Home – Accueil – الرئيسية
TUNISNEWS
7 ème année, N° 2292 du 31.08.2006
البيان التأسيسي للجنة الوطنية لمساندة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عمر الهاروني: رسالة شكر واس: تونس تلغي عملية القرعة لتحديد حجاجها الصباح: حسب البنك المركزي التونسي: ارتفاع كلفة الطاقة تساهم في تفاقم العجز التجاري بـ40% حقائق: بيان من أجل إنقاذ رابطة حقوق الإنسان حقائق: الأستاذ عبد الرحمان كريم نائب رئيس الرابطة السابق / ليست الغاية التحضير المشبوه لمؤتمر مواز حقائق: رابطة حقـوق الانسـان بين الاستحواذ وحـل الأزمة محمد العروسي الهاني: رجال في الذاكرة لن ننساهم ابدا الدهر بمناسبة 3 سبتمبر 1934 جملة المقترحات 27 مقترحا في 3 حلقات مع 27 آية قرآنية نصر الدين بن حديد: إلى الدكتور خالد شوكات: البعرة قد تدلّ الأسد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ طارق الكحلاوي: أكاديمية الشرق الأوسط والمواقف السياسية الأميركية محمود: لمصلحـة من.. هذه الحرب ضد الحركة الإسـلامية؟ فهمي هويدي: عن البيان الأول لثورة القذافي الابن د. بشير موسي نافع: الصورة العربية المنقسمة علي ذاتها منير شفيق : العدوان الإسرائيلي على لبنان يفشل سياسيا أيضا عبدالله الأشعل: سلاح «حزب الله» مقابل سلاح إسرائيل! محمد صادق دياب: غوته.. والجدول الذي تحول إلى نهر
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »
حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:
البيان التأسيسي للجنة الوطنية لمساندة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
نحن المناضلات و المناضلين من اجل حقوق الإنسان ، رؤساء سابقين للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و مسؤولين سابقين في الهيئة المديرة للرابطة و رؤساء سابقين لمنظمات غير حكومية وجامعيين و أطباء ونقابيين و صحافيين و محامين … و أهل الثقافة نساء و رجالا. – استجابة للنداء الذي وجهته الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات في 6 ماي 2006 بمناسبة يوم تضامن مع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان من اجل تكوين لجنة وطنية لمساندة الرابطة.
– نظرا لوضع الشلل المسلط على الرابطة والذي يحول دون قيامها بمهامها في ظروف عادية.
– و نظرا لاستيائنا من حملات المضايقة و التشويه الإعلامي و الضغوط على الرابطة ولاسيما التضييق على مقراتها الذي يهدف إلى تعطيل نشاطها الحر .
– و نظرا لانشغالنا للاجراءات القضائية التي قام بها بعض المسؤولين و المنخرطين ضد الهيئة المديرة للرابطة . –بعد الاطلاع على جميع المبادرات والمساعي والنداءات من اجل التوصل الى حل مرضي ناسف لكون المقترحات التي تقدمت بها الى الاطراف المعنية منذ مارس الماضي شخصيات تونسية من بينها رؤساء و مسؤولون سابقون في الرابطة لم تجد الصدى المنشود لدى الذين تقدموا بقضايا عدلية – نؤكد التزامنا بالدفاع عن استقلالية الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و صيانتها .
– نناشد كل الذين تقدموا بتلك القضايا سحبها تمهيدا لحل منصف يمكن من عقد المؤتمر السادس للرابطة.
– نذكر أن المؤتمر يجب أن يكون الجهة الوحيدة المؤهلة لدراسة و حسم القضايا التي تلزم حاضر الرابطة و مستقبلها و ذلك دون إقصاء.
– نطالب بوضع حد لكل العراقيل التي تحول دون السير العادي للرابطة و هيئتها المديرة و فروعها.
– نذكر بان الحوار بين السلطات العمومية و الرابطة هو شرط ضروري لتمكين الرابطة من أداء مهمتها بشكل طبيعي.
– ندعو منظمات المجتمع المدني وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل وجميع نشطاء حقوق الانسان إلى المساهمة في حل الأزمة بما يضمن سلامة الرابطة و دوامها. – نعلن عن بعث لجنة وطنية لمساندة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان.
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة والسلام على نبينا و حبيبنا محمد و على اله و صحبه أجمعين الكرم الغربي، 7 شعبان 1427 الموافق ل 31 اوت 2006 رسالة شكر الله اكبر الله اكبر الله اكبر و انا لله و انا اليه راجعون
الى كل من قدم الينا تعازيه بمناسبة و فاة المغفور لها ان شاء الله زوجتنا الصالحة المناضلة السيدة بنت الصادق التركي حرم عمر بن خالد الهاروني التي وافاها الاجل المحتوم يوم الاربعاء 16 اوت ليلا و وقع دفنها في مثواها الاخير يوم الخميس 17 اوت بمقبرة سيدي عمر بعد معاناة و صبر عاشتهما منذ بدء اعتقال ابننا عبد الكريم في الايام العشر الاواخر من شهر رمضان المبارك سنة1991 من أمام مسجد الأحمدي بالمرسى الشاطئ قبل صلاة الفجر ثم اشتداد المرض عليها في الايام القليلة الاخيرة. إذ تقبلنا التعازي من تونس و من العالم و قد تاثرنا بمن زارونا في البيت و حضروا الجنازة و قدموا العزاء وبمن راسلونا و اتصلوا بنا هاتفيا من العائلة و الاحباب و الجيران و الاطفال الصغار التي كانت تحبهم كثيرا و تودهم اكثروالاصدقاء و كل المساجين السياسيين بالسجون التونسية و عائلاتهم والشخصيات الحقوقية كالجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين (A.I.S.P.P.). و لا يسعنا الا ان نوجه تحية خالصة باسمنا جميعا وفي مقدمتنا ابني عبد الكريم من سجن 9 افريل-تونس * و منذ حضوره في الجنازة و القيام بنفسه بإمامة الصلاة على والدته رحمها الله و الدعاء لها و اقبارها * تحية لكل المتعاطفين حتى لا نذكر أسماء و ننسى أخرى. رحم الله الفقيدة رحمة واسعة و ادخلها فراديس جنانه مع الأنبياء و الشهداء و الصالحين* امين يا رب العالمين* و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته عمر الهاروني وأبنائي و بناتي: عبد الكريم وكريمة وماهر وإلياس وهند.
تونس تلغي عملية القرعة لتحديد حجاجها
تونس 6 شعبان 1427 هـ الموافق 30 أغسطس 2006م واس ألغت السلطات التونسية عملية إجراء القرعة المتبعة منذ سنوات لتحديد هويات المواطنين الذين سيؤدون مشاعر الحج من بين الأعداد الكبيرة للمتقدمين واستعاضت عنها بإجراءات جديدة تطبق اعتبارا من حج هذا العام . وقد تم استبدال عملية القرعة بتنظيم جديد يتوخى اختيار قوائم الحجيج حسب الأقدمية في تقديم مطالب الترشيح
مع تخصيص ثلث العدد للذين بلغوا سن الثمانين. (!!!!!!!!!!!!!!!!)
ويشترط في الإجراء الجديد التي اتخذته السلطات التونسية عدم تمكين من حج خلال السنوات السبع الأخيرة من المشاركة في عملية الفرز مع تمكين القرين باتباع قرينه آليا إذا لم يسبق له أن حج أو مر على حجه سبع سنوات كما يمنع مرافقة العاجز بالنسبة للذين سبق لهم وأن أدوا فريضة الحج خلال السبع سنوات الأخيرة . وسيوفر الإجراء الجديد فرصا كبيرة من أداء فريضة الحج بالنسبة للذين قاموا بالترشح في السنوات الأخيرة ولم تسعفهم القرعة وستقطع الطريق على الخضوع إلى مجرد الحظ . وكانت عملية القرعة الخاصة بموسم الحج لهذا العام والتي ألغيت بموجب الإجراءات الجديدة قد بدأت منذ 17 من الشهر الجاري وتواصلت ثلاثة أيام بعد أن فتحت السلطات التونسية أبواب التقدم للحج منذ 10 يوليو المنصرم . (المصدر: وكالة الأنباء السعودية بتاريخ 30 أوت 2006)
حسب البنك المركزي التونسي:
ارتفاع كلفة الطاقة تساهم في تفاقم العجز التجاري بـ40%
تونس – الصباح: تفاقم عجز الميزان التجاري لتونس منذ بداية السنة والى غاية 20 أوت الجاري بنحو 580 مليون دينار مقارنة بنفس الفترة من سنة 2005 وذلك بسبب ارتفاع اسعار الطاقة التي ساهمت بنسبة 40% من هذا العجز هذا الى جانب التأخير الحاصل على مستوى تصدير زيت الزيتون وذلك حسب البنك المركزي التونسي. كما ارتفع عجز الميزان التجاري لتونس وهو ما يمثل حركة المقابيض والمدفوعات من عملة صعبة لتونس مع الخارج ليصل الى مستوى 2,1% من الناتج المحلي الاجمالي منها 1,4% بسبب واردات الطاقة وذلك خلال السبعة اشهر الاولى من السنــــة الحالية. وسجلت الصادرات التونسية منذ بداية السنة والى غاية 20 اوت الجاري نموا بنسبة 10,6% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2005 ويفسر هذا النمو بارتفاع حجم صادرات قطاع الصناعات الميكانيكية والكهربائية بنسبة 21,8% وقطاع المناجم بنسبة 17,5% وقطاع الطاقة بنسبة 22% في المقابل تراجعت صادرات قطاع النسيج بنسبة 3,5%. بالتوازي، ارتفع حجم الواردات خلال نفس الفترة بنسبة 13,9% وذلك بسبب ارتفاع واردات المواد الطاقية بنسبة 34,6% والتجهيزات بنسبة 18,2% والمواد الغذائية بنسبة 17,5%. احتياطي بـ8,4 مليار دينار من جانب العملة الصعبة ارتفع احتياطي البنك المركزي التونسي من العملة الصعبة في يوم 28 أوت الجاري بنسبة 49,83% ليصل الى أكثر من 8,42 مليار دينار وهو ما يعادل 163 يوما من التوريد. ويعود هذا الارتفاع الذي يعد استثنائيا نظرا لاحتواء هذا المخزون على العائدات المتأتية من عملية بيع 35% من رأس مال اتصالات تونس الى المجمع الاماراتي للاتصالات، والى نمو العائدات المتأتية من السياحة منذ بداية السنة والى غاية 20 اوت الجاري بنسبة 2,9% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2005 لتبلغ ما يناهز 1,59 مليار دينار هذا الى جانب ارتفاع حجم تحويلات التونسيين بالخارج بنسبة 5,8% خلال نفس الفترة. وسجل قطاع السياحة خلال السبعة أشهر الماضية من السنة الحالية نموا في عدد الوافدين على تونس وعدد الليالي المقضاة بنسب على التوالي بـ1,2% و0,5% وذلك مقارنة بنفس الفترة من سنة 2005. نبيل الغربي (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 31 أوت 2006)
استضافة تبذل بعض الهيئات النقابية وعدد من المنظمات مساع لاستضافة الشاعر المصري احمد فؤاد نجم في تونس خلال مفتتح الموسم الثقافي الجديد.. ويتوقع ان يحيي احمد فؤاد نجم بعض الامسيات الشعرية.. تصدير زيت الزيتون افادت مصادر مطلعة ان حركية جديدة شهدها قطاع تصدير زيت الزيتون بعد تقديم جملة من العروض في هذا المجال وينتظر على ضوء هذه الحركية تصدير كميات هامة من الزيت الى بعض دول الشرق العربي واسيا، وكذلك الى الاتحاد الاوروبي بعد اتفاقات جرت حول اسعار جديدة للتصدير. مصفاة البترول الجديدة بالصخيرة بعد نشر اعلان لمناقصة دولية بخصوص مشروع بعث مصفاة الصخيرة خلال السنة الفارطة.. وتأجيل العرض علمنا ان جملة من التطورات قد حصلت خلال المدة الاخيرة بخصوص هذا المشروع، حيث ينتظر ان تتحقق نتائج في هذا المجال بناء على عروض جديدة قدمت في الغرض. (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 31 أوت 2006)
نعى المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدى عاكف الكاتب الكبير صاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ الذي وافته المنية اليوم الأربعاء . وقال عاكف إن محفوظ كان علمًا بارزًا من أعلام القلم والفكر والأدب فى مصر والعالم طوال نصف القرن الأخير . ويعتزم عاكف حضور جنازة الكاتب الكبير إن شاء الله تعالى . القاهرة فى 6 من شعبان 1427هـ 30 من أغسطس 2006م (المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 31 أوت 2006 على الساعة 01 و 58 دقيقة فجرا بتوقيت لندن)
بيان من أجل إنقاذ رابطة حقوق الإنسان
انطلاقا من المبادئ الوطنية والانسانية التين نؤمن بها والتي كانت أساس مشاركتنا في تأسيس وتسيير الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تبقى مكسبا وطنيا ساهمنا في ترسيخ حضوره وقيامه بدوره المطلوب. واعتقادا منا بضرورة المشاركة مع مختلف الاطراف في حماية هذا المكسب – باعتبار ذلك واجبا وطنيا – حتى يواصل القيام بالرسالة النبيلة التي تأسس من أجلها :
– 1نعبر عن انشغالنا العميق لما آلت اليه الأوضاع الداخلية للرابطة، وما تعانيه من تعقيد، وما يواجهها من مخاطر تهدد كيانها مما ادى إلى تعطيل نشاطها و إلى العجز عن الاضطلاع بدورها الوطني والانساني بصورة ملائمة تتفق مع اهدافها ومبادئها الأصلية.
– 2نتجاوب مع النداء الآخير الصادر عن اكثر من 150 منخرطا ومسؤولا من عديد الفروع لما تميّز به من روح المسؤولية وحس الوفاق الذي ساد عمل الرابطة منذ تأسيسها، كما نؤكد على أهمية المبادرات التي قام بها في هذا الصدد العديد من مناضلي الرابطة.
– 3نعلن عن استجابتنا لما جاء في هذا النداء الذي يطالب كل المعنيين بأوضاع الرابطة منذ مرحلة التأسيس الى اليوم، بضرورة العمل الفاعل و الناجع على اخراجها من المأزق الذي تردت فيه» ويكون ذلك في إطار حوار رابطي رابطي شامل وفاقي وديمقراطي، وضمن منظور حقوقي ووطني، وتقيدا بالقانون الأساسي للرابطة ونظامها الداخلي.
إن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان تأسست للقيام بدور انساني ووطني بديل، وفي آطار وفاقي شامل، بعيدة عن أي استغلال أو توظيف وعن أية هيمنة حزبيـْة أو سياسية، علنية كانت أو خفية، ومستقلة عن أية وصاية وتبعية لأية جهة خارجية. هذه هي الرابطة كما أرادها مؤسسوها، وكما ساهم في ترسيخ دورها الوطني والإنساني كل الذين ناضلوا في صفوفها من مختلف الأجيال والجهات. إنها مكسب مشرف لتونس وملك لجميع المؤمنين بمبادئها واهدافها، وأمانة بأيدي الأجيال الصاعدة.
لذلك على الجميع المساهمة الفاعلة والصادقة في انقاذها من الوضع الداخلي الذي تعانيه حتى تواصل القيام بدورها في افضل الظروف، وفي هذا الاطار يندرج بياننا هذا تأكيدا لاستعدادنا وتلبية للنداءات والدعوات المباشرة التي وجهت إلينا. الامضاءات : المنجي الشملي، حمودة بن سلامة، عبد الوهاب الباهي، آمنة صولة، أحمد خالد، علي منجور، محمد بن عبدالله، يوسف علوان، بورقيبة بن رجب، ابراهيم جدلة.
(المصدر: مجلة « حقائق » بتاريخ 28 أوت 2006)
رابطة حقـوق الانسـان بين الاستحواذ وحـل الأزمة
الشاذلي بن رحومة
كيف قوبلت الرسالة التي وجهها المبادرون بعد توجيه النداء الى الهيئة المديرة وهل حقيقة أراد هؤلاء المبادرون الاطاحة بالهيئة المديرة والاستحواذ على الرابطة مثلما روّج عنهم ؟ وفي أي اطار يأتي بيان أعضاء هيئات مديرة سابقة لرابطة الدفاع عن حقوق الانسان ؟ وهل يعيش المبادرون أنفسهم جدلا تتفاوت دوافعه ومبرراته من بين ملامحه اعلان الاستاذ عبد الرحمان كريّم انتهاء «مهمته الشكلية» داخل هذه المبادرة؟
تضمنت الرسالة الموجهة يوم 22 من الشهر الجاري إلى الهيئة المديرة للرابطة تسع نقاط ويبدو أن هذه الرسالة المتضمنة لفحوى اجتماع المبادرين لم تمرّ مرّ الكرام خلال اجمتاع الهيئة المديرة الأخير حيث خصّص أغلبه – كما علمنا – لهذه الرسالة، وقد برز توجّه أول متصلّب مثلما وصفه المبادرون اعتبر أن هذه المبادرة تقف وراءها السلطة. وقد قلّل أصحاب هذا التوجّه من أهميتها ومن وزن الداعين إليها. أمّا التوجه الثاني فقد كان أصحابه حريصين على التفاعل الايجابي مع المبادرة والدعوة للاستماع لمشكلّيها باعتبارهم رابطيين وباعتبار الرابطة فضاء للجميع، وان وصف أصحاب هذا التوجه بأنهم قلّة. ولعلهّ بعد توجيه النداء إلى المنظمات والأحزاب السياسية يبدو أن مرحلة اللقاءات المباشرة برموز للمنظمات المجتمع المدني قد بدأت، كان أوّلها مع السيد عبد السلام جراد ومبرّر هذا الاتصال ثقل المنظمة الشغيلة في الساحة الوطنية ووجود عدد من النقابيين في صلب الرابطة. وكان أعضاء لجنة الاتصال وصفوا اللقاء مع السيد جراد بالإيجابي. كان على المبادرين أن يدفعوا عن أنفسهم اتهامات وترديدات عن مغزى مبادرتهم وتوقيتها. فخلال اجتماعهم الأخير كان على المبادرين أن يعلنوا عن مواقف واضحة وكان التأكيـد «إننا لسنا بديلا للهيئة المديرة ولسنا هيكلا موازيا … لم نجتمع للإطاحة بالهيئة المديرة ولا للاستحواذ على الرابطة ولا لخلق أطر بديلة» مؤكدين « توجهنا هو لانقاذ الرابطة.. نحن ملتزمون بما أمضينا عليه بكل جوارحنا وبكلّ مسؤولية»، وكان عليهم بعد التشكيك فيهم أن يتساءلوا من هم «نحن رابطيون نبحث عن سبل وامكانيات الخروج بالرابطة من أزمتها» وهو الموقف الذي ردّدوه علنا في مجالسهم وفي تصريحاتهم.
