكري الحركة الإسلامية، ولا سيما الجيل الجديد، مما دفع إلى تركيز جهدهم على تأصيل فكر الحداثة في الساحة الإسلامية من قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، مع صبغة صوفية هي من تراث البلد. وهذه حقيقة يعرفها كل من له صلة بحثية جادة، أو معاشرة مباشرة للحركة الإسلامية في تركيا، الأمر الذي يفرض تنزيل ما رفعه زعماء حزب العدالة والتنمية من شعارات في حملاتهم الانتخابية، التي قادتهم إلى فوز ساحق من مثل التصريح بأن « العدالة والتنمية » ليس حزباً دينياً، أو أنه ليس حركة إسلامية، أو محاولته التأكيد على التوافق بين الإسلام والعلمانية، ينبغي الاقتصاد في إلباسها كساء أيديولوجياً فضفاضاً يتجاوز مسلمات الفكر الإسلامي المعروفة في الساحة الإسلامية، والتي نشأ عليها مؤسسو حزب العدالة.  

إن استصحاب تلك المسلمات هو الموقف العملي الرصين، بعيداً عن الجري وراء الأماني، من مثل التصفيق المشبوه من طرف بعض غلاة العلمانية المتذاكين لفوز التنمية والعدالة، باعتباره بحسبانهم نصراً للعلمانية، وهزيمة للإسلام السياسي!! أو تجاوز الرصانة العملية من طرف بعض الأقلام، التي عرفت عادة بالرصانة في التحليل والاستنتاج، إذ ذهبت إلى وصف أيديولوجية العدالة والتنمية بالعلمانية المؤمنة، وذلك دون استناد إلى أي نص قد صدر قديماً أو حديثاً عن خريج معاهد الأئمة والخطباء حامل كتاب الله رجب الطيب أردوغان، زعيم الحزب، الذي كان لتوه قد خرج من السجن بتهمة النيل من العلمانية، لمّا أورد في خطبة له أبياتاً لجلال الدين الرومي، يؤكد فيها أن المصاحف أسلحتنا، والمساجد ثكناتنا، والمآذن مدافعنا.  

والحركة الإسلامية إنما قامت منذ ابتليت الأمة بالاحتلال الغربي وما صاحبه من غزو فكري، استهدف إقصاء الإسلام دستوراً لحياة المسلمين يوجه تصوراتهم الفلسفية وقيمهم ونظم حياتهم أي علمنة الإسلام. وذلك رغم انعدام الحاجة في الإسلام لمثل بعض الأدوار الإيجابية، التي قامت بها العلمنة في الغرب، مثل محاولة تحرير الدين من سلطان رجال الدين، من أجل فتح الباب أمام المؤمن ليقيم علاقة مع ربه، من دون واسطة، وليتعامل مع النصوص المقدسة من دون وصاية لأي مجتهد. وهو معنى ثابت في ديننا. أو هو تحرير العقل من كل وصاية، وفسح المجال أمامه ليرتاد أي مجال، من دون حواجز ولا قيود من خارجه، والثقة في قدرته على المعرفة. بينما كانت الكنيسة لا ترى للمعرفة من طريق غير الكتاب المقدس، وهذا المعنى الإيجابي للعلمانية أيضاً ثابت في دين الإسلام، دون حاجة إلى استيراد.  

وللتنبيه، فإن تأكيد مرجعية الوحي العليا ضمن آليات الاجتهاد المعروفة لم يمنع المسلمين من الاختلاف والتنوع وحتى التناقض والتصادم، وذلك في غياب مؤسسة تحتكر التفسير والنطق باسم السماء، والتفتيش في ضمائر الناس، بما يعيد الأمر نهاية إلى الناس، حكماً في ترجيح «اجتهاد» على آخر، دليلاً للعمل، ويستمر باب الاختلاف والحوار مفتوحاً يجد التشجيع على ولوجه، أصاب المجتهد أم أخطأ فهو مأجور.  

ـ علمانية جزئية وأخرى شاملة:  

إن العلمانية كما ذكر أحد أبرز المتخصصين فيها، المتتبعين لمسار تطورها، الدكتور عبد الوهاب المسيري في آخر دراسة مستفيضة له (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة) (جزآن ط1 دار الشروق 2002م) « مصطلح خلافي جداً شأنه شأن مصطلحات أخرى، مثل التحديث والتنوير والعولمة، شاع استخدامها، وانقسام الناس بشأنها بين مؤيد ومعارض، بل لعل العلمانية أكثر المصطلحات إثارة للفرقة، إذ يتم الشجار حوله بحدة تعطي انطباعاً بأنه مصطلح محدد المعاني والأبعاد. ولكننا لو دققنا النظر قليلاً لوجدنا أن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك لعدة أسباب:  

1- إشكالية العلمانيتين، أي شيوع تعريف العلمانية بأنها فصل الدين عن الدولة. وهو ما سطّح القضية تماماً وقلص نطاقها.  

2- تصور أن العلمانية مجموعة أفكار وممارسات واضحة، الأمر الذي أدى إلى إهمال عمليات العلمنة الكامنة والبنيوية.  

3- تصور العلمانية باعتبارها فكرة ثابتة لا متتالية آخذة في التحقق، فالعلمانية لها تاريخ.  

4- أخفق علم الاجتماع الغربي في تطوير نموذج مركب وشامل للعلمانية، الأمر الذي أدى إلى تعدد المصطلحات والافتقار إلى وضوح الرؤيا.. ويخلص الدكتور المسيري إلى أنه « توجد علمانيتان لا علمانية واحدة: الأولى جزئية، ونعني بها العلمانية باعتبارها فصل الدين عن الدولة وحسب، والثانية شاملة، ولا تعني فصل الدين عن الدولة وحسب، وإنما فصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية لا عن الدولة فحسب، وإنما عن الطبيعة وعن حياة الإنسان في جانبيها العام والخاص، بحيث تنزع القداسة عن العالم، ويتحول إلى مادة استعمالية، يمكن توظيفها لصالح الأقوى » (المصدر السابق، ج‏1، ص ‏15، 16).  

ولأن العلمانية معنى ملتبس، وإلى أن يثبت صدور نصوص تثبت تراجع جماعة « العدالة والتنمية » عن الخط الفكري العام للحركة الإسلامية، في اعتقادها في شمول الإسلام لكل ما هو تصور وقيمة وسلوك فردي أو جماعي، مما هو متناقض حتى مع أكثر معاني العلمانية شيوعاً، الذي هو تحرير السياسة: أي المجال العام من نفوذ الدين، يبقى الموقف العلمي في الحكم على أيديولوجية آخر تشكلات الحركة الإسلامية التركية « حزب العدالة » هو مبدأ الاستصحاب، وتفسير ما يصدر عنهم من كلمات عامة، بما عرفوا به من مرونة وواقعية، من أجل تجنب الصدام مع السياج الحديدي، الذي يحيط بالحياة السياسية التركية، ويفرض عليها قيوداً صارمة، يجعلها أبداً مهددة بسيف ديمقليدس، الذي طالما نزل على رؤوس الإسلاميين، رغم مرونتهم، الأمر الذي جعل مجرد التلفظ بالإسلام نفسه جريمة في الحياة السياسية، الأمر الذي يفرض استخدام مصطلحات بديلة مثل النظام الملي أو العدالة.  

ولا شك أن إسلاميي حزب العدالة، وهم يمارسون السياسة، ضمن هذا السياج الضيق الخانق، قد تعلموا من تجربتهم الكثير، وراكموا التجارب، فغدوا أكثر حذراً واقتداراً على تجنب وقوع ذلك السيف على رؤوسهم. إن التفسير بضرورات التلاؤم مع ذلك الإطار هو الأولى في حمل بعض شعاراتهم المبهمة، من إطلاق دعاوى لا سند لها من فكرهم. وليس الإسلاميون الأتراك هم وحدهم من فرض عليهم صياغة أيديولوجيتهم بما يتواءم مع السياج المفروض عليهم، بل إن جملة التيار الإسلامي في العالم ولا سيما في البلاد، التي منيت بتحديث فوقي صارم، مثل تونس والجزائر ومصر، قد اضطرت للإقدام على نوع من تلك المواءمة، فقد تخلى الكثير منهم عن مسمى الإسلام في الراية التي يرفعونها مثلاً للانسجام مع قانون الأحزاب، مع أن لا أحد قد صرح بأنه قد تنازل عن شي‏ء من إسلامه.  

ليس في ما صدر عن جماعة العدالة والتنمية من بعض تصريحات متشابهة ما يحمل على الظن أن الأمر يتعلق بتحولات فكرية، وليس بمجرد خطط عملية تتصل بفقه الواقع، فقه تنزيل المبادئ في زمان ومكان محددين، بما يقتضيه ذلك من تدرج، وترتيب الأولويات، ورعاية الظروف، على اعتبار أن القران نزل منجماً، وكذا طبق، وكذا شأنه إذا أريد تطبيقه مجدداً؟  

ففي موضوع الحجاب، على سبيل المثال، وهو ساحة ساخنة جداً، ونموذج لضيق أفق وتعصب ودكتاتورية العلمنة التركية ونسختها المشوهة التونسية، مما كان سبباً في تعكير الحياة السياسية وتأزيمها، سياسة جديدة للإسلاميين على هذا الصعيد، لم تمس قط مجال الاعتقاد والتصور، ولا مجال الالتزام الشخصي، فكل ذلك على ما هو عليه، لا صوت فيهم ارتفع مشككاً في شرعية الحجاب، ولا قدم في مستواه الشخصي تنازلاً عنه، حتى عندما شكل ذلك استفزازاً لرئيس الدولة، إذ ذهب إلى توديعه رئيس البرلمان عن حزب العدالة في صحبة زوجته المحجبة، كما هو شأن زوجات وبنات زعماء الحزب، خلافاً لمن تحالف معهم، مما بعث برسالة واضحة مزدوجة: الإسلاميون متمسكون بدينهم، لكنهم لا يفرضون ذلك على الآخرين، وسيعملون ولو بتدرج على منع الآخرين من إدمان فعل ذلك، إلا أنهم ليسوا متعجلين، ولا يرونه أولوية، تستحق خوض المعارك من أجلها، إذ العبرة ليست بالعناوين على أهميتها بل بالمضامين، وما قيمة سلوك معين: صلاة أو حجاب يفرض بالقوة، في دين قد جعل القيمة الدينية الأولى لكل عمل ليس شكله وإنما باعثه « إنما الأعمال بالنيات ».  

ولو أننا تأملنا في جملة ما أعلنه حتى الآن حزب العدالة والتنمية من سياسات، لوجدناه امتداداً متطوراً لتراث الحركة الإسلامية التركية، مع مرونة أكبر في التنزيل، وحرص أكبر على ترتيب الأوليات بطريقة عقلانية ذكية: فقد تطور خطاب أربكان ذاته بأثر تراكم التجربة وضغوط الواقع وتواؤما مع السياج الحديدي المكون من ثلاث أثافي: الغرفة التجارية المكونة من كبار رجال الأعمال، وهي تحت سيطرة الدونمة، وكبريات الصحف، وهي على صلة وثيقة بهم، وثالثة الأثافي قيادة الجيش، وهي على صلة أيضاً بالركنين السابقين، فهؤلاء هم الماسكون بخيوط اللعبة، ولهم هيمنة على المحكمة العليا. وهم المحددون للفلك الذي تتحرك فيه السياسة: البرلمان والحكومة والأحزاب. هذا فضلاً عن السياج الخارجي، الذي يشد تركيا إلى أوربا، وإلى الحلف الأطلسي، وإلى المؤسسات الرأسمالية الدولية.  

إن أربكان بدأ مسيرته الإسلامية ممتلئاً بالمثل الإسلامية المعروفة في معارضة مشروع أتاتورك القائم على قطع تركيا نهائياً عن جذورها الإسلامية، وعن امتدادها العربي الإسلامي، ودمجها في أوربا، فكان همه الأعظم استعادة تركيا إلى العالم الإسلامي، والتصدي بالوسائل القانونية لذلك المشروع، ولعضويتها في الحلف الأطلسي، وللنظام الرأسمالي، وللصهيونية. وكانت القدس محور خطابه الأساسي، ولكن ممارسته خلال ثلث قرن للسياسة فرضت عليه أن يدرك مدى صلابة تلك الأسيجة، وشراسة حراسها، فعدّل من خطابه ومن إستراتيجيته على نحو فرض عليه الاعتراف بتلك الأسيجة، ومنها العلاقة مع إسرائيل، والتعامل معها، على أمل ترسيخ وتوسيع القاعدة الشعبية لمشروعه.  

ومع كل ما طوّر من خطابه في اتجاه الواقعية، فقد كان صعباً على حراس المعبد في الداخل والخارج أن يقبلوا بشخصيته الكاريزمية، سيما أنه قد تحرك أحياناً في المناطق المحظورة، إذ سارع إلى الدفع إلى بعث كيان إسلامي اقتصادي دولي، من شأنه أن ينشط ذاكرة يراد لها أن تموت. فأطاحوا به دون أن ترف لهم عين.. حاول أن يقود السفينة من وراء ستار، ولكن ما أمكن ذلك، وسارت الأمور على غير ما أراد الزعيم من خليفة له.  

وتمكن أردوغان وغول من خلال ما يتمتعان به من مكانة في التنظيم، وزعامة شعبية وخبرة في التكتيك، ولا سيما الأول من قيادة التيار الأكبر في الحركة إلى صفهما. لم يفعلا من جهة الأيديولوجيا إلا أن صبّا نفس الرحيق في قوارير أكثر جمالية وجاذبية، وانتهجا نهجاً أكثر واقعية، دون تقديم تنازلات أيديولوجية، غير التي عهدت عن جملة التيار.  

لقد تحدثوا عن أن مشروعهم يهدف من الناحية الثقافية إلى مصالحة بين العلمانية والإسلام، وبين الديمقراطية والإسلام، وأنهم حزب محافظ مسلم على غرار الأحزاب المسيحية الأوربية. وليس في ذلك جديد على خطاب أربكان، الذي تؤكد جماعته أن خطاب جماعة العدالة والتنمية ليس هو الذي أوصلهم إلى اكتساح الساحة، وإنما تفاهمهم مع الباب العالي بكل أثافيه الداخلية، مؤسسة رجال الأعمال والصحافة والجيش والأمريكان وإسرائيل… « ذلك التفاهم هو الذي جعل قوة الإعلام تعمل ليل نهار لتلميعهم، وتصوير أن ليس في تركيا سوى حزبين يمين محافظ هو حزب العدالة والتنمية ويسار هو حزب الشعب، وهو ما أفضى إلى تهميش الباقي ».  

وعلى فرض أن هذا التفسير يحمل بعض دلالات الصدق، فهو يبالغ في احتقار وعي الشعب، وتصويره على أنه مجرد ألعوبة في يد الإعلام. ويهمل من خلال ذلك خبرة هذا الفريق الشاب وما كسبه من زعامة ونجاحات وخبرة، خلال إدارته الفذة للبلديات الكبرى والصغرى، وذلك مقابل ضعف الزعامة في الفريق الآخر، الذي عوّض دور مؤسس الحركة. لقد عبرت القاعدة الإسلامية، من خلال ميلها إلى الفريق الشاب وزعامته المتوقدة، عن رغبة في تغيير الوجوه والخطاب، كما عبرت قطاعات أخرى من الشعب قد عن نفض يدها من زعامات تاريخية أنهكها الزمن شيخوخة، وفتّ الفساد في عضدها… عبرت هي الأخرى عن رغبة في التغيير، وأمل في الشباب، وخروج من طور التفتت والتمزق، والانشغال بترقيع حكومة، وسقوط أخرى. فوضعت ثقلها مع فريق شاب منسجم جربته فنجح في مد المياه إلى كل حي، وتسريح المجاري، وتنظيف الشوارع، وإعانة المساكين والشباب.  

