الأحد، 19 فبراير 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2099 du 19.02.2006

 archives : www.tunisnews.net


عالم تونس الجليل، الشيخ عبد الرحمان خليف، في ذمة الله الحياة: فرونتسوف: تونس تمتنع عن تسليم قطع غيار طائرات كويتية الصباح: هل ردود الفعل العربية والإسلامية حول الرسوم الكاريكاتورية مناسبة.. وكيف يُمكن لخصوم الإسلام الاستفادة منها؟ أستاذ الحضارة عبد السلام ككلي لـ «الشروق»: الرسوم المسيئة للرسول أصولها في القرون الوسطى وفروعها بين الفرجة والاستعراض سليم بوخذير : صحْ………..آفيّون ! ( 2 ) الصباح الوالي السابق الطاهر بوسمّة يدلي بشهادة تاريخية: « هذه ظروف إشرافي على ولاية الكاف… وعلاقتي بالهادي نويرة » الشروق: سلمى بكار في دار الثقافة ابن خلدون:الشذوذ ليس قضيتي… وهاجسي الدفاع عن حق المرأة في اللذّة!

أمير أوغلو: منتهى الديمقراطية محمد الحداد: الفكر المتشعّب: نهضة ثانية تنقد النهضة الأولى  صالح بشير: أميركا وقد صارات سجينة أبي غريب   أشرف عبدالقادر: لماذا جاء رامسفيلد إلى المغرب؟ ملف «الحياة»  عن الجدل الأميركي إزاء مضاعفات الانتخابات في المنطقة …

    


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

الله أكبر الله أكبر .. إنا لله وإنا إليه راجعون

 

 

عالم تونس الجليل، الشيخ عبد الرحمان خليف، في ذمة الله

  

في يوم الأحد 20 محرم الحرام 1427 هجري (الموافق لـ 20 فيفري 2006) انتقل إلى رحمة الله تعالى وغفرانه إن شاء الله العالم الجليل والمربي القدير والأب الرحيم ومرشد الأجيال والمجاهد بالكلمة والموعظة الحسنة الشيخ عبد الرحمان خليف، الإمام الأول لجامع عقبة بن نافع بالقيروان منذ ما يزيد عن نصف قرن.

 

وإذ نعلن للسادة القراء عن هذا الخبر المفجع الأليم، فإننا نتوجه إلى المولى عز وجل بعيون دامعة وقلوب صابرة محتسبة بالدعاء الخالص أن يرحم الشيخ عبد الرحمان خليف رحمة واسعة شاملة تامة وأن يوسع له في قبره وأن يجعله له روضة وضاءة من رياض الجنة وأن لا يحرمنا أجره وأن لا يفتنا بعده وأن يخلف الأمة فيه خيرا وأن يرزق أهله وأبناءه وأحفاده وتلاميذه وأحبابه وسكان القيروان والبلاد التونسية والأمة جمعاء جميل الصبر والسلوان.

  

إنا لله وإنا إليه راجعون … إنا لله وإنا إليه راجعون و لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم

 

تعريف موجز بالشيخ عبد الرحمان خليف

 

ولد الشيخ عبد الرحمان خليف في الخامس من شهر شعبان من عام 1335 هجري الموافق ل 27 ماي 1917 ميلادي. أكمل حفظ القرآن الكريم في كتاتيب القيروان عام 1931 ثم التحق بالتعليم الزيتوني سنة 1932 وأحرز من الزيتونة على الشهادات التالية:

 

شهادة الأهلية

1936

التحصيل في علم القراءات

1938

التحصيل في العلوم

1940

العالمية في القراءات

1942

العالمية في الآداب العربية

1944

نجح في مناظرة الإجازة للتدريس بالزيتونة

1944

تحول للتدريس بالفرع الزيتوني في القيروان

1952

تولى الخطابة بجامع عقبة بن نافع بالقيروان

1955

تولي إدارة الفرع الزيتوني بالقيروان

1956

انتدب لخطة متفقد للتربية الإسلامية

1968

انتدب لتدريس القراءات بالكلية الزيتونية

1977

 

– حاضر في الفقه وأصوله بالمركز الإسلامي في بروكسيل سنتي 1982 و1983 

– سمي عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى بتونس سنة 1988

– انتخب عضوا بمجلس النواب بتونس سنة 1989

– شارك في عدة ملتقيات ودورات لتدريب الأيمة والدعاة – بإشراف رابطة العالم الإسلامي – في اندونيسيا، وجزر القمر، وجزر المالديف، وكل من فرنسا وبلجيكا وهولاندا وفي ندوات إسلامية بكل من مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى.

 

مؤلفاته

 

صدر للشيخ عبد الرحمان خليف العديد من المؤلفات من بينها:

– كيف تكون خطيبا؟ طبع بالسعودية للمرة الأولى  في شهر ذي الحجة من عام 1406 ه الموافق لسبتمبر 1986.

– أين حظ الإسلام من لغة القرآن، طبع بالكويت للمرة الأولى

– ترتيب مناسك الحج، طبع بتونس

– آفاق الصيام في الإسلام، طبع بتونس

– التربية من الكتاب والسنة، بمشاركة أستاذين طبع بالعراق وقرر للتدريس بتونس في الثمانينات

– العقيدة والسلوك بمشاركة أستاذين، طبع بتونس، وقرر للتدريس بتونس.

– « مشاهد الناس عند الموت » وهو كتاب يجمع بين المئات من أقوال المحتضرين وأحوالهم، ويبين صلة تلك المشاهد المؤثرة بتعاليم الإسلام، طبع في مصر.

– « مشاهد الناس بعد الموت »، طبع بتونس

 

وكان الشيخ عبد الرحمان خليف – رحمه الله ونعمه وأحسن إليه- قد وجه في شهر أوت 2005 من على فراش المرض « رسالة إلى عقلاء أوروبا » عبر منظمة اليونسكو نعيد نشرها لأهميتها ودقتها في هذا الوقت العصيب.

 

إلــــى

 

منظـمة اليونسـكو

 

أرجو التّفضل بقبول جزيل الشّكر مع التَّــكـــرُّم بحفظ هذه القصيدة بمقدّمتها في مكتبة اليونسكو بعد ترجمتها لأكثر من لغة لـكي تتولى المنظمة توزيعها على أشهر الأوساط العلميّة والفكريّة وذلك كلون من تناغم الأخوّة الإنسانيّة في هذا العصر، بعيدا عن التّشاحن والاقتتال وتفضّلوا بقبول أعطر التّحيات وأجمل عبارات الشّكر الجزيل.

 

 

نداء من إفريقيا إلى العقلاء من شعوب أوروبا

 

يا أصحاب العقول المشرقة والحضارة الفاتنة المتنامية.

 

ما أعجب أن يسعى المرء إلى منفعة الآخرين بينما هو لا يسعى إلى أمر لازم لنفسه لزوما حتميّا، ولا ينفعه فيه أحد أبدا، وما ذلك الأمر اللاّزم لكلّ إنسان إلاّ علاقته بخالق الإنسان!

 

أيّها العقلاء من شعوب أوروبا

 

إنّ للبشر في علاقتهم بالله صورا متعدّدة، وكان على كلّ عاقل منهم أن يحذر من الخطإ في هذه العلاقة الحتميّة.

ومن هـنا كان على الإنـسان أن يهتمّ بهذا الأمر اهتمام الحريص عـلى أنفَس المكاسب، فيفــكّر بهدوء، ويتجرّد من الخلفـيّات، ويبـحث عن الحقيقة بعناية واشتياق، متوجّها من عمـيق قلـبه إلى خالق الكائنات راجيا منه أن يهديه إلى معرفة الحقيقة التي لا شبهة فيها ولا ارتياب.

وهذا من أوكد الواجبات على من يريد وقاية نفسه من خطر عظيم، ويرجو إسعادها بمعرفة الخالق  معرفة خالية من الشك والارتياب.

 

الجمهورية التونسية، القيروان في 22 رجب 1426 وفي 27 أوت 2005

 

عبد الرحمن خليف، عضو المجلس الإسلامي الأعلى بتونس

القيروان  ص.ب. 82

 

بسم الله الرحمـن الرحيم

 

نـِــدَاءٌ إلــَى شـُـعـُـوبِ أورُوبــَّـا

 

مِنْ وراءِ البَـحرِ الوَسِـيطِ أنَادِي*** يَا ذَوِي الفِكْرِ مِنْ شُعُوبِ أورُوبَّا قَدْ رُزِقْـتُمْ بَيْنَ الأُنَاسِ عُقُولاً *** يَسَّرَتْ فِي الحَيَاةِ مَا كَانَ صَعْبَا فَعَـلَوْتُمْ فَـوْقَ الأثِـيرِ وغُصْـتُمْ *** فِي عَمِـيقِ البِـحَارِ شَرْقًا وَغَرْبَا وَبَـنَيْـتُمْ حَـضَارَةً تَتَـنَامَـى **** فِي سِـبَاقٍ مَعَ الدَّقَـائِقِ وَثْـبَا فَلِـمَاذَا اهْتِـمَامُكُمْ لَـيْسَ يَـعْدُو *** إنَّــمَا هَـذِي الحَيَاةِ فِكْرًا وَقَلْبَا؟ إنَّــمَا هَـذِي الحَـيَاةُ سَبِــيل *** لِحَـيَاةٍ أخْـرَى أَجَـلَّ وَأَرْبَـى فَلْيُـفَكِّرْ كُـلُّ امْـرِئٍ قَـبْلَ أَنْ يُسْـــــحَبَ مِـنْ جِسْمِهِ التُّرَابِيُّ سَحْبَا ______________ أَنْـتَ رُوحٌ مِنْ أَمْـرِ رَبِّـكَ لاَ تَفْـــــنَى بِمَوْتٍ وَسَوْفَ تَرْحَلُ غَصْبَا كُـلُّ رُوحٍ سَيَخْـلَعُ الجِـسْمَ يَوْمًا*** مِثْلَـمَا يَخْـلَعُ المُغَـيِّرُ ثَـوْبَـا وَيُـجْزَى عَـنْ كُـلِّ فِـعْلٍ أَتَاهُ *** مِثْلَــمَا يَـبْذُرُ الـمُزَارِعُ حَـبَّا فَلِـمَاذَا لاَ تَبْحَـثُونَ وَمَـا كَــا***نَ لَدَيْـكُمْ تَـحَرُّكُ الفِـكْرِ عَيْـبَا؟ ______________ فَـكِّرُوا أَيْـنَ تَذْهَبَ الرُّوحُ بَعْدَ الْـــــمَوْتِ؟ وَالحَقُّ ذَاكَ قَدْ ظَلَّ غَيْـبَا لَـكِنِ الـرُّسْلُ كَاشَـفُونَا بِصِدْقٍ*** أَنَّ بَـعْدَ الْمَـمَاتِ بَعْـثًا وَأَوْبَـا وَالـنَّبِـيُّونَ أَخْـبَرُونَا بِـمَا أَوْ*** حَـى بِـهِ اللهُ لِلْــبَرِيَّةِ حُـبَّا لَـمْ إِنَّــمَا الله لاَ إلــهَ سِـوَاهُ وَهْوَ *** لَـمْ يَـكُنْ غَيْرُهُ لِذَا الكَوْنِ رَبَّـا وَهْوَ أَعْـلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ زَوْ *** جٌ أَوِ ابْـنٌ فَـعَزَّ قَدْرًا وَخَطْبَا لَـيْسَ للهِ وَالِــدٌ أَوْ وَلِــيدٌ *** فَهْوَ أَعْـلَى شَأْنًا وَأَعْظَمَ هَيْـبَا أَبْـدَعَ الـكَوْنَ وَحْـدَهُ بِاقْـتِدَارٍ*** قَالَ يَا كَـوْنُ كُنْ عَجِيـبًا فَلَبَّى ______________ المَـجَرَّاتُ سَابِـحَاتٍ بِـمَا تَحْـمِــــــلُ مِـنْ أَنْـجُمٍ تُـجَرَّرُ جَـذْبَا كُـلُّ نَـجْمٍ لَـهُ مَـدَارٌ مُسَـمَّى***فِيهِ يَسْـعَى وَيُـسْرِعُ السَّيْرَ نَهْبَا فِي نِـظَامٍ جَـرَى تَـحَرَّكَتِ الأَجْــــــرَامُ طَـوْعًا للهِ سِـرْبًا فَـسِرْبَا وَيَـزِيدُ اتِّـسَاعًـا الفَــلَكُ الأَعْــــــظَمُ فِي سَـيْرِهِ الحَثِـيثِ وَسَحْبَا ______________ يَـدْأَبُ الكَوْنُ فِي اتِّـسَاعٍ مَهُولٍ هَـلْ *** وَبِبُـعْدِ الفَـضَاءِ يَمْـتَدُّ دَأْبَـا تَـوَلىَّ إِبْـدَاعَهُ غَـيْرُ رَبٍّ*** قَـادِرٍ يَمْـنَحُ الحَـيَاةَ وَيَـأْبَى؟ ______________ إنَّــهُ اللهُ ذُو الجَـلاَلَــةِ وَالأَمْــــــرِ وَلَيْــسَتْ دَلاَئِـلُ اللهِ غَيْـبَا وَيَـرَى المَرْءُ كَوْكَبَ الأَرْضِ مَشْحُـــــونًا بِـمَا كَانَ لِلْخَـلاَئِقِ إِرْبَـا كُـلُّ حُـيٍّ لَـهُ مِنْ العَـْيشِ فِيهِ**مَـا يَلْـقَاهُ كُلَّــمَا رَامَ كَسْـبَا عَـشَرَاتُ المَـعَادِنِ البِـكْرِ تَنْسَــــــابُ لِخَيْرِ العِبَادِ فِي الأَرْضِ سَيْبَا سَـخَّرَ اللهُ وَافِـرَ الخَـيْرِ لِـلإنْــــــسَانِ فِي كَوْكَـبٍ تَفَـجَّرَ خِصْبَا أَفَنَعْـمَى فَـلاَ نَـرَى الحَقَّ حَـقًّا***أَمْ نُمَارِي فِي الحَقِّ جَهْلاً وَعُجْبَا؟ ______________ وَالرِّسَالاَتُ مِنْ عِنَايَةِ اللهِ جَاءَتْ *** تَـتَوَالَى وَتَنْـشُرُ الْهَدْيَ رَحْـبَا كُلَّمَا زَاغَ عَنْ هُدَى اللهِ شَعْبٌ *** نَدَبَ اللهُ دَاعِيَ الـحَقِّ نَـدْبَا فَأَتَـاهُمْ مِـنْهُ رَسُـولٌ إِلَيْـهِمْ *** دَاعِـيًا نَاصِحًا وَلَمْ يَـكُ خِـبَّا(1) ______________ حَـذَّرَا مَـنْ يَـقُولُ أنَّ مَـعَ اللَّــــــهِ إِلَـهًا وَأَعْـلَـنَا عَـنْهُ حَـرْبَا ______________ جَاءَ مُـوسَى وَبَعْدَهُ جَاءَ عِيـسَى*** دَعَـوَا لِلْـهُدَى قَبِـيلاً وَصَحْبَا أَكَّــدَ الـقَوْلَ أَنَّ لِلْـكَوْنِ رَبًّـا** وَاحِـدًا أَوْسَـعَ الخَـلاَئِقَ حُـبَّا حَـذَّرَا مَـنْ يَـقُولُ أنَّ مَـعَ اللَّــــــهِ إِلَـهًا وَأَعْـلَـنَا عَـنْهُ حَـرْبَا ______________ ثُـمَّ قَـفَّى عَلَيْـهِـمَا بِرَسُـولٍ *** جَامِعِ الفَـضْلِ أَطْهَرِ النَّاسِ ثَوْبَا هَـادِي الوَرَى مُحَـمَّدُ الخَاتم *** لِلْمُرْسَلِـينَ عَجْـمًا وَعُـرْبَا رُبَّـمَا الـمَرْءُ قَدْ يَـقُولُ لِـمَاذَا*** أَوْقَـفَ اللهُ لِلرِّسَـالاَتِ صَوْبَا؟ عَـلِمَ اللهُ أنَّ آخِـرَ مَـا يُـو*** حَى كِتَابٌ يُتْلَى وَيُحْـفَظُ غَيْـبَا وَتَـوَلَّى صِـيَانَةَ الوَحْيِ مُـذْ أَنْ*** كَانَ جِـبْرِيلُ يُنْزِلُ الوَحْيَ رَطْبَا حَـفِظَ المُؤْمِـنُونَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ *** نَـصَّهُ الحَاوِي الحَقَائِقَ غُـلْبَا(2) وَإِلَى الـيَوْمِ مَـا يَـزَالُ مَـصُونًا *** فِي صُدُورِ الشُّعُوبِ حِزْبًا فَحِزْبَا فَـمُـرَادُ اللهِ الـمُهَـيْـمِنُ بَـاقٍ***خَـالِـدٌ سَـالِـمٌ نَـقِيٌّ مُحَبَّا(3) ______________ وَهَـدَى اللهُ لِلطِّـبَاعَةِ نَـاسًـا*** ذَلَّلَتْ لِلصِّـلاَتِ مَا كَانَ صَـعْبَا أَوَ لَيْسَ الرَّحْمَـنُ قَـدْ كَانَ يَدْرِي*** أَنَّ عَـصْرَ الطِّبَاعَةِ ازْدَادَ قُرْبَا وَسَيَلْقَى الـقُرْآنُ بِالطَّـبْعِ نَـشْرًا*** مُسْـتَزَادًا يُضِيءُ شَرْقًا وَغَـرْبَا فَاسْتَـمَرَّتْ صِـيَانَةُ اللهِ لِلْـقُر*** آنِ فِـي نَصِّهِ المُـبَارَكِ عَـذْبَا ْ بَـعَدَ هَـذَا فَـهَلْ يَـقُولُ أنَـاسٌ***مَـا وَجَـدْنَا لِحَـيْرَةِ العَقْلِ طِبَّا؟ ______________ وَعَجِـيبٌ لأَهْـلِ فِـكْرٍ حَصِيفٍ*** كَـيْفَ لاَ يَـدْأَبُونَ بَـحْثًا وَنَقْبَا هَلْ مِنْ الخَـيْرِ أَنْ يَعِيشَ شُعُوبٌ*** لاَ يُعِـيرُونَ لِلْمَـصَائِـرِ لُـبَّ فِـي الْتِـهَاءٍ وَغَفْـلَةٍ وَضَـيَاعٍ*** بَيْـنَمَا الفِـكْرُ وَالـمَدَارِكُ نُهْبَى شَغَلَـتْهَا زَخَـارِفُ الـزَّيْغِ حَتَّى** *حَـقَّرَتْ حَـقَّ رَبِّهَا وَأَلْقَـتْهُ جَنْبَا ______________ كُـلُّ شَـيْءٍ مُيَـسَّرٌ لَـكُـمُ الآ***نَ فَمَا البُطْءُ يَا شُـعُوبَ أُورُوبَّا؟ قَـدْ دَعَـاكُـمْ مُحَـمَّدٌ مِثْلَ كُلِّ الْـــــخَلْقِ ثُـوبُوا إِلَى المُهَيْـمِنِ ثَـوْبَا إِنَّهُ ـ فَاعْلَمُوا ـ رَسُولٌ إِلَيْكُمْ*** فَاسْتَجِيـبُوا لآخِـرِ الرُّسْلِ قُرْبَا اقْـرَأُوا الآنَ مَـا دَعَـاكُـمْ إِلَيْه*** فِي كِـتَابٍ تَفْسِـيرُهُ لَـيْسَ صَعْبَا ______________ قَـدْ أَبَـانَتْ آيَـاتُـهُ مُعْـجِزَاتٍ*** لَمْ تَزَلْ فِي الحَيَاةِ تَكْشِفُ حُجْبَا أَفَـمَا قَـالَ رَبُّـنَـا سَـنُرِيـهِـمْ*** حُجَجَ الصِّدْقِ فِي مَجَالَيْنِ دَأْبَا فْـي مَـجَالِ الآفَاقِ ثَـمَّتَ فِي الأُنْـــــفُسِ كَيْ يُؤْمِـنُوا يَقِيـنًا وَرَغْـبَا فَـاقْـرَأُوا وَحْيَ رَبِّـكُمْ بْـهُدُوءٍ***وَعُـقُولٍ لاَ تَدْفَـعُ الحَقَّ غَضَْبى ______________ وَاحْـذَرُوا خُـدْعَةَ الدِّعَـايَـاتِ بِالبُهْــــتَانِ تَهْذِي وَتُوسِـعُ الحَـقَّ ثَلْـبَا زَيَّفُوا وَافْـتَرَوْا كَثِـيرًا عَلَى مَنْ*** أَوْسَـعَ العَالَمِـينَ هَـدْيًا وَحُـبَّا قَابَـلُوا صِـدْقَـهُ المُبِينَ بِسُـخْطٍ***وَجَـزَوْهُ عَـنِ المَـبَرَّاتِ سَـبَّا ______________ فَـكِّرُوا فَـكِّرُوا وَلاَ تَسْتَـهِيـنُوا*** قَـبْلَ أَنْ تَحْـمِلَ المَنِـيَّةُ رُعْـبَا سَوْفَ لاَ يَنْـفَعُ اعْـتِذَارٌ بِجَـهْلٍ*** عِـنْدَمَا يَرْجُفُ المُـحَاسَبُ قَلْبَا حِـينَ يَـدْعُـوهُ رَبُّـهُ يَا عُبَيْدِي*** هَلْ أَجَبْتَ الرَّسُولَ أَوْ كُنْتَ تَأْبَى؟ وَعَـلَـيْـكُمْ تَـحِـيَّةٌ وَسَــلاَمٌ***يَا ذَوِي الفِكْرِ مِنْ شُـعُوبِ أُورُوبَّا ______________ عبد الرحمن خليف عضو المجلس الإسلامي الأعلى بتونس القيروان ص.ب. 82.


