الخميس، 23 أغسطس 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2648 du 23.08.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


طلبة إسلاميون: بيان إعلامي أ. ف. ب: تونس تنفي منع المعارض محمد عبو من السفر صحيفة « القدس العربي »:تشارك فيه تونس:تدريب عسكري أمريكي أوروبي إفريقي يجري بمالي صحيفة « الحياة » :تونس: يهود من فرنسا وإسرائيل في أول رحلة حجّ إلى نابل مرسل الكسيبي´:في تونس: حبذا المساواة مع مواطنينا اليهود عند مقام الحاخام يعقوب سلاما ! المهدي بن حميدة: فتاة في 17 من العمر ضحية عشرين سنة من التنكيل بأبيها علي العريض: حرية المعتقد و الضّمير أبو الولــيـد: مختصر في تاريخ الحركة الطلابية في تونس:الحركة الطلابية – طبيعتها ودورها د. محمد الهاشمي الحامدي: توضيح واعتذار للدكتور النجار مصطفى عبدالله الونيسي: تـوضـيـح محمد العروسي الهاني: تعقيبا على مقال الدكتور خالد عبيد الزعماء والرموز الكبار أسمى وأعظم وأرقى من نبش الصغار وإساءتهم المتواصلة المقصودة…. عبدالحميد العدّاسي: وقفة ثانية مع سلوى الشرفي عماد الدين الحمروني: الى متى يبقى الاستخفاف بمشاعر المسلمين في تونس! الهادي بريك: في ذكرى تحويل القبلة : أي دلالات في الماضي والحاضر؟ الحلقة الأولى. نصر الدّين بن حديد:عقدة العقيد بين سيف الاستسلام والفاتح السّعيد جريدة « الصباح »:الحركة الوطنية التونسية ومطلب الاستقلال (1881-1956): (3 من 4) صحيفة « الحياة » :«إخوان ليبيا» يطالبون بـ «مصالحة وطنية شاملة» موقع « إسلام أونلاين.نت »:المغرب.. « مبادرة من أجل المغادرة » لمعتقلي الجهادية رويترز: الحزب الحاكم بالمغرب يعارض التحالف مع الإسلاميين رويترز: القوات الأمريكية تدفع رواتب أعداء سابقين في « مثلث الموت » صحيفة « القدس العربي »:ارتداء النقاب يحد من اختيارات العمل للنساء بمختلف دول العالم د. بشير موسي نافع: ما الذي يدل عليه التحالف الرباعي بالنسبة لمستقبل العراق؟ حسن نافعة: أميركا تبحث عن إستراتيجية للنصر في العراق


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


 

طلبة إسلاميون

تونس في 23 أوت 2007

بيان إعلامي

نعلم الرأي العام الطلابي أن إدارة كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس قد شرعت في أشغال بناء مركز للأمن الجامعي (مع العلم أن الكلية المذكورة من بين الكليات القلائل التي لا يتواجد بها أمن جامعي) مستغلة في ذلك غياب الطلبة وبعض الأساتذة المعارضين لمشروع الهيمنة على الجامعة أثناء العطلة الصيفية.

وتأتي هذه الخطوة في حقيقة الأمر نتيجة لتنامي النشاط النقابي والسياسي والثقافي وتنوعه في الفترة الأخيرة مع سعي السلطة إلى محاصرة كامل المؤسسات وضمن حملة التضييق التي تشنها السلطة ضد أفراد الشعب التونسي عامة والطلبة خاصة باستعمال كل الأدوات (الحزب الحاكم،الأجهزة الأمنية…).

وأمام هذه التطورات الخطيرة :

1.    نعلن إستنكارنا لهذه الممارسات التي تهدف إلى تدجين الجامعة وترهيب الطلبة وتضييق على نشطاء الحركة الطلابية.

2.    ندعو طلبة الجزء الجامعي المذكور إلى توحيد الصفوف من أجل التصدي لمثل هذه الخطوة وعدم التفريط في المكتسبات الجامعية التي تسعى الإدارة إلى افتكاكها.

3.    ندعو إلى توعية الصف الطلابي بخطورة التواجد اللاشرعي  واللامشروع للبوليس داخل الحرم الجامعي.

4.    نهيب بكل القوى الفاعلة إلى الوقوف إلى جانبنا من أجل الدفاع عن استقلالية الجامعة.

طلبة إسلاميون


 

حزب العمل الوطنيّ الديمقراطيّ  
لمشاهدة تسجيل كلمة الحزب التي القاها الرفيق عبد الرزّاق الهمّامي بمناسبة مؤتمر حركة التجديد 27/07/2007 او على الرابط التالي http://video.google.es/videoplay?docid=-7354642678373418465


تونس تنفي منع المعارض محمد عبو من السفر

 
تونس – أ. ف. ب. اعلن المحامي التونسي المعارض محمد عبو الذي افرج عنه مؤخرا من السجن، الاربعاء ان مؤامرة حيكت بشانه تهدف الى منعه من السفر لكن السلطات نفت ذلك. واعلن عبو انه تم تحويل مبلغ مالي اليه لتغطية اقامته مع عائلته في باريس بدعوة من جمعية حقوق الانسان فرونتلاين (دبلن). واكد لفرانس برس انه « تم تحويل مبلغ 3700 دينار (2154 يورو) من طرف وسترن يونيون باسم زوجته سامية وانها عندما راحت الى مكتب البريد في تونس لسحبه قيل لها انه قد سحب ». واتهم عبو ضمنا السلطات بانها تريد منعه « من السفر والتعبير » عن رايه وقال ان زوجته سترفع شكوى ضد البريد التونسي الذي يمثل وسترن يونيون. لكن السلطات اعلنت انها « ليست على علم » بالقضية معتبرة تلميحات المحامي بانها « عبثية ». وقال مصدر رسمي ان « التحويلات المالية محمية بالقانون في تونس ». واضاف المصدر ان « المؤسسات المعنية بمثل تلك العمليات مخولة طبقا للقوانين اتخاذ الاجراءات المناسبة في حال الطعن ». من جهة اخرى اعلن عبو انه ينوي التوجه الجمعة المقبل الى بريطانيا لتسجيل برنامج في ستوديو قناة الجزيرة في لندن حول حرية التعبير وحقوق الانسان. واضاف المحامي المعارض ان التسجيل كان مقررا مبدئيا في ستوديوهات الجزيرة بالمغرب لكن القناة فضلت ان يتم ذلك في لندن. وقال « على كل حال لن اتمكن من السفر لانني حجزت تذكرة باسمي على رحلة لخطوط تونس الجوية الى المغرب وتم الغاء الحجز بشكل مريب ». واضاف « ساسافر الجمعة الى لندن، فلننتظر لنرى ». وافرج عن محمد عبو (41 سنة) في 24 تموز/يوليو الماضي عشية الذكرى الخمسين لعيد الجمهورية بعفو من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد 16 شهرا قضاها في السجن. وحكم عليه في 2005 بالسجن سنة ونصف بتهمة « نشر مقالات من شانها ان تشوش على النظام العام » و »التشهير بالسلطات القضائية ونشر اخبار كاذبة ». وصدر الحكم اثر نشر مقال على الانترنت شبه فيه المحامي التعذيب الذي يمارس في السجون التونسية بما عاناه العراقيون في سجن ابو غريب على يد الاميركيين. كذلك صدر بحقه حكم اخر بالسجن سنتين بتهمة ممارسة « العنف » اثر شكوى رفعتها محامية. (المصدر: موقع ميدل إيست أونلاين (بريطانيا) بتاريخ 23 أوت 2007 نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية) الرابط: http://www.middle-east-online.com/?id=51526


 
تشارك فيه تونس

تدريب عسكري أمريكي أوروبي إفريقي يجري بمالي

 
باماكو ـ (ا ف ب) – ذكرت مصادر عسكرية في باماكو لوكالة فرانس برس ان قوات امريكية واوروبية وافريقية ستشارك اعتبارا من امس الاربعاء بتدريب اطلق عليه اسم فلينت ـ فلوك 2007 في اطار مكافحة الارهاب. وقالت المصادر نفسها الثلاثاء ان هذا التدريب الذي يجري بمبادرة من الولايات المتحدة، سيستمر حتي الثامن من ايلول/سبتمبر بمشاركة 250 عسكريا امريكيا وآخرين من 13 بلدا افريقيا واوربيا. وسيجري التدريب خصوصا في باماكو في قاعة خصصت لعمليات محاكاة علي اجهزة كمبيوتر. وقالت وزارة الدفاع المالية في بيان ان الهدف الرئيسي للتدريب هو مساعدة الامم الشريكة في تخطيط انظمة القيادة والمراقبة والاتصالات وتنفيذها لدعم العمليات الانسانية وعمليات حفظ السلام والانقاذ في حال وقوع كوارث . واضافت ان هذا التأهيل سيسمح للـــدول المشــاركة بتطوير شراكة في كل المنطقة مع تعزيز قدراتها العسكرية . ويشارك في هذا التدريب الي جانب الولايات المتحدة ومالي، عسكريون من الجزائر وتشاد وموريتانيا والمغرب والنيجر ونيجيريا والسنغال وتونس وبوركينا فاسو وفرنسا وهولندا وبريطانيا. وقالت السفارة الامريكية في باماكو ان التدريب فلينت ـ فلوك 2007 يندرج في اطار برنامج امريكي للشراكة لمكافحة الارهاب. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 23 أوت 2007)


رئيس الدولة يجتمع بوزير أملاك الدولة والشؤون العقارية

التأكيد على مزيد الحزم في المحافظة على أملاك المجموعة الوطنية

 
اتجهت عناية الرئيس زين العابدين بن علي لدى اجتماعه صباح اليوم الخميس بالسيد رضا قريرة وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية الى متابعة انجاز الخطة الوطنية لإعادة هيكلة الأراضي الدولية الفلاحية وعمل شركات الأحياء والتنمية الفلاحية ومقاسم الفنيين والفلاحين الشبان ومدى مساهمتهم في قطاع الاستثمار والتشغيل. وأوصى رئيس الدولة بضرورة مزيد الإحاطة بمستغلي الأراضي الدولية الفلاحية حتى يتمكنوا من الإستفادة من الإمكانات المتاحة لهم في مجال التشريع والبحث العلمي الفلاحي وتشجيعات الدولة للقطاع الفلاحي مجددا تأكيده على ضرورة تامين استغلال هذه الأراضي الاستغلال الأمثل حتى تسهم في التنمية الفلاحية. كما اهتم سيادة الرئيس ببرامج الوزارة في الفترة القادمة مؤكدا على مزيد الحزم في المحافظة على أملاك المجموعة الوطنية وعلى الشفافية وتحقيق النجاعة في مجال الشؤون العقارية. (المصدر: موقع « أخبار تونس » (رسمي)، بتاريخ 23 أوت 2007)  


مرّ الكرام
 
لقد حــَشرت يا برهان (*) كـُل النخبة العربية في نفس الكـِـيس وجعلت منها بــُؤسا هادرا وكدت تحوّلها إلى ابليس.. لك الحق في بعض ما تقول.. لكن لك الحق عرضا لا على طول!.. لأن المقاومة العراقية.. موجودة وليس كل قاتل بالارهابي.. ثم ما بالك في سياق مقالك مررت مرّ الكرام على الإرهاب الغربي؟.. محمد قلبي (*) بسيس (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 23 أوت 2007)

 