تحركات أخرى
شكّل البلاغ الذي أصدره أعضاء هيئات مديرة سابقة للرابطة يوم 19 أوت الجاري تجاوبا مع النداء الذ ي أطلقه المبادرون. وقد تضمّن هذا البلاغ إمضاءات كلّ من : المنجي الشملي – حمودة بن سلامة- عبد الوهاب الباهي-آمنة صولة- علي منجور- يوسف علوان-بورقيبة بن رجب وابراهيم جدلة. وتعتبر هذه الخطوة التي قامت بها هذه الشخصيات دعما مهمّا لأسماء تقف وراء المبادرة طال أغلبها التخوين والتشكيك، لكن مقابل هذا التحرك السريع تشكّل حزام لمساندة الهيئة المديرة والرابطة، حزام نواته الأساسية بعض النساء الديمقراطيات. ويتكون منسّقو هذه المساندة من كل من هالة عبد الجواد وهادية جراد وخميس الشماري. وتستعدّ هذه المجموعة المساندة لإصدار نص حول أسباب الأزمة مع تقديم مقترحات حلّ تتمثل في فتح السلطة لحوار مباشر مع الرابطة، وقد علمنا أن نصّ البيان سيصدر خلال شهر سبتمبر القادم مع نيّة لتوسيع دائرة الممضين عليه. وبدورها، فإن هذه المجموعة تنافس على ما يبدو المبادرين في خطب ودّ قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل ومنخرطيها من النقابيين، حيث تسعى المجموعة الأولى بدورها إلى الاقناع بوجهة نظرها لدى النقابيين. ومهما كانت دوافع وتحركات هذه الأطراف فان عودة الحديث عن أزمة الرابطة والدعوة إلى المصالحة، بات أكثر قوّة وإن كان الجميع يتحدثون عن مصلحة الرابطة والرابطيين ويشدّدون على حسن نواياهم. فهل يتحقق المراد أم يبقى حلّ الأزمة بعيد المنال ؟
(المصدر: مجلة « حقائق » بتاريخ 28 أوت 2006)
حقائق: الأستاذ عبد الرحمان كريم نائب رئيس الرابطة السابق:
ليست الغاية التحضير المشبوه لمؤتمر مواز
الشاذلي بن رحومة
قوبلت المبادرة ببرود من طرف أعضاء الهيئة المديرة للرابطة. ألا تعتقد أن ذلك يمكن أن يلغي نجاعتها ؟
لم تلق أية مبادرة تجاوبا داخل المجتمع المدني مثل الذي وجدته مبادرة 21 جوان 2006 والتي تهدف إلي تصور حل لأزمة الرابطة، فقد لقيت هذه المبادرة حركية فكرية داخل وسائل الاعلام وداخل أطر الرابطة و بين مناضليها وكذاك داخل الهيئة المديرة أيضا وان كانت تخلّفت هذه الأخيرة عن اتخاذ موقف حيني إزاءها فلا يمكن أن يعود ذلك إلا لحرصها على عمق الدراسة والإحاطة بجميع انعكاسات المبادرة على حياة الرابطة وهيكلتها.
لكن بعد هذا التروّي قد يكون جاء رفض الهيئة المديرة ؟
لقد تأسست المبادرة على معادلة التوفيق والملاءمة بين التمسك بمشروعية الهيئة المديرة المنبثقة عن المؤتمر الخامس وحق هذه الآخيرة دون سواها في تسيير شؤون الرابطة وعقد مؤتمرها القادم وفي نفس الوقت حق منخرطي الرابطة ومناضليها في التمسك بالتسيير الديمقراطي لهذه المنظمة وحقّهم على الهيئة المديرة في تطبيق قواعد القانون الأساسي والنظام الداخلي عند انجاز المؤتمر مما يعني ضرورة التقيّـد بمقتضيات تمثيل نواب كل الفروع في المؤتمر.
هناك حديث يقول إن هذه المبادرة تقف وراءها السلطة بشكل أو بآخر وذلك بسماحها بعقد اجتماع المبادرين ودخول عدد من التجمعيين في مراحله. ألا يضعف ذلك موقفكم ؟
إن الرابطة لا تفرّق بين مناضليها ومنخرطيها من منظار انتماءاتهم السياسية. وان قوّة الرابطة منذ تأسيسها تكمن في أنها اطار ديمقراطي يجمع كل المناضلين بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية. وعلى هذا الأساس فإن كلّ الممضين على النداء منخرطون في الرابطة. أمّا بخصوص تمكين بعض الممضين على النداء من الحصول على مقر لعقد حوار داخلي في ما بينهم فانّ ذلك لا يمكن أن يعتبر إلا مؤشرا من طرف السلطة، على التجاوب مع النداء وإننا نأمل أن تمكّن كلّ فروع الرابطة من فضاءات لعقد مثل هذه اللقاءات التقييمية كما نأمل ألاّ يتحدث أحد عن حصار للرابطة حتى تتمكّن من القيام بدورها الطبيعي داخل المجتمع.
طالبت الهيئة المديرة بمحاور مباشر يمثّـل السلطة بدل الخوض في حوار مع أصحاب المبادرات؟
لقد تمسكت الرابطة بالحوار مع السلطة كمبدإ أساسي لبلوغ الأهداف والغايات تحقيقا لرسالتها الانسانية والوطنية، ذلك أن الرابطة لا يمكن أن تتوفق في تحقيق ما ينتظره منها المواطن إلا عن طريق التفاوض مع السلطة في كل ما يهمّ صيانة حقوق الانسان والدفاع عنها وبالتالي فإنّ المفاوضات مع السلطة أمر أساسي باعتبار أن الهدف مشترك وهو خدمة المواطن صيانة لحقوقه ودرءا لكل تجاوز مسلّط عليه.
هل ترى من أشخاص من داخل المجتمع المدني يمكن أن يلعبوا دورا في الدفع بهذه المفاوضات ؟
لا يمكن أن نتحدّث عن دور تحسيسي أو إقناعي لأصدقاء الرابطة وفاعليات المجتمع المدني إلا إذا تحقّقت لدى الهيئة المديرة قناعة بأن المبادرة تنطلق من الغيرة على الرابطة والحرص على بقائها رصيدا وطنيّا غير قابل للتفريط فيه وأن تتوفّر القناعة لديهم أيضا بأن الغاية من هذه المبادرة ليست خلق اطار بديل لها أو التحضير المشبوه لمؤتمر مواز وأن تتوفّر القناعة أيضا بأن منطلق المبادرة هو تحمّل الموقّعين، مسؤولية المحافظة على الرابطة، واعتبار أن المبادرة هي انطلاقة حرّة لضمير رابطي مستقل غايته مؤازرة الهيئة المديرة واعانتها على تجاوز الأزمة التي تعيشها الرابطة. ومن هذا المنطلق أكد المبادرون على تمسكهم بشرعية الهيئة المديرة ودعوتهم لها لمراجعة مواقفها التي أثارت تباينا في المواقف داخل المنخرطين أدى بالبعض الى الطعن القضائي او المؤسساتي. فإذا توفّرت هذه الأرضية من توضيح النوايا والمنطلقات وتيقنت الهيئة المديرة بأن المبادرة تنحو باتجاه دعم الرابطة وليس الاضرار بها أمكن لأصدقاء الرابطة ومناصريها أن يلعبوا ادوارهم في تسهيل الحلّ.
كانت هناك نيّة لتكوين لجنة داخل المبادرة أثناء الاجتماع الأخير لكن وقع التخلّي عن هذه الفكرة. ما دواعي ذلك ؟
لقد تجسمت المبادرة حول فكرة أساسية وهي الالتفاف حول الرابطة من منطلق ذاتي وألم داخلي يشعر به كل منخرط فيها من وضع الجمود الذي تعيشه طيلة هذه الفترة ومن الصورة التي أضحت عليها، صورة الضحية بعد أن كانت صوت الحق والدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان في شموليتها وكونيتها. لقد كانت هذه المبادرة اختزالا لجملة من الأفكار الفردية التي يعيشها كل منخرط في الرابطة منذ زمن ويخشى التعبير عنها اما حفاظا على الرابطة أو نتيجة الخوف من النعوت التي قد تسلّط عليه. لذلك تمّ استبعاد كلّ فكر احتوائي لهذه المبادرة او اعتبارها منطلقا لحلّ هيكلي بديل وتجسيما لهذه الفكرة فإني أعلنت عن انتهاء مهمتي الشكلية داخل هذه المبادرة وتحديدا ضمن ما سمي بلجنة الاتصال المتكوّنة من المبادرين الستة الآوائل الممضين على النداء مع بقائي مدافعا عن الأفكار والمبادئ الواردة بالنداء معتمدا على توضيح ذلك البناء وأهدافه والدعوة لتحقيق المصالحة على أساسه.
بصراحة أعود الى موضوع السلطة هل لقيت هذه المبادرة تزكية من السلطة ؟
هذه المبادرة لا تستحقّ تزكية ولا اعترافا من أحد، وكل ما تبتغيه هو تجاوب الأطراف الأربعة معها وهم المنخرطون، ورساء الهيئة المديرة. القدماء وأصدقاء الرابطة والسلطة، واذا اختلّ ركن من هذه الأركان تأجّل الحل ولا يخفى أن الأزمة إذا تواصلت واستفلحت استعصى الحل ولحقت الخسارة كل المراهنين على الرابطة وعلى دورها النضالي والحقوقي.
(المصدر: مجلة « حقائق » بتاريخ 28 أوت 2006)
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين تونس في 31/08/2006 بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري كاتب عام جمعية الوفاء و رئيس لشعبة الصحافة الحزبية سابقا
الرسالة 115 بموقع الانترنات تونس نيوز
رجال في الذاكرة لن ننساهم ابدا الدهر بمناسبة 3 سبتمبر 1934 جملة المقترحات 27 مقترحا في 3 حلقات مع 27 آية قرآنية
إنّ المتأمل النزيه في أبعاد الذكرى 72 لإبعاد الزعماء الأحرار إلى الجنوب التونسي يوم 3 سبتمبر 1934 و في طليعتهم الزعيم الحبيب بورقيبة لن تمحى من الذاكرة الوطنية – و إنّ يوم 3 سبتمبر 1934 المنعرج الحاسم سيبقى اليوم الخالد و الراسخ في أذهان المناضلين الوطنيين الأوفياء للوطن.
الصادقين في الانتماء. المؤمنين بالقيم و المبادىء. الشاعرين بقيمة النضال. و التضحية الصادقين. في الوفاء للوطن و الزعماء المتشبثين بالثوابت في عصر المادة و عصر النسيان و عصر الابتعاد عن الروح و القيم و عصر عبادة المادة و قل أيضا عصر المجاملة و النفاق…
و لكن في المقابل و كما يقول الدكتور فيصل قاسم في برنامج الإتجاه المعاكس في قناة الجزيرة هناك رجال أوفياء عاهدوا الله العلي القدير على الوفاء و الصدق و حب الوطن و الإخلاص للشعب كلفهم ذلك ما كلفهم من صبر و تضحية و تعاليق… و ربما تضحية مالية من اجل إحياء الذكريات و ذكر الوقائع و الاحداث بوفاء
منها ذكرى أبعاد المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة رحمه الله إلى قبلي بالجنوب التونسي التراب العسكري في تلك الحقبة و كان يوم الاثنين 3 سبتمبر 1934 وكان للزعيم الشاب الحبيب بورقيبة لقاء بأهالي الجم في يوم السوق الاسبوعية لكن فجر ذلك اليوم تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن كان أعوان الجندرمة الفرنسية و قوات الأمن أمام منزل الزعيم الشاب المحامي الحبيب بورقيبة بحومة الطرابلسية بالمنستير و حسب قرار المقيم العام الفرنسي و تنفيذا للقرار جاء أعوان الامن و الجندرمة الفرنسية لاعتقال الزعيم الشاب و إبعاده إلى الجنوب صحبة رفيقه المناضل الزعيم الطاهر صفر رحمه الله و عندما سمع المناضل الشادلي قلالة بهذا الخبر جاء إلى منزل الزعيم ووقف أمام الباب و قال و الله لا يخرج الزعيم من هنا إلا إذا متنا على بكرة أبينا لكن الزعيم الصامد الحكيم المؤمن المجاهد المغامر الذي لا يخاف و لا يخشى الموت و السجون و المنافي و لا يخاف بطش الاستعمار الفرنسي و هو قادم على كل ألوان الأبعاد و السجون و التضحيات قال للمناضل الشادلي قلالة رحمه الله.
لا أنا أذهب معهم أين شاؤوا و اين ما أرادوا و أوصى قلاقة بالعمل و النضال و مواصلة العمل النضالي و طلب من النسوة أن يزغردوا عند خروجي من المنزل
أيّ رجل هذا واي عملاق سابق عصره
ووصل الجم ووجدوا المواطنين في إنتظاره ووقف طالبا شربة ماء في الجم و لو أنّ الماء له الثمن في دار عثمان و في الجم و أعلم بذكاء القوم بفعل الاستعمار وواصل السيد في سيارة الجندرمة حتى قبلي و بعد شهر كاملا هناك بمعية رفيق الدرب الزعيم الطاهر صفر
عمدت السلطات الاستعمارية لنقلهما إلى برج البوف بالجنوب و هناك إلتحقا بهما الدكتور محمود الماطري رئيس الحزب و محمد بورقيبة و البحري قيقة أعضاء الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري التونسي الجديد المنبثق على مؤتمر قصر هلال يوم 2 مارس 1934 بمدينة قصر هلال.
المحنة الاولى من 1934 إلى 1936
في الإبعاد و المنافي في برج اليوف و قد ذكر لنا في قصيدة رائعة جميلة هادفة الاستاذ أحمد اللغماني قصة البرج و التضحيات الجسام لصانع معجزة الاستقلال المجاهد الأكبر الزعيم
أردت نشر القصيدة التي ألقاها الاستاذ أحمد اللغماني و تروي قصة البرج أعني برج البوف و لكن لم أظفر بها فعوضتها بالابيات الشعرية بمناسبة وفاة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة
هذه مرثية غير عادية لزعيم لا كالزعماء يقال له » الحبيب بورقيبة »
ايها الراحل الحزين تمهّل بعض حين فلي حديث أخير
و حديثي إليك نجوى نجي قلبه طافح أسى، موتور
قد تهاوت بك السنون و أبلى الشيب ما أبدع الشباب القديم
تلك اطوار قصة المجد : نعمى ثم بؤسي و المجد نار و نور
لست آسى أنّ المقادير أقصتك فللحكم هبة و فتور
عمر المجد ذو إمتداد مع الآماد و الحكم عمره مبتور
مثلما الحكم لم يزد مجدك الشامخ مجدا فسلبه لا يضير
لست آسى لذلك إنّ أساي المرّ هذا الجحود و التزوير
فكأن لم تكن بتونس مصباحا مضيئا إذا أطبق الديجور
إذ تولي مصير تونس محتل خبيث و آمر مأمور
و كأن لم تفك قيدا و طوقا فإستراحت معاصم و نحور
و كأن لم يسد بفضلك حكم تونسي، ولم يقم دستور
نسي القوم ؟ أم تناسوا؟ فهل يجدي ملام؟ أو ينفع التذكير؟
أين ذاك الهتاف في كل بطحاء يدوي؟ أين النداء الجهير؟
أين راح الرواد؟ أين الحواريون؟ لا دعوة و لا تبشير
اين أهل الوفاء؟ قد أنكر الاحباب أحبابهم و ندّ العشير
اين شعر تحلبت منه أطمأع جياع، و غيض فيه الشعور
سال سيل السراب في فدفد أغبر لا ظلّ عنده لا غدير
مبدعوه إن كان ثمت إبداع سماسير همّهم توفير
رصدوا من نفاقهم رأس مال ثمروه، وأثمر التثمير
و نفوس المنافقين بغايا ضاق عنها الرصيف و الماخور
كم سعاة سعوا إليك و مسعاهم خداع وودّهم تغرير
قال الله تعالى: تلك الدار الاخيرة نجعلها للذين لا يريدون علوّا في الأرض و لا فسادا و العاقبة للمتقين سورة القصص صدق الله العظيم
المقترحات دعما للمقترحات السابقة 22 التي نشرت يومي 28-29/ 08/ 2006 بموقع الأنترنات تونس نيوز و قبل المقترحات هل تستحق جمعية الوفاء الحصول على التأشيرة سؤال ينتظر الجواب
23: إعادة الإعتبار ليوم 3 سبتمبر 1934 و الإحتفال به بعد الغائه بإقتراح من عناصر سامحهم الله و غفر ذنوبهم و هم الآن نادمون
24 : التأكيد على بث محاضرة الرئيس زين العابدين بن علي التي ألقاها يوم 3 سبتمبر 1987 بالمنستير إحياء للذكرى و أبعادها و قد كلفه الرئيس الحبيب بورقيبة بإلقاء المحاضرة بوصفه الأمين العام المساعد للحزب ووزير الداخلية آنذاك في المنستير
25 : نشر النص الكامل للمحاضرة المشار إليها بالصحف التونسية يوم الأحد 3 سبتمبر 2006 تعميما للفائدة و ترسيخا للذاكرة الوطنية و لا بد من تحرير دور الإعلام تحريرا كاملا
26 : ضرورة إيفاد و فد هام من ابرز المسؤولين في الدولة و التجمع و المنظمات الوطنية و الأحزاب و المجتمع المدني للتحول إلى المنستير و الترحم على روح المجاهد الأكبر الزعيم الحبيب بورقيبة يوم 3 سبتمبر 2006 و فاءا لروحه الطاهرة و اعترافا بتضحياته الجسام في أول محنة وإبعاد في مثل يوم 3/09/1934 و إعتقاله الثالث
عيد الثورة في 18 جانفي 1952
27 : تنظيم اجتماع كبير بإشراف التجمع الحزب الذي تحمل مسؤولية الأمانة و الإرث الوطني الغزير لحزب التحرير و البناء و الإنجاز و الحرص على إعطاء حق الزعيم كاملا في الذكريات الوطنية
قال الله تعالى: إن وعد الله حق فلا تغرنّكم الحياة الدنيا و لا يغرنّكم بالله الغرور صدق الله العظيم سورة لقمان
وارجو أن تأخذ هذه المقترحات بعين الاعتبار في دولة القانون و المؤسسات التي أنجزها صاحب المشروع الحضاري الزعيم الحبيب بورقيبة
قال الله تعالى : الذين صبروا و على ربهم يتوكلون سورة العنكبوت صدق الله العظيم
و رجائي درس كل ما جاء في الرسائل الثلاثة أيام 28-29-31 أوت 2006 و العمل على تنفيذها لدعم المصالحة الوطنية المنشود و ستبقى الرسائل رقم 113 – 114 – 115 مرجعا للأجيال و المناضلين الاحرار .