يمكن اعتبار ما حدث في تركيا ثورة بيضاء ضد منتظم سياسي ميت أصلاً، فجاءت صناديق الاقتراع لتعلن عن دفنه. إنه من الناحية الرمزية إعلان كذلك عن إفلاس مشروع علمنة تركيا وتغريبها، وبداية النهاية لذلك المشروع. وهو من ناحية ثالثة انتصار للديمقراطية لا للعلمانية، وتعبير عن إصرار الشعب التركي على أن يدخل أوربا مسلماً، بقيادة إسلامية قوية شابة، مدعومة بقوة من شعبها، متصالحة مع تاريخها ومع محيطها العربي والإسلامي. ويمثل اختيار عبد الله غول عندما كان يتولى رئاسة الحكومة البلاد العربية المنطقة الأولى لزيارته، إلى جانب لقائه مع الأمين العام للجامعة العربية، وتقديمه طلباً لعضوية مراقب في الجامعة العربية، رموزاً مفعمة بالدلالات على حرص إسلاميي تركيا كإسلاميي كل العالم الإسلامي، وليس علمانييهم، على اعتبار العرب عمقهم وسندهم، لا سيما وقد عاش الترك والعرب كياناً واحداً حوالي أربعة قرون.  

قد يعتبر البعض وهو على حق، أن فوز الإسلاميين الباهر هو انتصار لمصالحة بين العلمانية والإسلام. ولقد حدث مثل ذلك مرات في تركيا بين إسلامييها وعلمانييها اليساريين والمحافظين، إذ جمعهم برنامج سياسي واحد، وحكومة واحدة، كما أنه حصل على الصعيد العربي والإسلامي العام تصالح بين العلمانية والإسلام، بما تأسس على أساس ذلك من مؤسسة مهمة جداً، هي المؤتمر القومي الإسلامي، وما تفرع عنه من فعاليات ميدانية بين أنصار التيارين، إن على الصعيد السياسي، ضمن تجمع الأحزاب العربية، أو ضمن مسيرات التضامن، نصرة لقضايا الأمة الكبرى في فلسطين والعراق، أو على صعيد معارضات محلية، كما هو حاصل في اليمن بين التيار الإصلاحي والاشتراكي والناصري، والذي إنما جاء اغتيال الزعيم جار الله عمر لإفساده لما يمثله من خطر، أو على صعيد المجتمع المدني، بما حصل على صعيد النقابات العمالية والمهنية من تعاون وتحالف بين التيار الإسلامي، وبين تيارات علمانية دفاعاً عن الحريات وحقوق العمال وتصدياً للدكتاتورية.  

غير أن الجدير بالتنبيه إليه هنا أن هذا التعاون أو التحالف بين التيارين إنما تم بين قوى الاعتدال فيهما. أما قوى التطرف والاستئصال في التيارين فلا زالا ينظرّان للقطيعة، ويؤصلان العداوة، لدرجة الإقدام على التحالف مع أنظمة بوليسية فاسدة، ووضع الخبرات التنظيمية والسياسية والبعد الدولي تحت تصرفها، كما حصل في تونس من طرف تيارات يسارية انتهازية، بعضها قد أقلع دون أن يتخلى نهائياً عن تراثه الاستئصالي، ولا اعتذر عن خدماته، التي قدمها للدكتاتورية، وبعضها لا يزال مستمرئاً تقديم خبراته وقدراته لأنظمة سلخ أعز سني شبابه في سجونها ومقاومتها، احتجاجاً على ارتباطاتها بالإمبريالية، مع أن تلك الارتباطات كانت شعرات بينما هي اليوم حبال غليظة.  

والحقيقة أن ما حصل في تركيا ليس تصالحاً بين العلمانية والإسلام، إذ قد تعاونت منذ السبعينيات مختلف أحزاب الاعتدال العلماني مع الاعتدال الإسلامي، إذ المعركة في عمقها وليس في مظاهرها ليست بين علمانية وإسلام، وإذا كان هنا من معركة فبين المتطرفين الاستئصاليين على الجهتين، وإذا كان من كسب يمكن أن يكون قد تعزز على هذا الصعيد، فهو ترجيح كفة الاعتدال العلماني على التطرف العلماني، وإنما المعركة في عمقها، إنما هي بين الباب العالي بجملة أثافيه المتحالفة: مؤسسة رجال المال، والإعلام وقيادة الجيش، مع غطاء الرأسمالية الدولية والصهيونية العالمية، من جهة، والشعب التركي بعلمانييه وإسلامييه من الجهة الأخرى.  

لماذا بدا حرص جماعة العدالة والتنمية على دمج تركيا في الكيان الأوربي على هذه الدرجة من الإصرار والحرص والغرابة، مما لا يتساوق مع الاتجاه العام للإسلاميين في حرصهم على التميز عن الغرب والاستقلال عنه، وهو ما بدأت به تجربتهم نفسها حتى التسعينيات؟  

لا يبعد أن يكون مرد هذه الدرجة من الإصرار والحرص وثيق الاتصال بمعركة الديمقراطية التركية مع السياج، الذي يخنقها، ويفرض عليها اللعب داخل مربع ضيق حدده الباب العالي. إنه سعي للتمرد على ذلك السياج، والتخلص من هذه الوصاية على إرادة الشعب، ونوعاً من سحب البساط من تحت أقدام الجنرالات، الذين يسوغون تسلطهم على إرادة الشعب، ويشترون الصمت الأوربي على جرائم الشريك، بما يقوم به هذا الشريك من حراسة لمصالحه في مواجهة «الخطر الأصولي» الداهم، والساعي إلى استعادة «الخلافة»، وغزو أوربا مجدداً.  

إن حرص الإسلاميين على الاندماج في أوربا هو نوع من تجريد الخصم من سلاحه، وتجريد ظهيره الخارجي من أوهامه، وعرض صداقة بديلة عنه، نظيفة، ترفع الحرج عنه تجاه مجتمعه المدني الحقوقي، الذي طالما ندد بانتهاكات الشريك التركي للمعايير الأوربية للديمقراطية وحقوق الإنسان.  

إن عرض الإسلاميين بالذات لهذه الصداقة أو الشراكة، ترفع الغطاء عن المتطرفين العلمانيين والاستئصاليين، لا في تركيا وحسب، بل في عدد كبير من بلاد العالم الإسلامي، حيث تقدم أنظمة دكتاتورية فاسدة، تتمسح بالحداثة والعلمانية، ولا حظ لها من هذا ولا ذاك، تقدم نفسها للغرب، وتشتري صمته على فظائعها، باعتبارها «حارسة لمصالحه، في مواجهة الغول الإسلامي، الذي يهدد كل منجزات الحداثة»، ويبشر بالقطيعة مع الغرب، بل بالحرب عليه، في تعميم يحرص على الخلط بين المجرى العام للتيار الإسلامي، الحريص أبداً على العمل والتطور ضمن القانون، لو ترك القانون قناة للتنفس، ولو ضيقة، وبين التيارات الهامشية المتطرفة: إفرازات الدكتاتورية.  

وللحقيقة بهذا الصدد، فإن تركيا، رغم تطرف علمانية الباب العالي وفساده، لم تصل إلى حد الاختناق، وانسداد كل القنوات، ولذلك لم تعرف العنف الإسلامي، وإن عرفت العنف العلماني اليميني واليساري، وأمكن أن يتحقق تراكم للخبرة والتجربة والتطور، عبر ثلث قرن من الممارسة الإسلامية، التي وإن تعرضت تكويناتها الحزبية للحل، وتعرض نفر قليل جداً من زعمائها للسجن، فقد ظلت أمامها عموماً مساحة من الحرية مفتوحة لاستقبال حزب جديد، كلما نزل سيف ديمقليدس على سابقه.  

إن انضمام تركيا إلى أوربا وهي موحدة وراء حزب قوي، وزعيم شاب ألمعي، متصالحة مع هويتها، منفتحة ومتعاونة مع عمقها العربي والإسلامي، يمثل فرصة كبيرة لقيام ديمقراطية تركية إسلامية حقيقية، متخففة من سطوة الباب العالي لصالح تعزيز سلطة الشعب، تتمتع بقدر كبير من الاستقرار، وقد انزاح سيل الفوضى عن حزبين قويين أحدهما محافظ مدافع عن الهوية، يقابله تيار يساري يدافع عن إرث أتاتورك، وما يعتبره « قيم الحداثة ».  

كما أن نجاح هذه التجربة، بقدر ما يقدم من دعم معنوي للقوى الديمقراطية، على اختلاف مرجعياتها المعتدلة إسلامية وعلمانية، يغري بالاتباع، بقدر ما يمثل خطراً مخيفاً على قوى التطرف، على اختلاف مرجعياتها، التي اجتهد بعضها على التعتيم على التجربة، واشتراك الإسلاميين فيها، وبعضها بلغ به التطرف إلى حد إنكار إسلاميتهم، وكأن الشعب إنما اختارهم لعلمانيتهم، وكان أولى أن يختار صوراً علمانية أوضح، مثل أحزاب اليسار، التي كنس زعيمها الحاكم كنساً، وقد جعل من تعرية رؤوس الفتيات، أو حرمانهن من التعليم والشغل بطولة علمانية، وفحولة ديمقراطية، ولم يقصّر التطرف الإسلامي ممثلاً في كل ألوانه، في منافسة حليفه الموضوعي العلماني، في احتراف تكفير الديمقراطية وأربكان وأردوغان.  

إن انتصار الديمقراطية الإسلامية في دولة محورية مثل تركيا، حدث يستحق الاحتفاء من كل القوى الديمقراطية، على اختلاف مرجعياتها، اخذين بعين الاعتبار كثافة وحدة الأسيجة، التي تخنق هذه التجربة، وتحد من حريتها في التصرف، فلا نطالبها بما ليس من صلاحياتها واختصاصاتها، وإنما هو عائد إلى الباب العالي.  

إن عبقرية هذا الفريق إنما تمثلت في جملة ما تمثلت في رسم مسارب ضيقة، تجنبهم الصدام معه، يُقدر أنهم لو تمكنوا من مواصلة السير عليها سينتهون إلى توسيع تلك المسارب، التي تتحرك فيها الديمقراطية اليوم فتحاصره بالجماهير، من طريق ما تحققه من نجاحات والتفاف شعبي، سيما على صعيدين: أولهما الصعيد الاقتصادي، الذي أوصلته عجائز التطرف العلماني إلى قاع سحيق، وزجت بحوالي 12 مليونا في لجة الفقر والبطالة. وثانيا على صعيد المجتمع المدني إطلاقاً لقواه المعطلة بتدخلات العلمنة المتطرفة.  

إن إطلاق قوى ومؤسسات المجتمع المدني، ورفع وصاية الدولة عليها، وتقديم التشجيع لها، من مدارس وجمعيات ومساجد ومؤسسات خيرية ونقابات مهنية ومنظمات شبابية ونسوية، كل ذلك يمكن أن يشكل حماية لهذه التجربة، ورصيداً لتعزز قوتها واستقرارها ونموها وتأثيراتها الداخلية: ترسيخاً للعلاقة بين الإسلام والديمقراطية، ورفعاً من المستوى المعيشي للفئات المطحونة، بتجفيف ينابيع الفساد، ودعم التضامن والسلم الأهلي، وتمتين الوحدة الوطنية، بالاعتراف بحقوق الأقليات، وتعزيز سلطة المجتمع المدني، ودولة القانون، وحقوق الإنسان.، ومشاركة المرأة في كل مجالات النهوض.  

وعلى الصعيد الخارجي: دعم مسار التضامن العربي التركي، والتركي الإسلامي. والحد من حجم التعاون الإسرائيلي التركي، والتركي الأمريكي، الذي ليس للعرب أن يطالبوا بقطعه، حتى يضربوا المثل الحسن بدل المثل السيئ القائم اليوم. وبذلك تدخل تركيا أوربا إذا دخلت، وثبت أن هذه الأخيرة ليست نادياً مسيحياً، وإنما فضاء حضاري مفتوح، وهي قوية: بعد أن حقق تصالحها مع هويتها الإسلامية، وتاريخها، وتضامنها الوطني، متخلية عن الشوفينية، والعلمانية المتطرفة، وأمكن لها الحدّ من السلطان المطلق للباب العالي، ونهبه لأقوات الأكثرية.  

آمال كبار لشعب كبير، وُفق بفضل الله إلى إزاحة جيل قد استنزف، وأعطى الصولجان لجيل شاب، يتوهج ذكاء وخبرة وإيماناً، فهل سيجد التفهم والدعم من قبل كل القوى الديمقراطية الإسلامية والعلمانية على حد سواء، داخل تركيا وخارجها، سيما من قبل العرب الذين جاءهم الإسلام بتركيا صاحبة أقوى ثاني جيش في الحلف الأطلسي، والمرشحة لتتعزز قوتها… جاءتهم تدق عليهم الأبواب، طلباً للتعاون، وكانت لأمد بعيد قد حولتها العلمانية المتطرفة إلى أحد السيوف الماضية المسلطة على رقابهم.  

ابتهلوا معي إلى العزيز الرحيم أن يوفق هذا الفريق الصاعد في صفوف أمتنا إلى تحقيق آمالها فيه.

( المصدر: مجلة العصر الإلكترونية بتاريخ 1 سبتمبر 2007)

لرابط: http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&ContentId=9395


 

عندما يكفر العلمانيون الإسلاميين

الحلقة الثانية

بقلم : أم أيمن

أواصل هذه الحلقة الثانية من حديثي للسيدة الشرفي وإلى التيار العلماني المتطرف الذي تمثله هذه الأيام. إن هذه المقالات العادية جدا للسيدة الشرفي والتي أمثالها تمتلئ بها الانترنات كما قلنا في الجزء الأول، زيادة على كونها محاولة تغطية لما يعيشه هذا التيار من مصداقية منتهية لما له من تاريخ أسود ومن جماهيرية مفقودة عند الرأي العام نتيجة ضعف تصوراتهم السياسية والفكرية التي تصطدم دائما بهوية الجماهير وثقافتهم ودينهم، وأحسن مثال لذلك ما تكتبه السيدة الشرفي.

زيادة على هذا  فإن الحملة التي رافقت هذه المقالة العادية من طرف التيار  العلماني المتطرف كانت عنيفة وخطيرة فلأول مرة وهذه من خصائص اليسار العلماني التونسي، ترون رفع لافتات التكفير والارهاب الفكري من طرف هذا التيار في مقابل من يختلفوا معهم في الفكر والسياسة. فكلما أراد أحد القراء التحاور معهم ونقدهم إلا ورفعوا عليه العصا  بتهمة التكفير والارهاب حتى أن أحدا من هذا التيار العلماني طالب برفع قضية عدلية ضد أحد المحاورين وضد فكره وطالب آخر بتدخل رابطة حقوق الانسان لحماية السيدة الشرفي من أفكار أحد المخالفين لفكرها. وعلى فكرة فإن هذان الكاتبان يعيشان منفيان في الخارج ولا يستطيعان الرجوع إلى تونس. وسكتت السيدة الشرفي راضية بقمع الكلمة ومشاركة لأصحابها من اليسار العلماني في هذه الفضيحة

هذه هي سياسية القمع الفكري ومنع حرية الرأي  ورفض حرية التعبير التي أتى لنا بها التيار العلماني المتطرف اليوم وممثلة في السيدة الشرفي. هذه السياسة لتكميم الأفواه والاستبداد بالرأي لا يجب أن ننسى أنها لاتزال تتمثل في مجموعة داخل السلطة في تونس والذي قاسى منها الإسلام والإسلام السياسي الأمرين ومازال يقاسي.