بسم الله الرحمن الرحيم

جمعيّة الزّيتونة  سويسرا

 

الشيخ العلاّمة عبد الرحمان خليف في ذمّة اللّه

(إنا لله وإنّا إليه راجعون)

 

بقلوب ملؤها الإيمان بقضاء الله وقدره تنعى جمعيّة الزّيتونة الشيخ العلاّمة عبد الرحمان خليف، ولا يسعنا إلا أن نقول إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراق الفقيد المجاهد لمحزونون، ونسأل الله أن يسكنه في الجنان مع النبيين والصديقين و الشّهداء والصالحين و حسن ولائك رفيقا آمًٌَُيــــــــــــــــــن.

وعظم الله أجركم وأحسن عزاءكم وغفر لميّتكم

 

من أشهر مواقفه 

1 . في جامع عقبة بن نافع في موفى عام 1960 سمحت السلطات التونسية لفريق سينمائي أمريكي يصور شريط « سارق بغداد » من التصرف بحرية مُطلقة في صحن وأروقة ومُحيط أول مسجد بُني في شمال إفريقيا، ممثلين أجانب وخيولا (مع روث وبول وما إلى ذلك..)، نساء ورجالا بدون أدنى احترام لمقدسات المسلمين وحُرماتهم.التجاوزات التي حصلت أثارت مشاعر سكان مدينة محافظة ودفعت خطيب المسجد إلى التعبير عن امتعاضه واحتجاجه من أعلى منبر الجمعة.. لكن بورقيبة يرفض مجرد الإنتقاد ويأمر بإبعاد « المعلم البسيط » الشيخ عبد الرحمان خليف إلى قفصة.. عقابا له على تطاوله..

2 .

في حوار نشرته جريدة الصباح التونسية يوم 27-12– 2005 اعتبر وزير الشئون الدينية التونسي الحجاب « ظاهرة دخيلة » على تونس، و »نشازا » و »زيا طائفيا » و »ظاهرة غير مقبولة في تونس ».

فردّ عليه فضيلة

الشيخ عبد الرحمن خليف رغم ملازمته فراش المرض و وصف كلامه بـ »الباطل »، داعيا المسلمين للتمسك بدينهم في « عصر المناكر » الذي يعيشون فيه.

ومن فراش مرضه، وصف الشيخ عبد الرحمن خليف كلام الوزير بأنه « باطل وليس بحق ».

وقال « إن الله سبحانه يقول: {

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيما} (الأحزاب:59) فهل بعد كلام الله يصح لأحد أن ينطق بحرف!! ».

وقال: إن « الذي يقول بغير ما أشارت إليه الآية السابقة والحديث فقَدْ فقَدَ إيمانه، ولا يمكن لأحد أن يقول حرفا واحدا بعد قول الله سبحانه وقول رسوله ».

وعلق الشيخ خليف على تصريحات منجية السوائحي، لقناة « إيه إن بي » (

ANB) نهاية ديسمبر 2005 التي اعتبرت فيها « الحجاب من الموروثات الإغريقية والرومانية، وليس أمرا إسلاميا أصيلا ». كما نفت أن يكون الشرع قد حث على الحجاب واعتبرت أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه « أكبر عدو للمرأة في التاريخ ».

وتعقيبا على هذه التصريحات، دعا الشيخ خليف المسلمين إلى التمسك بدينهم، وقال: « هذا الذي يقال ما هو إلا فقاقيع ستذهب مع الرياح ».

وفضل الشيخ أن تكون إجابته شعرا من نظمه جاء فيه

عصر المناكر ألقى على العقول ستارهْ كم من أناس أصيبوا في دينهم بالخسارهْ تنافسوا في اقتباس الرذائل المستعارهْ وبالغباوة سموا كل المخازي حضارهْ

 

وحرص الشيخ عبد الرحمن خليف في ختام حديثه لـ »إسلام أون لاين.نت » على توجيه التحية « للمسلمات الملتزمات بالحجاب »، وقال: إن هنالك ضغطا كبيرا عليهن (في تونس) وهن مجاهدات ويتعرضن للتنكيل في كثير من الأحيان ويكون هذا التنكيل أدبيا أو ماديا، إلا إنهن صابرات ».

 

نجم آخر من نجوم تونس أفل, نسأل اللّه أن يجيرنا في مصيبتنا و أن يخلفنا ف

يها خير خلف

 

العربي القاسمي

رئيس جمعيّة الزّيتونة  سويسرا


 

فرونتسوف: تونس تمتنع عن تسليم قطع غيار طائرات كويتية

الكويت – الحياة    

 

أبلغ المنسق الدولي لشؤون الأسرى والممتلكات الكويتية يولي فرونتسوف مجلس الأمن بأن الحكومة التونسية لم تلب حتى الآن دعوة المجلس لها لتسليم محرك وقطع غيار تابعة للخطوط الجوية الكويتية، ودعا الى اتخاذ قرار عاجل لحل المسألة.

 

ونقلت وكالة الأنباء الكويتية عن فرونتسوف في رسالة بعث بها الى الأمين العام كوفي أنان وزعت أمس، أنه «لم تقم الحكومة التونسية حتى الآن بالاستجابة الى مطالبة الأمين العام ومجلس الأمن في كانون الأول (ديسمبر) الماضي لها في هذا الشأن، ورغم قيامي بارسال رسالة تطلب التعاون العاجل».

 

ويتعلق الأمر بمحرك وقطع غيار تابعة للخطوط الجوية الكويتية كانت وجدت على متن طائرتي «بوينغ» تابعتين للخطوط الجوية العراقية في مطار تونس منذ آب (اغسطس) 1990، وهو تاريخ الغزو العراقي للكويت.

 

ودعا فرونتسوف في رسالته التي رفعها أنان الى رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر المندوب الأميركي جون بولتون الذي عممها بدوره على أعضاء المجلس، الى اتخاذ قرار عاجل لتسوية هذه المسألة.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 19 فيفري 2006)

 

 

في حلقة نقاش حول « حرية التعبير واحترام المقدس »:

هل ردود الفعل العربية والإسلامية حول الرسوم الكاريكاتورية مناسبة.. وكيف يُمكن لخصوم الإسلام الاستفادة منها؟

 

تونس – الصباح

نظم منتدى الجاحظ بعد ظهر أمس حلقة نقاش حول محور «حرية التعبير واحترام المقدس» وذلك في إطار قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وما أثارته من ردود أفعال غاضبة تمثلت في مقاطعة البضائع الدنماركية وحرق بعض السفارات.

ولقد أثّث حلقة النقاش هذه التي أدارها الأستاذ صلاح الدين الجورشي كل من الأساتذة الدكاترة عبد السلام المسدي والطيب البكوش وحمادي الرديسي.

واللافت في هذه الندوة المصغرة أن كل مداخلة لا تكرر أخرى الشيء الذي أنتج خطابات معرفية حقوقية مختلفة وثرية.

 

أشار الأستاذ الطيب البكوش في بداية مداخلته إلى مفارقة تقوم بين الصحيفة المغمورة الثانوية التي نشرت الرسوم الكاريكاتورية وبين حجم النتائج التي تسبّبت فيها. ولقد أثارت هذه المفارقة ثلاثة تساؤلات عند المتدخل وهي:

 

1 – هل أنّ نشر صور من هذا القبيل تندرج ضمن حرية التعبير والرأي والمعتقد؟

 

2 – هل أنّ ردود الفعل في الساحة العربية والإسلامية تمثّل ردود فعل مناسبة لهذا الحدث وإلى أي حدّ؟

 

3 – ما علاقة مثل هذا الحدث ونتائجه بالعلاقة الكبرى التي هي مطروحة في العالم والتي يُعبّر عنها اليوم بالإسلام والغرب؟

 

وتولّى صاحب التساؤلات تقديم بعض الإجابات عنها مبرزا أنّه لا يعتبر قضية الرسوم الكاريكاتورية تندرج ضمن حرية الرأي وذلك لأن أي حدث لا يُمكن أن يُتناول بشكل معزول بل لا بد من ربطه بأحداث أخرى وبالسياق الذي فيه.

 

ولقد حدّد الطيب البكوش خصائص الأوضاع الدولية المعروفة والتي على رأسها أزمات الشرق الأوسط المتعلقة بقضية فلسطين والعراق وأفغانستان، إضافة إلى تلك التهديدات التي تعيشها سوريا وإيران.

 

من هذا المنطلق رأى البكوش أنّه ليس من قبيل الصدفة أن يكون أعنف ما حصل قد تمّ في البلدان المهدّدة والتي تعيش أزمات.

 

من جهة أخرى، رأى المتدخل أنّه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّه ثمّة اليوم في الغرب من يُنظّر لصدام الحضارات ولفكرة أن العدو الجديد بعد الشيوعية هو الإسلام بالنسبة إلى الغرب، مضيفا أنّ هذه الأفكار تُروّج في أمريكا وأوروبا وتنشر في كتب.

 

وبالنّظر إلى هذه المعطيات استنتج المتدخّل أنّ هذه الصور ليست اجتهادا عفويا من صحافي بل المقصود منها الاستفزاز.

 

مبالغـة

 

وحول ما إذا كانت القوانين الأوروبية تسمح بالسخرية من المقدس أجاب البكوش بالإيجاب وبالنّفي في نفس الوقت. ذلك أنه توجد حالات تؤكد وحالات أخرى تقطع مع ما هو ثابت، مبرزا أنّه قبل عشر سنوات في أوروبا أُحرقت قاعة سينما لأن الفيلم صور المسيح مع امرأة.

 

ومع إقرار الطيب البكوش بعلوية حرية الرأي في الثقافة العربية إلاّ أنّه استدرك مشيرا إلى أنّه خلال العقدين الأخيرين صدرت قوانين تقيد من هذه الحريّة ومن أهمها قانون ضد معاداة السامية.

 

ولكن كيف قيّم صاحب المداخلة ردود الفعل الغاضبة؟

 

يجيب الطيب البكوش: «أنا أعتبرها مبالغا فيها لأنّها لم تكن تلقائية في اعتقادي ولو كانت كذلك لظهرت منذ البداية. إنّها مناورة سياسية».

 

وفي خصوص موقف الحكومة الدانماركية علّق البكوش قائلا: «الحكومة الدانماركية في المبدأ محقّة عندما تقول إنّ القانون لا يسمح لها بالتدخّل. ولكن ديبلوماسيا مخطّئة حين رفضت قبول الوفود الإسلامية وامتصاص الغضب منذ بدايته».

 

أما فيما يتعلّق بالعنف الذي استهدف السفارات أو قرار مقاطعة البضائع الدنماركية، فقد رأى المتدخّل أنّ كلّ عنف يستهدف مدنيّا، يستفيد منه اليمين النازي المتطرّف. مضيفا أنّ ردود الفعل التي تتجاوز الحد تفرز ردود فعل عكسية خصوصا أنه يُوجد ملايين من العرب والمسلمين في أوروبا وسيتضررون من ذلك.

 

ووفقا لهذه القراءة وصف البكوش ردود الأفعال بأنها لم تتخذ الأشكال الملائمة وأن الذين تركوا الحدود تُتَجاوز قد فعلوا ذلك عمدا ولأسباب سياسية.

 

وختم الطيب البكوش مداخلته بالتعبير عن إيمانه بحوار الثقافات الذي يكون على أساس الند للند ويعتمد التاريخ الناسف لنظرية التفاضلية الحضارية والثقافية.

 

المتدخل الثاني في الندوة المصغرة لمنتدى «الجاحظ» كان الأستاذ حمادي الرديسي صاحب كتاب «الاستثناء الإسلامي» والذي اكتفى ببعض رؤوس أقلام تلخص وجهة نظره في قضية الرسوم الكاريكاتورية.

 

الإسلام في خطر!

 

ولقد ركز الرديسي على وصف ردود الفعل أكثر من الفعل ذاته لذلك فقد رأى أن نوعية الضجة التي حصلت وحجمها وعدم التوازن بين الفعل وردود الفعل، كل هذا يشير  إلى غياب العقلانية والتوازن مبرزا أنه من غير المعقول أن يتكاتف مليار و400 مسلم ضد صحافي كاريكاتير، وأن هذه الضجة تضع الاسلام في خطر.

 

ولكن كيف تكون ردود الفعل مقبولة ومتوازنة وعقلانية حسب منظار حمادي الرديسي؟

 

بالنسبة إليه لا بد أن ترد الصحف العربية على تلك الصحيفة التي نشرت الرسوم الكاريكاتورية أي أن الحوار يكون بين وسائل إعلامية وذلك بواسطة أهل الكاريكارتير في العالم العربي والذين لدينا منهم الكثير.

 

أما مسألة المطالبة بتحديد حرية التعبير والمقدس، فإن حمادي الرديسي يعتبره مطلبا ليس من حق المجتمعات العربية والإسلامية التي بحكم أنها لم تمارس الحرية فإنها لا تعرفها.

 

أصوليتان متناحرتان

 

الأكاديمي والمبدع عبد السلام المسدي قدم مداخلة تطرح على المتلقي الأفكار والتواريخ والمعطيات وتترك له فرصة الاستنتاج  وذلك لأنه اعتمد طرحا بانوراميا يستحضر المشهد وعناصره، مما يحول المتقبل إلى شريكا في التفكير.

 

وكما وصف مداخلته، فقد كانت معالجة للظاهرة أكثر من معالجة للأحداث بل أنّ الأحداث استثمرت أدلة على وجود الظاهرة.