قال الله تعالى : الله لا إلاه إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه و من أصدق من الله حديثا. صدق الله العظيم
و قال و ما ربك بغافل عما تعملون صدق الله العظيم
ملاحظة هامة
: بارزة للعاملين في الإعلام الخارجي
إذا الأصحاب و الأخلاء و المقربون أخفوا الحقيقة على الرئيس و خافوا من إبلاغها لصاحب القرار .. فليتحرك أهل العزم و الوفاء بفرنسا المكلفين بالإعلام التونسي و المميزين و المعززين و المحظوظين ..بإعلام رمز البلاد بما ينشر هذه الايام في موقع الأنترنات تونس نيوز إذا كانوا للرسالة النبيلة و للعهد راعون. و الإعلام عاملون .و لتونس مدافعون. و لصورتها مجندون .و حارصون: و للنظام مخلصون. و للرئيس محبون. و للحق مبلغون. و لنقاط الضعف منبهون و مدركون .و لكشف السلبي ساعون .و لإبراز الحقيقة فاعلون
قال الله تعالى : كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله صدق الله العظيم سورة اآل عمران
و قال أيضا : قل جاء الحق و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا صدق الله العظيم
27 آية قرآنية في 3 رسائل جريئة لها مدلولها ووقعها في النفوس
و مسك الختام قال الله تعالى : وذكّر بالقرآن من يخاف وعيد صدق الله العظيم سورة ق بها 57 حرف ق 3 مرات بعدد 19 و هي أسرار إلاهية وأنوار ربانية لا يعلم خفاياها إلا منزّل القرآن و عالم الأسرار.
إنتهت الحلقات و
الله ولي التوفيق نشكر الاخوة المهاجرين في فرنسا على اهتمامهم المتواصل.
بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري كاتب عام جمعية الوفاء و رئيس لشعبة الصحافة الحزبية سابقا
إلى الدكتور خالد شوكات
البعرة قد تدلّ الأسد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أودّ بدءا أن أستدرك أمرًا أراه على قدر كبير من الأهميّة بل الخطورة في أشدّ معانيها عمقًا وتجذّرًا، حين جعلت منّي «قدوة ونبراسًا وسراجًا»، فقد أركبتني شرفًا لا أدّعيه أو هي تهمة أردّها، وقد كان لي أن كتبت وأعدت وردّت ولا أملّ القول أنّني فرد في صيغة الفرد، ولا نيّة لي أو رغبة أو حلم في زعامة أو غيرها، بل عشت حياتي في وحدة وتفرّد، وقد يكون ذلك ممّا أخطأت أو ارتكبت من هفوة، حيث لا أزال إلى حدّ الساعة أتوجّس الشرور من «الجماعة» في صيغ التنظيمات والأحزاب والجمعيات، وإن كنت أشعر بانتماء عميق إلى هذه الحضارة العربيّة الإسلاميّة… خفت من جراء قولك ـ والله العظيم ـ أن يأخذني القراء الكرام في صورة «الزعيم» الذي تتبعه حاشية أو هي حواشي!!!
مرورًا إلى صلب الموضوع، أودّ أيضًا أن أميّز بين ما جاء من آراء قد نقبلها أو نرفضها ضمن هذه الصورة أو تلك من جهة وبين الاستشهاد بالتاريخ واستحضار الوقائع وتنزيل الأحداث من باب السعي لتثبيت القول، حيث لا يجوز من باب الأمانة التاريخيّة الاستدلال أو تأويل مواقف الإمام المصلح عبد الحميد بن باديس رحمه الله وآرائه وكامل سيرته أو جزءا منها في صورة من يرفض المقاومة المسلّحة، بل يُجمع العلماء والدارسون والمؤرخون أنّ ثورة نوفمبر المجيدة أتت متجذّرة ضمن العمق الذي أسّست له «جمعيّة العلماء المسلمين»، فالرجل بحث عن التأسيس والترسيخ والتجذير ضمن الهامش المتاح، ولم تصدر عنه فتوى أو رأي أو غيرها من الدلالات ترفض أو تكفّر المقاومة المسلّحة… جاء عبد الحميد بن باديس رحمه الله رائعًا في تلك القدرة على شقّ الطريق بين حقول الألغام التي زرعها التدمير الفرنسي في الجزائر، في حين أنكّ رفضت المقاومة المسلّحة وألغيتها أصلا وفصلا ومعنى ومبنى، ولا أعلم لك في الأمر استثناء، ويسعدني منك التصويب والتصحيح…
الإشكال القائم في عمقه ـ حين رغبت منّي أن أنزل إلى عمق الموضوع وبواطن العلّة ـ يكمن في أنّك تمثّل «ثقافة الهزيمة» في أشدّ حالاتها تجليّا، وليس في الأمر شتيمة أو انتقاصًا أو تحقيرًا، بل توصيف واقع وتشخيص ما هو قائم من دلالات بيّنة، بل أضيف ـ ولا أعلم إن كنت تجد في الأمر مديحًا ـ أنّك كتاباتك تمثّل أشدّ الحالات خطورة!!!
الواقع ـ العربي المرّ ـ الذي نعيشه يتجلّى أساسًا حين غاب ـ أو بالأحرى تمّ تغييب ـ معنى موحّد في حدّه الأدنى «للذات»، الذي كان من المفترض أن تقوم على أساسها التعريفات المؤسّسة للعلاقات مع «الآخر»، وليس أن يقوم الأمر على توصيفات هلاميّة أو تعريفات ضبابيّة بقدر البحث أو بالأحرى التساؤل عن أسباب غياب الأدوات الماديّة والمرجعيات النظريّة…
قد يقول البعض ـ ولهم من الحقّ المنطقي ما أرادوا ـ أنّ غياب المرجعية وفقدان الأسس يسوّي بين الجميع، فلا يعود حينها من صالح أو طالح أو غيرها من التوصيفات القيميّة، فالقول أنّ البعرة تدلّ على البعير والأثر يدلّ على المسير، ولنا ـ ضمن المنهج الخلدوني ـ في التاريخ من العبر ما نفقه به أمرًا ونشرح به صدرًا علّ ذلك يحلّ بعض العقد من بعض الألسن…
لا يمكنك أن تنكر بأيّ حال وبأيّ صورة أنّك من أنصار «التعايش السلمي» وأنّ ترى أنّ الاستفادة من مهادنة الغرب ومصاحبته تمثّل في حدّها الأدنى فوائد وتحمل من الخيرات ما تعجز عن تحصيله أعتى المقاومات المسلّحة وأشدّ حالات الرفض، وليس من إنكار ـ ضمن ذات الرأي ـ أن عدم حصولنا ـ أمّة العرب والمسلمين ـ على هذه الخيرات العميمة والفوائد الجمّة يكمن في «حالة عدم النقاء» التي نحياها، حيث لا تزال «فلول البعث» في العراق والقاعدة ـ ما صحّ من أمرها وما كان مندسًا ـ وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي تمثّل جميعها فكرًا كانت أو ممارسة أو نمط عيش، عقبة كأداء في وجه حالة التلاحم هذه التي أعلنتَ عنها عديد المرّات حين ذكّرتنا بألمانيا واليابان إثر الحرب العالميّة الثانية…
عودًا إلى منطق البعرة، يرى الجميع وقد أكّد التاريخ عبر الدماء التي سالت منذ الأسكندر المقدوني إلى جورج بن أبيه أنّ الغرب المتعطّش إلى السفك والتدمير والقتل والإبادة لا يقبل سوى الخنوع والذلّ والانبطاح، بل إنّه يمثّل أشدّ حالات النفاق تجليّا حين جعل قيمه ومرجعياته الأخلاقيّة والسياسيّة في بعدها النظري ـ التي لا مجال لنكران روعتها ـ حبيسة على ذاته دون «الآخر» سواء في أوروبا أو الولايات المتّحدة أو الكيان الصهيوني، ولا أرى أنّك في حاجة ـ بحكم إقامتك في أوروبا ـ إلى دلائل وبراهين…
قد تأتي الإجابة بأنّ الفضاء الغربي [الأوروبي] منفتح بطبيعته وقد استطاع أنّ يلمّ من العرب والمسلمين من صاروا من النواب ضمن المجالس المنتخبة أو من الساسة، فعلينا حينها أن ننظر جيّدا إلى هذه «النخبة» لنجد أنّ دورها في الأساس لا يتجاوز وظيفيّا وبنيويّا دور النخب «المستنيرة» مثّلت زمن الاحتلال الغربي حلقة ربط ـ لا غير ـ بين المركز الاستعماري والطرف المحلّي، ولي أن أتّخذ من شخصك مثالا لأرى أنّك ترأس مؤسّسة لدعم الديمقراطيّة في «العالم العربي» وأنّك أيضا تشرف على مهرجان «الفيلم العربي»، ليكون الأمر كما كان أبدًا: «L’indigène qui s’occupe des indigènes»، وليس لك أو لغيرك من العرب والمسلمين أن يجعل نفسه شريكًا ـ بالمفهوم المركزي للكلمة ـ في صنع القرار السياسي ضمن المعنى الإستراتيجي للكلمة، أو أن تتموضع ـ حسب ما ترى لنفسك من حريّة ـ خارج المدى الفعلي للممارسة «المعقولة والمقبولة هناك» …
بعيدًا عمّا قد يراه البعض من «صور نمطيّة» وتجنبًا لما قد يعتبره آخرون «أفكارًا عامّة» أقترح أن تقوم بتنظيم ندوة أو لقاء أو أيّ شيئا شبيها يتطرّق إلى غياب الردود العلميّة الموثقة بخصوص كتاب المفكّر روجي غارودي :«الأساطير المؤسّسة للسياسة الإسرائيلية»، حيث سيرتكز السؤال المؤسّس على المرجعيّة الغربيّة الثابتة منذ أرسطو وصولا إلى كانط بخصوص دور العقل بل حقّه في طرح الأسئلة ـ كلّ الأسئلة ـ المستندة إلى الملاحظة الميدانيّة، حين جاءت المقالات وجميع الكتابات بخصوص هذا الكتاب تخوينيّة وباحثة عن طعن الرجل في أخلاقه وذمّته وعقله ولم تبحث البتّة عن تفنيد أقواله من خلال تلك «المنهجيّة الغربيّة العقلانيّة الرائعة» التي لا شكّ أنّك من كبار المعجبين والمتيمين بها؟؟؟ أجزم في شدّة وأؤكد في يقين أنّ من يحاول الاقتراب من هذه المحرمات «العرفيّة» التي لا تستند إلى قانون ولا تقوم على بيّنة، سيجد نفسه بدءا ملاحقًا بتهمة «معاداة الساميّة» في انتظار تهمًا قد تقوده إلى أبعد من غوانتنامو وأعمق من أبو غريب… أودّ أن أؤكّد أن فكرة تنظيم هذه التظاهرة ـ مهما كانت تسميتها ـ جديّة، وأرجو أن أتمكّن من استرجاع جواز سفري من لدن السيّد محمّد عفيف شيبوب بغية التنعّم والتمتّع ـ حينها ـ بما تعيشه لاهاي من «عقلانيّة غربيّة» لا تنزل إلى حال «مصادرة القول» كما هو حال التنظيمات الجهاديّة، لا قدّر الله طبعًا… أرجو منك ردّا صريحًا بخصوص هذا الاقتراح!!! حين نراجع قائمة ـ أو هي قوائم ـ من انخرطوا ضمن «المسار الغربي» أو فضلوا «المهادنة والملاطفة» أو غيرها من التوصيفات المشابهة تصدمنا دلائل الفشل، سواء تعلّق الأمر بما ارتبط بالمسارات الشخصيّة أو بالمنجزات السياسيّة، ويمكن أن نتّخذ من الحالة الفلسطينيّة أفضل دليلا، فقد انتقل بنا الرئيس الراحل ياسر عرفات من شعار «تحرير فلسطين كلّ فلسطين» الذي عشت عمري أسمعه من «صوت الثورة الفلسطينيّة» الذي بقيت الإذاعة الجزائريّة تبثّه لسنوات عند الساعة السادسة عصرًا، ليصل الأمر أن صارت خارطة الطريق منتهى الحلم الفلسطيني الرسمي…
المصيبة تكمن ضمن أحد وجوهها أن صارت «ثقافة الهزيمة» تؤسّس لـ«شرب السمّ على سبيل التجربة»، فقد أعلن رئيس ما يسمّى نفاقا «السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة» عديد المرّات وكرّر وأعاد التكرار :«أنّ على الشعب الفلسطيني أن يثبت للعالم…» وقد صرّح مرّة أمام ما يسمّى :«المجلس الوطني الفلسطيني» ـ والأمر موثّق يسهل إثباته ويسير تفنيده ـ :«أن على الشعب الفلسطيني أن يؤدّي ما عليه من التزامات كاملة، ليطالب [ما يسمّى] إسرائيل بتطبيق ما عليها من التزامات!!!»، ليتمّ التأكيد عديد المرّات على هذا المنطق الذي يخالف أدنى درجات الوعي السياسي وليمثّل أعلى درجات الخيانة أو الغباء، ولكلّ أن يختار موقعه…
تُطالب ـ يا دكتور خالد ـ أن نصادق الغرب ونتقرّب منه ونستفيد من الأوجه الناصعة في حضارته، ليسألك عاقل عن إمكانيّة قيام صداقة من جانب واحد كما راح العرب منذ مؤتمر فاس يريدون ويصرّون على السلام من جانب واحد!!! استفاق السيّد عمرو موسى ـ الذي لا يمكن أن نتّهمه بالجنون أو بالعمالة لإيران أو حزب الله، لا قدّر الله ـ ليصيح في العرب والأعراب والعربان أنّ مسيرة السلام ماتت [والعبارة له]… فكيف لنا [عفوًا لك] أن تكون أشدّ ملكيّة من أهل الملك أو أكثر كاثوليكيّة من البابا ذاته…
مصيبتك ـ يا دكتور ـ أنّك تبحث عن تسويق صورة الغرب المشرقة في قطيعة مع صورته الاستعماريّة والاستعلائيّة، بل هناك إصرار من قبل من نعتوا أنفسهم بـ«الليبراليين الجدد» على أنّنا نملك القدرة على أن نلج الغرب وثقافته وحضارته كما ندخل «سوبر ماركت» لنتبضّع حسب إرادتنا ونقتني حسب حاجتنا، دون أن يكون لهذا الغرب القدرة على إلزامنا بهذه البضاعة [كالديمقراطيّة] رغمًا أن أنوفنا!!!