فليس لك الحق أن تدافع عن الاسلام كدين وبرنامج حياة وإلا أصبحت إرهابيا لأنك إسلامي متطرف تدافع عن التزمت والتطرف

وليس لك الحق أن تدافع عن التراث الاسلامي لأنك تدافع عن الارهاب الذي يحمله

وليس لك الحق أن تناقش ما يقوله العلمانيون لأن أقوالهم علمية وتنزل من السماء

وليس لك أن تناقش تصوراتهم لأنك تناقش الفكر السليم وإلا فأنك إرهابي ترهب العلم والعلماء وأنت تكفيري لأنك تدافع عن فكر كافر ومكفر.

هذا هو السلاح الجديد الذي أخذته السيدة الشرفي وأصحابها من اليسار العلماني بعد مقال يتيم وعادي جدا. من ليس منا فهو إرهابي ومن ناقشنا فهو تكفيري. ونحن نقولها لهم بكل شجاعة وبدون خوف علينا لا تمر نحن الشعب المسكين.

وهذا الشعب يطلب منكم فقط أن تحدثنا السيدة الشرفي حول رؤيتها على ما تقاسيه المرأة المحجبة من تعسف، حدثينا يا سيدة الشرفي عن الغلاء وعن الفساد في البلاد، أم أن هذا لا يعنيك وهذا لا يهم الكبار ولك مرتب ممتاز وليس لك ان تقامري بحياتك  من أجل بعض التونسيين المقهورين وبعض النساء المظلومات ولكن الأولى التمعش والعيش بسهولة من الطعن واللمز في هذا الدين وفي رسوله العزيز فهذا أقل ضررا وأكثر نفعا لشخصك ولجماعتك ولو كان على حساب المروءة والانسانية.

وقد خابت آمالي لما رجعت إلى بعض الكتابات والتي سأعلق عليها لاحقا التي قالت عنها السيدة الشرفي أنها تحدثت فيها دفاعا عن المرأة المحجبة وعن الإسلام وقد خاب ظني أذلك تسميه دفاعا. اكتبي مقالا واحدا تؤيدي فيه المحجبات في حقهم قي التحجب ولا تخلطيه بكراهيتك للحجاب وسخريتك منهن، اكتبي مقالا واحدا عن الصحابة والخير الذي حملوه ولا تخلطيه بكراهيتك للصحابة وسخريتك منهم، اكتبي مقالا واحد عن الرسول صلى الله عليه وسلم   واختمي ذكر اسمه ولو مرة واحدة بالصلاة والسلام عليه. اكتبي مقالا واحدا تتحدثين فيه بكل وضوح عن استبداد السلطة والفساد وعما تتعرض له المعارضة من حرق لمكاتبها واعتداءات على زعمائها أم أنك لا تشاهدين قناة الحوار التونسية الرائعة.

وللحديث بقية إن شاء الله إذا لم تقدميني إلى المحكمة بدعوى التكفير أو الرأي المختلف


تذكير بنداء سبق أن وجهه السيد عبد السلام بوشداخ يوم 20 ديسمبر 1995 من باريس:

إلى دعاة ردّ الاعتبار للكلمة الطيّبة و القدوة الحسنة

‘‘ يا ايّها الذين آمنوا اتّقوا الله و قولوا قولا سديدا‘ يصلح لكم اعمالكم‘ و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما ‘‘ ( الاحزاب 70- 71 )

 

‘‘ ربّنا عليك توكّلنا و إليك أنبنا و إليك المصير ‘ ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين ‘‘

 

انّي الممضى اسفله عبد السلام بو شدّاخ احد المنتسبين للحركة الاسلامية منذ بداية السبعينات والمحاكم سنة 1981 من اجل الاانتماء الى حركة الاتجاه الاسلامى ‘ و من بلاد الغربة‘ اعلن

 

فى الوقت الذى تمّر به الحركة الااسلامية في تونس بمحنة التشريد و السجن و التعذيب حتّى الموت في بعض الاحيان بل بل تتعرّض الى ارادة الاستئصال بعد فشل الخطة الإستثنائية التي لم تنل موافقة جميع افراد الحركة اذ لم يقع استشارتهم في ذلك

 

تذكيرا بما نادينا به من تصحيح المسار منذ 28 أفريل 1992 م ‘ رغم تهميشنا و تغييبنا عن مصدر القرار طوبل السنوات الطوال‘ فكانت النتيجة التي يعرفها الجميع‘ فشلا ذريعا في التاثير في الواقع‘ ثمّ انسحابا من السّاحة نتيجة السياسة المتّبعة عوضا عن مواجهة الواقع بالحكمة والصبر و الصبر الجميل

 

ايمانا منّا بانّ حركتنا تاسّست من اجل الدعوة الى الله و التعريف بالفكر الاسلامي الذي من شانه ان يساهم في نشر الخير بين ابناء البلد الواحد الى جانب بقية الشرائح السياسية المتواجدة على الساحة التونسية قصد ايجاد مجتمع تسوده مبادئ الاخوّة و المحبة و التعاون و التسامح  المستمدّة من السيرة النبوية الشريفة و ‘‘الحكمة ضالة المؤمن التقطها انّا وجدها وهو احقّ بها‘‘

 

1-               نجدّد العهد في المضي قدما في الدّفاع عن المبادئ الاسلامية السمحة في التغيير عن طريق الكلمة الطيّبة و الكتاب و المقال الصحفي و النصح الجميل و المسيرة السلمية و غيرها من الوسائل النضالية المسالمة المتنافية مع الغنف الجسدي و المادي الذي نرفضه و نندّد به من حيث كان ماتاه

 

2-                نؤكّد من موقع مسؤول و مبدئي على تمسّكنا بالوسائل السلمية في التغيير و استبعاد أي تصرّف ما من شانه ان يتنافى مع احترام الحرمة الجسدية للمواطن مهما كانت انتماءاته السياسية او العقائدية و التي لا تخدم البلاد و لا العباد

 

3-                ندعو الجميع الى التسامح و التعاون و فضّ الخلافات و المشاكل على تنوّعها عن طريق الحوار بين الفرقاء و نشر مبادئ الاخوة والمحبة بين الجميع

 

4-               ندعو الاخوة المنتمين و المتعاطفين مع الحركة الى تمسّكهم بحقّ المواطنة الغير المنقوصة بعيدا كلّ البعد عن أي عمل اقصائي من شانه ان يدفع البعض الى الاساليب المرفوضة الا وهي اساليب اليائس التي نعتقد انّها لا تخدم بل تضرّ بالقضية الاصلية الا وهي خدمة الاسلام و البلاد

 

5-                في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به الحركة نجدّد الدعوة للاخوة المنتسبين لهذه الحركة و المؤمنين بالمبادئ السالفة الذكر بعدم الانسحاب و مواصلة التضحية و النضال و الثبات على المبادئ التي تاسّست عليها هذه الحركة المباركة و الحفاظ على وحدة الصفّ في مواجهة اولئك الذين الحركة الى ما وصلت اليه

 

6-               الدعوة الى كلّ الاخوة بالمطالبة بعزل و استبعاد كلّ المسؤولين على الوضعية التي آلت اليها الحركة من مواقع القرار

 

7-               الدعوة لعقد مؤتمر خارق للعادة للحركة للمحاسبة و تصحيح المسار بوضع خطّة مستقبلية واضحة المعالم‘ و باعتبار ان المؤتمرات التي قد تكون وقعت فهي باطلة و لا محلّ لها‘ لانّ الحركة هي في الدّاخل او لا تكون

 

8-               دعوة القيادة المؤقتة الحالية في المهجر على استبعاد الدخلاء ‘ من مواقع القرار و تنقية الصفّ‘ و الغاء التفرّغ و التاكيد على العمل التطوّعي في كلّ المستويات حتّى نتمكّن من تنقية الصفّ من الطامعين و الانتهازيين.

 

9-               دعوة القيادة الحالية الى تقديم نقد ذاتي – على مستوى المؤسّسات‘ لا على مستوى الاشخاص – و تقييم المرحلة السابقة على علّتها و الكفّ عن استبعاد و تغييب و تهميش من لهم السبق من مواقع القرار‘ و الرّجوع الى الخطّ الاصلي او ارجاع الامانة الى اهلها – في داخل البلاد لا خارجها – ضمن ضوابط لا سبيل للحياد عنها.

 

10-           الدعوة الى من يختلف مع هذا التوجّه او المسار ان يتّق الله في هذه الحركة وكفاها ما دفعت نتيجة اخطاء بعض افرادها من تشريد و سجن و تعذيب حتّى الموت احيانا لبعض المناضلين قليلي التجربة‘ وقع التغرير بهم و دفعهم في طريق مسدود نتيجة خيار غير سليم لم يقع الاجماع حوله فكانت النتيجة التي يعلمها الجميع فشل ذريع و تشريد و سجن الالآف من خيرة ابناء تونس العزيزة على الجميع ‘ و كفانا تحميل غيرنا مسؤولية ما اقترفت يدانا. و بذلك فقط يمكن للدرّ ان يعود الى معدنه و تاخذ الصحوة الاسلامية موقعها في كنف الوضوح الكامل.

 

يا ربّ انّك تعلم انّنا عملنا و نعمل لاعلاء كلمتك و نصرة دينك‘ و لا نسعى لدنيا نصيبها او لمغنم مادي نكسبه و نبحث عن السبل التي تيسّر لنا خدمة دعوتك‘ فقدّمنا الكتير من الانفس و الاموال والعيش في المنفى بعيدين عن الاهل و الاحبة‘ و تحمّلنا الكثير من الاذى‘ و صبرنا على ذلك ابتغاء مرضاتك‘ فالله يعلم انّنا لم نكن طلاّب حكم ‘ ولكن غايتنا كانت و لا زالت النصح و دعوة المسؤولين لمنهج الاسلام القويم شعارنا الكلمة الطيّبة و الموعظة الحسنة‘ في كنف الحوار السليم و المنهج المعتدل القويم‘ بعيدين كلّ البعد عن العنف و الارهاب مستنكرين مثل هذا الاسلوب المنبوذ‘

 

و ان تاريخ حركتنا يشهد اننا كنّا و لا نزال في خدمة قضايا الوطن و المواطنين و لا نريد الا الاصلاح ما استطعنا‘ في خدمة قضايا الوطن و المواطنين و العمل الدؤوب على اسعادهم و تقديم الخدمات المتنوّعة لهم في اطار ما يسمح به القانون ‘ و لم تستنكف حركتنا من وضع يدها في يد الصادقين و محبّي الخير للعباد والبلاد‘ و قد شاركنا في الانتخابات التشريعية سنة 1989 بعد موافقة الجميع على ذلك‘ ثمّ كانت بعض الانزلاقات التي لم نخترها‘ فدفعنا ضريبة الدمّ و السجن و التشريد والتجويع .

 

اما يكفينا كلّ هذا؟

 

اما آن الأوان – في الوقت الذي يتصالح الاعداء و لو بعد السنين و العقود من الصراع المتواصل وسيلان الدمّ الغزير – ان نمدّ ايدينا لبعضنا البعض ‘ حتّى نفتح صفحة جديدة ناصعة حتّى لا تخسر تونسنا العزيزة الكثير من الطاقات و الثروات البشرية التي دفع الشعب التونسي الكثير من اجل تثقيفهم و تكوينهم فجعل منهم الكوادر العالية و ذوي الشهادات الرّاقية ‘ حتّى نسّخرهم لخدمة الجميع عوضا عن تغذية روح الحقد و الضغينة نين ابناء الشعب الواحد .

 

ان الكثير من القدرات و الكفاءات الموجودة في السجن او المهجر معروفة لدى الجميع بسلوكها الحسن و سمو اخلاقها ‘ و قد ادّت خدمات جليلة في مواقعها و يشهد لهم كلّ من عاشرهم و اختلط بهم ‘ وستجدون الاجابة التي تزكّيهم ممّا الصق بهم من باطل الاتهامات نتيجة وشايات باطلة من قبل قوى الشرّ من قوى اليسار الانتهازي الحاقد الذي يريد ان يخلو له المجال ليعيث في الارض الفساد.

 

هذا هو الواقع المرير ‘ وقد دفعنا الكثير نتيجة أخطاء بعضنا البعض ‘ و في الأخير و ليس آخرا‘ ليس لنا ملجئ إلا لله نشكو ته حزننا ‘ و نقول   حسبنا الله و نعم الوكيل ‘ فهو نعم المولى و نعم النصير ‘ فهو ربّ المستضعفين وهو ربّنا‘ و ويتمثّل موقعنا ذلك من ذكرهم الله في منزّل كتابه الكريم ‘‘ الذين استجابوا لله و الرّسول من بعد ما أصابهم القرح ‘ الذين أحسنوا منهم و اتقوا اجر عظيم‘ الذين قال لهم النّاس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل ‘ فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوءا و اتّبعوا رضوان الله و الله ذو فضل  عظيم ‘‘

 

و في الختام نيس لنا الا ان نشفق ممن يمارسون الظلم من غضب الله و من دعوة المظلومين التي ليس بينها وبين الله حجاب‘ و ليعلموا ان الله اقدر عليهم فهو القوي القهّار‘و قاهر الجبّارين

 

‘‘ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط و يجرمنّكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ‘ انّ الله خبير بما تعملون‘‘ (سورة المائدة 8 )

 

‘‘ إن الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ‘‘ صدق الله العظيم

 

و السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

من بلاد الغربة ‘ باريس في 20 ديسمبر 1995

 

عبد السلام بو شدّاخ

 

تعقيبا على السيد بسام خلف ومطالبته باخلاء سبيل عبدة الشيطان في تونس

 