 

واعتمد المسدي زاويتي نظر الأولى من خلال الحيثيات التاريخية والثانية تعاطت مع الحيثيات الراهنة. وبالنسبة إلى الزاوية الأولى فقد كانت مكرّسة لتبيان جهد أوروبا للتخلص من نفوذ الكنيسة ومعاداتها للحرية وللعلم مشيرا إلى إنشاء محاكم التفتيش والفلاسفة الذين أحرقوا وهم أحياء وأيضا غاليلي الذي أعلن النكوص عن قناعته العلمية.

 

لذلك فإنّ المنجز الأوروبي الأساسي والذي يعبّر على رأس الفتوحات يتمثل في إزاحة الكنيسة وانتصاب اللائكية.

 

ومثل هذه النقطة هي محددة في طبيعة الغرب اليوم وسلوكه وأفعاله.

 

أما فيما يخص المشهد من خلال الحيثيات الراهنة، أشار المسدي إلى أحد  حوافز الحرب العالمية الثانية المتمثل في التعصّب العرقي وكيف أن استخلاص الدرس قد أدى إلى مبادرة الغرب بإنشاء مؤسسة اليونسكو على أساس أنها منظمة تحقق الائتلاف الإنساني.

 

وبالنظر في المشهدين استنتج المسدي أن الحضارة الغربية قامت على انسحاب المؤسسة الدينية من السياسة ومعها المعتقد.

 

إلاّ أنّ المعتقد عاد بمفرده إلى السياسة دون المؤسسة الدينية الشيء الذي أفرز تراجع كل المسلمات الأولى التي قامت عليها السياسة المعاصرة.

 

وأضاف عبد السلام المسدي بأننا اليوم أمام أصوليتين متدافعتين ومتناحرتين وكل واحدة تحاول أن تلغي الأخرى.

 

وختم المسدي مداخلته المنهجية مشيرا إلى ضرورة استرجاع قراءة التاريخ الإنساني وتخليصه من أكاذيبه الكبرى. مع الاحتكام إلى الانصاف الثقافي الذي يجب أن يقوم على التمييز بين الإقرار والانخراط مبرزا أن الغرب ليس مستعدا لا للإقرار ولا للإنخراط لأن إرثه التاريخي إلى جانب أسباب أخرى تعود إلى حيثيات موضوعية.

 

تغطية: آمال موسى

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 19 فيفري 2006)


 

أستاذ الحضارة عبد السلام ككلي لـ «الشروق»:

الرسوم المسيئة للرسول أصولها في القرون الوسطى وفروعها بين الفرجة والاستعراض

 

* تونس ـ الشروق :

كانت الساعة تشير الى السادسة والنصف مساء، قبل ان يعترضني شيخ من روّاد «مقهى المالوف» وبادرني بالسؤال دون التحيّة، عن تلك الرسوم المسيئة للرسول الكريم، وسألني بكل تلقائية ايضا عن اولئك الاطفال العراقيين الذين عذّبهم جنود بريطانيون وقال بكل أسى: لماذا نحن؟ يقصد العرب.

 

لم نكمل الحديث حتى قاطعنا صوت استاذ الحضارة بكلية منوبة عبد السلام ككلي والباحث في القضايا الحضارية ليخبرني عبر الهاتف بوصوله الى المقهى. التقيته فسألته سؤال جارنا الشيخ فقال لي اننا ازاء صور استعراضية متحرّكة لرسوم تواصل الاساءة الينا عبر الرسول محمد وكل الرموز منذ القرون الوسطى… وكان حديثنا جداليا وجزء منه انعشه المطر.

 

* نقاش: منجي الخضراوي

 

* الصورة الكاملة

بادرته بالسؤال عن قراءته لتلك الرسوم الكاريكاتورية المسيئة والتي نشرتها صحيفة دنماركية واعادت نشرها صحف اوروبية وعربية فقال والصور بيديه:

«أوّلا وقبل كل شيء يمكن ان نميّز بصورة تقريبية في هذه الصور تركيبتين تمثلان رد فعل قديم جدا تجاه العالم الاسلامي، وهما:

أ ـ بنية سياسية ايديولوجية عدائية.

ب ـ حضارة مختلفة قائمة على تقديس الشهوة الى حد الفسوق والابتذال».

وأضاف «هذان المركبان تمتد جذورهما الى القرون الوسطى. فقد أوجدت الحروب الصليبية عند المسيحيين حاجة كبيرة وملحّة للحصول على صورة كاملة ومسلية ومرضية لايديولوجية الخصم اي المسلم، وكان رجل الشارع يرغب كما وضّح ذلك مكسيم رودنسون في صورة تبيّن العداء للاسلام عن طريق تمثيله بشكل فجّ على أن تكون في الوقت نفسه مرسومة بشكل يرضي الميل العامي الى كل ما هو مثير.

من الغريب اننا نلاحظ التشابه المضحك بين الكاريكاتور موضوع حديثنا وهذه ا لصور التي رسمت منذ ما يناهز العشرة قرون. لقد كان رسول الاسلام في عرف المحاربين المسيحيين ساحرا هدم الكنيسة في افريقيا وفي الشرق عن طريق السحر والخديعة وضمن نجاحه بأن «أباح الجنس».

اذن عندما ندقق في المادتين الحديثة والقروسطية نتفطن بسهولة الى أنهما تعودان معا الى نقطتين في غاية الدلالة:

1 ـ الرسول العنيف

2 ـ الرسول الشهواني

هذه ناحية اولى يمكن ان تمثل نوعا من المقاربة التاريخية الحضارية للمسألة، ولكن اذا أردنا ان نتوقّف الان عند هذه الصور الكاريكاتورية في ذاتها تبيّن لنا أنها في جانبها الاستعراضي قد تمثل نمطا من السلوك يجسّد، حسب لغة ادوارد سعيد النافذة، على علاقات القوّة والسيطرة التي تتخّذ في حالتنا هذه شكل الكاريكاتور الساخر حيث يكون موضوع السخرية، العربي المسلم أي الادنى والمستضعف وهي مادة تمثل استعراضيتها نمطا من «العقوبة التأديبية» التي يمارسها المستعرض الاقوى بحيث تصبح العقوبة هي التجسيد الأسمى لقوّة السيد وسيادته، وهكذا ترتبط القوة رمزيا بامتلاك القدرة والطاقة على تقديم فرجة مثيرة مضحكة ساخرة مفرطة في تحرّرها وفي تبجحها النرجسي الطابع، بقيم الحرية التي يبدو الآخر العربي المسلم عاجزا عن امتلاكها اومنكرا لطاقاتها الابداعية، او هكذا يعتقد الغرب.

 

* كم نشبه بعضنا البعض!

انّ المشكلة الاخطر في هذه الصور الكاريكاتورية سواء تناولناها صورة بصورة او تناولناها في طريقة تركيبها واخراجها هو انها تقدّم رؤية معينة للرسول «العنيف المهدّد» (الرسول ـ عائشة ـ طالبان)، وكما هو الحال دائما في الرؤية التي ترسمها الأعمال التي تخاطب عامة الناس فإنها تؤثر مع الأسف اكثر مما تؤثر الاعمال ذات الصبغة الجدية العلمية، لأنها تثير اهتمام المتلقي والمتفرّج بنسب متفاوتة بالعرض المشوّه لعقيدة الآخر مما يلهب الخيال ويؤجّج الاحقاد ويشجع الخلط في بيئة عنصرية في كثير من الاحيان مستعدّة بفعل عوامل معقدة للوقوع في فخّ الايحاءات المغرضة. كيف نستغرب بعد هذا ان يمتنع رجل ابيض من ركوب طائرة على متنها ذلك العربي «الفاسق اللاأخلاقي المهدّد».

وكان الاستاذ الككلي يشير بذلك الى حادث وقع فعلا اثر احداث 11 سبتمبر، ويواصل حديثه: «ولا يهمّ بطبيعة الحال ان كانت هذه الاوصاف تهمّه هو او تهمّ رسوله اذ صيغت صورة النبي بشكل يشحنها بقدرة فائقة على الاشارة من وراء الشخص الى الأمّة ومن وراء النبي الى كل من يمشي في شوارع باريس او نيويورك وعليه علامات قرابة مسترابة مع ذلك النبي الذي يتحوّل الى واحد من منفّذي عمليات 11 سبتمبر او واحد من أولئك «الصعاليك العرب» الذين تركوا بلدانهم وجاؤوا الى هنا (الغرب) تشتمّ منهم روائح الارهاب والتحفّز للاغتصاب!!

وقال محدّثي بأنه سافر مع صديق له صحبة عدد من المراهقين العرب الجانحين الى منطقة النورمندي في شمال فرنسا في اطار عمل علمي، وكانوا سبعة، فمرّت بهم سيدتان فرنسيتان استمعوا جيّدا الى احداهما تقول الى الأخرى: «يا إلاهي! كم يشبه هؤلاء الفتية بعضهم بعضا» وقال الككلي «كانت بطبيعة الحال تشير الى الوجوه السمراء التي لفحتها، جيلا بعد جيل، شمس شمال افريقيا وقال لي صديقي هل قرأت «فرانز فانون» قلت له: نعم درسنا بعض نصوصه في المدرسة فأجابني هل تذكر تلك النظرة التي يسميها «فانون» بالعمياء Le regard aveugle، انها اصل البلاء ومستودع كل المصائب العنصرية ولذلك فنحن على اختلاف ظاهر بيننا، نشبه بعضنا بعضا في عيني هذه السيدة الفرنسية.

إن الرسوم تخفي شرا مستطيرا، تخفي الفروق والمعالم وتبهت الألوان والقسمات ويستقرّ في الذهن وفي العين غير القادرة على التمييز تشابه مهدّد، مع التأكيد أخيرا على ان هذه الرسوم الكاريكاتورية لتكون اكثر اثارة لا تخلط بين الوجوه فقط بل بين الأزمان والحقب فتتخذ صورة رجل عاش منذ 14 قرنا لباسا حديثا وتحوّر لتستجيب لانتظارات القارئ الاوروبي، او فلنقل لتصدم الضمير الاوروبي الحديث فيصبح «العنف» الذي فرضته صفحات تاريخ قديم، ارهابا، وهي فزّاعة العصر ولتصبح الشهوانية فضيحة جنسية من نوع «البيدوفيلي».

 

* عبقرية محمد

اضفت السؤال بقولي: ألا ترى ان ردّة الفعل لم تخرج عن موروث ثقافي وجب ان نعيد قراءته وفهمه؟

فقال: طبعا يحتاج ردّ الفعل الاسلامي الى حديث مطوّل ولكن بشكل عام هو ردّ فعل غير مستغرب فهو يتطابق مع سلوكنا العام المتسم بالافراط والتشنّج، وهو تشنّج يصل احيانا الى حدّ تبرير العنف والدعوة اليه، هذا السلوك يلتقي حوله مع الأسف رجل الشارع والمثقف سواء بسواء. فما لفت انتباهي وأنا أراجع كتاب «عبقرية محمد» للعقّاد وهو مؤلف كتب منذ نصف قرن مقدّمته فقد لمعت فكرة هذا الكتاب كما ذكر ذلك العقّاد نفسه في جلسة أصدقاء بمناسبة المولد النبوي الشريف وبمناسبة استعراض بعض الكتابات الاستشراقية «المنصفة» لرسول الاسلام وأبرزها محاضرة ألقاها في 8 ماي 1840مستشرق معروف اسمه كرلايل.

وفي معرض الحديث عن هذه المحاضرة بدرت من صبي كلمة «نابية» كان مما قاله شيء عن الزواج وشيء عن البطولة فحواه ان بطولة محمد إنما هي بطولة سيف ودماء. فماذا كان ردّ فعل المجموعة. لم يناقشوه بطبيعة الحال، بل رأوا ان كلامه يسوّغ استعمال العنف (هكذا) بل رأى المازني وهو كاتب مصري معروف وصديق للعقاد ان موقف الفتى لا يستحق إلا الاحتقار والضرب بالقدم (هكذا!!) تنتهي القصة باعتذار الفتى قبل خروجه ومحاولة تفسير كلامه على نحو مقبول او خُيّل اليه انه مقبول، وبطبيعة الحال لا يعرض علينا العقّاد تفسيره، فهو لا يستحق الذكر، يكفينا انه اعتذر، ففي اعتذاره تأكيد على سخفه وتثبيت لطمأنينة راسخة تكتفي بصوت واحد.

وإذا توقفنا عند تفاصيل هذه الحكاية امكننا الوقوف عند بعض المركبات المستعصية على التغيير وهي:

1 ـ تغييب الرأي الآخر

2ـ عدم القبول بمناقشته بهدوء

3ـ التلويح باستعمال العنف

4ـ المطالبة بالاعتذار واستخدامه في حالة وقوعه للتأكيد على سخف الآخر وحذلقته من جهة وتعزيز مشاعر الاطمئنان من جهة أخرى، وهذا السلوك في عمقه يوحّد بين المتنازعين، إثارة للنعرات العرقية من جهة وهو امر لا جدال فيه رغم ما قيل ويقال عن الحرية ومستلزماتها وردود فعل هي في محلّ شاهدنا الضرب بالنعال او في موضوع حديثنا اشعال النار في السفارات.

وليس خافيا على احد التوظيفات المعروفة للمشاعر الغاضبة (والصادقة بلاشك).

وهكذا من سوء الحظ تتحوّل قضايا خطيرة مثل حوار الحضارات ووضعية المقدس في عصرنا الحاضر الى مادة للتهريج ومن سوء الحظ ايضا ان يتحوّل كل شيء في هذا العصر الى مادة للفرجة (جرائد ـ تلفزة ـ انترنات…) في ظل تراجع مخيف للفكر.

هل أصبحنا كلنا عربا مسلمين وغربيين… ضحايا للمقاربة الفرجوية lصapproche spectaculaire ولمنطق استمع وافزع.. جرائد تتسابق لنشر هذه الصور (حتى العربية منها) وجحافل من البشر ترعد وتزبد في صور معروضة لاستفزاز الحمية ومثقفين غربيين وشرقيين، هذا يسب الكاريكاتور وهذا يسب الرد الكاريكاتوري على الكاريكاتور.

 

* الوساطة لتجاوز الفرجة

هكذا استطاع الككلي ان يدفعني الى القول باندفاع: إذن ما الحل… ما دام الامر متعلقا بالفعل وردّ الفعل وهي ثنائىة دائرية لا نهاية لها. فقال باندفاع ايضا ان الفعل وردّ الفعل اللذين حللناهما يستوجبان اعادة صياغة الشروط التي يجب توفّرها في اي موقف حول ما يسمّى المجتمعات الشرقية.

ان معرفة المجتمعات والثقافات الشرقية كأية معرفة تستوجب ان تكون الملاحظة في حدود مضبوطة وان تبتعد عن إرادة الهيمنة والتشويه والاستفزاز ثم ان المغامرة التي يمثلها الحوار بين الحضارات والثقافات تستوجب ان يفرض المحاور على نفسه ترك عالمه لبعض الوقت من اجل ان يلتحق بعالم غريب عنه ينشد بناء اتصال حقيقي به.

ففي العلاقات المتشابكة والمعقّدة بين الشعوب والحضارات يطلب من الجميع شرقيين وغربيين، رغم صعوبة المطلب، ان يتركوا ولاءهم الى حين الى هذا المجتمع او ذاك، من أجل ان يتعالوا في المستوى الفردي الشخصي فوق صراع الثقافات والحضارات وبالتالي صراع الأديان.

ان الفشل في هذه الوساطة التي تقع على عاتق العلماء والمثقفين خاصة، هي من أكبر المخاطر التي تهدد عصرنا.

انه من حقنا اليوم ان نطالب وقد تحطّمت الصورة الكلاسيكية للاسلام باعتباره كيانا دينيا وثقافيا مغلقا بأن يتوجه جهد البحاثة من الغربيين خاصة لموضعة تاريخ الاسلام ومجتمعاته ولا يتحقق ذلك الا اذا تركوا جانبا كل حكم مسبق قيمي، وقبلوا الآخر في غيريته المحترمة، بل حاولوا ان يقتربوا من هذا الآخر من اجل ان يساهموا في بناء قيم مشتركة قائمة على التفاهم والحوار. ومن واجبنا ايضا ان نطالب نخبنا ان تتعلّم الاستماع الى صوت الآخر وشرحه لعامة الناس وإيلاء الفروق بين انواع المقدّسات، دينية كانت او دنيوية حقها من التحليل والفهم… هكذا فقط نعلو فوق الفعل الفرجوي لقيم الحرية المستعرة نرجسية الطابع وردّ الفعل الاستعراضي لآيات الإيمان المرفوعة على الالواح والمقروءة على الوجوه الشاحبة المستضعفة تصرخ بمقولات قديمة حديثة: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم».

في حدود الساعة الواحدة ليلا عندما كانت تفاصيل المدينة مبللة ولاشيء في المكان غير بعض القطط والظلام… استطعنا ان ننتظر توقف هطول المطر، فموضوع الحديث كان سيأخذ منا اكثر لولا ان صاحب المقهى أراد الرحيل… فافترقنا على أمل مواصلة الحديث.

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 19 فيفري 2006)


هل تتحول قناة 21 الى فضائية ؟

* تونس ـ الشروق :

 

علمت «الشروق» ان هناك اتصالات جارية بين المسؤولين في مؤسسة الاذاعة والتلفزة ووزارة الاتصال والعلاقات مع مجلسي النواب والمستشارين لتحويل قناة 21 الى فضائية تبث برامجها على الأقمار الاصطناعية.

وقال مسؤول في مجال الاتصال ان المسألة مطروحة ولكنها مازالت قيد البحث والدراسة.

وأشار الى ان كل الجهود منصبّة في الوقت الحالي على مشروع الاذاعة الثقافية التي ينتظر ان تبدأ البث خلال العام الحالي 2006 .