تونس: يهود من فرنسا وإسرائيل في أول رحلة حجّ إلى نابل

 
تونس – الحياة     شارك نحو مئة يهودي من تونس وفرنسا واسرائيل في أول رحلة حج إلى ضريح رجل الدين اليهودي يعقوب سلاما في مدينة نابل (70 كيلومتراً جنوب العاصمة تونس) يوم 16 آب (أغسطس) الجاري. وحضر الاحتفال الذي يسعى المنظمون لإقامته كل سنة في مثل هذا الشهر حاخام تونس الأكبر حاييم بيتان. وهذه ثاني رحلة حج جماعية إلى معبد يهودي خارج جزيرة جربة (جنوب) بعد تنظيم زيارات سنوية إلى كنيس الغريبة في الجزيرة اعتبارا من السنة 1994. وتستقطب «الزيارات» التي انطلقت في أعقاب اتفاقات أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين نحو أربعة آلاف يهودي من فرنسا واسرائيل وإيطاليا سنوياً. وقالت مونيك حيون وهي مؤسسة مواقع الكترونية عن معابد وشخصيات يهودية تونسية بينها موقع مدينة نابل، إن اليهود والمسلمين اعتادوا على زيارة ضريح رجل الدين يعقوب سلاما في شهر حزيران (يونيو)، إلا أن إقامة طقوس «الزيارة» صيفاً أتاح لعدد أكبر من أبناء الطائفة اليهودية المشاركة فيها. وأوضحت حيون التي حضرت الاحتفال أن الحاخام بيتان تلا فصولاً من التوراة وأثنى على الرئيس زين العابدين بن علي «لموقفه الداعي الى التقارب بين الأديان وتكريس التسامح». وتوقع مراقبون أن يكون تنظيم زيارة سنوية إلى مقام الحاخام سلاما جسراً لاستقطاب مزيد من الشخصيات اليهودية إلى تونس وخصوصاً المتحدرين من محافظة نابل والمقيمين في أوروبا واسرائيل والولايات المتحدة، أسوة بالحج السنوي لكنيس جربة. وباتت طقوس «الزيارة» السنوية إلى الجزيرة مناسبة لتدفق سياسيين وإعلاميين اسرائيليين على البلد وكذلك من الجاليات اليهودية في أوروبا والتي تلعب دوراً مهماً في جماعات الضغط المالية والإعلامية. وكشفت حيون أن كنيسين يهوديين في نابل (من أصل سبعة كانت قائمة قبل الاستقلال) يحظيان بالاهتمام بالإضافة الى ضريح الحاخام سلاما. يُذكر أن حضور مسؤولين من الحكومة التونسية الفعاليات اليهودية في جربة نال استحسان الولايات المتحدة وأوروبا اللتين كانتا توجهان انتقادات لاذعة لتونس بسبب سجلها السلبي في مجال حقوق الإنسان. ويُرجح أن السلطات التونسية ستفسح في المجال أمام تطوير العلاقات مع اسرائيل، على رغم استمرار تجميد العلاقات الديبلوماسية مع الدولة العبرية استجابة لقرار القمة العربية في القاهرة بهذا المعنى العام ألفين. غير أن مراقبين اعتبروا أن العلاقات غير الرسمية «أكثر فائدة وأقل إثارة للحرج» خصوصا تجاه الرأي العام الداخلي الذي ما زال يعارض أي مبادرة للتطبيع مع الدولة العبرية مثلما أظهرت ذلك الحملة الأخيرة على صحيفة «الصباح» (يومية خاصة) بسبب مشاركتها في مسابقة للرسم أقامها «معهد شمعون بيريز للسلام» في اسرائيل. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 23 أوت 2007)

في تونس: حبذا المساواة مع مواطنينا اليهود عند مقام الحاخام يعقوب سلاما !

 
مرسل الكسيبي (*) يوم السادس عشر من أغسطس الجاري استقبلت مدينة نابل التونسية وعلى غير عادتها المئات أو العشرات من اليهود التونسيين المقيمين خارج أرض الوطن , حيث كان للمقبرة اليهودية بعاصمة الوطن القبلي موعد تاريخي وغير مسبوق مع قداس ترأسه الحاخام الأكبر لليهود التونسيين حاييم بيتان. الحدث الذي شد اليه الرحال مئات اليهود من تونس وفرنسا والخارج كان حدثا استثنائيا بكل المقاييس, حيث لم تتعود هذه المدينة السائحية على زيارات يهودية تحظي بالدعم والتشجيع الحكومي فيما عدى ماعرفته وتعرفه جزيرة جربة وكنيس الغريبة من ترحيب رسمي بزيارة تقليدية تعودت السلطة على استثمارها سياسيا في المحافل الدولية من أجل تثبيت صورة تونس المنفتحة حضاريا على الأقليات وأصحاب الديانات السماوية الأخرى . التشجيع الحكومي لهذا القداس اليهودي والذي حضره ممثلون عن الحكومة التونسية أبدوا فيه ترحيبا بشد الرحال الى نابل من أجل احياء ذكرى مرور 207 سنة على رحيل الحاخام يعقوب سلاما , من شأنه أن يلقى الترحيب من قبلنا اذا ماعمدت السلطات التونسية الى معاملة بالمثل لمواطنيها التونسيين المقيمين بالخارج لدواعي واعتبارات سياسية منذ مالايقل عن خمسة عشر سنة …, اذ لابأس أن تكون حقوق المواطنة والمساواة أمام القانون في هذا الموضع مترفعة عن اعتبارات الدين والعقيدة مع ضرورة احترام وتقدير الانتماء الحضاري والقومي للبلاد الذي يأخذ بعين الاعتبار الحقوق المشروعة والمقدسة للشعب الفلسطيني . لسنا بصدد الاعتراض على حقوق الأقليات الدينية في تونس , ولكننا بصدد الاعتراض على مايمكن أن يفهم على أنه نوع من المحاباة والانحياز ضد مواطنين يعدون بالالاف والمئات نتيجة قناعاتهم السياسية والفكرية المنخرطة في صلب الرأي الاخر أو التوجه المعارض … حين يستقبل مواطنونا اليهود في مقبرة مهجورة منذ عقود وتقام لهم الاحتفاليات , فان ذلك يعد انفتاحا واحتراما للأقليات الدينية -وهو كذلك-, وحين يمكن هؤلاء من حق العودة الى تراب الوطن بعد هجر  له منذ الخمسينات أو الستينات , فان ذلك يعد تسامحا حضاريا ومساواة أمام القانون وعودة الى مربعات السلام الدولي , وربما يكون الأمر في الواقع غير ذلك في جزئه الأخير …, ولا اعتراض على ذلك حين يقتصر الأمر على اعتراف الدولة رسميا بحقوق الأقليات ولايتجاوزه الى أجندات تطبيعية تتزامن مع ضياع جزء كبير من الحقوق الفلسطينية الوطنية والدينية المشروعة … غير أن مخاوفنا بالمناسبة تتجه الى الآتي , حيث تعمد بعض الجهات وبدواعي سياسية مريبة الى تضخيم حقوق أقليات دينية تضعنا مستقبلا أمام أوضاع سياسية وديبلوماسية وسيادية صعبة , وهو مالايمكن فهمه الا على أساس الرغبة لدى هذه الأطراف في الالتفاف على استحقاقات الأغلبية المشروعة في الدمقرطة والاصلاح والانفتاح السياسي واحترام حقوق الانسان وتجاوز عقد المواجهات الداخلية العقيمة بين تيارات الهوية الوطنية وجماعات التحديث القسري المستصحب لاليات القمع والاكراه . لتبقى الأمور فعليا ضمن أطر الاعتراف لجميع التونسيين بالمواطنة الكاملة بعيدا عن أشكال الاستدرار والاستعطاف الخارجي الذي يركب موجة أقوى الأقليات النافذة عالميا من أجل تدجين حقوق بقية التونسيين أو تعطيل طموحاتهم السياسية المشروعة في دولة القانون والمؤسسات وامالهم في الحكم الرشيد … لنتفق على أن للتونسي حقا مشروعا في العودة مكرما ومحترما ومبجلا الى ترابه الوطني , بقطع النظر عن دينه أو لونه أو انتمائه الفكري أو السياسي , مع الحاح على الدولة بضرورة الاعتراف بحق المظلومين سياسيا باستعادة ماخسروه أثناء حقبة راوحت العقدين أو العقد ونصف من اقامتهم القسرية خارج تراب الوطن … هؤلاء المعارضين الذين نبذوا العنف أسلوبا للتغيير وتحملوا مشاق النفي بين قارات العالم وتجرعوا كأس المرارة وهم يرون أبناءهم يكبرون مع ألسنة غير ألسنتهم وينشأون بين ملل ونحل لاتعتقد مايعتقدون …-هذا مع غض الطرف عن ألوان من الاكراهات والعذابات الأخرى-, هؤلاء يستحقون من المسؤولين الحكوميين ومفوهيهم لفتة كريمة ترحب بهم في مطارات تونس ومدنها مع الاعتذار ولو بشكل مبطن عن حقبة أساءت للجميع وطنا وحكاما ومحكومين .. لاأظن أن تونس قيادة رسمية أو مؤسسات وطنية عاجزة عن ذلك في المدى الزمني القريب , ولا أظن أن من استقبل مواطنينا اليهود في نابل وجربة بتلك الحفاوة السياسية والاحتفاء الاعلامي والديبلوماسي .., لاأظنه عاجزا عن القيام بنفس الاستقبال للنخب التونسية المتوزعة في المنافي نتيجة مواقفها المعارضة أو أدائها السياسي في حقبة زمنية ما … انها فقط الارادة السياسية وتغليب المصلحة الوطنية العليا على غيرها من المصالح الايديولوجية أو السياسية الضيقة , ومتى توفرت هذه الارادة فلن يبقى في تونس سجين سياسي ولن يستثنى بقية التونسيين من « قداس جماعي » نحتفل فيه بكل أطيافنا وألواننا بخلو تونس من مصطلح الاعتقال أو النفي على أرضية سياسية أو دينية أو فكرية لاتتسع لها سماحة التونسيين والتونسيات. (*) رئيس تحرير صحيفة « الوسط التونسية » (المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » (اليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 22 أوت 2007)