مرسل الكسيبي* قرأت بتمعن كبير ماكتبه السيد بسام خلف من رد على تقرير سابق لي حول موضوع عبدة الشياطين , ووددت من خلال ماأورده فيه من قياس متجني توضيح جملة من النقاط التي تحتاج الى مزيد من البيان والبسط . 1- حول موضوعة حرية الاعتقاد : لا أشك لحظة من حيث الاعتقاد في أن الاسلام نصص بوضوح على حرية المعتقد , ومن ثمة فان قوله تعالى في سورة ال عمران « لااكراه في الدين  » مسألة لاتحتاج لفظا أو لغة الى مزيد من الشرح والتفسير والبيان , ولذلك فان العلماء اتخذوا من هذه الاية الكريمة منطلقا واضحا في التنصيص على حرية الاعتقاد , بل ان شيخ الأزهر الشريف ذهب الى نسف ضجة كبيرة أقيمت حول عودة مسلم مصري سابق الى ديانته الأصلية وهي المسيحية بالتنصيص الواضح على تقديم هذه الاية القطعية على ماسواها من حوادث أو احكام فقهية تاريخانية سابقة . 2- حول عبادة الشيطان وعبدته: لقد جاء الشارع الاسلامي انطلاقا من القران الكريم والسيرة النبوية الثابتة والمطهرة ناهيا نهيا قطعيا عن عبادة الشيطان , وهو مااجتمعت عليه كل الشرائع السماوية والديانات الكبرى في مشارق الدنيا ومغاربها , ومن ثمة لم يعرف الناس بقطع النظر عن أعراقهم وأصولهم وأجناسهم وقومياتهم والقوانين التي تحكمهم استحسانا لعبادة ابليس واستعدادا للدفاع عنه أو عن عباده كما هو حاصل من خلال الروح العامة التي تنزل فيها مقال السيد بسام خلف. أما عن القوانين الوضعية وان كانت لم تجرم ظاهرة عبادة الشيطان من حيث المبدأ ايمانا منها بقيمة حرية الاعتقاد , الا أنها من حيث ماينبثق عن هذه الظاهرة من أفعال مخالفة لأمن واستقرار المجتمع وسلامة العنصر البشري فيه وقداسة حقه في الحياة الكريمة لم تترد في اصدار تشريعات تقف ضد التحريض على القتل والتشجيع على شرب الدماء الحيوانية والبشرية وترويج المخدرات واغتصاب العذراوات أو تعاطي السحر والشعوذة في شكل مخل بأمن وطمأنينة الأفراد والجماعات .  ومن هذه المنطلقات فان كل بلدان العالم تقوم بحماية مواطنيها بقوانين وتشريعات تجرم الظواهر المذكورة التي هي من صلب الطقوس الاحتفالية في مجموعات عبادة الشيطان المنتشرة في العديد من اقطار العالم . فالطقوس المذكورة والتي وثقت لها في تقريري المنشور بتاريخ 24 جوان 2007 ليست  طقوسا خاصة بعبدة الشيطان في أوروبا أو امريكا أو غيرهما من بلاد الغرب , بل انها طقوس عالمية معروفة منصوص عليها فيما يسمى بالانجيل الأسود الذي وضع من أجل توضيح معالم هذه الفرقة الدينية الشاذة والمنحرفة. واذا سبق لي أن شرحت من خلال تقريري المذكور مخاطر الأفعال التي تقوم بها هذه الجماعات ومايمكن أن تتطور له اعتقاداتها من ممارسات من خلال جرائم القتل والتمثيل بالأعضاء البشرية واغتصاب الأطفال وممارسة طقوس سحرية خطيرة تعرف بالقداس الأسود , فانني لازلت مقتنعا بأن المرتبة التي وصل اليها عباد الشيطان التونسيون من خلال تعاطيهم للقداس الأحمر , وهو خليط من طقوس تعاطي المخدرات وترويجها وذبح وشرب دماء القطط والكلاب وممارسة الجنس بطريقة جماعية شاذة ومع القصر ثم المشاركة في حفلات تحرض أغانيها في ألفاظ صريحة على القتل والحقد والكراهية على أصحاب الديانات السماوية وتدعو الى تقديس شرب الدماء والاستهانة بالكتب المقدسة والأنبياء الى غير ذلك من مسائل معروفة لدى كل الدارسين لهذه الفرقة … ان هذه المرتبة المشار اليها من خلال هذه الأفعال لكفيلة بالنسبة للمشرع والشرطة العدلية كي تعطيهما سلطة قانونية وأخلاقية وعملية من أجل حماية المجتمع التونسي من هذه الأفعال الهدامة التي من شأنها اشاعة التدمير النفسي والمادي في مجتمعنا التونسي. 3- تحية مرة أخرى لمن وضع اليد على هذه الشبكة : مرة أخرى أحيي -وفي هذا الموضوع تحديدا- العناصر الأمنية والعدلية التي قامت بضبط هذه الشبكة واحالتها على السلطات القضائية , وهو ماأظنه محل اجماع وطني الا من شذ وأبى , اذ أن التساهل مع مثل هذه الظواهر حين دخولها في مراتب المخالفات القانونية الواضحة والجرائم التي لاغبار عليها تجاه أجيالنا الصاعدة , من شأنه تمييع سلطة الدولة والقانون وتجريء المنحرفين فعلا وعملا على الجريمة . ان مطالبة السيد بسام خلف للدولة التونسية باطلاق سراح هذه العناصر في ختام مقاله المذكور من باب محاكاة مطلب مغربي سابق نسبه للمجتمع المدني من شأنه أن ينسف علوية القانون ودوره الواقي في حماية الناشئة والمجتمع , غير أنني أدعو بالحاح وهو ماذكرته في مقال سابق حول الموضوع , الى ضرورة البحث عن أدوار موازية ووقائية لابد أن يتجند لها المتخصصون في علوم التربية والنفس والاجتماع وعلوم الفقه الاسلامي وكذلك وسائل الاعلام من أجل حماية مجتمعنا من مخاطر هذه الظواهر المتسللة الى جنبات مجتمعنا من ظهراني كوكبة أو عولمة تحمل معها الغث والسمين والصحيح والعليل .  وأخيرا أتقدم بالشكر الى السيد بسام خلف على ماأبداه من روح حوارية تدعو الى المثاقفة الايجابية, وأرجو أن يكون الأمر والموضوع قد أخذ طريقه الى البيان في غير رجعة أو تعقيب وهو ماامله بعد تحريري الى هذا النص التوضيحي . حرره مرسل الكسيبي* بتاريخ 30 أغسطس 2007 *كاتب واعلامي تونسي- رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية : reporteur2005@yahoo.de
 
 
 

استراحة الأسبوع

 عبد الحميد العداسي

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

لعلّنا قبل الانقطاع عن متابعة الأدعية والأذكار التي انتخبها سيّدنا الإمام النّووي رحمه الله وبارك في خلفه، قد توقفنا عند أذكار السفر، وقد كان ذلك قبيل موسم الحجّ من السنة المنقضية. وقد وفّقني الله هذه الأيّام في التقدّم شوطا يسيرا في كتابة ما لخّصته سابقا من الكتاب، وقد رجوت بنشره تعميم الفائدة ونيل أجر التبليغ. سائلا الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.

 

كتاب أذكار الآكل والشارب:

 

باب ما يقول إذا قرّب له طعامه:

 

اللهمّ بارك لنا فيما رزقتنا وقنا عذاب النّار، باسم الله.

 

فائدة: إذا نسيت البسملة في الأوّل، فقل متى ذكرت: بسم الله أوّله وآخره.

 

فائدة: عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: « إذا دخل الرّجُلُ بيته، فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عِشاء. وإذا دخل فلم يذكر اسم الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء« . رواه مسلم.

 

فائدة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: « ما عاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طعاما قطّ، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه« . رواه البخاري.

 

توصية: قال صلّى الله عليه وسلّم موجّها عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما – وهو يومئذ غلام: « يا غلام سمّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل ممّا يليك » رواه الشيخان عن عمر بن أبي سلمة.

 

فائدة:  اشتكى أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالوا: يا رسول الله إنّا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلّكم تفترقون؟! قالوا: نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله تعالى يبارك لكم فيه. رواه أبو داود وابن ماجة.

 

باب ما يقول إذا فرغ من الطعام:

 

الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين.

 

الحمد لله حمدا كثيرا طيّبا، مباركا فيه، غير مَكفيّ (تعود على الإناء: أي غير مقلوب دلالة على عدم الاستغناء) ولا مودَّع (أي غير متروك الطلب منه والرغبة إليه)، ولا مستغنى عنه، ربّنا.

 

الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفيّ ولا مكفور.

 

الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوّغه (سهّل مدخله) وجعل له مخرجا.

 

الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منّي ولا قوّة.

 

الحمد لله الذي منّ علينا وهدانا، والذي أشبعنا وأروانا وكلّ الإحسان آتانا.

 

فائدة: عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « إذا أكل أحدُكم طعاما » وفي رواية ابن السنّي: « من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهمّ بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه، ومن سقاه الله تعالى لبنا فليقل: اللهمّ بارك لنا فيه وزدنا منه، فإنّه ليس شيء يُجزِئ من الطّعام والشراب غيرَ اللّبن« .

 

باب دعاء المدعوّ والضيف لأهل الطّعام:

 

اللهمّ بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم.

 

أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامَكم الأبرارُ، وصلّت عليكم الملائكة.

 

باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنا أو نحوهما:

 

اللهمّ أطعِم من أطعمني، واسق من سقاني.

 

اللهمّ أمتِعه بشبابه. (دعا بها صلّى الله عليه وسلّم لعمرو بن الحَمِق وقد سقاه لبنا، فمرّت عليه ثمانون سنة لم تُر شعرة بيضاء).

 

اللهمّ جمِّله. (دعا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمرو بن أخطَب وقد سقاه ماء، يقول الرّاوي: فرأيته ابن ثلاث وتسعين أسود الرّأس واللحية).

 

فائدة: عن أبي هريرة وعن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنهما، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: « مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فليُكرِم ضيفَه« . رواه الشيخان.

 

فائدة: جاء في كتاب ابن السنّي، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « أذِيبوا طعامَكم بذكر الله عزّ وجلّ والصّلاةِ، ولا تناموا عليه فتقسوَ له قلوبُكم« .

 

كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلّق بهما:

 

باب فضل السلام والأمر بإفشائه:

 

فائدة: عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنّ رجلا سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيّ الإسلام خير؟! قال: « تُطعِم الطّعامَ، وتَقرأُ السلامَ على مَن عرفت ومَن لم تعرِف« . رواه الشيخان.

 

فائدة: عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: « أمرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بسبعٍ: بعيادةِ المريضِ، واتّباعِ الجنائزِ، وتشميت العاطسِ، ونصر الضّعيفِ، وعون المظلومِ، وإفشاء السلام، وإبرار القسم ». رواه الشيخان.

 

فائدة: قال عمّرٌ رضي الله عنه: « ثلاثٌ من جمعهنّ فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسِك، وبذل السلام للعالم (جميع النّاس)، والإنفاق من الإقتار ». رواه البخاري.

 

باب في آداب ومسائل من السلام:

 

تعليمة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « يسلّم الرّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير« . رواه الشيخان.

 

وفي رواية للبخاري: « يسلّم الصغير على الكبير، والماشي على القاعِد، والقليل على الكثير« .

 

توصية: يستحبّ لمن سلّم على إنسان فلم يردّ عليه أن يقول له بعبارة لطيفة: ردّ السلام واجب، فينبغي لك أن تردّ عليّ ليسقط عنك الفرض…

 

باب الاستئذان:

 

تعليمة: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « الاستئذان ثلاث، فإن أُذِنَ لكَ وإلاّ فارجِع« . رواه الشيخان.

وفي صحيحيهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « إنّما الاستئذان من أجل البصر« .

 

قال علماؤنا: والسنّة أن يسلّم ثمّ يستأذن، فيقوم عند الباب بحيث لا ينظر إلى مَن في داخله: السلام عليكم، أأدخل؟ (فإن لم يجبه أحدٌ) كرّرها ثانيا وثالثا (فإن لم يُجبه أحد) انصرف.

 

باب في مسائل تتفرّع عن السلام:

 

فائدة: كان الصحابة رضوان الله عليهم يقبّلون يد النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

 

توجيه: وأمّا تقبيل الرجل خدّ ولده الصغير، وأخيه، وقبلة غير خدّه من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبّة القرابة، فسنّة. وسواء الولد الذكر والأنثى، وكذلك قبلته ولد صديقه وغيره من صغار الأطفال على هذا الوجه. وأمّا التقبيل بالشهوة فحرام بالاتّفاق. وسواء في ذلك الولد وغيره، بل النظر إليه بالشهوة حرام بالاتّفاق على القريب والأجنبي.

 

فصل: ولا بأس بتقبيل وجه الميّت الصالح للتّبرّك، ولا بأس بتقبيل الرّجلِ وجه صاحبه إذا قدم من السّفر. فقد دخل أبو بكر رضي الله عنه فكشف عن وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (وهو ميّت)، ثمّ أكبّ عليه فقبّله، ثمّ بكى. صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها.

وعنها قالت: « قدِم زيد بن حارثة المدينة، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يجرّ ثوبه، فاعتنقه وقبّله« . قال الترمذي: حديث حسن.

 

فصل: واعلم أنّ المصافحة سنّة مُجمع عليها عند التلاقي، وقد كان صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يفعلونها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلاّ غُفِر لهما قبل أن يتفرّقا« . رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.

وعن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « لا تَحقِرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق« .  رواه مسلم.

 

تنبيه: يُكرَهُ حَنْيُ الظهْرِ في كلّ حال لكلّ أحدٍ. عن أنس رضي الله عنه، قال: « قال رجل: يارسول الله، الرّجل منّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا،… ». رواه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي: حديث حسن.

 

فصل: استحبّ الإمام النووي إكرام الدّاخل بالقيام، إذا كان هذا الدّاخل ذا فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف، ويكون هذا الوقوف للبرّ والإكرام والاحترام لا للرّياء والإعظام.

 

يتبع بإذن الله….

 

عبدالحميد العدّاسي


في ذكرى تحويل القبلة : أي دلالات في الماضي والحاضر؟

   الحلقة الرابعة.