وكشف مصدر مطلع ان هناك سعيا جادا لتحويل قناة 21 الى فضائية، مشيرا الى المساعي التي تقوم بها ادارة القناة الآن لكي تكون لها ميزانية خاصة تتصرف فيها وخصوصا على مستوى الانتاج.

 

* م ـ ع

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 19 فيفري 2006)


 

سليم بوخذير : صحْ………………آفيّون ! ( 2 )

 

 

     بقلم :   سليم بوخذير (  * )          

 

    ففي مثل هذه الأمور ، لم يعد مهمّا أن تكون أصلا لا تعرف كتابة حتّى سطرين فقط على بعض يكونان سليمين من النّاحية اللغويّة، و لم يعد مهمّا أن تكون من معشر الأميّين الجدد و بامتياز ، ذلك أن صفتك كوصوليّ أصيل متأصّل و خاصّيتك كانتهازيّ من درجة رفيعة ، هي التي أصبحت مطلوبة في العهد السعيد و نطحه الشديد ، لكي يرضوا عنك و ينصبوك صحفيّا في البلد و صحافيّا مقرّبا أيضا ( ….) .

    فهم بصفاتك الرّخيصة تلك يكونون قد ضمنوا أنّك لن تخرج عن طوعهم يوما ما داموا  يدفعون لك ، و هم لن يتوقّفوا يوما عن الدّفع لك طبعا ،لأنهم ببساطة و باختصار ، لا يدفعون لك من مال أبيهم مثلا وانّما من مال  » ميتة أمّاليه  » كما يقال …أعني المال العام …هم يدفعون لك منه ولسان حالهم دائما يردّد =  » الله يرحم اللّي خلاّ … » .

                                                     *    *     *     *     * 

       أعرف واحدا من هؤلاء كان الى وقت قريب مواطنا عاديّا و لكنه تحوّل فجأة بعد ذلك و بقدرة قدير و في ظرف دقائق معدودات  الى صحفي !

    فصاحبنا هذا عرفه النّاس بقّالا.. أي و الله بقالا ..وبقّالا شاطرا أيضا .. ، و الأغرب أنّه  مازال بقالا الى الان، وذلك  بالتوازي مع تحوّله الى صحفي ..و بامكانكم أن تتثبتوا من الأمر لو أدّيتم زيارة بسيطة الى متاجر المغازة العامة بشارع فرنسا بالعاصمة ..

   أخونا البقّال الشاطر هذا ، نهض ذات صباح من صباحات هذا الزمن الغادر ، ليدور بخلده فجأة و لأول مرة ، أنه من الجائز له أن يتحوّل الى صحفي ، نعم صحفي رغم فراغ عقله إلاّ من معارف البيع و الشراء و رغم انعدام أيّ علاقة بين قلمه و الورق إلاّ في ما يتعلّق بمسائل تسجيل أثمان البضاعات المعروضة للبيع في المتجر الذي يعمل به !

    و لأنّه زمن العجائب و بامتياز ، فقد صار أخونا زميلا لنا رغما عنّا فعلا و ذلك بين دقيقة و أخرى ، فهل تصدّقون ؟ و صرنا نرى إسمه موقّعا على  » مقالات  » عدّة تنشرها له صحف يومية وأسبوعية ، و من باب الصدفة فقط ، أن كل ّ هذه « المقالات » تهاجم المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين وعمادة المحامين و كلّ الشرفاء من المحامين الشبان باذلي الجهد الانتخابي الشريف من أجل محاولة شجاعة لإعادة هذه الجمعية الى المحامين الشبان فعلا بعد أن انتزعتها السلطة بوسائلها المعروفة من أهلها .. فصاحبنا مختصّ في هذه  » المقالات  » فقط و كلّ هذا يحدث بالصدفة .. فلا تظنّوا مثلا أنه لم يكتب حرفا من الذي ينشرونه له وإنّما وزارة  العدل نفسها هي التي كتبت هذه  » المقالات  » و سلّمتها بعد ذلك الى البقّال ليوقع عليها …. لا تظنوا ذلك للحظة ..حرام عليكم أن تظنوا به ظنّ السوء المسكين ، حرام عليكم أن تظنّوا هكذا أن صاحبنا هذا لا يعرف الكتابة أصلا، و الله حرام … فكيف تستكثرون بالله عليكم على بقّال عرّيف مثله حقّه في أن يكتب و يعبّر عن رأيه …

 آخر أخبار بقّالنا الشاطر ، أنّ الرئيس بن علي بنفسه منحه وساما في عام 2005 كصحفي لامع ، و كأنّه يريد أن يقول لنا نحن معشر الصحافيين ( أعني الرئيس ) : أعطوني بقالة جيّدة ( بدل مقالة جيدة ) أعطكم أوسمة عظيمة واضحة الفوائد ….

بقّالنا الشاطر هذا في زماننا الغادر، إسمه سليم العجرودي …و الله لا يبلينا بنيل أوسمة من الفئة التي نالها….

                                                                                                                                  

   ..  و في الواقع هناك ألف سليم العجرودي آخر في البلد ( ولكن  للأسف ليس هناك سوى سليم بوخذير واحدا ! ) . فما رأيكم في الصحفيّ الهُمام الذي طلع لنا فجأة ، من سوق » البانان  » ، أجل..  ذلك الذي كان مجرّد  » غلال  » الى وقت قريب ، فتحوّل هكذا  الى صحفي رغم أنفي و أنفك و أنف  » الّي خلّفونا  » …فالجماعة حوّلوا أخانا هذا الى صحفي و لم يجدوا من طريقة يقدّرون بها موهبته المفاجئه هذه في مجال الصحافة أحسن من تعيينه مديرا و رئيس تحرير على صحافيين لهم أقدميتهم العالية في اختصاصهم ..مع أنه قد لا يكون لم يتعلّم كتابة إسمه  صحيحا  الاّ في الآونة الأخيرة ، فهل بعد هذا عجب ؟  أنا أعني طبعا عبقريّة زمانه في الكتابة و أستاذ الصحافة التونسية الصاعد ، عماد الطرابلسي متّعنا الله جميعا  ببركاته الصحفية العجيبة …

  ،،، و اليكم عشرات الحالات الكثيرة  الأخرى لأناس عاديين جدا و أقلّ من العاديين بكثير ، تحوّلوا بغتة الى صحافيين ، فأنظروا الى المدعوّة   » موزاييك  » ، هل يصحّ أصلا أن نعتبر أن أولئك الصبية العاملين في برامجها  رجال اعلام ، استمعوا الى بذاءاتهم و سخافاتهم الصادرة من بين أمواج الراديو ، هل يمكن لكم بعد ذلك أن تتصوّروا للحظة أنّ واحدا من أولئك الذين لا يًتقنون من عملية الكلام غير ترديد السمج السخيف البليد من الدارجة ،  يمكن له أن يكون قد قرأ كتابا في حياته أو حتّى جريدة ؟ هل يمكن لكم ، بعد أن تتابعوا 5 دقائق فقط من » الحصص » الاذاعية التي يعبثون فيها ، أنهم قادمون الى مجال الاذاعة من مكان آخر غير سوق الخضر بباب الفلّة  أو من سوق الحيوانات الأسبوعية بالمنصف باي ؟ هل يمكن لكم أن تصدقوا أن هؤلاء قادمين الى المجال الاعلامي من وجهة طبيعية كالجامعة مثلا أو حتى من المعهد ؟

 

                                                       *       *       *         *         *

   

….  هذا الرّهط من الأميّين الجدد في الصحافة التونسية الذين أعنيهم  ، بلغ زحفهم العجيب مؤسّسات إعلاميّة حتّى خارج الوطن ، و الحكومة إنّما شجّعت و شجّعت و شجّعت على زحفهم هذا إلى الخارج بشكل خفيّ ، فلا شكّ أنها مورّطة في تزويدهم بشهادات عن أقدميّتهم  المهنيّة المزعومة و كفاءتهم « المدعومة » ممّا سهّل لهم العبور إلى تلك المواقع  الإعلاميّة المحترمة بالخارج…

    أمّا لماذا ُتقدم الحكومة على ذلك ؟ فذلك ببساطة ، حتّى تقطع بزحفهم هذا الى صحف و فضائيّات الخارج ، الطّريق أمام أيّ صحفي حقيقيّ له  كفاءة حقيقيّة يكون مختلفا معها في الرأي ، في الانضمام  إلى واحدة من تلك المؤسّسات ، و لكنّ للأمر أيضا أهداف أخرى كثيرة ، منها أن يلعب هذا الرّهط من الزاحفين الى المؤسّسات الإعلاميّة بالخارج ، أدوارا أخرى كمحاولة تلميع صورة حكومتنا الموقّرة بالخارج و كذلك احتمال أن يلعبوا دور الواشين بالتونسيّين المعارضين للحكومة المهاجرين إلى نفس البلد الذي حلّ به ركب هؤلاء الأمّيّين الجدد….

   و هؤلاء ، و بعد أن يضمنوا انضمامهم الفعليّ الى تلك المؤسّسات الاعلامية النزيهة و المحترمة ، انّما يمكن لك أن تعرفهم بيسر كبير، و ذلك من خلال سمة بارزة هي سمة محافظتهم على ولائهم المطلق للرّجل الأول لمنطقة الملايين في جهاز الاعلام ببلدنا ….ذلك الرّجل الأول و بامتياز لسوق شراء الذّمم و وتوزيع العطايا المدنّسة ، أعني طبعا  » حبيب الملايين  » أسامة الرمضاني ….

  فهم عادة ما يواصلون و بالضّرورة ، ولاءهم له حتّى و إن عملوا بمؤسّسات إعلامية يقع مقرّها في كوكب آخر غير كوكب الأرض ، و حتّى و إن كان خطّ المؤسّسة التي انضمّوا إليها بالخارج يتضارب و في الصّميم مع ما يطلبه منهم السيد أسامة ، فهم مستعدون لمحاربة حتّى المؤسّسات الاعلامية الخارجية التي يعملون بها ، و ذلك فقط من أجل خاطر عيون العم أسامة و ملايين العم أسامة ، لأنّها مقارنة برواتبهم من تلك المؤسّسات ( مهما بلغت ) ، تظلّ أسمن و أشهى و أرفع ، من وجهة نظر بطونهم التي لا تشبع ..

  ….أحد هؤلاء الذين أعني ، عرفته منذ أكثر من 10 سنوات مجرّد حامل « شنطة » ..نعم حامل « شنطة » بالمعنى الحقيقي للكلمة ، لمغنّية استعراضيّة نعرفها جميعا ، و وقتها لم تكن الدّنانيرالتي ينالها أخونا من سيدتنا المغنّية تكفيه على ما يبدو ، فكان أن قرّر أن يمارس عملية الحمل إلى أناس آخرين و هذه المرّة لم يحمل  » شنطة  » وإنما أخبارا  بوليسيّة إلى مصالح أمن الدولة عن أحوال و حركات و سكنات صحافيّي الاذاعة والتلفزيون …كانت هذه حكاية معروفة عنه و مازالت و اسألوا الجميع هناك و سيؤكدون لكم انّه أشهر من نار على علم في دور مدّ المخبرين بآخر الوشايات …

   هذا الغرّ الصغير لم يُعرف بأيّ مستوى علمي أو ثقافي قد يفوق الثالثة اعدادي  أو قراءة ركن حظّك اليوم على أعمدة الصحف ، بل إنّه اشتهر بفهمه الخاطئ لما تعنيه الصحف بأخبارها و كان الجميع يتندّر بجهله المريع هذا  في مقهى لطفي بوشناق  بلافيات و كان هو لا يردّ من فرط صدق ما كان يُقال عن تطفّله على عالم الفنّ و مقاهي الفنانين  ، لم يعرفه يوما أحد قرأ جريدة بفهم صحيح فما بالك أن يسمعوا به صحفيا…

 بعدها سمعتُ عنه أنه أطلق سيلا من الصكوك دون رصيد  ذات اليمين و ذات الشمال  و فرّ اثر ذلك إلى الأردن هروبا من حكم السجن ، ومن الأردن لست أدري أيّ  رياح دفعته الى الإمارات ، و بعد ذلك لم أسمع عنه شيئا الى أن ظهر أخيرا …

  فهل تدرون من أين خرج لي صاحبنا هذا  وإسمه محمد الهادي الحناشي ، بعد كل تلك السنوات ؟ لقد خرج لي من قناة  » العربية  »  و ما أدراك … أجل ، ذلك المواطن الذي كان الفتية يضحكون من جهله الفادح باللغة العربية ، طلع لي  فجأة من العزيزة على قلبي  » العربية  » أدامها الله قلعة شمّاء من قلاع العمل الصحفيّ النزيه و المسؤول …

  لا أدري ما الذي حدث بالضبط ولا كيف حدث ، و لكن هذا هو الذي حدث فعلا ، هذا المواطن خرج لي فجأة من شبكة الهاتف الجوّال في أحد مساءات رمضان الفارط و أنا خارج لتوّي من منطقة الأمن بباردو التي أحتجزت فيها ليلتها لبعض الوقت ( وتلك حكاية أخرى …)،ليقدّم لي نفسه  ( و هو كاذب في ذلك طبعا ) على أساس أنّه الفاتق الناطق في  » العربية  » و أنّه  » قرّر مسحي بجرّة قلم لمجرّد أنّ قلمي  كتب يومها تقريرا ب   » العربية نت  » عن ردود المعارضة التونسية من خطاب رئيس الدولة أمام لجان الحزب الحاكم ….

   ألم أقل لكم منذ البداية إنّهم قد يدخلون من الأبواب الخلفيّة ، وبفضل الشهادات المزوّرة عن كفاءتهم الكاذبة  والتي يمنحها لهم العم أسامة ،  إلى أشرف المؤسّسات الاعلامية بالخارج ، ثمّ و حين تسمح لهم هذه المؤسّسات بالدخول و ذلك عن حسن نيّة باعتبارها بلا أيّ سابق معرفة بحقائقهم ، يتحوّلون فجأة و على الفور للعب كلّ الأدوار التي تعوّد يكلفهم بها العم أسامة عبر الاتصالات الخفية المتواصلة بهم ، و من الأدوار التي تعوّد أن يكلفهم بها في هذا المضمار ، تلفيق الشائعات و تهديد هذا الشريف بالخارج و التحرّش بذاك المثقف التونسي المهاجر الذي رمى كل ثمين وراء ظهره من أجل كلمة حقّ تقال …إلى غيرها من الأدوار القذرة ….                

 

       –  يتبع    ( غدا تقرؤون الحلقة الثالثة من هذا المقال باذن الله ).

 

* صحفي تونسي

 


 

 

منتهى الديمقراطية

 

الديمقراطية الغربية جميلة جدا إذا لم تخرج من حدود أوطانها إلى أوطان الشعوب الثالثة والرابعة التي لا يحق لها أن تتمتع بهذه الديمقراطية الجميلة التي فصلها الغرب على مقاسه والتي يضن بها على بقية الكائنات الحية التي يعتقد أنها ليست أهلا لها، فالديمقراطية الغربية لا يمكن أن تتحول إلى شرقية ولا إلى جنوبية ولا إلى جنوب أمريكية ولكن يجب أن تبقى في مفهوم الغرب غربية.

 

هي ديمقراطية مرتبطة بالمكان ولو خرجت من مكانها فسدت لأنها لا تتناسب مع مصالح الغرب خارج ذلك المكان، هي ديمقراطية أوروبية أمريكية إسرائيلية فقط لو تجاوزت حدودها احترقت لأنها تتضارب حينها مع أطماع الغرب وتنقص من ثروات الغرب وتضعف من سيطرة الغرب.

 

هل رأيتم الديمقراطية الغربية في العراق مثلاً ؟ وهل شاهدتم صورها في أبي غريب والفلوجة ؟ لا تستغربوا، إنها نفس الديمقراطية الغربية ولكنها عندما خرجت من موطنها الأصلي فسدت وبان عوارها. هل رأيتموها في البيوت المدمرة في أفغانستان والشيشان؟ لا تندهشوا هي نفسها في أنكلترا ولكنها لم تجد هناك غربيين لتتعامل معهم فكان هذا مصير الشرقيين الذين تعاملوا معها.

 

الديمقراطية التي تشاهدونها هي نفسها ولكن الناس تغيروا فتغيرت صورتها. إنها ديمقراطية تتلبس لبوس الإنسان الذي يتعامل معها فإن كان من ذوات الدم الأزرق كانت معه لطيفة ولحقوقه راعية ولكرامته حافظة، أما إذا كان الإنسان من ذوات الدم الأحمر الرخيص من العرب والمسلمين والهندوس ومن سكان أمريكا أو إستراليا الأصليين تحولت هذه الديمقراطية إلى وحش مفترس يشبه دراكولا يتغذى على دماء هذا الإنسان المسكين وعلى أمواله وأرضه وثرواته.

 

آخر ما حرر من  أخبار الديمقراطية الغربية هو وصولها بالخطأ إلى أرض فلسطين فقد نجحت في الوصول إلى السلطة وبسطت نفوذها على أرض فلسطين الحبيبة معتقدة أن الغرب الذي اخترعها سيرحب بها هناك وسيعلن ابتهاجه بوصولها إلى تلك الأصقاع البعيدة خاصة أنها قريبة جدا من إسرائيل ابنة الديمقراطية الغربية وربيبتها، والغرب ما فتئ يعلن ليل نهار عن رغبته في وصول الديمقراطية إلى تلك البلاد المتاخمة لإسرائيل عسى أن تستطيع الأخيرة العيش بسلام إذا أحيطت بديمقراطيات بدل الدكتاتوريات.

