الأحد، 12 نوفمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2365 du 12.11.2006

 archives : www.tunisnews.net


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان –فرع لقيروان: بيــــــــــان الحملة الدولية من أجل حقوق الإنسان في تونس: محنة ضحايا قانون مكافحة الإرهاب تتواصل لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس بألمانيا: اعتداء متواصل على المحجّبات في تونس الحوار نت: حــجـاب حـرّيــة كــرامــة وطــنــيـّـة الجزيرة.نت: مستشارون يناشدون الرئيس التونسي الترشح لانتخابات 2009   موقع الديمقراطي التقدمي: تقرير: تباين الأراء حول مناشدة الرئيس بن علي للتّرشح لولاية رئاسية جديدة يو بي أي: اٍسرائيل تمنع 952 اٍمرأة تونسية من زيارة بلدهم الأصلي الجزيرة.نت: تونس تتوقع نمو اقتصادها بنسبة 6% عام 2007
محمد: معذرة سيّدي الشيخ العارف بالله الحاج علي اللاّفي
عبدالرحمان الحامدي: عندما تعزف المافيا الأمنية و منحرفو الحق العام و عاهراته سمفونية الشر بقيادة مايسترو تونس الكبير الأستاذ فتحي نصري: تونس :  شعب بـلا عـدالـة طــيــور بـلا أجــنـحـــة علــي شرطــاني: التباين بين العلمانيين والإسلاميين في التعامل مع الإسلام الزواوي بغوره: تحرير الناس رغمًا عنهم.. نظرة فلاسفة فرنسا لقضية الحجاب  صالــــح مصبـــاح : المـــرأة والحجــاب السيــاســي الدكتور محمد بوزغيبة: موقف شيوخ الزيتونة من الحجاب الصباح: بمناسبة مرور 160 سنة على تحرير الرقيق في تونس: إلغاء الرق نتيجة مباشرة لبقاء باب الاجتهاد مفتوحا توفيق المديني: تسارع البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان –
فرع لقيروان  القيروان 09-11- 2006 بيــــــــــان
يتابع فرعنا بقلق شديد ما يتعرض له المناضل الحقوقي ورئيس حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الدكتور المنصف المرزوقي من مضايقات أمنية وملاحقات بشوارع مدينة سوسة من قبل عناصر مشبوهة تعمدت شتمه وتهديده وذلك منذ رجوعه من فرنسا.
كما علم فرعنا ان منزله يخضع لرقابة بوليسية مشددة ، كذلك يقع  التدقيق في هوية زواره من أصدقاء ونشطاء مجتمع مدني و حقوقيين وممثلي أحزاب سياسية،  وذلك بغية  مضايقتهم او ثنيهم عن زيارته.
وفرعنا الذي يعبر عن تضامنه مع الدكتور المرزوقي ويساند حقه في التعبير عن رائه بكل حرية ، يدين التجاوزات  التي استهدفته ويدعو السلطة إلى  الكف عن التحرشات  الأمنية والقضائية تجاهه كما ندعوها لضمان حق المواطنين في التنقل بكل حرية ودون مضايقات.
عن هيئة الفرع مسعود الرمضاني 


الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان –
 فرع لقيروان  القيروان 09-11- 2006 بيــــــــــــان
ارتكبت القوات الإسرائيلية مذبحة  فظيعة يوم أمس في بيت حانون- إحدى البلدات  الفلسطينية  – بقتلها أكثر من عشرين مدنيا. كما خلفت المجزرة العديد من الجرحى ، علما بان هذه العملية هي جزاء من الحملة الجديدة التي تشنها هذه القوات  منذ بداية نوفمبر والتي خلفت حوالي  ستة وسبعين ضحية  فلسطيني ، فيهم عدد كبير من  المدنيين و الأطفال والنساء والشيوخ.
و نحن  إذ ندد بشدة بهذا العمل الإجرامي في حق المدنيين فإننا نؤكد أن هذه المذابح الوحشية  التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي من حين لأخر  ما كانت  لتتواصل  لولا الصمت الدولي والدعم  السياسي والعسكري التي تقدمه الإدارة الأمريكية لإسرائيل.  كما نتوجه بالنداء إلى كل القوى الحقوقية والديمقراطية والهيئات الدولية  في العالم للتنديد بهذه الممارسات الفظيعة في حق المواطنين ورفض التستر على جرائم الاحتلال  ، كذلك  ندعو كل الفصائل الفلسطينية و المجتمع المدني الفلسطيني وكل المنظمات السياسية والجمعياتية  لتوحيد جهودها ونبذ  صراعاتها  من اجل الدفاع عن حقها المشروع  في الاستقلال والحرية والديمقراطية  وتقرير المصير.
عن هيئة الفرع مسعود الرمضاني


الحملة الدولية من أجل حقوق الإنسان في تونس International Campaign for Human Rights in Tunisia

icfhrt@yahoo.com

Tel:00442083813270 – 00447944550651

P.O.BOX 415,Wealdestone, HA3 3AP,London

محنة ضحايا قانون مكافحة الإرهاب تتواصل

 

منذ صدور قانون مكافحة الإرهاب، والسلطة التونسية تتمادى في انتهاك حريات المواطنين، وحقوقهم الأساسية. اذ عمدت لاعتقال واختطاف المئات من الشباب، دون ان يعلم ذويهم بمكان اعتقالهم لفترات طويلة، كما ثبت تعرض هؤلاء المعتقلين لأشكال مختلفة من التعذيب، دون ان تقدم السلطة دليلا على تورط هؤلاء فيما يخل بأمن وسلامة البلاد.

 

وقد مثل يوم أمس أمام الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس، مجموعة من المعتقلين، وهم غيث المكي، ووجدي المرزوقي، وبلال المرزوقي، وشعيب الجمني، والطاهر البوزيدي، ونزار حسني، وعزالدين عبدلاوي، وهيثم الفقراوي، وزياد الفقراوي، ومنير شريط، وفيصل اللافي. وقد طالبت النيابة العمومية بتأخير النظر في القضية، مما دفع بالمحامين للمطالبة بالافراج عن منوبيهم بالنظر الى طول مدة الإيقاف. كما مثل أمام نفس الدائرة، وفي نفس اليوم، ما يسمى بمجموعة الكرم الغربي.

مع العلم أن السلطة تتعمد وضع المعتقلين بموجب قانون الارهاب في سجون نائية عن مقر سكناهم، نكاية بعائلاتهم، وللحيلولة دون مقابلتهم لمحاميهم، اذ يتعذر على المحامين زيارتهم او الوصول اليهم في نفس اليوم الذي يتسلمون فيه بطاقات الزيارة.

 

وإننا في الحملة الدولية من أجل حقوق الانسان في تونس:

 

– نطالب السلطة التونسية بإلغاء ما يسمى بقانون مكافحة الإرهاب، لما لحق بالمئات من الشباب التونسي، من اعتقالات غير قانونية، واعتداءات وحشية نتيجة هذا القانون.

 

– نذكر السلطة بأنه لايجوز قانوننا وخلقا، النيل من حقوق المواطنين، لمجرد ترضية جهات أجنبية بدعوى مشاركتها الحرب على الإرهاب.

 

– نناشد المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، متابعة قضية هؤلاء الشباب وعائلاتهم، والضغط على السلطة بكل الوسائل من أجل إنصافهم وإيقاف معاناتهم.

 

– نعتبر المعتقلين بموجب ما يسمى بقانون الإرهاب، سجناء سياسيين، يجب اطلاق سراحهم مع بقية سجناء الرأي، ومن بينهم الدكتور صادق شورو الرئيس السابق لحركة النهضة، والاستاذ محمد عبو و السجناء المضربين عن الطعام منذ اسبوع في سجن المهدية( عبدالحميد الجلاصي-الهادي الغالي-بوراوي مخلوف-محمد الصالح قسومة).

 

عن الحملة الدولية من أجل حقوق الإنسان في تونس

علي بن عرفة لندن  في 12 نوفمبر 2006


بسم الله الرحمان الرحيم لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس بألمانيا:

اعتداء متواصل على المحجّبات في تونس

 وردت علينا رسالة  من لجنة الدفاع عن المحجّبات في تونس تشير إلى اعتداء  سافر تعرّضت له امرأة عجوز بالطريق العام في تونس العاصمة ننقلها للرأي العام الوطني والدولي لمعرفة حقيقة المعاملات الوحشيّة التي يمارسها البوليس التّونسي ضدّ المرأة المحجّبة في تونس وفيما يلي نصّ الحادثة  :  تم إيقاف امرأة  تجاوز عمرها الستّين من قبل اثنان من أعوان الأمن بمنطقة « الباساج » بتونس العاصمة  لاستجوابها عن سبب ارتدائها الحجاب و تذكيرها بالتصريحات الأخيرة لرئيس الدّولة . تمّ على إثرذلك  أمرها بنزع حجابها فورا  فلما رفضت قام أحدهما بنزعه بالقوة عندها صاحت المرأة من هول الفاجعة و لم تتمالك نفسها  فدعت عليه قائلة : « فضحك الله في الآخرة كما فضحتني في الدنيا ». عندها انهالا عليها عوني الأمن ضربا بالعصا حتى سقطت على الأرض على مرأى من المارة. و يجدر الإشارة أن المرأة تعمل كمعينة منزلية و هي من ضعاف الحال و قد قررت الانقطاع عن العمل و لزوم بيتها خوفا من أن تتكررلها الحادثة مرة أخرى . وإنّنا في لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس بألمانيا وإذ ندين تواصل هذه الممارسات الهمجيّة لأعوان السّلطة، نجدّد موقفنا المبدئي للوقوف مع المرأة المحجّبة في تونس في اختيارها الحر للباسها باعتباره حقّ شرعي ودستوري يندرج ضمن الحرّيات الشخصيّة للأفراد
كما نناشد بالمناسبة  كلّ منظّمات المجتمع المدني والمنظّمات الحقوقيّة التّونسيّة للتّصدي لهذه الإنتهاكات والتشهير بها لما تمثله من خرق فاضح لحقوق الإنسان واستهانة بشعائر المسلمين
كما ندعو المرأة المحجّبة في تونس للتشبّث بحجابها وممارسة حقّها القانوني في اختيارها الحر الذي ضمنته كل الأعراف والقوانين الدّوليّة. عن لجنة الدفاع عن حجاب المرأة في تونس                    حسيبة سويلمي    للمراسلة :                           Hassiba_07@yahoo.fr        


الحزب الديمقراطي التقدمي جامعة بنزرت بــــــــلاغ
أصدرت المحكمة الابتدائية ببنزرت حكما بعدم سماع الدعوى في القضية الكيدية المنشورة ضد الأخ خالد بوجمعة عضو جامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي.


 

اتّحاد أصحاب الشهائد العليا .. والكاباس:

  قام يوم أمس الجمعة 10 نوفمبر 2006 مناضلو »اتّحاد أصحاب الشهائد العليا المُعطّلين عن العمل » بتحرّك احتجاجي على هامش بداية مناظرة الكفاءة للأستاذيّة « الكاباس » (والتّي لاقت ولاتزال رفضًا عارمًا من الأوساط النقابيّة الطلابّية منذ فرضها في منتصف التسعينات كمدخل وحيد للتدريس بالثانوي)، اذ قاموا بتوزيع بيان لهم على الممتحَنين في مركز الإمتحان بالمعهد الثانوي بباب الخضراء بالعاصمة ممّا أدّى الى اشتباكهم مع عناصر البوليس السياسي التّي كانت متواجدة بالمكان. كما رافق ذلك تحرّكات أخرى مشابهة بالجهات أبرزها التحرّك الذي شهده مركز الإمتحان بمدينة قفصة والذي قامت به اللجنة الجهويّة للدفاع عن أصحاب الشهائد المُعطّلين عن العمل.   (المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 11 نوفمبر 2006)  

استدعاء أمني للمناضل الطلاّبي كريم قطيب :

  أفادنا المناضل الطلاّبي كريم قطيب أنّه قد تمّ استدعائه من قبل مديريّة الأمن الوطني للحضور بمكاتبها بوزارة الداخليّة ، وهو ما قام به صباح يوم السبت 11 نوفمبر الجاري، اذ خضع الى تحقيق مُطوّل دام ساعات سُئل فيه بشكل لم يخلو من الخشونة عن تفاصيل مسيرته النضاليّة في الجامعة، وطُلب منه في ختامه بالتوقيع على التزام بالإبتعاد عن أيّ نشاط سياسي وبعدم القيام بأيّ نشاط ذي علاقة بالإرهاب ( !!!) الأمر الذي رفضه لأنّ فيه اقرار ضمني بالتهمة الموجّهة اليه. ومعلوم انّ كريم قطيب المتحصّل على الإجازة في الحقوق من المعهد العالي للعلوم القانونيّة بأريانة والمرسّم حاليًا بالمرحلة الثالثة بكليّة الحقوق بتونس هو مناضل تقدّمي معروف بالحركة الطلاّبية وبالإتّحاد العامّ لطلبة تونس ، كما كان من أعضاء اللجنة الوطنيّة للدفاع عن ضحايا قانون الإرهاب.   (المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 11 نوفمبر 2006)  

حفل توديع للصحفي بجريدة الموقف محمّد الفوراتي:

  أقيم صباح السبت 11 نوفمبر الجاري بمقرّ جريدة الموقف بالعاصمة، حفل توديع على شرف الصحافي المناضل محمّد فوراتي سكرتير تحرير جريدة الموقف ، ومراسل لعدد من المجلاّت ووكالات الأنباء العربيّة ، وذلك لشكره على ما بذله من مجهود وتضحيات طيلة السنوات الأربع التّي قضّاها في فريق تحرير الموقف، وقد حضر عدد من وجوه الحركة الديمقراطيّة (زياد الدولاتلي، علي العريّض، منذر الشارني …) ومناضلي الحزب الدمقراطي التقدّمي هذا الحفل من بينهم الأمين العام للحزب د.ت الأستاذ أحمد نجيب الشابّي ورئيس تحرير الجريدة السيّد رشيد خشانة وعدد من أعضاء المكتب السياسي، الى جانب ثلّة من الأقلام الصحفيّة المناضلة (كسليم بوخذير، لطفي الحيدوري، سامي نصر …)، وقد ألقى الشابّي كلمة عبّر فيها بإسم الحزب والحضور عن امتنانه للدور الذي اضطلع به الفوراتي في تحقيق اشعاع الجريدة، متمنيًا له التألّق المتواصل في تجربته الصحفيّة الجديدة بإحدى دول الخليج العربي.   (المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 11 نوفمبر 2006)


 

www.alhiwar.net الحوار نت info@alhiwar.net

بسم الله الرحمان الرحيم

حــجــاب حــرّيــة كــرامــة وطــنــيـّـة

 تحية إكبار لكل المسلمين الذين وقفوا اليوم موقف بطولي أحييهم و أشد على ايديهم و أحيي كل منظمي هذا التحرك و الساهرون عليه و جازاهم الله على المسلمين كل خير .أما بعد
سأسرد لكم ان شاء الله بإيجاز غير مخل كل ما رأيت و سمعت في هذا الجمع المبارك .
تجمع مسلمو سويسرا يوم السبت11/11/2006  من كل الجنسيات تونسيين ,مغاربة , ليبيين, جزائريين,سويسرين, بوسنيين ……..و كان العدد لا يستهان به اذ فاق المائتي(200) شخص
ابتدانا نتجمع من الساعة 10:30  وراء السفارة لان الوقوف امام السفارة ممنوع قبل الوقت المحدد و كان البوليس السويسري حاضر أمام السفارة قبل الوقت المحدد .
  ثم إنطلق الإعتصام على بركة الله على الساعة 11:15  بتوقيت اوروبا و انتقل الاخوة من وراء السفارة إلى امامها و تم تنظيم الإخوة و الأخوات بشكل رائع و تفاعل الكل و استفتح التجمع بالنشيد الوطني للبلاد التونسية بلاد الزيتونة الشريفة ثم هتف المعتصمون من اخوة و اخوات بشعارات تندد بالظلم و الاستبداد المسلط على اخواننا و اخواتنا في تونس .
الشعارات:
On s’habit comme ont veux pas comme veux la Dictateurs 

 نلبسوا كما نريد ليس كما يريد الدكتاتور

STOP a  la depression de femme 
حــجــاب حــرّيــة كــرامــة وطــنــيـّـة
Liberte aux Tunisiens Liberte Pour Tout Humains

الحرية للتونسيين الحرية للانسانية

Dinite aux Tunisiens Dinite Pour tout Humains
ثم تلا السيد العربي القاسمي رئيس جمعية الزيتونة بيان باللغة الفرنسية و تخللته هتافات المعتصمين بشعارات مختلفة و متنوعة .
ثم تلت إحدى الفتيات البيان باللغة الألمانية ثم تواصلت الشعارات و أثناء الهتاف بالشعارات توجهت كل اصابع المحتشدين لبناية السفارة و كنا نراهم كيف يتطلعون علينا من النوافذ و يقومون بتصويرنا و لكن كعادتهم الجبن يسكنهم لم يتجرء احد منهم حتى على فتح النافذة رغم ان البوليس السويسري موجود و كاعدتنا صامدوا دون خوف الا من خالقنا .
ثم أخذ الكلمة الشيخ و العضو المعروف في الزيتونة الاخ علي بالحاج علي و هذا بعض ما جاء فيها: »إن ما يحصل فضيحة ولا يمكن ان يكون هذا في بلادنا بلاد العروبة و الاسلام بلاد الزيتونة هذه الفضيحة التي لا يمكن ان يسكت عنها و الاصل فيه ان المجتمع التونسي باختلاف مشاربهم الفكرية و السياسية و التاريخية ان يثوروا و يردوا هذه الفضيحة و التي تتمثل بالاعتداء على اقدس المقدسات لحرية الانسان هذه الحرية هي الحرية الشخصية و الحرية الدينية هاتان الحريتان اللتان كفلتهما كل الدساتير الوضعية و الدينية حرية ان يرتدي الانسان ما يريد و ان يفكر كما يريد » و قد تخللت كلمة الاخ هتافات و شعارات من المعتصمين و منها
Le HIJAB  un Droit Ben Ali Sont Va الحجاب حرية بن علي ارحل
حــجــاب حــرّيــة كــرامــة وطــنــيـّـة
مـــلاّ خــزي و مـــلا ّعــــار ووه ووه عــلى النــــــظــــــام
و هناك من غيرها و قال مــــلا خــــزي و مـــــلا عــــار تـــــفوه تــــــفوه عـــلى الـــنظـــام
Dinite aux Tunisiens Dinite Pour tout Humains
ثم انشد الاخوة و على رأسهم الاخ كريم و السجين السابق المنشد الفاضل الاخ بوكثير انشودة اكتب اسمك يا بلادي
ثم اخذ الكلمة  رئيس جمعية الزيتونة ليقوم بتقديم احدى الاخوات لتلقي كلمتها و هذا ما قاله : « نحن نجتمع الان لنطالب بالحرية و نطالب النظام ان يتحمل مسؤولياته و ان يلتزم حدوده و ان يعمل على حرية الوطن و ان يتساوى كل التونسيون و ان يتمتعوا بالعيش الكريم في بلادهم نتكلم اليوم عن المراة و الجدير بنا ان تتكلم امراة عن احوال النساء في تونس. » ثم اثر هذه الكلمة تقدمت الاخت الفاضلة و اخذت الكلمة و هذا ما قالته: »بسم الله الرحمان الرحيم نشكر الاخوات الي حضروا للتجمع و نشكروا الاخوة و احنى مستعدين باش ندافعوا على حجابنا بكل الطرق كما دافعنا من قبل من عام 1980 ومنذ صدور المنشور 108 المشئوم و السيء الذكر الي حاول باش يعري المراة في حين انها تريد ان تتحجب. انا و جميع الاخوات نريد حجابنا و محدش ينجب ينحيهولنا . و النظام التونسي الان قاعد يمارس في ممارسات قمعية الي ولات عندو شبه عادية بل عادية في اغلب الاحيان من دخول للمنازل من تحريض و من ابسط حقوق المراة الي ما عطاهلهاش الحقوق هذه انها تكون حرة في بيتها مع زوجها تصوروا الان النظام التونسي يجبر في الاخوات على تطليق ازواجهم و هذا تدخل في الحياة الخصوصية للمراة التونسية » ..
و انهت الاخت كلامها ثم هتفت الاخوات و بحماس

« مستورة مستورة خلوني مستورة

« 

عادل النهديي
ثم اتجه رئيس جمعية الزيتونة بصحبة اخوين ليتكلما مع اعوان البوليس السويسري لاستاذانهم ان نسلم رسالة خطية للسفارة التونسية و تمت الموافقة و توجه رئيس الجمعية صحبة عوني من البوليس السويسري الى باب السفارة و قام احد الاعوان بقرع الجرس لكن لا حياة لمن تنادي رغم تأكدنا من وجودهم ففي الاخير وضع البوليس الرسالة في صندوق البريد.
ثم عاد الاخ العربي و ألقى كلمة معبرة حقيقة و محزنة و الله فيما قال فيهاا: » لقد حاولنا تسليم رئيس السفارة نسختين من البيان واحدة بالفرنسية و الاخرى بالالمانية و مع يقيقننا انهم موجودون الا انهم ابو ان يفتحوا الباب و هذا دليل على عقم الحوار معهم و دليل على انه حوار مغلق و حركة دكتاتورية لكن نحن لسنا من هذا النوع و نحن متمسكون بحقوقنا و نبحث عن كل ما هوا جيد و صالح لبلدنا و لن نتوقف الا اذا اصبحت تونس حرة ديمقراطية » و اعطى رئيس الجمعية الكلمة للاخ عبد الحميد فياش ليترجم و يلخص ما حدث و ما قاله الاخ العربي كما حث و شد الازر بقوله  » نحن هنا نشكر كل الاخوة و الاخوات و نعاهدهم على ان فعاليات الاحتجاج ان شاء الله مستمرة و بصفة دورية و لا بد ان تبقى وقفتكم معنا بنفس الحماسة و نفس هذا المستوى و في اخر قولنا ان كل وقفة و كل كلمة و كل رسالة في الانترنات و كل مهاتفة راهي تراكم نظالاتكم و باذن الله تحقق نتائج و باذن الله نتوصل الى ان نسقط هذا قانون العار منشور العار منشور 108 الي مالوش مثيل في حتى بلاد بارادة المؤمنين و المؤمنات و بصمود اخواتنا في الداخل سنسقط منشور 108 ان شاء الله . » و هنا هتف جميع المحتشدون من رجال و نساء في صرخة واحدة « ان شاء الله «  و استأنف الاخ عبد الحميد فياش كلامه  » اخوتي اخواتي لقد ختمنا وقفتنا بسلام كما كنا مثالا للتحضر و اعطينا درسا لاعداء الحرية في كيفية الاحتجاج و بكل احترام و كل حرية اطلب من اخوتي و اخواتي ان يتفرقوا بكل هدوء ايضا و بدون تجمعات و بدون ان نشغل الطريق هذا اولا كما سبق ان شكرنا في البيان السلطات السويسرية لانها ساعدتنا و ساهمت في تنظيم هذا التجمع و كانت متفهمة و لم تعرقل تجمعنا هذا. »

بإمضاء الحبيب مباركي سويسرا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الحوار نت www.alhiwar.net


مستشارون يناشدون الرئيس التونسي الترشح لانتخابات 2009

 

 

ناشد مجلس المستشارين (مجلس الشيوخ) الرئيس التونسي زين العابدين بن علي تجديد ترشحه للانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها عام 2009، وهو ما وصف بأنه بداية مبكرة لحملة الانتخابات الرئاسية. جاءت هذه المناشدة أثناء اجتماع اللجنة الأولى للمجلس في جلسة خصصت للإشادة بالرئيس بن علي بمناسبة الذكرى 19 لتوليه السلطة في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1987. ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن أعضاء اللجنة قولهم إنهم « يناشدون سيادته ترشحه للانتخابات الرئاسية لسنة 2009 من أجل مواصلة قيادة تونس نحو مزيد من الازدهار والمناعة ». وتعتبر هذه أول مرة تتم فيها الإشارة إلى انتخابات عام 2009. ولم يعلن الرئيس التونسي حتى الآن موقفه بخصوص الانتخابات المقبلة. وأتاح تعديل دستوري وافق عليه التونسيون عام 2002 للرئيس حق الترشح للانتخابات في 2009 إذا قرر خوض الانتخابات كما لم يعد العمر الأقصى للترشح لرئاسة الجمهورية 70 عاما مثلما كان من قبل. ووصل بن علي (70 عاما) إلى الحكم عام 1987 عقب إعلان عجز الحبيب بورقيبة عن أداء مهامه لكبر سنه واستفحال مرضه. ويرى مؤيدو بن علي أنه يتمتع بشعبية لأنه حقق رخاء اقتصاديا واجتماعيا لملايين التونسيين بعد أن كانت البلاد على وشك الانهيار الاقتصادي وقضى على جذور التطرف الإسلامي، بينما ينتقد معارضوه نظامه بالتضييق على الحريات وملاحقة المعارضين. (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 11 نوفمبر 2006 نقلا عن « وكالات »)

نشرة يونايتد برس أنترناسيونال

تقرير: تباين الأراء حول مناشدة الرئيس بن علي للتّرشح لولاية رئاسية جديدة

من الجمعي قاسمي   تونس / 11 نوفمبر-تشرين الثاني / يو بي أي: أثارت مناشدة لجنة برلمانية تونسية الرئيس بن علي تجديد ترشّحه للرئاسة خلال الاٍنتخابات الرئاسية لعام 2009،ردود فعل متباينة، حيث اٍعتبرها البعض »منطقية وتنسجم مع أحكام الدستور »، فيما اٍعتبرها البعض الآخر تفتح الباب أمام « تكريس الرئاسة مدى الحياة ».   وقال هشام الحاجي عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الشعبية التونسي (حزب معارض معترف به) اٍن هذه المناشدة التي صدرت أمس عن لجنة الشؤون السياسية والعلاقات الخارجية التّابعة لمجلس المستشارين(غرفة برلمانية ثانية)، ترتقي اٍلى مستوى « الحدث السياسي » الجدير بالتّحليل.   وكان أعضاء اللّجنة الأولى لمجلس المستشارين التونسي(غرفة برلمانية ثانية) قد ناشدوا أمس الرئيس بن علي تجديد ترشّحه للرئاسة خلال الاٍنتخابات المقبلة وذلك « من أجل مواصلة قيادة تونس نحو مزيد من الاٍزدهار والمناعة ».   وهذه المرة الأولى التي يتمّ فيها التّطرق اٍلى الاٍنتخابات الرئاسية التونسية للعام 2009، واٍلى مناشدة الرئيس بن علي التّرشح لولاية رئاسية جديدة،علما أن الرئيس بن علي لم يعلن حتى الآن عن موقفه بشأن الاٍنتخابات الرئاسية المقبلة.   واٍعتبر الحاجي في تصريح أدلى به اليوم السبت ليونايتد برس أنترناشونال » أنه على الرغم من الحيّز الزمني الذي يفصل عن الاٍنتخابات الرئاسية لعام 2009، فاٍن أسبابا عديدة « تضفي على هذه المناشدة طابع الوجاهة والأهمية ».   وأضاف أن هذه المناشدة « تعتبر منطقية لأنها تعبير عن رأي قطاعات واسعة من الرأي العام التونسي، كما أنها معطى جديد بالنّسبة للحياة السياسية، حيث من المنتظر أن تتوقّف الأحزاب السياسية أمامها لاٍتّخاذ المواقف الواضحة والدّقيقة بشأنها، ممّا يعني أنها ستحدث حراكا اٍضافيا على الساحة السياسية التي تهتمّ في هذه الفترة بتعميق الاٍصلاحات السياسية ».   ويرى مراقبون أن هذه المناشدة التي ترافقت مع اٍعلان عبد العزيز بن ضياء وزير الدولة والمستشار الخاص للرئيس بن علي عن تأييده ومساندته لها، ستثير حولها المزيد من الجدل بما يساهم في تحريك الساحة السياسية التونسية ومنظمات المجتمع المدني بالنّظر اٍلى توقيتها وأبعاد دلالاتها السياسية.   ولئن شدّد هشام حاجي على أنه يدرك اٍدراكا تاما بأن قرار التّرشح للاٍنتخابات الرئاسية المقبلة « يبقى قرارا يهمّ الرئيس بن علي بالدّرجة الأولى »، فاٍن رشيد خشانة عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التّقدمي (حزب معارض معترف به) لم يتردّد في القول إن هذه المناشدة تعدّ مؤشرا لبداية حملة اٍنتخابية قبل أوانها. وقال خشانة إن الحملة الجارية لترشيح رئيس الحزب الحاكم لولاية خامسة هي  » نسف للتّوافق الذي يرتكز عليه أي نظام ديمقراطي وتكريس للرئاسة مدى الحياة ».   وتابع أن هذه المناشدة تفتح الباب « لتعميق الأزمة الدستورية بعد إلغاء دستور 1956 وفرض دستور « مُعدَل » (في اٍستفتاء 2002 ) الذي قضى على آلية التّداول على السلطة وجعل الحكم الفردي أساسا للنظام السياسي لاغيا أي دور للسلطة التشريعية وأي معنى للإنتخابات ».   يشار اٍلى أن التّعديلات التي أدخلت على الدستور التونسي خلال الاٍستفتاء الشعبي الذي نظّم عام 2002، تسمح للرئيس بن علي التّرشح لاٍنتخابات عام 2009، إذا ما قرّر خوضها. وكان بن علي وصل اٍلى سدّة الحكم في السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1987، بعد تنحية الحبيب بورقيبة،أول رئيس لتونس منذ اٍستقلالها عام 1956،بسبب عجزه عن أداء مهامه نتيجة المرض والشيخوخة.   ملاحظة: ينشر الموقع هنا أول رد فعل في تونس على الدعوة لترشيح بن علي لدورة رئاسية خامسة كما جاءت في برقية بثتها وكالة يونايتد برس إنترناسيونال.   (المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 11 نوفمبر 2006) 
 


حقوقية فلسطينية:

اٍسرائيل تمنع 952 اٍمرأة تونسية من زيارة بلدهم الأصلي

تونس / 12 نوفمبر-تشرين الثاني / يو بي أي:
 
قالت حقوقية فلسطينية إن سلطات الاٍحتلال الاٍسرائيلي تمنع منذ العام 1993 نحو 952 اٍمرأة تونسية مقيمات داخل اللآراضي الفلسطينية المحتلة من زيارة بلدهم الأصلي تونس. وأوضحت الحقوقية الفلسطينية رانية مادي عضو الاٍئتلاف العالمي لحقوق اللاجئين في محاضرة تحت عنوان « المقاومة وحق عودة اللاجئين » ألقتها خلال أمسية تضامنية مع المقاومة الوطنية في فلسطين ولبنان والعراق نظّمتها الليلة الماضية الهيئة الوطنية للمحامين، أن العديد من النساء التونسيات تزوجن من فلسطينيين أثناء اٍقامتهم في تونس وبعض الدول الأوروبية واٍنتقلن للاٍقامة مع أزواجهن داخل الآراضي الفلسطينية المحتلة بعد توقيع اٍتّفاقيات أوسلو عام 1993. وأشارت إلى أن أكثر من 952 اٍمرأة من هؤلاء التونسيات لم تتمكّن من زيارة تونس منذ اٍقامتهن بفلسطين منذ العام 1993، بسبب رفض سلطات الاٍحتلال الاٍسرائيلي منحهن « حق العودة اٍلى أزواجهن وأبنائهن » اٍن غادرن الآراضي المحتلة. وناشدت الحقوقية الفلسطينية في هذا السياق الهيئات والمنظمات الدولية الناشطة في مجال حقوق الاٍنسان التّدخل للضّغط على السلطات الاٍسرائيلية لتمكين هؤلاء النسوة من حق التّنقل، وبالتالي زيارة الأهل في تونس، والعودة اٍلى منازلهن في الآراضي الفلسطينية المحتلة. ومن جهة أخرى، اٍعتبرت مادي أن القضية الفلسطينية « مرتبطة اٍرتباطا وثيقا بحق العودة الذي لا يمكن اٍخضاعه للمساومة أو للاٍستفتاء أو حتّى للمفاوضات ». ورسمت بالمقابل صورة مأساوية لظروف حياة اللاجئين الفلسطينيين في بعض الدول العربية، وصفتها ب »السريالية »، وأكّدت أن الحلم الفلسطيني في العودة سيتحقّق يوما ما « طالما واصل الفلسطينيون التّمسك بهويتهم في الشتات ».