لا يمكن الحديث عن الردّ الغربي إثر صعود حماس إلى الحكومة ـ مثلا ـ هو مجرّد نتاج أو محصّل لتصرفات هذه الحركة حصرًا، فالأمر يعني حينها أنّ هذا الغرب تصرّف وفقًا لخيارات مطروحة أمامه، في حين أنّه تصرّف بناء على مرجعيّة وموروثه الذي قد نملك القدرة على قبولها والتسليم بها [كما هو حال زمرة فتح من الخونة] أو رفضها [كما فعلت حماس] دون الإدّعاء بأيّ صفة كانت بالقدرة على تصويب هذه المرجعيّة وتعديلها ضمن أسسها الإستراتيجية…
حالة الخلط المرضيّة [أو المقصودة] لدى من تصدّروا لترويج «ثقافة الاستسلام» بين الركائز الإستراتيجية من جهة والأبعاد والتكتيكيّة يأتي هدفها في المقام الأوّل دفع وتشجيع وإباحة [ضمن جميع المرجعيات] «المقامرة» بالثوابت بغية تحصيل ـ في أفضل الحالات ـ بعض المحسّنات التجميليّة، فقد تمّ تأجيل أو «نسيان» حقّ العودة والقدس واللاجئين من أجل قطاع مغلق وضفّة تراوحت بحكم تقطيعها بين حروف الهجاء إلى ما يشبه السجن الكبير وقد تملّص السجّان من صورته البشعة…
الغرب ـ يا دكتور ـ بصريح الواقع وفصيح التاريخ وجليّ الوقائع كلّ وإن تعدّدت وجوهه، وليس لنا أن ننفي حالات الوعي الإنسانية الرائعة التي خطّت مسارها بحروف من ذهب، كمثل الفرنسيين الذين ضحّوا بحياتهم من أجل الثورة الجزائريّة وأذكر منهم «اليهودي هنري علاّق» الذي أكنّ له من الاحترام لشخصه والتقدير لنزاهته ما قد أعجز عن كتابته أو تعبير عنه، لكن هذه الحالات «النخبويّة» تبقى معزولة عن السياق العام للتاريخ أوّلا وعن قدرة تفعيل العمق الشعبي المتراوح ـ بحكم الآلة الإعلاميّة ـ بين القوالب الجاهزة وغريزة الخوف من العرب والمسلمين، التي أسّستها الحروب الصليبيّة وعمّقتها أحداث 11 سبتمبر…
هذا الغرب ـ يا دكتور ـ ممّثلا في الولايات المتّحدة ـ التي سبق أن امتدحت دورها في العراق ـ أحرق الأطفال واغتصب النساء وعذّب الجميع وألقى القنابل بجميع أصنافها على الجميع دون تفرقة أو تمييز. هذه الولايات المتّحدة مارست الكذب ـ باعتراف كولن باول ـ والخداع ـ باعتراف عديد المراجع التي لا يمكن بأيّ صورة أن نتّهمها بموالاة العرب والمسلمين ـ لا يمكن أن تكون شريكًا بأيّ صورة كانت، وبالتالي يصير البحث عن استحضار التجربة الألمانيّة أو تلك اليابانيّة من باب القول الذي لا يستند إلى عمق التاريخ أو حيثيات الواقع المتجاوز للحذلقة اللغويّة وحالات الاستعارة الكلاميّة بجميع أصنافها…. إنّ العجز الأكبر الذي واكب «ثقافة الاستسلام» يكمن في أنّ الغرب يراها مجرّد «وسيلة عمليّة» دون أن يبحث صانعوها عن تنفيذ «الوعود الكاذبة» التي صاحبتها، وليتحوّل جميع المروجين إلى مجرّد «عدّة شغل» [والعبارة للسيّد ميشال سماحة الوزير اللبناني السابق]، حين يعجز هؤلاء عن التموضع ضمن العمق الغربي ويعجزون أيضًا عن صنع الواقع العربي والإسلامي ويعجزون كذلك عن التأسيس لمستقبل عربي إسلامي مهما كان… تستحضرني اللحظة كلمات كلّ من الدكتورة رجاء بن سلامة والدكتورة سلوى الشرفي، حين يستشفّ المرء بين السطور بحثًا وسعيًا لتأسيس «ولاية المثقّف» حين قامتا بطعن ـ بصورة أو بأخرى ـ «ولاية الفقيه» لنجد أنّ الأمر أو هي معادلة الصراع بين كلّ من «المثقف» يقابله «الفقيه» لا تكمن على مستوى الأفكار ومجال القناعات، بل ضمن ما تراه أو ما تحسّه هذه السيّدة أو تلك ومن ورائهما الأكمّة بكاملها من حالة «خصي» [ذكوريّة كانت أو أنثويّة] تبعث وتسعى ـ في لهفة مرضيّة ـ لجعل الكتابة ضمن بعدها البلاغي مجال نزال، في حين أنّ هذا «الفقيه» الذي يزعج للحيته وعمامته وعباءته الدكتورة رجاء بن سلامة، يمسك الواقع، بل ينفي ـ بصورة قاطعة ولأوّل مرةّ ـ الحداثة الغربيّة، التي لا يمكن لهؤلاء «الخصيان» [ذكورًا وإناثًا] نفيها أو المجاهرة بالتملّص منها أو معاداتها… سوى ذلك الذي أعلن وصرّح أنّه يناصر «سماحة السيّد» [والتعبير له] من باب قطع الطريق أمام المتطرفين والأصوليين!!! كأنّ هذا الانتصار انقلب «قصعة كسكسي» في زمن جدب ومجاعة!!!! ختامًا، أودّ أن أقول أنّ منطق توصيف الواقع يحيلنا لزامًا وضرورة على هذا المعجم أو ذاك وليس لكاتب هذه الأسطر سوى أن يرى القتامة سوادًا والليث هزبرًا وقد نقفز بين الألفاظ ونجمّلها؟؟؟ فهل يعني ذلك نفي الحقيقة أو تبديلها…
أكاديمية الشرق الأوسط والمواقف السياسية الأميركية
طارق الكحلاوي (*)
يبعث الانسجام المطلق -تقريبا- في الموقف السياسي والإعلامي الأميركي من منظمة « حزب الله » بوصفها -وبكثير من الجدية- فصيلا إرهابيا بعض التساؤل، إذ يبدو من الواضح مع تصاعد الصراع أن ظاهرة التنظيم الشيعي أكثر تعقيدا من المعنى الاختزالي الذي يمكن أن تختزنه عبارة « التنظيم الإرهابي« .
وبدا من خلال متابعة الصراع الأخير أن الكثيرين تفاجؤوا فعلا من التركيبة الشعبية لحزب الله، لكونه ليس مجرد مجموعة صغيرة من حاملي الأسلحة المعزولين في بعض الكهوف يمكن استئصالها بضربات جوية مركزة، ومن القادرين فقط على إيقاع الخسائر بالمدنيين، ومن ثَم يقع تفادي النظر إليها كمنظمة عسكرية يجب أن تحظى بالاحترام.
وفي الحقيقة لا توجد مبررات كافية لتفسير هذا الموقف غير الدقيق، بما في ذلك دور الغضب الناتج عن الخسائر العسكرية والاستخبارية الكبيرة التي تكبدتها الولايات المتحدة أواسط الثمانينيات في بيروت والتي وقع تحميلها -بدون أدلة حاسمة كما يشير الأميركيون أنفسهم- لحزب الله.
ولكن يبدو أن أسباب هذه التوقعات المستخفة وغير الصائبة لا تتعلق بعوامل ومعطيات سياسية فحسب، بل تتعلق أيضا بثقافة سياسية سائدة وعميقة التأثير خاصة بتمثل المنطقة العربية.
وهذه الثقافة تتمثل أساسا في الاستخفاف بقدرة مواطني هذه المنطقة على التنظيم بشكل فعال سواء عسكريا أو سياسيا.
وهكذا تبدو إشكالية الموقف السائد من حزب الله مجرد نموذج آخر -كما كان العراق- لرؤية استشراقية قديمة، ولو أنها لا تمثل طروحات غالبية الأوساط الاستشراقية الأميركية.
ولا يمكن الجزم بأن هناك تأثيرا حاسما للحقل الأكاديمي الأميركي المختص في « دراسات الشرق الأوسط » على الموقف السياسي الأميركي من حزب الله.
ولكن العلاقة بين المجالين معقدة على كل حال وتحتوي بالتأكيد على تأثير متبادل، إذ يعبر الموقف السياسي الأميركي السائد عن موقف حاضر في « أكاديمية الشرق الأوسط« .
من جهة أخرى هناك توجه أكاديمي يمكن وصفه حتى بالأغلبي، يحاول التمايز عن الموقف السياسي السائد ويعرض خبرته الشرق أوسطية لتصحيح الآراء المهيمنة على الموقف الإعلامي والسياسي.
ورغم أن هذا التوجه لا يدفع عن حزب الله بشكل كامل الصفة « الإرهابية » فإنه يرفض اختزاله في هذه الصفة ويدعو للنظر إليه على أساس أنه ظاهرة أكثر تعقيدا مما هو شائع في المشهد السياسي الأميركي.
الاستشراق المعاصر وحزب الله
عندما يتم طرح موضوعة « الاستشراق » فمن الغالب أن النماذج التي تتبادر إلى الذهن هي دراسات الفترة المبكرة والوسيطة للتاريخ الإسلامي، غير أن هناك دراسات استشراقية أكاديمية للحدث المعاصر.
ينسحب ذلك على مسألة حزب الله، فهذه الظاهرة الشرقية بالأساس تتعرض لتمحيص متزايد على عدة أوجه من قبل العديد من الدارسين الغربيين بما في ذلك الأنغلوساكسونيين.
سنأخذ بعض الأمثلة على الرأيين المشار إليهما أعلاه واللذين يتنازعان « دراسات الشرق الأوسط » الأميركية لسبر أغوار هذه العلاقة المعقدة.
المثال الأول هو الباحث الأميركي مارتن كرامر، وهو أحد التلاميذ الأكثر وفاء لنهج شيخ « أكاديمية الشرق الأوسط » برنارد لويس (90 عاما).
واختص كرامر في موضوع حزب الله بالتدريج بعد تجربة دراسية وتدريسية في جامعة تل أبيب بداية الثمانينيات.
وتفرغ لعدد من السنوات وفي إطار مؤسسات غير أكاديمية ولكن مقربة من أوساط صناعة القرار السياسي مثل « مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين »، لدراسة الحزب بشكل جدي حيث تعكس كتاباته في الموضوع اطلاعا كبيرا على التفاصيل الفقهية والتنظيرية للحزب.
ونشر فيما بعد عددا من الكتب والمقالات في الموضوع أصبحت -خاصة بالنسبة لصانعي السياسة الأميركية مصادر أولية لفهم حزب الله.
ولكن رغم سعة اطلاعه فإن لكرامر نظرة انتقائية لا تلتزم دائما قواعد البحث العلمي بل تتدخل فيه وتقضم موضوعيته من خلال تضخيم بعض الخصائص، بل وإسباغ معانٍ غير دقيقة عليها على حساب صورة أكثر شمولية للموضوع.
لنأخذ مثلا أحد أكثر كتاباته شهرة حول التنظيم الشيعي وهو مقال حول « المنطق الأخلاقي لحزب الله » نشره عام 1998 في كتاب ضم في شكل مجموعة من المقالات لكتاب مختلفين حول « جذور الإرهاب« .
فعندما يحاول التعريف بحزب الله ونشأته وماهية برنامجه يتفادى كلية التعرض لظرفية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وهو كما هو معروف السبب الرئيسي لنشأة الحزب، ويقدم الأمور كأنها نشأة في خضم وضع لبناني داخلي معزول عن معطى الاحتلال العسكري.
وهكذا يقع عرض حزب الله كمنظمة أصولية ومسقطة من قبل إيران بالأساس تعيش صراعا مع الجميع بما في ذلك الجيش السوري، إلا الجيش الإسرائيلي حيث يتفادى حتى ذكره.
وينتهي إلى تعريف برنامجه، وهنا علينا أن نذكر مرة أخرى في خضم الصراع العسكري مع إسرائيل المغيب تماما في هذا التحليل، أنه « حركة شيعية تهدف إلى إقامة دولة إسلامية » على النموذج الإيراني في عموم لبنان رغم رغبات بقية طوائفه.
وعلى خلاف كل المعطيات المعروفة فإن محتوى الصراع القائم بين حزب الله وإسرائيل بالنسبة لكرامر، ليس له علاقة باحتلال عسكري أجنبي بل بتصميم إسرائيلي وأميركي على مواجهة مشروع « الجمهورية الإسلامية » في لبنان، متجاهلا حقائق بديهية من نوع أن حزب الله ومشروعه الشمولي لم يكونا حتى موجودين لما اجتاحت إسرائيل المجال اللبناني.
هذا مؤشر بالغ الوضوح على سياسوية طرح كرامر. يأتي ذلك في إطار رؤية تسطيحية لتركيبة حزب الله لا ترى فيه سوى بناء هرمي من العلاقات القائمة فقط على الولاءات الدينية والعشائرية المقطوعة عن ظروف الاحتلال العسكري وتداعياته المحفزة للمواطن الشيعي على الانخراط السياسي والعسكري في الحزب.
كما يختزل بشكل غير متوازن الفعل العسكري للحزب في « التفجيرات الانتحارية » و »اختطاف الرهائن » متجاهلا من جهة الطرائق الرئيسية في أسلوبه العسكري (حرب العصابات) ومتفاديا من جهة أخرى الإشارة إلى رئيسية الأهداف العسكرية للأسلوبين أعلاه، لينتهي إلى وصفهما بالجرائم الشرعية التي كانت تحرج الخلفية الدينية للحزب.
مقابل النموذج الاستشراقي المتماهي والمشرع للموقف السياسي السائد، هناك رؤية استشراقية أخرى أكثر اهتماما بالوقائع من الاهتمام بالتبرير لأي موقف سياسي.
ويبدو أبرز وآخر مثال على هذه الرؤية كتابات جوديث بالمر حريك أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت وهي من الباحثين الأميركيين القلائل المطلعين ميدانيا على ماهية وتركيبة حزب الله.
وقد ردت بشكل مباشر ومعمق على الأطروحات الانتقائية وغير الدقيقة لباحثين مثل مارتن كرامر، حيث رأت في حزب الله منظمة دينية ولكنها تجذب قواعدها على أساس سياسي بشكل رئيسي يرجع في جزء كبير منه لظروف الصراع مع إسرائيل.
وهكذا ترى بالمر حريك أن الطبيعة الدينية المعتدلة لقواعد المنظمة اللبنانية كان له تأثير بالغ على تعديل رؤى حزب الله، وجعله أكثر انسجاما مع الطيف اللبناني المتنوع.
ورغم أن هذه المواقف تبدو أغلبية في أوساط الاستشراق المعاصر الأميركية (يمكن أن نضيف هنا مثلا المواقف المماثلة لخوان كول رئيس جمعية دراسات الشرق الأوسط العريقة)، فإن تأثيرها غير ملحوظ في الأوساط السياسية الرئيسية باستثناء ما تجده من صدى في تجمع صغير من الدبلوماسيين « المستعربين » المتقاعدين.
وتعرض جميع هؤلاء -وليس بالصدفة- لهجوم كبير في أحد المؤلفات الأساسية لمارتن كرامر، حيث حملهم « فشل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط » وحتى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
العربي والحرب
الفرق بين الرؤيتين أعلاه ليس في تأويل التفاصيل وإنما في تقييم مسألة جوهرية هي: هل هناك شخصية عربية ذات جوهر واحد يتميز في رؤيته للحرب باللاعقلانية والفوضى.
وفي الواقع ليست هذه إشكالية جديدة بل ترجع إلى عهد الاستشراق المبكر، وقد اعتقد إدوارد سعيد في مقدمة كتابه « الاستشراق » (1978) أن التجربة الأميركية في « الشرق » ستمنح الولايات المتحدة رؤية « أكثر واقعية » من سابقاتها البريطانية والفرنسية على وجه الخصوص، وهذا صحيح إلى حد كبير كما رأينا في مثال باحثين مثل حريك.
غير أن سعيد أشار بشكل صائب أيضا إلى أن تراث الاستشراق الفرنسي والبريطاني -بما في ذلك النماذج الأقل مدعاة للافتخار- وجد طريقه خاصة بعد الحرب العالمية الثانية إلى كثير من الأوساط الأكاديمية الأميركية.
وفي الحقيقة هكذا فقط يمكن تفسير القرابة بين مقولات استشراقية في أوروبا ما قبل الحرب، وأخرى إلى فترة قريبة في الولايات المتحدة، بما في ذلك بعض القلاع الأكاديمية الأكثر احتراما في « دراسات الشرق الأوسط« .
في عراق النصف الأول من القرن العشرين كانت غرترود بل من بين المستشرقين « الهواة » الأكثر تأثيرا في صياغة -أو تعبيرا عن- الأفكار البريطانية حول العراق والمنطقة العربية بشكل عام في إحدى الفقرات الأكثر رواجا حيث قدمت تصورا عاما لكيفية تفكير « العربي » في مسائل الحرب.
تقول ما يلي « كم ألفا من السنوات بقيت هذه الحالة من الوجود (أي كون العرب يعيشون في « حالة حرب » دائمة) سيخبرنا أولئك الذين سيقرؤون أقدم سجلات الصحراء الداخلية أنها تعود إلى أولهم، لكن العربي عبر القرون كلها لم يشتر حكمة من التجربة، فهو غير آمن أبدا، ومع ذلك فإنه يتصرف وكأن الأمان خبزه اليومي« .
بعد عشرات السنوات كتب برنارد لويس المؤرخ البريطاني الأصل وأبرز ممثل معاصر للمدرسة الاستشراقية (السياسوية) في الولايات المتحدة التي نحن بصددها، مقالا حول « التصورات الإسلامية للثورة »، حيث حاول « تأصيل » معنى مصطلح « الثورة » في الإرث اللغوي العربي-الإسلامي.