 
المعنى الرابع : بين الوسطية خارجيا وبين العدل داخليا تكون خيرية الأمة الشاهدة. لم يذكر الوحي الكريم ( القرآن الكريم أساسا ) صفة الوسطية بجذرها اللغوي الأصلي المكون من الحروف الثلاثة ( و س ط ) إلا في هذا الموضع من سورة البقرة بمناسبة الحديث عن تحويل القبلة ولم ينسب ذلك لأحد فردا أو جماعة في الوحي كله إلا للأمة الإسلامية الخاتمة. ولكن الذي لم يقع الإنتباه إليه كثيرا وعميقا من لدن أكثر الناس هو أن إطلاق صفة الوسطية على الأمة الخاتمة لم يأت بصيغة إنشائية إخبارية جديدة كما يقول أهل اللغة ولكن جاء علة وسببا ومقصدا وغاية ولحكمة في التشريع وهو ما دل عليه قوله سبحانه :  » وكذلك جعلناكم أمة وسطا « . معنى ذلك أن تحويل القبلة وما سيثمره من قول السفهاء من الناس وإستئناف حملاتهم الإسرائيلية المتلفعة بالنفاق حينا وبالغدر حينا آخر .. كان يقصد منه أن تكون الأمة الإسلامية الخاتمة أمة وسطا. ذلك هو مؤدى كلمة  » وكذلك « . أي من أجل ذلك الحدث وما سبقه وما سيلحق به قضت إرادة الرحمان سبحانه التي لا راد لها حكمة محكمة أن تجعل الأمة الخاتمة أمة وسطا. ذلك هو معنى أن إطلاق صفة الوسطية على الأمة لم يكن إخباريا بالصيغ المعهودة في الإخبار العربي ولا جاء إنشائيا أي أنشأ له صيغة خاصة به ولكن جاء كل ذلك تعقيبا على حدث كبير إحتفى به القرآن الكريم. وكلمة  » وكذلك  » تفيد تعيين المقصد والهدف والغاية والحكمة والسر وقد يرجع كل ذلك إلى العلة ولا مشاحة في المصطلح هنا لأننا ليس بصدد التمييز بين كل تلك الكلمات في هذا الصدد بالذات. الخلاصة الأولى هنا هي : وسطية الأمة هي مقصد من مقاصد تحويل القبلة. ولكن ما ذا يعني ذلك؟ ذلك يعني أن الأمة وسطية بين الأمم السابقة واللاحقة وبما أن الأمم سابقا ولاحقا إنما تصنعها الديانات السماوية أساسا والأرضية إلى حد كبير كذلك فإن أكبر الأمم التي تزحم الأرض غابرا وحاضرا ولاحقا هي الأمم ذات الديانات السماوية وهو ما كان و يكون متمثلا في المسلمين واليهود والنصارى ولكن المسلمين لا يقتصرون على أتباع الرسالة الخاتمة ولكن هم أتباع كل ديانة قبل ذلك بالمعنى اللغوي وهو المعنى الذي إشتقه الإسلام لأمة الختام تعميقا لمقصد الإتباع والإنقياد والطاعة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام. ذلك يعني أن الأمة الخاتمة مجعولة بمناسبة حدث تحويل القبلة أمة وسطا بين كل الأمم غابرا وحاضرا ولكن المقصود الأكبر من كل تلك الأمم هما أمتان كبيرتان ستظلان تنافسان المسلمين فوق الأرض حتى يوم القيامة وهما : اليهود والنصارى أي الأمة الإسرائيلية التي إنشقت عن إرث إبراهيم عليه السلام وفسقت عن هديه ثم إنسلخت عن هدي موسى وعيسى عليهما السلام فإنتزع الله الأمانة منها بعدما كانت ممن قال فيهم  » وفضلناكم على العالمين « . ذلك يعني أن صفة الوسطية في الأمة الخاتمة صفة خارجية موضوعية بالأساس فهي وسط بين الأمم الأخرى لتتيسر لها الشهادة عليها بعد إكتساب مقومات الشهادة من مثل العلم المؤسس للإيمان الحق الصحيح السليم الفاعل ومن مثل القوة نفسيا وماديا وعسكريا ومن مثل الوحدة التي تصون جبهتها الداخلية ومن مثل التنوع الذي يتيح الحرية فيها وبين غيرها ومن مثل إقامة الميزان دوما بين كل مزدوجين في النفس أو في الواقع وكل ذلك يفضي إلى إكتساب صفة الخيرية المطلقة لأن كل ذلك إنما هو ترجمة لشروط الخيرية التي هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله سبحانه. الخلاصة الثانية هنا هي : الوسطية نفسها لئن كانت مقصدا من مقاصد تحويل القبلة فهي وسيلة لمقصد أسنى وهو مقصد الشهادة على الناس قاطبة. دليل ذلك قوله سبحانه  » لتكونوا شهداء على الناس ». الوسطية هي إذن صفة خاصة بهذه الأمة وبكل من يتبع هداها بسبب أنها أمة مفتوحة لكل عرق وجنس ودين ولغة لا يقتضي اللحاق بصفها سوى إعلان الإيمان والقبول بالنظام الداخلي لها عبادة وخلقا وشريعة ومعاملة. الوسطية هي إذن صفة للأمة الخاتمة وهي صفة خارجية مقصود منها أن تكون الأمة وسطا بين الأمم من حولها سيما الإسرائيليين بجزئيهم اليهود والنصارى. ولكن كل ذلك إنما جعل لخدمة مقصد أسمى وأعظم وهو إكتساب مقومات الشهادة على الناس قاطبة أي أن التوسط بين الأمم في الإعتقاد والخلق والعبادة والشريعة والمعاملة في كل حقل ومجال .. هو الذي يمكن من الشهادة على الناس. وبذلك تغدو الوسطية بين الأمم خارجيا ليست مقصدا مطلوبا لذاته ولكن وسيلة لخدمة الناس قاطبة وذلك هو معنى  » كنتم خير أمة أخرجت للناس  » والتركيز منك هنا يكون على كلمة  » أخرجت للناس  » أي أن الأمة مخرجة مجعولة لخدمة الناس هداية وتوجيها وإرشادا ودعوة إلى الخير وحكما بين الناس بالحق وأداء للأمانة بينهم وليست الوسطية وسام فخر تتكبر بها الأمة على غيرها. يمكن لك أن تقول إذن بأن حدث تحويل القبلة كان الهدف الأسمى منه هو : تأهيل الأمة الخاتمة لخدمة الناس قاطبة بعدما تحررت من قبضة قريش وبغيها وهي على طريق التحرر من قبضة يهود والإسرائيليين عامة وخياناتهم وغدراتهم. وهو ما حصل بالفعل بعد خيبر مباشرة أي بعد دك آخر معقل من معاقل الإسرائيليين أي أنه عليه الصلاة والسلام توجه إلى مكاتبة الملوك والأمراء من حوله ومن حول الجزيرة العربية برسالة لا يتغير عنوانها الذي هو  » أسلم تسلم « . أسلم تسلم ليس معناها كما يفهم السذج من المسلمين في عصور الإنحطاط وآثاره المدمرة : أسلم لربك لتسلم من شري وحربي وبطشي ولكن معناها : أسلم لربك سبحانه تسلم حياتك من الظلم والوهن والضعف والحسرة والندم والخزي. ذلك أن الإسلام لم يفتح الأرض بسلاح الإرهاب والإكراه ولكن بسلاح الكلمة وهو المقصد الأسنى من الجهاد – جهاد الطلب كما يسمى قديما ـ  » حتى لا تكون فتنة « . أي حتى لا يفتن الملوك رعاياهم على دينهم فيحولوا دونهم ودون حرية إختيارهم له. لم يكن موضع الشهادة على الناس ممكنا لو ظل المسلمون يشاركون الإسرائيليين في القبلة ذاتها ولم يكن يتسنى للناس قاطبة من الرومان والفرس والعرب وغيرهم كثير أن يكونوا في موضع هداية ودعوة من الإسلام لو ظل غير متميز القبلة والصف سيما أولئك الذين خبروا منهم صلف بني إسرائيل ضدهم قبل ذلك أو أولئك الذين يستعبدون بني إسرائيل من الرومان مما يلبس الأمر عندهم فتتلبس فيهم صورة الإسلام بقبلته القديمة مع صورة الإسرائيليين الذين هم إما أهل صلف وبغي على المستضعفين كلما تحرروا أو كانوا محل صلف وبغي من الرومان بصفة خاصة. أمانة الشهادة على الناس لخدمتهم هداية ودعوة إلى الخير وإقامة للعدل بينهم والحكم بينهم بالقسط وتحريرا للقوة لتيسير ذلك .. كل ذلك يقتضي أن يكون الناس المرشحون لذلك أهل وسطية بين الأمم من حولهم وهي وسطية غير ميسورة سوى بإنفكاك القبلة الجديدة عن القبلة القديمة بعدما وعى المسلمون وغيرهم أن الأقصى لئن كان جناحا أيسر للإسلام لا يطير من دونه ولا يفرط فيه فهو لم يعد يصلح ليكون قبلة الإسلام. ذلك هو منتهى القول في الوسطية الإسلامية التي هي مقصد تحويل القبلة بنص الآية الكريمة وبصيغتها اللغوية العربية المكينة  » وكذلك « . منتهى القول فيها أنها وسطية خارجية موضوعية بين الأمم والشعوب من حولها وأن تلك الوسطية وسيلة وذريعة لمقصد أسنى هو مقصد الشهادة على الناس وهو ما فسرته آيات محكمات آخرى كثيرة تحصي شروط إكتساب تلك الشهادة من مثل القوة والعلم والإيمان والحكم بالحق والعدل وأداء الأمانة والعمارة والخلافة والعبادة وأن كل ذلك هو ما يحقق خيرية الأمة ووحدتها في الأن ذاته. وأن كل ذلك إنما جعل لخدمة البشرية قاطبة من لدن أمة الخاتمة تالية الفاتحة صباح مساء بالغدو والآصال. فهي أمة الناس قاطبة أخرجت لهم إخراجا جديدا تعيش لهم وتموت من أجلهم وتشهد عليهم في الدنيا والآخرة وليست هي أمة تعيش لنفسها وتموت لنفسها تستبد بها الأثرة. أما الحديث عن مقابل ذلك أي مقابل صفة الوسطية داخليا وهي صفة العدل الذي جاء بها حديث صحيح صريح ينظم أمر وسطية الأمة داخليا مع تغيير المصطلح من وسطية إلى عدل .. فسأتناوله بإذنه سبحانه في حلقة قادمة تالية. وإلى هناك أستودعكم من لا تضيع ودائعه ودائعه. الهادي بريك ـ ألمانيا.

السياسي المغربي عبد السلام البلاجي:

العدالة والتنمية أقرب الاحزاب لهموم ومشاغل الناس

الجميع يتطلع إلى أن تكون الإنتخابات القادمة فاتحة عهد ديمقراطي بالمغرب

 

 حاوره محمد فوراتي

 

أيام قليلة تفصلنا عن الإنتخابات البرلمانية المغربية التي تشهد منافسة حادة بين 33 حزبا سياسيا بعضها خير إقامة التحالفات من أجل الفوز بأكثر المقاعد. وهذه المحطة الإنتخابية هي الأكثر إثارة للجدل في تاريخ المغرب الحديث، و يعلق عليها البعض آمالا كبيرة في الخروج بالمغرب من عدة أزمات إقتصادية واجتماعية. وفي نفس الوقت يترقب البعض بكل حذر، ما ستسفر عنه هذه الانتخابات من تغيير محتمل للخريطة السياسية وما يمكن أن يجلبه ذلك من تنافس سياسي على أسس جديدة وبمعطيات مختلفة. كما ينظر البعض إلى توسع القاعدة الجماهيرية لحزب العدالة والتنمية على أنه سيكون من أهم العلامات التي ستميز المرحلة السياسية المقبلة.

 

الدكتور عبد السلام بلاجي أحد قياديي حزب العدالة والتنمية والوجه الفكري المعروف بالمغرب يكشف في هذا الحوار بعض الخيوط الخفية في الساحة المغربية ويتحدث عن آراء وأفكار العدالة والتنمية في بعض القضايا الجدلية.

 

والدكتور عبد السلام البلاجي ، من مؤسسي حركة التوحيد والإصلاح، وقيادي في حزب العدالة والتنمية، وأستاذ سابق للدراسات الإسلامية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، له عدة بحوث ودراسات، عضو ومسئول بالجمعية المغربية للدراسات والبحوث في ركن الزكاة التي تصدر مجلة »شؤون الزكاة »، وعضو بالجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي.

 

 

1-   لم يعد يفصلنا عن الانتخابات البرلمانية المغربية القادمة إلا أيام عديدة. فما هي توقعاتكم من هذه المحطة الانتخابية الهامة؟

 

هذه المحطة ينتظر أن تكون حاسمة في تاريخ المغرب السياسي، فهذه ثاني انتخابات تشريعية في عهد الملك الجديد محمد السادس، والجميع يتطلع إلى أن تكون منطلقا لعهد جديد يقطع الصلة مع كل أساليب التزوير والفساد والإفساد المعهودة في الاستحقاقات الانتخابية السابقة، والتي أفرزت خرائط سياسية لا تعكس الصورة الحقيقية لتطلعات الشعب المغربي، الشيء الذي أدى وقد يؤدي لا سمح الله بقطاع عريض إلى اليأس مع ما يترتب على ذلك من انعزال أو تطرف وهو ما لا يريده لا الملك ولا القوات السياسية الوطنية الحقيقية.

 

2-   هل تتوقعون تغييرا في الخريطة السياسية؟

 

إذا جرت الأمور بشكل طبيعي فإننا لا نتوقع تغييرا جذريا، ولكن يمكن توقع تجميع للمشهد السياسي بدل تمزيقه، مما يسمح بقيام حكومة قوية ومنسجمة وقادرة على وضع برنامج حقيقي وتنفيذه على أرض الواقع، فكما هو معروف يوجد بالمغرب اليوم بضع وثلاثون حزبا سياسيا لكن الأقطاب الأساسية لها يمكن حصرها في أربعة وهي: أحزاب إسلامية، أحزاب ليبرالية، أحزاب اشتراكية، أحزاب شعبية قروية. وهذه الأخيرة تكتل معظمها في ائتلاف موحد، وإذا تكتلت الأحزاب الأخرى سيسهل الأمر على المواطن والناخب، وستتجمع الخريطة السياسية بدل أن تتشتت. أما مسئولية الدولة والإدارة فتكمن في الحياد الإيجابي وتطبيق القانون بالضرب بيد من حديد على يد المتلاعبين بالإرادة الشعبية واستعمال المال الحرام في تحريف إرادة الناخبين. وعلى كل حال فالتغيير الإيجابي المتوقع والممكن يكمن فقط في تجميع الخريطة بدل بلقنتها إذا قامت كل الأطراف السياسية والحكومية بدورها كما ينبغي، وإلا أضعنا موعدا تاريخيا مرة أخرى.

 

 

3-   إذا صدقت التنبؤات واستطلاعات الرأي وحصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية في البرلمان القادم. فما هي القضايا وأهم الشعارات التي تضعونها على رأس أولوياتكم؟

 

 صرح الوزير الأول أثناء زيارة لفرنسا بأن الحكومة الحالية ستواصل عملها بعد الانتخابات المقبلة، ونشرت وزارة الداخلية استطلاعا يؤكد أن الخريطة السياسية لن تتغير، وقد قوبل التصريحان بالانتقاد الشديد على أساس أنهما تحكم مسبق وخرق للأعراف الديمقراطية، فلا حاجة للانتخابات إذن. وعلى صعيد التوقعات المستقلة فإن الجميع يتوقع أن يحصل الحزب على تقدم في النتائج ما بين مقل ومكثر، والحقيقة يعلمها الله وحده ولكننا متفائلون لثقتنا بالله ثم التحامنا بالشعب، والحزب يتوفر على برنامج وأوراق مفصلة يمكن الإطلاع عليها من خلال موقعه، وبرامجه تنتظم جميع جوانب الحياة الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولكن المهم ليس البرامج والأوراق وحدها، ولكن كذلك وبالأساس الموارد البشرية والعنصر الإنساني الذي ينفخ فيها الروح ويبعثها من مرقدها ويحولها إلى واقع حقيقي متجسد على الأرض، وهذا يتطلب توفر عنصرين أساسيين هما: الكفاءة والنزاهة، فقد تتشابه برامج الأحزاب كليا أو جزئيا، ولكن العنصر البشري هو مربط الفرس، وقد جربنا ذلك في الانتخابات التشريعية لسنة 2002 والبلدية لسنة 2003، حيث تم اختيار مرشحينا بناء على هذين العنصرين، ولذلك تميز معظم منتخبينا في الحالتين معا بعطاء جيد ومتميز على باقي أقرانهم كما ويشهد بذلك الخصوم قبل الأصدقاء. وعلى كل حال فنحن على العموم ننادي بإصلاح ثلاثي الأقطاب: الإدارة والحكامة الرشيدة، وإصلاح القضاء، وتعبئة الموارد البشرية، وترشيد الموارد المالية. ونعتبر ذلك قاطرة لكل إقلاع أو إصلاح، وهي وصفة ناجحة ومجربة عندنا وعند غيرنا.

