الأحد، 1 يوليو 2007

Home – Accueil الرئيسية

 

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2595 du 01.07.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات:الحزب الديمقراطي التقدمي:بيان نهضة إنفو: معاناة المساجين تتواصل فصولا طلبة تونس : أخبار الجامعة الحياة: مجلس وزراء الداخلية العرب: المخدرات أحد الموارد الرئيسية للإرهابيين الصباح: بعد الحملات الانتخابية الباردة:هل تحدّد الجلسة العامة هوية العميد الجديد للمحامين… أم تكون الكلمة للتحالفات؟ الصباح: الجلسة العامة للمحامين:تقرير أدبــي ساخــن وتقرير مالي مثيــر.. وبورصة الانتخابات تتجه نحو 4 مرشّحين الجزيرة.نت: نجم يشدو أمام التونسيين بعد سنوات من المنع الحياة: مدينة طبرقة التونسية تستعد لـ4 مهرجانات موسيقية في أقل من شهر ا ف ب: ساركوزي يزور الجزائر وتونس والمغرب الاسبوع المقبل رشيد خشانة: ساركوزي يُسوّق مشروع «الإتحاد المتوسطي» في العواصم المغاربية الموقف: وجهة نظر: السلطة و المجتمع المدني: بين الاتصالات السرية و إرادة المصالحة الموقف: هيئة 18 أكتوبر تكثف من نشاطها في الداخل والخارج صوت الشعب: الذكرى 20 لاستشهاد نبيل البركاتي:الدكتاتورية تمنع إحياء اليوم الوطني لمناهضة التعذيب صوت الشعب: الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان:ما المطلوب لتحريك الوضع؟ صوت الشعب: تردي الأوضاع الاجتماعية صوت الشعب:الدكتاتورية تمتهن العلم والمعرفة مواطنون: من حصاد العام الدراسي: تكريم أو تهريس المربين مواطنون:علاقة الأولياء بالأبناء : »غياب القدرة وتفشي التسيّب والتفسّخ الأخلاقي وانسداد قنوات الحوار والتّواصل «  مواطنون: :علمني … علمني درس في محو الأمية:صحوة الدراويش مواطنون:  :حـُرّيـة الشعب: هزيمـــة 67 وأزمـة اليســـار الـعـربـــي الشعب: أيعقل هذا ونحن بصدد البحث عن حل لمشكلة البطالة:متقاعدون يشتغلون ومتخرجون قاعدون !! تونسي: رد على صاحب السواك الحار الأوان » تحاور فتحي بن الحاج يحيى، أحد مؤسسي « جمعية الدفاع عن اللائكية » في تونس برهـان بسيّـس: أسئلـة حـول المدرسـة


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الحزب الديمقراطي التقدمي بيان
تونس في 30 جوان 2007
عمدت السلطة مرة أخرى إلى انتهاك حرية الاجتماع والنشاط السياسي لحزبين شرعيين وهما الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الذين دعيا إلى اجتماع مشترك حول  » حرية الضمير والمعتقد  » بعد ظهر يوم الجمعة 29 جوان 2007 بمقر التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات. فقد أحاطت أعداد غفيرة من قوات الأمن المرتدية للزي المدني مقر الاجتماع ومنعت شخصيات تونسية من المشاركة فيه من بينها السيد لطفي حجي نقيب الصحافيين التونسيين والسيد علي العريض السجين السياسي السابق والناطق الرسمي السابق باسم حركة النهضة فيما رابضت فرق مكافحة الشغب على مقربة من المقر للتدخل عند الحاجة. ورغم المحاولات المضنية التي طالت أكثر من الساعة ونصف الساعة لإقناع مأموري الأمن باحترام القانون والسماح لمن يريد المشاركة في هذا الاجتماع الشرعي بأن يفعل ذلك دون اعتراض منهم فقد أصروا على منع السيد لطفي حجي من دخول المقر معللين ذلك « بالتعليمات » الصادرة إليهم من رؤسائهم دون تقديم أي سبب شرعي أو قانوني. وقد اضطر السيد لطفي حجي في الأخير إلى الانسحاب مصحوبا بعدد من الشخصيات التي تضامنت معه من بينهم السيد حمة همامي و راضية النصراوي المرشحة لعمادة المحامين والسيد علي بن سالم وقد تعرض الوفد المغادر إلى الدفع في شارع جمال عبد الناصر بالعاصمة ما انجر عنه سقوط السيد علي بن سالم، رئيس جمعية قدماء المقاومين، أرضا وفقدانه لوعيه لوهلة من الزمن وهو الشيخ المسن البالغ من العمر أكثر من خمس وسبعين عاما وسبق الحكم عليه بالإعدام من طرف السلطات الاستعمارية من أجل نشاطه الوطني حتى تنعم تونس بالحرية كما تعرض السيدان لطفي حجي وحمة الهمامي الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي إلى الاعتداء بالخنق والركل من طرف أعوان الأمن على مرأى ومسمع من المارة. إن إمعان السلطة في منع الاجتماعات السلمية والدائرة في نطاق القانون السائد رغم طابعه المجحف يؤكد مرة أخرى بأنها ماضية في مصادرة أبسط الحريات الفردية والعامة وأنها لا تقبل سوى بتعددية شكلية محصورة في المقرات الضيقة وتحت الرقابة اللصيقة لقوات لفرق الأمن السياسي ويأتي هذا الإمعان في وقت تستعد فيه السلطة لإحياء الذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية في 25 جويلية 2007 والتي لم يعرف منها التونسيون سوى الاسم. وتجدر الإشارة من جهة أخرى إلى أن الحزبين لم يتمكنا من الحصول على قاعة عمومية أو حتى قاعة بأحد فنادق العاصمة لإحياء الذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية يوم 7 جويلية القادم مما اضطرهما إلى الدعوة إلى عقدها بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي وهو ما يعد تعديا صارخا على حرية الاجتماع والنشاط السياسي وينبئ بالتضييقات التي تعدها الحكومة لشل هذا الاجتماع وافشاله. إن الحزبين الممضيين على هذا البيان إذ ينددان بما تعرضا له من تضييق على نشاطهما واعتداء على حريتهما يرفعان أشد الاحتجاج على ما تعرض له السيدان لطفي حجي وعلي العريض من اعتداء على حقوقهما كمواطنين تونسيين لهما كل الحق في المشاركة في الحياة العامة وقد دفعا في السابق تضحيات غالية من أجل الدفاع عن هذا الحق لهما ولكل المواطنين. ويطالب الحزبان الحكومة بالكف عن هذه الممارسات المخلة بالقانون وأن تحترم حرية المواطنين وحرية الهيئات الاجتماعية والسياسية بعيدا عن كل استبداد بالسلطة وهما يناشدان المواطنين والنخب منهم على وجه الخصوص كي يتعبؤا ويدافعوا عن حرية الاجتماع والمشاركة في الحياة العامة و أن يشاركوا بكثافة في الاجتماع المزمع عقده يوم 7 جويلية 2007 بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي قصد المطالبة بإصلاحات سياسية جذرية تنهي حالة الاستبداد وترسي جمهورية ديمقراطية حقة تكفل الحريات وسيادة القانون والفصل بين السلطات والتداول السلمي على الحكم. تونس في 30 جوان 2007 عن الحزب الديمقراطي التقدمي الأمينة العام مية الجريبي
عن التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الأمين العام مصطفى بن جعفر
 
(المصدر: موقع الحزب الديمقراطي التقدمي تصفح يوم 1 جويلية 2007)

معاناة المساجين تتواصل فصولا

 
في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع خطوات ايجابية من السلطات التونسية تجاه المساجين الإسلاميين تأتي الأخبار بعكس ذلك. فعائلة الهاروني وخلال زيارتها الأخيرة ليوم 28 جوان لابنها القيادي الإسلامي عبد الكريم  وجدته في حالة إرهاق وإعياء شديدين كانا باديين على وجهه وحركاته وقد أعلمهم أن قائمة الممنوعات تزداد طولا من زيارة لأخرى وأنه يعيش مضايقات شديدة كما أعلمهم انه يعاني من مشكل سوء التغذية المتعمد. وهي نفس الملاحظات تقريبا التي نقلها الأخ والقيادي الإسلامي رضا بوكادي لعائلته في زيارتها الأخيرة.
(المصدر: موقع « نهضة إنفو »، تصفح يوم 1 جويلية 2007)


السنة الأولى العدد رقم 30 السبت 30 جوان 2007


طلبة تونس WWW.TUNISIE-TALABA.NET

أخبار الجامعة

باكالوريا 2007  : 013 57  طالب جديد ….. و البقية تأتي …

 عدد المترشحين :  195 143

عدد الناجحين   :   011 57

 عدد المؤجلين لدورة المراقبة :  672 56

المترشحون من المعاهد العمومية : 236 109 

 الناجحون من المعاهد العمومية : 360 53  

 نسبة النجاح العامة بالمعاهد العمومية :   48,83   في المائة       

 المترشحون من المعاهد الخاصة :  901 26

عدد الناجحين من المعاهد الخاصة : 651 3

نسبة النجاح بالمعاهد الخاصة :   13,57  بالمائة

و قد سجلت المعاهد العمومية في مختلف الولايات نسب نجاح متفاوتة و ذلك حسب الجدول التالي :

  عدد الناجحين

نسبة النجاح

الـــــولايـــــــــة

5321

  % 67,97

1 – صفاقــس :

3286

 % 57,92

 2 -نابـــل

2430

56,73%

3 – أريانـة

2665

% 55,93

 4 – المنستيـر

2999 

% 55,86

5 – سوســة

1736

 % 55.09 

 6 – المهديــة

 

%  54,91

7 – تونــس

 2976 

%  51,66

 8 – بن عـروس

2359

%  49,68

9 –  مدنيـــن :

2638

%  48,46

10 – بنــزرت :

 

%  48,35

11 – منوبــة :

651

%  47,51

12 – تــوزر :

2069

%  46,71

13 – قابــس :

2195

 %  44,93

14 – القيـروان :

 1274

%  44,67

15 – باجـة :

1610

% 43,02

16 – الكـاف :

1145

%  41,61

17 – سليانـة :

2151

%  39,48

18 – سيدي بوزيد :

1830

%  38,83

19 – جندوبـة :

1047

%  37,22

20 – قبلـي :

 

%  34,9

21 – القصـرين

890

%  34,11

22 – تطاويـن : 

 

 

 

   WWW.TUNISIE-TALABA.NET

 المدرسة العليا للتجهيز الريفي بمجاز الباب : إجراءات تعسفية للإدارة .. و اعتصام للطلبة …

 شهد محيط المدرسة العليا للتجهيز الريفي بمجاز الباب يوم الإربعاء 27  جوان 2007  تواجد كثيف لقوات البوليس علىإثر قيام الطلبة بتنظيم اعتصام مساندة لزميلهم محمد اللافي الذي تعرض إلى مظلمة من قبل الإدارة أحالته بموجبها على مجلس التأديب

و يأتي هذا الإجراء التعسفي بعد حصول خلاف بين مدير التربصات و الطالب المذكور حول موضوع  مشروع التخرج حيث رغب هذا الأخير في تغيير موضوع المشروع  projet de fin detude و لكن جوبه مطلبه بالرفض و ذهبت الإدارة أبعد من ذلك حيث اتهمته – زورا و بهتانا – بالتهجم على عون إداري

و قد ندد الطلبة بإجراءات الإدارة التعسفية وأكدوا وقوفهم اللامشروط مع زميلهم الذي يشهد له الجميع بالإستقامة و حسن الخلق وهو بريئ من التهمة الكيدية الموجهة له

و من المهازل الحاصلة في هذه القضية أن ممثلي الطلبة في المجلس العلمي – وهم دساترة – رفضوا الدفاع عن زميلهم بعكس إجماع كل الطلبة على ذلك

و تبعا لصمود و إصرار جماهير الطلبة التي وقفت وقفة رجل واحد مع زميلهم تمت تسوية الموضوع …

 كلية العلوم الإقتصادية و التصرف بتونس :

 تمكن 111  طالبا من ضمن 253 يدرسون بالسنة الثالثة في اختصاص الإعلامية المطبقة في التصرف  من النجاح في امتحانات الدورة الرئيسية أي بنسبة 43,87   في المائة

مسجد المركب الجامعي بتونس : مرور خمس سنوات على الإغلاق ….

 بحلول 5  جويلية 2007  يكون قد مر على إغلاق مسجد المركب الجامعي خمس سنوات كاملة حيث أقيمت فيه آخر صلاة جمعة يوم 5 جويلية 2002

و كان المبرر المقدم من قبل السلطة آنذاك لتعطيل إقامة الصلاة فيه هو  » إجراء إصلاحات ضرورية  »  و لكن اتضح – و منذ الأسابيع الأولى – أن ذلك كان مجرد تعلة واهية و أن القرار الغير معلن يتمثل في إغلاقه إلى أجل غير مسمى وقد تسبب ذلك الإجراء في صعوبات جمة للطلبة الذين يدرسون بالمركب الجامعي نظرا لالتزاماتهم الدراسية مساء يوم الجمعة حيث أن أغلب الدروس تنطلق على الساعة الثانية ظهرا …..  

  ( ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه و سعى في خرابها  أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين )     صدق الله العظيم

المتفوقون في باكالوريا 2007 : كلمات لها دلالات …

 – عزة العرفاوي : عمرها 19  سنة وهي تدرس في شعبة الرياضيات بالمعهد النموذجي بأريانة وتحصلت على معدل 19,64  تقول عزة : أكره برامج تفريخ النجوم و تلفزيون الواقع أمثال  » ستار أكاديمي  » و غيرها و أتمنى لو أن هذه البرامج تزول من الوجود لأنها تساهم بشكل كبير في تمييع الشباب و تحييدهم عن الفن الراقي و الأخلاق النبيلة ..

 المروج : تلميذ يعبر عن قناعاته المسيحية خلال حصة الإمتحان …

 في أحد معاهد مدينة المروج بتونس العاصمة و خلال الأسبوع المغلق للثلاثية الأخيرة من السنة الدراسية المنقضية ( 2006 – 2007 ) تقدم الأستاذ المراقب نحو أحد التلاميذ – وهو مرسم بالسنة ثالثة تقنية – ليعطيه ورقة الإمتحان فما كان من هذا الأخير – و أمام دهشة الأستاذ و استغرابه – إلا أن قام برسم حركة التثليث التي ترمز إلى اعتناقه للمسيحية 

 طالبة تتعرض للإغتصاب تحت تهديد السلاح :

في حدود الساعة الثالثة فجرا و عند مغادرتها لأحد الملاهي الليلية بمدينة الحمامات صحبة ثلاثة من زملائها تعرضت طالبة تبلغ من العمر 24  سنة إلى مغامرة مروعة كان من نتائجها أن وقع اغتصابها تحت تهديد السلاح من قبل منحرفين كانا يترصدانها و لم يشفع لها وجود زملائها الثلاث في إنقاذها بل أطلق هؤلاء سيقانهم للريح لينجوا بجلودهم ….

و قد أحيل المجرمان بحالة إيقاف يوم الإربعاء 20  جوان 2007  على أنظار النيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بقرنبالية بتهمة تحويل وجهة أنثى تحت التهديد و اغتصاب أنثى دون رضاها و مسك و حمل و استعمال سلاح أبيض دون رخصة …

طالب يموت غرقا في البحر :

 من المآسي التي تحصل سنويا خلال فترة الصيف غرق العديد من الشبان في البحر لسبب أو لآخر و هذا ما حدث يوم السبت 23  جوان 2007  لطالب أصيل منطقة سيدي الظاهر من معتمدية بوعرقوب ( ولاية نابل ) و يدرس بالسنة الثالثة حيث لم يبق له سوى عام واحد على التخرج و لكن تلك مشيئة الله و لا راد لقضائه

و كان الطالب – و بعد الإنتهاء من الإمتحانات التي كللت بالنجاح – قد قرر استغلال فرصة العطلة الصيفية للعمل مع مقاول في الدهن قصد توفير مصاريف السنة الدراسية القادمة خاصة و أن عائلته فقيرة الحال فانتقل إلى مدينة سليمان حيث اشتغل لعدة أيام 

و بسبب ارتفاع درجة الحرارة قصد في اليوم المشار إليه شاطئ سليمان للسباحة و لكنه – رحمه الله – توفي غرقا في حدود الساعة العاشرة صباحا

 و في الختام :

  » إن عدد العرب الذين يواصلون تعليمهم العالي في الخارج أعلى بجميع المقاييس ، و أكثر بدرجة كبيرة بمقياس نصيب الفرد من الخريجين من أي من الصين أو الهند : فقد كان 120  ألف عربي يدرسون في الخارج في عام 1999  مقابل 106  آلاف صيني و 53  ألف هندي . و قد كان نحو 85  بالمائة من الطلاب العرب يواصلون دراساتهم العليا . و أقدر أن العرب يحوزون 10 آلاف درجة دكتوراه أو أكثر سنويا من جامعات الخارج .  

 أنطوان زحلان – المستقبل العربي : السنة 27  – العدد 307

WWW.TUNISIE-TALABA.NET

 

 

مجلس وزراء الداخلية العرب:

المخدرات أحد الموارد الرئيسية للإرهابيين

 
تونس – الحياة     نتيجة خطأ تقني، نشرت «الحياة» أول من أمس رسالة من تونس عن اجتماع لوزراء الداخلية العرب، والصحيح أن الاجتماع ضم رؤساء أجهزة مكافحة المخدرات وركز أعماله على علاقة الإرهاب بشبكات الاتجار في المخدرات، وهُنا التقرير: أكد الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور محمد علي كومان (سعودي) أن إيرادات الاتجار في المخدرات «تشكل أحد الموارد الرئيسية للعصابات الإرهابية التي تستثمرها لتنفيذ مخططاتها إن من خلال إغراء المجندين مالياً أو عبر شراء أدوات القتل والتدمير، فضلاً عن النفقات الأخرى». وكان كومان يتحدث في المؤتمر العربي العشرين لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات في البلدان العربية الذي أنهى أعماله الخميس في تونس. وشدد كومان على أن انتشار المخدرات «بات يشكل هاجساً كبيراً لنا جميعاً»، وحض على مجابهته «من خلال سياسة متكاملة تتعامل في صورة متوازنة مع الوجوه المتعددة للمشكلة»، وبخاصة تعزيز أجهزة مكافحة المخدرات بالعناصر المقتدرة (…) من دون التأثر بالضغوط والإغراءات أياً كان مصدرها وحجمها». واقترح إخضاع عناصر مكافحة المخدرات لدورات تدريبية متكررة لتعزيز الجانب التقني والأمني لديها إضافة إلى «ترسيخ الجانب الديني والأخلاقي بما يضمن المقومات اللازمة لمكافحة المخدرات من دون هوادة». إلا أنه شدد على ضرورة تحسين الأوضاع المادية والمعنوية لجميع العاملين في هذا المجال وتأمين المعدات والتقنيات الحديثة لهم. وحض على إيلاء عناية خاصة لشبكة الانترنت التي قال إنها «باتت تشكل أداة مهمة في يد كل التنظيمات الإجرامية ومن ضمنها عصابات المخدرات لتسهيل عملياتها وتنفيذ أهدافها». واقترح إيجاد الوسائل التقنية والقانونية «التي تتيح تعطيل دور الانترنت في تفاقم مشكلة (انتشار) المخدرات». وأشار إلى أن المناطق التي تنتعش فيها زراعة المخدرات «غالباً ما تتسم بالمعاناة الكبيرة والحرمان من الخدمات الاجتماعية الضرورية»، ورأى أنه لا يمكن التصدي للظاهرة من دون الاهتمام بالتنمية الشاملة ومساعدة سكان المناطق الفقيرة والمُهمشة على توفير فرص العمل وبخاصة للشباب.
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 1 جويلية 2007)

 


اختتام السنة الجامعية بالأكاديمية البحرية

 
احتفلت الاكاديمية البحرية بمنزل بورقيبة يوم الجمعة باختتام السنة الجامعية وتخرج كل من دورة الطاهر الحداد للمتحصلين على شهادة ضابط ودورة أمير اللواء عبد العزيز سكيك للمتحصلين على الشهادة الوطنية لمهندس والدورة الرابعة للأستاذية في التكنولوجيا البحرية التجارية. ولاحظ السيد كمال مرجان وزير الدفاع الوطني الذي أشرف على هذا الحفل أن النتائج الطيبة التي حققتها هذه الأكاديمية تترجم عما أصبحت تتمتع به من مستوى مرموق في مجال التكوين.وأن نجاحها في هذا المجال هو ثمرة تضافر جهود كافة إطارات التدريس والتأطير والتسيير والتلامذة الضباط الذين ثابروا في طلب العلم والتشبع بالقيم النبيلة والمبادئ السامية. وأشار الى أن الأكاديمية البحرية علاوة على حصولها منذ ديسمبر 2005 على شهادة المطابقة للمواصفات العالمية في مجال التكوين « ايزو9001 » التزمت بتطبيق متطلبات الاتفاقيات الدولية في مجال التكوين لفائدة البحرية التجارية مما يضمن إدراج تونس في القائمة البيضاء والاعتراف بالشهادات المسلمة من هذه المؤسسة عند الإرساء بالموانئ الأجنبية . وكان وزير الدفاع الوطني تولى قبل ذلك تقليد خريجي الأكاديمية شارات الرتب الجديدة وتسليم الجوائز والشهادات الى المتفوقين منهم ثم اطلع على مشاريع بحوث انتهاء الدراسة . (المصدر: موقع « أخبار تونس » (رسمي) بتاريخ 30 جوان 2007)
 
 


الشياطين!
 