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

حرية المعتقد و الضّمير

 
بقلم: علي العريض يصدر تصوّري لحريّة المعتقد و الضّمير عن قناعة مفادها تضافر قيم العقل و النّقل  في تأكيد حرية الإنسان في اختيار معتقده وما في  ضميره وهو ما تضمّنته تعاليم الإسلام ومقاصده وجاء به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ثم أكدته المواثيق والمعاهدات الدّوليّة لحقوق الإنسان باعتبارها خلاصة خبرة التاريخ . هذه المرجعيات التي يعضد بعضها بعضا في ترسيخ قيمة الحريّة لا باعتبارها حقّا من حقوق الإنسان فحسب بل باعتبارها شرطا تتوقّف عليه إنسانيّة الإنسان وكرامته ومنزلته في الوجود   . I واذا كان الاسلام قد جاء يذكر الانسان باصل وجوده وبالهدف منه ويوجه الحياة ويضفي عليها روحا ربانية الغاية انسانية المضمون فقد سما بمنزلة الانسان فكان : *  تكريمه من حيث هو إنسان أي باعتبار انتمائه إلى الآدميّة التي يشترك فيها جميع البشر ممّا يعني أنّ التّكريم متأصّل فيه ابتداءً قال تعالى(ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيبات وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا)الإسراء. * وتكريمه باعتباره خليفة للّه في الأرض سخّر له ما في السّماوات وما في الأرض وما بينهما وأرسل الرّسل وأنزل الوحي هدى وأمدّه بملكة العقل للتّدبّر في آيات الكون المشهودة وآيات الوحي المقروءة وتقرير اختياراته بحرية و مسؤولية . * تكليف الانسان امانة السير على منهاج الهدى للفوز في الدنيا والاخرة وتحميله مسؤولية اختياراته ضمن هذا التّصوّر تتنزّل حريّة المعتقد والضّمير وبالتالي رفض مشروعيّة أيّ إكراه فيها فقد قرّر الوحي بخطاب صريح أن  » لا إكراه في الدّين قد تبين الرشد من الغي  » بما يعنيه ذلك من بطلان الإكراه على الدِّين بسائر أنواعه ، لأنّ أمر الإيمان يجري على الاستدلال ، والتمكين من النّظر ، وبالاختيار . و قد أورد الرّازي في تفسير لهذه الآية   » أنه تعالى ما بنى أمر الإيمان على الإجبار والقسر ، وإنما بناه على التمكّن والاختيار  … وقال بعد ان عرض دلائل التوحيد: إنه لم يبق بعد إيضاح هذه الدلائل للكافر عذر في الإقامة على الكفر إلا أن يقسر على الإيمان ويجبر عليه ، وذلك ممّا لا يجوز في دار الدنيا التي هي دار الابتلاء ، إذ في القهر والإكراه على الدين بطلان معنى الابتلاء والامتحان . وفي هذا المعنى ترد ايات كثيرة منها قوله تعالى : { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] وقال في سورة أخرى { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأرض كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [الشعراء : 3 ، 4 ] وقوله تعالى } انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر{ وإضافة إلى رفضه الاكراه والسيطرة والفتنة في الدين فقد رفض الإسلام التقليد والانسياق الاتباعي واللاواعي وحمل على الطواغيط من الاساطير والخرافات والفراعنة وكيف يمكن لدين أن يدعو اتباعه الى التبشير به والدعوة اليه والتضحية من اجله اذا لم تكن دعوته قائمة على الحرّية والإقناع وكيف يصمد امام المتغيرات طوال هذه القرون ويزداد انتشاره لو اعتمد الإكراه بدل تحرير الإرادة لاسيما وقد طوى التاريخ نظريات ودولا قامت على أساسها في بضعة عقود وما سقوط المنظومة الشيوعية عنا ببعيد بسبب قيام دولها على الإكراه لا على الانخراط التلقائي الطوعي كما هو جوهر الإسلام. وقد تناول الكثير من القدامى والمحدثين أمر الردّة فميز بعضهم بين الردة الفكرية باعتبارها تتعلق بضمير الإنسان وبين ما يصاحب ذلك من ملابسات تتعلّق بما تعدّه الشّرائع والقوانين اعتداءً على الهيأة الاجتماعيّة والنّظام العام مثل الردّة  المصحوبة بالتمرّد أو حمل السّلاح في وجه المجموعة أو التّواطؤ مع قوى معادية فالمُجَرَّم فيها قانونا ليس تغيير المعتقد بل ما صاحبه من اعتداء على الحقوق والحرمات ورغبة في التّغيير بالقوّة لإرادة المجتمع الذي اختار شكل انتظامه القيمي او السّياسي أو القانوني.واعتبر هؤلاء ان الردة الفكرية المجردة لا عقوبة قانونية عليها اما عقوبتها الاخروية فهي اعظم من كل عقوبة كما نصت عليه الايات واما الردة الثانية فعقوبتها القانونية متعلقة بالجريمة المصاحبة لها ولم تعرف التّجربةُ التّاريخيّةُ الإسلاميّةُ ممارسة الاضطهاد الديني بل وسعت دار الإسلام غير المسلمين على اختلاف دياناتهم  فتعايش الاختلاف والتنوّع والجدل  بين المسلمين وشتّى الملل والنّحل والمذاهب حتّى من عُدّوا من الملاحدة وكثيرا ما كانت المساجد نفسها وبلاطات الأمراء تحتضن تلك المناظرات  وهو ما ساهم في نموّ علم الكلام والجدل والمناظرة. وبصفة عامة فان التسامح  والحريات الدينية  كانت أوسع بكثير في ديار الإسلام مما جعل منها ملجا للمضطهدين في دينهم من الملل الأخرى. II-بعض ما ورد في المواثيق الدّوليّة حول حرّيّة الضّمير والمعتقد في تعرضها لحرية العقيدة والضمير تفاوتت المواثيق الدولية في التفاصيل بالخصوص. الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان (اعتمد ونشر في 10/12/1948) المادّة 8: لكلّ شخص الحقّ في حرّيّة الفكر والوجدان والدّين ويشمل هذا الحقّ حرّيّته في تغيير دينه أو معتقده وحرّيّته في إظهار دينه أو معتقده… العهد الدّوليّ الخاصّ بالحقوق المدنيّة والسّياسيّة (صدر في 1966 وصار نافذا في 1976) المادّة 18: لكلّ إنسان حقّ في حرّيّة الفكر والوجدان والدّين ويشمل ذلك حرّيّته في أن يدين بدين ما وحرّيّته في اعتناق أيّ دين أو معتقد يختاره وحرّيّته في إظهار دينه أو معتقده بالتّعبّد وإقامة الشّعائر والممارسة والتّعليم بمفرده أو مع جماعة وأمام الملإ أو على حده لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخلّ بحرّيّته في أن يدين بدين أو بحرّيّته في اعتناق أيّ دين أو معتقد يختاره. لا يجوز إخضاع حرّيّة الإنسان في إظهار دينه أو معتقده إلاّ للقيود الّتي يفرضها القانون والّتي تكون ضروريّة لحماية السّلامة العامّة أو النظام العامّ أو الصّحّة العامّة أو الآداب العامّة أو حقوق الآخرين وحرّيّاتهم الأساسيّة. اعلان الامم المتحدة 25 نوفمبر 1981 المادة 1: لا يجوز تعريض احد لقسر من حريته في ان يكون له دين او معتقد من اختياره لا يجوز اخضاع حرية المرء في اضهار دينه او معتقداته الالما قد يفرضه القانون من حدود تكون ضرورية لحماية الامن العام او النظام العام او الصحة العامة او الاخلاق العامة او حقوق الاخرين وحرياتهم الاساسية المادّة 3: يشكّل التّمييز بين البشر على أساس الدّين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانيّة وإنكارا لمبادئ ميثاق الأمم المتّحدة الميثاق العربي لحقوق الانسان اعتمد بموجب قرار الجامعة العربية15.9.1987 المادة 26: حرية العقيدة والفكر والراي مكفولة لكل فرد وتنص المادة 27 على حرية ممارسة الشعائر الدينية والتعبير عن الافكار…دون اخلال بحقوق الاخرين.{ولا يجوز فرض اية قيود على ممارسة حرية العقيدة والفكر والراي الا بما نص عليه القانون} الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب 1981 المادة 8: حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة ولا يجوز تعريض احد لاجرات تقيد ممارسة هذه الحريات مع مراعاة القانون والنظام العام اعلان القاهرة لحقوق الانسان في الاسلام (1990) المادّة 1: البشر جميعا أسرة واحدة جمعت بينهم العبوديّة لله والبنوّة لآدم وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف والمسؤوليّة دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللّون أو الجنس أو المعتقد الدّينيّ أو الإنتماء السّياسيّ أو الوضع الاجتماعي أو غير ذلك من الاعتبارات. إنّ العقيدة الصّحيحة هي الضّمان لنموّ هذه الكرامة على طريق تكامل الإنسان. III في الدستور التونسيّ الفصل 5: تضمن الجمهوريّة التّونسيّة الحرّيّات الأساسيّة في كونيّتها وشموليّتها وتكاملها وترابطها. تقوم الجمهوريّة التّونسيّة على مبادئ دولة القانون و التّعدّدية وتعمل من أجل كرامة الإنسان وتنمية شخصيّته. الجمهوريّة التّونسيّة تضمن حرمة الفرد وحرّيّة المعتقد وتحمي حرّيّة القيام بالشّعائر الدّينيّة ما لم تخلّ بالأمن العامّ ورغم ذلك فإنّ المنشور 108 الّذي تعدّ ضحاياه بالآلاف منذ صدوره سنة        مازال ساري المفعول رغم أنّه مناقض للدّستور وللمواثيق الدّوليّة. وقد قضت المحكمة الإداريّة بلا دستوريّته. IV إن احترام حقّ النّاس في حريّة اختيار معتقداتهم وما في ضمائرهم يصدر عن اعتبار الحرّيّة قيمة إسلاميّة عظمى ومقصدا شرعيّا في مرتبة عليا وقد عدها الشّيخ راشد الغنّوشي أفضل نعمة بعد الهداية وطريقا إليها كما يصدر عن اعتبار حقوق الإنسان الأساسيّة الواردة في المعاهدات والمواثيق الدّوليّة والمعبّرة عن رصيد الخبرة الإنسانيّة تلتقي مع تعاليم الإسلام ومقاصده ولا تناقضها. إنه لا تناقض حتمي بين احترام الخصوصيّة ومبدأ عالميّة حقوق الإنسان فإذا كان الإسلام يدعو إلى إرساء ثوابت قيميّة على مستوى البشريّة جمعاء أساسها الكرامة البشريّة الجامعة  كما أكّدها الذّكر الحكيم وهو لذلك عالمي بامتياز فإنّ العالميّة لا تعني التّنميط وإنّما استيعاب التّنوّع واحترامه وهي تختلف مع العولمة التي اختلطت بالهيمنة وإذابة الفروق وفي هذا الإطار فإنّ أيّ منظومة تشريعيّة لا بدّ أن تعكس الإرادة العامّة والحرّة للمجتمع بعيدا عن كل إكراه لذلك نعلّق أملا كبيرا على التّفاعل الحيوي البنّاء بين ثقافة منظومة حقوق الإنسان العالميّة والثّقافة العربيّة الإسلاميّة في ظلّ مجتمع مؤسّس على مبادئ حقوق الإنسان وحرّيّة اختيارها بمنأى عن كلّ ضغط أو وصاية. ومع الإيمان والالتزام بقيم حقوق الإنسان وعالميّتها فإنّها على مستوى ترجمتها إلى الواقع التّشريعي مفتوحة على إمكانات واجتهادات متعدّدة. من ناحية أخرى يجدر التأكيد على أنّ المسائل المتعلّقة بالخيارات الفكريّة والمعرفيّة والثّقافيّة والأذواق مجالها الحراك الطّوعي للمجتمع والتّدافع الثّقافيّ والفكريّ بين مكوّناته نخبا وأحزابا وجمعيّات وهيئات ومؤسّسات وليس مجالها تدخّل السلطة والقانون فالدّيمقراطيّة تقتضي أقلّ ما يمكن من التّحكّم من قبل الدّولة والحرّيّة هي التي تضمن للأفراد اختيار ما يرونه معبّرا عن ذواتهم من عقائد وقيم وتضمن حقّ المجتمع في إدارة الحوار بين مكوّناته مهما اختلفت فليس من مهام السلطة التدخل لفرض تصورات واجتهادات على الناس وإنما مهمتها تدبير الشأن العام في إطار احترام القيم العامة للمجتمع واحترام عقيدة مواطنيها. هذا التّصوّر يتحقّق في ظلّ مجتمع يسوسه نظام ديمقراطي يقوم على عدم الفصل بين الحريّة والمواطنة بكل ما تعنيه من ضمان كل الحريات والحقوق والمساواة فيها وفي الواجبات  وفق ما يقرّه المجتمع من قوانين هي بدورها قابلة للتّعديل  كلّما تطوّر وعي المجتمع بالحريّات والحقوق ونضاله من أجلها وكلّما ازداد تطوّره الاقتصاديّ والاجتماعيّ إذ الحرية والحقوق في المجتمع الديمقراطي تتسع باطراد. ختاما أؤكد على : – اعتبار حقوق الإنسان الأساسيّة الفردية والجماعية ومنها حرّيّة العقيدة والضّمير لا وطن لها وإنّما وطنها العالم كلّه كما نعتبر ان لها مكانها في تعاليم الاسلام ومقاصده. – اعتبار الإنتماء للوطن هو الأساس الذي تقام عليه الحقوق والواجبات على اعتبار أنّ الجميع مشارك في بنائه وحمايته. – اعتبار تطوّر الشّعب التّونسيّ لا ينفصل عن مرجعيّته الحضاريّة العربيّة الإسلاميّة وكل إصلاح ينبغي أن يأخذ هذه الحقيقة التاريخية في مضمونه ونسقه. – اعتباران الديمقراطية مسار لا كينونة وان الشعب لا يحكم إلا بما يرتضيه وذلك من جوهر الديمقراطية. 29 جوان 2007