 


تونس تتوقع نمو اقتصادها بنسبة 6% عام 2007

                     

قال وزير تونسي إن من المتوقع نمو الاقتصاد التونسي بنسبة 6% عام 2007 نتيجة زيادة تدفق الاستثمارات والصادرات. وقال وزير التنمية والتعاون الدولي محمد النوري الجويني إن من الممكن تحقيق هذا الهدف بجذب مزيد من الاستثمارات وزيادة الصادرات. كما أكد أن تونس تحرص على جذب تدفق أكبر إلى قطاع القيمة المضافة لاستيعاب 80 ألف شخص من الساعين إلى العمل والذين يدخلون إلى السوق سنويا. ويسهم ما يسمى بقطاع القيمة المضافة مثل الصناعات الغذائية بـ20% من إجمالي الناتج المحلي لتونس. وتتوقع الحكومة التونسية نمو الاقتصاد بنسبة 5.5% بشكل مجمل عام 2006 مقابل 4.2% عام 2005 بفضل نمو قطاع الخدمات. وبعد تجربة قصيرة مع الاشتراكية في الستينيات، رحبت تونس بالمستثمرين الأجانب للإسراع بالنمو الاقتصادي وخفض معدل البطالة الذي يبلغ 13.9%. ووفرت الاستثمارات الأجنبية 260 ألف وظيفة خلال العقد المنصرم مع عمل نحو 80% منها في القطاعات التجارية التي تحتاج إلى أيد عاملة كثيرة مثل الصناعات الغذائية والنسيج وتجميع السيارات. (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 12 نوفمبر 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

بسم الله الرّحمن الرّحيم

معذرة سيّدي الشيخ العارف بالله الحاج علي اللاّفي

أيّها الإخوة الأفاضل في أخبار تونس TUNISNEWS: أضع بين أيديكم هذه الشهادة التاريخية والتي أبغي بها وجه الله وحده، وقد كتمت ذلك لسنين طويلة خلت خلالها أنّ حقّ هذا الرّجل الفاضل قد إندرس وضاع، إلاّ أنّني أُبلِغت من طرف أحد الأصدقاء بأنّ مقالا صدر في مجلّتكم المذكورة ونشرتكم المزبورة، تناول جزءا من سيرة الفقيه الحاج علي اللاّفي فلما طالعته عزمت على الكتابة والإدلاء بشهادتي ليقرأها الشباب على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم، فإنّ رجال تونس مهما تعارضت واتفقت مشاربهم وولاءاتهم واجب في حقهم معرفة سيرة الذين صنعوا تاريخ وطنهم السابقين والمحدثين بلا استثناء.
                 تعود معرفتي بالشيخ علي اللاّفي إلى مطلع الستينات من القرن الماضي، عندما كنّا نعمل سويا في الوظيفة العمومية. وقد كانت إهتماماتنا في تلك الفترة في أغلبها ثقافية؛ تتراوح بين عقد الندوات الأدبية والمسامرات الشعرية في المنتديات الثقافية. فكان السيد علي اللاّفي من بين المشاركين الذين لم يتغيّبوا على هذه المناسبات على كثرتها وتنوّعها، كما كانت مداخلاته متميّزة من حيث طريقة تناوله الموضوع المطروح، شديد الحرص على ربطه بالأبعاد الحضارية والثقافية للأمة التونسية، عاملا جهده على إستخلاص ما يمكن أن يتفتّق الذهن على إسخلاصه من الدروس والعبر، خاصّة عند قراءة الشعر الوطني الثوري، أو تناول بعض من شعراء المهجر، فقد عرف عنه إهتمامه بشعر معروف الرصافي وأحمد شوقي وكتابات ميخائيل نعيمة، هذا إلى جانب حفظه للمعلّقات وكثير من الشعر الجاهلي. إلاّ أنّ ذلك لم يطغى على شخصيته الدينية وتكوينه الزيتوني، فقد كان مرجعنا في ما يطرأ علينا من قضايا حياتية، نراجعه فيجيبنا ويرفع عنا الحرج.
                 ومع أواخر الستينات لاحظ معظم أصدقاء الحاج علي اللاّفي رحمه الله تغيّرا في المضامين التي كان يعبّر عنها في الندوات والمحاضرات. فبدأت القضايا الاجتماعية والاهتمامات الفكرية تطغى على مداخلاته التي تميّزت بعمق التحليل وبعد النّظر. حتى أنّ أحدنا فاتحه مرّة في الموضوع وطلب منه صراحة أن ينتبه إلى ما يقول فإنّ من بين الحاضرين ما يحصي عليه أنفاسه ويوثّق ما يقول. فردّ المرحوم عليه بقوله: نحن من حرّر تونس، قاومنا المحتل ونحن في جامع الزيتونة، ونقاوم التخلّف والفكر المنغلق ونحن في ظل الاستقلال.
                 لقد انقطت علاقتي بالشيخ علي اللاّفي في بداية السبعينات عندما نقل نقلة تعسفية إلى مدينة بني خداش، على إثر مشادة بينه وبين معتمد مدنين يومها وكان يدعى جمال الدين بوسليمي، حيث كان المعتمد يجاهر بإفطار رمضان، فقام الحاج علي بتنبيهه مرّات عديدة وفي الأخير قام بتأديبه بالطريقة التي قدّرها رحمه الله، وبحكم سبقه الوطني وباعتباره من أعيان الجنوب فقد وقع « نفيه » إلى معتمدية بني خداش، حيث تمتّنت صلته بالشيخ عمر النجّار والد الدكتور عبد المجيد النجار وغيره من رجال الزيتونة في تلك المنطقة.
                 وبعد فترة عاد للعمل في مدنين حيث أسندت إليه في مرحلة أولى الشؤون الاجتماعية ثم الشؤون الدينية، فكان خادما للفقراء والمحتاجين، لا يرتاح له ظمير ويهدأ له بال إلاّ بتوزيع ما يوجد في المخازن من الملابس والأغذية والأغطية…، بل ويتصل بمن تعتبر شهادته ويسأله عن أسماء الفقراء والمحتاجين وخاصة الأرامل وتلاميذ المعهد الثانوي بمدنين، فيرسل إليهم ويوزّع عليهم ما قدّره الله من العطاء. وممّا تناقله العامّة والخاصّة: أنّه يوما رأى رجلا حاملا ابنه على ظهره، فسأله عن السبب، فلمّا علم بإعاقته وعجزه عن العلاج خاصّة بالسفر إلى العاصمة حيث مستشفى القصّاب، دعاه إلى مكتبه ومكّنه من العون الاجتماعي الكامل لعلاج ابنه، وقد تابع الأمر بنفسه حتى رأى الصبي يسير على رجليه.
                 وممّا عرف عنه رحمه الله الاصلاح بين الناس خاصّة الأزواج ومشاكل الميراث وقسمة الأراضي، فكان بذلك مقصد الكبير والصغير الذي يعرفه والذي لا يعرفه. وكنّا عندما نسأل عنه نكتفي بالقول: هل رأيت الشيخ؟ وأين نجد الشيخ؟. كما كان حريصا جدا على اختيار الأئمّة من ذوي الكفاءة وخاصّة أئمّة الجمعة، فيمتحنهم بنفسه كتابيا وشفهيا، ويعرضون عليه خطب الجمعة فيصلح سقمها ويداوي علتها ويشير عليهم بمواضيع مهمّة يتناولونها في خطبهم ودروسهم، وممّا أُثِر عنه: أنّه كان يدوام في مخازن المعتمدية أيّام الثلاثاء والخميس بعد الظهر، فتعرّف عليه رجل مسن كان يشتغل بناء في إحدى الحضائر، فلمّا تجاذبا أطراف الحديث وعرف الحاج علي هذا الرجل المسن هو من حفظة كتاب الله وله نصيب من العلم الشرعي التقليدي واكتشف فيه سرعة البداهة وذكاء غير عادي، وجّهه إلى مراجعة مباحث فقه العبادات والمعاملات وقضايا العقيدة وخاصّة التوحيد، وبعد فترة قدّمه إلى امتحان الإمامة فكان من الأوائل في الامتحان، ثمّ صار من المراجع الفقهية بمدنين.
                 لقد كان الحاج علي اللاّفي رحمه الله أوّل شاب درّس في الجامع العتيق بمدنين. وقد وضع له كرسيا خاصا به يجلس عليه عند إلقاء الدرس، عُرِف لاحقا بكرسي الحاج علي. كما بعث بصحبة شيخه وأستاذه المرحوم الحاج امحمّد برينيس والمرحوم الحاج موسى ـ بعد أن أحيل إلى التقاعد من الحرس الوطني ـ مجلسا علميا ينعقد يوم الأحد بعد صلاة العصر وفي فصل الصيف كلّ يوم بعد صلاة العصر وقد اختاروا له موقعا مهما في وسط السوق أمام مكتب الحاج موسى بعد أن صار كاتبا عموميا. وكان مضمون هذه الجلسة أربعة مواضيع: قراءة صحيح البخاري أو موضوع في العقيدة وخاصّة التوحيد، فقد عرف عنه مقاومته للشرك، أو الفقه أو يفتح المجال للأسئلة الحرّة. وقد كان من روّاد هذه الحلقة علماء وأفاضل ووجهاء منهم من توفاه الله ومنهم من مازال على قيد الحياة، لربّما اطّلعوا على ما كتبت ونشرتم فتأخذهم الحمية للحديث ولو من وراء حجاب، وفاء لرجل مازلنا نرى طيفه ونحمل ذكراه الطيبة.
                 كما كان الشيخ علي اللاّفي رحمه الله يتنقّل بين أنحاء ولاية مدنين لعقد الدروس في المساجد أو يدعى لجلسة في محلّ تجاري كبير يجتمع فيه عادة وجهاء البلدة لتناول موضوع يخص التوحيد ومقاومة الشرك من زيارة القبور والأضرحة، ومن ذلك جلساته المتكرّرة في معتمدية بنقردان التي استحكم فيها الشرك ومظاهره. إلاّ أنّ ذلك لم يكن ليمرّ بسلامة دون معارضة منتقديه ومن لهم مصالح مالية…وأسرية في نشر الشرك بين الناس.
                 لقد كانت علاقتي بالسيد علي اللافي متينة جدا، إلاّ أنّني وللأسف الشديد لم أستطع التواصل معه خاصّة ما بعد سنة 1987 وأكثر من ذلك منذ 1991 عندما تمت ملاحقة أبناءه وإيقاف زوجته وبناته لمرّات متكرّرة، لما يمثّله ذلك من حرج لنا وخاصّة لمراكزنا الاجتماعية والمالية، إلاّ أنّني وللشهادة أمام الله قد اتّصلت بصديق لنا كان مسؤولا بالأمن وطلبت منه أن يمارس صلاحياته ويمنع الأذى عن الحاج علي اللاّفي الذي كان زميلنا في الدراسة لا أكثر ولا أقل، وقد تعهّد بذلك. إلاّ أنّ الوفاء ليس من شيمة الثعالب، فقد تمّ إيقاف الحاج علي وأخذ إلى مقرّات الشرطة، وتمّ تبادله بين منطقة الشرطة ومنطقة الحرس الوطني، وقد ساموه كلّ أنواع العذاب ممّا يعجز المرء عن وصفه ويخجل الشريف من ذِكره. لقد مرّت أيام ثقيلة على جسد هذا الرّجل، تلهبه السياط وتحطّمه الهراوات وتؤذيه الركلات ويرعبه الماء البارد والساخن وصعقات الكهرباء. وقد حدّثني أحد الموقوفين في قضايا الخمر والسرقة ممّن كان معه في الإيقاف، فأرعبني وهزّ كياني، فقال لي: لقد عجز الحاج علي على الوقوف، حتى أنّه كان يطلب منّا أن نعينه على الوقوف ليصلي، وكنا نخجل من ذلك ونقول له هل مسموح أن تصلي جالسا، ولكنه لا يقدر على الكلام طويلا لِيُغمى عليه.
                 لقد كان رحمه الله يُجبَر على حمل عشرة كراسي فوق بعضها ثم يضرب بالهراوة على ركبتيه وظهره، والويل له إن أسقط الكراسي، وقد تفنّن رجال التحقيق وخاصّة الذي يدعى « بِرَّاجِح » في تعذيبه والنيل منه. وبعد أن أفرج عنه رأيته من بعيد وكدت لا أعرفه لولا مشيته الهادئة وشفتاه اللّتان تمتمان دائما بقراءة القرآن أو التسبيح. لقد خجلت وتواريت عن الأنظار لأنّ الأمر لا يطاق والخطر يحدق من كلّ جانب، رجعت إلى البيت وانهمرت بالبكاء سألتني زوجتي باستغراب فرويت لها القصّة فبكت وبكيت. وبعد فترة وجيزة داهمت منزله عند الفجر قوة أمنية وطلبت منه المغادرة الفورية والنهائية لمدنين والاستقرار في بنقردان بلدته الأصلية. لقد انقطعت عني أخباره أو تكاد حتى بلغني نبأ وفاته التي حدثت في ظروف غامضة وبطريقة وحشية، ولقد روى لي أحد الممرضين ممّن عاين جسده عندما نقل إلى المستشفى، فأقسم لي أنّ لا يوجد موضع من جسمه إلاّ وبه آثار الضرب والتعذيب الذي لقيه قبل سنوات من موته.
                 معذرة لكم مجدّدا إن أنا كتمت هذه الشهادة، فلقد أحببنا هذا الرّجل الشريف، لكنّنا لم نقدّم له شيئا عندما كان في أشد الحاجة لنا، وتأثّرنا لموته. لقد أمليت هذا حتى أريح قلبي وأقول كلمة حق، لطالما أوصانا بها أستاذنا الشيخ ابن عاشور، ومن أجلها لقي الحاج علي ربه، فلقد درس على يديه خلق كثير، ولم يمتنع لحظة عن قول الحق والغضب إذا انتهكت حرمات الله. وممّا أذكره في سنة 1987 عندما تمّ إيقاف مجموعة كبيرة من الشباب الذي يصلي في مدنين، فكنت يوما في المسجد الكبير الذي يعرف بجامع بورقيبة وكان معنا الشيخ امحمد برينس والشيخ علي اللاّفي، فجاءنا مسؤول الشعائر الدينية يومها محمد بن يامنة فرحا مسرورا وقال: مصائب قوم عند قوم فوائد، فقلنا له كيف؟، فقال: أوقفوا الاخوانجية وزادونا والحمد لله في الشهرية. فنهره الشيخ امحمد برينس عن ذلك وقال له علي اللاّفي: »ستُكتب شهادتهم ويُسأَلون ».
                 آه لو قُدِّر لنا أن نتكلّم يوما لنرثيه ونقول ما في جعبتنا علنا أمام شباب مدنين، فمن الذي مدّ يد العون للمحتاجين، ومن زار عند آخر اللّيل المحتاجين وتصدّق عليهم، من كان يوجّه العامّة والخاصّة إلى إخراج الزكاة وتوزيعها بأنفسهم على المحتاجين. فقد ذكر لي أحد التجار من أثرياء مدنين أنّه لم يُخرج زكاة ماله منذ بدأ التجارة، وقد سأل يوما الحاج علي، فنصحه وأرشده وأحيى في قلبه نوازع الخير، فسارع بلا تردّد إلى إخراج ما قيمته 75 مليون تونسي زكاة ماله، وقد دأب على ذلك حتى وافته المنية. فرحمهم الله جميعا.
                 اللهم اغفر لي ذنبي وتقصيري في نصرتي لهذا الرّجل فالواقع لا يحتمل، ورحم الله شيخنا الفاضل. وأمنيتي أن أتحصل على نسخة من كتاب حول الشيخ الحاج علي اللاّفي نشره ابنه محمد الفاضل تحت عنوان: هذا أبي. فالرّجاء لو كانت لكم بالكتاب معرفة أن تنشروه على موقعكم حتى نطالعه. وياليته يصبر على خطى والده ولا يتسرّع في العودة، فكلّنا نجلّه ونحمل له كلّ الود.
محمد من مدنين


عندما تعزف المافيا الأمنية و منحرفو الحق العام و عاهراته سمفونية الشر بقيادة مايسترو تونس الكبير

عبدالرحمان الحامدي ثلاثة وقائع تناقلتها وسائل الأنباء على اختلافها خارج بلدي تونس لايمكن لي أن أمر عليها  دون أن أتوقف عندها بالفحص و التعليق كما أحاول جاهدا أن تكون هي العادة و يتعلق الخبر الأول بحقيقة تهديد المحجبات من بنات تونس و نساؤها في مراكز الرعب التي تسمى زورا و بهتانا  مراكز الأمن وثانيها الخبر المتعلق بدخول العاهرات في بلدي على الخط  مع منحرفي الحق العام كخيار من السلطة لتهيئة أحسن إستقبال  للأخ المناضل الدكتور المنصف المرزوقي منذ اليوم الأول لعودته إلى بلده تونس أما الخبر الثالث فهو  الذي سأبدأ به ……..و لكن دعوني قبل ذلك أوضح ما  يلي: كنت في مقال سابق لي * أطلقت على سرايا الرعب و الترويع في بلدي( كمكافئة من مواطن بسيط مثلي  لهؤلاء)  لقب خفافيش الظلام بعد ما    هالني ما يبتكره مهندسو الشر و ما تنفذ ه جلاوزة الرذيلة في حق المواطنين  و ما أظن أن بهذا اللقب قد وفيتهم الجزء المعنوي اللازم من  حقهم بسبب  جديد مبتكراتهم  التي لن تتوقف ملكة الشر لدى هؤلاء عن  إنتاجه  ليلا نهارا   فقد أجهدوا قلمي و ذاكرتي في البحث عن المدلولات اللغوية الأكثرإلتصاقا بالوقائع الدرامية  التي يقع إخراجها دون كلل أو ملل على المسرح الكبير في بلدي  و إني أروم من خلال إعتمادي لهذه الإستعارات ( و الله شهيد على ما أقول ) أن أساهم في: أ) السعي لإيجاد التعابير اللغوية المناسبة  لإحتواء ما يحدث في تونس و تحويل الوقائع الحية إلى مدلولات رمزية مناسبة  وأعني بذلك إستيعابها في  اللغة العربية من باب التأريخ   لعلها تقبل من خالقي كشهادة مني على الزمن الرديء . ب) نقل معاناة التوانسة  بأقصى  ما تستطيعه مفردات اللغة  إلى ذهن القارئ و ضميره  في كل مكان عبر البحث عن أنسب الصيغ و أكثرها تعبيرا عن الواقع الدرامي جراء  الأوامر الفوقية الصادرة من المكاتب المكيفة و أحيانا من بيوت النوم  والتي تنزل على رؤوس الأحرار في بلدي كالحمم و الصواعق  مساهمة متواضعة مني في تعرية الحقائق و تبليغها عبر قوالب لغتنا كما ذكرت  وتعميق الوعي و خاصة الإحساس  لدى القرئ بما يحدث  ما أتيح لي ذلك ج)التعبير عن تعاطفي المطلق مع ضحايا الرعب و الترويع من بني و طني و إشعارهم أن هناك من يشد أزرهم  و يعايش آلامهم  و يتأوه لإستغاثاتهم  ويعبر عن معاناتهم  و لوبكلمة و ذلك أضعف الفعال! أعود بكم أعزتي إلى هموم بني و طني و إلى إحدى الوقائع الثلاثة فأقول: في إطار ما أسميته في إحدى المقالات بملكة الشر التي لا تكاد مبتكراتها تقف عند حد في إنتاج أساليب جديدة في الرعب و الترويع و الإيذاء     قامت زمرة من خفافيش الخرب و هو اللقب المكافئة الجديد لزمرة ممن سموا كما سبق و أن ذكرت زورا و بهتانا بالنمور السود  قامت هذه الزمرة بعملية  استعراض مسرحي عضلاتي لم أر أسخف منه  يذكرنا بدجل الجندي الأمريكي في السينما الأمريكية على طريقة و أسلوب رمبو عندما  إمتطى عناصر هذه الزمرة ظهور دراجاتهم النارية وتدججوا بالسلاح( الذي يدفع ثمنه  جيب المواطن ليذل به و يروع بل و يقتل(راجع تقاريرالمنظمات الإنسانية)     ) و تنادوا وتأهبوا ثم إنطلقوا لإنجاز عملية ستذكرها لهم مزابل التاريخ أو بالأحرى ستبوؤهم الدرك الأسفل منها      ليحاصروا ويشهروا أسلحتهم و قد علا صراخهم   وإمتزج بصيحات الإنذار و الأوامر بالتوقف الفوري   ولكن  من  يحاصر هؤلاء؟؟؟ و مالأمر يا ترى؟  حزر فزر و لك الحلاوة على حد تعبير اللهجة المصرية في مثل المواقف العجيبة والغريبة المفاجئة لاأريد أن تذهب بكم الظنون بعيدا و إلا تخسروا الجائزة فالأمر لا يتعلق بمجرم خطير هارب من وجه العدالة و لا بجاسوس مبحوث عنه و لا بعصابة إحتجزت أطفالا و نساء و لا حتى بعملاء مخابرات الصهيونية جاؤوا ليجربوا حظهم  من جديد في إغتيال  مسئول فلسطيني آخر…..!! إذا فما الأمر مجددا؟  كل هذه الهستيريا بسبب  عفيفة أخرى من عفيفات تونس  تجر طفليها عائدة إلى بيتها على الساعة العاشرة ليلا  عزلاء لا تملك من  أسباب  القوة إلا  عزيمة صادقة  وإصرارا على تحدي من يريد إسكاتها بأي ثمن ولا تملك من هدف سوى  الدفاع المستميت  عن زوجها سجين الرأي   ذنبها أنها فتحت بيتها للمتضررين أمثالها  استقبلت في بيتها ثاني يوم العيد بعض الأسر المساجين السياسيين  من بينهم أسرة أخينا حاتم زروق  و قد جاؤوا ليقاسموها و تقاسمهم لوعة فراق الأحبة جمع بينهم على حد قولها لقناة الحوار (إحساس مشترك بالألم و الحزن و اليتم بالحياة والظلم و قسوة النظام القائم)  إذا هو موعد جديد متجدد مع الدموع و مشاعر العجز و الغربة و الحرمان في يوم عيد تتزاور فيه العائلات و تتراحم   إلا هؤلاء فهم ممنوعون من هذا الحق إلى أجل لا يعلمه إلا الله.  فكان الموعد في بيت هذه العفيفة الشجاعة زوجة أسيرالكلمة الحرة الأستاذ محمد عبو إنها سامية عبو إسم على مسمى.   ما رأيكم الآن و قد بان سبب كل  هذه الهستيريا ؟ أترك لكم الحكم. أما من أين نط ت الخفافيش فجأة و كيف طلعت على سامية و إبنيها و قد التي كانت مصحوبة كذلك بالمناضلة الحقوقية الأستاذة راضية النصراوي فهذا سؤال لم تجد له سامية إجابة  ولكني فيما أزعم أعلم الإجابة عنه!! كيف ذلك؟ تلك إذا قصة أخرى    كلكم أو جلكم يذكر حكايات الأساليب الجديدة التي تتفتق عليها ملكة الشر لدى مهندسي الرذيلة و سدنتها في بلدي   وأعني بها أساليب استعمال الخرب و الأزقة المظلمة في دولة الخرب و المؤسسات على حد تعبير المناضل والاعلامي توفيق العياشي مراسل قناة الحوار الفضائية ( راجع للغرض مقال الصحفي توفيق العياشي في عدد من أعداد تونس نيوز أوت )2006  و هو أسلوب غاية في الجدة  و آخر صيحة من صيحات إستراتيجيات مباغتة الخصوم أو الأعداء في الحرب يستعاض بها عن غرف العمليات و المقرات الدائمة لقيادة الأجهزة المتخصصة في ملاحقة الأحرار و لم لا جميع المواطنين مستقبلا    وستتلقفها حتما جامعات أوروبا  و أمريكا لدراستها و تدريسها و قد يستدعون لذلك خبراء و فنيون من مهندسي هذه الإستراتيجيا الفذة.  شرف سينال تونس حتما!!! و الهدف من اعتمادها بما أن لكل إستراتيجيا أهداف هو:  أولا: مباغتة الخصوم السياسيون من أجل وقف مسيرهم و جرهم إلى الخربة (موقع إنطلاق الخفافيش) و استنطاقهم لمعرفة وجهتهم في مرحلة أولى.  ثانيا تعنيفهم إذا هم إحتجوا  و رفضوا ألإجابة عن أسئلتهم  مع سبهم بأ قذع الشتائم و العودة بهم إلى منازلهم قسرا أو جرهم إلى سيارات البوليس المدنية لأخذهم عنوة إلى مخافر الرعب  تحت صواعق الأيدي والأرجل التي تنزل عليهم دون رحمة كحمم البراكين وهو ماحدث يوم ثان العيد لزوجة أخينا حاتم زروق المجاهدة و ابنته وإبنه( أنظر آثار الكدمات على جسد الإبن في الشريط المصور و المعروض على موقع الحوار نات).  وهو ما حدث كذالك يوم 17أوت للمناضلين و الصحفيين  سليم بوخذير و محمد العياشي وهما في طريقهما الى منزل سامية عبو. فبإختيار الخرب و الزوايا المظلمة و المفضلة   تتضح النية    وهي رغبة خفافيش الخرب  تفادي   الشوهة (الفضيحة)  أثناء قيامها   بمهمتها  إذ أن أشد ما يزعجها الضجيج و الأضواء و أعني به في حالة  المناضلين سليم و محمد  الإستغاثات والإحتجاجات و الصرخات تحت الركلات و اللطمات طلبا لنجدة ما.
   إذا لن تنجح إستراتيجية تجنب الشوهة لو  أن ألأمر حدث بعيدا عن الخرب                                 
 و بفضل هكذا مواقع  يمكن ضمان نجاح المهمات بأقل قدر من الفضيحة و لم لا في كنف الهدوء و السكينة  و هم الذين ي ستكثروا  على ضحاياهم  أثناء  سبهم وركلهم بوحشية في جميع أنحاء الجسد  الصراخ أوالإستغاثات    بغية أن تتم العملية  على طريقة لا من درى و لا من سمع    ثم يعودون إلى   قواعدهم سالمين غانمين تاركين الضحية لمصيرها  و قد تمت العملية في هذه الحالة و غيرها بنجاح منقطع النظير  يستحق  من شخصي المتواضع أن أردف  المكافأة المعنوية  الأولى  التي قدمتها لهم  بأخرى من عندي   و ذلك بإضافة لقب آخر جديد  ألا و هو لقب الأوباش السود  ليحصلوا على كمال الألقاب المحفزة على مزيد البذل و العطاء لخدمة الشعب الذي لولا جيبه الكريم لما تسنى لهم إنجاز هذه المجهودات و المهمات  في إذلاله وترويعه و تحقيق النصرعليه!!!!!!!!!                               حقا صدق قول القائل إذا لم تستح فافعل ما شئت! و صدق قول الآخر أسد علي و في الحروب نعامة. وبإختصار شديد استطاع العياشى و بوخذير يوم الواقعة  أن يهتدوا لحقيقة الأمر بعد فترة ذهول جراء مباغتة خفافيش الخرب لهم عفوا الأوباش السود   و الإنقضاض عليهما.  و لم يدركا في البداية من أين برزت ولا كيف حتى ظن المسكينان للحظة أن الأمر ربما تعلق بعفاريت الظلام من الجن برزت  بهدف إزعاجهما.   بطل العجب بعد دقائق عندما إسترد المناضلان أنفاسهما و إكتشفا أنهما مرا بخربة لم يعيراها اهتماما يذكر عكس الخفافيش اللذين و جدوا فيها ضالتهم الكبرى و مقرا مناسبا   و تناغما  مع الصفة التي أطلقتها عليهم لينقضوا  إنطلااقا منهاعلى صيدهم الثمين. مرة أخرى هل فهمتم ما لم تهتد إلي فهمه بسرعة الأخت سامية؟؟   و الجواب الذي زعمت في البداية أني أعلم جوابه هو: لقد نطوا  لها من مكان مشابه فيما أزعم  للخربة التي نط منها هؤلاء لمباغتة الصحفيين وهما في طريقهما الى بيتها. وعليه و عملا بقوله صلى الله عليه و سلم : لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ومن باب الدين النصيحة فإليكم هدا البيان الموجه إلى الرأي العام التونسي إني أهيب بالمواطنين و المواطنات عامة وبالمناضلات و المناضلين خاصة أن يتجنبوا: أولا المشى  بأي حال من الأحوال في الأزقة الضيقة و المظلمة و أن يتفادوا المرور بالخرب ثانيا أن يلتفتوا  يمنة   و يسرة مرات  و يسرعوا الخطا إذا هم اضطروا لذلك و ذلك للمساهمة في إحباط مؤامرات الخفافيش عفوا خفافيش الخرب  وأوباش الأزقة الضيقة  السود في بلدي. وجزاكم الله خيرا و يبقى الهدف في النهاية مما حصل للأخت سامية و أبناؤها استبدال الضربات الجسدية القاضية و التي لم تعطي النتائج المرجوة في إخماد الأصوات الحرة  و الإستعاضة عنها بأسلوب الضربات  النفسية القاضية  عبر اشهار السلاح بوجه سامية وإبنيها  وراضية   و أرادوا أن تكون ضحية الضربات هذه ه أبناء السيدة عبو بالخصوص في بلد’’ حقوق الطفل’’حتى أن الأنباء تحدثت عن حالة جد سيئة للبنت و الطفل  إثر الواقعة. أما الحادثة الثانية فتتمثل في دخول العاهرات على الخط في إطار تكنيك جديد قديم إبتكرته أركان الردة من مهندسي الرذيلة في بلدي و هو الاستنجاد بالعاهرات وطلب خدماتهن  وإلتماس العون منهن على مصيبة حلت بهم وكارثة أذهبت النوم من أعينهم و أقضت مضاجعهم  اسمها ألمنصف المرزوقي الدكتور و المناضل.       فهذه احداهن   و في إخراج مسرحي فاشل  تعترض طريقه و ترفع كما يقال عقيرتها بالصياح لتتهمه بمحاولة التعدي عليها بل ومحاولة إغتصابها و عندما و جدت نفسها خارج اللعبة و أن السيناريو المدبر بغباء متناهي   إنتهى الى  فشل ذريع   صرخت بأعلى صوتها وهي متوجهة  نحو الدكتور( والله ما تا خذوها) و تقصد بذلك السلطة في تونس. أما عن جحافل منحرفي الحق  العام      المسنودة بالعشرات من قوات البوليس   والتي أطلقتها أيادي  سدنة الشر و أركان الردة   وراء الرجل الأعزل تتعقب خطواته خطوة بخطوة و تحصي عليه حركاته و سكناته    فانك من كثرتهم وهم في الموقف الذي وصفت   يخيل إليك( إذا كنت مارا بالمكان في تلك اللحظة) أن عملا سينيمائيا ضخما  يعد للتصوير على الطبيعة  و يخص   أحد أبطال  تونس وهو يقود مسيرة ضد الاستعمار   وعندما تقترب من ساحة المشهد أكثر تنتهي إلى مسامعك  سباب مقذعة بأصوات مفزعة و شعارات مرفوعة   من مثل يا مرزوقي يا عميل قطر    تدرك دون حاجة إلى ذكاء خارق أن فعلا هناك مظاهرة لكنها ليست ضد الاستعمار أو ضد جديد مجازر الصهاينة من اليهود أو الأمريكان في حق إخواننا من الفلسطينيين أو العراقيين أو الأفغان …. أنها مظاهرة ضد شخص أعزل نحيف في بنيته صلب في عزيمته  قوي فيما آمن به  أقض مضجع سلطة بأكملها  يرعبها و يزلزلها  و يروعها  و يسرق النوم من أعين جلاوزتها وسدنة الشر فيها بعقيدة اسمها  الإصرارعلى مبدإ الكلمة الحرة و المطالب العادلة.  أما عن آخر حلقة من حلقات مسلسل حالة الهستيريا  التي استبدت بجلاوزة السلطة  فهي  تعمد البعض منهم (في إحدى مراكز الرعب بولاية نابل)  تهديد إمرأتين من المحجبات بالإغتصاب عند ما أصرت الأخيرتان على التمسك بحقهما المشروع  والشخصي بارتداء ما يرضي عقيدتهما ولن أتحدث عن مشاهد  إقتياد المرأتين بوحشية منقطعة النظير إلى مراكز الرعب على مرآى الناس هذه المرة نظرا لقلة الخرب في ولاية نابل  ولا عن تباري الأوغاد في إختيار أقذع الشتائم وكيل أبشع النعوت مكللة بأقسى اللطمات و الركلات المخلفة للكدمات  في أنحاء جسديهما كما فعلوا تماما مع ابن أخينا حاتم زروق و الذي  طالب فقط بإ طلاق سراح أبيه. هذا كخلاصة غيض من فيض مما يحدث في بلدي من الجديد المبتكر لآلة الشر التي لا تكل و لا تمل و لا يوقفها شيء من عقل أو ضمير أو أعراف أو أوجاع  وأنين ….لا يوقفها شيء إلا حتفها و رحيلها إلى غير رجعة! و في الختام: أحيي نصيرات الكلمة الحرة و الموقف الحر بطلات تونس وشريفاتها  سامية عبو وراضية النصراوي و سهام  بن سدرين ومن سار على درب نضالهن  و أحيي زوجات المساجين السياسيين المجاهدات  وأحيي العفيفات  المحجبات  وأحيي آنصار الحرية في تونس  الذين يعايشون  الأهوال في بلدي عزلا إلا من عشق لا يوصف للحرية و للوطن  الصامدون و الصامدات  و الصابرون و الصابرات و الصادقون و الصادقات. و أحيي ألأسود الرابضة وراء القضبان المحتسبة فيما أحسب أحيي جميع هؤلاء بتحية على لسان الفنان المناضل مارسيل خليفة  و أردد:

أناديكم أشد على أياديكم وأبوس الأرض تحت نعالكم وأقول: أفديكم

حفظكم الله و ثبتكم وكلل جهودكم بالتوفيق  و أحبط مؤامرات من أراد بكم سوءا آمين ولا حول و لاقوة إلا بالله العلي العظيم أستاذ و سجين سياسي سابق سويسرا    Abder58@hotmail.com  


 

تــونــــس :  شــعــب بـــلا عـــدالـــة طــيــور بـــلا أجــنــحـــة

الأستـــاذ فتحــــــــي نصــــــري

 Maitre_nasri@yahoo.fr

               » أمــا بـعـد فـإن الـقضـاء فـريضـة مـحكمـة و سـنـة مـتبـعـة فـافـهـم إذا أدلـي إلـيـك فـإنـه لا يـنفـع تـكلـم بـحـق لا نـفـاذ لـه، و آس بـيـن الـنـاس في وجـهـك و عـدلـك و مـجلسـك، حتـىلا يـطمـع    شـريـف في حـيفـك و لا يـيـأس ضعيـف من عـدلـك، الـبيـنـة على من ادعـى والـيميـن على من أنـكـر،والـصلـح جـائـز بـيـن الـمسلميـن إلا صـلحـا أحـل حـرامـا أو حـرم

حـلالا، و لا يـمنـعـك قضـاء قضيتـه    أمـس فـراجعـت الـيـوم فيـه عـقلـك و هـديـت فـيـه لـرشـدك ان تـرجـع إلـى الـحـق: فـإن الـحـق قـديـم    لا يـبطلـه شـيء و مـراجعـة الـحـق خيـر من الـتـمـادي في الـبـاطـل، الـفهـم الـفهـم فيمـا تـلجـلـج في     صـدرك مـمـا لـيـس في كتـاب  الـلـه تـعـالـى و لا سـنـة نـبيـه، ثـم اعـرف الأمـثـال و الأشـبـاه و قـس   الأمـور بـنـظـائـرهـا و اجـعـل لـمـن ادعـى حـقـا غـائـبـا أو بـينـة أمـدا يـنتهـي إلـيـه، فمـن أحضـر بـينـة   أخـذت لـه  لـحقـه و إلا استـحـلـل الـقضيـة عليـه فـإن ذلـك أنفـى لـلـشـك و أجلـــــى لـلعـمـى، و   الـمسلمـون عـدول بـعضهـم على بـعض إلا مـجلـودا في حـد أو مـجـربـا عليـه بـشهـادة زور أو ظـنينـا    في ولاء أو نـسـب، فـإن الـلـه عـفـا عن الأيمان ودرأ بـالـبينـات، و إيـاك و الـقـلـق و الـضجـر و   الـتـأفـف بـالـخصـوم فـإن الـحـق في مـواطـن الـحـق يـعظـم الـلـه بـه  الأجـر و يـحسـن بـه الـذكـر و   الـسـلام ».

 

                                                                       » عهد عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري »

أولا- الـمسـاجيـن بـيـن سـيـاسـة الـقـطـرة قـطـرة و الـمـوت الـبـطـيء:

   بـكـل الـفـرح و الـثبـات و الإيـمـان بـقـدر الـلـه و قـدرتـه، و الإيـمـان بـأن لـيـل الـظلـم و الـقهـر لـن يـطـول، و أن الـصبـح قـريـب تـلقيـت خـبـر إطـلاق سراح بـعض أخـوتـنـا الـمسـاجـيـن بـعـد قـضـائـهـم مـا يـفـوق من 15 سـنـة وراء أعـتى الـسجـون الـتـونـسيـة و فـي ظـروف تـتـنـافـى مـع أبـسـط حـقـوق الإنـسـان و تـتـعـارض كـليـا مـع كـرامـة الإنـسـان، و هـذا الـخـبـر بـقـدر مـا أسـعـدني إلا أن عـدم إطـلاق سـراح بـقيـة الأخـوة الـمسـاجـيـن و خـاصـة الـقيـادات الـفـكـريـة و الـحـركـيـة يـطـرح عـديـد الأسـئلـة حـول مـصيـرهـم بـاعتـبـارهـم رهـائـن في سـجـون نـظـام الـسـابـع من نـوفمبـر، مـمـا يـعـرضهـم لـلـمـوت الـبـطيء أو الإعـدام قـطـرة قـطـرة

   فـكـل مـن يـشـاهـد شـريـط الـفـيـديـو حـول حـالـة الـسجيـن فـتحي الـعـيسـاوي الــمحكـوم ب 31 سـنـة سـجنـا و الـمصـاب بـسـرطـان الـحـلـق مـنـذ خمـس سـنـوات و يـستـمـع إلـى شهـادة والـدتـه الـسيـدة خـيـرة يـصـاب بـألــم شــديــد و هــو يـشـاهــد انـفـطـار قــلـب أم مـستـضعـفـة لـم تـجـد سـوى دمـوعـهـا و شـكـاواهـا إلـى الـلــه لـتـرسـم صـورة قـاتـمـة لـوضـعيـة ابـنـهـا الـسجيـن و وضـعيـة أهـلـه، و لـم يـكـن الـشـريـط الـثـانـي حـول وضـعيـة الـمسـاجـيـن الـسيـاسـيـيـن الـذيـن حـرمـوا من مـبـدأ اتـصـال الـقضـاء و حـوكـمـوا عـدة مـرات بـنـفـس الـتهمـة- ســوى شـهـادة صـارخـة لـمـا يـتـعـرض لـه الـمسـاجيـن الـسـيــاسـيـيـن فـي تـونــس مـن ظـلـم و خــرق لأبـسـط حــقــوقـهـم الـتي يـكـفـلـهـا الـدسـتـور الـتـونـسي و الـمـواثيـق و الـمعـاهـدات الـدولـيـة، فـهنـاك أكـثـر من 30 حـالـة حـوكمـوا بـنـفـس الـفعـل أكثـر من مـرة، بـل هـنـاك من حـوكـم بـنـفـس الـتهمـة سـبـع مـرات(1) و هـنـاك من لـم يـتـم إطـلاق سـراحـه رغـم انـتـهـاء الـمـدة الـمحكـوم بـهـا و بـقـي في الـسجـن بـدون عـقـوبـة حـبسيـة في وضـعيـة الـمختـطـف أو الـرهـينـة(2).  

   إن استـمـرار الـنظـام الـتـونسي في تـجـاهـل الـمسـاجـيـن الـسـيـاسيـيـن و اعتـبـارهـم مسـاجـيـن حـق عـام  » مـجـرمـيـن  » رغـم تـمتـعهـم بـصفـة  » مـسـاجـيـن سـيـاسـيـيـن  » وفـق الـمعـايـيـر الـدولـيـة، يـعـرضهــم لـعـمـلـيـة تــدمــيـر جـسـدي و مـعنـوي مـمنهـج، يـحـول الـسجيـن إلـى بـقــايـا جـسـد مـنهـك و عـليـل، و مـن لـم يـستـشهـد في الـسجـن خرج منه بعديد الأمراض المزمنة، فـأغـلـب الـمسـاجـيـن يـعـانـون من عـديـد الأمـراض كـالـربـو و الـسكـري و الـرومـاتـيـزم و أمـراض الـكـلـي، و هـنـاك من أصـيـب بـالـسـرطـان نـتيجـة الإهمـال الـمتعـمـد و رفـض الـسلطـات الإفراج عنه، مـمـا يـوحـي بـأن سـيـاسـة الـقطـرة قـطـرة الـتي يـتبعهـا نـظـام الـسـابـع من نـوفـمبـر تـهـدف بـالأسـاس إلـى تـنـفـيـذ عـقـوبـة الإعـدام بـشكـل غـيـر مـبـاشـر في حـق الـمسـاجـيـن، بـل إن الـمـوت الـبطـيء يـعـد عـقـوبـة أقـسـى من الإعـدام.    

   و فـي خـضـم هـذه الـمعـانـاة الـتي يـعـيشـهـا الـمسـاجيـن الـسـيـاسـيـيـن بـتـونـس استـعـرت الـحملـة الـشعـواء الـتي تـخـوضهـا الأقـلام الـمـأجـورة و أدعـيـاء  » الـمـذهـب الـلاديـنـي  » يـحـرفـون كلام الله و يـنصبـون أنـفسهـم أئـمـة و فـقهـاء  » كبـرت كـلمـة تـخـرج من أفـواهـهـم إن يـقـولـون كـذبـا « ، و هـذه الحملة الـموجهـة تـشتـد كـلمـا كـثـرت الـمطـالـبـات الـدولـيـة بـإطـلاق سـراح الـمسـاجيـن الـسيـاسيـيـن و تـستعـر كـلمـا سلطـت الأضـواء على وضـعيـة هـؤلاء الـمسـاجـيـن، و مـا الـحملـة الأخـيـرة لـنـزع الـحجـاب إلا مـحـاولـة لـتحـجـيـب ملف الـمسـاجـيـن الـسـيـاسـيـيـن و حـجبـه عن أنـظـار الـجـمـعـيـات الـحـقــوقــيــة و الـمـدنــيــة الــتــونـسـيــة و الـمـنـظمـات الــدولـيـة الـمهـتـمـة بـهـذا الـشـأن.

و لـلأسـف انـسـاق وراء هـذه الـحملـة بـعض أخـوتـنـا الـذيـن كـان لـهـم الـسـبـق في حمـل لـواء الـدعـوة لـكـرامـة الإنـسـان و حـرمـتـه و حـريـتـه من أمـثـال الأخ لـزهـر عـبعـاب الـذي حـاول في مـقـالـه الأخـيـر غـسـل سـجـل الـنظـام الـتـونـسي في مـجـال انـتهـاك حـرمـات الـلـه و حـرمـات الـبشـر، و هـو أيـضـا شـكـل من أشـكـال الـغسيـل الـسـيـاسي المـحـرم.

        ثــانيـــا- مـحـاكـمـات قـائـمـة على أشـلاء الـعـدالـة:

   إن الـسكـوت عن جـريـمـة مـتـواصلـة لـمـا يـزيـد عن 15 سـنـة يـعتبـر مشـاركـة فـي هـذه الـجـريـمـة و هـو مـا يـعبـر عـنـه  » بـالـجـريـمـة الـسـلبيـة  » و إن كـان الـقـلـم الـوطني الـجـريء عـبـد الـبـاقي خـليفـة قـد تـحـدث عن الـصمـت الـدولي إزاء مـا يـحـدث في سـجـون تـونـس في إشـارة إلـى الـكـيـل بـمكـيـالـيـن في الــتعـاطي مـع الاعـتقـال الـسيـاسي حسـب الإنـتمـاء الإيـديـولـوجي لـلمعتـقـل(3)، فـإن الـسكـوت عن الـوضـع الـمـأسـاوي لـلمـسـاجـيـن الـسـيـاسـيـيـن من طـرف بـعض الـمنظمـات الـحقـوقـيـة و الـمـدنـيـة الـتـونسيـة يـعتبـر وصـمـة عـار لا تـنسـى، كمـا يـفـرغ هـذه الـمنظمـات من أيـة مـصـداقـيـة.

   لـقـد شـهـدت تـونـس في بـدايـة الـتسعيـنـات من الـقـرن الـمـاضي أسـوأ مـحـاكمـات عـرفهـا الـتـاريـخ الـسيـاسي الـحـديـث لــتــونـس، حـيث ذبـحـت بــنــود الـدسـتــور عـلى عـتـبــات الـمحـاكــم الـعسكـريـة، و سـفكـت مقـتضيـات قـانـون الإجـراءات الـجـزائـيـة في أروقـة الـمحـاكـم الـعـاديـة،و اغتـصبـت الـمـواثيـق الـدولـيـة بـقـاعـات الـمحـاكـم و مـراكـز الاعـتقـال،و دهـالـيـز الـتعـذيـب بـوزارة الـداخـليـة،فـكـانـت بـحـق مـحـاكمـات قـائـمـة على أشـلاء الـعـدالـة،لـخصهـا تـقـريـر مـنظمـة الـعفـو الـدولـيـة(امـنستـي) بـعـنـوان  » تـونـس أحكـام قـاسـيـة في أعـقـاب مـحـاكمـة غـيـر عـادلـة «  و أهـم مـا جـاء في هـذا الـتقـريـر  » هنـاك الـكثيـر من مـظـاهـر خـرق الـقـانـون و حـقـوق الإنـسـان سـواء عـنـد الـقبـض على الـمتهـميـن ،أو أثـنـاء فـتـرة اعـتقـالـهــم و الـتحـقيـق مـعهـم، أو من خـلال الـمحـاكمـة « (4).

   لــقــد كـانت  هـذه الـمحـاكمـات أشـبـه بـالـمسـرحـيـات الـمفضـوحـة، فـالـمحـاكـم الـعسكـريـة كـانـت صـورة مـشـوهـة لـمحـاكـم الـتفـتيـش حيث افـتـقـدت لأبـسـط شـروط الـمحـاكمـة الـعـادلـة لا من حيث الاخـتصـاص و لا من حيث الاسـتقـلالـيـة و لا من حيث الـخـرق الـسـافـر لـلـدسـتـور و لـقـانـون الإجــراءات الـجــزائـيـة، فـجــاءت الأحـكــام مـتــنــاسـقــة مــع الـمــذبـحـة الـتي تـعـرضت لـهـا الـعـدالـة، و شـكـلا من أشـكـال الـتصفيـة الـسيـاسيـة لـخصـم سـيـاسي، ووجـهـا من وجـوه تـجـفيـف مـنـابـع الـتـديـن عـبـر تـغـيـيـب حملـة الـمشـروع الإسـلامي و دعـاة الاستخـلاف الـحـقيقي الـقـائـم على مـبـاديء الـحـريـة و الـعـدالـة و الـتكـريـم، ثـم كـانت مـرحلـة الـسجـن نـوعـا من أنـواع الانـتقـام الـذي دارت أحـداثـه في عـتمـة الـزنـازيـن و أقـبيـة الـسجـون في اسـتغـلال فـاحـش لـلظـروف الـدولـيـة و لـصمـت الأحـزاب و الـمنظمـات الـمـدنـيـة الـتـونسيـة، فـشهـدت الـسجـون الـتـونسيـة أطـول فـتـرات الـحبـس الانـفـرادي الـتي امـتـدت لـحـوالي 14 سـنـة (5) مـمـا يـؤهـل هـذه الـسجـون لـدخـول كــتـاب  » غيـنيـس «  للأرقـام الـقيـاسيـة الـعـالـميـة، فـضـلا عن الـتعـذيـب الـجسـدي(6) و الـحـرمـان من أبـسـط حـقـوق الـسجيـن،و الـتعـذيـب الـمعنـوي عبـر مـنـع الـزيـارة و تـدنـيـس الـمقـدسـات لـتحطيـم قـلاع الـصـبـر و زعـزعـة الــنـفــوس (7) بــل وصـلت الـوحـشـيــة إلـى حــد اغـتـصـاب أحـد الـمسـاجـيـن(8)

و الـقـتـل الـمتعمـد لـبعـض الـقيـادات عـبـر حـرمـانـهـم من الـعـلاج(9).فضلا عن رفض السلطات الإفراج عن السجناء المصابين بأمراض حرجة ومزمنة ( 10)

   هــكــذا كــانـت مـحـاكـمـات قــيـادات و مـنـاضلي حــركـة الـنهـضـة خــرق لــلـدســتـور و لــلـقـانـون و لـلـمـواثـيـق الـدولـيـة سـواء أثـنـاء إلـقـاء الـقبـض و الاعـتـقـال، أو أثـنـاء الـحـقيـق، أو خـلال الـمحـاكمـة، أو أثـنـاء قـضـاء الـعقـوبـة، بـاخـتصـار كـانت مـحـاكمـات تـفـتـقـد لمواصفات الـمحـاكمـة الـعـادلـة.

        ثــالثـــا- الـمحـاكمـة الـعـادلـة وفــق الـدستـور الـتـونسي و الـمعـايـيـر الـدولـيـة:

   قـد لا يـبـالـغ الـمـرء إذا ربـط بـيـن الـتكـريـم الإلـهـي لـلإنـسـان » و لـقـد كـرمـنـا بـنـي آدم » (11 ) و بين تـحـقيـق حـقـوقـه، ذلـك أن حـقـوق الإنـسـان هـي عـنـوان تـكـريـمـه، و هـذه الـكـرامـة وجـدت مـع خـلـق الإنـسـان و لـيـست مـستـحـدثـة، فـهي عـنصـر أصـلي لذلك كان الـتـكـريـم الأرضيـة الـتي يـنطلـق منهـا مـوقـع الإنـسـان في الـوجـود، و إن كـانـت الـتعـريـفـات الـلـغـويـة و الاصطلاحيـة لـلـعـدالـة قـد تـنـوعـت فـإن جـوهـرهـا واحـد لارتـبـاط الـعـدل بـالـحـق،و كـان أوجـز تـعـريـف لـلـعـدالـة مـا ذكـره أبـو الـحسـن الـجـرجـاني حيـن قـال  » الـعـدالـة الاستـقـامـة« (12) في حيـن تـوسـع الـراغـب الاصفهـاني فـربـط بيـن الـعـدالـة و الـمسـاواة فـقال  » الـعـدالـة لـفـظ يـقتـضي ذكـر الـمسـاواة،و لا يـستعمـل إلا بـاعتـبـار الإضافـة ،و هـي في الـتعـارف إذا اعتبـرت بـالـقـوة هـيئـة في الإنسـان يـطلـب بـهـا الـمسـاواة،و إذا اعتبـرت بـالـفعـل فهـي الـقسـط الـقـائـم على الاستـواء،و هـي الـفضـائـل كلهـا،أو هـي أجمـل الـفضـائـل،و هـي في مـيـزان الـلـه الـمبـرأ من كـل زلـة،و بـهـا يـستتـب أمـر الـعـالـم ،فـإذا وصـف الـلـه تـعـالى بـالـعـدل فـيـراد بـذلـك أن أفـعـالـه واقعـة على نـهـايـة الانـتـظـام » (13  )  و إذا اعتـبـر ابـن خـلـدون أن الـعـدل أسـاس الـعمـران فـإن الـظلـم في الـمقـابـل مـؤذن بـخـراب و بـزوال الـعمـران،من هنـا تـبـرز الـقيمـة الأصيلـة لـلعـدالـة و ارتـبـاطهـا بـالـتكـريـم الإلـهـي لـلإنـسـان ،و من هنـا أيضـا تـسقـط مـقـولات تـجـزىء حـقـوق الإنـسـان فهـي كـل غيـر قـابـلـة لـلتـجـزيء و الـتفـويـت و الـتـأجيـل تحت أي ذرائـع،فـالـتنمـيـة الـحقـيقيـة هي تـنمـيـة الإنـسـان،و الاستـثمـار الـحقـيـقي هـو استـثمـار مقـدرات الإنـسـان،فـهـل يـعقـل أن نـنـتظـر من فـرد يـرزح تحت نـيـر الـظلـم الـعطـاء،و هـل يـعقـل أن نـطلـب من شعـب الـبـنـاء و حـقـوقـه مـسلـوبـة فـشعـب بـدون عـدالـة مـثلـه كـمثـل الـطيـر بـدون جـنـاحيـن لا يـقـدر على الإقـلاع و الـطيـران.

   كـانـت هـذه مـقـدمـة ضـروريـة لـلـوقـوف على قيمـة الـعـدالـة و ارتـبـاطهـا بـحـريـة الإنـسـان، و إن كـانـت الـقـوانيـن الـوضعيـة قـد استـشعـرت هـذه الـقيمـة فـإن عمليـة الـتنـزيـل ظلـت مـفـارقـة لـهـا، فـالـعـدل بـمشـتقـاتـه إذا سحـب على آلـيـة أو إجـراء، اكتســب هـذا الإجـراء قيمتـه بـتحـقـق مـفهـوم الـعـدل في ذاتـه، فـالـمحـاكمـة الـعـادلـة لا تـتـحـقـق إلا بـتـحـقـق مـفهـوم الـعـدل و في أسمـى مـعـانـيـه الـحـفـاظ على كـرامـة الإنـسـان، و قـد سـعـت الـمـواثيـق و الـمعـاهـدات الـدولـيـة إلـى وضـع عـدة مـعـايـيـر مـتـنوعـة لـلمحـاكمـة الـعـادلـة بـاعتبـارهـا من الـحقـوق الأسـاسيـة لـلإنـسـان، تـهـدف إلـى حـمـايـة الأشـخـاص منـذ بـدايـة إلـقـاء الـقبـض عـليهـم، و عـنـد احـتجـازهـم قـبــل تـقـديـمهـم لـلمحـاكمـة،

و أثـنـاء مـحـاكمتـهـم أي في جميـع أطـوار الـمحاكمـة، فـيقصـد بـالـمحاكمـة الـعـادلـة وفـق الـقـوانيـن الـوضعيـة  » هـي تـلـك التي تطبق فيهـا مباديء و معايير و إجراءات المحاكمة العادلة منذ البداية إلى الـنهـاية متمثـلـة بـمـواثيـق الـمحـاكمة الـدوليـة الـعـادلـة الـتي وضعهـا الـمجتمع الـدولي، مـع ضـرورة قيـام سلطـة مستقلـة و نـزيهـة و محـايـدة بالسهر على تـطبيـق هـذه الـمـواثيـق « ، و تـتـفـرع بـذلـك عن الـمحـاكمة غيـر الـعـادلـة مجمـوعـة من الـخـروقـات الـمتنـوعـة مثـل عـدم قـانـونـيـة الـمحكمـة و تـجـاوز مـدة الاعـتقـال الاحتـيـاطي و الـتعـذيـب لانـتـزاع الاعتـرافـات و الـمعـاملـة اللا إنـسـانـيـة أو الـمهينـة الـحـاطـة من كـرامـة الإنسـان و صـوريـة و إجـراءات الـمحـاكمـة، و لـعـل مـا شـهـدتـه أقـبيـة وزارة الـداخـليـة الـتـونسيـة و أروقـة الـمحكمـة الـعسكـريـة بـدايـة الـتسعيـنـات أبـلـغ مـثـال على الـمحـاكمـة غـيـر الـعـادلـة، فـضـلا عن ظـروف قضـاء مـدة الـعقـوبـة داخل الـسجـون الـتـونسيـة و الـتي تـجـاوزت في بـشـاعـتهـا أعتـى الـسجـون الـعـالـميـة.

   فـي هـذا الـمقـال الـمتـواضـع سـأكتـفي بـعرض مـواصفـات و مـعـايـيـر الـمحـاكمـة الـعـادلـة وفـق الـدستـور الـتـونسي و الـمـواثيـق و الـمعـاهـدات الـدولـيـة دون تـعليـق، و الأكيـد أن الـمطلـع على هـذه الـمعـايـيـر لـن يـجــد أي صـعـوبـة في تـصـنـيـف الـمحـاكـمـات الـتـي تـعــرض لـهـا قـيـادات و كـوادر و منـاضلي حـركـة الـنهضـة الـتـونسيـة في خـانـة الـمحـاكمـات الـظـالمـة و الـخـارقـة لأبـسـط الـقـواعـد الـقـانـونـيـة و الـمـاسـة بـكـرامـة الإنـسـان ، و يـمكـن مـقـاربـة مـواصفـات الـمحـاكمة الـعـادلـة وفـق الـمـعــايــيــر الـتـالـيـة عـلى ســبـيـل الـمـثـال لا الـحـصـر لأن كـل جـهـد بــشـري أقــرب إلـى الـنـسـبـيــة و الـنـقـصـان .