آخر صيحة طلع بها علينا بعض الشبّان… هي تكوين طائفة يطلق عليها «عبدة الشيطان»!! إنّّها مجموعة تنهى عن الخير وتأمر بالشر… فكيف يمكن وضع حدّ لهذا الخطر؟ الرأي عندي أن نغتنم فرصة الحج لاستئصال أذاهم… فنزجّ بهم في رمي الجمرات قرب «مولاهم». محمد قلبي
 
(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 30 جوان 2007)
 

الجلسة العامة للمحامين:

تقرير أدبــي ساخــن وتقرير مالي مثيــر.. وبورصة الانتخابات تتجه نحو 4 مرشّحين

 
تونس ـ الصباح – بتأخير ناهز الساعة ونصف الساعة، انطلقت امس الجلسة العامة للمحامين بفندق المشتل بالعاصمة وسط حضور مكثف للمحامين بلغ ما يزيد عن ألفين و500 محام من مجموع نحو 6 آلاف محام مرسمين بالجدول.. وقال الاستاذ عبد الستار بن موسى العميد المتخلي للمحامين في كلمته الافتتاحية للجلسة العامة، بأن العمادة دافعت بكل ما أوتيت من قوة عن استقلالية المهنة إزاء كل توظيف حزبي أو سياسي. واستعرض بن موسى تحركات العمادة خلال المدة النيابية الماضية، فلاحظ أنه تم تزويد جميع المحاكم بوسائل الاتصال الحديثة، وأوضح أن العمادة حاولت تنظيم بيت المحامين عبر اصدار نظام داخلي، لكنه اشار الى أن الحسابات الضيقة الانتخابوية والسياسوية عطلت اصدار هذا المشروع.. وتطرق الى محاولة الهيئة ترويج طابع المحاماة، لكنه لاحظ أن البنك المركزي التونسي رفض ذلك بذريعة عدم وجود قانون يسمح بذلك، فيما أن جميع المؤسسات والشركات تروّج طوابعها عبر البنوك.. وقال العميد المتخلي للهيئة الوطنية للمحامين ان الهياكل «ليس لها عصا سحرية، بل ليس لعميد الهيئة عصا موسى لاصلاح المحاماة» على حد تعبيره ولم يخف السيد عبد الستار بن موسى حرص الهيئة على الإبقاء على المحاماة مستقلة ومدافعة عن الحريات العامة والفردية «لأن المحاماة المستقلة، دعم للقضاء والعدل ولحقوق المتقاضين»، حسب قوله.. التقرير الأدبي اثر ذلك تلا الاستاذ شرف الدين الظريف الكاتب العام للعمادة التقرير الأدبي، مبرزا أن العمادة عقدت نحو 40 جلسة، خصصت 19 جلسة منها للتداول في الشأن المهني.. وكشف التقرير الادبي عن ترسيم 857 محاميا ومحامية، فيما ارتفع عدد المحامين المباشرين الى 5487 محاميا موزعين على: 1388 محاميا مرسمون لدى التعقيب و2421 محاميا لدى الاستئناف الى جانب 1678 محاميا في التمرين.. كما ارتفع عدد شركات المحامين الى 83 شركة محاماة، بعد اضافة 15 شركة جديدة خلال السنوات الثلاث الماضية.. وقال السيد شرف الدين الظريف الكاتب العام للعمادة المتخلية أن مجلس الهيئة تلقى اكثر من 30 ملفا تأديبيا، معظمها من فرع تونس، وأعلن عن اصدار مجلس تأديب الهيئة نحو 55 قرارا تأديبيا، تراوحت المؤاخذة فيها بين المحو من الجدول بصفة نهائية (11 حالة) والايقافات المؤقتة، اضافة الى بطلان الاجراءات وسقوط حق التتبع. وانتقد التقرير الأدبي ما وصفه بـ«المظاهر السلبية التي تنامت صلب المحاماة»، وأهاب بجميع المحامين الاهتمام بأخلاقيات المهنة وضرورة الالتزام بالمبادئ التي تقوم عليها.. وتطرق التقرير الى النشاط العلمي والتكويني للهيئة خلال السنوات الثلاث الماضية، خصوصا من حيث محاضرات ختم التمرين والندوات العلمية والتكوينية والأنشطة الجمعياتية مع المنظمات المهنية والحقوقية.. نشاط نقابي حثيث وتولى الكاتب العام للعمادة تلاوة المساعي التي بذلتها الهيئة في مجال النشاط النقابي والمهني، سواء تعلق الأمر بمعهد المحاماة الذي أقصيت الهيئة من دورها التسييري والتكويني فيه، وعبر مجلس الهيئة عن مطالبته بمراجعة القانون المنظم للمهنة.. وتطرق التقرير الأدبي الى مسألة التغطية الاجتماعية وملف تامبر المحاماة والاحتفال بيوم المحاماة، الى جانب النظام الداخلي الذي لم تقع المصادقة عليه والنشاط الخارجي للعمادة عربيا ودوليا وعلاقة الهيئة مع الاتحاد الدولي للمحامين ومع المجلس الدولي للهيئات، بالاضافة الى الأعمال والأنشطة التي قامت بها الهيئة لمناصرة القضايا العادلة.. التقرير المالي وكانت الأستاذة سميرة الكراولي، أمينة المال في الهيئة المتخلية، قرأت التقرير المالي الذي بلغ نحو 85 صفحة وسط تفاعلات مختلفة صلب الجلسة العامة، بين منوّه بالتقرير ومنتقد لبعض مضامينه، لكن معظم المحامين اعتبروا التقرير المالي ذا مضمون جدي ودقيق، بل تضمن مقترحات عديدة تخص المسألة الاجتماعية وطابع المحاماة والمصاريف المختلفة.. واستغرقت تلاوة هذا التقرير ما يزيد عن ساعة ونصف الساعة. الوضع الانتخابي بعيدا عن التقريرين الأدبي والمالي نشطت الساحة الانتخابية بشكل حثيث من قبل المرشحين لرئاسة العمادة، وسط مقاربات وتوقعات مختلفة لحظوظ المرشحين لكنها تحصر الفوز برئاسة العمادة لأربعة مرشحين هم السادة: شرف الدين الظريف وصلاح الدين الشكي وابراهيم بودربالة والبشير الصيد.. ويبدو أن التحالفات الانتخابية فقدت قيمتها بين ما يوصف بـ«المعارضة» صلب المحامين، وهو ما يعزز صفوف المرشحين التابعين للتجمع أو للمهنيين على غرار السيد صلاح الدين الشكي.. غير أن هذه التوقعات تبقى رهين ما ستتمخض عنه الجلسة العامة التي يعول عليها الجميع لتحديد هوية العميد الجديد. صالح عطية (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 1 جويلية 2007)

 
 

نجم يشدو أمام التونسيين بعد سنوات من المنع

 
أحيا المصري أحمد فؤاد نجم أمس أول أمسية شعرية له في تونس بعد منعه من دخولها عام 1984 بسبب أشعاره.الأمسية التي شارك فيها 500 شخص جاءت باستضافة من الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين التي بدأ مؤتمرها الانتخابي أمس.وتفاعل نجم الذي اشتهر بموافقه السياسية المدافعة عن الحرية والديمقراطية مع قرار نقيب المحامين عدم ترشيح نفسه لمدة انتخابية جديدة، وقال إنه يتمنى مشاهدة خطوات مماثلة من الحكام العرب. فؤاد الذي نظم أغلب أغاني رفيق دربه العازف والملحن الراحل الشيخ إمام عيسى، غنى عدداً من قصائده وسط تفاعل مئات ممن حضروا للاستمتاع بالأغاني الثورية. ومن بين القصائد التي ألقاها كلب الست وإذاعة شقلبان وسجن القلعة. وشارك في الأمسية الشاعر التونسي الصغير أولاد أحمد، كما غنى فايد عبد العزيز بمصاحبة عوده بعض أغاني الشيخ إمام من أشعار نجم وسط عاصفة من التصفيق والتفاعل. أحمد فؤاد الذي سجن مرات بسبب أشعاره المتضمنة مواقف سياسية لاذعة، قال للصحفيين « نحن اليوم معرضون للإبادة على جميع الأصعدة بما فيها الفن ». وأضاف الشاعر المصري أن ما يجري هو « حرب استئصال ضدنا وضد أرضنا وثقافتنا ».
(المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 1 جويلية 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


مدينة طبرقة التونسية تستعد لـ4 مهرجانات موسيقية في أقل من شهر

 
تونس – صالح سويسي     تعيش مدينة طبرقة السياحية (شمال غربي تونس) ابتداءً من 6 تموز (يوليو) الحالي على وقع إيقاعات أنواع عدة من موسيقى العالم، إذ تستضيف أربعة مهرجانات دفعة واحدة، تبدأ مع موسيقى الجاز، وتكمل مع موسيقى العالم، فالموسيقى اللاتينية ثم مهرجان خاص لموسيقى الراي. وتستمرّ هذه التظاهرة الفنية الفريدة من نوعها حتى 20 آب (أغسطس) 2007. البداية ستكون مع مهرجان الجاز حيث ستقام سهرة الافتتاح في السادس من تموز (يوليو) مع عرض للأخوين «بلماندو» من الولايات المتحدة الأميركية، ثم تعتلي المطربة الأميركية ستاسي المسرح الليلة التالية. وفي الثامن منه سيكون التونسيون على موعد مع المجموعة الإيطالية «موباتس بلوز». كما ستشارك في مهرجان الجاز مجموعة الفنان نيل جيري إكسبريس من النمسا والفنان الفرنسي نيكو واين، والكولومبي يوري بونافونتورا، والسويسرية إيريكا ستاكي والأميركي أوتيس تايلور، في حين يختتم المهرجان مع عرض الفرنسي ميشال جوناز. أما مهرجان موسيقى العالم فيُفتتح في 16 آب بحفل يشارك فيه فنانون من سورية والأردن ولبنان ومصر وتونس والمغرب وبريطانيا، إضافة إلى سهرتين للأفريقي بابا ويمبا من الكونغو في 17 من الشهر نفسه، والجزائري تاكفاريناس في 18 منه. أما يوما 14 و15 آب فخُصّصا لمهرجان الموسيقى اللاتينية بمشاركة المجموعة الكوبية «ريو دي سون» والكولومبية نانسي موريلـــو. ومسكها ختام مع مهرجــــان الراي الذي يفتتح في 19 آب بمشاركة جزائرية محض، حيـــث سيحيي الحفلة كل من الشاب تاتـــي والشاب الهندي ويختتم في 20 منه، بحفل لحكيم الصالحي .
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 30 جوان 2007)

ساركوزي يزور الجزائر وتونس والمغرب الاسبوع المقبل

 
باريس ـ ا ف ب: يقوم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة ثلاث دول في المغرب العربي في العاشر والحادي عشر من تموز (يوليو)، بحسب ما اعلن المكتب الاعلامي للرئاسة الفرنسية الجمعة. واوضح بيان الرئاسة ان زيارة العمل هذه ستقود رئيس الدولة الي الجزائر اولا ثم تونس والمغرب. وكان المتحدث باسم الاليزيه دافيد ماتينون اعلن مبدأ القيام بهذه الزيارة في العشرين من حزيران (يونيو) في ختام محادثات الرئيس ساركوزي مع الوزير المنتدب لدي وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الطيب الفاسي الفهري. والرئيس الفرنسي من انصار انشاء اتحاد متوسطي وفقا لنموذج الاتحاد الاوروبي، واكد ان فرنسا، بتجاهلها للمتوسط، اعتقدت انها تتجاهل ماضيها. الا انها تجاهلت بالفعل مستقبلها . وقد شهدت العلاقات بين باريس والجزائر خصوصا توترا في بعض الاحيان في السنوات الاخيرة، ونتيجة لذلك ارجيء التوقيع علي معاهدة صداقة بين الدولتين كان متوقعا في نهاية 2005، الي اجل غير مسمي بسبب جدل حول القانون الفرنسي الصادر في 23 شباط (فبراير) 2005 والذي يتضمن مادة، الغيت لاحقا، تتحدث عن الدور الايجابي للفترة الاستعمارية. وندد ساركوزي بانتظام بالنزعة الي الندم التي وصفها بانها كره للذات . وفي مطلع حزيران (يونيو) وفي رسالة موجهة الي نظيره الفرنسي، اكد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مجددا التزامه بـ شراكة استثنائية بين الدولتين. وهذه الشراكة الاستثنائية هي احد اهداف اعلان الجزائر الذي وقعه في اذار (مارس) 2003 بوتفليقة والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك والذي كان يهدف خصوصا الي تعزيز التعاون الثنائي. وبين الملفات الاخري المطروحة علي جدول اعمال جولة ساركوزي، مستقبل الصحراء الغربية، المستعمرة الاسبانية السابقة التي ضمها المغرب في 1975. واجري المغرب وجبهة بوليزاريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية وتحظي بدعم الجزائر، في 18 و19 حزيران (يونيو) وبرعاية الامم المتحدة، اولي محادثاتهما المباشرة منذ عشرة اعوام. ويتوقع اجراء جولة ثانية في اب (اغسطس). ويسري العمل باتفاق لوقف النار بين المغرب وبوليزاريو منذ 1991. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 30 جوان 2007)


لإحياء الدور الفرنسي في معقله «التاريخي» ومواجهة التمدد الأميركي – الآسيوي في شمال أفريقيا … ساركوزي يُسوّق مشروع «الإتحاد المتوسطي» في العواصم المغاربية

 
رشيد خشانة (*)      يبدأ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في التاسع من الشهر الجاري جولة مغاربية هي الأولى خارج أوروبا منذ وصوله إلى سدة الرئاسة، تُمهد لجولة لاحقة على بلدان أفريقية تربطها علاقات «تاريخية» مع فرنسا. وسيُخصص ساركوزي جولته المغاربية التي تشمل البلدان الثلاثة التي كانت تحت الإحتلال الفرنسي في القرنين الماضيين (تونس والجزائر والمغرب) للترويج لمشروع «الإتحاد المتوسطي» الذي دافع عنه قبل وصوله إلى الرئاسة. قدم جان بيار جويي وزير الشؤون الأوروبية في حكومة ساركوزي عرضاً للمشروع أمام وزراء خارجية دول «المنتدى المتوسطي» في جزيرة كريت اليونانية في الثاني من الشهر الماضي، لكن مصادر «الإيليزيه» أكدت أخيراً لمناسبة الإعلان عن الجولة المغاربية أن المشروع «قريب من صيغته النهائية» ما يعني أنه لم يكتمل بعدُ. ويرمي المشروع، الذي كشف ساركوزي النقاب عنه عندما كان مرشحاً للرئاسة في شباط (فبراير) الماضي في مدينة تولون جنوب فرنسا (حيث الحضور القوي للجاليات المغاربية)، لاستعادة موقع فرنسا في منطقة نفوذها التقليدية ومواجهة التمدد الأميركي – الآسيوي في شمال أفريقيا. والثابت أن الطاقم المحيط بساركوزي أخذ وقته لبلورة الفكرة قبل أن يُميط اللثام عن بعض ملامحها ساركوزي نفسه في حفل تسلمه لمهامه يوم 16 أيار (مايو) الماضي. وربما تكون باريس تعمدت استثمار الاجتماع غير الرسمي للمنتدى المتوسطي الذي جمع مؤخراً في اليونان أحد عشر وزير خارجية من البلدان المطلة على البحر المتوسط كي تقيس ردود الفعل على المشروع، خصوصاً أن بينهم من عارضه مثل تركيا ومن أيده مثل البرتغال. والظاهر أن تولي البرتغال الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي اعتباراً من مطلع الشهر الجاري، وهو الذي أبدى دعماً واضحاً للمشروع، يشكل ورقة مهمة للترويج له في بلدان الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط. ويُذكر في هذا السياق أن العرض الذي قدمه الوزير جويي في «المنتدى المتوسطي» كان باقتراح من وزير الخارجية البرتغالي وسط مواقف أوروبية توحي بأن المشروع الفرنسي أثار حفيظتها. أما الأميركيون فعلموا بخطوطه الكبرى خلال قمة بوش – ساركوزي في هيليغندام بألمانيا على هامش قمة الدول الصناعية الكبرى. لكن هل يمكن القول إن قسمات المشروع باتت جلية مع ذلك؟ أعلى من سقف برشلونة جديد المبادرة الفرنسية أنها طرحت صيغة للعلاقات الأوروبية المتوسطية أعلى من سقف مسار برشلونة، لا بل هي ترقى إلى مستوى العلاقات بين أعضاء الإتحاد الأوروبي طالما أن الأمر يتعلق باتحاد وليس بشراكة. وهي أتت صدى للإنتقادات اللاذعة والمتنوعة التي صبها أصحابها، من الجنوب والشمال على حد سواء، على المسار الأوروبي المتوسطي الأعرج، وبخاصة لمناسبة إحياء الذكرى العاشرة لانطلاقه في برشلونة نفسها خريف العام 2005. ولعل هذا ما حمل سياسيين وأكاديميين من الضفة الجنوبية على إبداء تفاؤلهم بالمشروع الفرنسي الجديد. ويعتقد الكاتب والباحث التونسي أحمد ونيس أن المشروع يمكن أن يعمق المسار الأوروبي المتوسطي ويسد الثغرات والتشققات التي ظهرت في جداره. وعزا ونيس الذي عمل سفيراً في مدريد وموسكو وعواصم أخرى، ذلك التفاؤل إلى أن المفهوم نفسه ينبني على فكرة الإتحاد، «فهو معادل للاتحاد الأوروبي لكن في حقل جغرافي واقتصادي مُغاير، ومعنى هذا أن هناك ذهنية جديدة تذهب إلى مدى أبعد من مفهوم الشراكة أي إلى صنو للإتحاد الأوروبي». وشاطر هذا الرأي رئيس الوزراء الجزائري الأسبق اسماعيل حمداني، إلا أنه شدد على ضرورة إدماج ثلاثة ابعاد جوهرية في بنية الإتحاد المزمع إنشاؤه وهي صوغ مفهوم مشترك للإرهاب، مع التخلي عن ربطه بالمسلمين سكان الضفة الجنوبية (لأن لكل دين متطرفيه) والإرتكاز على مفهوم المصالح المتوازنة ومكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بإرساء فكرة الأمن الجماعي. ورأى أن مسار برشلونة لم يستطع استيعاب هذه الأبعاد وإيجاد أجوبة واضحة عليها. واعتبر أنطونيو دياس فارينا الأمين العام لأكاديمية العلوم السياسية في لشبونة أن الإتحاد المتوسطي هو أفضل رد على التقلبات التي تعصف بالمنطقة وقال إنه وسيلة فعالة لتعزيز الاستقرار وإقامة حوار بين الحضارات والأديان المنتشرة على ضفتي هذا البحر. غير أن هذا المشروع لن يكون محصناً من المطبات التي وقع فيها مسار برشلونة، ما يطرح أسئلة عدة عن الضمانات التي ينبغي تأمينها لوضعه على السكة. وفي رأي السفير ونيس أن الإنطلاق من فكرة الإتحاد يُبعد المخاطر والمزالق كونه يتعدى المنظومة المبنية على الشراكة ويؤمن الضمانات لتحقيق الغايات المأمولة من الإتحاد. لكن طالما أن مسار برشلونة أظهر ضعف الإرادة التي تدفع الأوروبيين لتطوير الشراكة فما الذي يضمن أنها ستكون أقوى زخماً وأشد مضاء في المشروع الجديد؟ أجاب ونيس على هذا السؤال بالعودة إلى أسباب تعثر مسار برشلونة رامياً الكرة في الملعبين معاً، إذ أكد ان الضعف لوحظ لدى الجانبين والمسؤولية مشتركة. واستدل بتجربة أوروبا الشرقية والوسطى «اللتين حققتا، كما قال، الغايات المرسومة للشراكة، إذ انطلقتا من روحها قبل استكمال الانضمام للإتحاد الأوروبي». وأوضح أن إرادة تلك البلدان كانت «القبول بإصلاح النظام الاقتصادي ولكن أيضاً إصلاح أنظمتها السياسية وإقامة المؤسسات وإرساء التعددية وصون حقوق الإنسان وإطلاق حرية الإعلام واحترام استقلال القضاء وإصلاح النظام التعليمي، وهي خطوات لم تحققها بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط في ذلك الحيز الزمني نفسه لأنها كانت متعلقة بتدفق التمويلات الأوروبية والمحافظة على الإمتيازات التي أتت بها اتفاقات سنة 1976 مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية». لكنه أكد أن بلدان أوروبا الشرقية والوسطى حصلت على تمويلات أكبر ومساعدات من البنك الدولي كانت مخصصة للمنطقة المتوسطية بينما لم نستفد منها نحن في المتوسط بسبب تركيبة الشراكة. ومع ذلك رأى أن للإتحاد الأوروبي نصيبه من المسؤولية عن إخفاق مسار الشراكة لأنه لم يف بوعوده في قضايا الشرق الأوسط بل ظل يخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، وهو مازال يتهم المقاومة في الأراضي المحتلة بكونها إرهاباً، ويسلط العقوبات على سورية بينما أراضيها محتلة ولم يسلطها على الدولة المحتلة. «تقرير ابن سينا» لكن على أي استخلاصات من مسار برشلونة أقام الفرنسيون مشروعهم الجديد؟ يوجد في أساس مشروع ساركوزي تقرير وضعته نخبة من المخططين مؤلفة من أكاديميين ورجال سياسة وديبلوماسيين بطلب من ساركوزي نفسه عندما كان مرشحاً للرئاسة، وأطلق عليه اصطلاحا عنوان «تقرير ابن سينا» تيمناً ربما باسم الطبيب والفيلسوف المسلم المعروف. ومن العناصر الجديدة في التقرير مؤاخذته دول الإتحاد الأوروبي على تركيزها على العلاقات مع الحكومات في دول جنوب المتوسط وقلة سعيها لربط الجسور مع المجتمعات المدنية وبخاصة المنظمات الأهلية ذات الثقل والمصداقية في بلدانها. لكنه حث على الحذر أيضا من الحوار مع الأصوليين مُكتفياً بالإشارة إلى ضرورة الإتجاه إلى القوى الإسلامية المعتدلة الرافضة للعنف، مع دفع السلطات الحاكمة في البلدان المتوسطية إلى التخلي عن نهج الإنغلاق ومُحاربة المعارضين المسالمين. وطبعاً توجد العلاقات الفرنسية – المتوسطية في قلب هذه الرؤية لأن ساركوزي يعكف مع فريقه الجديد على تحسين مركز فرنسا الإقليمي والدولي على السواء، في إطار قوس يمتد من ضفاف البوسفور في تركيا إلى ضفاف الأطلسي في موريتانيا. ويعتقد الأكاديمي الإسباني خوان أنتونيو شافاريا أن الإنطلاق من هذه الزاوية ليس ذنباً ولا عيباً، وإنما هو سبيل لبناء العلاقات في المستقبل على أساس المصلحة الجماعية والمنفعة المتبادلة. ويستدل شافاريا وهو أستاذ الآداب الإسبانية في جامعة مدريد وعضو مؤسسة «الإرث الأندلسي» الإسبانية، على صحة هذا المنظور بالإرث الثقافي المشترك الذي تبادله سكان ضفتي المتوسط على مدى العصور والذي جسده معمار قصر الحمراء في الأندلس. ويلتقي عند هذه النقطة المركزية مشروع ساركوزي ومبادرة سلفه شيراك التي عرضها رئيس وزرائه دومينيك دوفيلبان في خطاب ألقاه في معهد العالم العربي في باريس يوم 20 آذار (مارس) الماضي والذي طرح من خلاله شراكة جديدة على بلدان المغرب العربي. وانبنت مبادرة شيراك أيضاً على عمل طويل قام به فريق من الخبراء برئاسة أمين عام وزارة الخارجية آنذاك فيليب فور. ولا شك أن هناك رؤى مشتركة بين الطاقم الذي ساعد شيراك وذاك الذي طبخ مشروع خلفه، فكلاهما ينظر إلى مصالح فرنسا العليا بخاصة وهما ينتميان إلى تيار سياسي واحد. والجدير بالذكر أن دوفيلبان عرض أربعة محاور رئيسية لتلك الشراكة الجديدة المعروضة على بلدان الإتحاد المغاربي والتي قال إنه يمكن توسيعها إلى بقية البلدان المتوسطية، وهي تعزيز مكانة اللغة الفرنسية في المغرب العربي وتطوير الشراكة في مجالي التكوين والبحث العلمي وإرساء تعاون متطور في قطاع الإعلام السمعي والبصري وربط علاقات متينة بين المنظمات الأهلية في الجانبين. وطبعاً ثمة فوارق جوهرية بين المبادرتين لأن مشروع ساركوزي يتوجه إلى جميع البلدان المتوسطية الشريكة للإتحاد الأوروبي (عشرة بلدان) ويعرض عليها اتحاداً شاملاً وليس مجرد شراكة، وإن لم تتوضح بعد أسس هذا الإتحاد. غير أن الأتراك الذين تعهد ساركوزي بإيصاد أبواب الإتحاد الأوروبي في وجوههم سارعوا لرفض الإتحاد المتوسطي، مُعتبرين أن المطروح عليهم الإنضمام للإتحاد الأوروبي وليس مقعداً صغيراً في اتحاد من الدرجة الثانية. وقالوا على لسان وزير خارجيتهم عبد الله غل إن الإتحادين كيانان مختلفان بعضهما عن بعض. كما أن بعض النخب في المغرب العربي تتساءل عن مدى قابلية المشروع للتحقيق بعدما رفض الإتحاد الأوروبي طلب العضوية الذي سبق أن تقدم به الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، فضلاً عن الضيق الفرنسي الشديد من ترشيح تركيا لعضوية الإتحاد. وطالما أن بلداً في حجم تركيا أعلن رفضه الإنضمام إلى الإتحاد المتوسطي المنوي إنشاؤه وأن بلدانا أوروبية منافسة لفرنسا، وقوى أخرى من خارج المنطقة مثل الإدارة الأميركية، ستسعى لتعطيله أو ربما قص أجنحته، فهل سيكون بمقدوره أن يطير يوماً ويحلق في سماء المتوسط؟ (*) صحافي من أسرة «الحياة».
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 1 جويلية 2007)