مختصر في تاريخ الحركة الطلابية في تونس

** الحركة الطلابية – طبيعتها ودورها

 
بقلم: أبو الولــيـد – مناضل طلابي سابق
إن تحديد مفهوم الحركة الطلابية يبدأ بالحديث عن الجامعة التي ارتبطت بها الحركة الطلابية ارتباطا وثيقا باعتبارها تمثل الحيز الموضوعي الذي نشأت فيه وتطورت بمقتضى تطورها إلا أن الجامعة تمثل مؤسسة تعليمية ثقافية يمثل فيها الطلبة طرفا ضمن بقية الأطراف أما الحركة الطلابية فهي حركة اجتماعية تحررية رافضة وليدة عدة تناقضات يعيشها المجتمع تمتلك موقعا وموقفا ودرجة من التماسك يضمن لها وحدة الفعل وشمولية الموقف. فالحركة الطلابية بحكم نشأتها ضمن قطاع التعليم وما يعنيه دلك من كونها خارجة ومهمشة عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية لن تكون إلا خارج مركز القرار السياسي وهذه النشأة يتاح لها تحصيلا علميا ثقافيا معرفيا ييسر لها استشفاف الواقع وكشفه وفهم متطلباته ، لذلك كانت الحركة الطلابية تتميز بحرية المبادرة والفعل ذلك أنها غير خاضعة كليا لأسر العلاقات الاجتماعية بحكم شبابيتها أي تقلص التزاماتها الاجتماعية وبحكم مباشرتها للمعرفة وحصول عملية التثاقف. إن هذا الموقع الذي تتموقع فيه الحركة الطلابية والفاقدة بمقتضاه للقرار السياسي والمهمشة أيضا عن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية تجعل للحركة الطلابية موقفا من الواقع الاجتماعي يمتاز بالرفض والنقد إذ أنها ترفض هذا الواقع بما هو معطى اجتماعي وثقافي وسياسي ساهمت في إرساءه السلطة وكرسته كممارسة واختيارات وهذا الرفض الذي تتميز به الحركة الطلابية ليس رفضا عفويا ومجرد ردود أفعال عفوية مشتتة بل هو رفض واع ومبد ئي يؤسس الحركة الطلابية ويعطيها مشروعية التواجد والنشأة ويكون نتيجة تقييم الواقع وفهمه في ضوء الزاد المعرفي الذي تتمتع به ، لذلك كان تاريخ الحركات الطلابية وتراثها تاريخ وتراث تجاربها النضالية ومحاولة إحرازها على مواقع متقدمة يتخلى بالمقابل عنها الواقع العقيم بما هو اختيار السلطة وميدان تجاربه . إن ذلك يرسم بكل وضوح أن الممارسة النضالية للحركة الطلابية ما كانت لتكون على تلك الصفة لولا وقوف هذه الحركات موقف الرفض والنقد للاختيارات التي كانت تسير المجتمع وتحدد بنيته وتحاول إعادة إنتاجه بعلاقاته الجائرة والمتخلفة. إن رفض الحركة الطلابية بما هو تحرك لها لا يتم انطلاقا من موقعها الاقتصادي كقوة غير منتجة أو كفئة لها طموحات بورجوازية , أي ليس المحدد في رفضها قاعدتها المادية الظرفية وإنما هو مخزونها المعرفي والفكري الذي يسهم بقسط كبير في تحديد وعيها الثوري هذا ويزكي إيمانها بعدالة قضيتها وبذلك تكون جزءا من كل في حركة واحدة من أجل إقامة مجتمع العدل والكرامة والحرية وهي بدلك تجد نفسها في خندق واحد مع قوى المجتمع التي تنشد التغيير . إن الحركة الطلابية انطلاقا من موقعها وبناءا على موقفها المتسم بالرفض لا بد لها لتجسم فعلها وإرادتها أن تكون متمتعة بحد أدنى من التوجهات العامة والمبادئ الكبرى حتى تضمن كلية الفعل وترابطه وتماسكه , فالطلبة كقطاع لا تنشأ بينهم حركة طلابية إلا إذا كان فعل الطلاب وتحركهم يرتكز على مبادئ عامة وأرضية مشتركة تخرج الفعل الطلابي من كونه فعلا فرديا لتؤطره ضمن حركة ا جماعية متماسكة . لذلك ولضمان الوحدة والفاعلية والترابط تسعى الحركة الطلابية دوما لإيجاد الأشكال المختلفة للتنظم والتماسك بما هي ضمانات نحو المزيد من الفاعلية في التحرك والفعل والمبادرة . إن الحركة الطلابية اليوم وخصوصا في المجتمعات التابعة لا زالت تمثل القوة الرافضة في أجلى مظاهرها , ذلك أنها تمثل القوة الواعية والمناضلة في سبيل التغيير عبر القطع مع التخلف وتحقيق العدل الاجتماعي والخروج من دائرة التسلط والهيمنة فهي التي لا تهادن الواقع بل تهدف إلى إحداث التغيير النوعي فيه ولقد لعبت الحركة الطلابية في تونس وعبر مسيرتها النضالية هدا الدور وجسدته حتى في أدق الفترات وأحرجها مما جعلها بحق حركة رافضة ولم تقف خصوصيات الواقع الطلابي جدارا يفصل بينها وبين الشعب وقضاياه بل جعلتها أكثر حساسية ويقظة فالتحمت بذلك في مسيرة النضال وعمقت التحامها به كان ذلك في فترة التحرر الوطني ومع دولة التحديث ولا زال مستمرا إلى اليوم برغم صعوبة الظرف وكثرة القمع المسلط على الجامعة. إن الحركة الطلابية اليوم مدعوة أكثر من أي وقت مضى لتنظيم نفسها وتبوء مكانتها الطبيعية ضمن مهامها التاريخية الملقاة عل عاتقها حتى تجسد بذلك معارضتها ورفضها الواعي لكل أشكال إنتاج أو إعادة إنتاج مجتمع مفكك ومشوه تحكمه العلاقات الاستغلالية والسلطوية الجائرة وتسوده الثقافة الأسطورية والتغريبية المهيمنة حتى تجسد مساهمتها في بلورة المشروع الثقافي البديل وتغيير نظام العلاقات السائدة وبذلك تعلن انحيازها الواعي والمسؤول للقوى الرافضة في المجتمع والطامحة للتحرر والانعتاق وإنهاء استغلال الإنسان للإنسان وتحريره من قيود الجهل والظلم والاستبداد … ** الحركة الطلابية في تونس بين النشأة والمسيرة الجامعة الزيتونية ونشأة الحركة الطلابية قبل أن تنشأ الجامعة الحديثة بتونس بعد مرحلة الاستقلال كان جامع الزيتونة يشرف على جميع مؤسسات التعليم التقليدية بالبلاد بمستوياتها المختلفة وانتشرت فروعه في أغلب مناطق البلاد حيث تقوم بتأهيل الناجحين منهم للالتحاق بالجامعة الزيتونية بالعاصمة وفروعها بالوسط والجنوب وكان الجامع يمنح لتلاميذه وطلبته شهائد تخرجهم في جميع مستويات التعليم ، ومن جامعة الزيتونة كان يتخرج المعلمون والأساتذة والدعاة والقضاة والعلماء كما تعتبر جامعة الزيتونة أقدم وأعرق جامعة تأسست بالعالم الإسلامي حيث يعود بناؤها إلى فترة الفتح الإسلامي لشمال إفريقيا واليها كان يشد الرحال لطلب العلم من مشرق العالم الإسلامي إلى مغربه . ولقرون طويلة كان الجامع يتصدى لمهمة التدريس لكل ما تعلق بالأدب واللغة والتشريع من فقه وأصول وحديث وكل ما اتصل من علوم بفهم الإسلام وأصوله وتطوير الاجتهاد ونشر الدعوة وقد كانت مسيرته حافلة بما تركه علماؤه قديما وحديثا من بصمات في الفقه والأصول والتفسير فمنه تخرج العلامة ابن خلدون والإمام ابن عرفة وغيرهم من كبار العلماء وحديثا أدركنا نخبة من علماء الزيتونة يعدون من كبار علماء العصر في المجال الشرعي مثل الشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي قام بتطوير علم أصول الفقه والشيخ الخذر الذي تولى إمامة جامع الأزهر والشيخ محمد الفاضل بن عاشور والشيخ عبد العزيز جعيط والشيخ محمد صالح النفير والكثير من العلماء المشهود بفضلهم وكفاءتهم . والى جانب دوره العلمي فقد تحمل جامع الزيتونة مسؤوليته الوطنية في مواجهة الاستعمار والدفاع عن الوطن والشعب والمحافظة على هوية البلاد وساهم علماؤه وطلبته بالقسط الأوفر من العمل على نيل الاستقلال عبر قيادة الجهاد المسلح ضد الاستعمار والمظاهرات وحملات التوعية والعمل السياسي الذي كان من أكبر قادته الشيخ عبد العزيز الثعالبي وقد عمل جامع الزيتونة على المحافظة على استقلاله في فتاويه ومناهج تدريسه عن سلطة الحكام عبر إيجاده آلية للتمويل الذاتي تجعله بعيدا عن الارتهان لأي جهة قد ترى لنفسها الفضل عليه فاعتمد ما يسمى بنظام الأحباس وهو حبس عقارات وأموال ومؤسسات لحساب الجامع إلى جانب ما يتبرع به الخيرون من أبناء الشعب . وسط الجامعة الزيتونية بالعاصمة وداخل الوسط الطلابي تأسست – لجنة صوت الطالب- الزيتوني لتعبر عن نفسها كأول حركة نقابية بالجامعة التونسية لتحقق طموح الطلبة آنذاك في التنظم والفعل والدفاع عن حقوقهم والعمل على تطوير مناهج التعليم بالجامعة ومؤازرة الحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار، فالجامعة الزيتونية مثل كل الجامعات التقليدية كانت في أمس الحاجة إلى عملية تحديث وتطوير لبرامج تدريسها ومناهجها لتشمل العلوم الحديثة ولقد ساهمت لجنة صوت الطالب الزيتوني في دفع الإدارة إلى إدخال جزء من هذه الإصلاحات على مناهج التعليم الزيتوني في نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات وسعت الجامعة بمقتضاها تدريس الرياضيات والفيزياء والكيمياء . والى جانب انشغالها بهموم الطلبة المعيشية والتعليمية فقد قادت لجنة صوت الطالب الزيتوني حملات التوعية والمظاهرات وتجنيد الطلبة والشباب للالتحاق بالعمل المسلح ضد الاستعمار مما جعل أعضاءها عرضة للاعتقالات والمطاردة من طرف الاستعمار ومحاولات الاحتواء والتصفية من طرف ميليشيات الحزب الحر الدستوري الذي كان يتزعمه الحبيب بورقيبة في إطار سياسة ضرب الحركة الطلابية ممثلة في لجنة صوت الطالب الزيتوني وضرب كل خصومه السياسيين في معركته من أجل فرض الحكم الذاتي على الأطراف الوطنية عبر التفاوض مع المستعمر. وأمام فشل سياسة الاحتواء واستعصاء خصومه بالجامعة الزيتونية عمد الحزب الدستوري إلى بعث ما سمي بالاتحاد العام لطلبة تونس بفرنسا سنة 1952 على يد منصور معلى. ولئن حظي هذا الاتحاد باعتراف المستعمر فانه لم يحض باعتراف الطلاب في تونس ويفسر هذا الرفض بتوجه الاتحاد المساند لسياسة الحزب الدستوري قبل الاستقلال وبعد مسكه بزمام السلطة بالبلاد ويظهر ذلك بوضوح في مواقفه ومقرراته التي أصدرها عبر بياناته ولوائحه كما أن هذه السياسة التي انتهجها حزب بورقيبة في التعامل مع خصومه السياسيين عبر التصفية وإيجاد المؤسسات الموازية ظلت من ثوابت هذا الحزب قبل حصوله على السلطة وطوال خمسين سنة من ممارسته لها . مرحلة الاستقلال وتصفية الجامعة الزيتونية عرفت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تحولات كبيرة لصالح تصفية الاستعمار المباشر دفع الرئيس الأمريكي آنذاك في اتجاهها وآزره توجه الدول الأوروبية المتصدرة لاستعمار الشعوب كفرنسا وبريطانيا إلى إعادة بناء نفسها بعد خروجها منهكة من الحرب العالمية الثانية, وقد حرصت فرنسا قبل خروج جيوشها من المستعمرات على تسليم السلطة فيها إلى نخب درست وتكونت بجامعاتها وتأثرت بثقافتها بعد مفاوضات تضمن حماية مصالحها وثقافتها من بعدها , ولقد صنعت فرنسا في هذا الإطار وفي تلك المرحلة أغلب زعامات مستعمراتها في القارة الإفريقية . ومن ضمن هذه الزعامات المفتونة بفرنسا جاء الحبيب بورقيبة كأول رئيس للبلاد . كان بورقيبة شديد التأثر بالحضارة الغربية وبتجربة