 

 

4-   كيف ستتعاملون مع بقية الأحزاب المعارضة، وعلى أي أساس ستشكلون الحكومة ؟

 

 

إسناد رئاسة الحكومة من اختصاص الملك دستوريا، وقد أسندت رئاسة الحكومة الحالية إلى وزير لا منتمي بينما تقتضي الأعراف الدستورية والديمقراطية إسنادها للحزب الأول انتخابيا، ونأمل أن يعمل بذلك بعد الاستحقاقات المقبلة حتى نضيف حلقة جديدة وحقيقية إلى مسارنا الديمقراطي، أما تعاملنا مع الأحزاب عامة فيطبعه الاحترام المتبادل رغم اختلاف الرؤى والأيديولوجيات، رغم أن هناك بعض الأحزاب التي ما تزال تحن إلى الماضي: يوم كنا محرومين من حقنا الدستوري والطبيعي في العمل السياسي.

أما تشكيل الحكومة أو المشاركة فيها فهو أمر سابق لأوانه، فهو يخضع لعدة اعتبارات: من بينها ظروف الانتخابات ونزاهتها، ونتائجنا فيها، والأحزاب المشاركة في الحكومة، والبرامج المتفق على تنزيلها، والحقائب المعروضة على كل حزب مشارك، وقرار مؤسسات الحزب وخصوصا المجلس الوطني… وغير ذلك من قبيل توفر حد مقبول من شروط نجاح الأداء الحكومي. وبمعنى آخر فإن دخول الحكومة ليس هدفا بحد ذاته، ولكنه يقدر بدرجة وأهمية المصالح التي تعود على البلاد والعباد، ولذلك فنحن جاهزون بحول الله لخدمة بلادنا على كل الأصعدة المتاحة والممكنة: فإما مشاركة فاعلة وإما معارضة بناءة ويقظة، وبالمناسبة نرجو أن تحذو بلادنا حذو الشقيقة موريتانيا في إعطاء المعارضة مكانتها اللائقة كما هو الشأن في الديمقراطيات العريقة.

 

5-   كثيرا ما توجه سهام النقد للحركات الإسلامية على أنها لا تملك برنامجا اقتصاديا واجتماعيا كيف هو الحال عندكم في المغرب؟

 

 

هذا من لغو الكلام، ومع الأسف يردده حتى بعض المنتمين لصف الإسلام والأصالة والغيورين عليهما، وهو من مخلفات الحرب الباردة يوم كان اليسار المتطرف يقطع الطريق ويرفع العصا في وجه كل منافسيه. أما فيما يخص حزبنا فربما نكون من بين القلائل الذين يتوفرون على رؤية واضحة، وبرنامج عملي أعدته حوالي أربعين لجنة موضوعاتية تضم خبراء ومختصين، وقد أعد وفق أحدث الطرق العلمية بحيث يتضمن التشخيص والأهداف والمؤشرات وآليات التنزيل، وسيعرض للتحيين والمصادقة على المجلس الوطني للحزب قريبا. وعلى كل حال فبرامجنا منشورة ومعروفة بل تدارستها حتى بعض المؤسسات المالية الدولية والمحلية.

 

 

6-   وبالنسبة للمرأة ما هي حقوقها في تصوركم السياسي؟

 

 

 

للنساء في الإسلام مكانتهن المتميزة، ومن ثم ففي حركة التوحيد والإصلاح وفي حزب العدالة والتنمية لهن مكانة بارزة من القمة إلى القاعدة، فهن يمثلن الحزب في مجلس النواب وفي المجالس البلدية وغيرها من المؤسسات، ويشهد الخصوم قبل الأصدقاء على كفاءة ونزاهة أخواتنا المناضلات والمنتخبات والمسئولات في كل المجالات التربوية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وهذا خير جواب عملي عن هذا السؤال بدل الإسهاب النظري في الحديث عن مكانة النساء وأهمية دورهن، ونشهد في كل البلاد الإسلامية نهضة نسائية ملحوظة، وبالمناسبة فقد لفت انتباهي حضور ومشاركة النساء المتميزة في قطر مؤخرا في « ملتقى الإصلاح والديمقراطية في الوطن العربي »، وما زالت كلمات القطريات ترن في أذني ومن بينها كلمة الشيخة موزة، وأرجو لهذه المسيرة القطرية وفي كل البلاد الإسلامية مزيدا من التوفيق والعطاء.

 

7-   هل تؤمنون بتطبيق الحدود كما هي موجودة في الشريعة الإسلامية؟

 

 

الشريعة الإسلامية لا تقتصر على الحدود، ومن ينتهجون هذا النهج فإنما يفعلون ذلك عن جهل أو عن قصد، وهؤلاء الأخيرون يريدون تخويف الناس وتنفيرهم من الإسلام ومن الحركات والأحزاب الإسلامية بعدما عمت الصحوة كل العالم، وأحكام الإسلام ومبادئه ومقاصده في التشريع معروفة وواضحة: فهي عدل كلها ورحمة كلها، و كل ما خالف العدل والرحمة والمقاصد الأساسية فليس من شريعة الإسلام ولو تصوره البعض كذلك، وهذه الأحكام والمقاصد تشمل كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، والحدود لاتمثل من الشريعة والأحكام الإسلامية إلا جزء يسيرا جدا، وقد نص الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تدرأ بالشبهات، وإذا كان أغلب الفقهاء قد نصوا على الشبهات الخاصة، فإن الخليفة عمر رضي الله عنه اهتم بالشبهات العامة فأوقف تطبيق بعض الحدود في زمن المجاعة، وهذا ما انتبه إليه بعض الفقهاء النبهاء فنصوا على تعليق بعض الحدود نظرا لكثرة الشبهات في هذا الزمان، وقد يأتي على الإنسانية وليس المسلمين فقط وقت يتطلعون فيه إلى الحدود جزء أو كلا لحماية أموالهم وأعراضهم، وعلى كل حال فإن بعض البلدان التي تعتبر نفسها « ديمقراطية جدا » و »حامية لحقوق الإنسان »، تسجن وتعذب الناس أو تقتلهم في كل أنحاء العالم بدون ضمانات ولا محاكمات ولا احترام لقانون أو شريعة أو ميثاق، ومع ذلك فبعض قادتها يتحاملون على الشريعة الإسلامية التي لا تعاقب إلا من ثبت عليه الجرم وفق ضمانات بالغة الصرامة وتكاد تجعل تطبيق الحدود مستحيلا. هذا من الناحية النظرية أما بالنسبة للحزب فلا يوجد في برنامجه شيء يتعلق بالحدود.

 

 

8- عندما تحصلون على الأغلبية هل ستمنعون الربا والخمور وتفرضون الحجاب؟

 

 

 

في دول أوروبا الآن سياسات ومخططات لمنع الخمور والربا بشكل تدريجي يكاد يلامس المنهج القرآني، وقد استبشرت بعض البلدان الأوروبية التي قلصت معدل استهلاك الفرد السنوي من الخمر من 18 إلى 12 لتر، كما تعمل البنوك على تخفيض معدل الفوائد لكي تصل إلى حلم جون مينارد كينز -باني الليبرالية الجديدة- والذي يعتبر أن الاقتصاد يكون في أرقى مستوياته حينما يصبح معدل الفائدة صفرا، فهل نخجل من أحكام ومبادئ ومقاصد الشريعة إذا كان غيرنا يحلم ببعض أجزائها عن طريق الاهتداء الفطري والفكري؟ أما نحن في المغرب فنريد فقط تطبيق القوانين الذي تحظر الخمر والتعامل بالربا على المسلمين، وهي قوانين سنتها فرنسا أثناء فترة الاستعمار وكانت تحترمها، ومع الأسف فإن البعض يستهتر بها الآن. أما الحجاب فهو فضيلة تتوق إليها كل امرأة مسلمة وهو من مقتضيات الإيمان التي لا تفرض بالقوانين أو بالقوة، بل هو كغيره من الفضائل موضوع للدعاة والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس موضوعا سياسيا مدرجا في برنامجنا الانتخابي ولكننا ندافع عن حق كل امرأة انتهك حقها في التحجب.

 

 

9- العلاقة بين الغرب والتيارات الإسلامية متوترة عموما. ماهو تصوركم للعلاقة القائمة مع الغرب وخاصة أمريكا في المستقبل؟

 

 

انطلاقا من عقيدتنا وتراثنا ومرجعياتنا التربوية نؤمن بالتعايش مع كل الثقافات والديانات والشعوب، وما يشوب علاقة المسلمين اليوم من توتر مع بعض الجهات الغربية ومنها أمريكا التي يؤثر اليمين المتطرف اليوم على مجمل سياساتها ومواقفها، هو سحابة صيف عابرة وليس قدرا أبديا، ولا نظن أن الظرفيات السياسية من جانبنا أو من جانبهم هي الحاكمة لعلاقاتنا، لأن المبادئ لا ينبغي أن تخضع للظروف بل بالعكس علينا أن نعمل على تطويع الظروف للمبادئ، وهذا ما ينبغي السعي إليه من العقلاء والمعتدلين في الطرفين. أما على المستوى الميداني فلحزبنا علاقات جيدة مع البلدان الغربية ويتوفر على لجنة للعلاقات الخارجية يرأسها قيادي نشيط جدا، وقد قامت بتنظيم عدة زيارات ولقاءات لقيادات الحزب إلى مجموعة من الدول الغربية. كما قام الأخ الأمين العام بزيارة أمريكا، ولنا علاقات جيدة مع عدد من البلدان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

 

 

10- الاحزاب العلمانية العربية ومنها المغربية ترفض الدمج بين السياسة والدين، ويطالبون بمجتمع ديمقراطي يساس بقوانين وضعية، بما يعني أن الدين شأن فردي ولا دخل له في تنظيم المجتمع. ماهو رأيكم في هذه القضية؟

 

 

العالم كله عرف صحوة ثقافية ودينية منذ أكثر من ربع قرن، وليس العالم الإسلامي وحده، وبما أن المجتمعات عادت للدين بمفهومه العام أو الخاص فقد أصبح للدين تأثير على السياسة في العالم كله: في أوروبا والهند وأمريكا والعالم الإسلامي.. بل يعتبر الباحثون الموضوعيون أن تأثير الأصولية في بعض البلدان كالهند وأمريكا والكيان الصهيوني، أكثر من أي بلد إسلامي، ويكفي أن تدخل إلى المواقع الإعلامية وتطلب موضوع « الدين و السياسة »، باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية- كما فعلت أنا- لتجد ملايين الكتب والدراسات والمقالات التي كتبت حول الموضوع وخاصة باللغة الإنجليزية، لأن الأنجلوسكسون أكثر تقبلا لتأثير الدين في السياسة، فهل يحرم على المسلمين ما يحل لغيرهم؟ خصوصا وأن كثيرا من دساتير البلدان الإسلامية تنص على إسلامية الدولة أو مصدرية الشريعة الإسلامية؟ ولذا فالأحزاب التي تتمسك بالمرجعية الإسلامية منسجمة مع دساتير بلدانها وثقافة شعوبها فضلا عن المزاج العالمي العام، وعلى العكس تصبح الأحزاب الرافضة لذلك (ومن حقها أن ترفض ولكن ليس من حقها أن تفرض)، هي الخارجة عن السياق العام، ومن حق الشعوب أن تحاسبها على ذلك والفيصل في ذلك هي صناديق الاقتراع. أما احتكار الدين و تكفير المخالفين واستغلال المساجد للدعاية للحزب، فهذه أمور رفضناها من تلقاء أنفسنا دون فرض من القانون، بل حتى ترشيح الخطباء والوعاظ للاستحقاقات الانتخابية منعناه على أنفسنا رغم أنه حق دستوري وقانوني لهم.

 

11- ماهي علاقتكم بجماعة العدل والإحسان وبقية الفصائل الإسلامية الأخرى بالمغرب؟

 

 

علاقاتنا جيدة مع كل الأطراف والجماعات الإسلامية، وعلى مستوى حركة التوحيد والإصلاح هناك تنسيق وتعاون دائم مع الجماعات، وإن كانت لي شخصيا ملاحظة على جماعة العدل والإحسان، فرغم علاقتي التاريخية الجيدة مع الأستاذ عبد السلام ياسين، إلا أنني بدأت أحس من أن الجماعة أصبحت طاقة منعزلة ومعطلة لا تأثير لها في مجريات الأمور ومهماتها.

 

 

12- هل ستؤثر أعمال القاعدة والجماعات الإرهابية في المغرب على مسيرة الديمقراطية ؟

 

 

المغاربة رفضوا على مدار التاريخ كل التيارات الوافدة من الخارج، وحتى الخيرة منها، ولذلك لم يشملهم حكم الخلافة العباسية ولا العثمانية، وحتى الحركة الإسلامية لم تنضم إلى حركة الإخوان كحالة فريدة في العالم العربي، فإذا تحفظ المغاربة من الانخراط العضوي مع تيارات الخير والرحمة رغم تعاطفهم وتعاونهم معها، فكيف ينخرطون مع غيرها أو يتأثرون به أو يؤثر فيهم؟ خصوصا وأن المزاج المغربي معتدل رغم تعاطفه الكبير مع قضايا الأمة وخصوصا فلسطين. أما حالات العنف والإرهاب التي عرفها المغرب فهي معزولة اجتماعيا، ومدانة سياسيا، ومشكوك فيها وفي مصدرها ومنظميها ومموليها الذين لا يعرفهم أحد وليس لهم جماعة ولا عنوان.

  

13- ماهي رؤيتكم لمعالجة مشكلة البطالة في المغرب التي تضر بعديد الشبان وخاصة من أصحاب الشهادات العليا؟

 

مشكل البطالة جزء من المعضلة الاقتصادية العامة، وهي مرتبطة بضرورة رفع معدل النمو الاقتصادي للتمكن من استيعاب اليد العاملة والخريجين الجدد، وهذه بدورها مرتبطة بترشيد الأداء الاقتصادي ووقف هدر الموارد المتاحة، والقضاء أو على الأقل الحد من الفساد الإداري والقضائي والمالي، وهذه وغيرها هي القضايا الكلية التي تعالجها برامج الحزب، أما المؤشرات وإجراءات الإصلاح فهي عديدة وقد فاقت الثمان مائة إجراء، ويمكن للمهتمين الاتصال بقيادات الحزب للإطلاع عليها أوالمذاكرة بشأنها. وعلى كل نحن كحركة إسلامية من أقرب الاحزاب السياسية قربا لمشاغل وهموم الناس.

 

14- ما هي نوعية الإصلاحات التي تقترحونها سواء من خلال مجلس النواب أو الإعلام للوصول إلى مجتمع ديمقراطي؟

 

 

ببساطة يجب العمل على تقوية واحترام دولة المؤسسات والقانون، واحترام إرادة الشعب المعبر عنها بواسطة الانتخابات، فإذا أحس المواطنون أن صوتهم له مغزى وجدوى وتأثير ساهموا وتعبأوا وانخرطوا في عملية الإصلاح، وإذا أحسوا أن أصواتهم وإرادتهم لا وزن ولا قيمة لها وأنها عرضة للانتهاك والتزوير انصرفوا عنها وأداروا ظهرهم لها، وهذا هو سبب فشل العديد من المبادرات الإصلاحية التي تفسدها جماعات الضغط المستفيدة من بقاء واستمرار الفساد والطغيان

 

15- ماهي الإضافة التي قدمها نواب العدالة والتنمية في الفترة الماضية 2002 حتى 2007؟

 

الإضافة النوعية الوحيدة هي أنهم في معظمهم نواب حقيقيون، يقومون بواجبهم الدستوري بالمواظبة على الحضور ومراقبة الحكومة بتقديم الأسئلة الكتابية والشفوية التي تهم المواطنين، وبالمناسبة فإن نواب الحزب وعددهم 42 – من بيت 325- قدموا قرابة نصف مجموع الأسئلة، وتقديم مقترحات قانون أصلية أو تعديلية بكيفية فردية وجماعية، كما يقومون بالتواصل مع سكان دائرتهم بكيفية مؤسساتية ومنتظمة، وتقوم مؤسسات الحزب بمتابعتهم ومحاسبتهم، كما يقوم الفريق النيابي بنشر لوائح حضور أعضائه أو غيابهم بعذر أو بغير عذر في الصحافة، لكي يمكن الرأي العام من الإطلاع وتزكية من ينبغي تزكيته وعقاب من ينبغي معاقبته. وعلى المستوى المالي يساهم النواب في تمويل الحزب على اعتبار أن التعويض الذي يحصلون عليه ليس شأنا شخصيا، بل هو متأت من تزكية الحزب والناخبين، ولذا فلهم فيه نصيب: تواصلا مع الناخب وتمويلا للحزب.