 

الديمقراطيات الغربية تنكرت فورا للديمقراطية الوليدة وأعلنت عليها حربا شعواء لا تبقي ولا تذر هددتها بالفناء وبالويل وبالثبور وبقطع الإتصالات وقطع المال وقطع الإمدادات وقطع الغذاء عن شعب كامل وتجويعه لأنه اختار بديمقراطية غربية أناس غير غربيين ولا مستغربين ولا متغربين. قررت الديمقراطيات الغربية أن تقتل الشعب الذي اختار ما لم يناسبها، بالتجويع البطيء والحصار الإقتصادي وإحكام الجدار العنصري لكي لا يخرج منه ولا يدخل إليه أحد يخبر عما يجري في الداخل، وزادت الديمقرطيات الغربية فأمرت أعوانها من الديكتاتوريين في البلاد التي تكافح من أجل الوصول إلى الديمقراطية أن تقطع إمداداتها عن الشعب الذي اختار ما لم يرض شعب الله المختار، وأمرت أعداء الديمقراطية في الشرق أن يُحكموا حصارهم على المنتخَبين فلا يكلموهم ولا يعطوهم ولا يمنحوهم ولا يشتروا منهم ولا يبيعوهم حتى يتراجعوا عن اختيارهم الديمقراطي غير الغربي.

 

هل ترون بعد هذه الديمقراطية ديمقراطية؟ وهل ترون بعد هذا العدل عدلا؟ وهل ترون بعد هذا التحضر تحضرا؟ وهل ترون بعد هذا التقدم تقدما؟ أنا شخصيا لا أملك إلا أن أقول: إنها فعلا منتهى الديمقراطية……..  مع ملاحظة التقارب بين كلمتي منتهى ونهاية.

 

أمير أوغلو / الدانمارك / 19 فبراير – شباط  2006

Amirs05@hotmail.com


 

فــي منتــدى الـذاكــرة الوطنيــــة (1 من 3)

الوالي السابق الطاهر بوسمّة يدلي بشهادة تاريخية:

« هذه ظروف إشرافي على ولاية الكاف… وعلاقتي بالهادي نويرة »

الهادي نويرة: « أنتم ولاّة تمثّلون الدولة ولا دخل لكم في الحزب »

 

تونس- الصباح

 

كان الأستاذ الطاهر بوسمة أمس ضيف منتدى الذاكرة الوطنية الذي نظمته مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بإدارة المؤرخ الدكتور عبد الجليل التميمي.. وتحدث الوالي السابق خلال خمس ساعات بكثير من الحماس عن ظروف ولايته على الكاف ثم قفصة فالقيروان ..وروى الكثير من التفاصيل عن وقائع جمعته بالزعيم الحبيب بورقيبة وغيره من الساسة في دولة الاستقلال.. وتتولى «الصباح» نقل شهادته التاريخية في ثلاث حلقات تخصص أولها للمرحلة التي قضاها واليا على الكاف والثانية لنقل ما ذكره من أحداث زمن ولايته على قفصة وتلخص الحلقة الأخيرة مرحلة القيروان.. وإليكم التفاصيل

 

قال الطاهر بوسمة: «تم اختياري واليا على الكاف لعدة اعتبارات وهي ليست علمية فحسب بل لاعتبارات سياسية وغير سياسية.. إذ أنني أنهيت عام 1960 دراستي في الحقوق والتحقت بوزارة الداخلية وكنت من بين النشيطين في اتحاد الطلبة وعضوا في هيئتة الإدارية التي كان كاتبها العام محمد الصياح ولما التحقت بالداخلية كان لزاما علي أن أستقيل من الاتحاد».

 

وأضاف «تم تعييني بعد ثلاثة أشهر من العمل في وزارة الداخلية وعمري آنذاك 26 سنة معتمدا بالقصرين ثم انتقلت من القصرين إلى صفاقس فعين دراهم فالنفيضة فسوسة ولما كنت معتمدا في سوسة هاتفني وزير الداخلية أحمد المستيري لأنه يريد رؤيتي فذهبت إليه فقال لي إنه تقرر اقتراح تعييني في إحدى الولايات.وبعد مدة تم تنصيبي واليا على الكاف وباشرت مهامي في سبتمبر 1970.. وكنت قد خبرت العمل بالولايات جيدا من خلال المعتمديات التي جبتها وكانت الدولة إثر 1969 يعتمد (بضم الياء) عليها في كل شيء ولكنني قررت التخلي عن كل المسؤوليات التي لا أستطيع مباشرتها.. وأذكر أن مدير شركة النقل استغرب لما قلت له إنني سأتخلى له عن المسؤولية»..

 

وقرر الطاهر بوسمة منذ بداية ولايته على الكاف أن يكوّن قاعدة بيانات إحصائية يعتمد عليها وقال «اقترحت على المعتمد عبد الرحيم الباجي أن نحضر مطبوعات للتعمير ونرسلها لهياكل الصحة والتعليم والفلاحة وفيها أسئلة مختلفة.. ومن خلال هذه العملية جمعنا كما ضخما من المعلومات وطلبت من محمود السكلاني من معهد الإحصاء أن يساعدني في الأمر وبعد3 أشهر أرسل لي تقريرا فيه كشف دقيق لحالة الولاية في كل الميادين».

 

زيارة الهادي نويرة

 

يقول الطاهر بوسمة: حينما كنت واليا على الكاف وبعد أن تمت تسمية الهادي نويرة وزيرا أول قام بزيارة الكاف فقدمت له كل المعطيات في شكل أرقام فأعجب بذلك العمل.. وهو رجل الارقام». وأضاف «لقد كان استقبال الهادي نويرة في الكاف لا يقل قيمة عن استقبال بورقيبة من حيث توافد الجماهير.. وعند قدومه اقترحت عليه تخصيص ميزانية للتنمية الجهوية خاصة وأنه لم يكن للوالي هامش تصرف.. وكان الهادي نويرة حريصا على المال فقال لي من أين نأتي بالنقود.. فقلت له إن الهدف من برامج مقاومة التخلف التشغيل ولكن نتائجها محدودة وأخبرته أن أموال سلفات البذر لا يتم استرجاعها وفسر أن سلفات البذر هي سلفة يتم منحها للفلاحين لشراء البذور فاتهمني بالتهاون».

 

ويسترسل «عند موعد الإعداد لميزانية التشغيل طلبت من منصور معلى وزير التخطيط أن نغير الميزانية وأن ندخل جدولا جديدا يمكن توفير أموال نوظفها للقيام ببعض الإنجازات وبعد جهد لإقناعه وافق وقال لي إن ذلك سيكون عملية استثنائية وتجريبية».

 

وتحدث بوسمة عن لقاء الوزير الأول الهادي نويرة في الكاف بالمواطنين وبين أنه حينما اشتكى له الناس من رخص سعر الحبوب كان رده عنيفا فقال لهم إن تعديل سعر الحبوب ليس مشكلا بل المشكل يرجع إلى جهلكم وتخلفكم وانقلب اللقاء إلى مشاحنة وذلك هو طبع الهادي نويرة.. وبقيت بعدها أعالج المشاكل الناجمة عن حدة خطابه وقلت للمواطنين اسمعوا كلام من يبكيكم ولا تسمعوا كلام من يضحككم».

 

هل كان نويرة ديمقراطيا؟؟

 

قال الطاهر بوسمة «كان الهادي نويرة رجلا عظيما لأنه ديمقراطي فبعد استقالة أحمد المستيري اجتمع بنا نحن  الولاة وعددنا آنذاك13 وقال لنا نحن من سنخوض المؤتمر وأنتم ولاة تمثلون الدولة ولا دخل لكم فينا وفي الحزب وواجبكم الحياد.. كان ذلك قبل شهر من المؤتمر عام 1971 وبعد أن انتهت ندوة الولاة اجتمع بنا فرادى في الوزارة الأولى وقال لي عندما زرته إنه أراد أن يؤكد حنابلية الكلام الذي قاله لنا في الندوة.. وهكذا شهدنا المؤتمر الذي كان منقسما ولم تكن الكاف قد سايرت هذا الجناح أو ذاك لأنها من الولايات الهادئة وكان الدكتور الضاوي حنابلية له وزنا في المنطقة وقد نجح في اللجنة المركزية وتحصل على الأصوات»..

 

وتحدث الوالي السابق عن التقارير التي كانت تأتيه خلال فترة المؤتمر من الشرطة أو من بعض الأشخاص المحترفين الذين يقدمون تقارير ويتقاضون مقابلا وهي طريقة موجودة في العالم أجمع.. وقال «صدرت عن الكاف لائحة تساند بورقيبة والهادي نويرة وكانت أول برقية بعد فترة الصمت.. ثم تتالت البرقيات من جهات أخرى وتحول الأمر إلى إرسال وفود تأييد وكانت نتائج تلك البرقية أن ولاية الكاف أصبحت في القمة وانتخب الدكتور الضاوي حنابلية في الديوان السياسي وكان شخصا مسالما وتحصل على أغلب الأصوات لأنه لم يكن له خصوم»..

 

وبيّن بوسمة أن «هذا الحدث جعل البعض يقول إن والي الكاف محل ثقة.. وبعدها بفترة هاتفني امحمد شاكر.. وقال لي إن وزير الداخلية الهادي خفشة يريد مقابلتي وقال لي إنه سيتم تعييني واليا على قفصة فقلت له أرفض ذلك فقال لي قل ذلك بنفسك للهادي خفشة.. فذهبت إليه وقلت له كيف أنتقل إلى قفصة ولم يمض على تعييني في الكاف إلا مدة قصيرة.. فقال لي إن الأمور في قفصة غامضة وعلي أن أقبل».

 

وتذكر بوسمة وهو يتوجه بكلامه إلى الشاذلي العياري الذي كان حاضرا في المنتدى أن ولاية الكاف كانت تشمل سليانة وحدث أن قام وزير التربية القومية الشاذلي العياري بزيارة مكثر وقام بتحويل مركز تكوين إلى مدرسة إعدادية في القصور.. وهو ما أثار ضدي حملة شعواء من أهالي الدهماني لأنه لم يقع إنشاء مدرسة ثانوية هناك أيضا.

 

(يتبع)

 

تغطية سعيدة بوهلال

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 19 فيفري 2006)


سلمى بكار في دار الثقافة ابن خلدون:

الشذوذ ليس قضيتي… وهاجسي الدفاع عن حق المرأة في اللذّة

!

 

* تونس (الشروق)

 

في اطار نادي الفنون الدرامية الذي ينشطه كمال الشيحاوي في دار الثقافة ابن خلدون التقى الجمهور ظهر أول أمس الجمعة مع المخرجة سلمى بكار وعدد من الممثلين في حوار حول شريط «خشخاش» الذي أثار جدلا واسعا.

ليلى الشابي وحليمة داود وعلاء الدين أيوب ومحمد كوكة وسمير العيادي تحدّثوا عن تجربة التعامل مع سلمى بكار فأجمعوا على أنها مخرجة محترفة وجريئة وصادقة في تعاملها مع المواضيع التي تثيرها في أفلامها وهي عادة مواضيع مسكوت عنها.. اللقاء حضره أيضا الناقد السينمائي مصطفى نقبو وعبد الحميد قياس ونزيهة يوسف ومنية الورتاني.

 

ماذا قال الجمهور؟

 

ومن المتدخلين أعتبر أن الموسيقى خالية من الابداع وتساءل متى ستتصالح السينما التونسية مع الشارع التونسي.. وقال طا لب من معهد الصحافة وعلوم الأخبار أن شخصية زكية لا تمثل التونسيات وسأل سلمي بكار: لماذا لا تفكّرين إلا في الوجه الأسود من التاريخ التونسي؟ وأدرج هذا الفيلم ضمن خانة الأفلام التي خانت قضايا شعوبها وتساءل آخر عن زكية هل هي فعلا امرأة تونسية؟

 

شهادات

عدد من الممثلين قدموا شهادات عن تجربتهم، في «خشخاش» فقال علاء الدين أيوب إن هذا الشريط أعاد له متعة مشاهدة السينما التي فقدها منذ أن احترف التمثيل.. أيوب قال انه مدمن على مشاهدة السينما وشاهد في العام الماضي 234 شريطا سينمائيا.. واعتبر أيوب أن التناول شعري عميق لأن مشكلة زكية هي مشكلة انسانية لأن الادمان هو مأساة وبسببه يبيع الانسان ابنته بمقابل بسيط بل سخيف واعتبر أيوب أيضا أن الجدل الذي أثاره الفيلم هو دليل نجاحه لأن الاجماع مخيف.

ليلى الشابي قالت إنها لم تكتشف قيمة الفيلم إلا بعد أيام من مشاهدتها الأولى له بشكل سري وتأكدت من صدق المعالجة وعمقها عندما لاحظت اعجاب الناس بالفيلم.

أما محمد كوكة فقال ان الفيلم ثوري لأن هناك مواضيع مسكوتا عنها طرحها بوضوح وهو حق المرأة في اللذة وتساءل لماذا لا يمنح هذا الحق إلا للرجل واعتبر أن فيلم «خشخاش» هو فيلم تونسي مائة بالمائة وأكد أن هذا الفيلم يشرف السينما التونسية.

سمير العيادي الذي شارك في كتابة السيناريو قال ان العمل مع سلمى بكار متعب ومزعج لأنها مخرجة محترفة تعمل على اعداد شريطه بصبر وتذكر كيف «روّضت» المطرب العراقي محمد ضياء من أجل المشاركة في شريط «حبيبة مسيكة».

أما عبد الحميد قياس الذي لم يشارك في الشريط فاعتبر «خشخاش» شريطا خارج سياق السينما التونسية إذ أن الحمام والنهد والجسد أصبحت هي تيمات السينما التونسية فهذا الشريط أبعدنا حسب رأيه عن الأمراض النفسية لأن فيه حميمية ولا توجد فيه غرائبية ولا لغو بل فيه لذّة المسرح.

وقال مصطفى نقبو ان هذا الفيلم منشّط وموقظ للضمير أما منية الورتاني فقالت ان الفيلم مسّها لأنها شعرت به قريبا منها إذ لم تشعر بأنها متفرجة فقط.

 

الشذوذ والمتعة

سلمى بكار التي بدت متأثرة لما قاله مصطفى نقبو الى حد البكاء اذ كانت تنظر له برهبة عندما كانت سينمائية هاوية في مهرجان قليبية ولم تتصور أنها ستسمع هذه الشهادة منه.

بكار قالت ان الشذوذ الذي أثار جدلا لم يكن أولوية في الفيلم وليس موضوعا رئيسيا ولم يكن قضيتها وأكدت على أن ما أرادت أن تطرحه في الفيلم هو الدفاع عن حق المرأة في اللذة وذكرت أنها قدمت وجهة نظر فقط و»سي مختار» ليس شاذا ولكنه يعاني من صعوبات نفسية وأكدت أن عددا من الممثلين طلبوا أداء دور «جعفر» وقد اختارت قصة جميلة إطارها الأربعينات وذكرت أنها امرأة صادقة في اختياراتها وهذا الصدق قد يتطلب ضريبة غالية وأشارت الى أن العطاء هو جوهر الفن وحيّت جهود الممثلين الذين قدموا أدوارهم بحرفية عالية.

 

* نور الدين بالطيب

 

(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 19 فيفري 2006)


أميركا وقد صارات سجينة أبي غريب

صالح بشير (*)      

 

ما ارتُكب في سجن أبي غريب كان، إذاً، أنكى وأكثر فظاعة مما تصورنا أو صُوِّر لنا. لم يكن «مجرد» إهانات تتوسل الرموز، لم يكن تعذيبا نفسيا في المقام الأول، لم يكن إيذاءً «ثقافيا»، «استشراقيا»، يحكّم مجندة في رقاب معتقلين تُفترض فيهم ذكورية شرقية، «إسلامية»، يلعب على العريْ والمحرمات الجنسية، يستخدم الكلاب ليبتز المعتقلين بنجاستها، على ما هو مبرمج، حسب اعتقاده، في جيناتهم الثقافية…

 

ما ارتُكب في سجن أبي غريب كان أيضا، وفضلا عن ذلك، جِزارةً، بالمعنى الحرفي للكلمة، حسب الصور (أتراها غيض من فيضٍ قد يأتي؟) التي أذاعتها قناة تلفزيونية أسترالية: جزّ رؤوس وذبح وتقطيع أوصال وكل ما قد يخطر، أو قد لا يخطر، في البال في مثل هذه الحالات عندما تنطلق همجية الجلادين من عقالها. وما لم تقله الصور أفصحت عنه الشهادات، على شحّها راهنا، شأن تلك التي أدلى بها أمام مجلس النواب الأميركي عسكري سبق له العمل في العراق، وتحدث عن تعذيب الأطفال أمام آبائهم المعتقلين للضغط على هؤلاء.

 

ويبدو أن المسؤولين الأميركان، أو أرفعهم شأنا، كانوا على بينة من تلك الصور، على علم بوجودها أو شاهدوها، ولكنهم اختاروا التستر عليها، مفضلين، عوض فقأ الدمل واستخلاص كل قيحه العفن، الاكتفاء بالتركيز على الدفعة الأولى من صور أبي غريب التي انفضح أمرها، والتي كانت «سوفت» قياسا إلى هذه التي بين يدينا، وذلك ربما تحسبا لنشرها وتحوّطا، حتى إذا ما حصل ذلك، صير إلى إلحاق الأخيرة بالأولى والزعم بأن الموضوع طوي وحسم فيه القضاء.