الزعيم التركي كمال أتاتورك الذي أزاح الخلافة الإسلامية في تركيا سنة 1924 كما كان بورقيبة لائكيا متطرفا بدأ أولى خطواته في السلطة بغلق الجامعة الزيتونية وفروعها وحرمان خريجيها من حق الوظيفة والمناصب بالدولة الحديثة التي جعلها حكرا على خريجي المدارس الفرنسية إلا من دان له بالولاء وسجن الكثير منهم وشرد البقية إلى مصر وسوريا والجزائر وعدة دول عربية أخرى . كانت سنة 1956 تاريخ إعلان بورقيبة وحزبه إلغاء الجامعة الزيتونية وغلقها إلا أن عملية الغلق النهائي للجامعة وكل فروعها كانت تدريجية وتواصلت إلى سنة 1959 . لقد كانت الغاية من وراء غلق الجامعة الزيتونية مزدوجة أولها ضرب الحركة الطلابية في مرحلة أولى وهي القلعة التي استعصى على الحزب اختراقها أو ضمها إليه والتمهيد لسياسة تعليمية جديدة تتسق مع توجهات النظام السياسي الجديد وثانيها خشية بورقيبة الشديدة من وجود زعامات شعبية وعلماء بالبلاد يؤمنون بدور الإسلام في بناء الدولة وقيادة المجتمع فقام بهذه الخطوة لقطع الطريق على الزيتونة وخريجيها من أن يكونوا حجر عثرة أمام مشروعه التغريبي للبلاد , لقد أراد بورقيبة أن يوفر ظروفا ملائمة ليجعل من تونس نسخة من فرنسا فقد كان يرى أن الإسلام وتراث المسلمين لا يملكان القدرة على إنتاج حداثة وإحداث تقدم وحضارة في العصر الحديث ولذلك كان قراره أن يبقى الدين مجرد شعائر للعبادة وإيمانا محله القلب وقد شمل هذا الخيار كل مناحي الإدارة والتعليم والقضاء والسياسة والاقتصاد . الجامعة الحديثة بين توجهات السلطة وإفرازات الواقع لئن كانت حاجة البلاد ملحة في بناء جامعة حديثة تستوعب التطور النوعي لمجالات كثير ة من العلوم تعد ضرورية لبناء نهضة المجتمع في جميع المجالات تواكب التطورات التي حدثت في المجتمعات الغربية فان غلق الجامعة الزيتونية لم يكن له تبرير منطقي, فوجودها لا يتعارض مع توسيع دائرة العلوم بالجامعة وكان بالإمكان إدماجها باعتبارها مؤسسة تعنى باختصاصات العلوم الشرعية لتصبح جزءا من الجامعة الحديثة مثلما فعلت مصر مع جامعة الأزهر وتجارب الدول الإسلامية في تعاملها مع مؤسسات التعليم الديني بعد حصولها على الاستقلال , كما كان بالإمكان البحث في تطوير مناهجها وإدخال الإصلاحات الضرورية عليها وهو مطلب كان مطروحا داخل الجامعة نفسها , إلا أن خيار الغلق كان قرارا محسوما عند بورقيبة حتى قبل وصوله للسلطة. وسط هذا التوجه للدولة بالبلاد تأسست الجامعة التونسية الحديثة على أنقاض الجامعة الزيتونية في نهاية الخمسينات وبداية الستينات لإرساء سياسة تعليمية جديدة تتسق مع توجهات النظام السياسي الجديد وتجلى ذلك في مشروع إصلاح التعليم الذي قدمه محمود المسعدي وزير التربية سنة 1958 . ظهرت الجامعة الوليدة نسخة من الجامعات الفرنسية في برامجها ومناهجها ولغة تدريسها ولم تكن حاجة النظام الجديد للاستعانة بالخبرات الفرنسية في بداية بناء الدولة هي الضرورة التي ألجأته مرحليا إلى هذا التوجه بل كان خيارا لبورقيبة ونظامه بدليل المواصلة في هذا التوجه التغريبي حتى بعد امتلاك القدرة على إصلاح منظومة التعليم بما يخدم المصلحة الوطنية وينسجم مع هوية البلاد . الجامعة التونسية الوليدة لم تكن لتنأى بنفسها عن تأثيرات محيطها الدولي فتأثرت بالصراعات الدولية القائمة آنذاك وبالتحولات الكبيرة التي شهدها المحيط العربي والإسلامي والدولي , لقد كان المد الشيوعي بأفكاره ونظرياته وأطروحاته يكتسح مناطق عديدة من العالم ويؤجج صراعات كثيرة فكرية وسياسية وعسكرية وكانت جامعات العالم إحدى هذه المناطق التي اكتسحها المد الشيوعي بما فيها الجامعات الغربية معقل النظام الرأسمالي ذاته , والجامعة التونسية لم تكن نشازا فقد تأثرت بالأفكار الجديدة الواردة من الاتحاد السوفييتي والصين وأوروبا الشرقية وبدأت تظهر بها تيارات شيوعية مختلفة توحدها المبادئ العامة وتفرقها التفاصيل , فالتيار الشيوعي بالوسط الطلابي لم يكن متجانسا ولا موحدا بل كان يعكس صورة الاختلافات القائمة في المعسكر الشيوعي بين المراجع الأساسية للنظرية الشيوعية وواضعيها مثل كارل ماركس وفريد يريك أنقلز وفيورباخ وغيرهم وواضعي التعديلات من زعماء الحركة الاشتراكية مثل لينين وستالين وماوتسيتونغ وأنور خوجة وغيرهم والاختلافات القائمة بين هؤلاء الزعماء أنفسهم لاختلاف بيئة تنزيل النظرية والاجتهاد في تطبيقها.; إلا أن هذه الاختلافات كانت سياسية بالأساس ولم تكن تطال الأصول النظرية للشيوعية ونشأت بين زعماء حاولوا إنزال النظرية إلى الممارسة في بناء الدولة الاشتراكية لذلك كان موقفهم موحدا من الدين باعتباره عندهم – أفيون الشعوب – حسب تعريف كارل ماركس . وتبعا لذلك كانت فصائل اليسار بالجامعة التونسية موحدة في نظرتها وتعاملها مع الإسلام واعتبروه في أدبياتهم خرافة يتعين محاربتها ونعتوا أتباعه بالرجعية والتخلف والجهل فكانت محاربة الإسلام نظريا ومظاهر التدين والمتدينين عمليا من المهام الأساسية التي تبنتها ومارستها هذه التيارات داخل الجامعة في مرحلة الستينات . لكن رغم التقاء اليسار بالجامعة وخارجها مع بورقيبة في لائكيته وقناعته بإبعاد الدين عن الدولة ومجال الحياة العامة فقد كانت هذه النخب متحمسة لخيارات راديكالية داخل المعسكر الاشتراكي ولذلك ظلت خارجة عن نفوذ السلطة وأدخلت للجامعة التونسية الحديثة تقاليد في العمل السياسي المعارض . وفشل بورقيبة في إخضاع الجامعة كليا لسلطته ونفوذ حزبه كما فشل قبلها في إخضاع الحركة الطلابية بالجامعة الزيتونية . ورغم تحول الجامعة في ظل سيطرة التيارات اليسارية عليها إلى منطقة متمردة عن سلطة بورقيبة إلا أن هذه التيارات ظلت ضعيفة متشرذمة واحتكرت لنفسها الحق في العمل السياسي دون غيرها واجتهدت في إقصاء كل من يحاول التعبير عن نفسه خارج مرجعيتها.وكانت كتلة آفاق اليسارية بالجامعة في تلك الفترة من أهم التشكيلات السياسية اليسارية والتي كان لها دورا مميزا في آخر حكم بورقيبة وفترة حكم بن علي في دفع السلطة نحو المواجهة الشاملة مع الاسلاميين وهيمنوا على الحياة الثقافية بالبلاد في ظل اقصاء وضرب الطرف الإسلامي وعملوا مع السلطة على محاولة تجفيف منابع التدين بالبلاد وقد تقلد العديد منهم عدة وزارات ومستشارين لبورقيبة وبن علي ومنهم الصادق شعبان ومحمد الشرفي ومنصر رويسي وعبد العزيز بن ضياء … .أزمة التمثيل النقابي بالجامعة التونسية أما على المستوى النقابي فان التجربة النقابية بالجامعة التونسية كانت مبكرة إذا قسناها بالجامعات في الوطن العربي فقد خاض طلبة الجامعة الزيتونية منذ الأربعينات تحركات متعددة من أجل تحسين ظروفهم المادية والتعليمية أو للتحسيس بوضعيتهم المتردية إلا أن تحركاتهم اصطبغت بصبغة عفوية ومطلبيه بحتة إلى أن تأسست لجنة صوت الطالب الزيتوني وسط ظروف ملحة دفعت إلى هذا الانجاز منها توسع جامعة الزيتونة وفروعها والنمو المتزايد لعدد طلبتها حيث بلغ خمسة عشر ألفا بين سنوات 1945 و 1950 إضافة إلى نضج الوعي السياسي والنقابي ومحدودية فاعلية العمل العفوي وتصاعد الكفاح المسلح داخل الحركة الوطنية . هذه التجربة النقابية التي كانت نابعة من إرادة الطلبة وداخل الجامعة التونسية وقعت تصفيتها مع تصفية الجامعة الزيتونية وأما الاتحاد العام لطلبة تونس فقد أنشأه الحزب الدستوري أي حزب بورقيبة سنة 1952 في فرنسا على يد منصور معلى بعيدا عن الجامعة التونسية وعن جموع الطلبة وإرادتهم مما يجعل نشأته محاطة بغموض كبير خاصة عندما سارع الاستعمار للاعتراف به منذ الإعلان عنه في الوقت الذي يطارد فيه هذا المستعمر مناضلي صوت الطالب الزيتوني ويقوم بتصفيتهم كما أن هذا الاتحاد فاقد لشرعية التمثيل منذ نشأته لأن الأصل أن ينشأ من يمثل الطلبة داخلهم وبإرادتهم واختيارهم وليس في جامعات غير جامعاتهم وبلد غير بلدهم وإرادة غير إرادتهم فبقي هذا الاتحاد هيكلا صوريا يحضى باعتراف المستعمر واعتراف السلطة بعد الاستقلال ولم يحظ باعتراف الطلاب في تونس باستثناء الشيوعيين لذلك كان الرصيد الطلابي لهذا الهيكل هزيلا, وكان حضوره قويا عبر وسائل الإعلام ضعيفا لدى الطلبة بغيضا إلى نفوسهم كغيره من المنظمات الرسمية في البلاد . ولم يكن الشيوعيون يتحرجون من العمل مع طلبة الحزب الدستوري داخل الاتحاد العام لطلبة تونس بل كانوا يأملون في افتكاكه وغابت عنهم طبيعة التوجه الأحادي الاقصائي لدى الحزب الحاكم . لقد كانت سنة 1971 بالنسبة للتيارات اليسارية التي راهنت على العمل داخل الاتحاد العام لطلبة تونس و افتكاكه من الحزب الحاكم سنة اكتشاف للطبيعة الحقيقية لشريكهم في الاتحاد فقد عمد الحزب الحاكم في المؤتمر الثامن عشر للاتحاد بقربة إلى السيطرة على المؤتمر بميليشياته وتنصيب قيادة تابعة له بالقوة مما دفع التيارات اليسارية إلى اعتبار المؤتمر باطلا ونصبت بدورها ما أسمته بالهياكل النقابية المؤقتة إلى حين توفر الظروف الملائمة لانجاز المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة بديلا لمؤتمر قربة إلا أن هذه الحادثة مثلت فعليا نهاية الاتحاد العام لطلبة تونس من الجامعة التونسية , وظل المؤتمر المراد عقده معلقا لعقدين من الزمن دون انجاز وبقي اليسار يتصارع على تنصيب ما يسميه بالهياكل النقابية المؤقتة مما زاد في تعميق الاختلافات والتشرذم داخل صفوفه . وعلى رغم غياب الأداة النقابية المؤطرة بالجامعة التونسية فقد تواصلت نضالات الطلاب وتحركاتهم لعل أهمها التحركات التي سجلت سنة 1967 التي أعقبت هزيمة الجيوش العربية في الحرب مع إسرائيل . لكن الحاجة كانت ملحة لوجود هيكل نقابي يمثل الطلبة تمثيلا حقيقيا ويوحد جهودهم في الدفاع عن مصالحهم. نهاية الستينات وبداية التحولات الكبرى بالجامعة التونسية ظلت التيارات اليسارية تسيطر على الجامعة طيلة فترة الستينات , إلا أن تواجدها بالمؤسسات الجامعية ذات الاختصاصات العلمية كان ضعيفا قياسا مع تواجدها بكليات الآداب والحقوق وكان التواجد الإسلامي ضعيفا لافتقاده للأداة التنظيمية والطموح السياسي وواجهه اليسار بالإقصاء وعدم القبول , وقد مثلت السنوات الأخيرة من الستينات بداية تحول للخارطة السياسية بالجامعة مع ظهور التيارات القومية والتيار الإسلامي في خطواتها الأولى للبحث عن مكان لها بالجامعة , ولم يكن واقع الجامعة وخريطتها السياسية بمعزل عن محيطها الدولي والعربي فكما