 

16- كحركة إسلامية ما هو موقفكم بصراحة من قضية الصحراء الغربية؟

 

 

وحدة البلدان الإسلامية أمر مطلوب شرعا وعقلا ولذلك فنحن مع وحدة كل بلد عربي وإسلامي فما بالك ببلدنا؟ ومعلوم أن الاستعمار الأوروبي كان يخشى من وجود دولة قوية وموحدة على بعد 13 كلمتر بجنوب أوروبا، بناء على خلفية تاريخية وثقافية تستحضر فتح طارق بن زياد للأندلس وحفظ المرابطين لها من السقوط، وانتشار الإسلام في أفريقيا… وغير ذلك من الوقائع التي قام فيها المغرب بأدوار هامة، واليوم وأثناء وبعد الحرب الباردة، كانت هناك قوى تريد فصل جنوب الصحراء عن شمالها انطلاقا من السودان ووصولا إلى المغرب، وفي ما يخص المغرب فقد كانت خريطته تاريخيا أكبر مما هي عليه اليوم، لكنه قزم وقسم إلى عدة أقسام: الشمال واستعمر من إسبانيا، والوسط الغربي والجنوب الأدنى واستعمر من فرنسا، والجنوب الأقصى واقتسم بين إسبانيا وفرنسا، ولا يعلم الإخوة في الشرق العربي أن الاستقلال تم على مراحل كذلك: في 1956 استقل الوسط الغربي والجنوب الأدنى عن فرتسا، وتلاه معظم الشمال عن إسبانيا باستثناء مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين إلى الآن، ثم استقلت طرفاية عن إسبانيا سنة 1958 وهي محاذية للصحراء المغربية، ثم منطقة سيدي إيفني عن إسبانيا ستة 1970، وبقيت الصحراء الجنوبية التي تدعى الغربية ولم يكن يطالب بها أحد سوى البلد الأم المغرب، واستعادها سنة 1975 بعد حكم محكمة العدل الدولية بأنها لم تكن أرضا خلاء وأن سكانها كانوا مرتبطين بالبيعة مع سلاطين المغرب، فقام المغاربة بناء على ذلك بمسيرة سلمية فاق عدد المشاركين فيها 350000 مغربي، مما اضطر إسبانيا للانسحاب بعد توقيع اتفاق ثلاثي مع كل من المغرب وموريتانيا وسجل الاتفاق لدى الأمم المتحدة، وفي 1979 عجزت موريتانيا عن الاستمرار في تنفيذ الاتفاق فحل محلها المغرب طبقا للأعراف التعاقدية المحلية والدولية. والمغرب اليوم مع أهله وفي أرضه بالصحراء، وعلى الإخوة المسلمين والعرب والجزائريين بالخصوص أن يساعدوه لاستكمال شرعية استعادة أهله وأرضه.

 

17- كيف تنظرون إلى مشروع اتحاد المغرب العربي المجمد ؟

 

اتحاد المغرب العربي إطار وحدوي صالح لأن يكون نموذجا وحدويا ناجحا في الأمة، فهو يتضمن كل عناصر الانسجام والتوحد دينيا وجغرافيا وسياسيا واقتصاديا، ويضم سوقا اقتصادية تراوح الثمانين مليونا وهو قريب من أفريقيا وأوروبا… أما التجميد فقد جاء نتيجة لعدة عوامل أهمها ما وقع في الجزائر من إيقاف مسلسل الانتخابات سنة 1991 بعد فوز الجبهة الإسلامية فيها، وما تلا ذلك من أعمال عنف دامية. ثم تعنت بعض جماعات الضغط في الجزائر تجاه وحدة المغرب ووجوده في صحرائه، بحيث لا نعرف خصما غربيا لنا في هذا الملف سواهم فهم الوحيدون الذين يعاكسوننا، ويبدو أنهم يحنون للعهود الاستعمارية ولا يرغبون مطلقا في وحدة المغرب العربي. وهذا يعتبر خطا أحمر بالنسبة للمغاربة الذين أجمعوا على قضية الصحراء على عكس الجزائريين الذين لا يسمح لهم برأي حر في المسألة، ولذلك لا يمكن تصور بناء مغرب عربي مع مخالفة مقتضيات اتفاقية تأسيسه سنة 1989، والتي تنص على احترام وحدة الترابية لأعضائه والتي وقعها الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد وتنكرت لها جماعات الضغط المذكورة بعد الانقلاب عليه وعلى الانتخابات.

 

18- هل تؤمنون بالتدوال على السلطة، والتداول على المسؤوليات، وهل تطبقون ذلك في حزبكم؟

 

 نحن نقيم مؤتمراتنا بكيفية ديمقراطية مفتوحة أمام الرأي العام ووسائل الإعلام، وقد اعتبرتها وفود بعض الأحزاب الشقيقة التي حضرتها مبالغا فيها. ويمكنك الحضور في مناسبات مقبلة لتري كيف أن العضو يدخل للمؤتمر قياديا وقد يخرج منه عضوا عاديا. أو يدخل عضوا عاديا ويخرج قائدا. ومع ذلك فنحن لا ندعي تمام الرضا وبلوغ الكمال، ولكن يمكن أن ندعي بكل ثقة واطمئنان أن ما عندنا من ممارسة ديمقراطية ربما تكون لحد الآن أنضج وأحسن ما في الساحة العربية، ونحن نعمل باستمرار من أجل تطوير هذه التجربة التي يمكن أن تكون في نهاية المطاف رصيدا للأمة بأكملها.

 

(المصدر: « المنبر »، مدونة الصحفي محمد الفوراتي بتاريخ 2 سبتمبر 2007)

الرابط: http://fourati-mohamed.maktoobblog.com/

بتاريخ 2 سبتمبر 2007)

الرابط: http://fourati-mohamed.maktoobblog.com/

 

 

نحو تكريس فعلي لعمل نقابي دبمقراطي مستقل ومناضل    الفضاء النقابي الديمقراطي ضد التجريد صلب الإتحاد العام التونسي للشغلCONTRE_TAJRID ESPACE SYNDICAL DEMOCRATIQUE AU SEIN DE L’UGTT  
 
ضد التجريد فضاء نقابي ديمقراطي للتنسيق والتشاور وتبادل المقترحات من أجل تطوير النضال النقابي وتكريس ديمقراطية العمل النقابي واستقلاليته صلب الإتحاد العام التونسي للشغل وتفعيل التصدي للخط البيروقراطي ولعملية تجريد النقابيين المنتخبين أوفياء لشهداء الحركة النقابية والعمالية المناضلة  تحيين 1 سبتمبر 2007  عدد 5 للعريــــــضة الوطنية المساندة  للنقابيين المحالين على لجنة النظام الوطنية  بالإتحاد العام التونسي للشغل 245 إمضاءضد التجريد 4 1 سبتمبر 2007 السنة الأولى    Contre_tajrid@yahoo.fr Mail du groupe: contre_tajrid@yahoogroupes.fr Envoyer un message : contre_tajrid@yahoogroupes.fr S’inscrire : contre_tajrid-subscribe@yahoogroupes.fr Site : http://groups.google.com/group/contre_tajrid   http://fr.groups.yahoo.com/group/contre_tajrid

تحيين 1 سبتمبر2007  عدد 5 للعريــــــضة الوطنية المساندة  للنقابيين المحالين على لجنة النظام الوطنية  بالإتحاد العام التونسي للشغل 245  إمضاء