 

غير أن مثل هذه الحيَل، إن وجدت لن تمحو حقيقة، تلك التي مفادها أن الولايات المتحدة قد أجهزت، بما اقتُرف في سجن أبي غريب وشهدت عليه صور التلفزيون الأسترالي، على آخر مسوّغ «محترم» لغزوها العراق. فقد بطلت ذريعة أسلحة الدمار الشامل، ودُحِضت تعلّة التواطؤ بين نظام صدام حسين وتنظيم «القاعدة» ولم يبق إلا التعويل، من حيث المبدأ ونظريا، على ديموقراطية الولايات المتحدة واحترامها لحقوق الإنسان، الذي كان يُحسب مجال تفوقها بلا منازع، أقله قياسا إلى حكم كاسر شرس كذلك الذي استبدّ بمقدرات بلاد الرافدين لثلاثة عقود عجاف. كان يعتقد أن الاحتلال الأميركي، مهما اشتدت وطأته ومهما اقترف، لن يبز النظام العراقي السابق، الذي بلغ في مجال انتهاك الإنسان الأقصى… وها أن الولايات المتحدة تبدد حتى هذه «الأفضلية» الوحيدة، وها أن جلاديها يضاهون نظراءهم، جلادي صدام حسين، في عقر إجرامهم، سجن أبي غريب إياه.

 

تكاد الولايات المتحدة تفقد، على ضوء (أو على ظلام) صور التلفزيون الأسترالي، كل أهلية أخلاقية في محاكمة صدام حسين، إن مباشرة وإن من باب الإشراف كما هو حاصل. تستطيع طبعا محاكمته لما لا يُحصى من الأسباب، لأنها هزمته، والمحاكمة نصيب المهزومين، أو اقتصاصا منه على الإضرار بمصالحها إلى ما إلى ذلك الكثير، إلا محاكمته باسم الجرم في حق الإنسانية أو جرائم الحرب، ليس قطعا لأنه براء من تلك الجرائم، بل لعدم أهلية الولايات المتحدة لذلك، أو لأنها، أقله في العراق، أضاعت تلك الأهلية في أبي غريب… طالما أن ما حدث في ذلك المعتقل ليس مجرد «تجاوزات» ولا يندرج في بابها، قد يصح هذا الزعم حتى على إلقاء قنابل الفوسفور الأبيض على الفلوجة، إذ قد يقال أنها الحرب، وأن هذه الأخيرة لا تجري داخل مختبر معقّم، وأن لها دوما ضحاياها الجانبيين، منهم من تنال منهم «نيران صديقة» (أما كيف يمكن للنيران أن تكون صديقة؟ فذلك من عبقرية لغة التكنوقراط، خائضي الحروب في المكاتب)، أما ما اقتُرف في سجن أبي غريب فهو تعذيب، بل تقتيل وتمثيل بالجثث، ممنهج منظم إرادي وبدم بارد… أضحت محاكمة صدام حسين في ظل الاحتلال الأميركي أمرا خُلفا، مثل أن يقاضي تيمورلنك جنكيز خان بتهمة الإبادة، أو أن يقاضي هتلر ستالين بتهمة التقتيل الجماعي… يلوّث تلك المحاكمة التي يراد لها، أقله في نظر عراقيين كثر، أن تكون محاسبة لماض ولبنة تأسيسية لاجتراح عراق جديد، ديموقراطي يحلّ حقوق الإنسان منزلتها الرفيعة المنشودة والمبتغاة.

 

قد يرى البعض في هذا الكلام جنوحا إلى المبالغة، وأن الولايات المتحدة تظل، في نهاية المطاف، دولة ديموقراطية، وذلك صحيح، ولكن ديموقراطية الولايات المتحدة ليست من «ظروف التخفيف»، بل هي من «عوامل الإدانة» في مثل هذا الصدد، وتجعل اقترفاتها أفدح.

 

لكن هناك ما هو أخطر: استقالة ديموقراطيي الغرب، والأميركان منهم على نحو خاص، حيال ما يُرتكب باسم ديموقراطيتهم وباسم الدفاع عنها ونشرها، أي في نهاية المطاف، حيال ما يُقترف في حق نظامهم وقيمهم. لم تظهر حتى الآن تيارات رأي احتجاجية كتلك التي شهدتها الولايات المتحدة أثناء حرب فييتنام أو فرنسا إبان حرب التحرير الجزائرية، حيث قام من نطق وحاسب باسم القيم، وكتب ونظم المسيرات وواجه القمع والمحاكمة في بعض الحالات. والأرجح أن عامل الزمن (وقد أوشكت الحرب العراقية على بلوغ عامها الثالث)، أو قصره النسبي على ما يُعتقد، ليس العامل الحاسم في ذلك، إذ لا يبدو حتى الآت بأن شيئا من ذلك القبيل بصدد الاعتمال، مرهصا بصحوة، في البلدان الغربية. الأرجح أن لهذه المواجهة خصوصيتها قياسا إلى سابقاتها: أضحت «الحرب على الإرهاب»، بأبعادها الثقافية والحضارية المعلومة، تلوح، عن وجه حق أو توهماً وخطأً، حرب وجود، تدعو الرأي العام الغربي، وذلك الأميركي تخصيصاً، إلى التساهل حيال كل شيء، حتى وإن كان بفظاعة ما شهده سجن أبي غريب.

 

ويُستبعد أن يكون ذلك ناجما فقط عن كفاءة دعائية…

 

(*) كاتب تونسي

 

(المصدر: ملحق « تيارات » بصحيفة الحياة الصادرة يوم 19 فيفري 2006)

 


 

الفكر المتشعّب: نهضة ثانية تنقد النهضة الأولى

محمد الحداد (*)

 

يقف المثقف اليوم أمام خيار مصيري، عليه الاختيار بين أن ينخرط في صراع الحضارات أو أن يكون الناطق باسم الإنسانية المتطلعة إلى وحدة حضارية جامعة. عليه أن يحدد موقفه هل هو مع القيم الكونية أم مع التعصب لما تراه مجموعة معينة قيما كونية. هل يقتنع مع العلم أن العقل البشري واحد كما أن الفصائل الدموية واحدة أم يواصل وهم العقول التراتبية.

 

وإذا كان هذا المأزق الثقافي ذا طبيعة عالمية فإن المثقف العربي (والمسلم عامة) يواجه واقعا معقدا. إذا أراد أن يكون مثقفا نقديا فعليه أن يرفض فكرة «الاستثناء» بتعبيراتها الدينية والعرقية والقومية المختلفة، وبشكليها الأساسيين: الشكل الأصولي الذي يعتبر الإسلام نسيجا منفصلا في المسار البشري فلا يقبل أن يدنس بمناهج الدرس الإنساني للظواهر الدينية والحضارية، والشكل الاستئصالي الذي يعتبر الإسلام نسيجا منفصلا في المسار البشري فلا يقبل أن يندمج في التوجه العالمي للحضارة الإنسانية.

 

ثمة ذهنية التمجيد التي تستوي في أن تكون تمجيدا للذات وتعبيرا عن الانغلاق أو تمجيدا للآخر وتعبيرا عن الانبهار. كما ثمة ذهنية الجلد التي تستوي أن تكون جلدا للذات أو هجاء للآخر. أما النقد فهو جهد بناء وليس تفريغ شحنات عاطفية. والنقد بهذا الشكل جديد على الفكر العربي والإسلامي لضعف الفضاءات البحثية فيه، إذ غالبا ما تكون مراكز البحث والجامعات تحت سيطرة المشاريع السياسية من مختلف المشارب والاتجاهات فيختلط النقد بالمعنى الفلسفي بالمناضلات المذهبية.

 

إن «الصراع على الإسلام»، بمعنى الصراع على حق تمثيله أو حق الحديث عنه أو الحديث باسمه، هو صراع قد انفتح من جديد بعد تفجيرات أيلول (سبتمبر) 2001. فكما أن «النظام العالمي» الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي يصاغ مجددا وعلى أسس مختلفة، فثمة أيضا النظام الديني العالمي الذي يخضع إلى نفس الحركة. والفترة الحالية للإسلام تشبه فترة انهيار الخلافة في بداية القرن العشرين. ومن الطبيعي أن تتغير الأمور مع تغير الدوافع إليها، وأن تعيد الأطراف المعنية جميعا تحديد مواقعها.

 

وكما كانت الصفة الرئيسية للنظام العالمي المنتهي أنه نظام جمود (statu quo)، فكذلك ظل الشأن الديني مسكوتا عنه في مجال تدخل العقل النقدي، واحتكر الأيديولوجيون الأصوليون والاستئصاليون مهمة الحديث باسمه أو الحديث عنه. ويحدث دائما أن تكون فترات الانتقال فترات ذات طابع فوضوي لكنها الكفيلة وحدها بفتح إمكانيات تفكير جديدة. ولئن كان من حق البعض أن يلاحظ اليوم أن كل من هب ودبّ أصبح يزعم أنه مختص في الإسلام فإنه من الجدير أيضا الإعلان صراحة انه لم يعد ممكنا أن نترك الشأن الديني وهو الظاهرة الثقافية الأكثر خطرا في حياة مجتمعاتنا لتفكير القطاعات الأضعف ثقافة ومعرفة في هذه المجتمعات.

 

إن النقد عملية بناء وليس عملية هدم لكن الفترة الانتقالية مهيأة أن تشهد الكثير من الزبد الذي لن ينفع الناس. والأصوات التي تعلو اليوم هي أصوات الصراع بين الأصولية والاستئصالية: ثمة من جهة الوعاظ الذين احتلوا مكان العلماء والفلاسفة والمتكلمين قديما، وثمة الذين يكتبون للدوائر النافذة في الغرب بما يشتهون، والانتهازيون الذين حولوا القلم من اليسار إلى اليمين، والمتصدون للأصولية الإسلامية بالأصولية الستالينية، وشراح المدونة الماركسية الذين تحولوا شراحا للنصوص الدينية بعد أن فقدوا وظائفهم القديمة.

 

ويرى البعض أن المهمة الأساسية للمثقف العربي والمسلم (واستعمل الكلمتين بالمعنى الحضاري) أن يطرح معالم «نهضة ثانية» تقوم هذه المرة على قيمة الحرية التي هي أعلى قيم العالم الحديث. ويمكن أن يكون هذا الاقتراح مقبولا على شرط أن نتخلى عن فكرة تقديم الوصفات العامة في شكل الكتيبات النضالية للعهد الثوري، أو المشاريع الفضفاضة لقراءة التراث، أو التطبيقات السطحية للمناهج والفلسفات الحديثة. فالمجالات المطروحة لتدخل العقل النقدي كثيرة وتطلب مشاريع بحث ضخمة وعمقا حقيقيا في درس القضايا. والفكر الجديد هو الذي يقبل أن يتخلى عن الاطمئنان الأيديولوجي ويقبل ما دعاه إدغار موران «الفكر المتشعب». ولا تتحقق «النهضة الثانية» المنشودة إلا بنقد الأسس المعرفية والعملية لما دعي بالنهضة الأولى.

 

(*) كاتب تونسي

 

(المصدر: ملحق « تيارات » بصحيفة الحياة الصادرة يوم 19 فيفري 2006)


لماذا جاء رامسفيلد إلى المغرب؟

GMT 8:45:00 2006 الأحد 19 فبراير .
 
 أشرف عبدالقادر
قرأت واستمعت إلى بعض التعليقات عن الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد إلى كل من تونس والجزائر والمغرب فلم أفهم أي شيء، لأن المعلقين هم أيضاً لم يكونوا يعرفون خفايا هذه الزيارة لا لأنهم أغبياء،معاذ الله، ولكن لأن المعلومات تنقصهم. لكن المعلق السياسي المطلع لجريدة « الأحداث المغربية » عبد المجيد حشاوي كتب تعليقاً قبل الزيارة قال فيه كل شيء، لأنه كان يتوفر لديه تقارير أوربية وأمريكية حول الموضوع. يقول الأستاذ حشاوي: تندرج زيارة رامسفيلد للدول المغاربية الثلاث ضمن زيارته السابقة للدول الأخرى المشاركة في عملية « القبضة الحديدية » سواء كانت دولاً إسلامية أو أوربية. والقبضة الحديدية ترمي إلى إقامة سد منيع يحول دون تسلل عناصر القاعدة المتكاثرة في الساحل الأفريقي الذي يعاني من فراغ خطير في السلطة. هذا السد اسمه « السور الفاصل » بين القاعدة والغرب. والذي بدأ تنفيذه بإرسال خبراء أمنيين أوربيين وأمريكيين إلى الساحل لتشخيص الوضع ميدانياً. سبقت زيارة مدير مكتب التحقيقات الأمريكي هذا الأسبوع زيارة رامسفيلد المنتظرة آخر الأسبوع … كما يقول الأستاذ حشاوي. وهو يزور المغرب « الذي يربطه بالولايات المتحدة تعاون أمني وعسكري خاص في عدة مجالات منها التدخل السريع لحماية المصالح الخارجية للمغرب وحلفائه … ومعروف أن المغرب أول حلفاء الولايات المتحدة من الدول الإسلامية » المحاربة للإرهاب.
خلال زيارته السابقة لأوربا للهدف ذاته شرح لمفاوضيه في الاتحاد الأوربي قلقه من « كون دول الساحل الأفريقي أصبحت مصدر تهديد للدول الغربية ». أما زيارته للجزائر فزيادة على التنسيق الأمني معها لتشييد « السور الفاصل »  « بين بن لادن والغرب » كما يقول المعلق الواسع الاطلاع ، فإنه سيحمل إليها تحذيرات من دول الاتحاد الأوربي لأن البوليساريو التي تقيم على الأراضي الجزائرية ومدعومة منها تمويلاً وتسليحاً تأوي « عناصر إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة »، وهي تمثل خطراً مباشراً على المغرب وعلي دول أوربا التي تعتبر المغرب بوابتها الخلفية . الهدف من « السور الفاصل » في إستراتيجية « الدول المشاركة في الحرب على الإرهاب هي ضربه في عقر داره » قبل أن يعبر الحدود الأوربية أو الأمريكية. والدول المتحالفة ضد الإرهاب ترحب بتمركز قوات أمريكية متخصصة في الحرب على الإرهاب على حدود الساحل الأفريقي وحدود الدول المغاربية مع الساحل للتصدي للمتسللين من عناصر القاعدة. يقول تقرير أمريكي في هذا الشأن « يستغل تنظيم القاعدة في دول الساحل الأفريقي ثلاثة عناصر تسهل له الحصول على « مجال حيوي » ينطلق منه نحو الدول المغاربية ونحو الغرب. أولاً وجود مساحات شاسعة لا تسيطر عليها قوات أمنية وعسكرية أفريقية أو متنازع عليها بين دول المنطقة، وهكذا استطاعت عناصر القاعدة أن تتمركز فيها. ثانياً الفقر الذي يعاني منه الكثير من سكان المنطقة بحيث تستطيع القاعدة رشوتهم ليتركوها تفعل ما تريد. ثالثاً يقول التقرير الأمريكي سبب تمركز قوات القاعدة في الساحل هو غياب الحضور الأمريكي الإستخباراتي والعسكري المجهز بأحدث أسلحة وآلات الاستكشاف للأنشطة الإرهابية. وتقول المصادر المطلعة المغربية أن القوات الأمريكية قررت إعادة استخدام خبراء الأمم المتحدة في الساحل والذين لم يستطيعوا استثمار خبرتهم تحت قيادة الأمم المتحدة الفاشلة رغم معرفتهم الجيدة بهذه المنطقة وسبق لهم أن قاموا فيها بعمليات ميدانية. وهكذا فسياسة الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب أصبحت تقوم على « البحث على أي منفذ يوصلها لأي صغير وكبير عن تحركات الإرهابيين ». يقول المعلق القدير عبد المجيد حشاوي « التقارير الأمنية أشارت إلى كون خلايا القاعدة أصبحت تعمل بنظامين داخل الدول الأوربية: الأول يدعي »التكتيك والبرمجة عن بعد » بواسطة الانترنت حيث يتوفر القاعدة داخل الدول الأوربية على عناصر تقوم ببرمجة ضربات إرهابية ضد الدول المستهدفة وتعمل على جمع المعلومات المادية والتقنية الضرورية، بينما يقوم النظام الثاني للقاعدة بتواجد في مناطق الساحل الأفريقي. و « السور الفاصل » هدفه الفصل بين هذين التنظيمين المتكاملين للتقليل من فاعلية القاعدة وربما في المستقبل المتوسط القضاء عليها. وحسب هذه التقارير الأمنية أن المغرب أصبح قاعدة لتنظيم القاعدة حيث ينطلق الإرهابيون منه إلى دول أوربا، والدول المستهدفة التي زارها أو سيزورها مستقبلاً رامسلفيد وغيره من خبراء البنتاجون والحلف الأطلسي هي على التوالي المغرب، وتونس، والأردن، والجزائر، ولبنان، والسعودية، وباكستان، والعراق، ومصر. ويقول التقرير الأمريكي أن « الدول المستهدفة أكثر من غيرها هي السعودية ثم مصر ثم المغرب ثم باكستان ثم تونس ثم الجزائر ».
زيارة رامسفيلد أرادت استكشاف قدرات هذه البلدان على مساعدة أمريكا في الحرب العالمية الرابعة على الإرهاب.
(المصدر: موقع إيلاف  بتاريخ 19 فيفري2006 )


 

 

«الحياة» تنشر ملفاً خاصاً عن الجدل الأميركي إزاء مضاعفات الانتخابات في المنطقة …

واشنطن تتجه إلى التعامل مع الإسلاميين كـ «أمر واقع انتقالي»

واشنطن – سلامة نعمات    

 

بدت الادارة الاميركية في تصريحات لكبار المسؤولين فيها اخيرا، بمن فيهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وكأنها تستعد للتعامل في شكل واقعي وبراغماتي مع تنامي دور الحركات الاسلامية في الشرق الاوسط كمرحلة انتقالية لا بد منها في اطار التحول نحو الديموقراطية في المنطقة.