وجهة نظر السلطة و المجتمع المدني: بين الاتصالات السرية و إرادة المصالحة

 
لطفي حجي تواترت الأخبار في الأيام الأخيرة عن اتصالات أجراها رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان منصر الرويسي مع جمعية النساء الديمقراطيات و الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. الاتصالات مع جمعية النساء الديمقراطيات أثمرت رفع الحظر عن التمويل الذي تلقته الجمعية من الاتحاد الأوروبي ودعما رئاسيا بخمسين ألف دينار . أما الاتصالات مع الرابطة فإنها لا تزال في بدايتها و لم تسفر عن نتائج معلنة إلى حد الآن بما يعني أنها ما زالت في مرحلة إعلان النوايا. و تترك تلك الاتصالات، التي يمكن أن نصنفها بأنها شبه سرية حينا و سرية أحيانا أخرى باعتبار أنه لا يتم الإعلان عنها مسبقا و يتم تسريب أخبارها بعد حدوثها بأيام ، تترك المجال واسعا أمام الصحفيين والمراقبين لطرح العديد من الأسئلة التي تبدو ضرورية ومنطقية في الآن نفسه. أسئلة لا بد منها السؤال الأول : هل تعبر هذه الاتصالات عن رغبة من السلطة في المصالحة مع هيئات المجتمع المدني أم عن سعي لسحب البساط من تحت أقدام جمعيات أخرى تبدو في تقويمها ، أي السلطة، أكثر راديكالية؟ السؤال الثاني: ما هو المقابل الذي يمكن أن تقدمه الجمعيات المعنية لقاء ذلك التمويل وتلك الاتصالات؟ والسؤال الصحفي الذي يطرح هنا هو لماذا لم تعقد رئيسة جمعية النساء الديمقراطيات خديجة الشريف ندوة صحفية تنير من خلالها الرأي العام و تجيب عن أسئلة الصحفيين حول جوهر هذه الخطوة ودوافعها الآن و معناها بالنسبة إلى الجمعية ؟ أكثر من ذلك: هل أن التمويل جاء مقابل صمت الجمعية أو خروجها عن شبكة المجتمع المدني التي اعتادت التنسيق معها؟ السؤال الثالث : ماذا طلبت السلطة من الرابطة حتى تسترجع حقها المسلوب و يفك الحصار الأمني المشدد المضروب على مقرها المركزي و فروعها بكامل الجهات ؟ هل أن هذه الخطوة تعني الرجوع إلى ما قبل مؤتمر سنة 2000 وتغليب منطق » طاح الكاف على ظله » فتخرج السلطة رمزا للانفتاح و التصالح و تضع الرابطة مرحلة من أحلك مراحلها بين قوسين و كأن شيئا لم يكن؟ و لإجلاء ذلك الغموض لماذا لم يقم السيد رئيس الرابطة، أطرح هذا السؤال كرابطي، بإعلام فروع الرابطة و كوادرها بجوهر هذه المبادرة و فحوى الرسالة التي طلب منه توجيهها إلى رئيس الدولة ؟ السؤال الرابع: إذا كانت هذه الخطوات يمكن أن تؤشر عند البعض على انفتاح السلطة على المجتمع المدني فلماذا تستثنى هيئات أخرى وتحاصر مقراتها ويلاحق رموزها و لا تترك السلطة فرصة دون إهانتهم في سعي واضح منها إلى إذلال رموز المجتمع و كوادره؟ بل إن السلطة رفعت في المدة الأخيرة من حدة قمعها لتلك المنظمات مثل المجلس الوطني للحريات و الصحفيين والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين. السؤال الخامس:إذا كانت السلطة أصيبت فجأة بعودة الوعي و أرادت أن تحل الملفات المستعصية منذ سنوات على الأقل فلماذا تصر على سياسة المكيالين وتمارس الضغوط على الصحفيين الذين تحمسوا لفكرة تأسيس نقابة الصحفيين التونسيين بالاتحاد العام التونسي للشغل و تروج العرائض المأجورة و تستغل الوضعيات المهنية المزرية لعدد من الصحفيين للضغط عليهم و تفرض عدم التحاقهم بالنقابة ؟ فأي جرم ارتكبه هؤلاء الصحفيون حين يلتحقون بمنظمة قانونية عريقة هي الاتحاد العام التونسي للشغل بعد عقود من تأسيسه وفرضه الحق النقابي فيما تتباهى تونس في المحافل الدولية بأنها مصادقة على اتفاقيات الحريات النقابية ؟ مداخل لا بد منها ثمة مداخل حقيقية للانفتاح و المصالح هي بمثابة قواعد السلوك بالنسبة إلى السلطة و المجتمع المدني لعل أولها أن تخرج السلطة من الأسلوب السري الذي تتبعه إلى حد الآن و الذي يؤشر على المناورة أكثر مما يؤشر على الرغبة الصادقة في المصالحة، خاصة أننا نعلم أن الدافع إلى تركيز السلطة على إيجاد حل للمنظمتين المذكورتين ( جمعية النساء الديمقراطيات و الرابطة) هو تعاظم الضغط الدولي و خاصة الأوروبي باتجاه الحل و ليس رغبة منها على ما يبدو في إشاعة حقوق النساء أو حقوق الإنسان عامة. وتقوم السلطة بذلك في الوقت التي تتهم فيه خصومها بالاستقواء بالأجنبي. و الخروج من السرية يقتضي من السلطة أن تعلن بطريقة سياسية واضحة إرادتها في المصالحة الفعلية و تتخذ إجراءات انفتاح للخروج من الانغلاق الكلي الذي هيمن على الحياة السياسية و المدنية منذ سنوات. و إذا كانت السلطة مطالبة بالخروج من السرية إلى العلنية و من الإجراءات المتخفية إلى إعلانات صريحة فان ممثلي المجتمع المدني أيضا مطالبون بتجاوز صدمة الانفتاح و المصالحة و التي تقودهم في أول إشارات السلطة إلى نسيان السنوات العجاف والصعوبات التي عانوا منها و تجعلهم يهرولون من أول نداء متخلين عن مطالب أساسية ضمن مبادئهم التي يعملون من أجلها. و إذا نظرنا إلى مسألة « الانفتاح و المصالحة » المرجوة من تلك الزاوية يمكننا القول إن مسالة بهذا الحجم تتجاوز رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان لأنها تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية و إعلان السلطة بدء مرحلة جديدة من الحوار مع المجتمع المدني، لان مشكلة جمعية النساء الديمقراطيات والرابطة بشكل خاص هي إفراز طبيعي لسياسة القمع الشامل الذي اعتمدته السلطة في العقدين الأخيرين تجاه كافة مكونات المجتمع المدني المستقلة والتي أدت إلى نتائج يعلمها الجميع و تَرْشحُ بها تقارير المنظمات الحقوقية التونسية والعالمية. و عليه لا يمكن أن نبدأ من خلال اتصالين منعزلين لا ندرك جميع خفاياهما إلى حد الآن، الحديث عن مصالحة أو مؤشرات مصالحة مثلما سارع البعض بالتعبير عنه ، لأن الحديث عن المصالحة يتطلب وجود قطبين ،الأحزاب والمجتمع المدني من جهة و السلطة التي تحسن الاستماع إلى مطالبهم و تسعى للاتصال و الاستجابة لتلك المطالب عبر الهياكل الدستورية و الإدارية من جهة ثانية. هذا الأسلوب لا يبدو أنه متوافر في اختيارات السلطة الراهنة التي تعتمد الحل الأمني فقط إلى حد أصبح أعوان الشرطة « المحاورين الفعليين » للسياسيين و الحقوقيين بحكم منعهم لنشاطاتهم ومحاصرتهم لمقراتهم. و التعامل مع مطالب هيئة 18 أكتوبر على بساطتها و مع مطالب الصحفيين و الهيئات المدنية المقموعة أحسن دليل على أن السلطة لا تريد معالجة المطالب المعلنة و الملفات المفتوحة منذ سنوات بالطريقة السياسية المتعارف عليها. استنتاج لا بد منه لكي نجعل أي اتصال مع السلطة مثمرا لصالح المجتمع المدني ، فعلى الذين اتصل بهم رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان أن يتذكروا جيدا أن التجربة السياسية التونسية تدور في حلقة مفرغة منذ عقدين . فسلف السيد منصر الرويسي استمع بدوره إلى مقترح المنظمات و الأحزاب و رفع تقريره إلى الجهات العليا التي كلفته بذلك. و منذ مطلع التسعينات كانت الاتصالات بالأحزاب ، و كانت التقارير المتعددة التي كلفت بإعدادها شخصيات مستقلة مثل تقرير الإعلام الشهير، و تقرير الجامعة و غيرها، و أنشأت منذ ذلك التاريخ المجالس العليا في كل مجال و على رأسها المجلس الأعلى للإتصال، لكن أوضاع الإعلام و حقوق الإنسان لم تتحسن رغم كثرة هذه التقارير و المجالس العليا. و السبب أن نتائج التقارير ومطالبها لا يعلمها أحد باعتبار أنها لا تنشر للعموم . والمجالس العليا تحشر بإرادة سياسية واضحة في دائرة بيروقراطية حتى تتفرغ للعمل فتغلب شكل الموضوع المكلفة به و تنسى الجوهر و يقتصر عملها على رفع التقارير التي تعدها إلى الدوائر العليا. لا شك أن ذلك لا يخفى على هيئات المجتمع المدني المعنية بالاتصالات، ولا شك انه إذا تم التوصل إلى حل بخصوص القضايا العالقة سيكون ذلك أمرا جيدا لكن يجب أن يضع الجميع نصب أعينهم أمرين اثنين، الأول أن المسألة ليست فردية بل تهم جميع هيئات المجتمع المدني المقموعة و الثانية أن هناك مطالب دنيا لا يمكن التنازل عنها مهما كانت المغريات و من يتنازل عنه يكُنْ من الذين لدغوا من الجحر ألف مرة دون فائدة تذكر لهيئته و للمجتمع المدني عامة.
(المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 411 بتاريخ 22 جوان 2007)


هيئة 18 أكتوبر تكثف من نشاطها في الداخل والخارج

 
عباس الجلولي تحول بداية الأسبوع المنقضي إلى باريس وفد عن « هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات » تألف من السادة أحمد نجيب الشابي وحمة الهمامي ولطفي حجي والعياشي الهمامي. وشارك الوفد يوم الأربعاء 20 جوان في ندوة حول الذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية نظمها فرع الهيئة بباريس ورأسها السيد كمال الجندوبي الناشط الحقوقي المهاجر المعروف. وقدم أعضاء الوفد تحليلا نقديا للنظام السياسي الذي انتصب في بلادنا منذ الاستقلال والذي تميز بقانون انتخابي (نظام القائمات في دورة واحدة) مكن عائلة سياسية وحيدة من احتكار التمثيل الشعبي منذ انتخاب المجلس القومي التأسيسي في 25 مارس 1956 وحتى يومنا هذا. كما تميز هذا النظام باختلاط السلطات بيد رئيس السلطة التنفيذية الذي يجمع إلى جانب صلاحيات رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي، كل صلاحيات رئيس الحكومة في النظام البرلماني ومنها حق عرض القوانين على البرلمان ومشاركة الوزراء في أعمال المجلس النيابي وحق حل البرلمان من طرف رئيس الدولة في الوقت الذي لا يحق فيه للبرلمان مراقبة أعمال الحكومة التي يعد أعضاؤها معاونين للرئيس ومسؤولين لديه، كما لا يحق له إبداء الرأي في التعيينات التي يجريها رئيس الدولة في الخطط المدنية والعسكرية. وإلى ذلك يرأس رئيس الجمهورية المجلس الأعلى للقضاء الذي يشرف على كل ما يهم حياة القضاة المهنية من تعيين وترقية ونقلة. كما تطرق أعضاء الوفد إلى القوانين المنظمة للحياة العامة والتي صادرت منذ فجر الاستقلال الحريات الأساسية (حرية التعبير وتأسيس الجمعيات والأحزاب وحق الاجتماع والتجمع) مما أفرغ السيادة الشعبية من كل محتوى وحول المشاركة الشعبية إلى مبايعة موسمية للحزب الحاكم ورئيسه وفتح الباب واسعا لكل أنواع التجاوزات والملاحقات والمحاكمات الجائرة التي طالت عشرات الآلاف من التونسيين من كل العائلات ليستخلصوا ضرورة القطع مع هذه المنظومة الاستبدادية في أسسها الدستورية والقانونية وممارساتها السياسية، واستبدالها بنظام يقوم على ضمان الحريات الفردية والعامة والفصل بين السلطات والتوازن بينها وعلى سيادة القانون في ظل محكمة دستورية ترعى توافق القوانين مع أحكام الدستور. واعتبر المتدخلون أن التداول السلمي على الحكم من أركان النظام الجمهوري وعرجوا على استحقاق 2009 ليناشدوا الحاضرين تكتيل الجهود حتى لا تكون الانتخابات العامة القادمة، الرئاسية والبرلمانية، مناسبة لإعادة إنتاج الرئاسة مدى الحياة واختلاط السلطات بيد واحدة بل مناسبة لإجراء إصلاحات جوهرية دستورية وتشريعية تعيد للجمهورية معناها وتتيح للشعب التونسي فرصة ممارسة سيادته من خلال انتخابات حرة ونزيهة. كما أتى أعضاء الوفد على بعض القضايا الساخنة كعلاقة الدين بالدولة وقضية المصالحة الوطنية ليستخلصوا ضرورة تصحيح هذه العلاقة وعدم ربط الأوهام على استعداد النظام في الوقت الراهن لمصالحة المواطنين والعائلات السياسية على قاعدة الاعتراف بحقوقهم وحرياتهم. وتلا هذه التدخلات حوار ثري تركز على نقد سلبيات المعارضة التي عاب عليها البعض ضعف فعلها السياسي أو غياب البرنامج أو شدة المنافسة بين رموزها وزعاماتها. وأجاب أعضاء الوفد على هذه الانتقادات بتذكير الحاضرين بشدة الحصار المضروب على هيئات المجتمع المدني والحركة السياسية وفي مقدمتها « هيئة 18 أكتوبر » التي يمنع أعضاؤها من مجرد الالتقاء فما بالك بتنظيم النشاطات العامة أو الدعوة إلى التجمعات السلمية في الشارع. كما ذكر أعضاء الوفد ببرنامج المعارضة مشددين على قضية الإصلاح السياسي في علاقته بشتى مظاهر الإصلاح الأخرى سواء كان ذلك في ميدان التعليم والتكوين أو في مجال مقاومة الفساد وتوفير المناخ المشجع على الاستثمار وخلق مواطن الشغل أو في مجال إصلاح النظام البنكي ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتشجيع نشاطها في القطاعات التنافسية ذات القيمة المضافة العالية والمشغلة لليد العاملة الماهرة. وعبر أعضاء الوفد في النهاية عن تصميم كل مكونات « هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات » على مواجهة العراقيل الموضوعة في طريقها والقيام بدورها في الدفاع عن الحريات الأساسية الثلاثة (حرية التعبير وحرية التنظيم وإطلاق سراح المساجين السياسيين) ودفع الحوار بينها وصولا إلى صياغة العهد الديمقراطي، أساسا للارتقاء بعلاقات المعارضة إلى مستوى ما يتطلبه منها الوضع السياسي الراهن. وكان للوفد في اليوم الموالي لقاء مع أعضاء « هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات بباريس » قصد تقويم عمل الهيئة في كل من تونس وفرنسا واستعراض العلاقة بينهما واستشراف مستقبل النشاط. واستمر الاجتماع الذي كان مغلقا ومقتصرا على أعضاء الهيئة سبع ساعات ونصف الساعة وساده جو إيجابي عبر عن اقتناع كل الحاضرين بأهداف الهيئة وبأهمية تمشيها القائم على توحيد المعارضة الوطنية في النضال من أجل الإصلاحات المتأكدة وفي أفق الانتقال إلى الديمقراطية. وانتهى الاجتماع إلى عدة قرارات هامة من بينها تنشيط موقع للهيئة على الانترنت تتولى هيئة باريس إدارته كما اتفق الوفدان على أن تتكلف الهيئة الباريسية بالعلاقات الدولية وعلى ضرورة تعزيز التشاور بين الهيئتين حول الاختيارات الكبرى وتشريك أعضاء الهيئة المقيمين في الخارج في الحوارات الفكرية الجارية في تونس، كما قررت هيئة باريس انتداب أحد أعضائها للمداومة القارة واقتناء مقر يكون مركزا لعملها واتصالاتها. وقررت أيضا تعميق التشاور قصد تكليف ناطق رسمي باسمها. واتفق الوفدان من جهة أخرى على تنظيم لقاءات دورية بينهما و على أن يتم اللقاء القادم في مستهل السنة السياسية 2007/2008. وعلى هامش هذين الاجتماعين كان لأعضاء الوفد التونسي لقاءات متعددة مع كوادر الحركة الإسلامية في المهجر تركزت على تبادل وجهات النظر حول أهمية الحوارات الفكرية الجارية في تونس تحضيرا لصياغة العهد الديمقراطي الذي أعلنت عنه « هيئة 18 أكتوبر » منذ تأسيسها في ديسمبر 2005. وكانت وثيقة 8 مارس التي أصدرتها الهيئة حول حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين أثارت زوبعة في الأوساط الإسلامية على شبكة الانترنت. و أكدت كوادر الحركة الإسلامية تمسكها بهذه الوثيقة رغم ما أثارته من تحفظات تعلقت بالصياغة لا بالمضمون كما أفادت أعضاء الوفد أن مؤتمر حركة النهضة أقر تلك الوثيقة وأوكل إلى قيادات الحركة في الداخل مسؤولية إدارة تلك الحوارات رغم ما أثارته تلك الوثيقة من نقاشات استغرقت ثلث أشغال المؤتمر على حد تعبير أحد مخاطبي الوفد. وشددت كوادر الحركة الإسلامية على رغبتها في أن يراعي نسق الحوار أوضاع الحركة الموزعة على أكثر من خمس وأربعين دولة والتي يلقى أعضاؤها صعوبات جمة في الاتصال والتشاور بينهم بما في ذلك داخل تونس حيث تفرض على قياداتها الإقامة الجبرية في مدن مختلفة ومتباعدة. وأكد أعضاء الوفد من جهتهم لمخاطبيهم أن تحقيق أهداف الحوار تفرض حتما مراعاة هذه الظروف الصعبة وتمكين كل أطراف الهيئة من كامل الوقت لإجراء مشاوراتها الخاصة، لكنهم أكدوا في الآن نفسه تمسكهم ببرنامج الحوار وبأهميته لتأسيس علاقات مستقرة قائمة على الوضوح والشفافية بما يطمئن الرأي العام حول أهداف الهيئة ومشروعها السياسي. من جهة أخرى كان للأستاذ أحمد نجيب الشابي لقاء في بروكسل بمسؤولة من الإتحاد الأوروبي وقد أبدت اهتماما بحركة 18 أكتوبر وبالحوارات الجارية داخلها وأبدت رغبة في الإطلاع على وثيقة 8 مارس حول المساواة بين الجنسين، كما عبرت عن استعداد الاتحاد لقبول وفد من هيئة 18 أكتوبر مع بداية السنة السياسية القادمة قصد تعميق التعارف وتبادل وجهات النظر حول قضايا الإصلاح في العالم العربي وتأثيرها على مشروع الشراكة الأورو متوسطي. ويندرج هذا النشاط الخارجي لهيئة 18 أكتوبر في إطار سلسلة من النشاطات الوطنية لعل أهمها عزم الهيئة على عقد مائدة مستديرة حول حرية المعتقد والضمير هذا الأسبوع برعاية الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وكذلك عزمها على إحياء الذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية بتونس العاصمة الشهر القادم. وكان أعضاء من الهيئة تحولوا إلى عدد من الولايات قصد إحياء وتعزيز علاقات الهيئة بالهيئات الجهوية المماثلة التي تشكلت في سياق الإضراب عن الطعام لشهر أكتوبر- نوفمبر 2005.
(المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 411 بتاريخ 22 جوان 2007)