    للتسجيل والإمضاء على العريضة يرجى إرسال مراسلة إلكترونية للعنوان التالي : Contre_tajrid@yahoo.fr     مع ذكر بوضوح الإسم واللقب, القطاع, الجهة والمسؤولية النقابية إن وجدت ورقم الهاتف. نص العريضة   نحن نقابيي ومناضلي الإتحاد العام التونسي للشغل الممضين أسفله تنديدا واستنكارا واحتجاجا لما يتعرض له النقابيون وخاصة نقابيو التعليم الأساسي في شخص الكاتب العام للنقابة العامة للتعليم الأساسي محمد حليم وكاتبها العام المساعد الأخ سليم غريس ودعوتهما للمثول أمام لجنة النظام الوطنية على خلفية الأحداث التي جدت بجهة القصرين وقفصة وما نشر من مقالات صحفية متعلقة بمطالب القطاع بالتوازي مع إعداد ملفات تأديبية من طرف وزارة الإشراف إضافة لدعوة 10 نقابيين من قفصة – 9 من التعليم الأساسي منهم 5 هياكل نقابية مع الكاتب العام للفرع الجامعي الأخ نوفل معيوفة للمثول أمام لجنة النظام الوطنية بقفصة يومي 21 و23 جويلية 2007 ، نعبر عن : -1- رفضنا لكلّ هذه الإحالات على لجنة النظام. -2- تمسكنا بما ورد ضمن اللائحة الصادرة عن الهيئة الإدارية الوطنية – النقطة 5 – -3- تمسكنا بحرية التعبير والصراع الديمقراطي داخل هياكل ومؤسسات الإتحاد. -4- تمسكنا بحرية وديمقراطية واستقلالية القرار النقابي واحترام قرارات هياكله المسيرة. ونحذر من : كلّ محاولات الإنقلاب على الهياكل الشرعية وتصفية نقابيي القطاعات المناضلة بما يستجيب لتطلعات أطراف معادية للعمل النقابي. كلّ محاولات الضغط قصد التفريط في مطالب ومكاسب قطاع التعليم الأساسي وغيرها من حقوق الشغالين. نعتبر : أنّ الإنخراط في هذا الخط هو تكريسا لسياسة الأعراف والدولة. التخلي عن إسناد النقابة العامة ومختلف هياكل القطاع والمعلمين والمطالب  انحرافا عن مبادئ وثوابت الإتحاد. نطالب : المركزية النقابية بحفظ كلّ هذه الملفات التأديبية. جميع القوى والقطاعات النقابية الديمقراطية إلى تعبئة كلّ إمكانياتها من أجل التصدي لكلّ محاولات ضرب استقلالية وديمقراطية المنظمة.                                      عاش الإتحاد العام التونسي للشغل                                          ديمقراطيا مستقلا ومناضلا   الرقمالإسم واللقبالقطاعالصفة   1 زهير اللجمي الأشغال العمومية نقابي وناشط حقوقي وطني ديمقراطي 2 عبد القادر المهذبي الضمان الإجتماعي عضو النقابة العامة للضمان الإجتماعي 3 عبد الواحد حمري التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالقصرين 4 نور الدين الورتتاني التعليم العالي كاتب عام النقابة الأساسية للأساتذة الباحثين الجامعيين بنابل 5 محمد المثلوثي المالية كاتب عام النقابة الأساسية للمالية بصفاقس 6 منذر زعتور التعليم الثانوي كاتب عام مساعد النقابة الأساسية بجبنيانة 7 فتحي اللجمي البنوك كاتب عام النقابة الأساسية للبنك الفلاحي بصفاقس 8 بشير غالي البنوك كاتب عام البنك العربي الدولي بصفاقس 9 محمد قسيس التأطير والإرشاد كاتب عام الفرع الجامعي للتأطير والإرشاد بصفاقس 10 خليفة بن فجرية التأطير والإرشاد كاتب عام مساعد الفرع الجامعي للتأطير والإرشاد بصفاقس 11 زكية سويسي التأطير والإرشاد عضوة الفرع الجامعي للتأطير والإرشاد بصفاقس 12 سليم الطاهري التأطير والإرشاد عضو الفرع الجامعي للتأطير والإرشاد بصفاقس 13 عبد العزيز الغنودي التأطير والإرشاد كاتب عام النقابة الأساسية للتأطير والإرشاد ببئر علي 14 علي العمامي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 15 عبد الحكيم العقربي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 16 محمد بلعالية التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 17 محمد بن ساسي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 18 محمد الجربوعي الصحة نقابي بالصحة 19 محمد فرج المياه كاتب عام النقابة الأساسية للمياه بساقية الدائر 20 عبد الحميد بلعالية المتقاعدين نقابي متقاعد بصفاقس 21 محمد المعالج التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 22 محمد بن علي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 23 منجي الحمروني التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 24 ثابت دمق التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي وعضو الإتحاد المحلي بساقية الدائر 25 نعمان بن جمعية التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 26 عبد العزيز بوزيان التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بالعامرة صفاقس 27 فتحي الشفي اتصالات تونس نقابي باتصالات تونس بصفاقس 28 محمد القرقوري التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 29 عبد القادر القاسمي ديوان المواني نقابي بديوان المواني بصفاقس 30 محسن جراد ديوان المواني نقابي بديوان المواني بصفاقس 31 رشيد قاسم التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 32 الحبيب بوعوني التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 33 عمر قويدر التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بنفطة وعضو فرع توزر – نفطة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان 34 أيمن رزقي الصحافة صحفي بقناة الحوار التونسية 35 الناصر بن رمضان التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بسوسة الرياظ 36 نبيل الحمروني التعليم الثانوي كاتب عام مساعد النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بصفاقس الغربية 37 مجيد الكثيري التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بباجة 38 مصدق الشريف التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس وصحفي مستقل 39 قيس إسماعيل التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بساقية الدائر 40 صابر الزواري التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بساقية الدائر 41 مصطفى العقربي التعليم الأساسي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بالحنشة 42 سليم الزواري التعليم الأساسي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بساقية الزيت 43 فتحي المستيري التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 44 عبدالله بن سعد الفلاحة أستاذ جامعي باحث كاتب عام نقابة معهد المناطق القاحلة بقابس 45 محمد الهادي حمدة التعليم الأساسي نا شط نقابي وسياسي من جهة توزر 46 محمد بن حامد التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 47 نبيل الفراتي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 48 محمد المزوغي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 49 عبد المجيد بن عبد الله الشباب والطفولة كاتب عام النقابة الجهوية للشباب والطفولة بصفاقس 50 محمد المهدي بوشوشة التعليم الثانوي مندوب نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 51 عماد البكاري التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 52 رفيق المهيري التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 53 محمد العوادني التأطير والإرشاد نقابي بالتأطير والإرشاد بصفاقس 54 الحبيب الحاج طيب ديوان التطهير كاتب عام مساعد النقابة الأساسية لديوان التطهير بصفاقس 55 عبد الرؤوف بن شعبان التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 56 لطفي الهمامي مقيم بباريس 57 الطيب بوشليقة التعليم الثانوي عضو النقابة الأسية للتعليم الثانوي 58 جمال التليلي التعليم الثانوي نقابي وأمين عام سابق للإتحاد العام لطلبة تونس – التصحيح- 59 منير خير الدين التعليم الثانوي نقابي وأمين عام مساعد سلبق للإتحاد العام لطلبة تونس 60 الأمين حامدي التعليم الأساسي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بسيدي حسين تونس 61 نور الدين التوجاني التعليم الأساسي عضو النقابة الجهوية للتعليم الأساسي بتونس وكاتب عام النقابة الأساسية 62 مصطفى الجويلي التعليم العالي عضو النقابة الأساسية الأساسية للأساتذة الباحثين الجامعيين بنابل 63 لطفي الساكت التعليم العالي عضو النقابة الأساسية الأساسية للأساتذة الباحثين الجامعيين بنابل 64 بشير الفريضي التعليم العالي عضو النقابة الأساسية الأساسية للأساتذة الباحثين الجامعيين بنابل 65 محمد الحمزاوي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس وعضو الرابطة التونسية للفاع عن حقوق الإنسان فرع صفاقس الشمالية 66 فيصل العبيدي قطاع خاص نقابي وناشط حقوقي وكاتب عام سابق للنقابة الأساسية لمؤسسة حلويات التريكي بصفاقس 67 محمد برك الله التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بساقية الزيت بصفاقس 68 فتحي زربوط التعليم الأساسي معلم 69 عبد المجيد غزية التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 70 صابر بن حسن التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 71 العيادي غزيل التعليم الثانوي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الثانوي ببئر علي 72 رشيد شوشان التعليم الثانوي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالحنشة 73 محمد الحمدي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 74 رضا بن فرج التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالحنشة 75 صالح خمار التعليم الثانوي نائب نقابي بالتعليم الثانوي بالحنشة 76 الهادي العزعوزي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بالحنشة 77 الحبيب بريش التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بالحنشة 78 نور الدين شراد التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الأساسي بالحنشة 79 الهادي العزعوزي التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بالحنشة 80 رؤوف الغطاسي التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بالحنشة 81 جمال الأمين عملة التربية عضو النقابة الأساسية ل عملة التربية بالحنشة 82 منذر الصالح التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بالحنشة 83 جمال العياشي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بالحنشة 84 عبد العزيز بن سعد التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالحنشة 85 محمد نجيب جليل التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالحنشة 86 شكري عمار المياه كاتب عام النقابة الأساسية للمياه بصفاقس الجنوبية 87 محمد عمامي مناضل حقوقي نقابي سابق بالتعليم الأساسي 88 سالم بن خليفة نقابي سوسة 89 خميس العرفاوي التعليم العالي عضو نقابة أساسية جندوبة 90 مراد الموسي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بفرنانة 91 علي المالكي التعليم الثانوي كاتب عام مساعد النقابة الجهوية بباجة 92 حسين الحسناوي الصحة العمومية نقابي بالصحة العمومية بباجة 93 حسين الجميلي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بباجة 94 عماد المديني التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بباجة 95 رضا الفرشيشي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي يياجة 96 منير الحسني التعليم الثانوي كاتب عام مساعد النقابة الجهوية بباجة 97 ليلى المرزوقي التعليم الأساسي نقابية بالتعليم الأساسي بباجة 98 شاكر المسعودي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بباجة 99 محمد الخميري التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بباجة 100 ناجح القرقني التعليم الأساسي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بمعتمدية صيادة لمطة بوحجر 101 محمد القرقوري متقاعدي التعليم والتكوين كاتب عام مساعد النقابة الأساسية لمتقاعدي التعليم والتكوين بصفاقس 102 محمد البكوش التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 103 نجيب الشعيبي التعليم الأساسي عضو نقابة الأساسية للتعليم الأساسي بباجة 104 فاضل الغربي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بباجة 105 كمال المديني التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بباجة 106 عثمان بن يوسف التعليم الأساسي عضو نقابة الأساسية للتعليم الأساسي بباجة 107 لطفي الدخلي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بباجة 108 رشيد العمدوني التعليم الثانوي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بباجة 109 الطيب البلاقي التأطير والارشاد كاتب عام النقابة الأساسية للتأطير والارشاد بباجة 110 عبد القادر غام التعليم العالي عضو النقابة الأساسية الأساسية للأساتذة الباحثين الجامعيين بنابل 111 عبد القادر بوسلامة التليم العالي كاتب عام مساعد النقابة الأساسية الأساسية للأساتذة الباحثين الجامعيين بنابل 112 صالح الحمزاوي التعليم العالي متقاعد كاتب عام سابق النقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي متقاعد – تونس 113 محمد بن عمار التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بتونس 114 علي عرايسية التعليم العالي نقابي بالمعهد الأعلى للفنون الجميلة بالقيروان 115 فيصل شرادة التعليم العالي كاتب عام مساعد النقابة الأساسية للمعهد الأعلى للغات بتونس 116 نزار عمامو البريد كاتب عام مساعد للجامعة العامة للبريد والإتصالات 117 الشاذلي فارح البنوك والتأمين كاتب عام النقابة الأساسية للإتحاد الدولي للبنوك بتونس و عضو الجامعة العام للبنوك والتأمين 118 عادل غزالة الشؤون الإجتماعية كاتب عام النقابة الأساسية للإتحاد التونسي للتظامن الإجتماعي 119 جيلاني الهمامي الكاتب العام السابة للجامعة العامة للبريد 120 حمزة الفيل التعليم العالي والبحث العلمي نائب أول بنابل 121 فتحي التواتي التعليم العالي والبحث العلمي نابل 122 حفيظ المشرقي التعليم العالي نقابي بالتعليم العالي بتونس 123 عزالدين زعتور التعليم الثانوي نقابي وأمين عام الإتحاد العام لطلبة تونس 124 فوزي الترخاني التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي  ببوسالم – جندوبة 125 مصطفى شارني التـأطير والإرشاد كاتب عام النقابة الأساسية للموظفين بكلية الحقوق والعلوم الإقتصادية بتونس ومركز النشر وكاتب عام مساعد سابق لجامعة التأطير والإرشاد 126 محسن حجلاوي الشؤون الإجتماعية – التعليم العالي كاتب عام النقابة الأساسية للمعهد الأعلى للتكنولوجيات الطبية بتونس 127 فوزي الفورتي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 128 منجي الغريبي عملة التعليم العالي كاتب عام مساعد للنقابة الجهوية لعملة التعليم العالي بصفاقس 129 رفيق الحاجي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 130 سليم النصري التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 131 محمد نجيب العمامي التعليم العلي والبحث العلمي  النقابة الأساسية لكية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة 132 الكافي العرفي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بالكبارية بتونس 133  سليم الوصيف التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 134 الحبيب المشتي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 135 الحبيب لطيف التعليم الأساسي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الأساسي ببئر علي بصفاقس 136 لطيف الحسيني التعليم الثانوي نقابي بمنزل شاكر بصفاقس 137 عقبة قادري التأطير والإرشاد نقابي بالتأطير والإرشاد 138 أنور الطياري التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي الرياظ بسوسة 139 عزالدين المهذبي التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالبقالطة بالمنستير 140 منير المهذبي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بمنزل شاكر بصفاقس 141 محمد القاسمي الفلاحة عضو النقابة الأساسية بديوان الأراضي الدولية بمنزل شاكر بصفاقس 142 الناصر الحسيني التعليم الأساسي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بمنزل شاكر بصفاقس 143 عزالدين الطياري التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بمنزل شاكر بصفاقس 144 محمد العفاس التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بساقية الدائر بصفاقس 145 رضوان قديش التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بساقية الدائر بصفاقس 146 ماهر حنين التعليم الثانوي نقابي بصفاقس 147 جمال بن عطوش التعليم الأساسي نقابي بصفاقس 148 علي الزيتوني الكيمياء والنفط نقابي بصفاقس 149 نجوى بوخريص التعليم الأساسي نقابي بصفاقس 150 سالم زيان التعليم الثانوي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بجبنيانة 151 خالد الغالي التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بجبنيانة 152 منصف القابسي التعليم العالي نقابي بكلية الآداب بصفاقس 153 يوسف المؤدب التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بمنزل شاكر بصفاقس 154 محمود الشحيمي قطاع الفلاحة كاتب عام النقابة الأساسية للفلاحة بمنزل شاكر بصفاقس 155 سمير الجلاصي التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بمنزل شاكر 156 منصف بن حامد التعليم الثانوي عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بصفاقس وكاتب عام مساعد للإتحاد المحلي بساقية الدائر بصفاقس 157 بوراوي الزغيدي البنوك نقابي بقطاع البنوك بجبنيانة 158 محمد رضا محسوس التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بباجة 159 حسين غزي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بباجة 160 عبد الحق العبيدي الصحة عضو النقابة الأساسية للصحة بباجة 161 منتصر كريم التعليم الثانوي  كاتب عام النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بقبلي وكاتب عام بالنيابة للنقابة الاساسية للتعليم الثانوي بدوز الشمالية 162 الهادي عبد الحفيظ التعليم الثانوي كاتب عام النقابة الاساسية للتعليم الثانوي بدوز الجنوبية 163 سليم غريس التعليم الأساسي الكاتب العام المساعد للنقابة العامة للتعليم الأساسي 164 بسمة سلامي التعليم العالي والبحث العلمي غضوة النقابة الأساسية للتعليم العالي والبحث العلمي بجندوبة 165 وناس النجومي التعليم الثانوي عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بتونس 166 محمد البصيري المالية كاتب عام النقابة الأساسية المحاسبة العمومية بتونس 167 محمد الرضا البرهومي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بالقصرين 168 ظافر الصغير التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بتونس 169 عادل بوضيافي التشغيل نقابي بتونس 170 رشيد المقدمي الصحة نقابي بالصحة بتونس 171 سنان العزابو التعليم الثانوي عضو سابق نقابة أساسية  تعليم ثانوي بتونس 172 نور الدين الخبثاني التعليم الثانوي كاتب عام مساعد النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بالمروج ببن عروس 173 منجي عبد الله الشباب والطفولة نقابي بالشباب والطفولة بقايس 174 كمال غرسلي الوظيفة العمومية – البرلمان – نقابي بتونس 175 عادل الحاج سالم التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي وصحفي 176 كمال الدريدي المالية نقابي بالمالية بتونس 177 عزالدين البوغانمي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بتونس 178 موسى الصياح الصحة نقابي بالصحة بتونس 179 فوزي النهدي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بتونس 180 لطفي الطرابلسي البريد عضو النقابة الأساسية وعضو سابق بالجامعة العامة للبريد 181 محسن العرفاوي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بتونس 182 كمال الجلاصي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بتبرسق 183 محمد المدوري التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بتبرسق 184 محمد الحبيب بلحاج التعليم الأساسي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بالكرم تونس 185 أحمد النهدي المالية نقابي بالمالية بتونس 186 علي الفتايتي الصحة نقابي بالصحة بتونس 187 رياض الفاهم التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بنابل 188 جميل بن السويعي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بنابل 189 مراد عمارة المالية نقابي بالمالية بتونس 190 منجية الهادفي الشؤون الإجتماعية كاتبة عامة النقابة الأساسية للشؤون الإجتماعية بتونس 191 رجب مقري التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بالكاف 192 محمد الشواشي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي ببوسالم بجندوبة 193  عبد الرحمان بلعوجة التعليم الأساسي ناشط نقابي و سياسي جهة توز 194 لزهر الطاهر التعليم الثانوي ناشط نقابي جهة توزر 195 لطفي حميدة التعليم الثانوي ناشط نقابي جهة توزر 196 خالد العقبي التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الابتدائي نفطة بجهة توزر 197 لطفي حمدة التعليم الأساسي عضو النقابة الجهوية للتعليم الأساسي بتوزر 198 عمار الزّين الفلاحة عضو النقابة الأساسية للفلاحة بتوزر 199 رضا الجميلي التعليم الثانوي عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بجندوبة 200 هالة البوغانمي التعليم الأساسي نقابية بالتعليم الأساسي بتونس 201 منذر المدوري التعليم العالي والبحث العلمي عضو النقابة الأساسية للتعليم العالي والبحث العلمي بتونس 202 حسن الحاجي  التعليم الأساسي  عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بقرطاج 203 توفيق بن صوف التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بقرطاج 204 عبد الستار العكرمي التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بقرطاج 205 الصادق بن رحومة التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بالكرم تونس 206 المولدي العجلاني التعليم الأساسي كاتب عام النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بقرطاج 207 أنور بهروني التعليم الثانوي عضو النقابة الجهوية بحفوز 208 توفيق بن سوف التعليم الأساسي عضو  النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بقرطاج تونس 209 حسن الحاجي التعليم الأساسي عضو  النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بقرطاج تونس 210 شاكر الشريف التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بالكرم تونس 211 محمد بلهادي التعليم العالي عضو نقابة أساسية 212 صادق الطبيب التعليم العالي عضو نقابة أساسية 213 فتحي ربيعة اتصالات تونس نقابي جرجيس 214 مختار الوريمي التعليم الأساسي نقابي جرجيس 215 بوراوي بوعرون التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بتونس 216 سمير الرابحي التعليم الثانوي مقرر اللجنة المالية القصرين 217 نبيل حقي التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بالقصرين 218 هشام حسني التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بتونس 219 لمجد الجملي البريد ةالإتصالات كاتب عام نقابة ببن عروس 220 وسام ساسي التعليم العالي نقابي بالتعليم العالي بتونس 221 طيب بوعائشة التعليم الثانوي عضو النقابة العامة للتعليم الثانوي 222 عبد الرزاق بن سعيد التعليم الأساسي كاتب عام نقابة أساسية بتونس 223 محسن الماجري التعليم الثانوي عضو الإتحاد الجهوي للشغل بجندوبة وعضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بجندوبة 224 يس الزيادي التعليم الثانوي عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بقرنبالية 225 منتصر الدخيلي التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بالحنشة بصفاقس 226 سهام بلحاج الصحة نقابية لجنة المرأة العاملة بباجة 227 محمد اليعقوبي الصحة الكاتب العام للنقابة الأساسية للصحة بباجة 228 وصال الجعايدي التعليم الأساسي نقابية بالتعليم الأساسي بتونس 229 سعاد اينوبلي التعليم الأساسي نقابية بالتعليم الأساسي بتونس 230 الصادق القفصي التعليم الثانوي كاتب عام النقابة الأساسية بجمال وعضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بالمنستير 231 منجي عزالدين التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 232 محمد التريكي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 233 محمد القرقوري التعليم الثانوي عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بصفاقس 234 محمد بن فرح التعليم الثانوي عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بتطاوين 235 محمد فرح التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية بملولش بالمهدية 236 شكري حسني التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بمارث 237 عبد العزيز الرباعي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 238 فتحي التليلي التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 239 سيف السويسي التعليم الأساسي عضو النقابة الأساسية للتعليم الأساسي بساقية الدائر بصفاقس 240 عبد السلام بن عبد الله التعليم الثانوي عضو النقابة الأساسية للتعليم الثانوي بصفاقس الغربية 241 الحبيب بوعجيلة التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 242 محمد القلال التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بصفاقس 243 محمد الجربي المتقاعدين أستاذ نقابي متقاعد بصفاقس 244 حبيب قربع التعليم الثانوي نقابي بالتعليم الثانوي بصفاقس 245 البشير بن فرج التعليم الأساسي نقابي بالتعليم الأساسي بالعامرة بصفاقس  

 


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.