ساهم المد الشيوعي وظروف الصراع الدولي في وجود وتنامي التيارات اليسارية بالجامعة فقد ساهم تأجج الصراع العربي الإسرائيلي والتحولات السياسية داخل الوطن العربي بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي قادها القوميون في العديد من البلدان العربية في ظهور التيارات القومية بالجامعة , إلا أن هذه التيارات التي جمعها التبشير بالوحدة العربية فرقتها الولاءات لأنظمة عربية مختلفة في الرؤية والبرامج مما جعل طموحها في تغيير الخارطة السياسية بالجامعة ضعيفا. أما التيار الإسلامي فقد بدأ أولى خطواته بالجامعة في البحث عن نشر وتعميق ظاهرة التدين وتعميق الولاء للإسلام دون حرص كبير منه على امتلاك أو طرح مشروع سياسي يعبر عن ذاته. إلا أن هذا التيار بدأ يتنامى تناغما مع صحوة بدأت تظهر بالبلاد فقد ظهرت الجماعة الإسلامية في تونس في أواخر الستينات وسط مناخ اتسم بأوج نجاح سياسة الرئيس بورقيبة في تغريب البلاد فانتشرت مظاهر العراء والانهيار الأخلاقي وخلت المساجد من روادها إلا من شيوخ في أرذل العمر وقد شجع هذا المناخ بورقيبة على التجرؤ على الإسلام علنا في مناسبات عديدة , ولم يكن يحسب أن سياساته المستفزة للشعور الإسلامي ستكون الدافع نحو تبلور صحوة إسلامية متجذرة تدافع عن الإسلام وتتبناه مرجعية في كل مناحي الحياة . لكن ظهور هذه الحركة في تلك الظروف جعل اهتمامها أساسا يتركز على محاولة إصلاح ما أفسده بورقيبة والاستعمار وعصور الانحطاط من انحرافات عديدة في معتقدات الناس وأخلاقهم وعاداتهم والتوجه إلى الدعوة للفهم الصحيح للإسلام وترسيخ التدين في المجتمع . ولئن كانت نهاية الستينات مرحلة إعلان الاسلاميين عن وجودهم بالجامعة فقد مثلت فترة السبعينات مرحلة النضال من أجل تثبيت هذا الوجود ومرحلة التطور التدريجي في الاهتمامات ونوعية الخطاب والتوجهات ومحاولة فرض حقهم في التعبير عن أنفسهم في الاجتماعات الطلابية والمعلقات وتوسيع اتصالهم بالطلبة للتعريف بأنفسهم والدعوة لأفكارهم وواجه اليسار هذا التيار الجديد بالعصي والسلاسل لمنعه بالقوة من حقه في التواجد بالجامعة وحقه في التكلم في الاجتماعات وتعليق كتاباته للطلبة إلا أن هذا التوجه نحو التصفية من طرف الفصائل اليسارية لم يحقق أهدافهم في طرد الاسلاميين من الجامعة وواجهه الإسلاميون بإصرار كبير على التواجد بكل ثمن مما زاد في اقتناع الطلبة بآرائهم والالتفاف حولهم ومهد المناخ لصعودهم وبداية نهاية نفوذ اليسار في الوسط الطلابي . نجح الإسلاميون في استثمار عشرية السبعينات لتوسيع ظاهرة التدين بالبلاد كما نجحوا في تطوير خطابهم الدعوي البسيط إلى خطاب سياسي ناضج يبشر ببديل إسلامي قادر على بناء المجتمع والدولة . وبدأ الخطاب الإسلامي في الجامعة يطرح مشروع التنظم الطلابي وإرساء أسس جديدة للتعايش السياسي بين كل الأطراف في الجامعة, ولقد كان لنجاح الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 تأثيرا كبيرا على مجمل الحركات الإسلامية في العالم وزاد في ثقتها في حتمية نجاح خياراتها والتفاف الشعوب حولها وكان لهذا الدفع المعنوي الكبير صداه على مستوى الخطاب الإسلامي بالجامعة والبلاد . وكما ساهم نجاح الثورة الايرانية في ترسيخ الثقة لدى الحركات الإسلامية في إمكانية نجاح مشروعها في التغيير فقد ساهم نجاحها أيضا في تزايد خوف الأنظمة العربية من هذه الحركات وخاصة نظام بورقيبة الذي قرر استئصال الحركة الإسلامية عبر الخيار الأمني سنة 1981 فشن حملة اعتقالات سياسية واسعة ونصب المحاكم العسكرية والمدنية للانتقام من الاسلاميين عبر إصدار أحكام انتقامية طويلة لرموزها وأبنائها في محاكمات تاريخية أضرت بصمعته وعرفت بالإسلاميين داخل البلاد وخارجها وجلبت لهم تعاطفا شعبيا كبيرا فجاءت سياسة المحاكمات والخيار الأمني بنتائج معاكسة لما رغب فيه بورقيبة ونظامه . الإسلاميون ومرحلة الثمانينات بدأ الإسلاميون مرحلة الثمانينات في الجامعة بخطاب سياسي أكثر حماسا ووضوحا مما أشر لتحول نوعي في وعي هذا التيار وخياراته. وقد بدأت عشرية الثمانينات بصراع مفتوح مع نظام بورقيبة بعد محاكمات 1981 مما جعل خطاب الاسلاميين أكثر راديكالية تجاه السلطة وباحثا عن مناخ جديد بالجامعة يوفر الحرية للجميع ويمهد لعملية تنظم طلابي ينهي حالة الضعف بالجامعة ويعطي مزيدا من القوة للحركة الطلابية للدفاع عن مصالحها والدفاع عن مؤسسات المجتمع المدني والفئات الضعيفة من طغيان النظام الحاكم . أصبح التيار الإسلامي بالجامعة والبلاد يعلن عن نفسه باسم حركة الاتجاه الإسلامي وبدأ في الجامعة يدافع عن حق جميع الطلبة تيارات وأفراد في التعبير عن آرائهم بكل حرية دون اقصاء أي طرف إلا ما عرف تقليدا للحركة الطلابية بعدم السماح لطلبة الحزب الحاكم بالنشاط في الساحة الطلابية وقد بدا هذا التقليد كردة فعل على الإقصاء والقمع الذي تمارسه السلطة على المعارضة في الساحة السياسية بالبلاد ومعاملة بالمثل . وقد تعاملت الأطراف السياسية منذ السبعينات على اعتبار الجامعة أرضا محررة من نفوذ السلطة وهذه الرؤية لدى كل الأطراف السياسية على اختلافها جعلت من الجامعة رأس حربة في مجابهة سياسات السلطة الجائرة تجاه المجتمع. وكما بدأت مرحلة الثمانينات بهلع السلطة من توسع التيار الإسلامي وتنامي نفوذه داخل المجتمع فان التيارات اليسارية بالجامعة أيضا أصابها الهلع من تعاظم نفوذ الاسلاميين بالجامعة فحاولت اغتنام حملات التصفية التي تشنها السلطة على الاسلاميين لتوجيه ضربة رادعة بالجامعة قد تمهد لإخراج الاتجاه الإسلامي منها وقرروا التصفية الجسدية للإسلاميين في كلية الآداب بمنوبة سنة 1982 في ما عرف بمجزرة منوبة استعمل اليسار فيها العصي والسلاسل والسكاكين , لكن الاسلاميين دافعوا عن أنفسهم وقلبوا موازين المعركة لصالحهم مما دفع السلطة للتدخل بقوات أمنها واعتقلت مجموعة منهم قدمتهم لمحاكمات جائرة وصلت حدود العشر سنوات على بعضهم مثل الطالب- بشير الدغبوجي- ومثلت هذه الحادثة نقطة الاعودة في التحول بالجامعة من قيادة اليسار إلى قيادة الاسلاميين وأنهت جرأة اليسار عليهم . إلا أن الجامعة رغم حيويتها ونشاطاتها السياسية الكثيفة والمتنوعة ظلت تفتقد الإطار الذي يجمع الطلبة ويوحد جهودهم في الدفاع عن مصالحهم وتحسين أوضاعهم المعيشية ومواجهة تعسف الإدارة وسلطة الإشراف وقد زاد فراغ الساحة من هذه الأداة في تراكم المشاكل داخل المؤسسات الجامعية مما جعل التفكير في إيجاد صيغة للتنظم والفعل مطلبا ملحا تبنته عدة أطراف طلابية أولها الاتجاه الإسلامي وبعض فصائل اليسار والتيارات القومية وأطراف مستقلة وقد قاد هذا التوجه إلى انجاز الاتحاد العام التونسي للطلبة وإحداث تغيير نوعي داخل الحركة الطلابية المؤتمر العام للحسم وبناء الاتحاد العام التونسي للطلبة شهدت السنوات الجامعية 83/1984 و84/1985 أكبر حراك طلابي في تاريخ الجامعة التونسية من أجل الحسم النهائي في عملية التنظم بحوارات مفتوحة داخل المؤسسات الجامعية وندوات واجتماعات وتجمعات طلابية مسحت أشهرا طويلة من الجدل في قراءة تاريخ الحركة الطلابية وآفاق التجاوز. وقد تقرر على إثرها الرجوع للطلبة في استفتاء تاريخي للنظر في مدى تأييدهم الذهاب نحو انجاز مؤتمر عام للحسم يحسم في خيار إعادة بناء الاتحاد العام لطلبة تونس كما ترى بعض أطراف اليسار برغم ما أحاط نشأته وتاريخه من شبهات , أو خيار انجاز نقابة طلابية جديدة عبر قراءة تعتبر أن الاتحاد العام لطلبة تونس لم يصنعه الطلبة حتى يكون أداة لتنظمهم وأن تاريخه يشهد أنه كان أداة الحزب الحاكم لاحتواء وتدجين الحركة الطلابية وليس لخدمتها, وأن أزمة التمثيل النقابي بالجامعة لم تبدأ في المؤتمر الثامن عشر للاتحاد العام لطلبة تونس بل إن هذا المؤتمر وسنة 1971 بالذات إنما يشكلان بداية الانفراج بإعلان الشيوعيين القطيعة التنظيمية مع الحزب الحاكم وطرده من العمل بالجامعة , وإنما أزمة التمثيل النقابي حسب هذه القراءة تعود بداياتها إلى السنوات التي استلم فيها حزب الدستور السلطة في البلاد وبالتحديد إلى سنة 1956 التي ألغيت فيها الجامعة الزيتونية رسميا وصفيت فيها لجنة صوت الطالب الزيتوني . أفرز الاستفتاء إمضاء أكثر من خمسين في المائة من الطلاب على عريضة تؤيد عقد مؤتمر عام للحسم ووقع انتخاب ممثلي الطلبة داخل الأجزاء الجامعية لتمثيلهم في مؤتمر الحسم الذي وقع انجازه في 18/19/20 أفريل 1985 تحت إشراف تحالف الوحدة النقابية الذي ضم كلا من الاتجاه الإسلامي والنقابيين الديمقراطيين والإسلاميين المستقلين واليسار المستقل وقد مثل هدا الانجاز نقلة نوعية داخل الساحة الجامعية باعتباره أرقى صيغ الحسم الجماهيري الديمقراطي بين مختلف الأطروحات النقابية حيث مثل الانجاز كسبا تاريخيا للحركة الطلابية .وقد قرر المؤتمر إنشاء منظمة نقابية جديدة قام بسن قوانينها وبناء أجهزتها في أكبر انجاز في تاريخ الحركة الطلابية وأضخم انجاز شعبي في تاريخ البلاد بعد الاتحاد العام التونسي للشغل , وأعلن مؤتمر الحسم عن ولادة الاتحاد العام التونسي للطلبة كأول منظمة طلابية فعلية بعد صوت الطالب الزيتوني تفرز عن طريق انتخابات حرة ونزيهة لممثلي الطلبة داخل المؤتمر تدافع عن مصالح عموم الطلبة دون اعتبار انتمائهم السياسي ولونهم الحزبي كما تتبنى الدفاع عن مصالح كل الطلبة التونسيين بالداخل والخارج وعن مصالح الطلبة الأجانب بالبلاد . رفضت السلطة الاعتراف القانوني بالاتحاد وأحدث الانجاز الجديد بالجامعة ضغطا كبيرا عليها بعد أن تمكنت الحركة الطلابية من تجاوز واقع التشتت وانجاز الأداة التنظيمية القادرة على الدفاع عن مصالحها بعد ثمان وعشرين سنة من غياب هذه الأداة . فالحركة الطلابية كانت حتى في غياب التمثيل المؤطر والفاعل حركة مناضلة أعلنت وقوفها الدائم ضمن الصف المعارض لنظام الحكم ورفضها لمحاولات الهيمنة والوصاية سواء كان ذلك من قبل الحزب الحاكم أو من قبل الشيوعيين في تجربة الهياكل التي تمرد عليها الطلبة , واستطاعت أن تقصي الحزب الحاكم من الجامعة نظرا لاختياراته الاشعبية وعدم احترامه لأبسط مبادئ الديمقراطية وكانت دائما في طليعة التحركات الشعبية المنددة بعنف النظام وسياسته الاستبدادية وأحد المعبرين عن طموحاتها, كان ذلك خاصة في أحداث 1978 العمالية والأحداث التلمذية والعمالية في 1981 وأحداث الخبز في 1984 .