الذكرى 20 لاستشهاد نبيل البركاتي: الدكتاتورية تمنع إحياء اليوم الوطني لمناهضة التعذيب

 
للسنة الثانية على التوالي تمنع الدكتاتورية النوفمبرية إحياء الذكرى السنوية لاستشهاد نبيل البركاتي مناضل حزب العمال الشيوعي التونسي والنقابي بقطاع التعليم الابتدائي، الذي أوقف في أواخر شهر أفريل 1987 إثر توزيع بيان سياسي للحزب بالجهة وعذب حتى الموت على أيدي أعوان مركز البوليس بمدينة قعفور (120 كلم شمال غربي العاصمة تونس). ولم يتورع هؤلاء لطمس جريمتهم عن إلقاء جثة الشهيد بجانب سكة الحديد في أطراف المدينة وإطلاق رصاصة في رأسه وترك مسدس إلى جانبه والادعاء بأنه فر من المركز وانتحر. وهو ما أثار استياء أهالي البلدة الذين خرجوا إلى الشارع في مظاهرات عارمة وهاجموا خلالها مركز الشرطة وهو ما اضطر السلطات إلى إعلان حظر الجولان لمدة نصف شهر وإيقاف الجناة ومحاكمتهم، لا من أجل القتل، بل من أجل تجاوز السلطة وتسليط أحكام خفيفة بالسجن عليهم. وأصبحت مقبرة « البراكتة »، أين دفن الشهيد منذ ذلك التاريخ، مزارا سنويا لكافة مناضلات ومناضلي الحرية من مختلف جهات البلاد لإحياء ذكرى اغتيال الشهيد والتعاهد على مواصلة النضال من أجل اجتثاث ظاهرة ممارسة التعذيب من تونس. وقد تحولت هذه الذكرى بداية من عام 1994 إلى يوم وطني لمناهضة التعذيب في تونس يحضره ممثلون عن الأحزاب والجمعيات الحقوقية والمهنية والنسائية والثقافية المستقلة. وكذلك شخصيات ديمقراطية من خارج تونس. وعلى مدى 8 سنة لم يجرؤ نظام بن علي على منع إحياء هذه الذكرى حتى وإن كان يقيم العديد من العراقيل في وجه قاصدي مدينة قعفور (حواجز أمنية، وتثبت في الهويات وتفتيش السيارات وافتعال مخالفات مرورية للسواق، زرع مسامير في الطرقات، غلق المطاعم والمقاهي بالجهة…). لكن منذ الذكرى التاسعة عشرة عمدت السلطة إلى منع إحيائها وذلك بمراقبة مداخل المدن الرئيسية للبلاد ومنع المناضلات والمناضلين الديمقراطيين بالقوة من مغادرتها والتوجه إلى مدينة قعفور التي ضُرب عليها وعلى المدن والقرى المجاورة لها حصارا أمنيا شديدا لمنع دخولها على أي مواطن يشتبه في أنه جاء من أجل حضور الذكرى. وها أن السلطة تكرر نفس السيناريو هذه السنة فتعيش العاصمة وصفاقس وقفصة وجبنيانة وبنزرت وماطر ومدن الساحل والقيروان والكاف وغيرها من المدن حالة من الحصار. كما تعرف الطرقات المؤدية من كافة المناطق إلى قعفور مراقبة أصبح المواطنون يقارنونها بنقاط التفتيش التي يقيمها الجيش الصهيوني في الأرض الفلسطينية المحتلة. وقد تعرّض عدد من المناضلين إلى السب والإهانة وسياراتهم إلى الضرب (صالح الحمزاوي، المحامي طارق العبيدي…). وقد طال المنع حتى أفراد عائلة الشهيد الذين منعوا من الوصول إلى المقبرة. إن منع إحياء اليوم الوطني لمناهضة التعذيب في يوم الذكرى العشرين لاستشهاد نبيل البركاتي ليعكس التدهور الخطير لحالة الحريات واستشراء القمع السياسي واشتداد القبضة الأمنية لنظام بن علي على المجتمع وعدم تحمله أبسط مظاهر النقد الاجتماعي والعودة المكثفة إلى ممارسة التعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاعتقال والسجون… وهو مؤشر واضح على تفاقم أزمة الدكتاتورية النوفمبرية التي تعمل بكل الوسائل وخاصة البوليسية منها على تكميم الأفواه ومنع كافة القوى السياسية والاجتماعية من التعبير عن مطالبها وطموحاتها والإعداد منذ الآن لإبقاء الرئاسة مدى الحياة في المهزلة الانتخابية التي ستنظم عام 2009. إن منع القوى الديمقراطية من إحياء اليوم الوطني للتعذيب، مثله مثل منع أنشطة الجمعيات والمنظمات الحقوقية والثقافية المستقلة وأحزاب المعارضة وهيئة 18 أكتوبر وتحركات العاطلين من أصحاب الشهادات العليا وغيرهم، لن يزيد نظام بن علي إلا عزلة والقوى الديمقراطية إلا إصرارا على تكتيل الصفوف ومواصلة النضال من أجل تخليص تونس من الاستبداد.
(المصدر:  « صوت الشعب » (اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي)العــدد 255، ماي 2007 )

الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان: ما المطلوب لتحريك الوضع؟

 
تثير الوضعية التي تمر بها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تساؤلات. فموقف النظام واضح وهو عرقلة بل منع نشاطها بذرائع مختلفة حتى لا تقوم بدورها في الكشف عن انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصا وأنها تفاقمت في السنوات الأخيرة. وليس أدل على ذلك من مواصلة البوليس السياسي تطويق مقرات الرابطة منذ سبتمبر 2005 تطويقا كاملا ودائما ومنع الأنشطة فيها بل ومنع دخولها على أعضاء الرابطة عدا أعضاء الهيئة المديرة بالنسبة على للمقر المركزي. كما أن موقف هياكل الرابطة، قيادة وقواعد من هجوم السلطة واضح. فقد صمدت هذه الهياكل في وجه هذا الهجوم وتمكنت من فضح مناورات السلطة المتعددة والمتنوعة والرد على حملاتها الدعائية الكاذبة وإفشال محاولات اختراق وحدة الرابطيين عن طريق مبادرات مشبوهة مثل مبادرة الـ108 التي سعت بصورة خبيثة من السلطة إلى تحويل الأزمة من أزمة مع السلطة إلى أزمة داخل الرابطة. كما نجحت الرابطة في كسب الرأي العام الداخلي والخارجي إلى جانبها. وهي لا تزال صامدة إلى اليوم. ولكن السؤال المطروح اليوم: ما هو الأفق إذا استمرت السلطة على موقفها، وهي مستمرة بالطبع والجميع يعرف أنها لا تتزحزح عن مواقفها إلا تحت الضغط الداخلي والخارجي. وفي الحقيقة فإن ما يحير هؤلاء المناضلين ليس استمرار السلطة في موقفها بقدر ما هو تراجع التعبئة داخل الرابطة ونزوع معظم فروعها إلى ما يشبه « استراحة المحارب » بعد فترة من المواجهات والمصادمات مع البوليس وميليشيا « التجمع ». ففي ما عدا عدد قليل من هيئات الفروع (بنزرت، القيروان، حمام الأنف-الزهراء، قفصة، سوسة، جندوبة…) فإن معظم الفروع غابت أو تكاد عن الساحة رغم كثرة الانتهاكات في كل الجهات. إن فتح آفاق الرابطة لا يمكن أن يحصل بمثل هذا السلوك. فغاية السلطة هي شل نشاط الهيئة المديرة والفروع، وخلق وضع انحلال قد يدفع إلى الانحسار والانغماس في الشأن الرابطي الداخلي (الرابطة تدافع عن وجودها عوض الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان). كما انه قد شجع بعض الأطراف على استغلال حالة الإحباط لتمرير مشاريع تصفوية. لذلك من الضروري الانتباه إلى هذا الخطر ومواجهته في الإبان. إن الرابطة لا تواجه أول أزمة مع السلطة. فقد عاشت منذ تأسيسها ظروفا صعبة وأوضاعا استثنائية. وقد نجحت ، ولو بدرجات مختلفة، في كل مرة من الحفاظ على وجودها وإسماع صوتها نسبيا. وبعد كل هذه التجارب التي راكمت فيها رابطتنا خبرة كبيرة في مواجهة المشاريع التصفوية، فإننا نعتقد أنها مؤهلة اليوم أكثر من أي وقت لا للحفاظ على وجودها فحسب بل وعلى إشعاعها أيضا وهو ما من شأنه أن يفرض على السلطة إن آجلا أو عاجلا، التفاوض معها والتخلي عن سعيها المحموم إلى تصفيتها. إن المطروح اليوم هو أن لا يستسلم الرابطيون والرابطيات إلى الأمر الواقع، وأن يأخذوا المثال من الهيئة المديرة في فترة صعبة سابقة بعقد اجتماعات هيئات الفروع بصورة دورية خارج المقرات المحاصرة ومتابعة أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في الجهات والمناطق والتدخل لفائدة الضحايا (إصدار بيانات، اتصال بالعائلات، تقديم المساعدة الطبية والمعنوية قدر الإمكان..) وتقديم تقارير للهيئة المديرة والرأي العام حول تلك الانتهاكات. وتنظيم احتجاجات دورية لفتح المقرات المغلقة والمحاصرة وعدم التسليم فيها وتجميع المساعدات المالية لخلاص كرائها واستغلال ذلك للإعلام حول أوضاع الرابطة وتعبئة الناس حولها. وهذا الأمر لا يتطلب سوى مناضلات ومناضلين مقتنعين بمهمتهم ويتمتعون بروح عملية وكفاحية عالية. مناضل رابطي (المصدر:  « صوت الشعب » (اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي)العــدد 255، ماي 2007 )

تردي الأوضاع الاجتماعية

 
لا حديث في الأوساط الشعبية إلا عن لقمة العيش وصعوبة الحصول عليها. فالأسعار لا تتوقف عن الارتفاع والأجور والمداخيل أبعد من أن تواكب النسق الذي يتم به هذا الارتفاع، والبطالة تتفاقم وتضرب خيرة شبابنا من الحاصلين على شهائد عليا وتلقي بهم في الشارع وتمر السنة وراء السنة وهم يلهثون وراء شغل لا يأتي، والخدمات الاجتماعية وخاصة العلاج، تتردى من يوم إلى آخر علاوة على ارتفاع تكاليفها سواء كان ذلك بالمستشفيات العمومية أو المصحات الخاصة التي تكاثرت وأصبح لا يقدر على أسعارها إلا أصحاب الثروة. من الجهة المقابلة فإن مظاهر الثراء الفاحش لدى أقلية قليلة من « الناس » المقربين من القصر ومن أوساط الحكم عامة تتفاقم وتستفز: القصور الفخمة، سيارات « الهامر » والعيش على نمط ألف ليلة وليلة، وفي كل يوم تأتي أخبار جديدة عن أرض أو مشروع أو مؤسسة أو قطاع وقع الاستيلاء عليه من طرف « ناس واصلين » لما فيه من ربح يسير. وهم يجدون الدولة بمختلف أجهزتها تسهّل لهم الاستيلاء على ثروات البلاد وخيراتها وتحميهم وتحمي مصالحهم وتقمع من يجرؤ على النقد والاحتجاج. لقد أصبح المجتمع التونسي منشطرا، ففي أعلى الهرم تنتصب هذه القلة القليلة من الأثرياء، وفي أسفله تتجمع شيئا فشيئا بقية الطبقات والفئات يجمعها الفقر والحاجة، ولم يعد هناك مجال واسع للحديث عن « فئات وسطى » كانت بالأمس مادة دعائية يستعملها نظام بن علي لتأكيد « نجاحاته » الاقتصادية والاجتماعية وقد دمرتها اليوم الخوصصة وتخلي الدولة عن دورها الاقتصادي والاجتماعي وتسليمها « مفاتيح البلاد » لحفنة من مصاصي الدماء المحليين والأجانب الذين لا يهمهم سوى تكديس الأموال ولا شيء غير ذلك. ومن الواضح أنه إذا لم يحدث « أمر ما » فإنه لا شيء يشير إلى أن تيار تفقير العمال ومختلف الطبقات والفئات الشعبية سيتوقف، فنظام بن علي ممعن في تطبيق نفس السياسة المعادية لمصالح الفئات الشعبية. وكما يقول المثل الشعبي « الواحد ما يندبلو كان ظفرو ». فإذا لم يتصد العمال والكادحون لهذه السياسة فإن ما ن شيء سينقذهم من البؤس.
(المصدر:  « صوت الشعب » (اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي)العــدد 255، ماي 2007 )

أخبـار متفرقة الدكتاتورية تمتهن العلم والمعرفة
 
تلقى الشاعر والأستاذ الجامعي الطاهر الهمامي قرارا يقضي بإحالته على التقاعد بداية من غرة أكتوبر القادم، لبلوغه سن الستين مع استثنائه من الحق في طلب التمديد، مع ما سيترتب عن ذلك من أضرار للطلبة الذين يعدون معه بحوثا جامعية. وكانت الوزارة في السنوات الماضية تحترم على الأقل القانون شكليا، فتحيل الأساتذة على التقاعد ثم ترفض التمديد لغير المرغوب فيهم. ولكنها « جدّدت » هذه السنة بأن أصدرت قائمتين: واحدة للمتقاعدين الذين يحق لهم طلب التمديد وواحدة للمتقاعدين المستثنين من ذلك. وقد علمنا أن النقابة العامة للتعليم العالي تبنت موضوع الأستاذ الطاهر الهمامي والمتقاعدين الذين هم في وضعيته للدفاع عنهم لما في قرار وزارة التعليم العالي من جور وتعد حتى على القوانين المعمول بها. ومن المعلوم أن مسألة المتقاعدين من الأساتذة الجامعيين مثارة منذ مطلع التسعينات. ففي العهد البورقيبي كان سن التقاعد في حدود الـ70 سنة. وقد روعيت في ذلك عوامل الخبرة إذ أن الأستاذ الجامعي يكون في سن الستين في أوج العطاء خبرة ومعرفة وبالتالي فإن إحالته على التقاعد في هذا السن فيه خسارة للبلاد. وفي الثمانينات تم النزول بسن التقاعد إلى 65 سنة فإلى 60 سنة في عهد بن علي. ولما طالب الجامعيون بمراجعة هذا القرار عمدت السلطة إلى ابتداع طريقة تمكنها من التحكم في مصير الجامعيين وإخضاعهم للضغط والابتزاز وذلك بأن تركت سن التقاعد كما هو (60 سنة) وأقرت إمكانية التمديد بقرار من الوزارة. وبهذه الصورة أصبح التمديد خاضعا لشروط الولاء السياسي، فحُرمت الجامعة والبلاد من خدمات أساتذة وباحثين كبار في مختلف الميادين (هشام جعيط، توفيق بكار، أحمد إبراهيم، الطاهر الهمامي…) لا لشيء إلا لأنهم حافظوا على استقلاليتهم ورفضوا تقديم شهادات الولاء والإخلاص لبن علي ونظامه. وهو ما يؤكد مدى امتهان هذا النظام للمعرفة وتلاعبه بمصير البلاد. اعتداء جديد على السيدة سامية عبو تعرضت السيدة سامية عبو، مرة أخرى إلى الاعتداء، بمناسبة زيارة زوجها، سجين الرأي، الأستاذ محمد عبو، يوم الخميس 24 ماي، وبمجرد أن أعلمت سامية زوجها بأنها قدمت من تونس مرفوقة بوفد من منظمة « فرونت لاين » (في الخط الأمامي) الحقوقية، حتى جذب أعوان الحراسة الستار ودفعوا السيدة سامية بوحشية إلى خارج مكان الزيارة ثم إلى خارج السجن. كما أن الأعوان الموجودين في الجهة المقابلة اقتادوا الأستاذ محمد عبو إلى زنزانته. وفي الأسبوع الموالي أي يوم الخميس 31 ماي ما أن وصلت السيدة سامية عبو إلى سجن الكاف حتى وجدت في استقبالها نائب المدير الذي حذرها من أنه سيقطع الزيارة إذا تكلمت مع زوجها في موضوع غير موضوع أحوالها الخاصة وأحوال أطفالها. ولما احتجت عليه، قدم إليها مدير السجن مصحوبا بأكثر من عشرة أعوان وخاطبها بلغة التهديد والاستفزاز ولما ذكرته بأن هذه اللغة ليست غريبة عن شخص حاول في وقت من الأوقات تسميم زوجها في السجن، أجابها: » اسمي جلال العاشوري كان تحب »، أي « كان عندك ريح ذري عشرة » في إشارة إلى كونه محميا وفالتا من العقاب. إلى متى ستتواصل اعتداءات البوليس السياسي؟ من الأشياء التي صارت مألوفة في الساحة السياسية التونسية هي الاعتداءات المتواصلة لأعوان البوليس السياسي على المواطنين وخاصة المعارضين منهم. فلا يكاد يمر يوم دون أن نسمع عن اعتداء من هذا النوع. وظاهرة البوليس السياسي بالزي المدني اتسعت بشكل لافت حتى أصبح هؤلاء أقرب إلى الميليشيا منهم إلى أعوان الأمن، لا يخضعون لقانون بل لتعليمات لا تقبل المناقشة وخارجة عن كل القوانين. ولعلمهم أنهم يتمتعون بالحماية الكاملة وفالتون من العقاب فإنهم يتصرفون بكل صلف وبكل وقاحة ولا يترددون في تذكير ضحاياهم بأنهم هم الذين يحكمون البلاد وأن لا أحد بإمكانه إيقافهم أو محاسبتهم. فإلى متى سيستمر هذا الوضع؟ ** تعــــازي ** تتقدم أسرة تحرير صوت الشعب بتعازيها الحارة إلى: –  المناضلة والسجينة السياسية السـابقة نجوى الرزقي على إثر وفاة والدها. –  المناضل والسجين السياسي السـابق علي الجلولي على إثر وفاة والده. –  المناضلة فاطمة الزوادي على إثر وفاة والدها.
(المصدر:  « صوت الشعب » (اللسان المركزي لحزب العمال الشيوعي التونسي)العــدد 255، ماي 2007 )

 

من حصاد العام الدراسي: تكريم أو تهريس المربين

 
محمد الجابليّ لكل مجتمع عادات وتقاليد تنشأ وتنمو مع نموه وتطوره، ومن عاداتنا الناشئة في موفى جوان الإنتباه للمربين الذين انتهوا لتوهم من أعباء سنة دراسية بواجباتها الكثيرة… وهذا الإنتباه نشترك فيه مع غيرنا من الأمم الأخرى تلك التي تكرم المربين في موفى جوان، لكننا نختلف عليهم ببدعة تكررت وستصبح تقليدا يعني ماركة تونسية مميزة« iso »   تونسي، وهي عادة ضرب المربين في نهاية جوان مثلما حصل العام الماضي في العاصمة، ومثلما يحصل هذا العام وبشكل أخطر في القصرين، حيث قيل أن البوليس طارد الأساتذة والمعلمين إلى داخل مقر إتحاد الشغل وأشبعهم ضربا، وذنبهم الكبير أنهم أرادوا الإحتجاج أمام إدارتهم الجهوية وأرادوا تسليم عريضة للمدير الجهوي المسؤول الأقرب … هذه الظاهرة تستدعي في ذهني ذكريات قديمة حيث كان التلميذ الراسب أو المطرود ينتظر فرصة آخر العام لينتقم من معلمه أو أستاذه ببذيء القول، وينتقم من المؤسسة بتكسير بعض محتوياتها، والمجاز قريب حيث أننا مجتمع ينحو منحى الأمية ومن الطبيعي أن يزداد كرهنا الرسمي المعمم لكل ما له صلة بالعلم والمعرفة، ومن البديهي أن نطارد الأساتذة والمعلمين الذين أجتهدوا لينغصوا علينا متعة التلفاز ومسابقات ستار أكاديمي كل أولئك الذين شوشوا متعتنا بضجيجهم ونصحهم وثرثراتهم ومعارفهم… نحن جميعا الراسبين آخر كل سنة، المطرودين من العلم والمعرفة، نمزق كتبنا ونطارد المربين حتى نربيهم ونروضهم للأمية الزاحفة تحت  غطاء ستار أكاديمي… لا بد من وقفة حازمة وجماعية ضد الذين تصرفوا بعقلية التلميذ المطرود، أولئك الذين تسللوا إلى مسؤوليات ليست لهم واتخذوا إجراء قمعيا ليس في موضعه… وقديما قلنا الكرامة قبل الخبز لكن يبدو أننا ضيعنا الخبز وقبله الكرامة. دمنا ودامت تقاليدنا الجميلة والى جوان القادم مرافيء الثقافة –  » لزوم العود على بدء أو إستراتيجيات فلسفية » إصدار جديد ضمن سلسلة شذرات فلسفية لزهير الخويلدي ورد في 300 ص من الحجم الكبير »…عندما وقع استهداف وطن الكينونة وتشقق مسطح المحايثة الذي جهزه العرب للتفلسف وعصفت رياح العدم بشجرة الحكمة الشرقية لم يجد الإنسان من مسلك آخر غير استنطاق الظروف والأحوال التي سببت هذا الإستهداف… » –  » هؤلاء » كتاب جديد عن دار سحر للنشر تأليف مشترك بين المنجي السعيدي وحفيظة القاسمي ورد في تصميم جميل 126ص فيه قصص من الذاكرة  » عايشنا معا أصنافا من الناس بطرافتهم وتميزهم فأثثوا جوانب من شخصيتنا …فوفاء لكل من ترك بصمة في ذاكرتنا … » – « ثقوب الطين » مجموعة شعرية لناجي الحجلاوي  » أراني / على ظهر موج /أؤسس برجي/ وأزجي من الكلمات سحابا/عجابا/ يكون ثقوبا من الطين للظاعنين / وماء من الشعر/ للظامئين… » (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