    1/- الـحـق في مـحـاكمـة أمـام محكمـة مـستـقلــة و مـحـايــدة:

*جاء في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان  » لكل انسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظرا منصفا وعادلا للفصل في حقوقه والتزاماته ، وفي أي تهمة جزائية توجه اليه « ( 14)

* جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون « ( 15)

2 / ـ الحــق فــي المســاواة أمــام القانـــون

*جاء في الدستور التونسي  » كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات ، وهم سواء أمام القانون  » (16)

*جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » الناس سواء أمام القضاء «  ( 17)

    3  /- الـحـق فـي افـتـــراض الــبــراءة:

 *  جــاء في الـدستـور الـتـونسي  » كـل متـهـم بـجـريمـة يـعتبـر بـريئـا إلـى أن تـثـبـت إدانـتـه في مـحـاكمـة تـكفـل لـه فيـه الـضمـانـات الـضـروريـة لـلـدفـاع عن نـفسـه « (18).

 *  جــاء في الإعـلان الـعـالمي لـحقـوق الإنسـان  » كـل شـخص متهم بـجـريمـة يـعتبـر بـريئـا إلـى أن يـثبـت ارتـكـابـه لـهـا قـانـونـا في مـحـاكمـة تـكـون قـد وفـرت لـه فيهـا جميـع الـضمـانـات اللازمـة لـلـدفـاع عـن نـفسـه » (19).

 *  – جـاء في مجمـوعـة الـمـبـاديء الـمتعلقـة بـحمـايـة الأشخـاص الـذيـن يـتـعـرضـون لأي شـكـل من أشكـال الاحـتجـاز أو الـسجـن  » يـعتبـر الـشخـص الـمحتـجـز الـمشتبـه في ارتـكـابـه جـريـمـة جـنـائـيـة أو الـمتهـم بـذلـك بـريـئـا و يـعـامـل على هـذا الأسـاس إلـى أن تـثبـت إدانـتـه وفـقـا لـلـقـانـون في مـحـاكمـة عـلنيـة… »(20).

  * – جـاء في الـعـهـد الـدولي الـخـاص بـالـحقـوق الـمدنيـة و الـسيـاسيـة  » من حـق كـل متهـم بـارتـكـاب جـريـمـة أن يـعتبـر بـريـئـا إلـى أن يـثبـت عليـه الـجـرم قـانـونـا  » (21).

    4/- الـحـق في عــدم الـتـعـرض لـلقبـض أو الاعتـقـال أو الاحـتجـاز الـتعسـفـي:

 * – جــاء فـي الـعـهـد الـدولي الـخـاص بـالـحقـوق الـمدنـيـة و الـسيـاسيـة  » لـكـل فـرد حـق في الـحـريـة و في الأمـان على شـخصـه و لا يـجـوز تـوقيـف أحـد أو اعتـقـالـه تـعسفـا و لا يـجـوز حـرمـان أحـد من حـريـتـه إلا لأسبـاب يـنـص عليهـا الـقـانـون و طبقـا لـلإجـراء الـمقـرر فـيـه «  (22).

  * – جــاء في مـجمـوعـة الـمـبـاديء الـمتعلقـة بـحمـايـة الأشخاص  » لا يـجـوز إلـقـاء الـقبـض أو الاحتـجـاز أو الـسجـن إلا مـع الـتـقـيـد الـصـارم بـأحكـام الـقـانـون و على يـد مـوظفيـن مختصين أو أشخـاص مـرخـص لـهـم بـذلـك  » (23).

  * – جـاء في الإعـلان الـعـالمي لـحقـوق الإنسـان  » لا يـجـوز اعتـقـال أي إنسـان أو حجـزه أو نـفيـه تـعسـفـا  » (24).

    5/- الـحـق في إبـلاغ الـمعتقـل بـحقـوقـه و بـالـلـغـة الـتي يـفهـمهـا:

  * – جـاء في مجمـوعـة الـمبـاديء الـمتعلقـة بـحمـايـة جميـع الأشخـاص  » تـقـوم الـسلطـة الـمسـؤولـة عن إلـقـاء الـقبـض أو الاحـتجـاز أو الـسجـن.على الـتـوالي بـتـزويـد الـشخص لـحظـة الـقبـض عليـه و عـنـد بـدء الاحـتجـاز أو الـسجـن أو بـعـدهمـا بـمعلـومـات عن حـقـوقـه و بـتفسيـر لـهـذه الـحقـوق و كـيفيـة استـعمـالـهـا « (25).

    6/- الـحـق في إبـلاغ الـمتهـم بـسـبـب إلـقـاء الـقبـض عليـه:

 *  – جـاء في الـعهـد الـدولي الـخـاص بـالـحقـوق الـمدنيـة و الـسيـاسيـة  » يـجـب إبـلاغ أي شخـص يـتـم تـوقـيفـه بـأسبـاب هـذا الـتـوقيـف لـدى وقـوعـه كمـا يـتـوجـب إبـلاغـه سـريـعـا بـأيـة تـهمـة تـوجـه إلـيـه «  (26).

  * – جـاء في مجمـوعـة الـمبـاديء الـمتعلقـة بـحمـايـة جميـع الأشخـاص  » يـبلـغ أي شخـص يـقبـض عليـه وقـت إلـقـاء الـقبـض بـسـبـب ذلـك، و يـبلـغ بـوجـه الـسـرعـة بـأيـة تـهـم تـكـون مـوجهـة إلـيـه « (27).

    7/- الـحـق في إبـلاغ أسـرة الـمتهـم بـإلـقـاء الـقبـض عليـه:

 *  – جـاء في الـقـواعـد الـنـمـوذجيـة الـدنـيـا لـمعـاملـة الـسجنـاء  » يـرخـص لـلمتهـم بـأن يـقـوم فـورا بـإبـلاغ أسـرتـه نـبـأ احـتجـازه، و يـعـطـى كـل الـتسهيـلات الـمعـقـولـة لـلاتــصـال بـأسـرتـه و أصـدقـائـه و بـاسـتـقـبـالـهـم  » (28).

*   – جـاء في مجمـوعـة الـمبـاديء الـمتعلقـة بـحمـايـة جميـع الأشخـاص  » يـكـون لـلشخـص الـمحتجـز أو الـمسجـون بـعـد إلـقـاء الـقبـض عليـه مـبـاشـرة    أن يـخطـر أفـرادا من أسـرتـه بـالـقبـض عليـه أو احـتجـازه…. » (29).

    8/- الـحـق في افـتـراض الإفـراج عن الـمعتـقـل:

 *  – جـاء في الـعهـد الـدولي الـخـاص بـالـحقـوق الـمـدنيـة و الـسيـاسيـة  » لا يـجـوز حـرمـان أحـد من حـريـتـه إلا لأسبـاب يـنـص عليهـا الـقـانـون و طبقـا لـلإجـراء الـمقـرر فـيـه «  (30).

  * – جـاء في مجـمـوعـة الـمبـاديء  » يـعتبـر الـشخـص الـمحتجـز الـمشتبـه في ارتـكـابـه جـريـمـة جـنـائـيـة أو الـمتهـم بـذلـك بـريئــا و يـعـامـل على هـذا الأسـاس إلـى أن تـثبـت إدانـتـه «  (31).

    9/- الـحـق في إعـادة الـنظـر في أمـر الاحـتجـاز:

   *– جـاء في الـعهـد الـخـاص بـالـحقـوق الـمدنيـة و الـسيـاسيـة  » يـجـب تـقـديـم كـل محـتجـز إلي إحـدى الـمحـاكـم لـكـي تـفصـل في قـانـونـيـة اعتـقـالـه و تـأمـر بـالإفـراج عنـه إذا كـان الاعـتقـال غـيـر قـانـوني « (32).

  * – جـاء في مـجمـوعـة الـمبـاديء الـمتعلقـة بـحمـايـة جميـع الأشخـاص  » يـحضـر الـشخص الـمحتـجز بـتهـمـة جـنـائـيـة أمـام سـلطـة قـضـائـيـة أو سـلطـة أخـرى يـنـص عليهـا الـقـانـون، و ذلـك على وجـه الـسـرعـة عـقـب الـقبـض عليـه،و تـبـت هـذه الـسلطـة دون تـأخـيـر في قـانـونـيـة و ضـرورة الاحـتجـاز » (33).

10/- الــحـق في عـدم تـعـرض الـمعتـقـل لـلـتعـذيـب:

*جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان  » لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة  » ( 34)

*جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » لا يجوز اخضاع أحد للتعذيب ولا المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو الحاطة بالكرامة  » ( 35)

*جاء في مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية جميع الأشخاص  » لا يجوز اخضاع أي شخص يتعرض لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاانسانية أو المهينة ، ولا يجوز الاحتجاج بأي ظرف كان كمبرر للتعذيب «  (36)

11 / ـ الحـق في التحقـيق فـي مزاعــم التعذيـــــب :

*جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب  » على السلطات أن تضمن اجراءات التحقيقات المحايدة على وجه السرعة في جميع مزاعم التعذيب «  (37)

12/ـ عدم الإستشهـاد بالأقوال المنتزعــة تحت التعذيـــب :

*جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب  » تضمن كل دولة طرف عدم الاستشهاد بأية أقوال يثبت أنه تم الادلاء بها نتيجة التعذيب كدليل في أية اجراءات «  ( 38)

13/ ـ الحــق فـي سرعـــة المحـــاكمـــة :

*جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » … كل مقبوض عليه أو محتجز بتهمة جنائية يجب أن يحال سريعا الى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة وظائف قضائية ويكون من حقه أن يحاكم خلال مدة معقولة أو يفرج عنه  » ( 39)

*جاء في مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية جميع الاشخاص  » يكون للشخص المحتجز بتهمة جنائية الحق في أن يحاكم خلال مدة معقولة أو أن يفرج عنه  » ( 40)

14/ ـ الحق في المثول أمام محكمة مختصة ومستقلة وحيادية :

* جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية   » … ومن حق كل فرد لدى الفصل في أي تهمة جزائية توجه اليه ، أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية ، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية ومنشأة بحكم القانون «  ( 41)

15/ ـ الحق في الإحتجاز في أوضاع انسانية تليق بكرامته :

*جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » يعامل المحرومين من حريتهم معاملة انسانية تحترم الكرامة الأصلية في الشخص الانساني «  ( 42)

16/ـ الحـق فــي عـلانيــة المحــاكمـــة :

*جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » … أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني «  (43)

17 / ـ الحـــق في عــــــدم تجريــــم الــــــذات :

* جاء في مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية جميع الأشخاص  » إن كل شخص يتمتع بالحق في عدم اجباره على تجريم نفسه «  ( 44)

*جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » … الا يكره على الشهادة ضد نفسه ، أو الاعتراف بذنب «  ( 45) 

18 / ـ الحــق فـــي تنصيب محامــــي للدفـــــاع عنــــه :

*جاء في المبـادىء الأساسية المتعلقة بدور المحامي  » لكل شخص الحق في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه واثباتها ، وللدفاع عنه في جميع مراحل الاجراءات الجنائية «  ( 46) 

19 / ـ الحق في اتاحة الوقت الكافي والتسهيلات لإعــداد الدفاع :

*جاء في مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية جميع الأشخاص  » يحق للشخص المحتجز أو المسجون أن يتصل بمحاميه وأن يتشاور معه «  (47)

*جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » … أن يعطى من الوقت ومن التسهيلات ما يكفيه لاعداد دفاعه وللاتصال بمحام يختاره بنفسه «  ( 48 )

20 / ـ الحــق في أن تكــون المحــاكمة حضـورية للمتهـــم :

*جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » … أن يحاكم حضوريا وأن يدافع عن نفسه بنفسه أو بواسطة محام من اختياره «  ( 49 )

21 / ـ الحـــق فــــــي الإستعـــــــانــة بمتـــرجـــــــــم :

*جاء في مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الأشخاص  » لكل شخص لا يفهم أو يتكلم على نحو كاف اللغة التي تستخدمها السلطات المسؤولة عن القبض عليه أو احتجازه … أن يحصل دون مقابل عند الضرورة على مساعدة مترجم شفوي فيما يتصل بالاجراءات القانونية التي تلي القبض عليه «  ( 50 )

22 / ـ الحق في عدم تطبيق القانون بأثر رجعي :

* جاء في الإعلان العالمي لحقوق الانسان  » لا يدان أي شخص بسبب عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرما بمقتضى القانون الوطني او الدولي «  ( 51 )

23 / ـ الحـق فــي عــدم اعــادة المحــاكمة بنفــس التهمــــــة :

* جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  » … لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة أو العقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برىء منها بحكم نهائي «  ( 52 )

       ــــــــــــــــــــــــ

1)   ـ حالة السجين حسين الغضبان وصلت مدة الأحكام 47 سنة

2)   ـ حالة السجين خالد بن عمر مازال في السجن رغم انقضاء مدة الحكم

3)   ـ مقال للصحفي عبد الباقي خليفة منشور بالحوار نت بتاريخ 7 / 11 / 2006

4)   ـ تقرير لمنظمة العفو الدولية نشر في أكتوبر 1992

5)   ـ حالة السجين السابق علي لعريض

6)   ـ يمكن الرجوع الى بعض شهادات المساجين المفرج عنهم

7)   ـ شهدت السجون التونسية حالات تدنيس القرآن والدوس عليه بالأرجل ( فضيحة برج الرومي )

8)   ـ حالة السجين نبيل الواعر

9)   ـ حالة الشهيدين مبروك الزرن وسحنون الجوهري

10)ـ حالة السجين فتحي العيساوي المصاب بسرطان الحلق وقد رفضت السلطات اطلاق سراحه

11) ـ آية 70 سورة الإسراء

12)ـ  » التعريفات  » لأبي الحسن الجرجاني

13) ـ  » الذريعة الى مكارم الشريعة  » للراغب الاصفهاني

14) ـ المادة 10 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان

15)ـ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

16) ـ المادة 6 من الدستور التونسي

17) ـ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

18) ـ المادة 12 من الدستور التونسي

19) ـ المادة 11 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان

20) ـ المبدأ 36 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الأشخاص

21) ـ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

22) ـ المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

23) ـ المبدأ 2 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الأشخاص

24) ـ المادة 9 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان

25) ـ المبدأ 13 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الأشخاص

26) ـ المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

27) ـ المبدأ 10 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الاشخاص

28) ـ القاعدة 92 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء

29) ـ المبدأ 16 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الاشخاص

30) ـ المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

31) ـ المبدأ 36 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الأشخاص

32) ـ المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

33) ـ المبدأ 33 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الاشخاص

34) ـ المادة 5 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان

35) ـ المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

36) ـ المبدأ 6 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الاشخاص

37) ـ المادة 13 من اتفاقية مناهضة التعذيب

38) ـ المادة 15 من اتفاقية مناهضة التعذيب

39) ـ المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

40) ـ المبدأ 38 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الاشخاص

41) ـ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

42) ـ المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

43) ـ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

44) ـ المبدأ 21 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الاشخاص

45) ـ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

46) ـ المبدأ 1 من المبادىء الأساسية بشأن دور المحامين

47) ـ المبدأ 17 من مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الاشخاص

48) ـ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية

49) ـ المادة 14 المذكورة سابقا

50) ـ المبدأ 14 من  مجموعة المبادىء المتعلقة بحماية الاشخاص

51) ـ المادة 11 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان

52) ـ المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية


 

التباين بين العلمانيين والإسلاميين في التعامل مع الإسلام(3)

 
 
بقلم:علــي شرطــاني – ونظرا لانسجام هذه المناهج مع البيئة الغربية والوجدان الغربي والواقع الغربي والتاريخ الغربي والمقومات الأساسية التي أصبحت عليها هذه الشعوب ثانيا.
– وبحكم الإختلافات الجوهرية الكامنة في طبيعة هذه الشعوب وتلك ثالثا.
– ونظرا للإمكانيات الهائلة المادية التي انتهت إلى الأنظمة الغربية والشعوب الغربية من خلال حركة النهب الإستعماري الإمبريالي لثروات الشعوب التي أخضعتها لهيمنتها عقودا بل قرونا من ل فقد أصبح هؤلاء العلماء حجة لدى العلمانيين على غيرهم ممن رفضوا هذه العلاقة للعالم بالسلطان وللإسلام بالحياة والتزموا بالصدق والإخلاص والتمسك بالفهم الشمولي الأصولي الواقعي للإسلام، وبصلاحيته لكل زمان ومكان، وباستمداد المعاني الحقيقية للحرية والشورى(الحكم الصالح) والعدل والمساواة والأخوة منه، واعتباره المصدر الوحيد(قرآنا وسنة نبوية)الضامن لحياة الأمن والسلام والرخاء ووحدة الكون والحياة والإنسان: « يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم » والذي تتحقق من خلاله كذلك سعادة الآخرة، وذلك ما لا اكتمال لمعنى الحياة بدونه. لقد أصبح مثل هؤلاء العلماء في التصور العلماني لعلاقة الإسلام بالحياة والإنسان والكون من غير العارفين بحقيقة الإسلام وبالفهم الصحيح له. وهم إنما يريدون أن يحملوا النصوص ما لا تحتمل من الفهم والتأويل. وهم إنما يجرمون بذلك في حق الإسلام والمسلمين والإنسان عامة بإقحام « الدين » في ميادين وساحات لا يمكن أن تكون له علاقة بها حفاظا عليه مما قد يصاب به من تلوث وقذارة وأدران وأوساخ. وهم إنما يفعلون ذلك ليس ورعا وتقوى منهم، ولا صدقا وإخلاصا، ولكنهم يريدون أن يحققوا من خلال ذلك أغراضا سياسية غير معلنة، حسب زعم العلمانيين وقياسا على أنفسهم، بأنهم حين يريدون أن يحققوا أي مطمح أو مكسب أو مصلحة أو نفع أن يسلكوا له أي طريق، وإن ينتهجوا له أي وسيلة، والغاية عندهم تبرر الوسيلة دائما. فهم الذين يعطون لأنفسهم دائما الحق في جرأة كبيرة أن يقولوا في ما ليس لهم به علم من القول في الإسلام. ولا يكفي أنهم لا يقبلون بقول من خالفهم في ذلك من موقع الكفاءة والعلم والقدرة من أهل الذكر، بل يتجاوزون ذلك إلى عدم السماح بل منعه من ذلك مؤاخذة أو لوما أو زجرا وعقوبة بدنية أو مادية أو أدبية من أجل أن يكون له قول في السياسة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والإعلامية أو غيرها، سواء على المستوى النظري أو التطبيقي، فكرا وسلوكا.
ويعتبر من يفعل ذلك منهم من المتطفلين عندهم على ميادين وفضاءات ليس هو من المؤهلين للقول والخوض فيها، أو ممن له الحق في أن يكون له فيها رأي، إلا أن يكون ذلك القول أو الرأي أو الخوض أو السلوك والممارسة من موقع غير المختص في العلوم الإسلامية التي بحكم ثقافتهم وبحكم مصالحهم الخاصة والنفوذ الذي يتمتعوا به لا يريدون أن ينازعهم فيه أحد، ولا يريدون التنازل عن ذلك الرأي أو ذلك القول أو ذلك السلوك أو تلك الممارسة، ولا يريدون التفريط في أي شيء من ذلك. ومن ثمة احتفظوا لهذه العلوم بمعاني ومفاهيم محنطة لا يقبلون أن تخرج عنها لألا يكون لأهل الذكر فيها والمقتنعين بها أي حق في اقتحام الساحة معهم أو منازعتهم الرأي والصواب والمصلحة، وحتى إذا ما تجاوزوا تلك المعاني المحنطة والمفاهيم التقليدية ذات الدلالات الماضوية والخطاب الاجتراري إلى ما يليق بالإسلام المنزل في الزمان والمكان والحياة، والمهتم فيها بالإنسان جسدا وروحا ونفسا وعقلا،   غيبا وشهادة أي دنيا وآخرة ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وجد هؤلاء العلماء والعارفون والمثقفون ثقافة إسلامية صحيحة أنفسهم هدفا لمختلف أهل الإختصاص أو لمجرد مثقف من المثقفين العلمانيين أو مجموعة منهم من داخل السلطة العلمانية أو من خارجها. وتكون حجتهم عليهم في ذلك آراء ومواقف وأفكار أولئك الشواذ الذين لا باع لهم في العلم والمعرفة أولا، من أمثال صنيعة الإستعمار البريطاني المدعو علي عبد الرازق الذي لا يعلم له أحد أي أثارة من علم غير ما أملاه عليه جهاز الإستخبارات البريطانية من أفكار ضمنها كتابه الذي أسماه « الإسلام وأصول الحكم » والذي صدرت كتابات كثيرة من علماء ومفكرين وزعماء كثيرين وقد جاءت مواقفهم وآرائهم فيها مختلفة ومتباينة بشأنه بحسب ما يرى كل عالم ومفكر وزعيم. وكان جل الآراء والمواقف يتجه نحو اعتبار أن ما جاء في الكتاب من آراء هو محض خطإ وانحراف. وقد قال فيه سعد زغلول عندما سئل عن الكتاب « لقد قرأته بإمعان لأعرف مبلغ الحملات عليه من الخطأ والصواب فعجبت أولا كيف يكتب عالم ديني بهذا الأسلوب في مثل هذا الموضوع وقد قرأت كثيرا للمستشرقين ولسواهم فما وجدت ممن طعن منهم في الإسلام حدة كهذه الحدة في التعبير على نحو ما كتب الشيخ عبد الرازق… لقد عرفت أنه جاهل بقواعد دينه بل بالبسيط من نظرياته وإلا فكيف يدعي أن الإسلام ليس مدنيا ولا هو بنظام يصلح للحكم ؟ فأية ناحية من نواحي الحياة لم ينص عليها الإسلام ؟… أو لم يقرأ أن أمما كثيرة حكمت بقواعد الإسلام فقط عهودا طويلة كانت أنضر العصور ؟ وأن أمما لا تزال تحكم بهذه القواعد وهي آمنة مطمئنة ؟ فكيف لا يكون الإسلام دينا مدنيا ودين حكم ؟  ثم أضاف سعد زغلول :  « … والذي يؤلمني حقا أن كثيرا من الشبان الذين لم تقو مداركهم في العلم القومي، والذين تحملهم ثقافتهم الغربية على الإعجاب بكل جديد سيتحيزون لمثل هذه الأفكار خطأ كانت أو صوابا دون تمحيص ولا درس، ويجدون تشجيعا على هذا التحيز فيما تكتبه جريدة (السياسة) وأمثالها من الثناء العظيم على الشيخ علي عبد الرازق ومن تسميتها له بالعالم المدقق  والمصلح الإسلامي والأستاذ الكبير … إلخ وكم وددت أن يفرق المدافعون عن الشيخ بين حرية الرأي وبين قواعد الإسلام الراسخة التي تصدى كتابه لهدمها… »
ثم أولئك الذين كانت لهم آراء انفعالية تتسم بردة الفعل بعيدا عن التدبر والرؤية الفاحصة الصادقة ثانيا من أمثال الأديب الكبير طه حسين الذي أحيط في الغرب بعناية كان فاقدا لها في الشرق، وكان إعجابه بالأدب والثقافة والعلوم والمعارف الغربية شديدا، مما جعله لا يستطيع النظر إلى الدنيا والثقافة والعلوم إلا من خلال تلك المواقع ومن خلال ذلك الواقع وذلك الشعور. فكانت آراؤه محكومة بردود الأفعال والإنفعال أكثر منها مراجعة هادئة واعية ومسؤولة هادفة إلى تطوير القديم في إطار الزمان والمكان، إضافة إلى ما يمكن إضافته في إطار الحفاظ على الأصول والثوابت المكونة لمقومات الأمة.
وأراء ومواقف الصادقين والعارفين من العلماء الذين تجتث آرائهم ومواقفهم من السياق الذي ينزلونها فيه لتحمل من المعاني ما لا تحتمله، ولتتضمن من المقاصد ما لم يقصدوا، ولتصبح صالحة للمضلين والمزورين والذين لهم حذق وباع في قلب الحقائق لإضفاء الشرعية أو بعض الشرعية على ما لا ومن لا شرعية له، وليصبح مقبولا ما لا يمكن أن يقبل عليهم إلا بإضفاء الشرعية عليه من أقوال هؤلاء الأعلام ثالثا.
وكذلك بعض الكتابات التي أصدرها أصحابها في وقت كانوا يعتقدون فيه أنهم على صواب، وأنهم إنما فعلوا ذلك خدمة للإسلام والمسلمين، وهم إنما كانوا يفعلون ذلك تحت تأثيرات مختلفة وفي ظروف تأكد لهم من خلالها بعض القناعات التي كانوا لا يشكون وقتها في صحتها وسلامتها. مثل خالد محمد خالد الذي كتب سنة 1950 كتابة « من هنا… نبدأ » والذي كان قد قال فيه « إن الإسلام دين لا دولة وإنه ليس في حاجة إلى أن يكون دولة » ويقول « إن الدين حين يتحول إلى حكومة فإن هذه الحكومة الدينية تتحول إلى عبئ لا يطاق… » وهو يقول كذلك « … وفي الحكومة الدينية الإسلامية حدثت أهوال مروعة حتى أن حاكما دينيا واحدا وهو الحجاج أباد البقية الكريمة الصالحة من صحابة رسول الله… » وبعد أن كتب كتابا كاملا في هذا الإتجاه وفي هذا السياق وبهذا الفهم للإسلام تبين له بعد ذلك أنه قد وقع في ما كان ليس من المعقول والحكمة والصواب أن يقع فيه من الخطأ. وكتب سنة 1981 كتاب  » الدولة في الإسلام » والذي جاء فيه قوله « وكان خطئي أنني عممت الحديث حتى شمل الحكومة الإسلامية » ثم يضيف  » ولعل أول خطإ تغشى منهجي الذي عالجت به قديما قضية الحكومة الدينية كان تأثري الشديد بما قرأته عن الحكومات الدينية التي قامت في أوروبا والتي اتخذت من الدين المسيحي دثارا تغطي به عريها وعارها… » رابعا.
ثم يأتي بعد ذلك أولئك الذين يريدون أن يجعلوا في خلد الناس أنهم يحملون في قلوبهم إيمانا، ومداد أقلامهم ينضح كفرا ونفاقا وأما يشبه الكفر، وبما يجعلهم أقرب إلى الكفر منهم للإيمان ولا يمكن لأي كان وعلى أي حال من الأحوال أن يجتمع لديه قلب مؤمن وعقل وسلوك يأتي بهما من الأفكار والممارسات والسلوك ما لا علاقة له بالإسلام عن قصد أو عن غير قصد، عن وعي أو عن غير وعي، عن فهم أو عن غير فهم. إن الذي يجمع بين هؤلاء جميعا هو الإنهزام الحضاري واقتفاء أثر الإستعماريين الغزاة الغربيين من مستشرقين ومستغربين ومفكرين ومبشرين صوروا لهم الدين على أنه أساس كل فساد وظلم واستبداد وتخلف وانحطاط ،وهم في الحقيقة محقين في إصدار أحكامهم على الدين حين يكون هذا الدين هو الدين المسيحي الكنسي وغيره من الأديان السماوية والوضعية والوثنية. ولكن حين يصبح الكلام عن الدين الإسلامي فإن الأمر يجب أن يكون مختلفا، لما هنالك من اختلافات جوهرية بينه وبين سائر الأديان. ولكن هؤلاء قد أعماهم وفاءهم لأسيادهم وغلبت عليهم أهوائهم وغرائزهم، ولم يهتدوا إلى إعادة النظر في مثل هذه المفاهيم مثلما أعاد النظر فيها كثير من المفكرين والمثقفين والمبدعين خامسا.
ومن مثل هؤلاء عبد المجيد الشرفي الذي يقول في كتابه « الإسلام والحداثة  »  » وما شهده العصر الحديث من فتور هذا التضامن والتكامل (في نظام الحكم والمجتمع التقليدي) أو انحلاله جملة كان من بين عوالم أخرى عديدة باعثا على ظهور تأويلات للنص القرآني تبتعد في مقتضياتها الأصولية عن التأويل السائد وترى بالخصوص أن الأحكام الواردة في القرآن ليست ملزمة في جميع الظروف وإنما هي أحكام نزلت لحل مشكلات معينة زمن النبوة ويتعين على المسلم معرفة الحكمة فيها لا سيما أن القرآن نفسه قد « اضطر » إلى نسخ أحكام بأخرى مراعاة لمبدإ التطور والتدرج » إن حجة هؤلاء هي دائما العقل والعلم وهما سلاح العالم والمفكر والمثقف في هذا العصر، فأي عقل وأي علم هذا الذي يتسلح به مثل هؤلاء المحتكرين لملكة العقل ولأدوات العلم وآلياته وهم يعتبرون أنه لا عقل إلا لمن وافق هواهم ولا علم إلا لمن التزم مناهجهم وقبل كل آليات علمهم وتفكيرهم، أما من خالفهم فلا يمكن أن يعتبر من أهل العلم ولا من أصحاب العقل. خاصة إذا كان مراوحا بين القديم والحديث، بين الأصالة والمعاصرة موفقا في اعتدال بين الإسلام والعلم والحضارة. إن هذا الأسلوب الإقصائي والإستئصالي حين يقرأون التاريخ بعين المقيم الناقد، ويحملون أمثالهم مسؤولية مظالم الحكام الذين عاصروهم، ويعتبرونهم متورطون فيها معهم سواء بموافقتهم على ذلك أو بالسكوت عنهم فيها خوفا أو طمعا إن هذا الأسلوب  الإستئصالي هو الأسلوب المعتمد من الغرب الإستعماري في توغله في العمق الإسلامي خاصة بعد ما أحدث من الجرائم ما أحدث مع الزنوج في إفريقيا ومع السكان الأصليين للقارة الأمريكية المكتشفة حديثا من الهنود الحمر ومع السكان الأصليين في استراليا. أليس منطق العلم والعقل والحضارة أن لا تعطى الفرصة أول إلا لأهل الذكر والإختصاص؟ أليسوا هم المراجع التي يرجع إليها عند الإقتضاء ؟
وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يقبل العلمانيون برأي أهل الذكر والإختصاص من علماء الإسلام المشهورين والمشهود لهم بالتقوى والورع والكفاءة والنزاهة، مثلما يقبلون برأي المختصين في العلوم الرياضية والكيميائية والفيزيائية والطبيعية، والعلوم السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والإعلامية والعسكرية وغير ذلك مما اختص به عصر الحضارة الغربية من كثرة الإختصاصات وتنوعها ؟
ألم تر كيف إن المثقفين العرب والمسلمين كانوا منقسمين إلى مدرستين سياسيتين مختلفتين، لهما فكرهما المختلف وثقافتهما المختلفة ومناهجهما المختلفة، وهما المدرسة الشرقية ذات المنهج الإشتراكي والشيوعي والمدرسة الغربية ذات المنهج الليبرالي الرأسمالي. وكان لا يستشار في شأن الإشتراكية إلا المختصون أو من لهم باع في العلوم والثقافة الإشتراكيتين، وكان يعتبر من الجنون والغباء ومما يدعو للدهشة والإستغراب أن يقع التوجه للإستشارة وإبداء الرأي فيهما إلى أصحاب الإختصاص وأهل الذكر من الليبراليين الرأسماليين والديمقراطيين أو غيرهم، وكان العكس كذلك صحيح. حتى آلت التجربة الإشتراكية إلى السقوط والإنهيار.
أليس من الجحود والإختلال العقلي والشذوذ عن القواعد العلمية أن لا يعتمد نفس الأسلوب في التعامل مع المنهج الإسلامي الذي رأينا كيف أن مختلف المدارس العلمانية التغريبية، وعلى مدى عقود من الزمن كان أهل الذكر فيها يجتهدون في تأصيل فكرهم وثقافتهم وبرامجهم وتشريعاتهم في الإسلام ليؤكد الليبراليون الرأسماليون أن الليبرالية والرأسمالية من الإسلام أو أنها تجد لها على الأقل في الإسلام أصلا. وأن الإسلام ليبرالي رأسمالي، وحدا بهم الجحود  إلى عدم الإقتناع والقبول بأن الإسلام لا يمكن أن يكون هذا ولا ذلك، وإن كان من الصحيح القول أن كل منهج منهما يوجد له أصل فيه. والقول والقبول بقول من يقول أن الإسلام منهج مستقل تبث بحجة ودليل أصحاب كل من المنهج الإشتراكي البائد والمنهج الليبرالي الرأسمالي الديمقراطي السائد. وأن الفاحص المتأمل المتجرد يستطيع الخلوص إلى حقيقة أن الإسلام كان يجمع بين إيجابيات كلا المنهجين. أليس من السخرية من ذواتنا ومن تاريخنا وعقيدتنا وحضارتنا وتشريعنا وتراثنا، ومن كل مقومات شخصية أمتنا أن نلتجئ إلى الإقتطاع من منهج كامل متكامل رباني المصدر إنساني التطبيق والممارسة والإجتهاد في التأويل والتنزيل يجمع في تكامل وانسجام بين عالم الغيب والشهادة ما يعتقد أنه يصلح للإستدلال به على صحة المناهج الإنسانية وصلاحيتها لتحقيق رغبات الإنسان وطموحاته إلى الحرية والعدل والمساواة والأمن والسلام، ولتكون وهي على إنسانيتها وما يعتري الإنسان مهما ارتقى في سلم الكمال من نقص وقزامة وضعف، وما هي عليه من اهتمام بالدنيا فقط ،ومن غير أي اعتبار للشطر الثاني لمعنى الحياة، بل الإعلان الصريح في بعض هذه المناهج على إلغائه والكفر به، بديلا عن المنهج الكامل الذي على ربانيته وما عليه الله من قوة وقدرة وعلم لا ينبغي لعاقل أن يجول بخلده أو أن ينصرف إلى مجر التفكير إلى استبدال الذي هو أدني بالذي هو خير.
ألا يكون الفاعل لذلك أو الساعي إليه قد دخل تحت طائلة قول الله سبحانه وتعالي في بني إسرائيل « …أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير أهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيئين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون »(1).
 أليس من الغباء وعمى البصيرة فعلا، أن يصبح الناس عن علم أو جهل، عن قصد أو عن غير قصد يعتقدون أن الإنسان يمكن أن يكون يوما ما أقدر من خالق الإنسان وخالق الخلق جميعا على وضع المناهج الحياتية للناس ولغيرهم مما خلق مما نعلم أو لا نعلم « ويخلق ما لا تعلمون » ؟
وهل من العقل في شيء في « عصر العقل » أو من العلم في شيء في « عصر العلم » أو من الإنسانية في شيء في عصر الإنسان المعاصر وعصر حقوق الإنسان أن يرغب هذا الإنسان المسلم خاصة، والذي يحيط اليوم نفسه بهالة من العقلانية والعلم عن المنهج الكامل للحياة والإنسان والكون، إلى مناهج إنسانية بشرية لا علاقة لها بعقيدته ولا بتاريخه ولا بمجتمعاته وشعوبه قد وجد نفسه في عالمنا العربي الإسلامي تحديدا مضطرا إلى تأصيلها فيه، وإضفاء الشرعية عليها منه؟ أليس الحق أحق أن يتبع ؟ أليس الإنسان في حاجة إلى النظام الأكثر اكتمالا وكمالا من الأقل من ذلك ؟
فلماذا اشتد تمسك هذا الإنسان العربي المسلم في إصرار بمناهج ولئن كانت نافعة محققة لكثير من رغبات الإنسان وطموحاته ومصالحه وأهدافه وغاياته ولكنها لا ترتقي في ذلك إلى ما تتحقق به إنسانية الإنسان فعلا، والذي يقول فيه الله جل جلاله: « ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا » ويزداد عزوفا بل إعراضا عن الصورة الكاملة للمنهج الكامل والأكثر دقة وإحكاما في تنظيمه لحياة الإنسان في هذا الكون، من الوقت الذي مازال فيه ماءا مهينا ونطفة في قرار مكين إلى أن توضع الموازين القسط ليوم القيامة ثم يرد إلى عالم الغيب والشهادة فينبئه الله بما كان يعمل « … ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون »
إن المغتصبة عقولهم، والمدخول لها عليهم من أقطارها في ثقافتهم وفكرهم وأوطانهم، والذين لحقهم الغزو الفكري واستولى عليهم الغزاة الغربيون واليهود الصهاينة، مازالوا ماضين باسم العقل والعلم في استبدال الناقص والذي هو أدني بالكامل والذي هو خير في غير قدرة منهم على إدراك هذه الحقيقة، وفي إصرار على عدم الرجوع في هذا الأمر لأهل الذكر مثلما يرجعون في كل الإختصاصات إلى أهل الذكر والإختصاص فيها.
إن الجدير بالذكر والملفت للإنتباه في أمر الأنظمة السياسية والتيارات الفكرية المؤيدة والمساندة والداعمة لها أيضا في العالم الإسلامي كله تقريبا وفي المنطقة العربية خاصة، أن هذه التيارات سواء المستولية على السلطة منها أو المعارضة لها أحيانا أو الداعمة لها ظلت على علمانيتها تظهر اعترافا بالإسلام وتمسكا به مع بعض  المبالغة في الإصرار على ذلك أحيانا. وهي وإن كانت تفعل ذلك في إطار الفهم العلماني الغربي للدين، إلا أنها كانت لا تملك الشجاعة الكاملة والكافية للتفصي منه أو إلغاء الإعتراف به وإن كانت قد ألغت العمل به، بل قد جاءت لاغية لأي استعداد للعمل به منذ البداية في كل ما يمكن أن يجلب نفعا أو يدفع ضررا على الشعوب والأوطان. ولا هي كانت قادرة كذلك على تنزيل المناهج العلمانية الغربية الصليبية اليهودية المستوردة على الصورة الكاملة التي تم العقل الغربي واليهودي صياغتها عليها في إطار حركة تطور تلك المجتمعات والشعوب. ألم تر كيف أنها لم تستطع أن تعمل بالمنهج الإسلامي تأويلا وتنزيلا باعتماد أسلوب في التأويل يستند إلى الأصول والثوابت الإسلامية وعلى استيعاب وفهم للواقع الحضاري الدولي والإقليمي والوطني، والواقع الموضوعي الشعبي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وإعلاميا وبيئيا، يصحبهما اجتهاد في التنزيل يتسنى من خلاله مراجعة أخطاء التأويل والتنزيل معا انطلاقا من العلاقة الجدلية القائمة بين مستويي الإجتهاد تأويلا وتنزيلا. ولا هي استطاعت كذلك نقل التجارب العلمانية الناجحة في الغرب وفرضها على الشعوب مثلما هي بصدد فرض الكثير من القيم والمبادئ والعادات والتقاليد والمظاهر الغربية، والتي عادة ما يكون ضررها أكثر من نفعها إن لم يكن الأكثر إنصافا وتعبيرا عن الحقيقة القول بأنها ضرر كلها. وهذا أحد أهم أسباب فشلها في تحقيق ما تهفوا نفوس رموزها لتحقيقه في المسار التنموي والصحي والمهني و
التعليمي والتقني والإداري والبيئي إن كانت نفوسهم تهفوا حقا وصدقا لتحقيق شيء من ذلك أو بعضه. ـــــــــــــــــــــــــــــ (1) البقرة : آية: 61 .                                                                     بقلم:علــي شرطــاني                                                                         قفصــــــــة                                                                         تونــــــــس
 