وأصبح النظام الحاكم يدرك أن الحركة الطلابية أصبحت أقوى وأنه بات يواجه طرفا منظما متماسكا يمتلك رؤية واضحة و يحضى بدعم طلابي واسع مما جعل استهداف الاتحاد العام التونسي للطلبة والجامعة على رأس أولويات السلطة في انتظار إيجاد الظروف المواتية لتنفيذه .فالسلطة لا تؤمن بالحوار مع أي معارضة ولم تفعل ذلك منذ تسلمها الحكم , وسياسات الاستئصال التي مارستها عرضت البلاد لهزات عنيفة ومجازر كبيرة كان أخطرها الأحداث العمالية سنة 1978 في محاولة القضاء على الاتحاد العام التونسي للشغل والتي خلفت وراءها مئات القتلى وفتحت أبواب السجون لمناضلي الاتحاد وأحداث الخبز سنة 1984 والتي خلفت بدورها مئات القتلى ومئات السجناء , وقد كان مجرد الدخول في حوار مع هذه الأطراف كفيل بتجنيب البلاد هذه الخسائر الكبيرة في أرواح الشعب ومكاسبه . الاتحاد العام التونسي للطلبة وطريق المواجهة كانت سنة 85/1986 سنة متميزة في بداية متميزة للاتحاد العام التونسي للطلبة بدأتها السلطة بطرح وزير التعليم العالي عبد العزيز بن ضياء ما أسماه – مشروع إصلاح الجامعة – وكان هذا المشروع يهدف أساسا لإرجاع الجامعة لأحضان السلطة وجعلها ذراعا تابعا تكرس خياراتها الاشعبية بضرب مجانية التعليم تحت مسمى البحث عن تمويل الجامعة وبناء مراكز للأمن داخل المؤسسات الجامعية لمحاصرة الحريات التي فرضتها الحركة الطلابية داخل الجامعة وبناء الجامعة الحرة لأبناء الطبقة المتنفذة القادرة على تمويل دراسة أبناءها وصولا إلى تشغيل أبناء هذه الطبقة وحرمان أبناء الفئات الضعيفة المتخرجة من الجامعة من حقها في الشغل . وبدأ الاتحاد أولى خطواته بقراءة عميقة لمشروع بن ضياء والتحرك داخل الوسط الطلابي للتوعية بمخاطره وأهدافه والرد عليه بموقف طلابي رافض ترجمه الاتحاد بالتحرك نحو إسقاطه. قاد الاتحاد العام التونسي للطلبة تحركات ضخمة بالجامعة لإسقاط المشروع واجهتها السلطة بعنف كبير واعتقال المئات من مناضلي الاتحاد وأنصاره وتجنيدهم في ثكنات عسكرية خاصة في منطقة رجيم معتوق بأقصى الصحراء التونسية وسقوط الشهيد عثمان بن محمود من المدرسة القومية للمهندسين بتونس وانتهت السنة الدراسية بنسف مشروع بن ضياء وإقالته من الوزارة وأثبتت تجربة التنظم الطلابي نجاعتها ونجح الاتحاد في حماية الجامعة من مشاريع التصفية مقابل تضحيات كبيرة لمناضليه . إلا أن هزيمة السلطة في أول مواجهة مع الاتحاد ضخم شعورها بخطر التنظم الطلابي الجديد ودفعها للتفكير في تدارك الأوضاع بالجامعة بالسعي إلى إحكام السيطرة عليها وترويضها بأي ثمن . فكانت سنة 86/1987 سنة تصفية الحساب مع الجامعة بدأتها السلطة بجملة من القوانين الزجرية لمحاصرة العمل الطلابي وتسييج الجامعات لتسهيل حصارها والتراجع عن المنح الجامعية مقابل سياسة القروض وبدأها الاتحاد بانجاز مؤتمره الثاني وسط حصار للجامعة وتبنى مشروع الدفاع عن الحقوق وإسقاط مشاريع التصفية وعلى رأسها مشروع الترسيمات المسمى بقانون أوت 1982 والذي نص على حق كل طالب بالرسوب مرة واحدة في المرحلة الأولى من التعليم العالي يطرد بعدها مباشرة من الجامعة إذا أخفق وقد تسبب هذا القانون في طرد الآلاف من الجامعة دون وجود حل لإعادة إدماجهم. واجهت السلطة هذا المطلب بعنف كبير وداهمت قواتها المؤسسات الجامعية وشنت حملة اعتقالات واسعة لمناضلي الاتحاد أحالتهم إلى محاكمات جائرة وملأت السجون بمئات الطلبة ووسعت حملتها لتشمل عناصر الحركة الإسلامية بالجامعة والبلاد وقامت قوات البوليس السياسي باغتيال الشهيد حمدة بن هنية – كلية التصرف بصفا قس – والشهيد مصطفى الحجلاوي – كلية الحقوق بتونس ووقعت عسكرة الجامعة بالتواجد الأمني الكثيف داخل المؤسسات وتفتيش الداخلين والخارجين منها واعتقال المطلوبين للبوليس وترهيب الطلبة , وقد هيأت هذه الظروف لانقلاب بن علي على السلطة في نوفمبر87 سلطة السابع من نوفمبر ومصداقية الخطاب جاء نظام بن علي مبشرا بمرحلة جديدة من المعاملة مع الجامعة وكل مكونات المجتمع المدني ويدعو إلى مصالحة شاملة بالبلاد فقام بإطلاق سراح الطلبة من السجون وشهدت الجامعة فترة هدوء مدة سنتين دفعت خلالها السلطة أطراف اليسار إلى انجاز المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة المعلق منذ سنة 1971 ووقع الاعتراف القانوني بكلا الاتحادين سنة 1989 إلا أن الاعتراف بالاتحاد العام التونسي للطلبة لم يكن إلا لربح الوقت وتحييد الجامعة حتى يتمكن النظام الجديد من ترتيب بيته والإعلان عن نيته الحقيقية في استئصال الاتحاد وتصفية الحركة الطلابية, لكن هذه الظروف مكنت الاتحاد من انجاز مؤتمره الثالث . كانت الانتخابات التشريعية لسنة 1989 منعرجا حاسما في سياسات السلطة الجديدة , فبعد تأكد السلطة من الفوز الساحق للقائمات المستقلة المدعمة من الاسلاميين بات واضحا لديها أن تحكيم الشعب في أي انتخابات حرة سيسقطها من سدة الحكم وأن السبيل الوحيد لبقائها في الحكم هو القضاء على الاسلاميين وضرب كل مقاومة بالبلاد حسب سلم أولويات تبدأ بضرب الحركة الإسلامية حركة النهضة –وهي التي غيرت اسمها من حركة الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة بطلب من السلطة للاعتراف القانوني بها ولم يكن هذا الوعد إلا ربحا للوقت – والاتحاد العام التونسي للطلبة ثم اتحاد الشغل والرابطة الوطنية لحقوق الإنسان وإنهاء كل أشكال المعارضة الحقيقية . بدأت مؤشرات هذا الخيار تظهر في الساحة الجامعية سنة 89/1990 بتأزيم الوضع داخل الجامعة عبر طرد مسئولين نقابيين للاتحاد العام التونسي للطلبة في كل من كلية العلوم وكلية الطب ومدرسة المهندسين بجهة صفاقس عبر مجالس تأديبية صورية نتيجة نشاطاتهم النقابية وإصرار الوزارة على نقل كلية الشريعة إلى مقر متداع للسقوط وغير لائق بالدراسة . وأمام إغلاق الوزارة باب الحوار ورفضها التراجع عن قراراتها واجهها الاتحاد بإضرابات عديدة واعتصامات مفتوحة ومواجهات مع قوات الأمن التي عمدت إلى اقتحام مبيتات الطلبة والمؤسسات الجامعية وقامت باعتقال وتجنيد المئات من مناضلي الاتحاد وأنصاره في ثكنات الجيش بمنطقة رجيم معتوق بأقصى الصحراء وجزيرة زمبرة بولاية بنزرت . وأمام المواجهات العنيفة التي شهدتها الجامعة وإصرار الاتحاد على مواصلة تحركاته جنحت السلطة إلى ربح الوقت فأطلقت سراح الطلبة المجندين ووعدت بتسوية الملفات العالقة بالسنة الموالية أي سنة 1991 التي أنجز فيها الاتحاد مؤتمره الرابع والأخير بالجامعة قبل أن تشمله السلطة بحملة تصفية وملاحقات واسعة ومحاكمات لرموزه ومناضليه بالمحاكم الجنائية والعسكرية وإصدار أحكام جائرة بحقهم بلغت عشرات السنين في حق العديد منهم واغتيال العديد من مناضليه ومناضلي الحركة الطلابية بدءا بمجزرة المركب الجامعي بتونس التي سقط فيها خمسة شهداء وتشريد المئات إلى المنافي ومحاولة إخضاع الجامعة عبر مشاريع الهرسلة والتمييع طيلة المرحلة اللاحقة … قدمت الحركة الطلابية سنة 91 كلا من الشهداء صلاح الدين باباي من مدرسة المهندسين بصفا قس ومبروك الزمزمي من كلية العلوم بالمنستير وأحمد العمري من مدرسة المهندسين بتونس وعدنان سعيد من كلية العلوم بتونس و عامر دقاشي من كلية الشريعة وعبد الواحد العبد لي من دار المعلمين العليا بسوسة وسمير تليش من كلية الآداب بصفاقس وطارق الزيتوني من كلية الآداب 9 أفريل بتونس وجمال الزموري من كلية العلوم بتونس والهادي بالطيب من كلية الطب بسوسة , كما استشهد بالسجن في ظروف غامضة عبد الوهاب بوصاع من كلية الشريعة ولطفي عيدودي عضو المكتب التنفيذي للاتحاد من كلية الحقوق بسوسة ولا يزال أول أمين عام للاتحاد العام التونسي للطلبة عبد الكريم الهاروني يقبع بالسجن لأكثر من سبعة عشر سنة والسجين عبد الحميد الجلاصي أحد أكبر قادة الحركة الطلابية المسجون منذ سنة 1990 … الطريق المسدود وحتمية التغيير لقد عملت السلطة طيلة التسعينات وما بعدها على استعمال الخيار الأمني في مواجهة كل مؤسسات المجتمع المدني المعارضة لسياساتها واستعملت القوة المفرطة في مواجهتها مع خصومها السياسيين العزل دون التوقف عند أي خطوط حمراء وبكل وسيلة لغاية إحداث صدمة للمجتمع تدفعه إلى الخوف والتقوقع على ذاته وعدم التفكير في معارضة السلطة. ومحاولة جر الجميع إلى ما تسميه بالمعارضة المؤيدة أي المعارضة الديكور , وقد نالت الجامعة نصيبها من القمع والتصفية على قدر حجمها وفاعليتها وجرأتها فوقع اغتيال العديد بالرصاص وموت العديد تحت التعذيب وسجن المئات وتشريد المئات إلى المنافي في أكبر عملية قمع منذ استقلال البلاد عسكريا عن فرنسا. كما قام البوليس السياسي والأمن الجامعي بالمراقبة الصارمة والاعتقالات المستمرة للطلبة والزج بهم في السجون بتهم الإرهاب مما أحدث حالة من الانكماش والرهبة والخوف داخل البلاد والجامعة وحول البلاد إلى سجن كبير وحاصر إعادة بناء المنظمات والأحزاب ومنع أي إمكانية للتعبير عن الرأي وضخم الأجهزة الأمنية بما يفوق حاجة البلاد مرات عديدة ووجهها للملفات السياسية . وفي موازاة ذلك عمل على إدخال تقاليد جديدة للجامعة تخدم توجهه بتشجيعه على الفساد الأخلاقي ودمج المبيتات الجامعية ذكورا وإناثا والإكثار من الحفلات الماجنة ومنع تداول الآلاف من الكتب الفكرية والعلمية لحصر اهتمام الطلبة في أمورهم الشخصية واللهث وراء غرائزهم والعمل على إنتاج جيل يجهل تاريخه النضالي … لكن هذا القمع الكثيف للجامعة لم يمنع الحركة الطلابية عبر أحرارها من التعبير عن وجودها وموقفها ولو جزئيا وبشكل غير مستمر توازيا مع حركة تاريخية بالبلاد شكلتها أغلب أطياف المعارضة بكل مشاربها من أجل مواجهة مشروع الاستبداد وفرض الحرية للجميع دون استثناء . وفي هذه المرحلة التاريخية الهامة يتأكد دور الحركة الطلابية أكثر من أي وقت مضى في الدفاع عن الحرية بالجامعة والبلاد والتوحد في محاربة الاستبداد الذي لا يقل شرا عن الاستعمار المباشر الذي انخرطت الحركة الطلابية حينها ممثلة في لجنة صوت الطالب الزيتوني في حربه ومؤازرة الحركة الوطنية لنيل الاستقلال , وللحركة الطلابية اليوم مسؤولية تاريخية تجاه شعبها في التوعية والنضال ومؤازرة المعارضة الجادة من أجل إحداث التغيير المنشود … سوسة في 22 أوت2007 (المصدر: موقع « طلبة تونس » بتاريخ 22 أوت 2007) الرابط: www.tunisie-talaba.net
 