 

ويقول مسؤول كبير في البيت الابيض إن نتائج الانتخابات التي شهدتها المنطقة من العراق الى فلسطين، مرورا بمصر ولبنان اظهرت «حتمية بروز التيارات الاسلامية»، بوصفها القوى الأكثر تنظيماً على الساحة السياسية في غياب الظروف الموضوعية لتنامي دور القوى والاحزاب غير الدينية التي تواجه تضييقا عليها من الانظمة الحاكمة والحركات الاسلامية معا. واعتبر ان الانظمة السياسية العلمانية او شبه العلمانية التي ورثت الاستعمار الغربي في المنطقة العربية فشلت على مدى العقود الماضية منذ استقلالها في استجابة التحديات الاقتصادية والسياسية والوطنية، ما استغلته الحركات الاسلامية لطرح نفسها بديلا من الوضع القائم.

 

وقالت رايس في لقاء صحافي عشية توجهها اليوم الى المنطقة في جولة تضم مصر والسعودية ودولة الامارات العربية ان الادارة الاميركية «ليست آسفة» لوصول «حماس» الى السلطة في فلسطين وتنامي دور التيارات الاسلامية في المنطقة رغم انتقادات للإدارة بأنها مهدت لهذه النتيجة بإصرارها على اجراء الانتخابات في ظل ظروف عصيبة كان من المتوقع لها ان تفرز نتائج لا تبدو منسجمة مع المصالح الاميركية ومصالح حلفائها التقليديين في المنطقة.

 

واصرت رايس على ان الادارة ستتمسك بنهج تشجيع الاصلاح السياسي في المنطقة العربية بصرف النظر عن ترجيح تزايد نفوذ القوى المعادية لأميركا والغرب، معتبرة ان هذا الواقع يعكس «مرحلة انتقالية ضرورية» قبل بلورة انظمة سياسية اكثر استقرارا وانفتاحا على الغرب في ظل حكومات ستواجه استحقاقات من اهمها تقديم خيارات افضل لشعوبها واقامة علاقات بناءة مع العالم.

 

ورغم مؤشرات الى ان الادارة حسمت امرها في هذا الاتجاه، يتواصل الجدل والتجاذب في اوساط الادارة ومراكز الابحاث الاميركية والغربية عموما بين مدرسة ترى ان عملية الاصلاح السياسي وبناء مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة يجب ان تسبق اجراء الانتخابات، فيما ترى اخرى ان اجراء الانتخابات يساهم في تعجيل عملية الاصلاح وبناء المؤسسات بأسلوب «الصدمة» التي لا بد منها لإنعاش الحياة السياسية.

 ———————————————————————

كيف تتعاطى الإدارة الأميركية مع وصول أحزاب أصولية الى الحكم بوسائل ديموقراطية؟ …

فوز الاسلاميين في الانتخابات يقلق واشنطن … لكنها فرصة لاختبار معنى وصولهم الى الحكم

واشنطن – سلامة نعمات    

 

تستند استراتيجية ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش حيال منطقة الشرق الاوسط الى معادلة «نشر الديموقراطية في مواجهة التطرف والارهاب». إلا ان الديموقراطية – بتجلياتها الانتخابية الاولية في العراق ومصر وفلسطين ولبنان – أفرزت تنامياً للتيارات الاسلامية الرافضة لأميركا او المعادية لها وللغرب عموماً، وهو ما يبدو متناقضاً مع أهداف الاستراتيجية الاميركية المعلنة. فهل اخطأت الحسابات الاميركية بتشجيعها نهجاً جعل من الاسلام السياسي رديفاً للديموقراطية في العالم العربي، أم ان ما جرى يعد «مرحلة انتقالية متوقعة ولا بد منها» قبل الوصول الى الديموقراطية الليبرالية على انقاض الفشل المتوقع للإسلاميين في الاستجابة لتطلعات المجتمعات العربية الى الحداثة والتقدم والرفاه؟ وهل تنجح محاولات الادارة الاميركية في تجيير الخلاف السني – الشيعي من جهة، والخلاف بين جماعة «الاخوان المسلمين» وتنظيم «القاعدة»، من جهة اخرى، لخدمة الحرب الدولية على الارهاب؟

 

يقول استاذ التاريخ في جامعة فوردام في نيويورك دورون بناتار ان بروز تيارات الاسلام السياسي اخيراً من خلال آليات ديموقراطية يعكس المزاج العام في المنطقة. فهو يرى ان شعوب المنطقة «تميل تجاه الاصولية الدينية لأسباب ثقافية وموضوعية تجعلهم يتماهون فيها مع الاسلاميين اكثر من انسجامهم مع ثقافة غربية الميول». بيد ان محللين آخرين يعزون ظاهرة «الجاذبية الاسلامية» الى غياب مؤسسات المجتمع المدني وقمع الانظمة غير الديموقراطية للجماعات العلمانية المعارضة. إذ يقول مارك تيسلر، خبير شؤون الشرق الاوسط في جامعة ميتشيغان، انه «من باب التبسيط الادعاء بأن الانتخابات الحرة والنزيهة هي كل ما نحتاجه لإقامة ديموقراطيات، ومن التبسيط ايضاً القول إن الناخبين يصوتون للأحزاب الاسلامية لأنهم متطرفون او معادون لأميركا». ويرى ان جزءاً من المشكلة هي في ان كثيراً من دول المنطقة لا تملك الآليات الضرورية لتطوير عملية ديموقراطية في غياب حرية الصحافة والتعبير والمؤسسات القضائية المستقلة، فضلاً عن استئثار الاسلاميين بالمساجد التي يستخدمونها منابر اعلامية تفتقر اليها الاحزاب الليبرالية العلمانية.

 

وينصح لاري دايموند، خبير شؤون الديموقراطية في «معهد هوفر» التابع لجامعة ستانفورد، بخلق مساحات جديدة للحوار السياسي في دول المنطقة في اطار من حرية التعبير واتاحة المجال للأحزاب المعارضة غير الاسلامية الى التنافس جنباً الى جنب مع الحركات الاسلامية، بعيداً من اسلوب التخوين والترهيب على يد السلطة او الاسلاميين.

 

وتعهد بوش في خطاب «حال الاتحاد» اخيراً بمواصلة دعم الاصلاح السياسي في الشرق الاوسط حتى ولو جاءت النتائج مغايرة لما تريده واشنطن. وقال إن «الطريقة الوحيدة لدحر الارهابيين ورؤيتهم السوداء المستندة الى الكراهية والترهيب، هو بتقديم بديل يمنح املاً بالحرية السياسية والتغيير السلمي». لكنه اعترف بأن «خيارات اهل المنطقة لن تنسجم دائماً مع ما نراه نحن، فالديموقراطيات في الشرق الاوسط لن تشبه ديموقراطيتنا، لأنها ستعكس تقاليد مواطنيها».

 

وتتفق مسؤولة قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا في «المعهد الوطني الديموقراطي» ليزلي كامبل مع وجهة النظر التي تقول إن حكومات دول المنطقة، حيث يزدهر الاسلام السياسي، تفرض قيوداً صارمة على حرية التعبير وتحظر نشاط منظمات حقوق الانسان والجماعات المعارضة، «ما يقود الى إضعاف قدرة الحركات السياسية العلمانية التي ترى الانظمة انها الاكثر تهديداً لنخبها الحاكمة». وتعتبر ان «المكان الوحيد الذي لا تسيطر عليه الانظمة هو المسجد، الذي تستخدمه الجماعات الاسلامية المعارضة لنشر آرائها السياسية عبر صلاة الجمعة». ورأت ان «خيار المواطنين هو بين سلطات تسيء استغلال موارد الدولة لتدعيم حكمها، وجماعات اسلامية تملك المساجد وتستغلها لتنظيم اتباعها ودفع اجندتها السياسية. وما بين الخيارين، لا يوجد شيء».

 

وقالت إن خيار الفلسطينيين في الانتخابات الاخيرة، التي نجحت فيها «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) قدمت مثالاً على «سلطة فاسدة استغلت مواردها لتعزيز موقعها، وحركة اسلامية استغلت المساجد لتقدم بديلاً».

 

ويحذر لورن كرينر، رئيس «المعهد الجمهوري الدولي»، الذي يدعم مؤسسات المجتمع المدني في الدول النامية، من ان السلطات الحاكمة «تستغل التيارات الاصولية الدينية لتعزيز موقعها بطرحها نفسها، امام الغرب، بديلاً وحيداً للتطرف الاسلامي». ويرى رضوان مصمودي، رئيس «مركز دراسات الاسلام والديموقراطية» في واشنطن ان «جاذبية العلمانية تراجعت في العالم العربي بسبب سياسات أنظمة علمانية مستبدة وقمعية».

 

وعلى رغم اتفاق كثير من دور الابحاث الاميركية على ان الديموقراطية في العالم العربي ستفرز قوى معادية لأميركا بحكم السياسات الاميركية خلال العقود الاخيرة، فإنهم يعتبرون ان التحول نحو الديموقراطية يساهم ايضاً في احتواء خطر التطرف الذي يفرز ارهاباً يهدد الدول الغربية. ويشير بعضهم الى ان الحكومة الاسلامية في تركيا تعتبر حليفة للولايات المتحدة على رغم الخلافات القائمة بين البلدين. ويرون ان تركيا قدمت مثالاً لحكومة اسلامية تتبنى سياسات علمانية براغماتية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، فيما تسعى الى الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

 

 من جهة اخرى، قدم العراق للإدارة الاميركية مثالاً على امكان التعاون، حيث تقتضي المصلحة المشتركة، مع تيارات اسلامية معتدلة وفاعلة تتمتع بالصدقية كتلك التي يقودها المرجع الديني الشيعي السيد علي السيستاني. إذ لعب التحالف غير المعلن بين واشنطن والسيستاني دوراً اساسياً في ضبط ايقاع العملية السياسية بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين وصولاً الى الانتخابات الاخيرة التي تجاوز نجاحها معظم التوقعات. وساهم نجاح الانتخابات التمهيدية السابقة، وصولاً الى اقرار الدستور العراقي، في تشجيع العرب السنة المعتكفين على المشاركة في العملية السياسية وتحقيق قدر من الشرعية للحكومة العراقية المرتقبة، على رغم استمرار التجاذب. إلا ان انحياز واشنطن التكتيكي مع الغالبية الشيعية لا يعني تحالفاً بين اميركا والمرجعيات الشيعية ضد الجماعات السنية المناوئة للنفوذ الاميركي في العراق. فالمرجعيات الشيعية في ايران، التي تتمتع بنفوذ لا يستهان به في العراق، ما زالت على موقفها المناوئ للسياسات الاميركية في المنطقة، وهي تقف اليوم وراء الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في تمسكه ببرنامج ايران النووي الذي تسعى واشنطن الى احباطه، علماً أن احمدي نجاد دعا الى مسح اسرائيل عن الخريطة الجغرافية للمنطقة.

 

ويحذر مسؤولون اميركيون من خطر بناء سياسات طويلة الامد على اساس تحالفات تكتيكية لا يمكن ان تصمد في وجه العداء العقائدي المتأصل بين الاسلاميين والغرب، ما يدفع في اتجاه تمسك واشنطن بتحالفاتها الاقليمية لضبط الوضع في العراق ومواجهة التهديد الايراني المتمثل بصعود المتشددين الى السلطة في طهران بعد فشل التجربة الخاتمية المعتدلة في احداث تغيير سياسي حقيقي نحو الانفتاح على الغرب.

 

الاسلام المعتدل في مواجهة «القاعدة»؟

 

وتراهن ادارة بوش على ان الاسلام السياسي المعتدل قادر على مواجهة ودحر الاسلام السياسي المتطرف الذي يمثله زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن، ومساعده ايمن الظواهري، والذي يعتبر المنشق الاردني ابو مصعب الزرقاوي ابرز ممثليه الناشطين في العراق والمنطقة. وترى ان التيارات الاسلامية المعتدلة، متمثلة بحركة «الاخوان المسلمين»، هي احدى الادوات التي يمكن استخدامها لضرب التطرف البنلادني المعادي لفكرة الديموقراطية. إذ اعتبر مسؤولون اميركيون في مجلس الامن القومي ووزارة الدفاع والامن الوطني ان قرار جماعة «الاخوان» في مصر، و «حماس»، ومعهما السنة في العراق المشاركة في انتخابات ديموقراطية، خلق شرخاً بينها وبين تنظيم «القاعدة» الذي «كفر» الانتخابات الديموقراطية على انها «بدعة» غربية يرفضها الاسلام.

 

غير ان البيت الابيض فوجيء بنجاح «حماس»، وهي الوجه الفلسطيني لجماعة «الاخوان»، في الانتخابات الفلسطينية، علماً بأنها استخدمت وسائل عنيفة «مماثلة لوسائل تنظيم القاعدة»، وبخاصة العمليات الانتحارية ضد المدنيين. وينطبق الوضع نفسه في نظر الاميركيين على «حزب الله» اللبناني الذي حقق نجاحاً في الانتخابات الاخيرة. إلا ان واشنطن قررت عدم استباق الموقف فتمسكت بموقفها الذي ترك الباب مفتوحاً على الاعتراف بحكومة فلسطينية تقودها «حماس» طالما انها تتخلى عن العنف وتنبذ الارهاب وتعترف بحق اسرائيل في الوجود في اطار مشروع الدولتين، فيما ابدت استعداداً للتعامل مع «حزب الله» في حال قبل التخلي عن سلاحه والانخراط في العملية السياسية.

 

ويقول مسؤول كبير في البيت الابيض، وهو احد ابرز مستشاري الرئيس في ما يخص السياسية الشرق اوسطية، ان هناك تحالفاً تكتيكياً بين مختلف التنظيمات الاسلامية وبعض الانظمة الحاكمة في المنطقة، يستند الى تلاقي المصالح على رغم الخلافات العقائدية. ويشير الى ان سورية «العلمانية» تدعم «حماس» الاسلامية السنية، و «حزب الله» الشيعي، تماماً كما تفعل ايران التي تدعم ايضاً بعض تكتيكات تنظيم «القاعدة» المناوئ للشيعة. ويحذر المسؤول من خطورة الاعتقاد بإمكان المراهنة على خلاف عقائدي بين مختلف التنظيمات الاسلامية في اطار الحرب على تنظيم القاعدة والجماعات المؤيدة له. ويبدو موقف المسؤول الاميركي قريباً من وجهة نظر باحثين اميركيين في الشؤون الاسلامية، يرون ان الخلاف بين الاسلاميين «المعتدلين» والمتطرفين هو في اسلوب المقاربة وليس في الهدف النهائي.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 19 فيفري 2006)

 ————————————————–

في ضوء صعود «حماس» وفشل الحليف الفلسطيني …

نقاش أميركي بين مؤيدي الانتخابات والمستمهلين حتى نضوج تيارات علمانية

واشنطن – جويس كرم    

 

فرضت نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفوز «حركة المقاومة الاسلامية» (حماس) بأغلبية ساحقة على حركة «فتح»، جدلاً داخلياً في الادارة الأميركية حول استراتيجية الرئيس جورج بوش لنشر الديموقراطية في العالم العربي وتضاربها في بعض الحالات مع مصالح أميركا في المنطقة. وتؤكد مصادر رسمية أن هناك أصواتاً داخل الادارة تطالب باعادة النظر، على رغم تمسكها بالنهج الديموقراطي، في الأسلوب المتبع لخلق بدائل ديموقراطية والحؤول دون وصول حركات متطرفة الى السلطة.

 

وفاجأ انتصار «حماس» الانتخابي الأسبوع الفائت وحصدها 74 مقعداً في مقابل 45 لـ «فتح» الادارة الأميركية، ودفع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الى الطلب من مساعديها «التمعن في النتائج» ومعرفة «الأسباب وراء الخطأ في قراءة المشهد السياسي الفلسطيني». وفيما رحب البيت الأبيض بالعملية الديموقراطية ورأى فيها الرئيس بوش علامة على «مدى قوة الديموقراطية»، أعاد التزام الولايات المتحدة في اعتبار «حماس» منظمة ارهابية والتعهد بمقاطعة ممثلي الحركة، وقطع المساعدات عن أي حكومة تشكلها.

 

المعضلة…

 

ويشير مدير مشروع «دعم الديموقراطية العربية» في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك الى أن الادارة الأميركية تواجه «معضلة سياسية» في محاولتها التكيف مع نتائج الانتخابات ودعمها الديموقراطية من جهة، ودفعها لعملية السلام وخريطة الطريق من جهة ثانية، معتبراً ان الادارة «تلقت ضربة موجعة» مع وصول الحركة الاسلامية الى السلطة. وتدرج الخارجية الأميركية حركة «حماس» على لائحتها للارهاب، في حين تشير سجلات الحكومة الاسرائيلية الى قيام الحركة بنحو 425 عملية انتحارية منذ بدء انتفاضة الأقصى في العام 2000، والمساهمة في قتل 27 أميركياً منذ العام 1999.

 

ويرى آرون ميلر، وهو باحث في السياسة العامة في «معهد وودرو ويلسون» والمستشار السابق لستة وزراء خارجية أميركيين في الملف الاسرائيلي الفلسطيني، أن فوز «حماس» سيضع عملية السلام في «الثلاجة في السنتين المقبلتين». واستبعد المفاوض السابق حصول أي تغيير في توجه حماس وجنوحها نحو الاعتدال، مشيراً الى أن «حماس لن تعود حماس في حال غيرت نهجها» و «لن يكون هناك تكرار لسيناريو الثمانينات بين الرئيس رونالد ريغان ومنظمة التحرير الفلسطينية» التي تم التعامل معها بعد اعترافها باسرائيل ونبذها العنف في 14 كانون الأول (ديسمبر) 1988. وتوقع ميلر رؤية «خطوات داخلية في المجتمعين الاسرائيلي والفلسطيني» تستند على الحوار الداخلي خلال الفترة المقبلة ريثما يتم حل «عقدة حماس».