 

تحرير الناس رغمًا عنهم.. نظرة فلاسفة فرنسا لقضية الحجاب

*الزواوي بغوره
قليلة هي القضايا الفلسفية والسياسية السجالية, التي شغلت الساحة الثقافية الفرنسية المعاصرة لأكثر من عقد من الزمن, كالقضية التي أصبحت معروفة باسم الحجاب, والتي تضمنت إشكاليات فلسفية وسياسية شملت الأسس التي يقوم عليها المجتمع الفرنسي.
مما لاشك فيه أن الفلسفة الفرنسية المعاصرة, عرفت في العقود الأخيرة, تجددا وتنوعا وخصوبة في التيارات والمجالات والآفاق, ولكن هذا لا يمنع من وجود عناصر مشتركة, كالإقرار بضرورة الاختلاف والتنوع والمناداة به, وضرورة ربط الفلسفة بالحياة, والنظرية بالواقع, والفكر بالمستجدات العلمية والسياسية والاجتماعية, ولا يزال الفيلسوف الفرنسي المعاصر, يقوم بذلك الدور الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي كان يقوم به أسلافه أمثال (فولتير وروسو وإميل زولا وسارتر وفوكو) وغيرهم كثير. وضمن هذا التوجه العام للفكر الفرنسي عموما, والفلسفة خصوصا, ساهمت مجموعة من الفلاسفة والمفكرين الفرنسيين في النقاش الدائر حول الحجاب, فكيف نظر هؤلاء الفلاسفة إلى هذه القضية التي سال حولها, كما هو معروف, الكثير من الحبر, وساهم في مناقشتها العديد من المثقفين والكتّاب والفلاسفة وأصحاب الرأي في مختلف أقطار العالم, نظرا لبعدها العالمي وارتباطها بديانة عالمية هي الإسلام, ولأنها طرحت مشكلة أساسية هي علاقة حرية الإنسان بشكل من أشكال التنظيم السياسي, ألا وهو النظام الجمهوري العلماني الذي يقوم عليه المجتمع الفرنسي.
هو موقف يرى في العلمانية عقيدة سياسية لا تتغير بتغير العصور والأزمان, وأنها تشكل هوية لفرنسا وللمجتمعات الأوربية, باسم الجمهورية وحقوق الإنسان. يمثل هذا الموقف تيار مهم في الثقافة والفلسفة الفرنسية على رأسه الفيلسوف والسياسي (روجين دوبرييه), صاحب الكتاب المعروف بـ(نقد العقل السياسي), الذي يرى أنه ليس هناك نموذج حضاري إلا وله مقدساته الاجتماعية, وبالتالي فإنه يرفع مسألة العلمانية من تنظيم سياسي يقر بفصل المقدس عن السياسي, إلى مرتبة المقدس. وبالرغم من إقراره بحجم المعارضة التي أثارها قرار منع الحجاب في المدارس الحكومية, سواء في البلدان الأوربية أو في البلدان العربية الإسلامية, وداخل الجالية المسلمة في فرنسا, فإنه يرى أن هذا القرار ضروري لأنه يعالج مشاكل ضرورية, ولأنه يؤكد على الخصوصية الفرنسية.
وفي تقديره, أن الفضاء الاجتماعي يتطلب أن نفصل فيه, بين ما هو عام وما هو خاص, فإذا كانت حرية الاعتقاد مضمونة وتعليم المواد الدينية أصبح واقعا, والتعبير الديني أمرًا قائمًا, فإنه من الضروري أيضا, احترام الخصوصية الفرنسية, التي في نظره تحترم خصوصية الآخرين. وبالنسبة, له فإن ما يقرر هذا المقدس الاجتماعي, ويقوم عليه هو عقد المواطنين, أو العقد الاجتماعي أو عقد المواطنة, وبالتالي فإنه باسم الخصوصية يفرض قانون الحجاب, وليس باسم الحرية. وما يجعل من طرح هذا الفيلسوف طرحا عقائديا لا يهتم بالمتغيرات هو أنه يرغب في أن يشمل منع الرموز الدينية, ليس فقط المدارس الحكومية, بل حتى المجال أو القضاء الاجتماعي برمته, كالمستشفيات والإدارات والإعلانات الصحفية والتجارية. ويعتقد أن عدم مواجهة أشكال التعبير الجديدة ممثلة في الحجاب, سيؤدي إلى تراجع الحسّ والشعور الوطني.
يستند هذا الفيلسوف, في طرحه الأيديولوجي لمسألة العلمانية إلى معطى آخر, يسميه بالهوية السردية كما قال بها الفيلسوف (بول ريكور) – ومن المفارقة أن نرى صاحب نظرية الهوية السردية يرفض مبدأ المنع كما سنبين لاحقا – ليؤكد على أن هوية (فرنسا تشكل نوعا من الكيمياء الهشّة. إنها مجموعة من الأحاسيس والمشاعر, وليست نوعا من المصالح, إنها ترتبط بالأدب والفن, وبالتالي فإن هذا الجانب الفكري والأدبي هو الذي يجمع ويدمج الأعضاء في الجماعة, وأن غيابه يؤدي إلى التفكك والتشرذم). وعليه يجب دعم وإسناد هذه الهوية, بأشكال مختلفة كالخدمة الوطنية على سبيل المثال, التي يجب الاحتفاظ بها, مهما كانت الدواعي والأسباب.
وعليه فإن الفيلسوف, يقر بوجود أزمة في الهوية الفرنسية, أزمة لا تعود إلى المستجدات الداخلية للمجتمع الفرنسي فقط, ولكن إلى التحولات التي تعرفها فرنسا على مستوى أوربا وعلى مستوى العالم, وتحول مكانتها. لذلك يبدي تحفّظا إزاء الوحدة الأوربية, لأنها في نظره, لا تزال تركز على الجانب الاقتصادي الصناعي, وتهمل الجانب الثقافي وهو الأساس في تقديره, وخاصة في عنصر اللغة أو كما قال فإن (المشكلات الخطيرة في السياسة هي المشكلات الأقل ظهورًا للعيان, واللغة هي إحدى المشكلات الخطيرة التي سيواجهها هذا الاتحاد الأوربي غدا). من هنا يدعو إلى تقوية الاتحاد بين فرنسا وألمانيا وتعليم الألمانية والفرنسية, أو على الأقل ضرورة تعليم لغة ثالثة مقارنة بلغة الأم واللغة الإنجليزية.
وإن أحد الوجوه الأيديولوجية للفيلسوف, إقراره بضرورة وجود عدو أو خصم حتى يمكن قيام جماعة سياسية. يقول (إن أوربا في حاجة إلى خصم كي تتشكل). وليس الإرهاب في تقديره, هو هذا الخصم لأنه مجرد قوة تشويش وعرقلة ولا يعتبر قوة سياسية, أما الخصم الحقيقي لأوربا فهو الذي لا يقاسمها قيمها الحضارية, وخاصة الحركات الإسلامية أو الإسلام السياسي (L islamisme) وأمريكا الشمالية. وطبعا, فإن هذا الطرح يتماثل بشكل كبير مع طرح هنتنجتون. وضمن هذا السياق من الطرح الأيديولوجي, نقرأ كذلك آراء مشابهة للفيلسوف (جان ليك نانسي) الذي كتب مقالا عن العلمانية الموحدية تماثلا مع الديانات الموحدية, و(جان فرانسوا ريفال) الذي طرح سؤالا ميتافيزيقيًا مؤداه: هل يجب أسلمة العلمانية أم علمنة الإسلام?
الموقف السياسي
في شهر مايو 2003, وقع (ألان توران) عالم الاجتماع والفيلسوف المعروف بأعماله حول الحداثة والهوية, عريضة ندد فيها مع زملاء آخرين, بما سمي بـ (القانون الاستثنائي) حول الحجاب, وبعد مرور ستة أشهر من ذلك, وافق على المنع الذي أوصت به اللجنة, التي كان عضوا فيها, والمعروفة باسم (لجنة ستازي) نسبة لمقررها. فكيف انتقل ألان توران من الرفض إلى الموافقة, وهو صاحب فكرة المدرسة الفرنسية المتفتحة, التي تحترم التعدد والاختلاف? لقد كان رأيه منذ ظهور هذه القضية عام 1989, أن الأمر يتعلق بالدخول في عالم الحداثة بوسائل تقليدية, وحسب عبارته, لقد كان هؤلاء الطالبات يرغبن في المصالحة بين الحداثة وثقافتهن, وهذا يدخل ضمن اهتمامه الاجتماعي والفلسفي وهو, كيف نصنع من القديم أشياء جديدة?
ولكن ما لاحظه أن هؤلاء الطالبات أصبحن يرفضن دروس الرياضة البدنية والمعاينة من قبل طبيب, وإن فرنسا أصبحت شيئا فشيئا بلدا جمعويا communautariste)), ليستنتج أن فرنسا هي التي تغيرت, وهو ما عبر عنه في مقال له بعنوان: (الحداثة والقناعة), بيّن فيه أن العلمانية تقوم على احترام الأقليات وتنمية المعرفة حول الإسلام كدين, وبالتالي يجب التمييز بين الإسلام والحركات الإسلامية السياسية, التي توظف الدين.
وبما أن مسألة الحجاب أصبحت قضية عامة وسياسية, فإنه يجب تحرير الآراء لتعبر عن نفسها من خلال الكتابة أو التظاهر, وهكذا عرفنا كما يقول, مسلمات مناهضات للحجاب, وتعرف الرأي العام, الفرنسي والعالمي, على أن هنالك تيارات حول المسألة, وبالتالي إمكان الاختيار بناء على المعرفة الحاصلة, وأصبح استصدار قرار, إمكانا متاحا, لماذا? لأنه يعتقد أن وجود مسلمة مؤمنة بشكل قوي بقناعاتها الدينية والحداثية يعد عاملا إيجابيا في الانتقال من ثقافة إلى ثقافة. كما يمكن للمرأة المسلمة مواجهة ضغوط المتطرفين. واستخلص العالم أن تقرير (ستاري) يقوي مقدرة الأقليات على التواصل مع جميع أفراد المجتمع. بمعنى أن اللجنة استطاعت في نظره, أن تقف حاجزًا أمام أمرين, الأول: وهو النزعة الجمعوية, والأمر الثاني: احتقار التنوع الثقافي, مادامت تعترف به وتعطيه مجاله الخاص به, وبالتالي, وهذا هو الأمر العزيز على فكر ألان توران, وهو أنه (ليس هنالك طريقة وحيدة للدخول في الحداثة). وهذا يعني أن الفيلسوف يرى أن التشريع مطلوب حتى لا تنفلت الأمور, وحتى لا يستغل المتعصبون والمتطرفون والمتشددون مساحات الحرية, ويحولوها إلى نقمة وتحديد وتضييق, وأن صيانة الحرية مسئولية الدولة والأفراد, ويجب ألا تستغل من قبل جماعات ضاغطة. لكن لا معنى لتشريع يهدر حرية الأفراد على العموم, فالمطلوب من التشريع المرونة الكافية لكي يعبر الأفراد عن حرياتهم دون المساس بالمبدأ.
ينطبق هذا الموقف كذلك, على موقف الوزير والفيلسوف (ليك فيري), وزير التربية والتعليم, فعلى الرغم من أنه كان وزيرًا للتربية, فإنه اتخذ في البداية موقفًا معارضًا لمنع الرموز الدينية, لأن ذلك في تقديره, يتعارض والمبادئ العامة للقانون والجمهورية, واقترح بدلا من القانون ضرورة استصدار منشور يحدد بعض القواعد العامة, مثل: لا يحق لأحد أن يعارض البرامج التربوية بناء على معتقده, وأن التلميذ الذي يرفض متابعة دروس البيولوجيا أو التاريخ أو التربية البدنية, يقصى أو يطرد. والخطوة الثانية, التقدم بجملة من المواد القانونية تبين ما هي الجمهورية, وما هي مبادئ العلمانية, بمعنى أن الفيلسوف الوزير يرى ضرورة تهدئة الأوضاع. ولكن بعد صدور تقرير لجنة الحكماء غير رأيه, وساند القرار.
وأما موقفه الفلسفي, فيظهر من خلال كتابه الأخير, (حول الإنسان والله), حيث بين فيه العلاقة الجديدة التي تربط الإنسان بالمقدس, ودافع فيه عن فكرة المعنى والقيم وذلك عكس التيار المادي والعلمي والعدمي, الذي يرى في المعنى والقيمة مجرد بناء إرادي للإنسان, وأكد أن قوة الإنسان تكمن في خروجه من الحياة الحيوانية وقدرته على تفكير المقدس ووضع معايير وقيم متعالية لحياته, وبالتالي فإنه لا يرى أن المجتمعات الملائكية قد توقفت عن ممارسة وتفكير المقدس, ولكن كل ما في الأمر, أن المقدس وكما قال, قد غيّر وجهه وشكله. لذا فإن ما يميز عصرنا في تقديره, هو عملية أنسنة المقدس وتقديس الإنسان.
الموقف الإنساني
يمثل هذا الموقف, مجموعة كبيرة من الفلاسفة والمفكرين, ومنهم على وجه الخصوص, الفيلسوف وعالم الاجتماع (ادغار موران) صاحب الأعمال المعروفة بالمنهج, حيث أشار إلى أن العلمانية, تأسست في فرنسا في بداية القرن العشرين وتحديدا في سنة 1905, وذلك بفصل الكنيسة عن الدولة وإبعاد الكنيسة عن المدرسة. وتم ذلك بعد نزاع حاد, تميز بالعنف والتطرف. ولكن منذ ذلك الوقت, تغيرت حال الكنيسة وتطورت وسايرت مقتضيات المجتمع. وبالتالي يجب أن ندرك التغيرات والتحولات في مفهوم العلمانية ذاته. وقضية الحجاب في نظره, تم تضخيمها بشكل لافت, فالحالات معدودة, ومن الضروري الإبقاء على هؤلاء الفتيات أو الطالبات داخل المدرسة, وأن تعطى لهن فرصة التطور والتقدم, وألا يتم منعهن أو طردهن.
وأن ما يجب القيام به هو إدخال مادة الدين في المقررات الدراسية, والأعياد الدينية في الإجازات الرسمية, والاعتراف بأن فرنسا بلد متعدد الأقوام والعقائد, وأن خطر القانون, كما تمت صياغته, أنه يسجن هذه الأعراق والأديان في نوع من (التابوهات), بالرغم من أن الطابع الجمهوري للدولة يقتضي معاملة الجميع كمواطنين. وبالتالي فإن موقفه من مسألة الحجاب تميز بـ(التسامح إلا في حال استعماله أو تحريفه أو في حال النزاع والصراع داخل الأقسام, حيث تكون الحاجة إلى حفظ النظام العام, أما ما عدا ذلك, فإن من حق الطالبة أن ترتدي الحجاب إذا أرادت ذلك).
على أنه إذا كانت هنالك اليوم بعض الصراعات بين التلاميذ فالسبب, في نظر الفيلسوف وعالم الاجتماع, يكمن في محاولة تصنيفهم إلى أديانهم, وكذلك بفعل الصراع العربي -الإسرائيلي, وعليه, يرى أنه من الخطورة وضع قانون حول الرموز الدينية. يقول: (يجب أن نتوقف عن الضغط على المدرسة والتعليم الثانوي بشكل خاص. وأن ننتقل لمناقشة مشكلة أساسية في الفلسفة السياسية المعاصرة ألا وهي النظرة الجمعوية والنظرة الجمهورية, من أجل إيجاد معادلة تستجيب لخصوصيات الوضع في فرنسا). لأن الفرنسة أو سياسة الإدماج, يجب ألا تحطم الاختلافات والتعدد والتنوع, ولكن عليها أن تدمجها, وهذه العملية لا تنتمي إلى مجال القوانين والمواد التي يوافق عليها البرلمان, ولكن هذا يدخل ضمن إجراءات سياسية.
وفي إطار هذا المسعى النقدي لتوجه الحكومة الفرنسية ولقطاع من المثقفين والفلاسفة, يذهب الفيلسوف البارز (بول ريكور), والفيلسوفة (كانتو سبراب) إلى رفض هذا التوجه أيضا, وذلك في نص بليغ لهما بعنوان: العلمانية الإقصائية هي العدو الأفضل للمساواة, ليؤكدا أن ما يجري من حوار حول قانون منع الرموز الدينية, يدخل في إطار ما يسمى بضرورة احترام المبادئ. وخاصة مبدأ التعليم, الذي يجب تحييده عن الانتماءات الدينية, بالإضافة إلى مسوغات أخرى تتعلق بضرورة الوقاية والاستعداد قبل فوات الأوان, فإذا ما تم منع الرموز الدينية, فإن العائلات والأنصار عمومًا سيتوقفون عن التفكير في إيجاد علاقة قوة. كما أن القانون هو الذي يمنح السلطة حق المنع أو الموافقة, وبالتالي فإن القانون ضروري, تلك هي الحجج المقدمة عموما.
على أن هذه الحجج على وجاهتها, فإنها لا تلتفت إلى إمكان حصول إقصاء التلاميذ, وكذلك إلى ضرورة احترام الحرية الدينية, وحق التلميذ أن يعبر عن قناعته الدينية, ليس فقط في إطار حياته الخاصة, ولكن كذلك في الحياة العامة, شريطة ألا يتجاوز حرية الآخرين, أو المؤسسات الاجتماعية. وبالتالي فإن السؤال المطروح هو: هل يشكّل الحجاب فعلا خطرا ويفسد التعليم أو يدخل عليه عنصر اضطراب? هل يمكن أن نثبت بشكل عقلي أن قطعة من القماش يمكن أن يكون لها آثار على التعليم العلماني? دون شك فإن الجواب سيكون بالنفي, وبالتالي فإن المطروح للنقاش ليس الحجاب كعلامة دينية, ولكن كعنصر تهديد للجمهورية. وبما أنه لا يمكن إثبات أن الحجاب يهدد فعلا الجمهورية, لأنه لو كان كذلك لتم منعه, كذلك في الحياة العامة, فلماذا اقتصر الأمر على المدرسة فقط? لماذا لا يمنع في الشارع?
يذهب ريكور وكانتو سبراب, إلى أنه من الممكن أن نكون ضد الحجاب, ولكن يجب أن نكون أكثر معارضة لإقصاء الطالبات بناء على هذا السبب. إن التسامح الديني, هو مبدأ مؤسس لمجتمعاتنا, وإن الحد من الحرية يتم وفقًا لمخاطر حقيقية, وليس بناء على توقعات, أو انحرافات ممكنة, وإن العلمانية, تعني الالتزام بالضمان لكل فرد إمكان التقدم والرقي من خلال انتماءاته وأصوله, والمدرسة يمكن أن تؤدي هذه المهمة لا أن تفرضها عليهم مسبقا.
صحيح أن الحجاب بشكله ومعناه يحمل علامة التمييز بين الإناث والذكور, فهل من أجل الحد من هذا التمييز أن نمنع الحجاب ومعه حامله?! ألا نعرف أن المدرسة هي المجال الأساسي للبنات ليتقدمن ويتفتحن? وإن المدرسة هي المجال الأساسي الذي يتعلمن فيه قيمة المساواة. صحيح أن الحجاب يبين أنهن يخضعن للتمييز, ولكن الأساتذة وبقية التلاميذ يعاملهن معاملة المساواة. وإن إدراكهن لهذه القيمة سيربطهن أكثر بالتعليم وقيمه. وأما منعهن, فهو منع لهن كذلك في الالتقاء بهذه القيم.
تحرير الناس بالإرغام
كما يجب إقرار أمر آخر, وهو أنه يجب ألا نحرر الناس ضد إرادتهم, أو أن نعتقهم ضد قناعتهم, فهنالك مَن يؤمن بالحجاب, وليس مجبرا عليه أو يريد أن يتميز به, إن مهمة المدرسة أن تقدم معنى المساواة وأن تحقق الحرية. ومن المفارقة أن تصبح المدرسة, وهي الميدان الأساسي لحرية الطالبات, وسيلة تفرض عليهن التخلي عن خياراتهن الدينية.
لابد في نظر الفيلسوفين, من التمييز بين الحجاب الذي يعد تعبيرا عن الحرية الدينية والحجاب الذي هو وسيلة للضغط السياسي, إن هذا الأخير غير مقبول إطلاقا, لأنه يهدد النظام العام. فالجماعات الضاغطة التي تريد أن تفرض قانونها على طالبات المغرب العربي يجب ردعها. وإن التوفيق بين المصلحة العامة والمعايير المشتركة ومبادئ الحرية كانت دائمًا عملية صعبة, ولكنها أيضا ميزة أساسية وإيجابية لمجتمعاتنا الحديثة, لأنها بهذه الطريقة أثبتت أنها مجتمعات قوية بقيمها وواثقة من قدراتها. ولقد انتهى فلاسفة آخرون, إلى موقف رافض لكل هذه الإجراءات القانونية والتشريعية لمنع الحجاب في المدارس, وكتبوا بيانا في ذلك بعنوان (نعم للعلمانية لا للإقصاء), بتزعمهم الفيلسوف (إتيان باليبار). ومما جاء فيه, أن الحجاب (يغطي وقائع متنوعة وتقديرات مختلفة وحتى متعارضة في دلالته), وأنه (سواء نظرنا إلى الحجاب بوصفه تعبيرا عن اقتناع أو صورة من صور الإجبار المفروض على البنات, فإن الإقصاء هو أسوأ الحلول). صحيح كما يقول الموقعون أننا (لسنا من المدافعين عن الحجاب, ولكن من المدافعين عن المدرسة العلمانية التي تعمل من أجل ترقية وتنوير الإنسان, وليس إلى إقصائه وحرمانه من العلم), ولأن العلمانية كما تحددها المواد 1882,1886,1881 وفقا للقانون الفرنسي, ملزمة بالنسبة للمقررات والبرامج المدرسية والمدرسين, ولكنها ليست ملزمة للتلاميذ. فما هو ملزم للتلاميذ هو الحضور الإجباري للدروس واحترام الآخرين.
ولقد قام عدد من الموقعين, بمعاينة عدد من المؤسسات التعليمية, ولاحظوا أن الطالبات المحجبات لم يتسببن في عرقلة مهمة المعلم أو التلميذ على السواء. صحيح أن هنالك مشكلة المساواة بين الجنسين, ولكنهم رأوا أن البنت المحجبة ليست خاطئة أو لم ترتكب أي خطأ, فسواء تحجبت بإرادتها أو بشكل مفروض عليها, ففي جميع الأحوال ليست هي التي يجب أن تدفع الثمن. وأنه باستقبالنا لها, كما يقول البيان (في المدرسة, نكون قد ساعدنا على التنوير والتفتح والتقدم وذلك بأن نقدم لها الأدوات والوسائل المعرفية التي تمكنها من الاستقلال الذاتي, وبطردنا لها نكون قد حكمنا عليها بالقهر). ولقد وقع على هذا البيان في يومه الأول, أكثر من 600 مثقف. إننا لا ندّعي, بطبيعة الحال, في هذه المقالة إماطة اللثام عن نقاش قائم ولا يزال, وتقديم دراسة تاريخية وافية, إنما أردنا أن نقدم صورة من التاريخ الفكري الحاضر, وفكرة للقارئ عن نقاش فكري وفلسفي لا يزال قائمًا. نقول ذلك لأننا نشعر بثقل الخلفيات والأحكام والرؤى والتحليلات والمواقف.
الإسلام في الضفة الأخرى
إلا أن الأمر الذي لا خلاف فيه هو, أن الإسلام قد أصبح أحد المعطيات الثقافية والسياسية والاقتصادية للعالم المعاصر ولدول الشمال. فلقد انتقل الإسلام في النصف الثاني من القرن العشرين إلى الضفة الشمالية, وبالتالي فإنه من الطبيعي أن تطرح على مسلمي هذه المجتمعات – وعلى تلك المجتمعات ذاتها – أسئلة جديدة ومشاكل مختلفة تبعا لاختلاف المعطى والمقدمات.
نعم لقد شكّل الغرب معرفة واسعة حول الإسلام, فمَن منا سيتجاهل الجهود الكبيرة للمستشرقين, ومَن منا سيتجاهل ما شكله الاستعمار من معرفة وسلطة حول الشعوب الإسلامية? إلا أنني أعتقد, أن الغرب في الحالتين كان يتعامل بحرية شبه كاملة, إن جاز التعبير, بالتراث الإسلامي ومجتمعات الإسلام نتيجة لقوته العلمية والعسكرية, ولكن المعطى اليوم قد تغير, فلقد أصبح الغرب اليوم مدعوا إلى التعامل مع الإسلام بحرية, ولكن بمسئولية كذلك, لأن الإسلام أصبح جزءًا من هويته, إذ يعتنقه جزء من مواطنيه. من هنا اختلفت التقديرات داخل وخارج المجتمعات الأوربية عمومًا, وفي فرنسا خصوصا وفي حقل فكري كحقل الفلسفة.
ومنذ أن ظهرت قضية الحجاب في فرنسا سنة 1989 والنخبة المثقفة الفرنسية في جدل ونقاش, ولا يزال يعرف تطورات وتحولات في المواقف والآراء, لأن الموضوع ذاته تطور من حيث المضمون ليصبح موضوعا متعلقا بحرية الإنسان وحقوقه الأساسية, ومسألة الاختلاف والتنوع والهوية الإنسانية, كما توسع ليشمل مختلف مجتمعات العالم وخاصة العالم الغربي ونظامه السياسي القائم على العلمانية, وعلاقة التنظيم الجمعوي بالتنظيم الجمهوري, ومشكلة الأقليات وحقوقها, وهي مشاكل أخلاقية وسياسية, شكّلت مواضيع جديدة للفلسفة عموما والفلسفة الأخلاقية والسياسية خصوصا, في زمن العولمة المتسم بالتغير والتحول الدائم. وعليه فإنه, إذا كانت المواقف الأيديولوجية, لا تعنينا كثيرا, ليس لأننا نعيش عصر ما بعد الأيديولوجية, ولكننا أصبحنا نميّز كفاية بين الطرح الأيديولوجي والطرح العلمي, وإذا كنا نتفهم الطرح السياسي, فهذا لا يعني أيضا, الوقوع في التضييق والحد والمنع لأسباب معلومة وغير معلومة, إننا نعتقد أن الموقف السليم هو الموقف الذي يميز بين مستويات القضية ويؤكد على الطابع الإنساني, الذي هو ميزة كل موقف فلسفي قائم على العقل والنقد والحرية. أليس الحجاب من وجهة نظر فلسفة المقاومة أحد الأسلحة الضرورية للدفاع عن الهوية في عصر المؤامرة المطلقة؟