علاقة الأولياء بالأبناء : « غياب القدرة وتفشي التسيّب والتفسّخ الأخلاقي وانسداد قنوات الحوار والتّواصل « 

 
استنادا إلى إحدى الدّراسات، فإن الطفل إلى غاية وصوله مرحلة المراهقة، يكون قد سمع ما لا يقلّ عن ستة ألف كلمة سيئة مقابل بضع المئات من الكلمات الحسنة. وبالتالي، فإن الصورة التي تحصل للطّفل بخصوص ذاته ناتجة بنسبة عالية عمّا يسمعه من كلام. لذلك لا بدّ من تجنّب الحطّ من القيمة والتهديد والاستهزاء والتحقير لأنّ ذلك يولّد لدى الأطفال نزاعات الانطواء والعدوانية والمخاوف وانعدام الثقة بالنفس. ولعلّ خير وسيلة نربّي بها أبناءنا هي  » كلمة الحبّ  » .وفضلا عن ذلك، ينصح الأخصائيون في مجال علم النفس وعلوم التربية أن يجعل الأب أو الأم عينيه في عين طفله وينظر إليه بابتسامة منشرحة ويتمتم بعبارات  » أحبك يا ولدي  » أو  » أحبك يا ابنتي « . وبالتالي نفسح المجال للتعبير عن شوقنا و مشاعرنا الفياضة. عندئذ يمكن الحديث عن  وسيلة أخرى للتربية، ألا وهي  » نظرة الحب « . وفي نفس هذا السياق، وأمام ما تشهده الأسرة من تفكك، فالأفضل أن يجتمع كافة أفرادها على مائدة واحدة. وينصح البعض بألاّ يتمّ وضع وجبات الطعام في القاعة التي يوجد بها جهاز التلفزيون حتى يحصل بين أفراد العائلة ذلك التفاعل وتبادل وجهات النظر. كذلك، يستحسن أثناء تناول وجبات الطعام أن يضع الأولياء، من حين لآخر بعض اللّقمات في أفواه أبنائهم أو حتّى في ملاعقهم وصحونهم، كلّ ذلك بنظرة حبّ وابتسامة خفيفة وكلمات حنونة. ويندرج هذا في باب  » لقمة الحبّ « . وإلى جانب ما سبق ذكره، يرى البعض أنّه من المستحسن أن يكون الأب وابنه جالسين جنبا إلى جنب وليس على كرسيين متقابلين، بحيث يتسنى للأب وضع يده على كتف ابنه. ذلك أن تلك اللمسة الخفيفة تفرز شحنة من الودّ ودفئ العلاقة. وحتى في صورة ارتكاب الأبناء لبعض الأخطاء، فمن الأفضل أن يضع الأب رأس ابنه على كتفه حتّى يمنحه الإحساس بالقرب والأمن والرّاحة. وهذه هي  » لمسة الحب « . ومن مظاهر التربية بواسطة الحبّ، أن يتوجه الأب أو الأم كلّ ليلة إلى فراش ابنه ويقبله ويضع خدّه على خده ويداعبه بخفّة وبشاشة ثمّ يغطيه بلحافه، فذلك هو  » دثار الحبّ « ، لا سيّما وأن الطّفل في هذه الحالة سيكون في فترة قريبة من اللاوعي أو بين النوم واليقظة، وبالتالي سيترسخ هذا المشهد في ذهنه، وعندما يستيقظ في الصباح، فسوف يتذكر أن أباه أو أمه جاءه إلى فراشه وداعبه. وهذا من شأنه أن يساهم في تقريب المسافة بين الأولياء والأبناء وتفادي العزلة. كذلك، يذكر البعض  » ضمة الحبّ  » التي يحتاجها الابن مثلما يحتاج إلى الطعام والشراب والهواء. فهي تمنحه الطمأنينة والتوازن وتعطيه إحساسا بأنّ هناك من يسهر على سعادته وهناءه. كذلك نذكر،  » بسمة الحبّ  » التي تصدر من أعماق الوجدان وتكون مشحونة بالعاطفة الجيّاشة والإحساس المرهف. وما دمنا نتحدث عن الحاجات الأساسية للأبناء، فالجدير بالذكر أن عديد الدّراسات والبحوث السيكولوجية ما انفكّت تؤكد على الأهميّة الكبرى التي تكتسبها الحاجات في العملية التربوية. وعموما تكون تلك الحاجات في شكل دوافع مشحونة بطاقة هائلة. وقد تم تصنيف هذه الحاجات إلى أصناف متعدّدة نذكر منها الحاجات المادّية مثل الحاجة إلى الأكل والشراب، والحاجة إلى الحبّ والحاجة إلى الانتماء والحاجة إلى الحرية والحاجة إلى الإستقلالية والحاجة إلى إثبات الذّات… ولا شك أنّ الحبّ يمثل أهمّ الحاجات الانفعالية لدى الأطفال بحيث يعتبر جوهريّا لضمان وجودهم ونموّهم. ثم إن الحبّ قيمة إنسانية تتعارض مع كافة أشكال العنف والقسوة والإكراه. فالطفل الذي يكون محروما من الحب و العطف و الحنان و الرعاية و الإحاطة و المتابعة، يكون في المستقبل عرضة للإضطرابات النفسية و الانحراف السلوكي. و للحب أشكال ثلاثة تتمثل في أن يغدق الطفل الحب على نفسه و ينهل من حب الآخرين و يغمر غيره بالحب أيضا. كذلك، فإن الحاجة إلى الأمن تكتسي أهمية بالغة و أولوية قصوى بحيث يصنفها العلماء مباشرة بعد الحاجات البيولوجية. وهي تتمثل في تأمين الظروف الأساسية في الوجود و البقاء و الاستمرار و يتسنى ذلك من خلال تأمين الحماية، بحيث أن حالة الأمن و الاستقرار هي في نهاية الأمر من الناحية السيكولوجية استمرارا للوضعية الجنينية للطفل. أما بالنسبة إلى الحاجة إلى الحرية، فالحرية هي حجر الزاوية في التربية الديمقراطية، و يتجسد هذا المبدأ، بصفة خاصة، من خلال الحرية النفسية للطفل ثم الحرية الجسدية و الحرية الذهنية. و المقصود بالحرية النفسية، هو عدم إكراه الطفل و دفعه إلى تبني مواقف انفعالية مثل مشاعر الحقد و الكراهية و العدوانية بل، بالعكس، تنشئته على قيم التسامح و العطاء و التضحية و التضامن. أما الحرية الذهنية، فهي تعنى عدم حشو ذهن الطفل بقيم و معتقدات بعيدة عن اهتماماته و ميولاته. و بطبيعة الحال، تتجسد الحرية الجسدية من خلال فسح المجال أمام الطفل ليتمتع باللعب و الحركة و الانطلاق دون قيود أو حواجز تعرقل نموه و اكتمال بناء شخصيته. و من منظور التربية الديمقراطية تتمثل الاستقلالية في تعويد الطفل على الاعتماد على نفسه في حل مشاكله و مشاغله وفقا لقدراته و إمكانياته و فضلا عن ذلك، فالشعور بالاستقلالية يمثل الوجه الآخر للشعور بالانتماء و ذلك في علاقة جدلية بين الأنا و الهو و الأنا الأعلى، مثلما يؤكد على ذلك فرويد. و من بين الحاجات الديناميكية للوجود، نذكر الحاجة إلى التقدير الاجتماعي فمن ناحية، يسعى الفرد إلى الفوز بحب الآخرين و تقديرهم، و لاسيما في إطارات المجموعات المرجعية مثل الأسرة و المدرسة و جماعات الأقران و الأنداد، و من ناحية أخرى، هنالك سعي دائم إلى احترام الذات و تقديرها و تثمينها. و بطبيعة الحال، تبقى صورة الذات متوقفة إلى حد كبير على الانطباعات التي يحملها الآخرون عن الفرد، و بالتالي، لابد من تفادي إذلال الطفل و تبخيس شخصيته و الحط من شأنه. و في سياق حديثنا عن الحاجات الأساسية، لا بد من الإشارة إلى الحاجة إلى إثبات الذات و التجربة الشخصية. و هي امتداد و تجسيد لمبدأ الشعور بالاستقلالية، و من مقومات هذه الحالة معرفة الذات أولا ثم تقبلها و تثمينها و أخيرا السعي إلى تحقيقها من خلال الاندماج في المجتمع. لكن، أين تتموقع الأسرة إزاء هذه الحاجات؟ لعلنا نتفق أن الأسرة تلعب دورا جوهريا في تنمية و تطوير السلوكات الوجدانية و النفسية و العاطفية و كذلك الذهنية للطفل. ذلك أن الأطفال يلتحقون بالمدارس حاملين معهم الأفكار و المبادئ و القيم التي تعلموها و مارسوها داخل البيت الذي نشؤوا و ترعرعوا فيه. و فضلا عن ذلك، فالأطفال ينقلون الصفات و الميزات و الخصائص التي يتميز بها الوالدان، حيث لا ننسي أن الأب أو الأم غالبا ما يمثل القدوة و النموذج و المثال الذي يقتدي به الطفل. و إستنادا إلى بعض الدراسات الميدانية، نتبين أنه بقدر ما يكون الآباء أقل عرضة للصراعات و التوترات داخل العائلة بقدر ما يكون الأبناء مؤهلين أكثر من غيرهم للتأقلم و التكيف و الاندماج مع المحيط. كذلك، كلما كان هناك اتفاق بين الوالدين حول نمط التربية داخل المنزل و طريقة المعاملة و القدرة على تجاوز الأزمات العابرة و فض النزاعات المحتملة بعيدا عن التصلب و التشنج. كلما انعكس ذلك بصفة ايجابية عن سلوكات الأطفال و طريقة تعاملهم مع الآخرين. و من بين الأسباب التي تؤثر سلبا على سلوك الطفل، نذكر: * الإفراط في تدليل الطفل بشكل كبير مما قد يخلق لديه نوعا من الغرور، و بالتالي تتزايد طلباته و رغباته، و يجد الوالدان أنفسهما مجبورين و أحيانا عاجزين على تلبية كافة تلك الرغبات. و في صورة عدم تلبيتها، يصدم الطفل بالواقع و يكون أحيانا عرضة للإحباط و خيبة الأمل. * التذبذب بين القسوة و اللين، و ذلك بسبب اختلاف الأب و الأم من حين لآخر مما يجعل الطفل ينشأ على التردد و عدم الاستقرار و هشاشة الثقة في النفس. *الخوف المبالغ فيه على الطفل والسعي بكلّ الطرق إلى حمايته والإكثار من القيود المفروضة قصد إخضاعه، ممّا يجعله فريسة للخوف واجتناب المخاطرة والميل إلى الاتكال على الغير وغياب روح المبادرة والابتكار والخلق والإبداع. * التمييز بين الولد و البنت أو بين المولود الأول و الثاني و التفاوتات في العطف و الحنان و المحبة، مما قد يخلق لدى الطفل نزعة إلى التفرقة و التمييز. و ختاما، لا بد من التأكيد على أن العائلة هي النواة الأساسية التي تساهم في قولبة سلوك الطفل و معاملاته مع الآخرين. و بالتالي، فإن نوعية العلاقات الأسرية و التكثيف من التواصل و الحوار و تبادل الآراء و الإصغاء إلى الغير من شأنها أن تساهم بقسط وافر في إعداد الطفل للتأقلم و التكثيف بالتالي للاستعداد للاندماج في المجتمع و الانصهار في عملية التدرب على الأدوار و المسؤوليات التي تنتظره. أبو مهدي (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

علمني … علمني درس في محو الأمية

صحوة الدراويش    مازلت أذكر و أنا طفل صغير الدراويش… الدراويش عرفني بهم معلمي و هم: . الدڨازة و سبحتها … . و الوڨاعة و زبيبتها … . و الكتّاب و حرزه … . و الوليّ و زاويته … كان ذلك زمن الحماية يوم كانت المدارس قليلة و الأمية شائعة … في ذلك الزّمن الجائر زمن البؤس و الجهل كان الدّراويش يصولون ويجولون … يداوون الأمراض … و يساعدون على الزواج و الإنجاب … و يساهمون في النجاح و الفشل … و يقرؤون الغيب … يستقبلهم الناس أو يزورونهم فيجدون تفسيرا لجهلهم و يحتمون بجاههم … و يعلّقون تمائمهم … و يستمعون إلى نصحهم و يذبحون …و يدفعون … يدفعون رغم بؤسهم … …………………. و مرت الأيام … و رحل المستعمر … و تعلم الناس ما يهمّ دينهم و دنياهم … و بدؤوا يفهمون اللعبة … لعبة الدراويش و شعوذتهم … فنسوا الدڨاز و الوڨاع والكتّاب و الوليّ… نسوهم … و نهروهم … و حقّروهم … و مالوا إلى العمل يغنيهم … و إلى الطبيب يداويهم … و إلى التعارف و الاختلاط لاختيار شريك الحياة … مالوا إلى الله يطلبون العون و الفلاح … …………………………….. و فجأة … و نحن نعيش عصر الجوّال… و الحاسوب…                 و الفضائيات … طلع علينا دراويش جدد دراويش «مود ارن» دراويش يوظفون احدث التقنيات … الصحف … و التلفزيون … و الجوّال … و البريد الالكتروني … …………………… الحكيمة الروحانية فلانة تسمّي الأشياء بمسّمياتها … الأستاذة الكبيرة منّانة قارئة الكف و عالمة الغيب … الحاجة «الطاهرة » نوّارة تداوي بالقران و تجلب الرزق … العالمة « الصالحة » دوّارة عضوة اكادمية العلماء … آنسات … وسيدات … و عوانس … يمارسن … و يمتهن الشعوذة … و يدّعين علم الغيب … …………….. الفلكي العالمي فلان يجلب الجان … و يداوي بالقران … الشيخ فلتان شيخ الحكمة الربانية مروض الجن يداوي بالآيات القرآنية … الحكيم الروحاني كعفاص رئيس الرابطة العالمية للصالحين يداوي الصمّ و البكم و المجانين … …………………… دراويش عصريون مشعوذون عالميون ملحدون و محتالون على الصحف ينشرون وفي الفضائيات يظهرون. يوظفون الكارطة و الأعشاب وحتى كتاب الله العزيز … والكل يقبض و الكل يكنز و المواطن يدفع … يدفع جزاء جهله … و يأسه … و يلهث كالمسعور و راء سراب … إنها صحوة الدراويش سي يوسف

 
(المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)

حـُرّيـة     شعر: بحري العرفاوي كلّ طفل أراه أقول بُنيْ أسمع ركْضه في دمي إذ يُنادي: أبي فأجيب: تعال إليْ إنّني آدم.. هذه الأرض قبضة طين وروح الوجود على راحتي ………. سوف ـ لا شكّ ـ يسألني: كيف أُطردْتَ من  » جنّتي »؟ كيف لم أنضبط؟ فخرجت بـ »معصيتي »؟ وأُجيب:بُنيْ لم تكن معصيهْ إنّما: تلك حرّيتي.
 
(المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 25 الصادرة يوم 27 جوان 2007)