وخلص إلى ما يلي « و يعني الجذر ث-و-ر في العربية الكلاسيكية النهوض، مثل نهوض جمل.. وهي (أي كلمة الثورة) كثيرا ما تستخدم في تأسيس دولة ذات سيادة مستقلة صغيرة.. ويعني الاسم « ثورة »، أولا، الهيجان.. أما الفعل فيستخدم بصيغة « ثوران » أو « إثارة فتنة »، بوصفه أحد الأخطار التي ينبغي أن تثبط همة الإنسان عن ممارسة واجب مقاومة الحكومة الفاسدة« .
أعتقد هنا أنه من المناسب الاكتفاء بالتعليق التالي لإدوارد سعيد على الفقرة السابقة، يقول « هذا النمط من الوصف المجوهر هو الطبيعي بالنسبة للدارسين وصانعي السياسة المهتمين بالشرق الأوسط: إن التحركات الثورية بين « العرب » هي من الأهمية والعواقب بقدر ما هو نهوض جمل عن الأرض، وتستحق من الاهتمام ما تستحقه ثرثرة قرويين سذج« .
(*) كاتب تونسي
(المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 30 أوت 2006)
لمصلحـة من.. هذه الحرب ضد الحركة الإسـلامية؟
محمود
قد يتفق البعض أو يختلف مع جماعة الإخوان المسلمين في بعض ما تطرحه من رؤى وتصورات واجتهادات تخضع للتقييم البشري وتتأثر بالمعادلات الزمنية والموازنات الظرفية والبيئية الحياتية، ولكن الشيء الذي ينبغي أن يكون موضع اتفاق ونقطة التقاء بين البشر جميعاً في كل الأزمان، وغير قابل للاجتهاد البشري هو رفض الظلم بجميع أشكاله وصوره وتحت أي تبرير ووفقاً لأي ظرف لأن الظلم ظلمات يوم القيامة وعقباه دوماً تفضي إلى الندم والخسران. ومع الأسف إن هذا النوع من الظلم قد شاع كثيراً في بلادنا العربية وطالما تفننت الأنظمة في ممارسته وتطبيقه متذرعة بذرائع شتى وتبريرات أوهى’ من بيت العنكبوت، وفي كل الحالات تسخِّر الأجهزة الحكومية عيونها الأمنية وأبواقها الإعلامية لاختلاق الظروف المواتية لتقوم بعملية غسيل للعقول وتغييب للحقائق التي لم تعد سراً خافياً لكل ذي لب ولمن له أدنى بصيرة، مع ملاحظة أن القاسم المشترك في كل ما حدث سابقاً وما يحدث الآن وما سيحدث مستقبلاً أن الخصم هو الحكم، بينما الضحية المجني عليه والمتهم في نظر السلطة لا يُمكَّن حتى من حق الدفاع عن نفسه، وحتى إن توافر له ذلك، فهو إجراء شكلي لا يُسمن ولا يُغني من جوع لإضفاء شيء من الشرعية الظاهرية على هذه المحاكمات لأن الأحكام قد أُعدَّت مسبقاً، والتهم قد رُتبت قبل ذلك، وما المحاكمة إلا مجرد تحصيل حاصل ومحاولة للضحك على الناس، ومع الأسف، فإن هذه الفصول قد أصبحت نسخاً تتكرر في كثير من الأقطار العربية والإسلامية، والتهمة هي نفسها، والخصم هو نفسه، والضحية أيضاً هي نفسها، وبالطبع فقد عرفت أخي القارئ أن التهمة المكررة في كل تلك الصور، هي التآمر على قلب نظام الحكم، والخصم هو الأنظمة والحكومات المتعاقبة التي ترفض التعددية، وتؤمن برأي الفرد المطلق، أو حكم الحزب الواحد، والضحية كما هو معروف الحركات الإسلامية، وبالأخص المعتدلة منها. والآن نتساءل: لماذا هذه الحرب الشاملة المعلنة وغير المعلنة سواء بالطرق المشروعة أو غير المشروعة ضد الحركة الإسلامية وعلى وجه الخصوص الإخوان المسلمون؟ وهل بلغ الخوف من الإخوان إلى الحد الذي يجعل خصومهم السياسيين وفي مقدمتهم تلك الأنظمة تمارس كل هذه الحروب ضدهم وهم المجردون من أي نفوذ أو سلطان أو منابر رسمية أو حتى غطاء سياسي أو واجهة حزبية يعملون من خلالها، إلا الدعوة إلى الله بالحسنى وعبر الوسائل السلمية؟ وهل يسعى الإخوان فعلاً للإطاحة بالأنظمة التي تتهمهم بحياكة المؤامرات الوهمية التي تروِّج لها الأنظمة السياسية والعسكرية والنخب الحاكمة والتي تتفتَّق عبقرياتها في كل فترة زمنية محددة ـ أو كلما لزم الأمر ـ عن اكتشاف هذه المؤامرات الوهمية التي لا وجود لها إلا في الخيالات التي عاث بها الاستبداد السياسي والفكري فساداً؟! وإذا كانت هذه الأنظمة تملك النفوذ السياسي والسلطة العسكرية والأغلبية المطلقة في البرلمان ومقاليد الأمور في البلاد، فلماذا الخوف من أناس عزَّل مسالمين لم تثبت ضدهم أي قضية أمنية واحدة حقيقية، منذ خروج آخرهم من المعتقلات في السبعينيات سوى ما يروَّج له أعداؤهم من غير دليل؟ أليست القضية محيرة فعلاً ومثار جدل ومحل تساؤل لكل من يبحث عن الحقيقة؟ ويحضرني الآن عبارة سمعتها منذ سنوات في شريط صوتي للدكتور عبدالله عزام ـ يرحمه الله ـ يذكر فيها عن الأستاذ محمد قطب ـ يحفظه الله ـ أنه قال ما مضمونه: « لو كانت الضربات التي وجهت لجماعة الإخوان قد نزلت بأحد الأحزاب الموجودة الآن لكانت كافية لاستئصاله من قوة هذه الضربات » والحقيقة أن ذلك ليس استنزالاً للبلاء ولا استعجالاً له، لأننا نطالب أن تنتقل الصحوة من فقه البلاء إلى فقه العافية ـ على حد تعبير أستاذنا القرضاوي ـ يحفظه الله ـ مع خالص تقديرنا واعتزازنا بأولئك الدعاة الذين استعلوا على كل المساومات وأبوا الرضوخ للطغاة، وتحمَّلوا التضحيات. أعتقد أن الإخوان المسلمين وكل حركة إسلامية معتدلة رصيد إيجابي وعون شعبي لكل حاكم يريد أن يطبق شرع الله، ولكل حكومة تريد الإصلاح، وهذا الكلام ليس عاطفة بقدر ما هو استقراء تاريخي لمراحل عمل هذه الجماعة جعلنا نصل إلى هذه النتيجة التي لايحتاج الباحث المنصف إلى كبير عناء للوصول إليها، ولكن المسألة لم تسر بهذا الاتجاه، وإنما أخذت منحى آخر تنفيذاً لمخطط ترعاه القوى الحاقدة على الإسلام تطبيقاً لسياسة تجفيف المنابع لاقتلاع الأمة من جذورها وعزلها عن مصدر عزها وأسباب كرامتها وأساس رقيها. ولست أسوق هذا الكلام إيماناً مني بنظرية المؤامرة التي يشيع استخدامها أحياناً لتبرير أي فشل، ولكنها نتيجة ساقتنا إليها أحداث العقود الماضية، وحتى يكون الكلام موضوعياً أشير إلى وثيقة ـ لعل الكثيرين لا يعلمون عنها شيئاً ـ تبين الخطوات التي اتخذتها حكومة الثورة لضرب الحركات الإسلامية وبخاصة الإخوان في العهد الناصري الذي استبيحت فيه الحرمات وانتهكت فيه المقدسات، وفتحت فيه أبواب السجون والمعتقلات لكل داعية مخلص ولكل هامة عالية أبت أن تخضع للظلم والطغيان، وهذه الوثيقة التي نُشرت خارج مصر في ذلك العهد، وإن كانت غير مذيلة بجهة إصدار معينة إلا أنها تضمنت الخطوات نفسها التي طبقت في ذلك الوقت ومازالت تطبق إلى الآن في أكثر من مكان. الوثيقة.. ماذا تقول؟ لعل الظروف الأمنية في ذلك الوقت قد حالت دون بيان جهة إصدار الوثيقة، إلا أنها تبين أن هناك لجنة مشكَّلة من رئيس مجلس الوزراء وقائد المخابرات وقائد المباحث الجنائية العسكرية ومدير المباحث العامة، بالإضافة إلى مدير مكتب المشير عقيد شمس بدران بأمر من رئيس الجمهورية لمكافحة جماعة الإخوان لوضع برنامج يمكن من خلاله: غسل مخ الإخوان من أفكارهم، ومنع عدوى أفكارهم من الانتقال لغيرهم، وتشير الوثيقة إلى أن هناك عشرة اجتماعات عقدت لتحقيق هذه الغاية ووضع السبل الكفيلة لتنفيذها تمخضت عن الآتي: 1 ـ تبين أن تدريس التاريخ الإسلامي في المدارس للنشء بحالته القديمة يربط السياسة بالدين في لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر ويسهل تتابع ظهور معتنقي الأفكار الإخوانية وسهولة فجائية تحول الفئة الأولى إلى الثانية بتطرف أكبر. 2 ـ غالبية أفراد جماعة الإخوان عاش على وهم الطهارة ولم يمارس الحياة الاجتماعية الحديثة، ويمكن اعتبارهم من هذه الناحية « خام ». 3 ـ غالبيتهم ذوو طاقة فكرية وقدرة تحمل ومثابرة كبيرة على العمل، وقد أدى ذلك إلى اطراد دائم وملموس في تفوقهم في المجالات العلمية والعملية، وفي مستواهم العلمي والفكري والاجتماعي بالنسبة لأندادهم، على الرغم من أن جزءاً غير بسيط من وقتهم موجّه لنشاطهم الخاص بدعوتهم. 4 ـ هناك انعكاسات إيجابية سريعة تظهر عند تحرك كل منهم للعمل في المحيط الذي يقتنع به. 5 ـ تداخلهم في بعض، ودوام اتصالهم الفردي ببعض وتزاورهم والتعارف بين بعضهم البعض يؤدي إلى ثقة كل منهم في الآخر ثقة كبيرة. 6 ــ هناك توافق روحي وتقارب فكري وسلوكي، يجمع بينهم في كل مكان حتى ولو لم تكن هناك صلة بينهم. 7 ـ رغم المحاولات التي بذلت منذ سنة 1936م، لإفهام العامة والخاصة بأنهم يتسترون خلف الدين لبلوغ أهداف سياسية إلا أن احتكاكهم الفردي بالشعب يؤدي إلى محو هذه الفكرة عنهم رغم أنها بقيت بالنسبة لبعض زعمائهم. 8 ـ تزعمهم حروب العصابات في فلسطين سنة 1948م والقنال 1951م، رسَّب في أفكار الناس صورهم كأصحاب بطولات وطنية عملية وليست دعائية فقط، بجوار أن الأطماع الإسرائيلية والاستعمارية والشيوعية في المنطقة لا تخفي أغراضها في القضاء عليهم. 9 ـ نفورهم من كل من يعادي فكرتهم جعلهم لايرتبطون بأي سياسة خارجية سواء عربية أو شيوعية أو استعمارية، وهذا يوحي لمن ينظـر لماضيهم بأنهم ليسوا عملاء. وبناء على ذلك رأت اللجنة أن الأسلوب الجديد في المكافحة يجب أن يشمل أساساً بندين متداخلين وهما: 1 ـ محو فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامي. 2 ـ إبادة تدريجية بطيئة مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم فعلاً والموجود من معتنقي الفكرة. ويمكن تلخيص أسس الأسلوب الذي يجب استخدامه لبلوغ هذين الهدفين في الآتي: أولاً: سياسة وقائية عامة: وتستعرض الوثائق عدداً من الخطوات منها: 1 ـ تغيير مناهج تدريس التاريخ الإسلامي والدين في المدارس، وربطهما بالمعتقدات الاشتراكية « كان ذلك قبل سقوط الشيوعية » كأوضاع اجتماعية واقتصادية وليست سياسية، مع إبراز مفاسد الخلافة، وخاصة زمن العثمانيين، وتقدم الغرب السريع عقب هزيمة الكنيسة وإقصائها عن السياسة. 2 ـ التحري الدقيق عن رسائل وكتب ونشرات ومقالات الإخوان في كل مكان، ثم مصادرتها وإعدامها. 3 ـ يحرم بتاتاً قبول ذوي الإخوان وأقربائهم حتى الدرجة الثالثة من القرابة من الانخراط في السلك العسكري أو البوليسي أو السياسي مع سرعة عزل الموجودين من هؤلاء الأقرباء من هذه الأماكن أو نقلهم إلى أماكن أخرى في حالة ثبوت ولائهم. 4 ـ مضاعفة الجهود المبذولة في سياسة العمل الدائم على فقدان الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل وخاصة عن طريق إكراه البعض على كتابة تقارير عن زملائهم بخطهم ثم مواجهة الآخرين بها مع العمل على منع كل من الطرفين من لقاء الآخر أطول فترة ممكنة لتزيد شقة انعدام الثقة بينهم. 5 ــ بعد دراسة عميقة لموضوع المتدينين من غير الإخوان وهم الذين يمثلون الاحتياطي لهم، وجد أن هناك حتمية طبيعية عملية لالتقاء الصنفين في المدى الطويل. ولصعوبة واستحالة التمييز بين الإخوان والمتدينين بوجه عام، فلابد من وضع الجميع ضمن فئة واحدة ومراعاة ما يلي معهم :
أ ـ تضييق فرص الظهور والعمل أمام المتدينين عموماً في المجالات العلمية والعملية. ب ـ محاسبتهم بشدة وباستمرار على أي لقاء فردي أو زيارات أو اجتماعات تحدث بينهم. ج ـ عزل المتدينين عموماً عن أي تنظيم أو اتحاد شعبي أو حكومي أو اجتماعي أو طلابي أو عمالي أو إعلامي.
6 ـ تشويش الفكرة الموجودة عن الإخوان في حرب فلسطين والقنال وتكرار النشر بالتلميح والتصريح عن اتصال الإنجليز بالهضيبي وقيادة الإخوان حتى يمكن غرس فكرة أنهم عملاء للاستعمار في ذهن الجميع. 7 ـ الاستمرار في سياسة محاولة الإيقاع بين الإخوان المقيمين في الخارج، وبين الحكومات العربية المختلفة، وذلك بأن يروّج عنهم في تلك الدول أنهم عناصر مخرِّبة ومعادية لهم وبأنهم يضرون بمصالحها.
وبهذا تسهل محاصرتهم في الخارج أيضاً. وعلى هذا المنوال، تمضي الوثيقة التي تضمنها كتاب « النقط فوق الحروف » للأستاذ أحمد عادل كمال، وعند المقارنة بما يحدث الآن في كثير من الأقطار العربية، سنجد تطبيقاً عملياً لبنودها. ولكن… ماذا كانت النتيجة؟ وكيف كان عاقبة الظلم؟ لقد ازدادت هذه الدعوة عمقاً وامتداداً وانتشاراً، وحاق بجلاديهم الخذلان في الدنيا قبل الانتقام في الآخرة، ولنضرب أمثلة من ذلك للقارئ ليكون على ثقة بوعد الله وانتقامه العاجل ممن أساؤوا وتجاوزوا على الأبرياء العزَّل الذين لم يكن لهم ذنب سوى أن قالوا ربنا الله. ونحن هنا نسوق بعض الأسماء ـ رغم أن معظمهم قد أفضى إلى ما قدَّم على سبيل العظة والعبرة، أما جمال سالم ـ وهو الذي كان أحد أعضاء محكمة الشعب الهزلية ـ فقد أصيب بمرض عصبي وتكاثرت عليه الأمراض، واعترف أن ذلك هو ذنب الإخوان المسلمين وظل يعاني آلام المرض حتى مات، وأما أخوه صلاح سالم الذي كان يحبس المعتقلين عن قضاء حاجتهم في السجن الحربي، فقد احتبس بوله، وتوقفت كليتاه عن العمل حتى أصيب بالتسمم، ناهيك عن شمس بدران وما أدراك ما شمس بدران؟ ذلك الذي استوت عنده الآدمية والوحشية، وأصبح لا يفرق بين البشر والبهائم، فقد اتهم بمحاولة الانقلاب على جمال عبدالناصر، في أعقاب هزيمة 5 يونيو 1967م التي لم يُمْحَ عارها إلى الآن، وأما سعد عبدالكريم الذي كان يقول للمساجين من خيرة شباب مصر في غرور وتعالٍ: « نحن نحكمكم بشريعة الغاب.. هل يعجبكم أو لا يعجبكم »، فقد دالت سلطاته حتى سقط فاقد الحياة من الغيظ لنقله إذلالاً إلى سلاح الحدود، وهل ينسى المعتقلون حمزة البسيوني الذي بلغ به الصلف والغرور حينما سمع مُعذَّباً يصيح مستغيثاً بالله: يا رب… يا رب، فأجاب بأنه لو نزل هذا الرب المستغاث به إلى الأرض لحبسه في زنزانة وضربه بالكرباج ـ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ـ فكيف كان انتقام الباري منه، لقد حصل له حادث اصطدام، تقطعت فيه جثته وجمعوا قطع لحمه التي تناثرت على الطريق، وأما الصول « يس » أحد أبطال تعذيب محنة 1954م، فقد هاجمه جمل له وقضم رقبته، وغيرهم كثير، ومن أراد معرفة المزيد فليرجع إلى ما كتبه أحمد عادل كمال في النقط على الحروف.