 


المـــرأة والحجــاب السيــاســي

بقلـــــم: صالــــح مصبـــاح – صفاقس ظاهرة الحجاب: تونس أنموذجا منذ نحو ثلاثة عقود، صار يتحرك في شوارع العرب نساء يرتدين ضربا من اللباس الحاجب للرأس والبدن والوجه أحيانا، بصورة قد اكتسبت تعبيرية سياسية «حزبية» أو طائفية. فقد استقر أن التحجب هو علامة على فكرة وليس طريقة في اللباس. فليس يناسب التحجب ما علم من المعايير التي يحتكم اليها عادة انتقاء الأزياء. فاذا حكمنا معيار الموضة ـ على تفاهته ـ بقاعدته التجارية والذوقية، لم نفز بما به نفهم غرابة ذلك الزي التنكري الذي ينافس امتداده أصابع يدي صاحبته، ويربك وقع خطاها، ويجلي منها الوجه محاصرا في دائرة من القماش الحالك عادة. أو مغمورا بستار يستثني منه العينين تكرما. ولسنا نعلم للشهير من دور الأزياء استعراضات لذلك الزي، تتمايل في خيامه العارضات، الا اذا افترضنا أنهن يستعرضن أزياء الجنائز والبؤس وكنس الأرصفة. وفي هذه الحال، لا نفهم معنى أن تبدو شوارعنا وشوارع العرب ساحات عزاء دائم، الا اذا افترضنا جداول عزاء في أموات البشرية ترتد الى جنازة هابيل. واذا حكمنا خصائص اللباس التقليدي الأصيل، لم نعلم أن في تراثنا وجوها من ذلك التزيي الكئيب. ففي تراثنا التونسي مثلا ، طرائق في اللباس جميلة مشرقة، تحفظ بأصالة وهج الحياة في المرأة، وتراعي، برفعة ذوق، قيم الجمال وقيم الاحتشام والخفر وتحرص حرصا خفيا شفافا على افادة أن جمال المرأة قد خلق ليرى بستر، ولم يخلق للوأد في خيام من النسيج حزينة. وفي تونس مثلا، تأكد حضور هذا الزي في عقد الثمانينات بالخصوص. وقد انتشر، بصفة جزئية، لكنها واضحة، في المؤسسات التعليمية والتربوية، وفي الفضاءات العامة، انتشارا كان واجهة لخط سياسي يستأثر بالمرجعية الاسلامية، وكان صيغة استثمار سياسي، بغير قواعد العمل السياسي، لبعض الاحتقان الذي كان قد شق مجتمعنا في السنوات الأخيرة من دولة الاستقلال بقيادة الزعيم الراحل بورقيبة. وقد عاضدت الاستثمار ذاك عوامل اقليمية ـ نحو «الثورة الايرانية» سنة 1979 ـ معاضدة كانت على غير منهج في فهم أعماق المجتمع التونسي وفي تحصيل مقتضيات تلك الحال في نسيجه. وليس أدل على ذلك من تعاضد الأطراف السياسية والمدنية والثقافية في سبيل أن يستعيد مجتمعنا توازنه واعتداله وأصالته وتراثه التنويري ومسار تنميته، بكل حيوية واقتدار، استعادة مثلت أواخر الثمانينات أولى خطاها. ونرجح اليوم أن طائفة من العوامل الاقليمية والكونية التي يسهل ادراكها، قد عاضدتها طبيعة مجتمعنا المنفتحة، على أن، يبدأ هذا الزي في الظهور مجددا بصورة محدودة، قد لا تستمر كذلك. ولما كانت الناشئة المدرسية بالخصوص هي المستهدفة ـ هذه المرة كما في المرة السابقةـ فقد تأكد أن سلطة الاشراف المباشرة هي الطرف المعني مباشرة بالوقاية والعلاج. واذ نعلم أنها ليست بالجهة التي تغفل عن مهامها، فان سائر النسيج المدني والسياسي والثقافي في بلادنا معني بانارة السبل التي تقاوم بوادر هذه الظاهرة بالتي هي أحسن. وليس ذلك بالغريب عن العمق التنويري في بلادنا، ذلك العمق الذي كان لامتداداته السياسية والمدنية في الثمانينات جليل الأدوار، على صعوبة الوضع السياسي وقتئذ. ان المواجهة الفكرية والثقافية اليوم أيسر من الأمس. فعلى حدة الأسباب الاقليمية والكونية، يمثل الوضع السياسي الوطني اليوم القسم الغالب من الحل، في حين كان في الثمانينات على اخر أيام دولة الاستقلال، جزءا من المشكلة. الحجاب في الاسلام يقول ادونيس في كتاب صدر له سنة 2005 بعنوان «المحيط الأسود»: «مهما تعددت الآراء التي تتصل بظاهرة فرض الحجاب على المرأة المسلمة، فمن الممكن أن يقال عنها انها جميعا مجرد تأويلات. وهي بوصفها كذلك، لا تلزم أحدا غير أصحابها. فليس هناك نص قاطع يفرض الحجاب وفقا لما يريد الأصوليون الدينيون. هناك تفسير لبعض المأثورات. لكن هل يصح دينيا، أن يرتفع تفسير المأثور الى مرتبة التشريع أو القانون»؟ وفعلا ورد « الحجاب» مرة واحدة في القرآن في سياق مخصوص: ورد في تلك الآية المعروفة من سورة «الأحزاب»، الآية 53: «… ولكن اذا دعيتم فادخلوا، فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث، ان ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم، والله لا يستحي من الحق، واذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب، ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن…». فالمقصود اذا انشاء حجاب يفصل بينهن وبين المختلفين الى بيتهن، بيت النبي فالحجاب بمعنى العزل والقناع لم يرد في الكتاب ولا في السنة ورودا صريحا. وان سياقته في الآية المذكورة سياقه خاصة تتصل بآداب زيارة بيت النبي. فهو أقرب ما يكون الى القواعد «البروتوكولية» بعبارة اليوم، والى قواعد التردد على بيت ذي السلطة السياسة والروحية الأولى، ومحاورة زوجاته. وأما أن تسحب هذه السياقة الخاصة على أحوال العموم والاطلاق، استئناسا بأحكام أخرى تدور على ضوابط الصلة بين الجنسين في الاسلام، فشأن تأويلي ضعيف الحجية. وليس للمرأة في الاسلام هذه المنزلة التي تعزلها ـ جسما وكيانا وذاتا ـ عن حركة الحياة وأنشطة المعاش. كانت عائشة أم المؤمنين، تشارك في المجادلات السياسية الهامة، وفي اتخاذ القرارات الكبرى، كقرارات الحرب والسلم. ويضيف أدونيس الى هذا المثال المعروف سكينة بنت الحسين، التي كانت تستقبل في بيتها الشعراء وتحاورهم في قضايا الشعر بالمجالسة التي لا قناع لها فيها.فأين هذا من الزي الذي ينفي هوية المرأة نفيا يحوجها الى ما به يهتدي اليها أعلم الناس بها. قالت في عدد 59 من «العرب الأسبوعي» الشاعرة والصحفية المصرية فاطمة ناعوت حول وجودها في وسط أجبرها على ارتداء هذا الحجاب التنكري: «ضبطت نفسي وقد شرعت في عادة سيئة، وهي اقتناء أحذية وحقائب ذات ألوان صارخة، على غير ما أحب، حتى يميزني أطفالي بسهولة حين نضيع في زحام (الأسواق)». فأي زي هذا الذي نتعرف به الى زوجاتنا أو الى من لنا بهن صلة برأس مطأطئ ونظر الى الأسفل. فالحجاب الذي نرى اليوم في شوارعنا العربية الاسلامية وفي شوارع الغرب، ليس عنوانا روحيا ولا لافتة أخلاقية. انه علامة سياسية تشتق لنفسها أسباب تميز حزبي و فرقي فتستحوذ على الدين المشترك على وجه التفرقة وتنتزع منه عمقه الروحي الأصيل الذي ليس يحتاج الى اشهار بالحجاب ولافتة بالأقمشة الحالكة التمييزية. واذ يعلم الدعاة الى الحجاب أنهم قلة وأنهم ليسوا بذوي أسانيد في الشريعة، فانهم بذلك يمارسون السياسة الانقسامية ولا يمارسون الدين في نطاق الوفاق ويروجون علامة «حزبية» سياسية وليس قيمة أخلاقية أو نهجا سلوكيا.  الحجاب في التاريخ ان الحجاب من حيث هو غطاء للرأس هو معلوم مشهور يخص المرأة والرجل لدى العرب المسلمين على حد السواء. وقد كان ضرورة يقتضيها الوسط الصحراوي المغبر وقيظ الشمس العمودية. ولغطاء الرأس عند المرأة أعراف اجتماعية عرفها العرب المسلمون كما عرفتها المجتمعات المجاورة نحو المجتمع الفارسي. فللحياة اليومية والعملية غطاء يختلف مثلا عن غطاء الزينة في محافل الأعراس أو عن غطاء الترحال. وبقدر ما يكتسب حجاب المرأة وظائف عملية أحيانا، يكتسب وظائف تزينية أحيانا أخرى. لكنه لم يكتسب يوما وظيفة اخماد لزينة المرأة ووأد لحسنها. لقد أحل الجاحظ أن تبرز المرأة محاسنها للناس في غير استهجان وغلو، ولم يخالفه في ذلك معاصروه من أهل النظر. ثم ان الوجه النسائي الذي تغزل به مكشوفا شعرنا القديم والحديث، بقدر ما تمثل عناصره، نحو العيون والشفاه والخدود… الخ، بؤرة جمالية، تمثل ملامحه هوية شخصية يجلوها كشفه ويطمسها اخفاؤه. «ان اخفاء الشعر أو الوجه هو اخفاء لهوية المرء، الهوية الربانية التي منحها لنا الخالق، وليست الهوية المدنية التي تهبها لنا الدولة متمثلة في رقم بطاقة التعريف»، كما قالت المرأة الكاتبة نفسها. أما الحجاب من حيث هو رداء حاجب مانع بصورة تميزية، لعلها غير بعيدة عن بدعة التحجب على أيامنا، فله «قصة» محددة مأثورة عن التاريخ أو صلة «بحادثة» عزلها سياقها عن الامتداد في الزمان والمكان عزلا لم يذعن له المكابرون. وبيان ذلك أن العرب القدامى لم يكونوا «أهل كنيف» كما يقول القدامى، الا في مرحلة لاحقة من أنشاء المدن. فالأصل في حياتهم البداوة وحياة الصحراء، حتى أن أنشاء المدن في صدر الفتوحات، قد لابست فيه معايير المناسبة لحياتهم معايير المناسبة لحياة ابلهم. وقد وقف على هذا الشأن بطرافة واحكام عبد الحميد سلامة في مقال له صدر مؤخرا في مجلة «الحياة الثقافية» ويفيد هذا التلابس أن ذهنية البداوة المرتحلة، قد استمرت ـ ولو الى حين ـ في لحظة اختطاط المدن. فقد كان من المعقول أن يتواصل لديهم، في أول عهد أغلبهم بالمدن، قضاء الحاجة، أي في المكان المنخفض من الأرض» كما يقول بن منظور، على عادة بداوتهم وقبل أن تتنامى فيهم لاحقا بعض أعراف التمدن التي منها أرفاق الدار بالكنيف، ذاك الذي تباهى به والدار بطل بديع الزمان الهمذاني في انشاء «المقامات». واذا كان خلاص الرجال في الغائط، فان النسوة كن يتجهن ليلا الى أطراف المدينة. وكانت «طبيعة» الغرض لا تبيح رفقة الرجل أو «مندوب العائلة» كما يقول يوسف ادريس في قصة «محطة» التي أنشأها على أطوار «موعد غرام». وكان يحصل أن يكون من بين النسوة زوجات النبي وزوجات الصحابة والأعيان والعلية وبناتهم. ولما لم يكن ثمة ـ والوقت ليل ـ ما يميز أولئك النسوة من خلافهن من «العاميات» ومن الجواري، ولما كان لكل عصر صعاليكه ومتسكعوه في هوامش مدنه، كان النسوة اللواتي لم يكن يحصنهن في مقصدهن الليلي المتكرر هذا، رفقة «المندوب»، يتعرضن لبذاءة أولئك الصعاليك وحراشهم. واذ ضاق النسوة بهذه «المواعيد»، لاحقت السلطة المذنبين. وكانوا يتعللون دوما بعدم تمييزهم في الظلام لنساء العلية من نساء الدهماء ومن الجواري. ولسد هذه الذريعة، أمر عمر بن الخطاب ـ صاحب المبادرات التي صار بعضها أحكاما ـ بأن يتميز نساء العلية من غيرهن تميزا «علاميا»، فيطلن الأكمام والأردية، ويسترن رؤوسهن الى «فتحة الصدر» كما يقول القدامى. فالأصل في هذا الزي التميزي اذا، أنه حجاب «علامي» يفيد افادة سيميولوجية أن مرتدياته هن من هن، وأن غرضهن، اذ يرتدين الحجاب، هو ما هو، وأن الصعاليك أمامهم «علامة» تنهاهم عن التحرش بمن تعلم عن هويتهن العلامة تلك، وتحميهن بها منهم حماية تذهب بمبدأ التسوية بين النساء، على نحو ما كانت تجيز الأعراف والقيم عصرئذ. وأما اليوم، فلا نرى موجبا لنسحب سياقة محددة على نمط في التزيي قار. فأما الافادة « الطبقية»، فلا معنى لها اليوم، اذ لا نحسب أن المجتمع التونسي مثلا، فيه «أرستقراطية» تحمل علامة مميزة يحميها بها القانون أكثر مما يحمي غيرها من المواطنين. وأما افادة «الغرض»، فانا ممن يؤلمهم في شأنها أن يتصوروا كل محجبة تحث الخطى في شوارعنا انما يستبد بها ذاك الذي لا يرحم، أو أن يتصوروا اليوم شوارعنا التي نحب أن تحسن بالزهر والعطر والوجه الحسن، مجرد مناهج الى «كنائف» في أواخرها.
الحجاب والديمقراطية قد يتعلل البعض في شأن الحجاب بكونه من توابع الحرية الفردية بصفتها من أركان الديمقراطية. ولا جدال في أن الأمر يجوز هذا التعليل في الأصل وفي العموم. فالديمقراطية مفهوم مدني يكسب الأفراد والجماعات الحريات الفردية والحريات السياسية. وان مغزى هذه الحريات المدنية أو تلك، لا يستوي بدون الأخرى. ويفضي صعيد هذا التلازم النظري الى أن اللباس التميزي الحاجب للمرأة على النحو الذي نقصد اليه، هو حق لها فردي وسياسي. فان ارتدته خيارا فرديا و«ذوقا» شخصيا، جوزته لها حريات المواطنة الفردية. وان ارتدته علامة «حزبية» ولافته سياسية، جوزته لها قيم المجتمع الديمقراطي وتشريعاته التي تنص على الحق الديمقراطي والتعددي. لكن هذا المذهب في التدبر لا يستقيم البتة، لأنه ينهض على فهم للحرية والديمقراطية ساذج، غافل عن مقاصدهما التي بدونها ينتقضان انتقاضا. ليس يتصل «الحجاب» بالحرية الفردية، لأنه ليس «الخمار» أو «النقاب» أو «الجلباب». فهذه الأنماط في التزيي، يمكن أن تجري مجرى الخيار الفردي الذي تتجه به صاحبته المسلمة الى الاحتشام، ولا سيما أن في الشريعة الاسلامية دعائم لهذا «نصية» واضحة الأحكام والمقاصد. بيد أن الحجاب الذي نعني انما هو ذاك الذي استقر له «علاميا» تعبير سياسي انتفت به عنه أية تعابير أخرى. وفي هذه الحال، ينتفي موجب الحرية الفردية التي تقوم على تعايش الحريات الفردية وعدم تصادمها، ويتأكد البعد السياسي الذي تمثل الديمقراطية مختبره. وان التعددية «المذهبية» والحزبية والمدنية الخ… هي مكسب ديمقراطي أكيد وأساس مدني أصيل. ويشترط المغزى الديمقراطي أن تدور مظاهر التعددية كلها على محور رئيس هو العقد الاجتماعي، من حيث هو جملة الخصائص الوفاقية الكبرى التي يصطبغ بها المنوال المجتمعي العام، والتي تحفظ للحياة المجتمعية استقرارها واستمرارها وحركة تبدلها التي لا تنسف بنود العقد المشترك ذاك. فقد تنصرف حركة المجتمع الديمقراطي الى أن تبدل في المنوال المجتمعي وأن تغير. وتضبط المرجعية الديمقراطية من الآليات والمؤسسات والصيغ والنصوص ما به يتحرك المنوال المجتمعي ويتطور، شريطة أن يكون المنوال ذاك، وضعا محفوظا، هو في الآن نفسه المنطلق والآلية والغاية.وقد دق وعي هيقل، الذي نراه روح الغرب الحديث، مهد الديمقراطية الانسانية الرئيس، بأعماق أن يتصل كل تبديل في المجتمع المدني التعاقدي بحفظ منواله العام. وقد استن لهذا الاتصال المنهاج الموسع الذي انصاغت في فلكه أركان الديمقراطية. ومما يقترن بهذا المقام أن المنوال المجتمعي الذي تختزله فكرة «الدولة» التي «لا يمكن لأحد أن يدعي رؤيتها» كما يقول.ج. بوردو، انما هو «الجوهر» الذي ينبغي حفظه فكرة تعاقدية بحفظ فكرة «الدولة» التي ترمز اليه. أما المتحول من عناصر «الفكرة»، والمجسد في حياة المجتمع وفي طرق تصريفه، فهو « الشكل» السلطوي القائم على أسانيد التعددية الحزبية وخياراتها التي تتخالف في نطاق الوفاق وتتداول على السلطة في ظل حفظ المنوال المجتمعي وعناوينه الكبرى. واذ ليس الحجاب مجرد برد وكساء، وانما هو «علامة» فكرة سياسية، فقد وجب أن نتعمل مغزاه من هذه الزاوية. فهو لافتة سياسية دينية، تقصي بعلامة احتجاجية اسلام الآخرين وتكرس اسلامها السياسي الخاص. وتحيل هذه العلامة السياسية على مرتكزات لا تخفى عن أحد، من جهة المعدن السياسي المغالي، والتصور المجتمعي الذي يبرر نفيه لمخالفيه تبريرا دينيا خلافيا من جهة، ويرشح بعقيدة العنف من جهة ثانية، وينزع الى نسف المنوال المجتمعي القائم وثوابته القارة من جهة ثالثة. ولما كان كذلك، فهو اذا علامة سياسية احتجاجية تعادي الديمقراطية عداء تفقد به حق أن تكفل لها الديمقراطية ذاتها حق أن تكون. ان الحجاب هو بهذا النهج في التدبر اشارة سيميولوجية ترشح بالاحتجاج الاستبدادي الذي يضع في ميزان النقض ركنين من أكثر الأركان مجلبة للانقسام القاتل، هما التوافق على المنوال المجتمعي والتوافق على الأسس الروحية والثقافية الكبرى، لاسيما اذا كان الوسط الذي تومئ اليه العلامة الحجابية الاحتجاجية وسطا عربيا اسلاميا مازالت صلة الدين فيه بالسياسة مجلبة للحفائظ ومبعثا على الفرقة غير المعتدلة، بل المسلحة. يقول أدونيس في عمله المذكور بخصوص أهل الحجاب: « والحق أن جميع الوقائع تشير الى أن هذه الأقلية انما هي أقلية سياسية. وعلى المسلمين والغربيين أن يتعاملوا معهم، لا بوصفهم ممثلين للدين، وانما بوصفهم مجرد حزب سياسي».فلو كانت غاية هذه الجماعات دينية، فان «الجامع هو وحده ـ كما يقول الكاتب نفسه ـ المكان الذي يتميز فيه المسلم مفصحا عن هويته الدينية». ولعل زاوية النظر هذه، يقضي أفقها السياسي أن نذعن لحق الفرنسيين وبعض أجوارهم الأوروبيين في اتخاذ اجراءات التصدي للحجاب السياسي «المتأسلم» الذي هاجر الى مدارسهم وشوارعهم. فقد أدركوا أن هذا الحجاب لافتة سياسية وعلامة «حزبية» وثقافية. ولو كانت تلك اللافتة تنتج فكرتها السياسية انتاجا مدنيا يلائم عامة المنوال المجتمعي الذي ارتأته لهم ديمقراطيتهم، لما عمدوا الى حظر الحجاب في الفضاءات المدرسية بالخصوص، بصفتها فضاءات ناشئة اليوم، ومواطني الغد، الشركاء في العقد الاجتماعي وبنوده المدنية. وقد يكون من المعقول أن نتقبل بهدوء وتفهم الخبر الذي تداوله الاعلام في موفى جوان 2006 والذي مفاده أن ادارة فرنسية معنية بمنح الجنسية، قد اشترطت على احدى المرشحات لنيلها من المقيمات هناك أن تزيل الحجاب لتصبح مواطنة فرنسية. ذلك أن الغربيين وان لم يفصلوا الدين تمام الفصل عن الدولة والمجتمع فقد فصلوه عن السياسة وعن قيم المواطنة المندسة فيها.وقد تحقق لهم ذلك، بعد طول عناء ومران، قطعتهما علمانيتهم قبل أن تكون حالا راسخة من جهة ومحتاجة دوما الى «اعادة التجديد» كما يقول محمد أركون من جهة أخرى. ولعل الحجاب يمثل احدى أحوال «التجديد» ذاك، لأنه حال طارئة تقتضي تصديا جديدا. فاذ يأتيهم الحجاب غازيا مدارسهم وشوارعهم بفكرة سياسية مشتقة قسرا من دين غير دينهم «الأصلي» يحق لهم أن يروا فيه خطرا يحدق بمنوالهم المجتمعي، وزحفا أصوليا اسلاميا مغاليا قد يهز استقرارهم. فقد فصلوا عن حياتهم السياسية الكنيسة فصلا بدلوا فيه التضحيات والدماء، فكيف يقبلون أن يداهمهم، بعد كل ذلك، «اسلام» سياسي منغلق قد يردهم ـ ولو بالاحتمال الضعيف ـ الى نقطة الصفر؟ وبأي حق يخترق الحجاب الوافد عليهم قيمتهم وثقافتهم، فيكرس ثقافة سياسية فرعية قد تدفع اجتماعهم الى الانقسام؟ وبأي حق تدفع مجتمعاتهم ضريبة سياسية وثقافية عن انتاج ليس لهم؟ وحتى اذا سلمنا بأن العولمة الاقتصادية والثقافية التي لهم فيها اليد الطولى هي من البواعث على انتاج هذا الحجاب السياسي الديني الاحتجاجي المغالي، فان زاوية النظر، عندئذ، لا ينبغي أن تتصل بمقتضيات المواطنة والاقامة اذ يحظى بهما في مجتمعاتهم الوافدون عليهم من أهل مرجعية الحجاب السياسي «الاسلامي»، وانما تتصل بمواجهة سياسية وثقافية، يحق لهم رفضها، والاعتراض على أن يكون مجتمعهم ساحتها، ويحق لهم، على نحو من الأنحاء، أن لا يحكموا في شأنها قوانين المواطنة والاقامة، وانما «قوانين» الحرب وأخواتها. وانا بهذا لسنا لسان دفاع عن الغرب الذي بقدر ما لا ننسى حيف سياسته الخارجية ازاءنا، لا ننسى أنه لم يغلق على أراضيه مساجد المسلمين، المواطنين والمقيمين. لكننا ندافع عن قيم التعاقد لدينا ولديه، وعن صورة مجتمعاتنا العربية الاسلامية الحقيقية أو الغالبة، وعن جوهري قيمها التي بقدر ما تحسن بالانتساب الى الانساني المشترك، تحسن بفضيلة التميز والخصوص ومعايشة الاختلاف والتنوع، خاصة أن في تراثنا أرصدة لهذه القيم يتناساها اليوم «أصدقاء» الحجاب السياسي. نسمي في تونس الحجاب هذا «زيا طائفيا». وهذه التسمية دقيقة معبرة لأنها تحّمله المغزى السياسي الانقسامي الذي ينسخ له صورة «الزي الطويل» الذي ترتضيه صاحبته «ذوقا» وخيارا. وفضلا على ذلك، تحيل التسمية على ضروب الطائفية السياسية التي هدت قديما وحديثا، كيانات قد امتلكت من أسباب المنعة والقوة والعراقة مذهل المقادير امتلاكا لم يشفع لها. الحجاب والغزل أخذ الحجاب يتجه الى التفنن والتزين، وصارت تصاحبه لدى المحجبات زينة وجه وشفاه تكرس ضمنيا بعده السياسي الخفي وتذهب ببعده السلوكي المصطنع. وفي شأن الحجاب غير «الفني» قلنا أيام الشباب، أيام كنا نحب بين الحين والاخر صنع الشعر، قصيدة قصيرة نشرتها في سنة 1990 مجلة «المغرب العربي» بعنوان «رسالة الى محجبة»، نختم بها هذا الرأي المرتجل ونصها: أختاه ترميك المخاوف موؤودة الجسد تكسو نعالك اللحائف كخيمة شدت إلى وتد فهل خيمة حملت يا أختاه أو جسد؟ ×××××× أختاه تأتين من الغبار مكسوة رأسا إلى رصيف    وان خطوت فوق شارع نهلل بشارع نظيف أهل نسمع الخطى توقع أو نسمع الحفيف ؟ ×××××× من سوق شهريار  تأتين يا أختاه للمزاد من كهف فحل واحد يسوق أربعا تأتين يا أختاه بالمزاد هل بومة في أربع يصرن شهرزاد؟ ص.م. صفاقس ـ تونس (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 12 نوفمبر 2006)  