هزيمـــة 67 وأزمـة اليســـار الـعـربـــي

 
بقلم: د. سمير بسباس قد يتراءى العنوان مثيرا للغرابة إذ أنّ في نظر الغالبيّة ممّن اهتمّوا بدراسة الهزيمة خصوصا منهم اليساريّين يربطونها بسقوط الفكر القومي باعتبار أنّ اليسار العربي لم يكن في السلطة. سأحاول أن أبيّن عكس ذلك. قبل أن ندخل في صلب الموضوع حريّ بنا أن نفكّ رموز بعض المصطلحات التي أوردناها. ما المعنى من الهزيمة؟ البعض يسمّيها هزيمة والبعض الآخر يطلق عليها نكسة أو فشل ولكن مهما اختلفت المصطلحات والتعابير فالنتيجة واحدة ألا وهي ضمّ إسرائيل لمزيد من الأراضي العربيّة وحدوث صدمة عنيفة لازالت بصماتها تنطبع خصوصا في أذهان من عايشوا تلك الفترة.  من ناحية أخرى كان لهزيمة 67 وقع معاكس في الأوساط الصّهيونيّة التي بدأت تشعر بأنّ حلمها في بناء إسرائيل الكبرى بدأ يتحقّق. يعتقد المفكّر الفلسطيني عزمي بشارة اأنّ حرب حزيران مثّلت هزيمة ساحقة للدول العربيّة التي شاركت في الحرب وأخذت الهزيمة المدوّيّة جيلا كاملا رهينة لها ولم تتوقّف التفسيرات من نقد للفكر الديني وحتى نقد الفكر القومي إلى الصدمة الحضاريّة وإلى الإنتاج الأدبي. لكن أمرا واحدا لم يخطر بالبال وهو أنّ هذه الهزيمة هي استثناء وليست القاعدة وأنّ النظام العربي نفسه حارب أفضل عندما أتيحت له فرص أخرى وأنّ فدائيّين فلسطينيّين وكتيبة مدفعيّة أردنيّة أبلوا البلاء الحسن في معركة الكرامة بعد أشهر من الهزيمةب  . عزمي بشارة: مقال حول الهزيمة (الأنترنت). لكن ما تغافل عنه عزمي بشارة هو لماذا لم تهيؤ الفرص الكفيلة بتحقيق النصر أو حتى تجنّب الهزيمة؟ فأن يتوقّف تقييمنا للهزيمة على دراسة موازين القوى العسكريّة فهذا لا يرتقي إلى المستوى الأدنى المطلوب. أي علاقة لليسار العربي بهزيمة 67؟ قبل كلّ شيء ما اليسار؟ هو تعبير فضفاض وغامض. يمكن أن يضمّ اليسار اتّجاهات متباينة ولكن ما يجمعها هو انحدارها من صلب ما عرف بالاشتراكيّة االعلميّةب والماركسيّة بصفة عامّة. سوف لن نتعرّض إلى تاريخ مختلف هذه الحركات وإلى المرجعيّة الأيديولوجيّة التي تستند عليها لأنّ ذلك يستدعي مجالا أوسع ممّا يسمح به هذا المقال ولكن سنتوقّف على حقيقة اليسار المعاصر وبالأخصّ في العقود الأخيرة وإلى موقع اليسار العربي في كلّ ذلك وعلاقته بالهزيمة. هناك أرضية فكرية مشتركة بين اليسار والفكر الليبرالي رغم تعارضهما الظاهري افكلاهما تغذّى ونهل من نفس الرّحم الأيديولوجي: إنّها المبادئ الفلسفيّة للأنوار التي من بين علاماتها المميّزة الإيمان بالتقدّم المستمرّ واللاّنهائي للبشريّة واختزال العلاقات الاجتماعيّة في مصالح اقتصادية ومحورية الاقتصاد (JeanClaude Michéa Impasse Adam Smith, .).2002 Editions climats, لقد جاءت الأنوار بقيم ومعايير جديدة لعلّ أهمّها التحرّر من سلطة المرجعيّات وتحرير الفكر والعمل ولكنّها روّجت أيضا لمفاهيم لم تعرفها العصور الوسطى كالتحكّم العقلاني والمطلق في الكون والتطوّر اللاّنهائي والتقدّم والفردانيّة وكلّ ذلك بدافع من طبيعة إنسانيّة مزعومة تتّجه بصفة آلية نحو الأرفع والأفضل ووفق قانون خفيّ حتمي (إمّا اليد الخفيّة أو قانون تاريخي علمي وفق النظرة الماركسيّة).  اليسار هو مشروع سياسي للأنتليجنسيا والفئات المتعلّمة بينما الاشتراكيّة كما كُرّست في الواقع هي ممارسة ملموسة للفئات الشعبيّة بالاستناد على قيم بسيطة كالشرف وعدم الخنوع للاستغلال والاستبداد ورفض المزاحمة والمنافسة والتعايش والتحابب…ب (نفس المرجع ) تلك المبادئ التي عبّر عنها George Orwell بالحسّ المشترك Common Decency والتي تعرّض لها مفكّرون مجدّدون مثل Ivan Illich وWolfgang Sachs وSerge Latouche وCornélius Castoriadis وChristopher Lasch… لقد تشكّلت الاشتراكيّة الفعليّة وعلى أرض الواقع (ولا في الكتب والمقالات والأيديولوجيات) على قاعدتين هما رفض الرّجوع إلى النظام القديم (سلطة الملك والكنيسة والجيش) ورفض القضاء على علاقات التضامن التي تميّز المجموعات باختلاف أنواعها ومجالاتها. من المعلوم أنّه من بين القوانين الأولى التي نظّمت الاقتصاد الجديد بعد الثورة الفرنسيّة في سنة 1789 قانون Chapelin الذي فرض حلّ كلّ التجمّعات المهنيّة باعتبارها عائقا أمام تطوّر السوق الحرّ وقانون التنافس. فالدولة الأمة    National Building ترفض كل ما يزاحمها من خصوصيات محلية وجهوية وعادات ولغات محلية  . لقد اختزلت المنفعيّة العلاقات الاجتماعيّة في حسابات اقتصاديّة وداست على كلّ المفاهيم الفلسفيّة والاجتماعيّة الأخرى كمفهوم العطاء Le Don الذي طوّره المفكّر Mauss. اليسار بصفة عامّة مثله مثل اللّيبراليّة ضدّ المحافظة Conservatisme لا بمعناها السياسي بل بمعنى ضرورة القطع مع كلّ ما يذكّرنا بالماضي لأنّه كلّما تقدّمنا تراكم الإنتاج وتصنّعت البلاد وقربت ساعة الخلاص ومن هنا اشتق مصطلح االتقدميةب. فالتقدمي هو من يتقدم وماذا تريد الليبرالية غير التقدم في اتجاه مراكمة الإنتاج وغزو الأسواق ولم لا التوسع على حساب الأوطان والشعوب وهذا ما عرفه القرنان الماضيان. اأفضل لنا أن نتعذّب ونتألّم في مجتمع بورجوازي معاصر، يصنّع البلاد ويخلق الظروف المادّيّة الضروريّة لبناء المجتمع الجديد وبالتالي يحرّرنا، من أن نعود إلى الأشكال البالية للمجتمع بدعوى إنقاذ بعض الطبقات والفئات الاجتماعيّة من خطر الاندثار فنجذب الأمّة إلى الخلف وإلى بربريّة القرون الوسطيب (ماركس). حدث أن تحالف اليسار مع الحركة العمّاليّة في القرن التاسع عشر لمجابهة القوى الرجعيّة التي أرادت التراجع عن مكاسب ثورة 1789 ولكن ومع مرور العقود انفصمت هذه العلاقة بينما انحصرت حركة اليسار في بعض انضالاتا المثقّفين ضدّ العنصريّة ومن أجل حقوق الإنسان والدّفاع عن الأقلّيّات الإثنيّة والدّينيّة. بالنسبة لليسار تتحدّد السياسة والمؤسّسة في مجال خاصّ هو حكر على الدّولة والأحزاب لذلك فمشاريع اليسار هي مشاريع سلطـــــــة كهدف وغاية حـــــتى وإن افتقـــــد الوسائـــــــل والأدوات لبلــــــــــــــــــــوغ هــــذا الهدف، (Conrnélius Castoriadis: La Montée de l’insignisfiance Seuil, Mars 1996)  نعود لنقول أنّ مشروع التحرّر الذي جاءت به الأنوار قد أصيب بعدوى المخيال الإنتاجوي والعقلانيّة التقنيّة الأدواتيّة الخالصة ومحوريّة الاقتصاد والإنتاج . يعتقد سارج لاتوش (Serge Latouche) أنّ الأنوار هي التي خلقت الاقتصاد … لكن اليسار يريد توجيه هذا االتقدّمب وهذه المراكمة من خلال عقل تقوده نظريّة اعلميّةب تاريخيّة وتبشيريّة ووفق قانون مسطّر مسبّقا. فكلّما تقدّمت الرأسماليّة أشواطا في تصنيع البلاد شكّل ذلك ظرفا موضوعيّا للتغيير الاجتماعي الذي يكون من جملة أهدافه عقلنة المسيرة الاقتصاديّة وتسريع نموّها ومراكمة الإنتاج وصولا إلى تحقيق الحاجيات وإلى الوفرة الكاملة  !!! لقد اعتقد اليسار أنه الأقدر على تحقيق الرخاء الاقتصادي وصولا على مجتمع الوفرة : الكل حسب حاجياتهب. إنّها نفس أهداف اللّيبراليّة. اليوم نعيش الاحتضار الأخير لليسار العالمي فكرا وممارسة خصوصا بعد انهيار المعسكر السوفيتي وسقوط الصين في الرأسماليّة الفاحشة وتحوّل بعض بلدان الهند الصينيّة التي لطالما مثّلت منارا لليسار إلى مصنع ضخم لتقليد أحذية االنايكا. في عالم تقنّنت (Techniciser) فيه الحياة وأصبحت فيه المشاريع من مشمولات بعض االخبراءب وبالمختصّينب الذين يعمدون إلى فرض اختياراتهم باسم العلم (التحوير الجيني، فرض الفلاحة الكيميائية، بوضعة الحياة، تكنولوجيا النانو…….)، زالت الفروق بين يمين تقليدي ويسار آمن بحياد التكنولوجيا ومحوريّة الاقتصاد وضرورة تطوير القوى المنتجة كوسيلة ومرحلة لتغيير العلاقات الاجتماعيّة. لكن ما علاقة هذا اليسار العالمي باليسار العربي وبالهزيمة؟ يرى الدكتور جورج حبش أنّ اعديد القراءات لتجارب هذه الأحزاب تسلّم بإخفاقها عن استيعاب حركة الواقع… فالأحزاب اليساريّة ذات التوجّهات العربيّة القوميّة… وجدت نفسها عاجزة عن التأثير والفعل العملي على مستوى القضايا القوميّة وانحصر جهدها في المستوى النظري حول إشكاليّات القوميّة والأمّة والعروبة والوحدة…ب. جورج حبش: أزمة اليسار العربي، مارس 2007 (مقال على الإنترنت) . في الحقيقة ليست هذه سمة اليسار الذي انبثق من صلب الحركة القوميّة بل حتّى االيسار الجديدب الذي ظهر في كلّ بلد عربي. فمن بين السمات المشتركة لهذه الحركات المزايدات حول القوميّة والهويّة والذات. يعلّل الدكتور جورج حبش فشل مشروع النهضة العربيّة بالمؤامرات الإمبرياليّة التي حالت دون تصنيع البلدان العربيّة اوبذلك قُطع الطريق على الصيرورة الطبيعيّة!!!! لنموّ بلدانناب (نفس المرجع). كلّ اليسار عالميّا أو عربيّا يعتبر أنّ هناك صيرورة طبيعيّة لكلّ البلدان وهي المرور بمرحلة التصنيع وهي مرحلة ضروريّة نحو نشأة مجتمع امتقدّمب يهيّئ الظروف الضروريّة للتغيير الاجتماعي وبالنسبة للعرب يبعث الأمة من جديد. لقد انحدر اليسار العربي قديمه وجديده وأصابه الشلل وتراجعت أحزابه. فبينما عرفت الأحزاب الشيوعيّة التقليديّة المتذيّلة لموسكو هذا المصير باكرا بما أنها تخلفت عن الصراع ضد الاستعمار، فإنّ ما يُسمّى بـباليسار الجديدب ما فتئ هو الآخر يتراجع وصولا إلى الحالة المتردّيّة التي نعرفها اليوم. لا يعود ذلك لأنّ االيسار عجز عن القيام بإنجاز مهام المرحلة التاريخيّةب كما يقول البعض لأنّه لا توجد في التاريخ مراحل تاريخيّة مسطّرة مسبّقا ومكتوبة ولأنّ التاريخ لا يخضع للقوانين إن هو ليس سوى خلقا وابتكارا وتجديدا. فالإرادة التاريخيّة هي إرادة بشريّة وليست بقدر محتوم. فهذا اليسار الفلسطيني على سبيل المثال تضاءل وانحصر وخضع لثنائيّة فتح وحماس. فبينما تحالفت الجبهة الديمقراطيّة مع فتح عقدت الجبهة الشعبيّة تحالفا مع حماس. من المعلوم أنّ أهمّ ألوان الطيف الفلسطيني اليساري تستمدّ جذورها من حركة القوميّين العرب. في كلّ البلدان العربيّة تميّز ما يسمّى بـباليسار الجديدب بأنّه ايسار قوميب وهذا كنقيض للأحزاب الشيوعيّة العربيّة التقليديّة. أن يرفع االيسار الجديدب راية النضال الوطني فذلك أمر جيّد بما أنّه يستجيب بذلك لطموحات شعبه لكنّ ذلك لا يعني أن يذوب في التيارات القوميّة العربيّة حتّى وإن تموقع على يسارها. يلاحظ المفكّر Jean Claude Michéa أنّه لا يمكن تجاوز الرأسماليّة بالوقوف إلى يسارها. كذلك لا يمكن لليسار العربي أن يتجاوز الفكر القومي بالوقوف إلى يساره. فلقد قدّم هذا اليسار الدعم للأنظمة القوميّة بدعوى مناهضتها للصهيونيّة. من ناحية أخرى  جمع اليسار الجديد خليطا أيديولوجيّا من الماوية والغيفاريّة والستالينيّة والتروتسكيّة والقوميّة وأراد إسقاط كلّ ذلك على واقع عربي هو أعجز من أن يفهمه ويحدّد سماته. فكانت المغامرات التي عرفتها بعض الاتجاهات اليسارية داخل الثورة الفلسطينية والأخطاء التي ساعدت على إنجاح المؤامرة على الشعب الفلسطيني في الأردن وكانت الصراعات بين مختلف أجنحة اليسار العربي وكلها صراعات لا ترتبط بواقع شعوبها ولكن بقضايا افقهيةب تذكرنا بالصراعات بين مختلف الفرق والمذاهب الدينية. نحن نوافق جورج حبش على أنّ االسمات السلبيّة التي رافقت تجربة االبلدان الاشتراكيّةب لم تنج منها أيضا بعض الأحزاب اليساريّة العربيّةب ولكنّنا نضيف بأنّ كلّ أحزاب اليسار قد تلاشت بعد انهيار الاتّحاد السوفييتي ولم يبق منها سوى بعضا من المجموعات المعزولة التي لازالت ترفض تقييم التجربة السوفييتيّة وتتعلّق بنظام اجتماعي كرّس الدكتاتوريّة ونهب البيئة وخرّب المحيط وعسكر البلاد وقضى على الثقافة والفنّ وتسبّب في أكبر كارثة بيئيّة عرفها القرن العشرون ألا وهي كارثة بحر آرال. لا يُجدي تغيير المسمّيات والشعارات نفعا ما دامت نفس الروح هي التي تغذّي هذه التيارات. فلا اليسار الديمقراطي ولا الشيوعيّة الديمقراطيّة أو مختلف المسميات قادرة على إخفاء الحقائق التاريخيّة. يرى أحد اليساريّين المصريّين (وأنا أوافقه في ذلك) أنّ أفول اليسار العربي لم يكن نتيجة للقمع فحسب ولكن أيضا بسبب ما كان يعانيه من أزمة فكريّة عميقة حيث دفعه العداء للاستعمار والإمبرياليّة والهيمنة الفكريّة للـباشتراكيّة السوفياتيّةب إلى الاستسلام والعمل في إطار الأنظمة العسكريّة القائمة… التي لم تتوانى عن تبادل الدّعم مع الحركات الأصوليّة حتى في ذروة الصدام بينهما. تعلّل اليسار بالنضال القومي وبضروريّات المرحلةب ليتذيّل للقوى القوميّة وينعزل عن الشعب وعن مشاغله وقضاياه. نعود لنقول أنّ اليسار في البلدان الغربيّة ليس سوى الوريث الشرعي لفكر الأنوار وبالخصوص لمقولات التقدّم والمراكمة وتطوير القوى المنتجة ومعاداة كلّ ماهو اتقليديب. فكان يسير في واد والحركة الاشتراكيّة الفعليّة في واد بل حتّى عندما اتّصل بها كرّس في وسطها البيروقراطيّة النقابيّة والتسلّط الحزبي. في الغرب لم يعد يوحي اليسار التقليدي بجميع أطيافه لأيّ مشروع تحرّري. اليوم، لا يمكن للفكر التحرّري أن يتقدّم إلاّ متى قطع مع أطروحات اليسار التي تحوّلت إلى ادين للتقدّمب (على حسب تعبير Jean Claude Michéa) خاصّ بفئة من اليساريّين يمكّنهم من راحة نفسيّة وحالة من الاكتفاء الذاتي الداخلي. فعلا لقد بدأت تظهر مقاربات فكريّة جديدة حمل لواءها أكثر من تيار فكري وفلسفي (تيار الأوتونوميا / تيار بديل التنمية / الإيكولوجيا السياسيّة…) ويمكن القول أنّ أوروبا تعيش منذ ثلاث عقود على الأقلّ مخاضا فكريّا بدأت علاماته تبرز ونتلمّس تأثيرها خصوصا بعد تراجع اليسار وسقوط مختلف أنواع الموضة الفكريّة من بنيويّة وما بعد حداثويّة وبروز قضايا فكريّة مرتبطة بالتحدّيّات الجديدة (التلوّث / تراجع التنوّع البيولوجي / مخاطر الحروب / تفتّت المجتمعات / تعمّق البطالة والتهميش / تراجع الفنون والثقافة بصفة عامّة / أزمة العائلة والتعليم / أزمة الفكر ..). من الغريب والمؤسف في آن واحد أنّ المفكّرين العرب الذين مازالوا يغازلون أوهام الأمس لا يعيروا أيّ اهتمام لهذه القضايا. لقائل أن يقول : ما علاقة كل ذلك بهزيمة67؟ تبدو العلاقة جلية إذا تعمقنا في المسألة ولم نقف على ظواهرها. لا يمكن أن نحرز نصرا على قوة عاتية ومدعومة من القوى العظمى إذا كان بيتنا عليلا ومتداعيا للسقوط. فحتى ولو توهمنا أن هذا الانتصار كان ممكنا بفعل بعض الخوارق والمعجزات فهل كانت هناك رؤية لمستقبل مغاير يحمل معه الجديد لهذه الشعوب المتشوقة للنصر ولكن أيضا لحياة أفضل (ولا نقصد بذلك مراكمة الخيرات وزيادة الاستهلاك ولكن المكتسبات في مجال الحرية)؟ هزيمة 67 لا تمثّل فقط هزيمة للفكر القومي ولكن لكلّ روافده ولليسار العربي قديمه وجديده. فبالإضافة إلى الأزمة العامّة لليسار العالمي يختصّ اليسار العربي بتبعيّته للفكر القومي أو بالأحرى للفكر القومجي. فبرامج اليسار تتحدّث عن بناء الاقتصاد القويّ والتصنيع وبناء الدّولة القويّة واللّحاق بركب الحداثة وردم الهوّة التي تفصلنا عن الغرب والتحكّم في التكنولوجيا واستعادة الأمجاد العربية وتحقيق النهضة وتصنيع الفلاحة والحال أنها السبب الرئيسي في الإخلال بالبيئة الزراعية وإهدار التربة والماء والهواء معا. إنّه نفس برنامج البرجوازيّة القوميّة العربيّة. فاليسار العربي لا يختلف في جوهره عن الفكر القومي. إنّه يريد تجاوزه على يساره وهذا ما عجزت قوى اليسار العالمي عن تحقيقه حتى في البلدان المصنّعة. لكن إذا كانت الغلبة لليمين التقليدي في الغرب ففي بلدان الجنوب وبالخصوص البلدان العربية اصطدمت مشاريع النخب الوطنية بمؤامرات القوى العظمى التي ترفض بروز قطب مستقل يزاحمها ويهدد مصالحها في المنطقة. انهزم الفكر القومي العربي التقليدي ومعه كل الفروع والروافد. فعندما نركب نفس القطار حتى وإن لم نركب نفس العربة فإنّه في صورة وقوع حادث مريع فإنّه سيأتي على الغالبيّة من الراكبين، لهذا بالذات كانت هزيمة الفكر القومي هي ذاتها هزيمة اليسار العربي. من الغريب أنّ بعض هذه القوى بدأت اليوم تتحالف مع القوى الأصوليّة تحت راية الدفاع عن حقوق الإنسان وكأنّي بها لم تتّعظ بالماضي والحال أنّها تعلم حقّ العلم أنّ هذه القوى ليست سوى تعبيرا عن الأزمة ولا تمثّل حلاّ للأوضاع التي تتردّى فيها الشعوب العربيّة وأنهّ في أكثر من حالة فضّلت هذه القوى الأصوليّة السلطة على المقاومة وأعدّت لمشاريع تعيدنا إلى العهود الغابرة. فديمقراطية الأصوليين تتعطل بمجرد تربعهم على العرش. فمهما كانت اوطنيةب هذه القوى فهي تحسب على االيمينب (إذا جاز التعبير الرائج في أوساط اليسار) وهذا بالنظر لمواقفها من القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية وعلاقتها بالتاريخ كما أن تاريخها حافل بالخيانات والتحالفات المشبوهة مع ألد أعداء الشعوب العربية. فهي لا زالت تشكل العجلة الخامسة لقوى الهيمنة واحتياطيا يمكن توظيفه في مشاريع التقسيم والفتن التي تحاك في كل عالمنا العربي. مثل كلّ أطياف الفكر القومي لم يتخلّص اليسار العربي من عقدة الهويّة والتراث وعوض أن يتوجّه للقضايا الملموسة وينفتح على مصادر الفكر المختلفة حبس نفسه في إطار جامد وتحوّل زعماءه إلى فقهاء يصدرون الفتاوى والأحكام انطلاقا من مرجعيّة ليعودوا لها في آخر المطاف فتنغلق الحلقة وبذلك يكونون قد بلّغوا أو اعتقدوا أنّهم بلّغوا رسالة. لكنّك بمجرّد أن تفتح الظرف تجده خاويا إلاّ من بعض الشعارات والمقولات التي لم يعد لها من مستجيب. (المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية نقابية – تونس) الصادرة يوم 30 جوان 2007)

أيعقل هذا ونحن بصدد البحث عن حل لمشكلة البطالة: متقاعدون يشتغلون ومتخرجون قاعدون !!

 
من المسائل التي تشغل بالي منذ مدة طويلة، أسباب تمديد سن التقاعد لمجموعة من الاطارات العليا بالبلاد (الروساء، المديرين العاملين، مديرين عامين أساتذة جامعيين …) في حين أن بلادنا تعج بالإطارات التي مازالت تنتظر دورها أو لم تصل حتى الى فرصة الحصول على موقع شغل. فأنا مع التمديد لعباقرة وعلماء في كل المجالات والذين لا يمكن أن نعوضهم بسهولة. لكن لا يمكن بالمرّة التمديد لرؤساء مديرين عامين أو مسؤولين في أي موقع إداري حكومي أو خاص لأسباب أخرى، لا علاقة لها بالكفاءة أو بندرة الاختصاص، ولو كان هذا التمديد يحصل في بداية دولة الاستقلال فلن يكون لي أي احتراز ولكن أن يقع في دولة القرن الحادي والعشرين، وفي فترة تشهد فيه تونس تطورا على مستوى تخريج الكفاءات المشهود لها دوليا فذلك غير معقول. فقد حان الوقت لتمكين الاطارات العليا الصاعدة من إثبات قدراتها داخل كل القطاعات والمسؤوليات لدعم فرص التشغيل خصوصا أن أهم مشكل يعترض طريقنا في التنمية هو تشغيل الاطارات وأصحاب الشهائد العليا والحلّ هو تمكينهم من فرصة إثبات الذات لا أن يبقوا ينتظرون الى أن يتوفى فلان ـ لا قدر الله ـ أو أوقف قرار التمديد لأسباب.  أخرى وإن تحدثنا عن تمثيل المتقاعدين بالقطاع الخاص فحدث ولا حرج فالمؤسسات الخاصة تعمل علي تشغيل هؤلاء المتقاعدين الذين كانوا يعملون بها، بأجور «تحت الحيط» وتتخلص من عبء الجباية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فهل يعقل أن تشجع  المؤسسات الخاصة على مثل هذه الصيغة من التعاقد غير القانوني، في حين أن مئات الآلاف من التونسيين من الشباب والكهول مازالوا ينتظرون دورهم. ألا يجب أن نقر قانونا يعاقب  تشغيل المتقاعدين حفاظا علي التوازنات المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي بدأ يهدده الافلاس وكذلك تمكين الشباب من حقهم في الشغل حتي تحل مشكلة البطالة التي تمثل المعضلة كما قلت. غسان القصيبي (المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية نقابية – تونس) الصادرة يوم 30 جوان 2007)

 

رد على صاحب السواك الحار

 

بقلم: تونسي

قرأت شذرات لا تخلو من قلة أدب كتبها المدعو صابر التونسي يشتم فيها، بلغة أصولية، الأستاذة سلوى الشرفي وضمنيا الأستاذ ووزير التربية السابق محمد الشرفي. والمرء  يجد حقا صعوبة كبيرة في فهم وتفهم هذا التهجم السيكوباتي الحاد والمجاني، الذي جاء، تمويهًا، كرد على مقال تطرقت فيه الأستاذة إلى فضيحة فتوى الرضاعة. تلك الفتوى التي يبدو أن صاحب السواك الحار لايخجل منها كما خجل مسلمون كثيرون. ولكن يبدو واضحا أن صاحب الشذرات كان يسعى فقط إلى النيل من شخصي الأستاذة سلوى والأستاذ محمد.

 

 ولعل بعض إشارات إلى المسائل الحافة بتلك الشذرات تساعدنا على فهم خلفيتها وأهدافها.

 

 

(… و في مطالبتي، كامرأة، بإرضاع زملائي لأتمكن من مواصلة العمل (سلوى الشرفي) (نقلا عن تونس نيوز) الجهل ظلمات … تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها !!…وأنصح زملاءك بأن لا يُقبلوا على حليبك لأنه ملوّث وحامل لفيروس نقص المناعة الثقافية والمعادي للدين والهوية!! و أخيرا أشكرك على هذا الجدل الذي فتحته معي لأنه سمح لي بفهم بأن حوار الطرشان أقل خطرا من الحوار مع من هو قادر على التحدث بلغة مخاطبه غير أنه يفضل اللجوء إلى لغة الطرشان لتحقيق مآرب سياسية.(سلوى الشرفي)(نقلا عن تونس نيوز) رمتني بدائها وانسلت … إنه منهج كبيركم الذي علمكم « فائدة » التنكر للذات والمبادئ … وتبرير القمع والإستبداد … لتحقيق مآرب سياسية!!