هذه كانت عاقبة الظلم والظالمين، فهل سيتعظ الظالمون مما حاق بأسلافهم الذين كانت عاقبتهم ماثلة للعيان؟
أما أنتم أيها العاملون للإسلام، فإن مسلسل التضييق عليكم ليس جديداً، فقد سبقكم إليه كل مـن: حسن البنا وسيد قطب ويوسف طلعت ومحمد فرغلي وعبدالقادر عودة، ومحمد هوَّاش وغيرهم ألوف مؤلفة.. وإن كانت هناك من كلمة حق وعزاء تُقال بحق هذه الجماعة ـ التي تعرَّض تاريخها للتشويه كثيراً ـ فإننا نقول… لكم الله أيها الإخوان المسلمون.. لقد صبرتم كثيراً.. وعانيتم مراراً ابتداء من الملكية الفاسدة، والأحزاب الموالية لها، وآذتكم قوى الشرق والغرب.. وضحيتم كثيراً بأموالكم وأنفسكم ورفضتم أن تحنوا جباهكم حينما حناها غيركم.. وتعاليتم على الظالم عندما تطامن له غيركم، ورفضتم المساومات على مبادئكم عندما باعها اللاهثون وراء المغانم، ودفعتم ثمن ذلك سنوات طويلة من الحرمان والاعتقالات والتضييق، فماذا كان لكم من عون إزاء ذلك؟! لكم الله القائل في محكم تنزيله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز(21) (المجادلة)، الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل173 (آل عمران)
المصدر : Islamic movement
عن البيان الأول لثورة القذافي الابن
فهمي هويدي (*) قبل أيام قليلة من حلول الذكرى السادسة والثلاثين لثورة الفاتح من سبتمبر (أيلول)، أطلق سيف الإسلام القذافي، نجل الزعيم الليبي، بيانه الأول الذي أعلن فيه بداية ثورة جديدة على أوضاع بلاده التي وصفها بالمزرية والمتردية في كافة المجالات. وبشر الجماهير الليبية بطموحه لإعداد خطة لإعادة بناء البلاد لمائة سنة قادمة (هكذا مرة واحدة). ورغم أن القيادة الليبية عودتنا على المفاجآت بين الحين والآخر إلا أن بيان سيف الإسلام يمثل مفاجأة من نوع خاص من العيار الثقيل إن شئت الدقة. وإذ لا نتصور أن هذا الكلام الذي أطلقه صَدَرَ بغير علم الزعيم القذافي أو رغما عنه في الأقل بدليل أن الشاب ما زال على قيد الحياة وما زال رأسه في موضعها بين كتفيه، إلا إننا لا نخفي استغرابا لتوقيت صدوره، إذ المعتاد في مناسبة ذكرى قيام «الثورة» أن نستعرض الإنجازات التي حققتها، خصوصا إذا كانت قد بلغت من العمر 36 عاما، ولكن المفاجأة الثقيلة تمثلت في أن الكلام جاء مُعلنا فشل الثورة وتردي كل أوضاع الشعب الليبي بعد قيامها حتى الآن. السيد سيف الإسلام لم يذكر حسنة واحدة ذات قيمة لتجربة النظام طيلة تلك الفترة الطويلة. الطريف في الأمر أن ما قاله نجل الزعيم الليبي لم يختلف في شيء عما يقوله معارضو النظام، الذين دفع الآلاف منهم حياتهم ثمنا لموقعهم وشيوع الفساد في البلاد، حتى ليبدو لي أن مساعدي سيف الإسلام جمعوا بيانات المعارضة الليبية المنشورة في الخارج، خصوصا على مواقع الإنترنت، وبعد أن حققوا موضوعاتها، قدموها إليه لكي يتبناها كاملة، ويسحب البساط من تحت أقدامهم بل ويذهب إلى ابعد، حيث يقدم نفسه باعتباره القطبَ المعارضَ للنظام والمرشح لإصلاحه وتصويب أخطائه، ومن ثم فإنه يقوم بدور المنقذ الحقيقي للبلاد، وليس تلك المجموعة العاملة بالخارج التي تسمي نفسها جبهة إنقاذ ليبيا.. وكأنه أراد أن يقول: انهم يكتفون بالنقد والتنديد ولكنني أمارس النقد مثلهم تماما، والتفوق عليهم في القدرة على تقديم الحلول من داخل النظام. طبقا لما نشر عن خطاب سيف الإسلام بعدما فهمنا انه يرأس ما سمي بـ«مؤسسة القذافي للتنمية» التي نظمت في بلدة سرت الملتقى الأول للمنظمة الوطنية للشباب الليبي (حضره 15 ألف شخص)، فان ليبيا في وضعها الراهن بلا دستور ولا صحافة ولا ديمقراطية ولا تنمية (لا تسأل ماذا بقي بعد ذلك؟!) ولأن الأمر كذلك فلا مفر في رأيه من إعادة بناء البلاد من جديد في إطار حملة شعارها «معاً من اجل ليبيا الغد». في تفعيل مشروعه الإصلاحي الذي ذكر انه سيدخل حيز التنفيذ في شهر سبتمبر المقبل، أشار إلى انه ستتخذ إجراءات عملية للنهوض بالتعليم، بحيث سيتم توفير مليون حاسوب لمليون طفل ليبي وزف إلى مستمعيه خبر تبرع الولايات المتحدة بنصف هذه الكمية وذهابها في الكلام إلى حد تقديم خدمة الإنترنت بالمجان لكافة المؤسسات الليبية خلال عام كامل. ولكي يؤكد بشارته، فإنه أعلن أن مسؤولا أمريكياً التقى العقيد القذافي قبل أيام، ونقل إليه الرغبة الأمريكية في تطوير التعليم بليبيا، والمنحة التشجيعية المقدمة لها في هذا الإطار. من التعليم انتقل إلى الصحة، وذكر أن 40 مستشفًى ليبياً سيتم ربطها بمثيلات لها أجنبية لتطويرها، كما سيتم تحسين دخول الأطباء والعاملين في ذلك القطاع، مشيرا إلى تدهور الخدمات في ذلك القطاع، الأمر الذي أدى إلى انتشار السرطانات والأوبئة في الاقتصاد. وقال القذافي الابن إن ثمة خطة لإلزام 750 شركة أجنبية تعمل في ليبيا بتشغيل المواطنين، وتحدث عن إقامة مليون شركة خلال عقد من الزمان يملكها ليبيون، وعن ضرورة المساواة بين المستثمرين الأجانب والليبيين في المزايا والإعفاءات، كما تحدث عن خطط لرفع إنتاج ليبيا من النفط لكي يصل بعد ثمانية اشهر إلى مليوني برميل يوميا. على هذا المنوال، ظل يتكلم صاحبنا مفصلا في الإصلاحات المنوط إجراؤها في مجالات الخدمات المصرفية والاتصالات والزراعة والسياحة والصناعة والطرق والكهرباء والمياه والشباب. وأعلن قرارا برفع الحد الأدنى للأجور بحيث يصل إلى 200 دينار في القطاع العام و250 دينارا في القطاع الخاص (رسميا الدولار يساوي 1.28 دينار). كما أعلن خططا لمعالجة ظاهرة البطالة بين المواطنين مطالبا بتحويل الدعم السلعي الذي يقدر بتسعة ملايين دينار ليبي لدعم المرتبات. هذا الكلام الكبير جدا، أطلقه سيف الإسلام ليس بوصفه وليا للعهد، كما قال، ولكنه بصفته أحد أبناء ليبيا الغيورين على مصالحها، والذين وضعتهم المقادير على رأس «مؤسسة القذافي للتنمية». ولئن اعتبر مشروعه إصلاحيا إلا انه يمثل محاكمة للنظام الليبي، ووثيقة تثبت فشل تجربته المستمرة منذ 36 عاما، ولا يستطيع المرء أن يستقبله إلا بحسبانه محاولة لتحسين صورة النظام من خلال دغدغة مشاعر الجماهير الليبية وامتصاص سخطها وتبني مطالبها ثم أنه محاولة لا تخفي دلالتها لتعزيز موقع سيف الإسلام كمنقذ ووريث ودعوة ضمنية للمراهنة عليه في المستقبل باعتباره معارضا للنظام وامتدادا له في نفس الوقت. لقد تجاهل الإعلام العربي خطاب سيف الإسلام الذي ألقاه في 20/8 أغلب الظن لأن أحدا لم يأخذه على محمل الجد في ليبيا، فما بالك بخارجها، مع ذلك فانه يتضمن اشارات جادة لا ينبغي تجاهلها. إضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه، فانه يجيء كاشفا عن عمق الأزمة التي يواجهها النظام، الأمر الذي جعله يحتمل كلاما قاسيا للغاية كالذي مررنا به وننحي فيه باللائمة على الفساد والبيروقراطية والقطط السمينة والمافيا الليبية من دون أية إشارة إلى مسؤولية النظام الذي تربى فيه هؤلاء وترعرعوا، وفي إيهام بأن هؤلاء مسؤولون عن مظاهر الفشل والتردي التي عمت البلاد، بما في ذلك تغييب الدستور وإهدار القانون ومصادرة الحريات. ولا يستطيع قارئ البيان أن يتجاهل دور الأصابع الأمريكية في مشروع التغيير، وهو ما ظهر في الإشارة إلى حماس واشنطن لتطوير التعليم في ليبيا، ومخاطبة العقيد القذافي في هذا الامر، والمنح الأمريكية المقدمة لتشجيع المضي في التطوير (بالمناسبة منذ متى كانت ليبيا النفطية بحاجة إلى منحة حواسيب أمريكية أو خدمة إنترنت مجانية؟). حين عرضت في اليمن قصة التجديد للرئيس علي عبد الله صالح بعد إعلانه عزوفه عن الترشيح للرئاسة ثم امتثاله مضطرا للجماهير التي جرى تحريكها لمطالبته بالاستمرار في موقعه، كتبت في هذا المكان أن هذا فيلم «شاهدناه من قبل»، هذا التعليق يلح عليَّ الآن بعدما تكررت حكاية الابن الذي يظهر على المسرح السياسي مرتكزا على سلطان أبيه، ليقدم نفسه مصلحا ومجددا وناقدا لسلبيات النظام القائم، لكي يكون ذلك بابه إلى التوريث واستمرار احتكار السلطة في إطار الأسرة؛ وبالتالي، فإنني أعيد التعليق هذه المرة على شعور عميق بالحزن والأسف من جراء ذلك العبث الذي يُمَارَسُ في حلبة السياسة العربية بعدما تحولت اغلب ممارستها إلى أفلام تفتقد المصداقيةَ والجديةَ وبعضها هزليٌّ إلى حد كبير. (*) كاتب ومفكر من مصر (المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 29 أوت 2006)
الصورة العربية المنقسمة علي ذاتها
د. بشير موسي نافع (*) ليس ثمة أمة تعيش حالة من الانقسام كتلك التي يعيشها العرب اليوم: شعوب عربية تموج بحيوية غير مسبوقة بينما يخيم علي دولها الجمود وفقدان الذاكرة والعجز عن المبادرة، ثروات تتدفق بمستويات غير متوقعة وفساد يتخلل كل مناحي الحياة، يعطل امكانات النمو الصحي ويحول المجتمعات العربية الي كيانات استهلاكية وأسواق للمنتجات الأجنبية، عقول عربية مبدعة في كافة المجالات والمواقع ومناخ تعليمي وثقافي رسمي محبط وباعث علي التحلل والانحطاط، استبسال لم يعرفه التاريخ الحديث في مواجهة قوي عالمية عاتية في ناحية، وتهاون ورعب وتواطؤ في ناحية. ولكن افتراقاً لا يكاد يفرض نفسه علي الصورة العربية كالافتراق بين الوضع اللبناني ـ الفلسطيني، من جهة، والوضع العراقي، من جهة أخري.
يعيش الفلسطينيون دماراً يومياً لمصادر معاشهم وسكنهم وللحياة نفسها، كما أوقع بمدن وقري لبنانية خلال حرب الأسابيع الخمسة دمار يفوق ما يتعرض له قطاع غزة. هذا الدمار والموت الذي تنشره آلة الحرب الاسرائيلية في البلدين العربيين يجد دعماً غير محدود من الادارة الامريكية ومن عدد من القوي الاوروبية. ولكن الفلسطينيين واللبنانيين يقاومون الغزاة كما يجدر بكل شعب يتعرض للعدوان ان يقاوم. وبالرغم من الخلافات بين القوي السياسية الفلسطينية واللبنانية فقد التفت قطاعات واسعة من الشعبين حول هدف الصمود في وجه الغزاة ومقاومة العدوان. لم تفلح محاولات ايقاع الشقاق بين فتح وحماس في اشعال حرب فلسطينية أهلية، كما لم تفلح الاتهامات الموجهة لحزب الله بالتحالف مع سورية وايران وخدمة مصالحهما في اذكاء الصراع اللبناني الداخلي، بالرغم من معارضة زعامات لبنانية مختلفة الأوزان لحزب الله. وعبر طول المنطقة العربية وعرضها، يجد الفلسطينيون واللبنانيون دعماً عربياً شعبياً لم تضعفه سنوات الصراع الطويلة، ولا الفتاوي الساعية الي اذكاء الخلافات السنية ـ الشيعية. في لبنان، كما في فلسطين، يدرك العرب والمسلمون معني التضحيات التي تقدم، يرون الخط الفاصل بين الحق والباطل، ويفهمون العلاقة الوثيقة التي تربطهم، مهما ابتعدت بلدانهم، بالصراع علي فلسطين ولبنان.
يعيش العراق هو الآخر دماراً يومياً، بل ان الدمار الذي يشهده العراق بدأ منذ مطلع التسعينات، واستمر علي نحو أو آخر طوال السنوات التالية. وربما يصعب اليوم ان يتنبأ أحد ما بنهاية الأزمة الطاحنة التي تعصف بالعراق وشعبه.
أكثر هذا الدمار والموت قامت وتقوم به قوات الاحتلال الأجنبي للعراق، ولكن جزءا كبيراً منه ترتكبه قوي عراقية تتعدي النطق باسم العراقيين. وقد انقسم العراق علي نفسه كما لم ينقسم في تاريخه كله. مقاومون للاحتلال يواجههم عملاء وحلفاء للاحتلال. سنة او شيعة وأكراد يعيشون رعباً دائماً من بعضهم البعض. بلد من أكثر بلدان المنطقة غني وثراء يتحول الي نهب للصوص في كافة مراتب الحكم. دولة أقيمت باسم القضاء علي الظلم واحتكار السلطة والخوف، تصبح تجسيداً للظلم واحتكار السلطة ومصدراً لا حدود له للخوف. الذين يدعون أنهم ممثلو أكثرية العراقيين يعملون ليل نهار علي تقسيم العراق. مساجد تدمر باسم الاسلام أو حقوق هذه الطائفة أو تلك. عراقيون يخطفون علي الهوية ويقتلون في أبشع صور القتل التي يمكن (أو ربما لا يمكن) تصورها. في عراق اليوم، لا حرمة للحياة ولا للدين ولا للعشيرة ورابطة الدم، ولا حرمة للوطن الذي يدعي كل طرف انه الأحرص علي بقائه وازدهاره. هذا هو عراق ما بعد صدام حسين، العراق الحر الديمقراطي، عراق المثال الأمريكي الذي كان يستوجب علي شعوب المنطقة ودولها استلهامه.
وكما ينقسم العراق علي ذاته، ينقسم العرب حوله. مثقفون وكتاب وعلماء شيعة تعميهم الرابطة الطائفية فلا يرون عمق الكارثة التي جلبها رفاقهم في الطائفة علي العراق. ومثقفون وكتاب ليبراليون تعميهم النوازع الأيديولوجية فلا يرون هول الجحيم الذي جاءت به مرجعياتهم الغربية. اسلاميون لا يريدون تأمل الهاوية التي هبط اليها اسلاميو العراق، ويساريون لا يصدقون كيف تحول شيوعيو العراق الي أدوات للاحتلال. الدول التي سهلت غزو العراق واحتلاله تسكنها خشية متصاعدة من نفوذ ايران، الجارة الاسلامية الكبري، وليس من عشرات الألوف من قوات الاحتلال الأجنبية. وخلف ذلك كله، يقف الملايين من العرب وقد أثقل كاهلهم انقسام العراقيين، فذهبوا هم أيضاً الي الانقسام. ما يكاد يذكر العراق حتي ينقلب الاجماع علي فلسطين ولبنان الي صراع محموم، لا يعرف فيه حق ولا باطل. هذا العراق، المنقسم علي ذاته والباعث لانقسام العرب، لم يأت من صدفة تاريخية، لم تفجره في وجه أهله ووجه العرب نوايا حسنة لم يحالفها الحظ. هذا العراق هو مسؤولية الذين غزوه بلا مبرر، ومن أعطوا لانفسهم الحق في الـتآمر علي مصيره ومصير شعبه، ومن يصدقون اليوم انهم باتوا حكاماً بينما انهار دماء شعبهم تجري تحت أقدامهم.