موقف شيوخ الزيتونة من الحجاب

بقلم: الدكتور محمد بوزغيبة أستاذ الفقه الإسلامي وعلومه ـ جامعة الزيتونة الآن، وبعد ان تجاوز الامر حده، واصبحنا نسمع كلاما يجانب الصواب وينال من هيبة دولة مسلمة، كان لها شرف نشر الدين الاسلامي عموما والمذهب المالكي خصوصا في كامل القارة الافريقية وفي غرب أوروبا وجنوبها. وكان لها السبق في عدة علوم شرعية، وهذا افراط من بعض الاصوات والاقلام التي تهجمت على تونس دون موضوعية. وبعد قراءة أطروحات بعض الباحثين التونسيين غير المتخصصين في الفقه الاسلامي، الذين استغلوا طرح السلطة المعتدل في مسألة الحجاب، الذي نادى بستر المرأة بناء على ماقالته شريعتنا الاسلامية الغراء، وهو معلوم من الدين بالضرورة، وذلك باستعمال اللباس التونسي التقليدي الذي استعملته امهاتنا وجداتنا منذ عدة قرون، وتهجموا على الحجاب عموما وعلى الستر والحياء والحشمة خصوصا. أقول لهؤلاء وأولئك اقرؤوا آراء وفتاوى شيوخ الزيتونة القدامى والمتأخرين في موضوع الحجاب، وترفعوا عن السباب ولا تنسوا ان تونس متمسكة بالدين الاسلامي كهوية ومعتقد لا يقبل اي تونسي النيل منها، واتركوا الاختصاص لاهله وذويه. * قيمة التخصص: لماذا لا يتكلم عن الجراحة الا الطبيب المختص، ولماذا لا يتكلم عن التكنولوجيا الا المهندس والخبير والتقني المختص فيها، في حين يتكلم الجميع في التشريع الاسلامي، ويفسر الجميع كلام العزيز الرحمان على هواه، او ينتقي بعض الشوارد ويجمع الشتات ويلفق اراء الاقدمين على مزاجه لاطماع ثمنها بخس ولحسابات ضيقة الافق. لقد تدخل المتفيقهون والوصوليون فحادوا عن الموضوعية وتفرقت بهم السبل، فتفاوتت اسهاماتهم بين ناقد للنص الشرعي عن جهل، وبين متبرم من النص الشرعي ومستخف به، لكنه متقنع بلباس الايمان والله يعلم ما تخفيه الصدور. أصبحنا باسم الحداثة نقرأ لمن يتهجم على عمر الفاروق وعلى عائشة ام المؤمنين اول فقيهة في الاسلام، ومن يتشدق بنكران القبور والبعث والنشور، ومن يستهزئ من الصحابة ويتهمهم بجمع السبايا والاسيرات عند الغزوات لمآرب شهوانية خاصة، وقد وصل الامر الى النيل من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم من كتاب الله العزيز دستور المسلمين.. وفي قضية الساعة، أصبحنا نقرأ لمن يدعي ان الحجاب خاص بالمومسات لكي لا يعرفن عند مغادرتهن دور الخناء والدعارة، ونقرأ لمن يعتبر ان الحجاب لا يخص الا الحرائر قديما أما الاماء فلم يطالبن بذلك، وهب أن الحجاب خاص بالحرائر في صدر الاسلام، أنرضى بأن تكون نساؤنا وبناتنا وامهاتنا اماء وجواري وعبيد او حرائر يرتدين لباس الحشمة والوقار، ونقرأ لمن لم يرض بموقف السلطة المتمسك بالحشمة والستر والرافض للعراء وللباس الخليع بدعوى ان زمن غض البصر وزمن الشهوات قد ولى، وان التبرج واللباس الخليع وكثرة المساحيق هو رمز التقدم، متغاض عن الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها ولا تبديل لخلق الله. وهناك من اعتبر ان الايات 31 من سورة النور و59 من سورة الاحزاب الخاصة بالحجاب، لم ترتق الى الوجوب الشرعي.. مقالات نشرتها الصحف التونسية باللغتين العربية والفرنسية وأقاويل بثتها بعض الهوائيات ان الدولة التونسية تتمسك بالحجاب كستر وتطالب بالبديل التونسي لتكريس ذلكم الستر، والدليل على  ذلك هو اليوم الوطني للباس التقليدي الذي يقصد من خلاله المحافظة على لباس المرأة التونسية المحتشم. لتوضيح هذه الاشكاليات سأبدأ بتقديم نبذة موجزة عن السبق التونسي في العلوم الشرعية، ثم الوقوف عند مصطلح الحجاب وتعريفه وتوضيح الكلمات المرادفة له، ثم توضيح قضية الحجاب وتقديم اراء شيوخ الزيتونة.. * السبق التونسي: المسألة المجمع عليها والواضحة في رابعة النهار، والتي لا يختلف فيها اثنان ولا يتناطح حولها عنزان ان تونس افريقية اقتنعت بالاسلام دينا منذ زمن الخلفاء الراشدين وتحملت عبء نشر رسالته شرقا وغربا. فتونس سميت بذلك لانها تؤنس من يأتيها ضيفا، لقد وهبت اسمها الاصلي «افريقية» الى القارة التي هي جزء منها فمن الاراضي التونسية أسلم المغرب العربي والاندلس وصقلية وجنوب الصحراء الافريقية. ومن الجامعات الاسلامية التونسية الاولى «عقبة القيروان» و«جامع الزيتونة المعمور» اخذ ضيوف تونس العلوم الشرعية من ابنائها. ومن تونس انتشر المذهب المالكي في الغرب الاسلامي، وان مصادر المذهب المالكي تونسية الاصل. ـ المدونة للامام سحنون وتهذيبها للبراذعي ـ الرسالة لعبد الله بن أبي زيد القيرواني ـ مختصر خليل المصري الذي ألفه باعتماده على ثلاثة علماء من تونس ذكرهم في مقدمة المختصر وهم: أبو الحسن اللخمي والامام محمد المازري وعبد الحق الصقلي. ان المعول عند المالكية على هذه المصادر التونسية فتونس أنجبت احمد بن الجزار مؤسس الصيدلة، وعبد الرحمان بن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وان افضل كتاب في علم اللغة هو «لسان العرب» لجمال الدين بن منظور القفصي.. وتواصل السبق التونسي الى الفترة الاصلاحية، حيث نجد ان اول تقنين للفقه الاسلامي في العالم هو «قانون الجنايات والاحكام العرفية» الصادر سنة 1861 الذي جاء قبل «مجلة الاحكام العدلية» التي طبقت احكامها في الدول الاسلامية بـ15 سنة لان المجلة ظهرت سنة 1876. وفي علوم القرآن مثلا فان اقدم تفسير في العالم هو تفسير يحيى بن سلام (200هـ) وان افضل تفسير متكامل في هذه الازمان هو «التحرير والتنوير» للامام العلامة مبتكر علم مقاصد الشريعة محمد الطاهر ابن عاشور.. ذكرت نماذج من السبق التونسي في العلوم الشرعية لاثبت بدليل ساطع وبرهان قاطع مدى تجذر هذه الارض المضيافة في الشريعة الاسلامية، اقول ذلك بهدوء واتزان لمن يبحث عن النيل منها من الخارج، ولمن يصطاد في الماء العكر ويبحث عن تمفصلها عن جذورها الشرعية من الداخل بدعوى حرية الفكر والتأويل.. * مصطلح الحجاب: وردت كلمة الحجاب في القرآن الكريم في ثمانية مواضع وهي (الاعراف: 46 ـ الاسراء: 45 ـ مريم: 17 ـ الأحزاب: 53 ـ ص: 32 ـ فصّلت: 5 ـ الشورى: 51 ـ المطففين: 15). ولقد ورد جميعها بمعنى الستر والمنع. كما استعمل الحجاب في علم المواريث، والقصد منه منع بعض الورثة من الميراث عند وجود من هم اولى واقرب من الميت. فالحجاب لغة الستر والحاجز والحيلولة، ولقد استعمله علماء اللغة في عدة معان، فقيل العجز حجاب بين الانسان وربه، والمعصية حجاب بين العبد وربه.. ومن الالفاظ ذات الصلة بالحجاب: الخمار ـ النقاب.. القناع ـ البرقع.. * الخمار: اصله الستر، فكل ما يستر شيئا فهو خماره، قال صلى الله عليه وسلم: «خمرّوا آنيتكم» (أخرجه الشيخان). وغلب في التعارف ان الخمار اسم لما تغطي به المرأة رأسها(1) ويعرّف الفقهاء الخمار بأنه ما يستر الرأس والصدغين او العنق(2) وعندهم ان الحجاب ساتر عام لجسم المرأة، اما الخمار فهو في الجملة ما تستر به المرأة رأسها. * القناع: هو ما تتقنع به المرأة من ثوب تغطي رأسها ومحاسنها، ويطلق بعض الفقهاء القناع على الثوب الذي يلقيه الرجل على كتفه ويغطي به رأسه، ويرد طرفه على كتفه الآخر(3) فالقناع أعم واشمل من الستر في الخمار، او هو يخالفه عند بعض الفقهاء. * النقاب: جاء في لسان العرب بأن النقاب هو القناع على مارن الانف. ثم يقول ابن منظور: النقاب على وجوه قال الفراء: اذا أدنت المرأة النقاب الى عينيها فتلك الوصوصة، فان انزلته دون ذلك الى المحجر فهو النقاب، فان كان على طرف الانف فهو اللفام (اي اللثام). قال ابن منظور: الوصواص البرقع الصغير(4) قال الفقهاء كل من الخمار والنقاب يغطى به جزء من الجسم: الخمار يغطى به الرأس والنقاب يغطى به الوجه. والفرق بين الحجاب والنقاب ان الحجاب ساتر عام، اما النقاب فساتر لوجه المرأة فقط. * البرقع: ما تستر به المرأة وجهها(5) ولقد وردت مسألة الحجاب والخمار الخاص بالمرأة في الآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الاحزاب، ولقد اجمع الفقهاء والمفسرون على ان المرأة مطالبة بستر ماعدا الوجه والكفين. * اجماع الفقهاء: جاء في مختصر كتاب «النظر في احكام النظر في المسألة رقم 27: ان الوجه والكفين والقدمين هل يجوز للمرأة ابداؤها او لا يجوز اعني للاجانب؟ وهو موضوع الخلاف، فنقل عن ابن مسعود رضي الله عنه ان المرأة لا تبدي وجهها ولا غيره، وللشافعية قولان في جواز النظر الى الاجنبية احدهما المنع وهو الاشهر، والآخر الاجازة ما لم يخف الفتنة وقول ثان انه يجوز ابداء وجهها دون كفيها، يروى عن ابن جبير والحسن البصري. وقول ثالث انه يجوز لها ابداء وجهها وكفيها، يروى عن ابن عباس وابن عمر وانس بن مالك وعائشة وابي هريرة وبه قال مالك والاوزاعي والشافعي وابوثور، وكلهم يقولون: تغطي في الصلاة جسدها الا الوجه والكفين(7). وجاء في موسوعة الاجماع في الفقه الاسلامي ما يلي: ـ المسألة عدد 2971: حدّ عورة المرأة: اتفقوا على ان شعر الحرة وجسمها وحاشا وجهها وكفيها عورة. ـ المسألة عدد 2972: على من فرض حجاب الوجه والكفين: لا خلاف في ان فرض الحجاب في الوجه والكفين ما اختصت به نساء النبي صلى الله عليه وسلم وان كن مستترات الا مادعت اليه ضرورة. ـ المسألة عدد 2252: وجه المرأة وشعرها في الصلاة: اجمعوا ان على المرأة ان تكشف وجهها في الصلاة ولو رآه الغرباء، وقد اجمع اهل العلم على ان المرأة الحرة تخمر رأسها اذا صلت. ـ المسألة عدد 94: ما تلبسه المرأة المحرمة في الحج: اجمعوا على ان المرأة تلبس المخيط كله، وان لها ان تغطي رأسها وتستر شعرها الا وجهها، وقد اجمع الكل على ان لها ان تغطي اذنيها ظاهرهما وباطنهما ولا تلبس القفازين..(8) * المقاربة التونسية:
لم تشذ البلاد التونسية عما قاله الفقهاء، فما تقدم به رئيس الجمهورية ووضحه الناطق الرسمي باسمه وحلله وزير الشؤون الدينية هو الحفاظ على احتشام المرأة وستر وعدم ابداء مفاتنها بلباس خليع، فقط يتم ذلك بلباس تونسي لان الفقهاء تحدثوا عن الستر ولم ينظروا البتة الى نوعية اللباس لان عرف البلاد هو الفيصل بناء على القاعدة الاصولية: «العادة محكمة». اذا هناك لباس تقليدي تونسي، اصرت السلطة على الذود عنه والتمسك به، لانه يكرس الهوية والمواطنة. جاء في كلمة وزير الشؤون الدينية لجريدة «الصباح: «نعم لأزيائنا التونسية المحتشمة الريفية والحضرية مثل «المحرمة» (الفولارة التونسية) «والتقريطة» و«البخنوق» و«الملية» و«البشكير» والسفساري» وما الى ذلك، نعم للجبة التونسية والبلوزة والكدرون»(9) لكن نجد من لم يرض بتمسك الدولة بقيم دينها الحنيف، حيث قال احدهم وهو يعلن رفضه للسفساري: «اعتقد ان التراجع امام خطاب الحجاب بما فيه عبر الدعوة الى بديل «السفساري» كجزء من تراثنا التقليدي، لكن مع قناعتنا انه لا ينسجم مع مقتضيات الحياة العصرية لامرأة تطمح للمشاركة في الحياة العامة عملا وتعليما يمثل انتكاسة في حق مكاسب التحديث»..(10) * شيوخ الزيتونة والحجاب: سأكتفي بنقل أجوبة المشائح الذين استفتاهم الطاهر الحداد قبل تأليف كتابه امرأتنا في الشريعة والمجتمع سنة 1930. * رأي شيوخ الزيتونة في الحجاب من خلال كتاب «امرأتنا في الشريعة» للحداد السؤال رقم 12: ما الذي يجب ستره من بدنها عن الانظار صونا للاخلاق؟(11) ـ جواب الشيخ الحطاب بوشناق (12): «أما ما يتعلق بالنظر اليها وسماع صوتها، فالمحرر ان الوجه ليس بعورة يحل النظر اليه لمن لا يخشى الافتتان، وقال القهستاني تمنع الشابة في عصرنا من كشف وجهها لانتشار الفساد. والحجاب ادعى الى العفة وآمن عليها ان تنظر اليها العين الفاجرة. واما صوتها قيل عورة وهو ضعيف، وانما العورة تمطيط الصوت وترقيقه بكيفية تستهوي الرجل. ـ جواب الشيخ محمد العزيز جعيط (13): يجب بالنسبة للاجانب غير المحارم ستر جميع بدنها ماعدا الوجه والكفين، ويجب عليها ستر الوجه ايضا اذا خشي منها الفتنة. ـ جواب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (14): «ان الذي يجب ستره من المرأة الحرة هو ما بين السرة والركبة عن عين الزوج، وماعدا الوجه والاطراف عن المحارم، والمراد بالاطراف الذراع والشعر وما فوق النحر، ويجوز لها ان تظهر لابيها ما لا تظهره لغيره ماعدا العورة المغلظة، وكذلك لابنها، ولا يجب عليها ستر وجهها ولا كفيها عن احد من الناس. ففي الموطأ قال مالك: لا بأس أن تأكل المرأة مع غير ذي محرم على الوجه الذي يعرف للمرأة ان تأكل به، وهذا يقضتي ابداء وجهها ويديها للاجنبي، فوجه المرأة عند مالك وغيره من العلماء ليس بعورة، واستدلوا على هذا بقوله تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم. وقوله: وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن». وانما يستحب للمرأة ستر وجهها كما قال ابن عباس، ويحرم على الرجل النظر لوجه المرأة لريبة او قصد فاسد، واختلف في ستر قدميها على قولين. وقد تفاوتت عصور المسلمين واقطارهم في كيفية ما ابيح لهم من احتجاب المرأة تفاوتا له مزيد مناسبة لاحوال الاداب والمعارف الغالبة في عامتهم وفي نسائهم. وله مزيد تأثر بالحوادث الحادثة من اعتداء اهل الدعارة والوقاحة على المحرمات، فيجب ان يكون حال الاداب والتربية في بلاد الاسلام هو مقياس هذه الاحكام. وقال الشيخ الامام في الفتوى رقم: 76 من كتاب الفتاوى حول لبس الجلابيب قال تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله عفوا رحيما» جاء في التحرير والتنوير: والجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب اصغر من الرداء واكبر من الخمار والقناع، تضعه المرأة على رأسها فيتدلى جانباه على ذراعيها وينسدل سائره على كتفها وظهرها، تلبسه عند الخروج والسفر، وهيئات لبس الجلابيب مختلفة باختلاف احوال النساء تبينها العادات، والمقصود هو ما دل عليه قوله تعالى: «ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين». والادناء: التقريب، وهو كناية عن اللبس والوضع، اي يضعن عليهن جلابيبهن، وكان لبس الجلباب على شعار الحرائر، فكانت الاماء لا يلبسن الجلابيب، وكانت الحرائر يلبسن الجلابيب عند الخروج الى الزيارات ونحوها، فكن لا يلبسنها في الليل عند الخروج الى المناصع، وما كن يخرجن اليها الا ليلا، فأمرن بلبس الجلابيب في كل خروج، ليعرف انهن حرائر، فلا يتعرض اليهن شباب الدعار يحسبهن اماء، او يتعرض اليهن المنافقون استخفافا بهن بالاقوال التي تخجلهن فيتأذين من ذلك، وربما يسببن الذين يؤذونهن فيحصل أذى من الجانبين، فهذا من سد الذريعة. والاشارة بـ«ذلك» الى الادناء المفهوم من «يدنين» أي ذلك اللباس اقرب الى تعرف انهن حرائر بشعار الحرائر، فيتجنب الرجال ايذاءهن فيسلموا ويسلمن، وكان عمر بن الخطاب مدة خلافته يمنع الاماء من التقنع كي لا يلتبسن بالحرائر، ويضرب من تتقنع منهن بالذرة ثم زال ذلك بعد. «فتاوى الشيخ الامام محمد الطاهر ابن عاشور، جمع وتحقيق د.محمد ابن ابراهيم بوزغيبة ط: مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث دبي 2004 ص350 ـ 351» ـ جواب الشيخ بلحسن النجار (15): يجب على المرأة ستر وجهها وسائر بدنها عن الاجانب منها بحيث لا تظهر منها الا عيناها. قال تعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما». والجلباب هو ثوب اوسع من الخمار، وقيل هو الرداء، وادناؤه هو ان تلويه على وجهها حتى لا تظهر الا عين واحدة تبصر منها، وقيل لا تظهر الا عيناها. وقوله تعالى: «وأدنى أن يعرفن فلا يؤذين» أي حتى يميزن بين الاماء اللاتي يمشين حاسرات. ـ جواب الشيخ أحمد بيرم (16): يجب سترها كلها في وقت انتشر فيه الفساد، حتى الوجه والكفين، وتحديد العورة للحرة بكذا والامة بكذا منظور فيه لصحة الصلاة وبطلانها حال الانكشاف. ـ جواب الشيخ عثمان ابن الخوجة (17): الجواب عن السؤال (12) إن الذي نص عليه الفقهاء في فصل النظر واللمس من كتاب الكرهة والاستحسان هو ان الرجل لا ينظر الى غير وجه الحرة وكفيها، ومن خاف الفتنة فما عليه الا ان يغض بصره. قال تعالى: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم» الاية هذا حكم المسألة من الوجهة الفقية واما تحليلها من حيث الاخلاق والآداب العامة وبيان المعاني التي اشارت اليها النصوص الواردة في هذا الغرض فان الافهام اضطربت في ذلك فمن ثم رأيت ان اجيب عن هذا السؤال من هذه الجهة ايضا بما فيه نوع تفصيل. لا شك ان المرأة كالرجل لا فرق بينهما من حيث ان كلا منهما مضطر الى مد البصر واستنشاق الهواء، والتنقل من مكان الى اخر، والسفر لقضاء المآرب، او الاطلاع على صفات الكون وتنزيه النفس بشرط امن التعدي على كرامتها، وهذا القدر متفق عليه بين جميع العقلاء لا فرق بين من يدين بدين الاسلام وغيره وليس لنا دين من الاديان يجعل المرأة دون الرجل في شيء من ذلك. لكن بما ان الدين الاسلامي جاء مؤيدا ومقررا لما اتفق عليه جميع العقلاء من اهل المدنيات وهو المحافظة على الآداب العامة والتباعد من هتك ستار الحياء اوجب على المرأة حال بروزها بين العموم ان تستر من جسدها ما يستلفت انظار الرجال اليها بوجه خاص ولا ضرورة تدعو الى كشفه، وذلك كالصدر والمعصم والساق وبالجملة ماعدا الوجه والكفين والقدمين، حيث لا ضرورة تدعو الى كشف غير ما ذكر وقد اتفق العقلاء من اهل المدنيات على ان كشف غير ما استثني مخل بالمحافظة على الاداب العامة ومن لم يكن من اهل الدين الاسلامي يعترف بأن ما يفعله المتبرجات من نسائهم انما هو من انواع التهتك وصنوف الخلاعة. ثم لما كانت مبادئ الدين الاسلامي ما علم آنفا منع المرأة ايضا من ان تظهر بين العموم بادية الزينة متجملة بما تستميل به القلوب مثل تكحيل العينين وتزجيج الحواجب، واستعمال الطيب وما اشبه ذلك من مثيرات الشهوة الطبيعية. ولا يخفى ان ظهور المرأة بين الرجال بهذا المظهر لا يرتضيه اهل العقول السليمة لا فرق في ذلك بين المسلمين وغيرهم فمن ثم كانت تعاليم الدين في هذا الغرض مؤيدة لما اتفق عليه العقلاء من اهل المدنيات. ان تأييد الدين لما ذكر نزداد به يقينا بأنه ليس مقتصرا على التوحيد والعبادات، بل هو ملتفت نحو النظام الدنيوي الاجتماعي حاث على المحافظة على الاداب العامة بوجه خاص سالك مسلك التوسط، والاعتدال في جميع اجراءاته، فالمرأة مثلا لم يعطها حرية تبلغ بها حدّ التهتك والتبرج بين العموم ولم يسلب عنها حقوقها الحيوية بحيث يذرها موؤودة وهي بقيد الحياة. ولاشك ان هذا القدر يقبله جميع العقلاء بسعة صدر وكل اطمئنان. ان ما ينسبونه الى الدين الاسلامي من ارهاق المرأة بستر وجها بين العموم تقول عليه وشرع لما لم يأذن به الله منشؤه اندفاع بعض من المفسرين والفقهاء وراء تأثير القوميات والاوساط التي ينشؤون بها حتى اعتقدوا ان ستر المرأة وجهها بين العموم من الواجبات الدينية، واخترعوا لهذه العادة المحضة اسما مفخما سموه بالحجاب ونسبوا بعض آي الكتاب اليه اذ يقولون كان كذا قبل نزول اية الحجاب، بحيث ان الواقف على هذه الكلمات ينتقش في نفسه ان ارهاق المرأة بستر وجهها مما نص عليه القرآن بالصراحة ولشدة ما انطبعت نفوسهم بتأثير العادات القومية اقتحموا تفسير آي الكتاب العزيز بوجوه طبق ما يزعمون فحرفوا الكلام عن مواضعه وارهقوا فصيح الآيات بما ارهقوا به وجوه الغانيات، فمن مقدر لمضاف لا يقتضيه نظم الكلام الى مخرج اللفظ عن مدلوله اللغوي وهكذا. فخبطوا خبط عشواء وركبوا متن عمياء والانكى من هذا ان سموا قتلهم للروح القرآني دينا ولكن سبق الوعد بحفظه وما قتلوه يقينا. ثم لما كان من الامر ما علم وجب التعرض لبيان معاني الآيات التي ارهقت بما لا تطيقه قال تعالى: «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمورهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن». الخمار لغة ثوب تضعه المرأة على رأسها كالعمامة بالنسبة للرجل، والجيب شق في اعلى القميص ينفتح على النحر، فمعنى الآية حينئذ امرهن وقت البروز بين العموم بستر نحورهن واعلى صدورهن لان كشف ما ذكر بين عموم الناس، زيادة على كونه لا تدعو اليه الضرورة، مخل بصون الاداب العامة ومستلفت انظار الرجال اليهن اوجه خاص. فمن فهم ان الخمار اسم لما يغطى به الوجه فقد اخطأ لان غطاء الوجه يسمى برقعا فلو اريد ستر الوجه لقيل وليضربن ببراقعهن على وجوههن. «ولا يبدين زينتهن». الزينة اجلى من ان تعرف والمرأة منهية عن ان تظهر بها بين العموم الا ما كان ظاهرا لا يستلفت النظر بوجه خاص مثل نعل جديد ورداء حرير، فان الشرع ارقى من ان يلزم المرأة عند البروز بلبس نعلن مرقوع ورداء رث، بل منعها من ابداء الزينة الخفية المستميلة للقلوب واستثنى من كان التزين عادة من اجله وهو البعل ومن في اخفاء الزينة عنه تحرير للمرأة بسبب ضرورة المساكنة او ارتباط المصالح وهو من عداه من المذكور في الآية فمن قدر مضافا في نظم الكلام وصير المعنى ولا يبدين محل زينتهن وهو الوجه وما شاكله فقد ابعد لان تقدير المضاف لا يلتجأ اليه الا عند الاضطرار لتصحيح المعنى او قيام قرينة تدل عليه. ولا يخفى انتفاء الامرين هنا ويا ليت شعري كيف يفعل في الزينة المذكورة في آخر الآية عند قوله تعالى ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن فهل يقدر المضاف مرة اخرى ويقتحم التحريف وافساد المعنى او يبقيها على معناها ويمزق الاية حسبما يهواه. «يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن». الجلباب القميص وثوب واسع للمرأة دون الملحفة او ما تغطي به ثيابها من فوق كالملحفة او هو الخمار وايا ما كان فهو ليس اسما لما يغطى به الوجه خاصة وهو في الآية صالح لان يراد منه كل معانيه اذ سوق الاية للاعلام بأن المرأة مأمورة بادناء ثيابها من بدنها بحيث لا تنكشف اعطافها، وظاهر ان رخاء الثياب وتركها متباعدة عن البدن بحيث تبدو من خلالها اعطاف البدن ضربا من التبرج الممقوت عند كل العقلاء. فليس في الآية دلالة على اكثر من الحث على مراعاة الآداب واظهار العفاف وهو امر محمود عند العقلاء. ومن المعلوم ان المرأة اذا تظاهرت بالعفة قل طمع اهل الفساد في اقتفاء اثرها وقصروا من اذايتها بفحش الكلام وهذا صريح بقية الآية: «ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين». «وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب». سوق الآية للاعلام بأن من اراد سؤال شيء من ازواج النبي ليس له ان يلج عليهن في بيوتهن، اذ لا يخفى ان المرأة في بيتها قد تكون كاشفة عن شيء من بدنها او مشتغلة بتزيين وجهها او ما اشبه ذلك مما تفعله المرأة في خلوتها فيقبح بالرجل ان يلج عليها في حالة لا ترضى ان يراها الاجنبي ملتبسة بها، فامر الرجل اذا اراد سؤال متاع بأن يقف خلف الباب او الحائط او ما اشبه ذلك مما يكون حاجبا لها عنه حتى لا يخجلها. فالامر وان ورد في ازواج النبي غير مختص بهن لاطراد العامة كما لا يخفى فمن اراد ان يأخذ ستر الوجه بين العموم من هذه الاية فقد تكلف شططا، فقد ظهر مما تقدم بسطه ان ما هو جار بين بعض الناس من حمل المرأة على ستر وجهها بين العموم امر عادي محض وقومي صرف لا علاقة له بالدين اصلا ولا نقصد بهذا ان نحرض الناس على ترك عادتهم وتبديل قوميتهم كلا وانما الذي نقصده ان نحط عن كاهل الدين ما اثقلوه به غلطا واشتباها بسبب الاندفاع وراء التأثيرات القومية. ومن اغرب ما يسمع ان بعض الفقهاء بلغ به التطرف في هذا المقام حتى منع المرأة من الكلام بين العموم وادعى ان صوتها عورة يجب عليها ستره بين الناس ولو نظر في قوله تعالى: «فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا». لقصر من غلوائه وعلم ان النهي عن التليين والخضوع لان ذلك يستميل القلب اليها فنهيت عن ذلك وامرت بأن تسلك المسلك المتعارف بين الناس بحيث تكون بعيدة عن مظان الشبهات. قال تعالى: «وقلن قولا معروفا». وظاهر ان الامر هنا للاباحة، فالقرآن مصرح باباحة القول المعروف لهن، فالنص وان ورد في ازواج النبي، فالحكم  بتناول غيرهن لاطراد العلة كما لا يخفى(18). فالمجمع عليه عند الشيوخ الذين استفتاهم الطاهر الحداد هو ضرورة الستر، وان اعتمد البعض منهم على امكانية تغطية الوجه فان الارجح في هذه الازمان مثلما ألمع لذلك الشيخ ابن عاشور عدم الالتجاء لذلك والاكتفاء بتغطية الشعر دون الوجه والكفين. * وفي سنة 1941 طرح السؤال على الشيخ محمد البشير النيفر(19) ضمن مجموع، وهذا نص السؤال: «هل يجوز للمرأة المفاهمة مع رجل أجنبي عنها في أمر من الامور مكشوفة»؟ وكان جوابه كالتالي: يتلخص الكلام في الجواب عن هذا السؤال في نقطتين: 1 ـ كشف المرأة وجهها لأجنبي غير محرم 2 ـ وحديثها معه اما كشف المرأة وجهها ومثله كفاها فحرام عليها مع خوف الفتنة او قصد اللذة، ويجب عليها والحالة ما ذكر ستر وجهها وكفيها، وما ذكرنا من الوجوب هو الذي لابن مرزوق القائل: انه مشهور المذهب. ونقل الحطاب عن القاضي عبد الوهاب الوجوب ايضا، ومقابله ان ذلك لا يجب عليها، ولكن على الرجل غض بصره، نقل هذا كله الشيخ البناتي في حواشيه على الزرقاني في بحث ستر العورة. والمراد من الاجنبي، الاجنبي المسلم واما غيره فعورة المسلمة معه جميع بدنها، فيجب عليها ستره كله ولو مع عدم خوف الفتنة او قصد اللذة.. ثم تحدث الشيخ البشير النيفر عن صوت المرأة فبين ان حديثها للتعليم والبيع والشراء ونحوهما جائز..(20) وبعد اربع سنوات اي في سنة 1945 طلب من الشيخ محمد القروي(21) أن يلقي محاضرة بعنوان: « السفور والحجاب » ونظرا لطولها وغزارة علمها والمقارنة بين اراء المفسرين والفقهاء فيها، نشرتها المجلة الزيتونية في عدة حلقات (22)، جاء في مقدمة المحاضرة قول الشيخ محمد القروي: «.. لقد انتدبني رئيس جمعيتكم صديقي  الحقوقي الاستاذ الطيب غشام للقيام بمسامرة يكون موضوعها الحجاب والسفور، فترددت في اجابته وبقيت اقدم رجلا وأؤخر أخرى، لان موضوعا كهذا ليس بسهل التناول، اذ ترتبط به كثير من الشؤون الدينية الخلقية، وله اثر بيّن في الهيئة الاجتماعية، فهو امر هام قد تداولته الافكار قديما وحديثا، ومسألة خطيرة قد بسطت ووضعت تحت محك الانظار منذ زمن طويل، بل قد أفردت بالتأليف، واهتم بها المتأخرون اهتماما لم يحظ به غيرها من المسائل التالد منها والطريف. والحق يقال انها اعظم واهم من ان تكون موضوع مسامرة، وذلك لتشعبها وكثرة فروعها وغزارة مادتها وصعوبة مرامها وخطورة شأنها، وتحرج موقف المتكلم فيها،  واي موقف احرج واخطر من موقف رجل يقرر حقائق ويبدي اراء امام فريقين، اتجه احدهما الى التغالي المفرط في امر الحجاب، وسلك الى ذلك سبيلا لا يوافق عليه حديث صحيح ولا يرشد اليه نص صريح من أي كتاب. والآخر أباح السفور بدون قيد ورغب فيه، وقام حاثا عليه بكيفية تؤدي الى الفساد العاجل والعقاب الآجل، وتؤذن باضمحلال مكارم الاخلاق وتقوض صروح الفضيلة والانحطاط بها الى الدرك الاسفل من انواع الرذيلة، ولم يكن بين هذين الفريقين من تحلى بحلة التوسط والاعتدال، الا نفر قليل، فهؤلاء في رأيي هم الذين تحروا رشدا وسلكوا الى الغاية المطلوبة طريق الهدى.. * (أقول فحلة التوسط التي نادى بها الشيخ محمد القروي طيب الله ثراه منذ الاربعينات، هي التي دأبت عليها بلادنا وأمرت بالتوسط في اللباس والتمسك بالاصالة التونسية دون افراط ووضع البرقع مع الخمار والنقاب مع الحجاب، ودون تفريط والتفسخ والانحلال). ثم قدم الشيخ القروي تعريف الحجاب، وافاض القول في مسألة النظر وفي قضية غض البصر، ونقل شروح بعض المفسرين المتأخرين كالالوسي والغلاييني وقارن بينها، واهتدى الى جواز ابداء الوجه والكفين وستر كامل البدن.. * الحجاب من نواميس العمران: في نفس السنة ـ اي في سنة 1945 ـ ينشر الشيخ محمد الناصر الصدام(23) بحثا مطولا في المجلة الزيتونية، عنوانه: «الحجاب من نواميس العمران واسباب التناسل(24) ومما ورد في دراسته قوله: «.. ان السبب في تفاضل الامم الاسلامية في التمسك بالحجاب تابع لتفاضلهم في التخلق بخلق الحياء، فان الامة اذا لقنت ذلك في تربيتها الاولى وارتكزت عليه اصول تعاليمها بالغت في التحفظ بالحجاب والوصاية به، فلن يضرها دعاة السفور على وفرتهم وتزيينهم سوء عملهم».. الى ان قال ـ.. «ذلك ان علماء الشريعة مجمعون على ان وجه المرأة وكفيها ليس بعورة، كما انهم مجمعون على وجوب ستر الوجه عند خوف الفتنة وتوقعها.. ثم قام الشيخ الصدام بشرح آية الحجاب شرحا مستفيضا شفعه بأبيات شعرية كثيرة.. * فتوى الشيخ محمد المهيري الصفاقسي (25): سئل الشيخ المهيري حول حكم كشف المرأة لصدرها وعضديها امام اقاربها، فأجاب: اعلم ان المرأة لا يجوز لها ان يرى منها الاجنبي غير الوجه والكفين، وهذا مثل اخي زوجها، ومثل المرأة مع خال زوجها، ومثلها مع عمه وابن عمه وبقية اقاربه عدا والده، ولا يخلون بها وذلك الموت الاحمر. ويرى منها محارمها الوجه والاطراف، فيحرم النظر الى صدرها، وانما يرون منها ما فوق المنحر والقدمين والذراعين. اذا علمنا هذا الخلق الجميل الذي دعت اليه الشريعة، فكيف يحل للانسان ان يترك زوجته ينكشف منها ما امره الله بستره، والحال انها زوجة له لا لغيره، فماذا يقصد بابداء زينة زوجه لسواه؟ أفلا توجد فيه غيرة دينية، وعلى الاقل حتى حمية؟ ان الحيوان يغار على انثاه ان يدنو منها سواه، والنظر هو نوع من التلذذ.. وللتوضيح فان الشيخ المهيري من الشيوخ الذين اوجدوا سندا فقهيا للفصول الواردة في مجلة الاحوال الشخصية، والتي اوقعت جدلا علميا بين الفقهاء عند صدورها. * فتوى الشيخ محمد الهادي ابن القاضي: من الفتاوى الصادرة بعد استقلال البلاد فتوى مفتي الجمهورية في السبعينات الشيخ محمد الهادي ابن القاضي(26) الذي ورد عليه السؤال التالي: «أنا فتاة كثيرة التساؤل اعرف اشياء عامة عن ديني.. ولكني مع الاسف أرى من واقع مجتمعي اشياء مخالفة لواقع ديني، ثم نقلت آية النور، واضافت هل هذا امر ونص ثابت بتحريم ابداء زينة المرأة او وجهها او جسمها لأولي الاربة؟ نرى في المجتمعات العربية بصفة عامة ان النساء يخرجن مكشوفات، فهل هذا حرام؟ ارجو ان تجيبوني بأكثر دقة ممكنة، وتنبئوني كيف يمكن التوفيق بين الدين والعصر (سوسة). قال الشيخ ابن القاضي: «لا يجوز للمرأة ان تكشف عما سوى الوجه والكفين خوف الفتنة الا لضرورة، كالكشف عن موضع المرض للطبيب المعالج، الذي يتوقف العلاج منه على مشاهدة العضو المصاب بالمرض او غيره من جسم المريض، لتوقف العلاج عليه، وما جاز للضرورة يقدر بقدرها، وانما جاز الكشف والنظر الى الوجه والكفين من المرأة دون ما سواهما، لقوله تعالى: «ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها». قال علي وابن عباس رضي الله عنهما: والمراد بما ظهر منها في الآية موضعهما، وهو الوجه واليدان لانهما يبدوان منها عند الخروج لقضاء حاجتها في السوق، ومنعها من الخروج للسوق لقضاء ضرورياتها فيه حرج عليها، والحرج مدفوع بالنص. فالآية المذكورة نص على وجوب ستر المرأة ماعدا الوجه والكفين، وألحق بهما أبوحنيفة القدمين. واما ما سوى ذلك من اعضائها كالصدر والذراعين، فلا يجوز لها كشفه للاجانب الا لضرورة كما بيناه سابقا، وكون ذلك مخالفا لم يقتضيه حال العصر فهذا لا تأثير له على الحكم الشرعي، الذي ينبغي ان يكون المرجع فيه الى الكتاب العزيز والسنة المطهرة، وما كان عليه سلف هذه الامة، لمن كان يرجو الله واليوم الاخر(27). * فتويان للشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة: ورد للشيخ ابن الخوجة السؤال التالي: «هل السروال محرم ام جائز لباسه للمرأة في الصلاة وفي لباسها العادي؟ فأجاب: «ان كلمة السروال ويقال له لغة «السراويل» تطلق على نوعين: نوع واسع لا يحصر البدن وهو جائز بلا كراهة في الصلاة وغيرها. ونوع يحصر البعض من اجزاء البدن ولكنه يستر البدن سترا كافيا شرعا، وهذا النوع تصح به الصلاة مع قول بعضهم بكراهة ذلك. أما لباسه عادة فينكره بعضهم بدعوى انه من التبرج المغري، ولكن لا نعلم نصا شرعيا يحرمه مادام البدن مستورا، وتحريم امر بمجرد اجتهاد بعضهم لا يفتى به الا بدليل شرعي(28). ـ وسئل الشيخ محمد الحبيب بلخوجة مفتي الجمهورية في سنة 1984 قيل له: من المعلوم من الدين ان جسد المرأة كله عورة ماعدا وجهها وكفيها، هذا في الصلاة ولكن هل يجوز لها ان تعمل وتنشط وتمشي في الاسواق مستورة البدن باستثناء وجهها وكفيها ام لا؟ ـ الجواب: يجوز للمرأة ان تعمل وتنشط وتمشي في الاسواق مستورة البدن غير الوجه والكفين، ومها لا يدل على تبرج ممنوع روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قد أذن الله لكنّ أن تخرجن لحوائجكن»(29). * الخاتمة: الآن وقد تحصحص الحق، فان فتاوى وآراء شيوخ الزيتونة طيلة كامل القرن العشرين تطالب بستر المرأة ماعدا الوجه والكفين وبتنقلها للشغل والتجارة وغيرها دون ان تحدد الكيفية، والسلطة الحالية لم تخالف ذلك، ولكنها فضلت ارتداء الكيفية التونسية التقليدية المحتشمة فلا تناقض ولا تنافر والله الهادي الى سواء السبيل. *** الهوامش 1) راجع كتب اللغة: مادة خمر 2) مثلا: النووي الشافعي: المجموع: 171/1 ـ حاشية الصعيدي المالكي: 137/1 3) الموّاق: جواهر الاكليل على مختصر خليل: 52/1 4) ابن منظور: لسان العرب: مادة نقب + مادة وصوص 5) ألفيّومي: المصباح المنير: مادة برقع 6) راجع من التفاسير المالكية مثلا: تفسير يحيى بن سلام: 440/1 وما بعدها ـ أحكام القرآن لابن العربي: 1366/3 وما بعدها. و1573 وما بعدها ـ اضواء البيان في ايضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي: 126/6 وما بعدها و383 وما بعدها 7) أبوالعباس القباب: مختصر كتاب النظر في احكام النظر بحاسة البصر: تحقيق الدكتور محمد أبو الاجفان: 131 ـ 134: مكتبة التوبة 8) أبوجيب: سعدي: موسوعة الاجماع في الفقه الاسلامي: دار الفكر 9) جريدة الصباح 2006/10/14 10) جريدة الصباح: 2006/10/19 دون تعليق 11) الحداد: الطاهر: كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع: 92 وما بعدها: الدار التونسية للنشر 1977 12) الشيخ محمد الحطاب بوشناق من فقهاء الحنفية المتأخرين (1984) له بعض الفتاوى والدراسات المنشورة بالمجلة الزيتونية: راجع مجلة الهداية: س11 ع6: 1984 13) الشيخ محمد العزيز جعيط: شيخ الاسلام المالكي ووزير العدل التونسي ومفتي الديار التونسية (1970) لقد تخصصت في شخصيته: راجع كتابي: فتاوى شيخ الاسلام في تونس محمد العزيز جعيط واجتهاداته وترجيحاته: دار بن حزم بيروت: 2005 14) الشيخ الامام محمد الطاهر ابن عاشور شيخ الجامع الاعظم وفروعه (1973) له تآليف علمية كثيرة وهو مفخرة العالم الاسلامي في القرن العشرين: راجع فتاوى الشيخ الامام محمد الطاهر ابن عاشور: جمع وتحقيق صاحب هذه الورقة: طبع دبي 2004 15) أبومحمد بلحسن بن محمد النجار من كبار فقهاء المالكية بتونس (1953): مخلوف: محمد: شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: 429 رقم 1691 16) الشيخ أحمد بيرم شيخ الاسلام الحنفي وابن العلامة محمد بيرم الخامس (1935): الجحوي: محمد الثعالبي: الفكر السامي في تاريخ الفقه الاسلامي: 202/2 17) الفقيه المربي الحنفي عثمان ابن الخوجة (1933) راجع جريدة الزهرة عدد 8279: 1934 18) امرأتنا في الشريعة والمجتمع: 92 ـ 100 19) الفقيه المالكي محمد البشير النيفر له بعض الكتب المطبوعة (1974): مقدمة كتابه نبراس المرشدين: 5 20) المجلة الزيتونية ج7م4: 1941 21) العلامة الشيخ محمد القروي قاضي سوسة في الاربعينات والخمسينات ومن الشيوخ الذين قننوا مجلة الاحوال الشخصية عند استقلال البلاد. 22) راجع المجلة الزيتونية: المجلدان 6 ـ 7: 1945 23) الشيخ محمد الناصر الصدام شاعر وفقيه حنفي (1956): راجع مجلة الندوة س4 ع3: 1956 24) المجلة الزيتونية م6 ج1: 1945 25) الشيخ محمد المهيري باش مفتي صفاقس في الاربعينات (1973) راجع كتاب: فتاوى الشيخ محمد المهيري الصفاقسي: جمع وتحقيق الاستاذ حامد المهيري والدكتور محمد بوزغيبة س2002 ص199 26) الشيخ محمد الهادي ابن القاضي (1979) مفتي الجمهورية التونسية الثالث بعد الاستقلال، ومن مؤسسي المجلة الزيتونية، راجع الهداية س7 ع1: 1979 27) مجلة الهداية س2 عدد 3: 1975 28) مجلة الهداية س10 عدد 1: 1982 29) مجلة الهداية س11 عدد 3: 1984 (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 12 نوفمبر 2006)  