 

 

إن عبارة السواك الحار، التي ينضوي تحتها خطاب هذا الصّابر، تعود بالذاكرة إلى مفردات « ثقافية » أضحت الآن مُروّجَة رائجة مثل، المسك والمسواك وجناح الذبابة وبول البعير والحجامة وأخيرا وليس آخرا الغائط. ويبدو أن مفردة السواك الحار متّصلة إذن دلاليا وحضاريا بثقافة طبية قديمة أصبحت في زمننا هذا، بفضل حصافة المسلمين وتمسكهم بهويتهم، بديلا حضاريا منافسا للطب الحديث وثقافته.

 

تفضيل الطب الإسلامي القديم على الطب الحديث وثقافته يندرج في سياق نضال الإسلاميين من أجل استعادة هويتهم « النقية » ذات المناعة والعفة والريادة، وتكريسها بديلا للهويات الأخرى الضالة، الجماعية والفردية.

 

وتبعا لذلك فإن السواك الحار، بحرارته ومناعته وحرارة لهفة استعماله لدى الإسلاميين، يُوظف لضرب وتطهير الأفواه التي لاتصدر منها روائح إسلامية أصولية، تلك الروائح المعروفة النكهة، والتي لاتخطئها حتى الأنفوف المزكومة  في أمصار وممالك السودان والسعودية وإيران وربما غزة قريبا. 

 

خطاب السواك الحار يذكرنا بحقبة أواخرالثمانينات وبداية التسعينات التونسية، التي كان يروج  فيها أمير حركة النهضة  قرب بزوغ  فجر الدولة الإسلامية، حتى انكشف أمره وهرب تاركا أصحابه وأتباعه لمحنة السجن والعذاب والتعذيب. ويبدو أن هناك عدادا لابأس به من الإسلاميين التونسيين في المهجر لم يتعظ بعد من تلك الحقبة السوداء، وهاهوأحدهم  يعود إلى خطاب السواك الحار التكفيري الكارثي، وكأن حال لسانه يقول مؤوّلا ماورد في الصحيحين على طرقته حول موضوع السواك: لو لا أن أشق عليّ  لأمرت نفسي بالسواك الحار وماء الفرق عند كل محاورة تونسي وتونسية مختلفة عني حتي تقوم الخلافة. 

 

يبدو كذلك أن اختيار صاحب السواك الحار لإسمه ليس اعتباطيا ( صابرالتونسي). فلا شك أنه نابع  من الآية القرآنية القائلة: اصبِروا وصابِروا.

 

فمعناه متعلق، لامحالة، بالصبر، أي بالثبات على خطابه القديم. وهو أيضا لائذ بمصابرة أعدائه في الجهاد بآلية السواك. وتفسيرنا هذا قائم على مافهمه الفقهاء لهذه الآية، باستثناء آلية السواك الحار.

 

نقرأ في لسان العرب لابن منظور معان أخري مهمة وطريفة جدا وخطيرة أيضا  لكلمات الصبر والصبورة والمصبور ومشتقات أخري من الجذر نفسه، وكلها تحيل على فعل القتل المادي والموت.

 

عودوا إلى هذا الجذر في لسان العرب لعلكم تفهمون دلالات واستتباعات هذا الصبر.

 

أما التونسي ،المضاف إليه، فلا يمكن فهم دلالته إلا بقراءة  بنية الإضافة التي ورد فيها، أي المضاف والمضاف إليه معا. حيث السعي إلى غرس معاني الصبر والمصابرة والجهاد والخونجة  في تونس جهد  يومي لايكل، انطلق منذ سنوات عبر القنوات والدعوات والتفاهات الداخلية أيضا. وهو، والحق يقال، قد كلل بنجاح كبير في بلاد الطاهر الحداد، ويمكن معاينته بيسر في شوارع المدن.

 

إذن فالسواك الحار، في هذه الحال، هو آلية وقتية يتوسل بها صابر التونسي لمصابرة أعدائه، من غير الإسلاميات والإسلاميين، في الجهاد  بالقتل المعنوي، عسى أن يحين الوقت وتنضج ظروف أخرى يتم فيه اللجوء إلى آليات أخرى أكثر نجاعة وجهادية.

 

يقول هذا الصابر: الجهل ظلمات … تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها !!…وأنصح زملاءك بأن لا يُقبلوا على حليبك لأنه ملوّث وحامل لفيروس نقص المناعة الثقافية والمعادي للدين والهوية.

 

 

تُلقى عبارة « الجهل ظلمات » هكذا منتزعة مفزوعة، مخطئة متقبَّلها. كأنها تقول، مولولة نائحة، لباثها: أعدني أرجوك إلى مكاني ومربطي، إلى قاموسي الأصلي.

 

الجهل في هذا السياق ظلمات حالكة، وهالكة أيضا لمن لايعرف أنه يقف في حلكتها الأشد سودا ودمارًا.

 

ينصح، وهو الصابر منذ عقدين على الأقل، وهوالعارف والمفتش في نفوس الناس والنساء عن الانحرافات واللوثات وفيروسات نقص المناعة الثقافية، برفض الرضاعة من أثداء غير الحرائر العفيفات.

 

الواضح إذن أنه يقبل بفتوى الرضاعة، لكنه ينصح بتجنب الحليب الملوث لغيرالمنيعات التائبات والحرائر العفيفات. والملوث هنا ضد الطاهر، كما هو الحال في ثائية المؤمن والكافر ومشتقاتها التكفيرية الإرهابية التي أهلكت ولاتزال آلاف المسلمين من المغرب إلى الخليج.

 

 

عبارة « فيروس نقص المناعة » تضمر الدعوة إلى القضاء على هذه الظاهرة « الفتاكة « . ومعنى القتل المعنوي، وربما التحريض على أخيه المادي، في كلام الصابر هذا يكاد يتحول إلى فتوى حارة واضحة بالسواك الحار لا تحتمل التأويل والتأجيل.

 

 

(رمتني بدائها وانسلت … إنه منهج كبيركم الذي علمكم « فائدة » التنكر للذات والمبادئ … وتبرير القمع والإستبداد … لتحقيق مآرب سياسية!!

 

 هناك شخصيتان وطنيتان تحولتا في أدبيات الإسلاميين إلى شيطان رجيم. ويبدو أن صورتيهما ستبقي  لدى هؤلاء لعقود طويلة محافظة على تلك النصاعة من الكره والتأثيم والقتل حتى بعد موتهما.

 

 هاتان الشخصيان هما الحبيب بورقيبة ومحمد الشرفي.

 

الخصومة معهما معروفة أسبابها. والعداء المستحكم لهما نجد له، لو نظرنا، مثيلا ماثلا ومكرورا في التاريخ الإسلامي. وهذا العداء لايزال يعبر عن نفسه بقوة من خلال ثنائيات قاتلة أنتجها نقل لا يزال يسكن واقعنا المريض الذي أنتج الإرهاب المعولم.

 

الأستاذة سلوى الشرفي امرأة تفكر بعقلانية وتبحث وتتقصى، بعقلها، في النص والخبر والتاريخ والدين.

 وهي امرأة كبيرة ومحترمة حتى لو لم يكن عمها المرحوم صالح بن يوسف، أو لم تكن تنتسب إلى عائلة عريقة في العلم والثقافة والوطنية. خطابها يفرض على كل إنسان متحضر سوي الاحترام. لم أقرأ لها هجوما شخصيا أو شتما لأي أحد.

 

أمّا هذا الصابر، فأقول له: اصبر وصابر ماشئت، وبما شئت بالسواك الحار أو بالحزام الناسف. فسنصبر عليك، وعلى خطاب جماعتك، مائة عام أخرى من الصبر حتى تعرف نهاية سلالة آل بويندا في رواية ماركيز الشهيرة.

 
 

 

أسئلـة حـول المدرسـة

 
بقلم: برهـان بسيّـس
إصلاح امتحانات التاسعة أساسي كان فرصة لبعض الأصدقاء من الأساتذة أن يحدثوني عن صدمتهم من المستوى العام الذي وجدوا فيه تلاميذنا الأعزّاء من مستوى تفكير وتحرير إلى مستوى اطلاع وتعبير أعتقد أنه حان الوقت لفتح ملف المستوى العام الذي تقدمه المدرسة العمومية التونسية لفائدة أبنائها في ما وراء استعراض أرقام النجاح ونسبها التي لم تعد تعني الكثير في عالم اختبار توازن المدرسة والنظام التعليمي وقيمة الشهائد ومستوى التمليذ. في تفاعل مع موضوع مادة العربية الذي طلب فيه من التلميذ أن يقدّم تصوره لطريقة تكريم شهداء الوطن عبر الحفاظ على المكاسب وعدم الاكتفاء بمجرّد استحضار الذكرى نقل لي عديد الاصدقاء سلسلة كاملة من الطرائف الدّالة والنوادر الموحية التي حفلت بها أوراق المتقدمين إلى الامتحان. حالة من الفوضى الفكرية وانخرام مضحك في الذاكرة وفقر مدقع في التعبير طلعت بها تحارير التلاميذ وهي تتهادى بين استحضار لوقفة «ايهوتكلوك» الشهيرة بين التونسيين (وهنا يقصد التلميذ بالتأكيد المقيم العام الفرنسي في تونس ديهوتكلوك) ليخطب فيهم قائلا: «عش عزيزا أو مت وأنت كريم!!! أو رحلة ابن خلدون صحبة علي بن غذاهم إلى العراق لتحريره!!! وبينهما زرقاء بنت عدي التي ناضلت إلى جانب علي بن أبي طالب ضد فرنسا!!! قبل أن يستحضر أحد تلاميذنا الأعزاء أسماء أهم مناضلي الحركة الوطنية التونسية فيضعهم حسب الترتيب التالي: فرحات حشاد ثم الحبيب بورقيبة ثم خالد بن الوليد!!! الأكيد أنه خارج إطار التندّر بمثل هذه الابداعات فإنه وجب التنبيه بعيدا عن التشاؤم المفتعل إلى أن قضايا المستوى العام لتلاميذنا في كل المواد التعليمية بلا استثناء في حاجة إلى وقفة تفكير ضرورية لمواجهة حالة التراجع المقلق الذي ما فتىء ليتعمّق سنة بعد أخرى.  أولمبياد الرياضيات كانت إلى حدود العشرية السابقة تشهد مراتب مشرفة للتونسيين المشاركين إلى أن بدأ التقهقر مزيحا تلاميذنا عن دائرة المراتب المتقدمة في هذه المسابقة الدولية، ثم إن اختبارات عشوائية بسيطة تعطي الدلالة على أن التكوين في بعض المواد والكفايات لدى الأجيال الحالية من مرتادي المدرسة العمومية التونسية قد تراجع بشكل مذهل مقارنة بمستوى الأجيال السابقة ولعل مقياس الكفايات اللغوية – سواء منها العربية أو الفرنسية – يعطي المثال البارز على ذلك. مثال الحال الذي أوردته والمتعلق بموضوع اختبار مادة العربية يحيل إلى قضايا مهمة متعلقة بمدى نجاحنا في نحت علاقة طبيعية بين التلميذ وذاكرته الوطنية وفي رفد هذه العلاقة بقيم تأسيسية ضرورية في وعي الأجيال الجديدة على صلة بمفاهيم المواطنة والحرية والوطن والواجب والحق والوعي بقضايا العالم المعاصر والانغراس في الشواغل الانسانية والوطنية الراهنة. والحقيقة فإنه لا بد إحقاقا وتقديرا لجهد المشرفين على قطاع التربية والتعليم في بلادنا أن نقرّ بأن مجهود إطارات وكفاءات وزارة التربية من مخططين وواضعي برامج وأساتذة ومعلمين ومتفقدين ومكوّنين مجهود جبار وإيجابي في التفاعل مع تحديات القضايا المطروحة من جانب تجذير الحس الوطني وانفتاح التلميذ على مشاغل عصره، لكني شخصيا أعتقد جازما أن المدرسة ليست المسؤولة وحدها عن هذه المهمّة بل من المؤسف أن نتركها وحيدة في مواجهة هذه المسؤوليّة الدقيقة بل وأحيانا نفسد عبر اللامبالاة والخيارات الخاطئة في التنشئة والإعلام والعائلة والفضاء العمومي ما تناضل المدرسة من أجل صياغته وصقله في العقول والأرواح. في غمرة الطرائف الموحية بحالة الفوضى الغير خلاقة في عقول ناشئتنا تسطع أحيانا أسئلة بكامل مضامين الجديّة والحرج الفكري والثقافي والسياسي حتى وهي ترتدي ثوب التعبير الساذج و«اللّخبطة» الفكرية لتفرض نفسها لا فقط على المصحّح بل على النخب وصُنّاع الافكار لنقاشها ومقاربتها بشجاعة ما ينبغي أن يتوفر لنا من إقدام وأريحية في التقدم للإجابة عن أسئلة الجيل الجديد إذا كنا بالفعل نثق فيه ونراهن عليه. أحدهم كتب لائما المناضلين وأبناء المناضلين قائلا: «أنا لم أفهم هؤلاء  الذين جاهدوا وقاتلوا الاستعمار ثم بعد ذلك تنافسوا للحرقان إليه».! استفهامات شجاعة لا توجد أحيانا في كتابات الأقلام المحترفة، من قال أن هذا الجيل لا يفكر حتى وهو يكتب بعقل وتعبير الفوضى غير الخلاّقة؟!! (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 30 جوان 2007)


« الأوان » تحاور فتحي بن الحاج يحيى، أحد مؤسسي « جمعية الدفاع عن اللائكية » في تونس

  

 
أجرى اللقاء: سفيان الشورابي العلمنة كنظام قيم يميز المجال الزمني بالنسبة للمجال الروحي يعاني إلى اليوم العديد من الإشكاليات المفاهمية التي تعيق تجذره في الذهنية الشعبية و انتصاره كخيار جماعي مجمع عليه من قبل الجميع. وذلك لكون حركاتنا السياسية تتأسس بعد على اعتبارات مغلوطة ومختلطة ومرتبطة بتراكم الماضي والتراث المتشابك بالمُثل و الماورائيات (دين، عادات و تقاليد، ميثالوجيا، لغة…). فالعلمانية كأخلاقية تنكر أي تبعية غير تبعية المواطنية، وأي سلطة غير سلطة الدولة. إنها الانصياع للعقد الاجتماعي ذي الطبيعة الإنسانية النسبية، متمردة عن أي شكل من الرقابة الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الطبقية من شأنها أن تقف أمام بناء مواطنية متساوية وشاملة. وهي خيار ما يزال عسير الإدراك من قبل جزء كبير من نخبنا. أما القسم الآخر الذي استوعب أن أحد الخطوات البديهية من أجل إصلاح « دعوات الإصلاح » الصادرة عن ألف منبر و منبر، فتمر حتما وبالضرورة عبر تشبع التونسيين بحزمة تلك المبادئ والأفكار الأساسية اللازمة لتحقيق التغيير الديمقراطي. ومن بين هؤلاء، السيد فتحي بلحاج يحيي، الذي انخرط إلى جانب مجموعة من الأكاديميين و الصحفيين و النشطاء الجمعياتيين في مسار « الدفاع عن اللائكية في تونس » في إطار جمعية تهيكل نشاطاتهم. وكان اللقاء التالي لكي يجيبنا على السؤال الجوهري؛ هل تحتاج تونس لمن يدافع عن العلمانية ؟ وفي مل يلي نص الحوار…  
ما هو دور جمعية للدفاع عن اللائكية في بلد مثل تونس؟
قبل أن نبدأ الحوار أودّ الإشارة إلى أمر هامّ وهو أنّ هذه الجمعية، نظرا لخاصية مكوّنيها، فجميعهم من مثقّفات ومثقّفي البلاد، فإنّه لا يجب اعتبار ما سأقوله ممثّلا أو ملزما في التّفاصيل للجمعية ككلّ. فهو لا يتعدّى كونه إشارة إلى المناخ الفكري العامّ الذي نتحرّك ضمنه، والهواجس التي نحملها والتساؤلات التي تؤرّقنا، وخطّ السّير العامّ لجمعيتنا من حيث شكل النّضال المرجو. وبمعنى آخر لو تكفّل عضو آخر بالردّ لكانت إجاباته مختلفة من حيث الشّكل على الأقلّ، وربّما أيضا انتقاء الأمثلة وطريقة البيان ومنظومة الحجج والتركيز على هذا الجانب دون ذاك. نحن لم نتشكّل بعد ككيان قانوني منظّم، وحتّى يوم نتشكّل فسيظلّ ثراؤنا في تنوّع مقارباتنا وتعدّد أساليبنا واختلاف مرجعيّاتنا إذ الهدف الأوّل هو إثارة النّقاش وفتح ملفّات المسكوت عنه. وربّما من هنا جاء اختيارنا للفظة « لائكية » صراحة بكلّ ما أثارته وستثيره من جدل وخلط وفزع وذعر واستنفار للعقول. وعودة إلى سؤالكم عن دور الجمعيّة فهو مثل دور جمعيّة حماية العصافير والأشجار في حديقة البلفيدير. إنّها قضيّة أوكسيجين في ظلّ وضع تونسيّ أخذ يسجّل منذ العقدين الأخيرين تراجعات كبيرة من حيث الذّهنيّة الجماعيّة وتحديدَا منذ ظهور المدّ الإسلامي الذي عرفته كلّ المنطقة العربية والإسلامية. الأسباب عديدة ومتشابكة وهي تمثّل الهاجس الذي يؤرّق الفكر التّقدّمي في هذه المناطق، ودور الجمعية هو المساهمة في فهم تعقيدات هذا الواقع، وأسباب تردّيه، وتعطّل ديناميّة الحداثة، وسرّ تقبّل قطاعات من المجتمع التّونسي للخطاب الدّيني المتشدّد من حيث المنظومة الأخلاقية السّلوكية للمواطن، على الأقلّ. كيف تمّ الانتقال من العلاقة الحميمية والتسامحية التي كان يقيمها التونسي مع دينه ومعتقده إلى هاجس التّظاهر بعلامات التّقوى والتدخّل في شؤون الغير وتراجع ذهنية التسامح واكتساب خطاب تذنيبي و شبه تكفيري. فأن ترتفع أصوات إسلامية للإشارة إلى أنّ الاختلاط بين الذّكر والأنثى على مقاعد المدرسة يمثّل أحد أسباب التّدهور الأخلاقي للمحيط المدرسي ولشبابنا، وأن تنتشر ظاهرة التحجّب بهذا الشّكل الملحوظ في وقت اقتحمت فيه المرأة ميدان الشغل والحياة العامّة أكثر من أيّ وقت مضى وتجاوزت فيه أعداد الإناث أعداد الذّكور في التعليم العالي، لفي ذلك مؤشّر على أزمة اجتماعية قيمية متعددة الأبعاد. ومثل هذه الظّواهر التي تبدو متناقضة في قراءة أولية تستدعي نبشا أعمق لفرز الخيوط البيضاء من السوداء. ربّما أحد أو بعض الأسئلة الممكنة هي التالية: – بماذا نفسّر هذه الحاجة الملحّة للمسلم بأن يشعر بنفسه مسلما موليا وجهه على الوراء أكثر من أيّ وقت مضى وأكثر من حاجته إلى الشّعور بنفسه كمواطن القرن الواحد والعشرين، والحال أنّ التحدّيات الحقيقيّة التي يعيشها هي من قبيل التحدّيات المعرفية أي اكتساب معارف العصر، والخروج من التبعيّة الاقتصادية وما يتبعها من قائمة التبعيّات الأخرى الثقافية والعسكرية… ؟ – بماذا نفسّر عقليّة « الغيتو » التي تكتسحنا و البارانويا التي تتحدّد معها علاقاتنا بالعالم الخارجي إلى درجة لم نعد نعرف معها إن كنّا نحن الذين حكمنا على أنفسنا بالإقصاء أم هم الذين أحالونا عليه؟ هل سمعت يوما هنديّا يؤاخذ الغرب على استعماره الجديد للهند بتعلّة أنّهم يكرهونهم كبوذيين؟ ولعلمك، ومن باب التندّر الذي نحتاجه كثيرا تلطيفا لمصائبنا، أنّ الهند قد أقامت أخيرا دعوى على الغرب وأميركا لاستعمالهما رياضة اليوغا في طرد البؤس النّفسي والاكتئاب المعنوي وتجديد الطّاقة دون أن تسدّد معاليم حقوق التّأليف؟ – هل أنّ مواطنًا تونسيّ الجنسيّة ووُلد في هذا البلد ونشأ فيه سيكون عطاؤه لهذا البلد أقلّ لو كان يهوديًّا أو مسيحيًّا أو غير متديّن ؟ وهل المواطن المسلم سيخفّ إضراره بالبلاد إذا ما ائتُمن على مال عامّ وتلاعب به، أو استنزف عملة البلاد بما يضرّ باقتصادها، لمجرّد أنّه مسلم أو وُلد مسلما ووجد نفسه مسلما وعاش حياته على اعتقاد جازم بأنّه مسلم ؟ ما الّذي سيتغيّر في درجة المواطنة في هذه الحال أو تلك؟ العلمانية تتقلص في تونس يوميّا بفعل التصحّر الذّهني العامّ
ألم يكن جديرا بكم طرح برنامج للنضال من أجل اللائكية و ليس الدفاع عنها؟