هذا العراق هو أولاً مسؤولية هذه الادارة الامريكية، التي قررت استخدام بلاد العرب ساحة لتجارب اطلاق النار واستعراض القوة وتكريس نظام عالمي امبراطوري. كل المبررات التي وظفت لبناء رأي عام أمريكي مساند لغزو العراق كانت ملفقة، كلها علي الاطلاق. ومن وظفوها، يوماً بعد الآخر، مؤتمراً صحافياً بعد الآخر، ومقالة بعد الأخري، كانوا يعرفون أنها مبررات ملفقة. أما الرأي العام العالمي، أما القانون الدولي، أما الأمم المتحدة، فلم تكن تعني الكثير. بغداد كانت بالنسبة لهم حجر الأساس في نظام امبراطوري جديد، ترسم فيه صورة جديدة للعالم وعلاقات قواه، يعرف فيه العرب والمسلمون أنفسهم ليس كما عرفوا أنفسهم عبر القرون ولكن كما يقال ويحدد ويقرر لهم. لم يكن الجهل بالعراق هو من دفع ادارة الاحتلال بناء دولة العراق المحتل علي أسس طائفية وعرقية، بل الدراية بالعراق. هذا العراق، العربي الكردي السني الشيعي التركماني الكلداني الآشوري اليزيدي، هو العراق الجديد، هو المثال الذي كان ستلحقه سورية جديدة ومصر جديدة وسعودية جديدة وسودان جديد. ولكن الحقيقة ان ادارة الاحتلال لم تكن هي المشكلة، فالمحتل الأجنبي هو في النهاية محتل أجنبي. المشكلة كانت فيمن ادعوا أنهم عراقيون، وأن لهم الحق في الحديث باسم العراقيين.
حفنة السياسيين الفاشلين الذين زحفوا الي العراق في أعقاب طوابير دبابات الاحتلال هم من يحمل المسؤولية الأكبر عن ما شهده العراق منذ 2003 وحتي اليوم. بعضهم كان شريكاً أساسياً في بناء النظام الطائفي العرقي الانقسامي، بعضهم ذهب أبعد من ذلك وطلب ويطالب بانقسام جغرافي فعلي للوطن، بعضهم لحق بركب الاحتلال والطائفية كما كل الطموحين الصغار، وكلهم وظف نفسه لتبرير الاحتلال واستمراره. حاولوا في البداية اللعب علي كل الحبال بالقول ان للمقاومة سبلا متعددة ، وكأنهم كانوا ينتوون المقاومة. ولكن حبل الكذب قصير، كما يقول العرب، وما كانت الا برهة حتي بدأ التشكيك بالمقاومة، بهويتها، بأهدافها، وحتي بعراقيتها. كان تورط الطارئين علي العراق مع الاحتلال قد مضي بعيداً، وبمفاجأة المحتلين بحجم المقاومة وقدرتها علي الصمود أمام حملات الابادة الوحشية التي تعرضت لها بغداد وسامراء والفلوجة وحديثة والقائم، لم لدي سادة الاحتلال سعة صدر كافية لتقبل المواقف المزدوجة ولغة النفاق الركيكة التي تحدث بها سياسيو المنطقة الخضراء من العراقيين الجدد. وانطلقت من ثم نغمة واحدة من اتهام المقاومين بالارهاب والتكفيرية والأجنبية بعد ان سقطت اتهامات الصدامية والبعثية. وكانت التنظيمات الطارئة هي في الحقيقة من بدأ الارهاب. ثمة ارهابيون بالفعل يتسترون بستار المقاومة، ولكن هؤلاء ما كانوا ليتورطوا في دماء العراقيين لولا ان العصابات الحزبية الطائفية والانقسامية انطلقت تحت ظل الحراب الأجنبية، ومنذ الأيام الأولي للاحتلال، لاغتيال ضباط الجيش السابقين، أساتذة الجامعات، العلماء السنة، وشيوخ القبائل العربية.
وسرعان ما أدرك بؤساء العراقيين الجدد ان العراق أكبر منهم، وأنهم غير مؤهلين ولا أكفاء ولا جديرين بحكمه. وولدت بالتالي فكرة التقسيم، التي يعرف دعاتها انها تجد صدي في أوساط أصدقائهم الخلص في واشنطن. باسم حقوق الأكراد، أسست الأحزاب الكردية التي لم يجف الدم الكردي علي يديها بعد لشرعية وجودها وسيطرتها علي المحافظات الكردية، وأطلقت الفتنة من عنانها في كركوك والموصل. وباسم مظلومية شيعية مخترعة تحاول أحزاب طائفية تأسيس شرعية وجودها وسيطرتها علي جنوب العراق، وأطلقت هي الأخري فتنة لا أول لها ولا آخر من بغداد الي البصرة. ويعرف العراقيون الأكراد والشيعة، كما العراقيون جميعاً، انه ما ان يتاح لهؤلاء تحقيق أهدافهم في تقسيم العراق حتي يلغوا في دماء الأكراد والشيعة. وما علي العراقيين الا النظر الي الصراع اليومي الدموي علي السلطة والنفط والثروة في مدينة البصرة بين ميليشيات المتحدثين باسم الشيعة ليروا ما يدخره هؤلاء لشيعة الجنوب.
والمدهش ان أحداً من هؤلاء لم يتعلم الدرس. بعض الذين هبطوا في سواد العراق من الطائرات المروحية الامريكية المسلحة لفظهم العراقيون والامريكيون معاً. ما استطاعوا الحصول علي أصوات عائلاتهم في الانتخابات، وما ساعدهم حلفاؤهم الأمريكيون علي تزييف صناديق الاقتراع. أما أولئك الذين نجحوا في ابتزاز العراقيين بدعاوي حماية الطائفة ومصالحها، وساعدتهم وسائل التزييف وفتـــاوي مرجعيـــــة دينية خرقاء وقصيرة النظر، ما كان بامكانهم الحكــــم ولا حتي البقاء في جمهورية المنطقة الخضراء بـــدون دعم قوي الاحتلال. وعندما قالت واشنطن لا فهـــي لا. ولم يكن مستغرباً، حتي منذ السنة الأولي علي الاحتلال، ان تبدأ فلول الخائبين بالعودة الي لندن وعمان وباريس، حيث ولدت لديهم أوهام السيطـــرة علي العراق لأول مرة. ولكن درس الفشل والخيبة لا يتعلمه الفاشلون والخائبون من تجارب الآخرين، لا يدرك الفاشلون والخائبون حجم اخفاقهم حتـــي يلمسوه بأيديهم. وهذا ما يطيل من آلام العــراق ومحنته.
بيد ان الأكثر مدعاة للدهشة هو مشروع المصالحة الذي يدعو له حكام جمهورية المنطقة الخضراء. الذين وضعوا دستور العراق مسودة للتقسيم والتطهير الطائفي والعرقي، الذين حولوا وزارة الداخلية الي شبكة من مراكز التعذيب وفرق الاغتيالات، الذين نهبوا خلال أقل من أربع سنوات أكثر من عشرة مليارات من أموال العراق، الذين شردوا أكثر من ثلاثة ملايين من العراقيين من وطنهم، وأطلقوا ميليشيات فرق الموت لتقتل العراقيين علي الهوية، الذين شرعوا السيطرة علي المساجد ويخططون لاجلاء مئات الألوف من العائلات عن قراها ومساكن آبائها وأجدادها، يعملون اليوم علي تحقيق مصالحة وطنية؟ هؤلاء بالطبع لا يملكون شرعية تحقيق المصالحة، وليس لديهم أصلاً أدني نية لتحقيق المصالحة. كل ما يسعون اليه هو انجاز مهمة تقسيم العراق وتدمير اجتماعه وهويته الوطنية بدون ان يلتفت العرب والمسلمون والعالم لحجم الكارثة التي جروا العراق والعراقيين اليها. هؤلاء في الحقيقة هم جوهر المشكلة لا أداة الحل. ولن ينهض العراق من جديد، لن يبدأ في استعادة عافيته وذاته من جديد، الا بعد ان يتخلص منهم، ومن أحزابهم، وميليشياتهم، ودستورهم، والنظام الطائفي العرقي البشع الذي يحاولون زراعته في سواد العراق. (*) كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 31 أوت 2006)
العدوان الإسرائيلي على لبنان يفشل سياسيا أيضا
منير شفيق (*)
عندما يقول تيد لارسون مندوب الأمين العام للأمم المتحدة لتنفيذ القرار 1559 إن الوضع في لبنان « بالغ الهشاشة »، بعد تنفيذ الجزء الأول من القرار 1701، أي وقف العمليات العسكرية، فهذا يعني أن أميركا وإسرائيل غير راضيتين عن القرار واتجاه تنفيذه.
فقد أثبت لارسون أنه مندوب لأميركا وإسرائيل أكثر منه ممثلا للأمم المتحدة، وذلك ما يستشف من كل تقاريره ومواقفه المتعلقة بلبنان منذ صدور القرار 1559 حتى الآن.
إن تعبير « بالغ الهشاشة » يتضمن تهديدا أو إيحاء بأن الحرب قد تتجدد في أية لحظة، وذلك من أجل ابتزاز لبنان والعرب والعالم ليخضعوا للقراءة الأميركية الإسرائيلية للقرار 1701. أما إذا لم يفعلوا فإن العدوان سيعود سيرته الأولى لاسيما من ناحية القصف الموجه للمدنيين والبنى التحتية.
فبعد انسحاب بعض الوحدات الإسرائيلية وسحب عدد من الآليات المدمرة تحت إشراف قوات اليونيفيل وهي التي كانت محاصرة إلى حد لا يمكن الدفاع عنه، احتفظ العدوان بالوحدات التي تحتل بعض المواقع التي يظن أن بالإمكان الدفاع عنها.
والأهم أنه قام بعدة عمليات تعتبر خرقا للقرار 1701، وأهمها محاولة الإنزال الفاشل في البقاع، فضلا عن استمرار المناورات الجوية ونصب عدد من الحواجز الطيارة. وهذا يعني أن الإشارة إلى هشاشة الوضع له ما يسوغه من جهة عملية.
أما الأهم في تأكيد هشاشة الوضع فيتمثل في الحصار الجوي والبحري المضروب على مطار بيروت والموانئ البحرية، ومحاولة نشر قوات اليونيفيل إليها وتمديد صلاحياتها لمراقبة المطار وكل مرافق العبور البحري والحدود اللبنانية-السورية.
ثم أضف مسعى المندوب الأميركي جون بولتون لإعداد قرار جديد من مجلس الأمن ينص صراحة على نزع سلاح حزب الله ووضع الحدود اللبنانية الجوية والبحرية والبرية تحت رقابة اليونيفيل بما في ذلك إعطاؤها الصلاحيات التي يعطيها الفصل السابع للقوات الدولية.
هذا كله بالطبع ينفي القرار 1701 ويقتضي العودة إلى العمليات العسكرية إذا لم يخضع لبنان والعالم له، بما في ذلك الموقف العربي الذي عبر عنه لقاء وزراء الخارجية العرب في بيروت أو ما جرى من مساومة عربية ولبنانية-دولية أنتجت القرار 1701.
فرغم السلبيات التي تضمنها القرار 1701 وما تضمنته من مكافآت للعدوان لا يستحقها حتى من زاوية نتائج المعركة العسكرية نفسها، فإن أميركا وإسرائيل تسعيان إلى تفسيره بما يتطابق مع المشروع الأميركي-الفرنسي الأول الذي رفض رفضا قاطعا.
ثمة قراران أو إجراءان اتخذا على الأرض جعلا القرار 1701 في مأزق إذا أريد تفسيره وفقا للقراءة الأميركية، بل وضعاه على سكة تقربه إلى ما يمكن أن يكون مقبولا في إطار الإجماع اللبناني.
الأول موافقة حزب الله على انتشار الجيش اللبناني على طول الخط الأزرق، الأمر الذي نقل تنفيذ انتشار الجيش إلى الحوار اللبناني-اللبناني. أما الثاني فكان المبادرة العفوية الشعبية بعودة النازحين إلى الجنوب ما بين نهر الليطاني والخط الأزرق، وقد لاقت تشجيعا من حزب الله وحركة أمل في الآن نفسه.
وبهذا أصبحت المواقع التي سينتشر فيها الجيش وقوات اليونيفيل محاطة ببحر من الجماهير الملوحة بالعلم اللبناني ومعه علم حزب الله، ما رسم خريطة على الأرض لكيفية تنفيذ القرار 1701 مناقضة تماما للقراءة الأميركية-الإسرائيلية له، ومطابقة تماما للواقع الشعبي ولنتائج موازين القوى التي اتسمت بالفشل العسكري للعدوان، وبالنصر للمقاومة الإسلامية وللصمود الشعبي ووحدة الموقف اللبناني، كما تجليا في مواجهة العدوان.
من هذا ندرك لماذا راح تيد لارسون يتحدث عن هشاشة الوضع، ولماذا راح الجيش الإسرائيلي يستدرج حزب الله للرد على خروقاته، ولماذا جعل جون بولتون يتميز غيظا وهو يتحدث عن ضرورة صدور قرار ثان يحل عمليا محل القرار 1701.
يجب أن يضاف إلى ما تقدم أن الوضع السياسي الداخلي اللبناني، رغم ما برز فيه من تناقضات في المواقف لاسيما في موضوع سلاح حزب الله أو في تقويم النصر اللبناني (البعض عوّمه إلى حد إسقاط أي دور خاص للمقاومة فيه أو في موضوع الدولة)، قد حافظ على الحد الأدنى من تماسكه.
والدليل استمرار الوحدة من خلال الحكومة، إذ لم تتصدع نتيجة تلك التناقضات حيث أصر الجميع على حلها من خلال الحوار، والحوار فقط.
يمكن أن يقال الشيء نفسه حول الوضع العربي الذي أخذ يعود إلى السعي للتماسك بعدما بدا متصدعا.
وقد عبر عن هذا التصدع خطاب الرئيس السوري بشار الأسد وردود الفعل عليه.
فإذا كانت وحدة الموقف اللبناني من جهة ووحدة الموقف العربي من جهة ثانية ضروريتين لمواجهة العدوان وعدم السماح له بتحقيق أهدافه، فإنهما الآن أشد ضرورة في مرحلة ما بعد صدور القرار 1701.
وبديهي أن مرحلة ما بعد العدوان كما ابتدأت مع القرار 1701 وعلى ضوء ما أسفرت عنه المعارك العسكرية في الميدان وما حل من تدمير في القرى الجنوبية والضاحية وبعلبك والهرمل، ستكون أشد تعقيدا من سابقتها.
ففي أثناء العدوان استنفرت الجماهير العربية والإسلامية، وتحرك الرأي العام العالمي، وتغير الموقف الرسمي العربي اختيارا أو اضطرارا وبتفاوت في الحالتين ليجمع على استنكار العدوان وتحميل إسرائيل مسؤولية ما تعرض له لبنان من دمار ومجازر وتهجير.
وفي أثناء العدوان تصدع الموقف الدولي الذي أجمع في البداية على تغطيته، سواء كان ذلك بسبب فشله العسكري بعدما أعطي الوقت الكافي ليحسم أم كان بسبب موقف الرأي العام الداخلي في شجبه واستنكاره.
وهذا ما يفسر لماذا اضطرت إسرائيل وأميركا إلى السعي لوقف العمليات وتقديم بعض التراجع لإصدار القرار 1701.
ولكن في المرحلة الراهنة تحتاج المحافظة على وحدة الموقف اللبناني من الجميع الكثير من الحكمة وبعد النظر. وكذلك الحال بالنسبة إلى الوضع العربي الإسلامي، وذلك من أجل عدم السماح لعودة التواطؤ الدولي ضد لبنان ومن ثم فرض تطبيق القرار 1701 ضمن حدود الرؤية اللبنانية-العربية.
أما عودة التراخي العربي أو تغليب الخلافيات الداخلية اللبنانية على وحدة الموقف ضد العدوان والحصار وتجوير القرار 1701، فمن شأنه أن يجرئ القيادة الإسرائيلية -رغم أزمتها الداخلية وبسببها- على العودة إلى العمل العسكري الواسع أو الابتزاز من خلال التهديد بعودته.
ثمة مجموعة قضايا يجب الانتباه إليها في تقدير الموقف في هذه المرحلة، أولها أن الجيش الإسرائيلي خرج من هذه الحرب مهانا مدانا كالوحش الجريح، وأن القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية أخذت تنهش لحوم بعضها بسبب الهزيمة العسكرية، ومن بين ما تطمع فيه إسقاط حكومة أولمرت والعودة إلى انتخابات جديدة في حين أن المسؤولين عن الحرب قد يجدون مناجاتهم بتجديدها لعل وعسى.
فهذه المعادلة حمالة أوجه وفي مقدمتها العودة بأسرع ما يمكن للثأر واستعادة الهيبة.
وهذه النتيجة -العودة بأسرع ما يمكن إلى الثأر واستعادة الهيبة- تجد لها من يشاركها المأزق والموقف داخل الإدارة الأميركية التي تشعر الآن -رغم ادعاء جورج بوش الانتصار على حزب الله- بما يشعر به الوحش الجريح، مما يزيد من الحاجة إلى التنبيه ليس على مستوى لبنان فحسب، وإنما على مستوى إيران أولا وسوريا ثانيا كذلك.
ويجيء الرد الإيراني على العرض الدولي بعدم وقف تخصيب اليورانيوم مقابل إغراءات محددة، ليزيد من احتمالات التصعيد الأميركي-الإسرائيلي في لبنان أو حتى ضد إيران مباشرة، أو هما معا في آن واحد، رغم ما تضمنه الرد من مرونة وبعد نظر في تجنب المواجهة، لأن التفسير الأميركي-الإسرائيلي سيفهمه رفضا لشرط وقف التخصيب.
وهنا يبرز السؤال: هل يمكن أن تقدم أميركا منفردة أو مع بريطانيا على الأرجح أو مع إسرائيل في آن واحد على شن الحرب هي ومن قد يحالفها على إيران، وذلك بعد تجربتها العراقية الفاشلة في ما عدا تدمير العراق وتقسيمه؟ وهل يمكن أن تترك عندها لإسرائيل القصاص من حزب الله بعد تجربة العدوان الإسرائيلي الذي لم ينجح في ما عدا التدمير وارتكاب الجرائم والمجازر بحق المدنيين؟
الجواب ببساطة نعم من الممكن، لأن غطرسة القوة لا تتعلم من تجربتها إلا بعدما تنهار قواها، وليس بعد هزيمة هنا وهناك لاسيما إذا كانت مشحونة بالتطرف الأيديولوجي والأطماع الإسرائيلية الإستراتيجية، خاصة أن الإقرار بالهزيمة العسكرية والهزيمة السياسية في آن واحد بعيد الاحتمال بالنسبة إلى عقلية القيادتين الإسرائيلية والأميركية.