بمناسبة مرور 160 سنة على تحرير الرقيق في تونس:

إلغاء الرق نتيجة مباشرة لبقاء باب الاجتهاد مفتوحا

المدرسة الفقهية في تونس لم تنقطع عن الاجتهاد أبدا

نظمت «الجمعية التونسية «المعالم والمواقع» بالاشتراك مع مكتبة مدينة تونس دار بن عاشور جلسة تخللتها محاضرة القاها الأستاذ خليفة الشاطر عنوانها «الغاء الرق في تونس وذلك يوم الجمعة 10 نوفمبر الجاري بمقر مكتبة مدينة تونس» وقد ترأس الجلسة السيد زكريا بن مصطفى رئيس جمعية المعالم والمواقع فرحب بالحضور المميز والنوعي في كلمة وجيزة وضع فيها الموضوع في اطاره اذ قال ان اختيار الاحتفال بمرور 160 سنة على تحرير الرقيق في تونس 2006-1846 لم يكن اعتباطيا وانما يتنزل في مسار اعتزازنا بهويتنا وتاكيد رسوخ اقدامنا واجتهادنا في تقنين وتنظيم شتى مجالات الحياة لذلك كانت سنة2006 سنة الاحتفاء بالعلامة عبد الرحمان بن خلدون والاحتفال بمرور 50 سنة على صدور مجلة الأحوال الشخصية وعلى حصول تونس على الاستقلال. مدرسة الاجتهاد ويعتبر الغاء الرق او تحرير العبيد حدثا هاما اولا لتفرد تونس به منذ قرابة القرنين ولانه قرار جاء بعد فتوى وموافقة المجلس الشرعي الذي مكن احمد باي الاول من اتخاذ القرار. وهذا يقيم الدليل على ان المدرسة الفقهية في تونس دأبت على الاجتهاد ولم تنقطع عنه في كل فترات تاريخنا وهو ما مكن من التفتح على الحضارات وتخرج اطارات عليا في شتى العلوم كخريجي معهد الزيتونة. وباعطاء السيد زكريا بن مصطفى الكلمة للاستاذ خليفة الشاطر تحدث هذا الأخير في بداية محاضرته عن ظروف الغاء الرق في تونس سنة 1846 واكد  انها تختلف عن ظروف فرض عهد الامان على تونس ولم تفرضها اي اياد اجنبية بل انها انبثقت من حاجة داخلية واقتناع بعض رواد الحركة التحديثية في الايالة التونسية من امثال القاضي محمد بن سلامة بمدى المهانة التي تلحق بالانسان خلال عمليات البيع والشراء. ولعل ما يسر الغاء الرق في تونس هو انه قرار لم يكن يتعارض مع الشرع باعتبار سهولة وكثرة المخارج التي اوجدها الاسلام للتحرر من العبودية وصعوبة الدخول فيه(الحروب والقرصنة). من يدخل تونس يصبح حرا وقد تم تحرير العبيد في تونس على مراحل كهدم المحل المعد للبيع والشراء ومنع تجارتها في كل الاسواق التونسية وتصدير العبيد سنة 1841 ومنع استيراد العبيد 1842 واعتبار كل عبد يدخل التراب التونسي باية طريقة  حرا طليقا وفي هذا الظرف ايضا ظهرت فكرة تحرير العبيد والحاقهم بالجيش ليعوضوا ابناء الأحرار لكن الباي حررهم ورفض الفكرة التاثير الاجنبي تم الغاء تجارة الرق في انقلترا سنة 1833 وشمل بعض الدول الأوروبية الأخرى كفرنسا وايطاليا وتركيا ثم الولايات المتحدة 1865-1863. وقد كان لتأسيس «جمعية تحرير العبيد» في بريطانيا سنة 1839 التأثير الكبير على بقية الدول حيث اوفدت الجمعية احد اعضاءها الى مالطا طالبة من حاكمها مساعدتها على اقناع حكام شمال افريقيا بالغاء الرق ولكن هذه الحركة ومهما كانت قوية لم تفرض على باي تونس الغاء الرق ولم تسلط عليه اية ضغوطات ويذكر في هذا المجال ان قنصلا بريطانيا زار تونس يوم 29 أفريل 1841 ليقترح على احمد باي الغاء تجارة العبيد بقي متعجبا عندما لامس اقتناع الباي بالموضوع وعلم انه لا يملك اي عبد تواصل الفكرة الاجتهادية اندرجت عملية الغاء الرق في تونس في اطار ظهور فكر اصلاحي بداية من سنة 1817 حيث اقتنع بعض العلماء بضرورة الأخذ عن أوروبا واعترف بيرم الثالث مثلا في ذاك التاريخ بان العدوى خطيرة واثر على محمود باي فتمكن من انشاء الكرنتينا – لابعاد المرضى عن الاصحاء. وفي اوائل القرن التاسع عشر اقتنع بان الأرض كروية وشاركه محمد المناعي في ذلك وكان ظهور ديباجة محمد قبادو سنة 1844 منعرجا حاسما في تاريخ الفكر الاصلاحي في تونس وتواصل الفكرة الاجتهادية واعتمادها في اصلاح الأوضاع في الايالة التونسية. وظهرت فكرة الاعجاب بكل ما هو ات من الغرب وضرورة  الاخذ منه للانتصار عليه وتصادمت مع الفكر الرافض لكل ما هو قادم من الغرب وضرورة الابتعاد عنه وقد لاحظ الاستاذ خليفة الشاعر انه صحيح ان ظهور الفكر الاصلاحي وفر الارضية المناسبة المشجعة على الغاء الرق في تونس ولكن هذا لا يجب ان يحجب سببها الحقيقي وهو اقتصادي افرزه ما شهدته اوروبا من تحولات في جميع مجالات الحياة وتطور حركة التصنيع وانتشارها السريع مما أثر على التبادلات مع البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية هذا الوضع اثر بصفة مباشرة على التجارة الصحراوية في تونس (وهو الاسم الذي كان يطلق على تجارة الرق) اضافة طبعا الى كثرة وارتفاع الضرائب التي كانت تفرض على تجارة العبيد والمنافسة الحادة التي كانت تلقاها قوافل الغدامسية – المتنقلة بين تونس وبلاد الدارفور وخط الاربعين مرحلة الرابط بين تونس ومصر – مع قوافل الطرابلسية. وخلص المحاضر في النهاية الى انه مهما كانت الأسباب التي دفعت الى الغاء الرق في تونس (ايديولوجية ام اقتصادية) فان الفكرة قوبلت دون ردود فعل عنيفة اولا لاعتمادها على فتوى ومصادقة المجلس الشرعي عليها ثانيا لاقتناع رواد الحركة الاصلاحية بضرورة بقاء باب الاجتهاد مفتوحا لان الله هو الذي فتحه مما جعله فريضة قائمة مع الالتزام بشروطه طبعا. شفعت المحاضرة بنقاش اثنى خلاله الحاضرون على فكرة التطرق للموضوع في هذه الفترة بالذات وعلى تنزيل المحاضر لعملية تحرير العبيد في نطاق اقتصادي عالمي اذ اكد على ان حركة الغاء الرق في الخارج مظهرها اديولوجي ولكن سببها الحقيقي اقتصادي. علياء بن نحيلة (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 12 نوفمبر 2006)


تسارع البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية

توفيق المديني
في الوقت الذي حلم فيه المسؤولون الفلسطينيون  أن تصبح غزة ألدورادو جديد بعد انسحاب المستوطنين الصهاينة و الجيش الصهيوني في صيف 2005، تحولت هذه الأخيرة إلى سجن مكشوف في العراء، ومعزولً كليا عن العالم ، بما أن الحدود البحرية و البرية ، و الجوية ، يسيطر عليها الكيان الصهيوني . فالفلسطينيون الذين يعانون  من حصار مالي دولي من قبل الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية  على الحكومة الفلسطينية، ومن مخاطر تفجر الصراع بين حركتي فتح و حماس الذي ينذرباندلاع حرب أهلية فلسطينية،لا يزالون غير متمتعين بحرية الخروج والدخول من وإلى القطاع إلى مصر أو إلى الضفة الغربية حيث العديد من أقاربهم وعائلاتهم وأعمالهم. كما أن الكيان الصهيوني لم يترك المعابر أمام الفلسطينيين ، الأمر الذي حول قطاع غزة إلى سجن كبير. 
وبالمقابل ، استمر الاستيطان على أشدّه في الضفة الغربية، و تكثف أكثر خلال الحرب الصهيونية التدميرية على لبنان صيف هذا العام. وعلى مدى  الشهور الستة الأخيرة، كان مستقبل المستوطنات الصهيونية  في الضفة الغربية عرضة للتقديرات المتقلبة.فعند انتخابه رئيسا لحزب « كاديما » قبل ستة أشهر، قال إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الصهيوني الحالي، أنه سوف يتبع « خطة إعادة تجميع  » تسمح له بمواصلة نهج الانسحاب أحادي الجانب الذي ابتأه أرييل شارون. ففي شهري يوليو و آب ، و بينما كانت المعارك مشتعلة بين حزب الله و الكيان الصهيوني،واصل المستوطنون الصهاينة تطوير المستوطنات غير المرخصة في الضفة الغربية.ويندد منسق حركة السلام الآن درور إتكيس في تقريرنشر يوم 3 أكتوبر الجاري ، بما يجري في الضفة الغربية، حيث أنه ليس فقط أن المستوطنات غير المرخصة لم تزل كما وعدت الحكومة الصهيونية بذلك، بل إنها استمرت في التوسع، مستغلة انشغال الصحافة و المجتمع الدولي بالحرب في لبنان.
فمن أصل 150 مستوطنة غير مرخصة تم رصدها، شهدت 31 منها أعمالا تطويرية، لا سيما شق و بناء طرقات ، و عمليات حفر لبناء منازل جديدةمتحركة  أو بنايات قوية.فقد أعطت الحرب في لبنان للحكومة الذريعة التي كانت  في حاجة إليها،  لكي لا تقوم بإزالة المستوطنات غير المرخصة ،و تطور المستوطنات الأخرى.
وحسب هذا التقرير،فإن أكثر من 3525 منزلا هم الآن قيد البناء في الضفة الغربية، مقابل 4144 في العام الماضي خلال الفترة عينها.و وتبعا لإحصائيات نشرتها  صحيفة هاآرتس  نقلا عن دائرة المسجل العام للسكان، فقد ازداد عدد سكان المستوطنات في الضفة الغربية بنسبة 5،3% خلال الفترة الممتدة ما  بين يونيو 2005 و يونيو 2006،  أي ما يقارب 14000 مستوطنا، يضاف إليهم 9300 من المولودين الجدد.وحسب إحصائيات وزارة الداخلية الصهيونية  المنشورة في نهاية أغسطس الماضي ،هناك 260000 صهونيا يعيشون في الضفة الغربية، أي بزيادة 7000 قبل ستة أشهر، و هوما يعادل زيادة بنحو 2،7%. إلى جانب هؤلاء المستوطنين ، يضاف إليهم  190000 مستوطن صهيوني  استقروا في القدس الشرقية ، التي ضمتها « إسرائيل » في عام 1967، و حيث تستمر فيها  مشاريع التوسع للمستوطنات اليهودية.
ومع بداية شهر سبتمبر ، جرت مناقصات لبناء ما يقارب 700 مسكنا في ذلك القطاع، منها348 مسكنا في معالي أدومين ، شرق  المدينة المقدسة، و 342 مسكنا في بيتار إليت ، قرب بيت لحم. وتعد المدينة الأولى 37000ساكنا ، و الثانية 27000ساكنا. وفي 21 سبتمبر الماضي  أعلنت وزارة الإسكان الصهيونية  أيضا عن إجراء مناقصة لبناء 164 مسكنا في الضفة الغربية، منها 88 في آرييل، أهم تجمع استيطاني يقطنه 17000 مستوطنا ، منغرس بعمق- 25 كيلومترا- داخل الضفة الغربية ، جنوب نابلس.وتقول حركة السلام الآن ، أن استدراج العروض بلغ 952 ، منذ بداية هذا السنة مقابل 235 من نفس الفترة للسنة الماضية، إذ بلغ المجموع 1184 وحدة سكنية.
ويواجه الكيان الصهيوني تحديا صعبا. فهناك جيل جديد من الصهاينة نشأ في المستوطنات و يرغب في البقاء فيها. وخلال السنوات ال58 التي تشكل عمر الكيان، مارست « إسرائيل » السيطرة على الضفة الغربية لمدة أربعة عقود كاملة.وقال شمعون بيريز ، نائب رئيس الوزراء الصهيوني و أحد مهندسي اتفاقات أوسلو، أن مشكلة المستوطنات واحدة من اصعب المشاكل التي تواجه رئيس الوزراء أولمرت و أن » من غير الممكن منع أبناء المستوطنين من بناء مساكنهم ».
« إسرائيل » غير مستعدة لإخلاء الضفة الغربية من الاحتلال والمستوطنين، بل إن  الاستيطان يتوسع في الضفة الغربية بمعزل عن الوعود الكاذبة للحكومة الصهيونية، و في انتهاك صارخ ل »خريطة الطريق »  المقترحة من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوربا وروسيا، و التي كانت تفترض إقامة دولة فلسطينية في عام 2005. ونحن الآن في نهاية 2006 من دون أن يلوح أي أفق حقيقي لهذه الدولة الفلسطينية. ولا تكمن المشكلة في غياب هذا الأفق فقط بل نلاحظ أنه لا أمريكا ولا الاتحاد الأوربي ولا أي من الأسرة الدولية يمارس الضغوطات المطلوبة على الكيان الصهيوني  لدفعه للتفاوض من أجل الانسحاب من باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
ولكن إذا واصلت « إسرائيل » سياسة تشجيع الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية، و استمرالصراع  بين حركة حماس و حركة فتح ، على خلفية تشكيل حكومة  وحدة وطنية ، تحترم الاتفاقات التي وقعتها المنظمة، بما في ذلك المبادرة العربية للسلام ، و الالتزام بها كقاعدة للحل أو التسوية بين الجانبين الصهيوني و الفلسطيني، و هما حلان رفضتهما حماس و الحكومة في هذه المرحلة، و طرحت بديلا عن ذلك تكوين دولة فلسطينية في حدود الأراضي المحتلة عام 1967، و إقامة هدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني ،فإن الرئيس محمود عباس سيذهب  إلى القيام بانتخابات تشريعية و رئاسية مبكرة، وهذه العوامل مجتمعة ستعبد الطريق أمام العودة إلى العمليات المسلحة أو اشتعال انتفاضة فلسطينية ثالثة.
صحيفة الخليج ، رأي ودراسات 2006-11-12 


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.