السؤال وجيه جدّا وصراحة لم أُفكّر من قبل في الأمر، وربّما الجواب يكمن في هذه التّلقائيّة ذاتها. فلتونس وضع متفرّد مقارنة بالبلدان العربية الأخرى التي تُطرح فيها مثل هذه القضايا المتفاوتة الحدّة والتّعقيد. لنتصوّر منظّمة مماثلة ترى النّور في السّعوديّة مثلا (جميل أن نعيش بالأمل !) فالأكيد سيبدؤون بطرح برنامج تبدأ حروف هجائه من الألف، ولن يخطر بذهن أصحابه البدء بالدّفاع عن اللاّئكية بل عن زراعة بذرتها الأولى في صحراء العرب. أمّا في تونس فالصّورة أشبه بمناطق خضراء تتقلّص يوميّا بفعل التصحّر الذّهني العامّ من جهة وبفعل القصور المتنامي لأولى الأمر في الحفاظ، على الأقلّ، عمّا هو مكتسب منذ أجيال (رغم أهميّة الإشارة إلى طريقة هذا الاكتساب الذي قد نتعرّض له لاحقا والذي هو أحد أسباب هذا التّردّي). فعندما نشاهد طريقة تعامل النّظام التّونسي مع قضيّة الحجاب مثلا ، فإنّنا نقف على حقيقة حدود خطابه وعسر توليده لفكر حداثي. وإذا بهذه القضيّة الفكريّة فيما تخفيه من خلفيّات معقّدة تُختزل في مناشير إلزاميّة ومعالجات أمنيّة وإخراج للـ »سّفساري » من صناديق العجائز كتقيّة للحجاب المثقل رمزيّة دينية وشبه دينيّة. الغريب في الأمر أنّه هناك صورة فوتوغرافية للرّئيس بورقيبة في مطلع الستينات وهو يشيل السّفساري عن امرأة تونسيّة. وهي ربّما الصّورة التي تحمل الدّلالة الأرقى على دخول تونس عصر الحداثة بفعل فاعل وليس بموجب ديناميّة اجتماعيّة ديموقراطيّة بالمعنى السّوسيولوجي للكلمة. و لعلّ الأجدر هو الحديث عن « اقتحام » للحداثة أكثر منه « دخول » فيها. هذه الصّورة التي طبعت أذهان وعقليّات أجيال متعاقبة من التّونسيّين والتّونسيّات ومنحت لتونس صورتها الحديثة في المتوسّط والعالم وكذلك صورتها كبلد متفسّخ ويكاد يكون كافرًا لدي أهل الشّرق، نجد المسؤولين الذين أخذوا على عاتقهم قيادة الحملة الأخيرة ضدّ الحجاب ينسونها أو يتناسونها لأنّهم لم يعودوا قادرين على تحمّلها لأسباب عدّة منها افتقاد كاريزما بورقيبة واقتناعه الفكري العميق بأنّ حداثة الدّولة والمجتمع إنّما تبنى بقدر ابتعادها عن مناطق التّأثير الدّيني كشرط لتغيير الذّهنيّات، و منها نفاذ تأثير الشّرق عبر الفضائيات، وافتقاد الحزب الحاكم إلى القدرة على توليد فكر وخطاب قادرين على محاججة الإسلاميين دون المسّ بتوظيفات البترودلار المتنامية من جهة ودون توفير الذّرائع لهم بالتّشكيك في إسلامه. وبعبارة أوضح فإن كانت البلاد بأكملها تعيش أزمة هويّة فإنّ النّظام نفسه لم يتوصّل إلى تأسيس هويّة فكرية ثقافيّة لذاته فما بالك بالمجتمع. وعودة إلى سؤالكم حول الدّفاع عن اللائكيّة أو بالأحرى عن مناطق اللائكيّة المكتسبة في الأذهان والقوانين وسير الحياة العامّة هو بمثابة تدعيم قواعد موجودة لترسيخ بنيانها ثمّ الانطلاق منها للعمل داخل المجتمع المدنيّ لرفع الكثير من الالتباسات والمغالطات المتعمّدة أحيانا من قبل بعض القوى التي لا تستسيغ أو تتعارض مصالحها أو تتصادم أفكارها ورؤاها، لما يجب أن يكون عليه المجتمع الصّالح، مع فكرة اللاّئكية. وقد لا أضيف لكم شيئا عن تعمّد هؤلاء إصباغ فكرة اللائكيّة بصبغة الإلحاد، وعن تناسيهم أنّ الدّول اللائكيّة والعلمانيّة التي تمثّل أغلب دول العالم من أمريكا اللاتينيّة إلى أوروبا وآسيا وأستراليا إنّما الأديان فيها محترمة أكثر من الدّول المدرجة للدّين في مرجعياتها التشريعية أو الرّافعة لسيف الإسلام أو هلاله على أعلامها. عندما ينظر الجار إلى جاره في نفس الحيّ على أنّه شيعيّ أو سنّي أو خارجيّ أو قبطيّ فإنّ أيّ مشكلة تطرأ بينهما عوض أن تحلّ ضمن القانون وثقافة العقد الاجتماعي فإنّه يتمّ فيها استدعاء عليّ بن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان، ويفجّر مرقد الإمام فلان ويحرق جامع الصحابي فلتان أو كنيسة القديس إكس. اللاّئكية هي أن يجمعني مع مواطن آخر، أو يربطني بالدّولة في باب الحقوق والواجبات، عقد اجتماعي قانوني ينطلق من اعتباري راشدا ومسؤولا عن أعمالي وعارفًا بما يصلح بي و لا يصلح. ودور القانون أن يذكّرني مثلا بفعلٍ ما كنت أعتقده صالحًا وفيه مضرّة للغير كأن أتجاوز ضوءًا أحمر في حركة مرور لأنّي على عجل أو أن أتوقّف عن العمل ثلاثة مرّات في اليوم بدعوى الصّلاة حاضرًا، وأنا أشتغل معلّما أو سائق حافلة عموميّة أو عونا فنيّا في برج المراقبة بالمطار. أمّا أن يأتي القانون ليرفض عليّ كمواطنة تونسيّة حقّي في اختيار شريك حياتي بدعوى أنّه غير مسلم بينما يبيحها لجاري الذّكر (ولا تقولوا لي تزوّجي جارك وأريحينا، فإنّي أكرهه)، أو أن يُدرَّس أبناؤنا في مادّة التربية الإسلاميّة أنّ الأرض والإنسان هما محور الخلق والكون بينما يكتشفون في دروس الفيزياء أنّها أصغر من نملة تائهة في الصّحراء داخل الكون اللامتناهي. ففي الحالات الأولى مسّ بكرامة الإنسان المطلقة ومبدأ المساواة في المواطنة وإسقاط فاضح لما ورد في الدّستور من ضمان لحرية المعتقد إذ كيف يجوز أن تخوّل الدّولة لنفسها تقرير من هو مسلم ومن هو غير مسلم، ومن يتزوّج من؟ أمّا في الحالة الثانية فثمّة اعتداء على العقل والذّكاء ولو كان ذلك باسم الدّين والهويّة والاستثناء الثقافي والأصالة وغيرها من التّصنيفات التي تجتمع فيها جميع عوائقنا وفيها بعض التّفسير لبقائنا مستهلكين لابتكارات واختراعات وعلوم الغرب رغم أنّنا « أفضل أمّة أُخرِجت للنّاس ». والأمثلة كثيرة مثل المساواة في الإرث بين الأنثى والذّكر والتي مازال الخطاب الرّسمي يتعثّر فيها حيث نرى وزيرة المرأة تكاد تقرّ بمعقولية هذا الطّلب بالنّظر لوضع المرأة مع استدراكها القول بأنّ الأمر من ثوابت الإسلام لوضوح الآية القرآنية فيه، لذلك استحال تطبيقه. ولو ترجمنا كلامها لحصلنا على شيء من قبيل « واللّه الحكاية معقولة لكن للأسف نزلت الآية خالية من أيّ ذريعة يمكن اعتمادها أسوة بآية الأربعة نساء وقوله « ولن تعدلوا » !
حصل اتفاق بين المؤسسين على أن وظيفة الجمعية هي ثقافية بالأساس، ما معنى ذلك؟
إعتقادي أنّ لهذه المسألة وجهين أو سببين : الأوّل والأهمّ: هو وعي المؤسّسين بأنّ مثل هذه القضايا كقضيّة اللائكيّة أو العلمانية وثقافة حقوق الإنسان والمواطنة، لئن يلعب فيها القرار السياسي دورا تمهيديا موجّها لبوصلتنا الحضارية، فإنّ هضمها وتحوّلها من قوانين وإجراءات إلى سلوكيّات وتمثّلات ذهنية أمر ثقافي بالدّرجة الأولى. والمقصود بالثّقافي هو كلّ ما يساهم في نحت عقليّة المجتمع بداية من برامج التّعليم أساسا وتكوين المدرّسين، وحرية الإبداع الفنّي والثّقافي وأجهزة الإعلام بجميع أصنافها، وتهيئة المجتمع لتقبّل جدلية النّقاش وتبادل الآراء واحترام مقوّمات الحوار… الثاني: هو أنّ جلّ المؤسّسين قد عاشوا تجارب طويلة وثريّة سواء ضمن أحزاب ومنظّمات سياسية أو داخل جمعيات النّضال المدني كجمعية حقوق الإنسان أو منظمة العفو الدّولية أو النساء الدّيموقراطيات أو غيرها. وتكوّنت لديهم قناعات بأنّ تداخل النّضال المدني أو الثقافي مع النّضال السياسي المباشر من شأنه أن ينقل مجالات عمل هذه المنظّمات إلى مناطق لا طاقة لها بها وليس من قبيل أهدافها –بالمعنى الحصري-، كما أنّه يقلّص من انفتاحها على فئات من المواطنين تحمل معها نفس القيم والهواجس لكنّها لا تريد الانزلاق في معارك سياسية لم تختر الانخراط فيها. الممنوع هو عدم الخوض في الممنوع
إن الدفاع عن العلمانية يفترض القيام بمثيل ذلك بالنسبة للديمقراطية خصوصا وأن القيمتين متلازمتان ولا يصح الحديث عن أحدهما دون وجود مرادفته الأخرى، عن أي ديمقراطية ستدافعون؟
هذا السؤال يجعلني أستدرك أو أوضّح بعض ما سبق ذكره. فلنكن واضحين: لا يعني أنّ المؤسسين في درجة الصّفر من السياسة، لكن المطلوب ليس التّعامل مباشرة مع الحواجز السياسية التي تقيمها السياسة والنّظام أمام حرية الفعل المدني والثقافي والسياسي، وإنّما اختيار طرق تعبير، ومواضيع تدخّل غير التي يسلكها السياسيون. البرنامج الذي نسعى إلى وضعه يهتمّ أوّلا باستنفار جميع الطّاقات الفكريّة والجامعية والمثقّفة للتّفكير معا في نوع اللائكية المناسبة لأوضاعنا، هناك اللائكية على الطريقة الفرنسية أو التّركية، وهناك ما يعرف بالعلمنة (secularism بالإنجليزية) السارية في الرقعة الأنكلوسكسونية، وهناك تنويعات أخرى متفاوتة التجذّر في علاقة بالدّين. هل المطلوب أن تسحب الدّولة تماما تدخّلها في الشّأن الدّيني؟ هل يجب اعتبار المساجد وبيوت اللّه ملكا للدّولة تقوم على تسييرها وتمويلها باعتبارها أماكن عمومية مشاعة للجميع أم هي ملك جماعي لجمعيات مدنية أو دينية لها صفة الذّات المعنوية؟ هل يجب إلغاء خطّة مفتي الجمهورية كوظيفة دولة لتضاربها لدى البعض مع حرية المعتقد ومع اعتبار الإيمان أمرا شخصيّا يحدّده اجتهاد الفرد في دينه دون واسطة؟ وإلا فأين تقف صلاحيّات المفتي ؟ هل يجوز له الإفتاء في مدى تطابق أو عدم تطابق القوانين الوضعيّة مع الشّرع أم يقتصر دوره على إرشاد المؤمنين عند الطّلب أم يجوز له إصدار فتاوى ملزمة للجماعة الوطنية أو مولّدة لعقدة الذّنب، كأن يتدخّل في ضبط مقاييس اللّباس الحلال والحرام ؟… أسئلة كثيرة لا تنتهي ستشكّل محاور اهتمامنا وليس لنا فيها إلى حدّ هذه المرحلة كلمة فصل ولن تكون فيها كلمة فصل على أيّ حال، وإنّما سنسعى ليستأتس التّونسيّ الخوض فيها والنّظر إليها من زوايا مختلفة وتتكوّن له ثقافة النّبش في أركولوجيا المعرفة، وفي أعماق التّاريخ، وأسباب الظّواهر والتّقاليد. ربّما الهدف الأسمى في رأيي هو حمل المواطن التّونسي على فكرة أنّ الممنوع هو عدم الخوض في الممنوع لأنّه ما من أمّة بلغت من الحضارة والرقيّ دون أن يأخذ العقل مكانته في صلبها. مثل هذا التّمشّي يستدعي حتما مسألة الدّيموقراطية، بداية من الحصول على التّرخيص لهذه الجمعية ومرورا بفضاءات تحرّكها أو السّماح لإصداراتها. نحن واعون تماما بهذا الإشكال. وحتّى أستطيع أن أردّ على سؤالكم بكلّ وضوح فالمسألة بالنّسبة لنا تحديدا هي مسألة حرية التّعبير، وحريّة حقّنا في الوجود، على ما نحن عليه. نحن اليوم أقليّة في البلد بدليل أنّ أطرافًا عديدة من المعارضة لا ترى بعين الرّضا مثل هذه البادرة التي تعتبرها منذرة بنتائج عكسيّة على سعيها في كسب الجماهير واسترضائها، وعدم مصادمتها بشكل جبهوي مباشر… هذا في أفضل الأحوال، إذ هناك من الأطراف من يسعى إلى الخلط بين العلمانية والإلحاد كما ذكرت، ومنها من لا تمكنّه ثقافته الدينية من فهم هذا المصطلح-الفكرة كنمط فكري مستقلّ. في انتظار تشكّلنا ككيان، وبداية نشاطنا فقد أفاجئك بالقول بأنّ الأيّام قد تفصح لنا عن أعداد أكثر بكثير من التي يمكن توقّعها نظريّا. أناس كثيرون خارج الجدل السياسي القائم بين المعارضة بشتى أصنافها والنّظام، وهم أبناء العهد البورقيبي وفيه تربّوا ونشؤوا، كما أنّ هناك أجيال شابّة كبرت مع العهد الحاليّ، وبقدر عدم انخراطها في الخطاب الرّسمي فهي لا ترى في الخطاب الأخلاقوي الدّيني البديل المرضي بل تهابه أحيانا، وهي في وضعية طلب لإنتاج فكري يؤسّس لحيثيات يومياتها وسلوكياتها ومرجعياتها ومُثلها وأنماط تفكيرها الحداثية. وبمعنى آخر كيف نكون حداثيين دون تهمة الانتماء إلى « الغرب العدوّ » وما يتبعها من شعور بالذّنب، وكيف نرفض المشروع الديني أو القومي الملتقي معه في قضايا الهوية والعروبة والثورجية دون الشعور بخذلان القضيّة الكبرى، فالأمر يكاد يصبح من قبيل المعادلة التي يستحيل معها تصوّر معاداة الأمبريالية من خارج التموقع الإسلامي ويكاد الحديث عن حقوق الإنسان والدّيموقراطية واللائكية ضربا من استلاب الشخصية لفائدة الفكر الغربي. زمان الفكر العالمي والأممية والقيم الإنسانية المطلقة قد ولّى، ولعلّ المطلوب أكثر من أيّ وقت مضى إعادة الاعتبار لهذه المصطلحات. لا أدري إن كنت أجبت على سؤالك وعلى كلّ فهذه القضية ستكون إحدى ملفّاتنا الشّائكة.
خرج مئات الآلاف من الأتراك في الأسابيع الماضية لحماية مؤسساتهم السياسية مما رأوه تعديا عليها من قبل القوى المعادية للعلمانية، أتنتظر أن يفعل التونسيون مثل ذلك؟
أعتقد أنّي سبقتك الإجابة بشكل ما. الأكيد أنّ التّونسيين لن يخرجوا إلى الشّارع أفواجا لا للدّفاع عن اللاّئكية ولا عن الدّيموقراطية، في المنظور القريب على الأقلّ. لسنا في وضع تركيا ولا مقارنة بين المجتمعين والنظامين والتاريخين واللاّئكتين. سيطول المجال في الخوض في هذه المسألة كما في أحوال الوضع التّونسي ونجاح سياسة المجتمع الوسط، وبداية انخرام توازناته، وخاصيتنا ضمن شبه الإجماع السنّي المالكي، وعشرة ملاييننا التي لا تقاس بأعداد الأتراك، ووضعهم الجغرافي السياسي ومسألة انخراطهم في المجموعة الأوروبية، ودور الجيش عندهم… الجمعية تهدف إلى أن تكون مخبرًا للآراء و الأفكار
تناضل الجمعية من أجل لائكية الدولة، أتطرحون فكرة تنقيح البند الأول من الدستور التونسي الذي يقر بأن الإسلام هو دين البلاد والعباد؟
الدّولة التّونسية ربّما هي أقرب إلى اللائكية منها إلى المرجعيّة الدينية. لم نتطارح بعد مثل هذه المسائل والموضوع مفتوح لكلّ الآراء. ويوم يُفتح سأطرح على أهل الاختصاص في القانون، من الّذين سنتوجّه لهم لإنارتنا وإفادتنا، السؤال التالي: ما معنى أن يكون للدّولة دين ما ؟ أحد التّونسيين كتب على مدوّنته الألكترونية ترحيبا بولادة جمعيتنا، في غاية الرّوعة من حيث الطّرافة والأسلوب التهكّمي المرح، وهو أسلوب قد ينفذ أحيانا إلى الأعماق أكثر من الخطب الصّارمة. سأتركها باللّهجة التونسية الدّارجة لكي لا تفقد نكهتها : « الناس اللي تحكي على دولة مسلمة ودولة مسيحيةودولة كافرة بكل صراحة نراه كلام فارغ، لا معنى له. توة بالله تقولولي دولة دينهاالإسلام كيما موجود في دستورنا، إي آش معناها؟ عمركمش شفتو الدولة تتوضّى وماشيةتصلّي؟ يجي منّو دولة خارجة من الميضة متاع الجامع مشمّرة سروالها ولابسة قبقاب؟كلام فارغ، دولة عندها دين، تصوّروها معايا بالله: دول العالم واقفين على الصراتنهار القيامة يستنّاو في الحساب، صفّ للدول المسلمة وصفّ للدول الكافرة، شفتو؟ كلامفارغ. » وهو تساؤل لا يخلو من وجاهة. ولكن للسياسة شأنا آخر، فعبارة « الدّولة التونسية دينها الإسلام… » يجب أن يؤخذ فيها بعين الاعتبار الظروف التي حفّت بها في مطلع الاستقلال وشخصية بورقيبة وعلاقته بالدّين ولعبة التوازنات التي أقامها بين الشكل والمضمون، وبين بنود الدّستور ذاته إذ يرد في الفصل الثّامن إشارة إلى حرية المعتقد، كما أنّ مجلّة الأحوال الشّخصيّة نموذج للمسافة المأخوذة عن الدّين دون مصادمته صراحة. هل يستوجب علينا اليوم البقاء ضمن ثقافة كتابة كلمة اللائكية بالحبر السرّي أم أنّ الرِّدّة عنها أصبحت تقتضي استعمال الحبر المكشوف ؟ هذه أيضا ملامح أخرى من ثراء الجدل والنّقاش والتّفكير الذي نريد إطلاقه من عقاله. وخلاصة فلا تنتظر منّي أجوبة نهائيّة ومحدّدة لأنّي لو كنت أملك مثل هذا الوضوح لما انتميت إلى هذه الجمعية التي تهدف بالأساس إلى أن تكون مخبرًا وفضاء لتطوير الأفكار والآراء أكثر منها مؤسسة ترفع لواءًا من لون ما.
في وجه الاستبداد السياسي الشامل الذي تعيشه تونس، يأتي تأسيس جمعية مستقلة؛ أي أفاق تترقبونها والكل يعلم درجة المحاصرة و العرقلة التي تتعرض لها هياكل المجتمع المدني الحرة ؟
اعتقادي أنّه لم يوجد على مدى التّاريخ نظام واحد استبدادي شامل بمعنى بلوغه الهدف. أينما وُجِد نظام وشعب وُجدت ثغرات يتحدّد اتّساعها أو ضيقها بمدى عزيمة الشّعوب والأفراد والجماعات على استنباط أشكال المقاومة والكرّ والفرّ وطول النّفس الملائمة لقواهم ولمتطلّبات المرحلة. خوفي الوحيد أن يتمادى النّظام في إغلاق الأبواب فيدبّ اليأس لدى حاملي مشاريع ورؤى النّضال المتمدّن والشّرعي. وليس في تونس اليوم مجموعة معارضة واحدة، بما في ذلك إسلاميّو النّهضة، خارجة عن هذه الرّؤية. والخوف كما سبق أن حدث أخيرًا، أن تتجاوزنا الأحداث جميعا كما تجاوزت « فتح » و »حماس » ذاتها في فلسطين، أو في الجزائر في زمن غير بعيدٍ أو غيرها من بلدان العالم التي لم تفهم أنّ المجتمعات شأنها شأن الطّنجرة التي يغلي فيها المرق، فإمّا أن ينضج طبيخها ويحلو مرقها وإمّا أن يُحكم كبس غطائها فتتحوّل إلى متفجّر بحكم قانون فيزيائي بسيط لا يجادل بدليل أنّه مقرّر في كتاب الفيزياء للسّنة الخامسة ابتدائي من نظامنا التّعليمي.
متى ينطلق برنامج نشاطكم؟
ينطلق نشاطنا يوم تنشط دوائرنا المسؤولة في تعمير قصاصة الموافقة على أن نكون مواطنين محترمين وراشدين يخوّل لنا حقّ الوجود والتّعبير ضمن ما يحدّده القانون من واجبات وما يمنحه من حقوق. وأؤكد أنّ الأمر لا يستوجب سوى خمسة دقائق بمفهوم زمن غرينويتش، أمّا زمننا نحن على الضفة الجنوبية للمتوسّط فيتمطّط كثيرا بمفعول حرارة الشّمس وفواصل الهوية من نوع « يا من عاش » و « سننظر في الأمر » و « ما المستجعل في القضيّة ؟ » و »حتّى نشاور ؟ » و »اخْطَى رأسي… » و »الدّوائر العليا » وهلمّ جرّا… المصدر: موقع الأوان لرابطة العقلانيين العرب بتاريخ 1 جويلية 2007 http://www.alawan.com/index.php?option=com

Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.