ومن المعلوم أن تينك العقليتين قد تماهتا بعدما تسلم المحافظون الجدد الإدارة الأميركية وهم خليط من تيار مأفون ليكودي إسرائيلي وتيار « مسيحي صهيوني » التقيا تحت سقف إستراتيجية استخدام العنف الأقصى في فرض المشروع الإسرائيلي على فلسطين والبلاد العربية والإسلامية.
فنحن إزاء مشروع إسرائيلي أو مشروع أميركي إسرائيلي الهوى والهدف.
الجواب عن سؤال أيهما يقود الآخر إدارة بوش أم الحكومة الإسرائيلية؟ يجب حسمه من خلال فهم طبيعة الإدارة الأميركية الحالية. فهي مشكلة من فريق يضع المشروع الإسرائيلي في أولوياته ويسخر القرار الأميركي لخدمته، وهو الذي يقود الحكومة الإسرائيلية إذا أظهرت ضعفا أو عجزا في تنفيذ مشروعها وهذا ليس جديدا في تاريخ التنافس على قيادة المشروع الإسرائيلي بين القيادة الإسرائيلية والقيادة الصهيونية العالمية.
ففي هذه المرة تزعّم اللوبي الإسرائيلي الأميركي القيادتين من خلال تحالفه مع المسيحية الصهيونية في إدارة بوش وتحكمه في القرار الأميركي.
على أن الفشل العسكري الإسرائيلي أمام المقاومة الإسلامية وما تشكل نتيجة ذلك من معادلات سياسية: أزمة داخلية إسرائيلية، وأزمة داخلية أميركية، وأزمة أميركية مع أوروبا والدول الكبرى الأخرى، أخذت تفرض على الإدارة الأميركية التراجع أمام أوروبا كما تجلى في قبول الشروط الفرنسية الألمانية الإيطالية في تسلم ملف القرار 1701 بما في ذلك تفسيره الذي لا يشمل النص صراحة على نزع سلاح حزب الله، أو نشر قوات اليونيفيل على الحدود السورية-اللبنانية.
فالسياسة الأوروبية في تنفيذ القرار بعدما قررت المشاركة بنحو سبعة آلاف جندي، متجهة إلى التوافق مع الحكومة اللبنانية الممثل فيها حزب الله وليس الفرض بالقوة، ما يعني أن فشلا سياسيا أميركيا-إسرائيليا أخذ يسجل في تطبيق القرار رغم أنها (السياسات الأوروبية) ستحاول عبر دورها في اليونيفيل إبعاد المقاومة من جنوب الليطاني.
وهذا « الإنجاز » الذي تريد به استرضاء أميركا وإسرائيل دونه تعقيدات كثيرة، لأن جنوب الليطاني من خلال جماهيره هو حزب الله.
(*) كاتب فلسطيني
(المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 31 أوت 2006)
سلاح «حزب الله» مقابل سلاح إسرائيل!
عبدالله الأشعل
أصبح التركيز الأميركي والإسرائيلي على القضاء على «حزب الله» شاهداً على قناعة البلدين أن أمن إسرائيل ولبنان لا يتحقق إلا بإنهاء وجود هذا الحزب، بعد أن اشتد «خطره» واستعصى على الإبادة الإسرائيلية. وما دامت المشكلة اللبنانية ومعها المشكلة الإسرائيلية تم تلخيصهما أميركياً وابتسارهما عند بعض التيارات اللبنانية والإعلام الصهيوني بأن حلهما يتمثل بنزع سلاح «حزب الله»، فإن القضية بحاجة إلى إيضاح. فقد عملت إسرائيل على تشويه صورة الحزب وتدرجت في ذلك منذ عام 1982.
وقد يبدو عنوان المقال مفاجئاً للقارئ لأن إسرائيل فرضت مجموعة من المصطلحات على إدراك القارئ العربي، بحيث أصبح يألف هذه المعاني، وتجاوز بهذه المعاني مرحلة الرفض الداخلي. ولذلك قصدت بالعنوان أن أعيد القارئ العربي إلى وعيه بعد هذا الجهد التخديري الذي سمعه من إسرائيل ومن الإعلام العربي الذي يكرر هو الآخر ما تقوله إسرائيل من دون أن يتوقف ويصحح ويرد. فقد ألفت الأذن العربية واستكانت العقول العربية إلى عدد من المقولات التي آن الأوان لأن نضعها في سياقها العربي الصحيح وليس في الغرض الإسرائيلي. ومن هذه المقولات ما طلبته إسرائيل وأكده الإعلام الدولي والأميركي والصهيوني والمواقف السياسية للكتل الدولية المختلفة وقرارات مجلس الأمن حول «حزب الله». بدأت المقولة منذ نشأة الحزب عام 1982 بعد غزو إسرائيل لبيروت بتكرار مقولة إن «حزب الله» أنشأته إيران أو انه تابع لإيران أو مدعوم منها، وهو وصف كان يلحق حكماً بـ «حزب الله» حتى ظن المواطن العربي ما يظنه بإيران في هذه الفترة عندما جرى تصويرها تصويرا سلبياً في الإعلام العربي، في وقت كان العراق يحارب إيران بدعوى أنه يحرس البوابة الشرقية للوطن العربي ضد الفرس، فأصبحت الصورة السلبية لإيران تلحق أيضاً بـ «حزب الله»، ولم يتم تقديم الحزب على أنه منظمة للمقاومة ضد إسرائيل. في عام 1996 وبعد حملة الدمار الإسرائيلية المتكررة في جنوب لبنان، عقد في شرم الشيخ مؤتمر لمكافحة الإرهاب حضره الرئيس الأميركي بيل كلينتون. وأعقب ذلك بأربعة سنوات قيام الحزب بدحر القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، فأصبح الحزب حركة تحرير لبنانية وطنية، ولكن مطاردته من جانب إسرائيل والولايات المتحدة على المستوى السياسي اشتدت الى أن تم وضعه على قائمة المنظمات الإرهابية. في عام 2004 صدر القرار 1559 ليستهدف الحزب ويتحدث لأول مرة عن نزع سلاحه في وقت كان الحديث متواتراً في فلسطين أيضاً عن تجريم نشاط المنظمات الفلسطينية وتفكيك بنيتها ونزع سلاحها. وهكذا أصبح الحديث عن نزع سلاح «حزب الله» حديثاً عادياً في لبنان وفي الإعلام الدولي، ولم يجد المواطن العربي غضاضة في ذلك خصوصاً بعد ظهور تيار في لبنان يعتز بالمقاومة، ولكنه يرى أن الشق العسكري من «حزب الله» يجب أن ينتهي ما دامت الأراضي اللبنانية قد تحررت، ولم يكن ينظر بجدية إلى أن مزارع شبعا لبنانية بل اعتبر هذا التيار أن إعلان سورية بأن مزارع شبعا لبنانية وليست سورية تم في إطار مناورة سورية لتبرير احتفاظ «حزب الله» بسلاحه. وبالفعل فإن نزع سلاح الحزب كان في مقدمة موضوعات مؤتمر الحوار الوطني اللبناني، كما أن إسرائيل عندما اعتدت على لبنان أكدت أن تقاعس الحكومة والقوى اللبنانية في الحوار عن تنفيذ ما ينظر إليه كل اللبنانيين الآن بسبب هذا المخدر على أنه التزام دولي بالشرعية الدولية ومصدرها القرار 1559، رغم أن التيارات في لبنان تتفاوت مواقفها من الاعتراف بشرعية هذا القرار وأهدافه.
وهكذا تتفق الأسباب اللبنانية والإسرائيلية جزئياً على نزع سلاح «حزب الله» حيث يرى تيار المستقبل ومن معه أن المقاومة ليس لها مبرر وبقاء السلاح في يد المقاومة غير طبيعي، لأنه كلما استمرت المقاومة استمر ضعف الدولة. وقد حلم اللبنانيون بدولة قوية تحل محل الدولة الحالية التي تعاني لين العظام منذ الصغر، أي أن استمرار سلاح المقاومة بلا مبرر واضح يرهب القوى الأخرى ويمنع تحقيق الحلم القومي في لبنان. بل يرى بعض هذا التيار ان «حزب الله» هو حليف لسورية وان تحجيمه هو جزء من تحجيم للنفوذ السوري في لبنان.
كذلك ما دام حزب الله حليفاً أيضاً لإيران، فإن تحجيمه يؤدي إلى تقليص النفوذ الإيراني في لبنان، مما يتحقق معه الاستقلال وسيادة الدولة على شؤونها وعلى أراضيها، وهذا مطلب عريض عام للعالم كله ومن ورائه الولايات المتحدة وإسرائيل. أما إسرائيل والولايات المتحدة فتقدمان أسباباً إضافية وهي أن «حزب الله» منظمة إرهابية وأن إسرائيل، في إطار الحملة الأميركية الدولية لمكافحة الإرهاب، حاولت القضاء عليه في عملياتها العسكرية، لكنها لم توفق، رغم أنها لن تتوقف عن المحاولة. تضيف إسرائيل والولايات المتحدة وربما فريق لبناني أن وجود حزب سياسي مسلح في دولة مدنية أمر غير طبيعي وسيطرة هذا الحزب عسكرياً وسياسياً على الجنوب يجعله دولة داخل الدولة.
والغريب أن كل هذه الأسباب التي يقدمها المطالبون بنزع سلاح «حزب الله» أصبحت أشد حدة بعد حملة الدمار الإسرائيلية، رغم أن الكثيرين يتجهون إلى نتيجة معاكسة وهي أن صمود الحزب جعل سلاحه هو المدافع عن استقلال لبنان وأن مجرد الحديث عن نزع هذا السلاح يعني دعوة إسرائيل الى الهيمنة على لبنان. والغريب أيضاً أن المطالبين بنزع هذا السلاح اعتبروا أنه هو الخطر الأول وأن نزعه له الأولوية المطلقة. بعبارة أخرى، فإن الجبهة الأميركية – الإسرائيلية – اللبنانية الساعية إلى نزع سلاح «حزب الله» ترى أن السلام في لبنان، والمنطقة كلها، مرهون بنزع هذا السلاح.
وأغفل هذا الفريق الرابط التاريخي بين إسرائيل وبين الحزب وسلاحه، حيث نشأ الحزب بمناسبة احتلال إسرائيل لبيروت، واستمر مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. ووافق تيار المستقبل في لبنان على ذلك، لكنه خلص إلى أن انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان أنهى مبرر وجود الحزب وسلاحه، وغفل هذا التيار عن إصرار إسرائيل على استباحة الأراضي اللبنانية ومحاولة ضم لبنان إلى دائرة الدول العربية التي تقيم سلاما معها.
والحق أن العدوان الإسرائيلي على لبنان وإعلان إسرائيل عزمها على استئناف العدوان على أساس أن قرار مجلس الأمن 1701 لا يمنعها من ذلك وإعلان إسرائيل والولايات المتحدة عزمهما على تشكيل قوة دولية قوية لنزع سلاح «حزب الله»، كل ذلك يعني إصرارهما على تفجير لبنان من الداخل بعد أن دمرتاه من الجو والبحر.
وفي ضوء ذلك، وحرصاً على لبنان وشعبه ووحدة قواه، فإن مطلب نزع سلاح «حزب الله» يصبح مطلباً معقولاً مع ضرورة التركيز على أنشطته السياسية والاجتماعية والثقافية في لبنان التي تشكل نموذجاً ممتازاً للحزب السياسي والمدرسة السياسية الوطنية المتكاملة، ولكن المشكلة هي نزع سلاح الحزب من دون وجود بديل لحماية لبنان وعدم الوثوق في وعود واشنطن وإسرائيل. ومادام سلاح الحزب دفاعياً فقط وهو عادة لا يبدأ بقتال وإنما كان دائماً يرد على بربرية إسرائيل وانفلاتها من كل قيد، فإن نزع سلاحه لا يحل مشكلة الأمن والاستقرار والإعمار في لبنان ولا في إسرائيل بعد أن سيطر على سكان الشمال في إسرائيل كابوس صواريخه. لكل ذلك فإن نزع سلاح إسرائيل هو الذي يحل المشكلة من الجانبين. وهذا الاقتراح قد يبدو ساذجاً عند القارئ العربي من حيث أن إسرائيل تعتمد في وجودها نفسه على القوة لأنها ليست فقط دولة محتلة والقوة لازمة لقمع المحتلين المطالبين بالحرية، ولكن لأن الطابع العدواني هو جزء أساسي في التركيبة النفسية لسكان إسرائيل، ولأن زرعها في أراضي الغير يشعرها دائماً بأن هذا الغير لا يطيق وجودها وإنما هو مكره عليه، والقوة هي أداة هذا الإكراه.
وقد يجادل القارئ العربي في هذا الاتجاه، لأنه ولد ونشأ على أفكار تبحث دائماً لإسرائيل عن حلول لمشاكلها التي يخلفها وجودها نفسه، مما يجعل مقترحات الرئيس الإيراني منطقية وليست مفرطة في السطحية كما ظن البعض. أما القارئ الإسرائيلي فقد يرى في هذا الاقتراح دعوة لرحيل إسرائيل. وقد تقول إسرائيل إنها محاطة ببحر من العداء وأن القوة الاستثنائية مطلوبة لردع الأعداء، ونحن نذكرها بأن تلك حجة ساقطة، لأن سلوكها البربري يجعل بحار العداء تحيط باليهود في العالم كله. لقد رأت إسرائيل أن كل قوتها تهاوت أمام شعب صغير لا يقاوم منه إلا بضعة آلاف، ولو قاوم كله لكان في الأمر قول آخر.
إن نزع سلاح إسرائيل وقصره على الدفاع فقط يعني وقف السياسات العدوانية ورد الحقوق إلى أصحابها حتى في حدود قرارات مجلس الأمن الجائرة، وسوف يكفل لليهود البقاء بيننا، وسوف يحل مشاكل المنطقة كلها ويسمح للحضارة اليهودية بأن تتفاعل مع الحضارتين العربية والإسلامية، وتحصل إسرائيل على ما تشاء من ضمانات من المنطقة ومن خارجها، وهذا هو طريق السلام الدائم.
كاتب مصري (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 29 أوت 2006)
غوته.. والجدول الذي تحول إلى نهر
محمد صادق دياب
رغم مرور نحو قرنين على رحيل الشاعر والمؤلف المسرحي والروائي الألماني يوهان فولفجانج غوته صاحب القول الشهير «إذا كنت لا ترى إلا ما تبصره العين، ولا تسمع إلا ما تنقله الأذن، فأنت في الحقيقة لا ترى ولا تسمع»، فإن الجدل حول اعتناقه للإسلام لا يزال يتجدد بين حين وآخر، وقد عرض خالد المحاميد في مقال سابق له بعض وجهات النظر المتباينة حول إسلام غوته، والحقيقة أن أفكار غوته حول الإسلام والقرآن وشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن تجعل من الصعب على رجل بلغ كل هذه القناعات أن لا يكون قد اعتنق الإسلام، فهو الذي يقول عن القرآن الكريم: «إن أسلوب القرآن محكم سام مثير للدهشة، فالقرآن كتاب الكتب، وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم. وأنا كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي»، ويقول عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: «بحثت في التاريخ عن مثل أعلى للإنسان فوجدته في النبي العربي محمد»، وكان يعظم القرآن حتى أنه رأى ذات مرة ريشة طاووس بين صفحات القرآن فقال: «مرحبا بك في المكان المقدس، أغلى كنز في الأرض»، وقد عرف عنه أنه احتفل بليلة القدر، كما شوهد يؤدي صلاة الجمعة مع عدد من الجنود الروس، فضلا عن اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان، وهو الذي يقول: «يا لحماقة البشر عندما يصر كل منهم على رأيه، إذا كان الإسلام معناه أن نسلم أمرنا لله، فعلى الإسلام نعيش ونموت كلنا».
ويستعرض صالح سلامة في مقاله «هل مات غوته مسلما» بعض وجهات النظر حول إسلام غوته موردا رأي إحدى الجماعات الإسلامية الألمانية «مجموعة فايمر» التي ترى بأن غوته قد اعتنق الإسلام، وذلك من خلال تحليل تراثه الأدبي الذي تبرز فيه بجلاء فكرته عن التوحيد، وتأكيده على دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه لها بأنها كنهر بدأ كجدول صغير ثم تدرج حجمه ليتحول إلى نهر كبير يحمل في طياته تعاليم جديدة للبشرية جمعاء. لكن هناك من الغربيين من يرفض هذا الاستنتاج، ومن هؤلاء البروفسورة آنا ماري شيمل التي ترى بأن القول بإسلام غوته مبالغ فيه، وأن ما كتبه غوته لا يعني بالضرورة أنه قد اعتنق الإسلام.
ويروي القس الدنماركي هانس ميله هافن أن غوته كان يردد قبل موته عبارة: «مزيدا من النور، مزيدا من النور»، فهل كان ما أبصره ذلك الرجل وهو يودع الحياة نور اليقين الذي ظل يبحث عنه طويلا حتى اهتدى إلى حقيقة التوحيد ومعجزة القرآن الكريم وعظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
m.diyab@asharqalawsat.com (المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 30 أوت 2006)
Home – Accueil – الرئيسية