 

وفي حين رجح مفاوضون أميركيون سابقون مثل دنيس روس ومارتن أنديك، أن يدفع انتصار «حماس» الحكومة الاسرائيلية للقيام بخطوات أحادية الجانب و «الانفصال» بالكامل عن الفلسطينيين بعد استكمال بناء الجدار واخلاء بعض مستوطنات الضفة، اعتبر ميلر أن فوز حماس سيضعف تأييد الناخب الاسرائيلي لأي خطوات أحادية خوفاً من «أن تستثمرها حماس لزيادة شعبيتها أو لتوسيع سلطتها بعد أي انسحابات مفترضة.»

 

وعن قطع المساعدات، رأى ميلر أن الادارة الأميركية ستتوقف عن تقديم أي مبالغ مباشرة للسلطة في ظل سيطرة «حماس»، على رغم مضاعفات هذا الأمر على الشعب الفلسطيني. ويتلقى الفلسطينيون 900 مليون دولار من المساعدات الخارجية ثلثها من الاتحاد الأوروبي فيما تقدم واشنطن مساعدة سنوية قدرها 200 مليون دولار خصصها البيت الأبيض لمساعدة السلطة الفلسطينية و150 مليون دولار أخرى تشرف عليها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وتمنح لمنظمات خاصة وغير حكومية أو لفروع الأمم المتحدة. واضطر الرئيس بوش الى اللجوء الى صلاحياته الرئاسية العام الفائت لتمرير المساعدات للسلطة والغاء الحظر المفروض من الكونغرس. وحذر كوك من أضرار قطع المساعدات، «وإجبار حماس الى التوجه نحو دول عربية أو الحكومة الايرانية والتي تقدم حالياً ثلاثة ملايين دولار سنويا للحركة، وخطر جعلها أكثر تطرفاً».

 

وتشير مصادر في الادارة الأميركية الى أن فوز «حماس» أطلق جدلاً داخل الادارة تمثل في اعتراضات أصحاب «الخط الواقعي» (ريل بوليتيك) حول استراتيجية بوش في نشر الديموقراطية ومخاطرها على الاستقرار في المنطقة، ونصح هؤلاء بالعمل على دعم الديموقراطيين العرب كبديل ثالث يوقف صعود الحركات الاسلامية.

 

ويشير كوك الى أن «الادارة الأميركية تعلمت الدرس الخاطئ من العراق» و «استعجلت الدعوة الى انتخابات بدل العمل على بناء مؤسسات ديموقراطية وخلق حركات ليبرالية» في العالم العربي. واعتبر أن مكاسب الحركات الاسلامية برزت في الانتخابات الأخيرة في العراق ومصر ولبنان (حزب الدعوة العراقي، «الاخوان المسلمون» في مصر، «حزب الله» في لبنان) وهي «دليل واضح على مدى قوة الحركات الاسلامية وقدراتها التنظيمية»، و «من السذاجة عدم توقع نتائج مماثلة على الساحة الفلسطينية».

 

بديل ثالث…

 

ويدعو كوك الادارة الى «اعادة تقويم» الأسلوب المتبع لنشر الديموقراطية في العالم العربي، والذي قد يؤدي في حال استمراره في هذا الاتجاه الى «وصول المزيد من الأحزاب الاسلامية غير المؤيدة لواشنطن الى السلطة في دول مثل الأردن أو الكويت». ويؤكد أن على الادارة أن تعمل على تطوير المؤسسات الديموقراطية ووسائل التغيير الديموقراطي السلمي قبل «فتح صناديق الاقتراع». ويختلف الباحث جوشوا مورافشيك من معهد أميركان انتربرايز اليميني والقريب من الادارة، مع كوك، ويرى أن مصلحة الادارة الأميركية هي في «دفع الديموقراطية والانتخابات « و «على رغم وجود مطبات سياسية في المدى القصير».

 

ويوضح مورافشيك أن ليس لديه «شعور بالاحباط أو الحزن لفوز حماس» بل يرى فيها «الطريقة الأفضل للتعبير عما يفكر فيه الفلسطينيون». ويشير الباحث القريب من المحافظين الجدد الى أن لدى «حماس خطاً واضحاً وصريحاً» يتناقض مع «الازدواجية السياسية التي مثلها عرفات» الذي حاول أن يجمع بين «العنف والسلام». ويعتبر مورافشيك أن «عقيدة بوش» لنشر الديموقراطية في العالم العربي هي السبيل الوحيد للنهوض في المنطقة، بعد أن برهنت اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 فشل المصطلح القائم منذ خمسة عقود والقائل إن الوضع السياسي الراهن في المنطقة واستقرار الأنظمة يخدم مصالح واشنطن. وتصدرت وقتها أولويات تأمين تدفق النفط من الخليج العربي وضمان أمن اسرائيل ومواجهة الدول المارقة ومكافحة الارهاب واحتواء النفوذ السوفياتي اولويات السياسة الأميركية.

 

وشملت التساؤلات اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) وما اذا كانت الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط مصدر استقرار أو مصدر انتاج للتطرف. ومن هنا إصرار ادارة بوش على تعزيز الديموقراطية والقيام بإصلاحات سياسية لـ «تجفيف المستنقع» الذي ينتج ارهابيين. وجاءت الحرب على العراق ضمن هذه الاستراتجية ودعم العملية الديموقراطية حتى ولو ادى ذلك الى وصول منظمات اسلامية بعضها مناهض للولايات المتحدة الى الحكم.

 

ويشير مورافشيك الى أن هذه الاستراتيجية تهدف الى «اضعاف تنظيم القاعدة ومنعه من اجتذاب مجموعات اسلامية لها حضورها السياسي في العالم العربي مثل حماس وحزب الله والاخوان المسلمين».

 

وكرس خطاب بوش أمام «معهد الوقف القومي للديموقراطية» التابع للحكومة الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2003 هذا التوجه إذ أعلن انقلاباً على «ستين سنة من تبرير الدول الغربية لنقص الحرية في الشرق الأوسط، ما لم يمنحنا الأمن» مؤكداً «أنه في المدى البعيد لا يمكن شراء الاستقرار على حساب الحرية». وتعهد بوش في الخطاب نفسه بأن تتبنى الولايات المتحدة «سياسة جديدة، واستراتيجية تقدمية للحرية في الشرق الأوسط.» ويشير مورافشيك الى أن الديموقراطية هي السبيل الأفضل لـ «تقويم أي حزب أو حركة سياسية»، ويعتبر أن فوز حماس «سيجبر الفلسطينيين على التفكير أكثر في اتخاذ قراراتهم وبدء حوار داخلي»، مشيراً الى أن «فشل حماس في ادارة السلطة سيضعف الحركة ويضعها خارج الحكم». ويستبعد مورافشيك أيضاً أن تعدل حركة «حماس» في اتجاهاتها، وتوقع أن تخسر المساعدات الأميركية.

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 19 فيفري 2006)

 ——————————————————

 

« حماس » والمد الإسلامي الديموقراطي

سعد الدين إبراهيم (*)

 

جاء فوز «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية تتويجاً لمسيرة حركة المقاومة الإسلامية التي بدأت منذ عقدين، وتزامنت مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى. وهذا الحدث الذي فاجأ العرب والعالم و»حماس» نفسها، هو في أحد معانيه تحول كيفي في مسيرة الكفاح الفلسطيني من أجل تقرير المصير، وفي سياق إقليمي أكبر هو موجة عالية في المد الإسلامي، الذي يشهده العالم منذ أواخر ستينات القرن العشرين.

 

وهو تتويج لمسيرة حركة «حماس»، التي بدأنا نسمع عنها، من دون أن يعطيها معظمنا اهتماماً يذكر في أواخر ثمانينات القرن الماضي. بل كانت هناك قرائن أن إسرائيل تشجع «حماس»، لكي تنال من منظمة التحرير ولكي تضعف حركة «فتح»، التي كانت تقود المنظمة منذ عام 1968· ولم يكن الرأي العام العربي تعود على رفع الفلسطينيين شعارات دينية أو قيادات دينية للكفاح الوطني ضد الصهيونية، منذ الثلاثينات، عندما قاد النضال آنذاك الشيخ عز الدين القسام. وربما لأن حركته أجهضت تحت وطأة الاحتلال البريطاني من جهة والوجود الصهيوني المتزايد من جهة أخرى، فقد انصرف الفلسطينيون شأنهم شأن بقية الشعوب العربية عن الالتفاف حول هذه الزعامات الدينية التقليدية، وشأن عز الدين القسام في ذلك شأن الأمير عبدالقادر الجزائري، وعبدالكريم الخطابي في المغرب، وعمر المختار في ليبيا.

 

وأصبحت الشعارات القومية بعد الحرب العالمية الثانية وهزيمة حرب فلسطين الأولى، هي الأكثر قبولاً لتعبئة الجماهير، وبخاصة في المدن ولدى الطبقات الوسطى والعاملة، فكان هناك مد واضح، له زعاماته المدنية من أمثال سعد زغلول ومصطفى النحاس في مصر، وشكري القوتلي وجلال العظم وفارس الخوري في سورية، ونوري السعيد وجميل المدفعي وفاضل الجمالي في العراق، وعلال الفاسي في المغرب والحبيب بورقيبة في تونس. وفي فلسطين نفسها حدث الشيء نفسه، فبررت زعامات مدنية تنافست على قيادة الكفاح المزدوج ضد الإنكليز والصهاينة، من آل الخالدي والنشاشيبي والدجاني والحسيني والشقيري.

 

لكن هزيمة 1948 وضياع فلسطين كان علامة فارقة في انزواء هذا الجيل الثاني وشعاراته الوطنية في فلسطين والأقطار العربية المجاورة. وبدأت شعارات جديدة تظهر ذات أبعاد قومية فبرز حزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب في حقبة ما بعد هزيمة 1948، وراجت مقولة الوحدة العربية، ليس فقط كغاية في حد ذاتها، لكن أيضاً كوسيلة فعالة لغسل عار الهزيمة واسترجاع فلسطين من أيدي الصهاينة المغتصبين. وتزامن ذلك مع موجة من الانقلابات العسكرية ضد الحكومات المدنية شبه الليبرالية، بوصفها هي المسؤولة عن الهزيمة. وبدأ مسلسل الانقلابات العسكرية في سورية (1949، 1950، 1951)، ثم في مصر (1952)، ثم في العراق (1958)، فالسودان (1958)، ثم اليمن (1962)، وليبيا (1969).

 

حتى البلدان العربية البعيدة عن فلسطين، ولم تشارك في أي من حروبها، شهدت انقلابات عسكرية متذرعة بالقضية الفلسطينية – مثل الصومال وموريتانيا والجزائر. لكن هذه الأنظمة العسكرية التي تمسحت بالقضية الفلسطينية ووعدت بالثأر لهزيمة 1948، سرعـان ما لاقـت هزيمة أشـنع عـام 1967 مما كانت لقـيتـه الأنظمة المدنية الليبرالية. فقد ضاع على أيدي الأنظمة العسكرية ما كان قد تبقى من فلسطين (حوالي 40 في المئة من الضفة الغربية وقطاع غزة)، وفقدت أجزاء كبيرة من أراضي بلدانها ففقدت مصر سيناء (خُمس مساحتها تقريباً)، وخسرت سورية هضبة الجولان.

 

وفي أعقاب تلك الهزيمة الأكثر فداحة في التاريخ العربي الحديث، قررت مجموعات فلسطينية أن تأخذ قضيتها بيدها، وألا تعتمد على الأنظمة العربية من أجل تحرير فلسطين. وهنا برزت حركة التحرير الفلسطينية «فتح» بقيادة ياسر عرفات وبدأت ممارسة الكفاح المسلح، منطلقة من دول الجوار. ولأن غالبية الأمة العربية كانت في حال يأس وإحباط، وفي أمس الحاجة معنوياً ونفسياً إلى ما يسترد لها الثقة في نفسها، تلقفت أخبار الحركة الفلسطينية الوليدة، وبخاصة بعد معركة باسلة لها في مواجهة فيلق دبابات إسرائيلية عبر نهر الأردن في غارة له على بلدة الكرامة، في ربيع 1968، أي بعد هزيمة الجيوش العربية بثمانية أشهر.

 

ومنذ تلك اللحظة أصبحت المقاومة الفلسطينية التي تقودها حركة «فتح» فوق النقد مهما كانت أخطاؤها ـ وكثيراً ما أخطأت «فتح» وفصائل فلسطينية أخرى خلال العقود الثلاثة التالية لموقعة الكرامة، ومن دون أن يحرر كفاحها المسلح على رغم بسالته شبراً واحداً من أرض فلسطين.

 

وخلال تلك العقود الثلاثة نمت حركات فلسطينية وعربية أخرى، تجاوزت الطرح القومي، وأحلت محله طرحاً «إسلامياً جهادياً»، سواء ضد إسرائيل أو الغرب، أو حتى ضد الأنظمة الحاكمة في بلدانها العربية الإسلامية. وظهر في مصر تنظيمات الجهاد والتكفير والهجرة والجماعة الإسلامية، وكلها منشقة من جماعة «الإخوان المسلمين».

 

وظهرت في لبنان حركة «أمل»، التي أسسها الزعيم الشيعي موسى الصدر، ثم «حزب الله» الذي نما وترعرع لمقاومة قوات الاحتلال الإسرائيلية التي غزت لبنان في حزيران (يونيو) 1982· ثم ظهرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) نفسها مع انتفاضة أطفال الحجارة التي انفجرت أواخر ثمانينات القرن الماضي ليس لمواجهة الاحتلال فحسب، ولكن أيضاً يأساً من أسلوب «فتح» ومنظمة التحرير، وعلى رغم أن الانتفاضة الأولى (1988-1992) هي التي أوصلت النضال الفلسطيني إلى محطة «أوسلو»، وسمحت بنود اتفاقها لقيادة المنظمة للعودة إلى أرض فلسطين عام 1993، للمرة الأولى منذ تركوها عام 1948، إلا أن العائدين، عادوا ومعهم كل أمراض الأنظمة العربية التي تمرسوا التعامل معها طوال العقود الثلاثة السابقة – ومنها الترهل البيروقراطي والفساد الإداري والتمترس في كراسي السلطة، من دون أمل للأجيال الجديدة من المشاركة في الحكم.

 

وليت كان هناك ما يعوض الشعب الفلسطيني عن كل تلك الأمراض الخبيثة التي جاءت مع قيادات منظمة التحرير – من تونس ودمشق وبغداد وبيروت والقاهرة – بأن تنجز مثلاً في بناء الدولة الفلسطينية الموعودة منذ أوسلو (1993). فبعد تسع سنوات من الانتظار، والتعنت الإسرائيلي، والفساد الإداري الفلسطيني، والابتلاع المستمر لمزيد من أراضيهم لبناء مستوطنات صهيونية جديدة، انفجر غضب الشعب الفلسطيني عندما وصل الاستفزاز منتهاه مع اقتحام الجنرال أرييل شارون ومجموعة من غلاة الصهيونية المسجد الأقصى، وهو ما اعتبره الفلسطينيون تدنيساً مقصوداً لمقدساتهم. واستمر هذا الغضب، وأخذ صورة مسلحة، وعُرف باسم «انتفاضة الأقصى»، التي استمرت منذ خريف 2000 إلى خريف 2005· وقادت حركة «حماس» هذه الانتفاضة المسلحة· وإذا كانت العلامة المميزة للانتفاضة الأولى هي «طفل الحجارة»، فإن العلامة المميزة للانتفاضة الثانية هي «الجهادي الانتحاري». وربما كان أطفال الحجارة هم أنفسهم الذين تخرجوا جهاديين انتحاريين بعد 15 عاماً من انتفاضتهم الأولى.

 

اختلفت التقويمات لمردود الانتفاضة الثانية ولجدوى العمليات الانتحارية. لكن الشاهد أن الشعب الفلسطيني انبهر بتضحيات شباب «حماس»، وكذلك بالخدمات الاجتماعية التي تقدمها للمحتاجين من فقرائهم. وأكثر من ذلك ما بدا على قيادات الحركة وكوادرها من تواضع ونظافة ذمة وعفة يد. بدت «حماس» لجموع الشعب الفلسطيني، في مطلع الألفية الثالثة كما كانت فتح قبل 30 عاماً· وكما كانت هذه الجموع أعطت «فتح» وياسر عرفات تأييدها، ووضعتها في مقعد قيادة منظمة التحرير بديلاً للزعامة الخطابية لأحمد الشقيري، فإن هذه الجموع نفسها أعطت «حماس» ثقتها وبوأتها مقاليد زعامة المسيرة الفلسطينية في طورها الجديد. إن القادة الجدد هم جميعاً ممن ولدوا بعد الاحتلال الإسرائيلي، ونشأوا وشبوا على أرض فلسطين ولم يغادروها، ولم تفسدهم السلطة أو تلوثهم الأنظمة العربية الحاكمة.

 

لكن المرحلة الجديدة تنطوي على تحديات عظمى، ربما تفوق تحديات المقاومة المسلحة للاحتلال. إنه التحدي الذي أطلق عليه المقاتلون الجزائريون في سياق مشابه، بالانتقال من «الجهاد الأصغر» إلى «الجهاد الأعظم». إنه الانتقال من «الحماسة» إلى «السياسة»· فإذا كانت الحماسة هي في السعي إلى «المطلق» ولو بالانتحار الجهادي، فإن السياسة هي فن إدراك «الممكن» بالصبر والعقلانية، أي التحول من الحماسة إلى الكياسة.

 

(*) كاتب مصري

 

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 18 فيفري 2006)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.