 

فتاة في 17 من العمر ضحية عشرين سنة من التنكيل بأبيها

 

السادة الكرام أحباء تونس نيوز،

 

بعد اطلاعي على خبر مفجع عنوانه « نداء إلى أصحاب الضمائر الحية » صدر بأحد نشراتكم، أستسمحكم  أن أروي لكم قصة هذه العائلة المناضلة بعاصمة الوطن القبلي نابل، التي آلمتني وأقضت مضجعي، كما  أتت على كل ما هو جميل وبريء براءة تلك الفتاة دون السابعة عشرة من العمر، التي هي موضوع هذه الحادثة.

 

نعم هكذا اسمها براءة، تلميذة محتشمة أرسلها أبوها إلى المعهد الثانوي الطاهر الحداد بمدينة نابل لتكمل دراستها، لم يترك أعوان البوليس فرصة إلا اغتنموها لرسم شبح الخوف والإرهاب في مخيلتها، بدأ بالتضييق عليها في ارتداء حجابها تارة ومنعها من أداء الامتحان تارة أخرى.

 

أرسلها فتاة متدينة على درجة عالية من الحشمة والامتثال لوالديها وحبها لهما، أطلقوا فيها أنفاث سمومهم الشريرة الباعثة على العري والفساد، التي تحملها نفوسهم، وكيف تطيق الأسود أن يوجد بين أنيابها حمل أبيض رقيق وهي الذئاب الجائعة، سلطوا عليها أستاذة من أساتذتها لكي تطلعها على نمط العيش المتحرر من قيود العائلة والقيم والأخلاق وتكره إليها الامتثال لوالديها والحفاظ على دينها والرضاء بما كتبه الله لها، يرسلون إليها أعوان البوليس في الصباح والمساء ليحرضوها على أبيها.

 

فمن هي هذه الفتاة براءة ومن هو أبوها ؟

 

الفتاة براءة هي الرابعة في الترتيب مع إخوتها الخمسة الآخرين من مواليد 10.12.1990 (سيف 24 سنة – أمنة 20 سنة – شفاء 18 سنة – محمد 12 سنة وعبد السلام 7 سنوات) تلميذة بالسنة الخامسة ثانوي، أبوها فوزي قارة علي من مواليد 9 أوت 1964 أصيل مدينة نابل، أستاذ رياضيات ممنوع من العمل منذ أوائل التسعينات، مرشح القائمة المستقلة للوطن القبلي للانتخابات البرلمانية « الجريمة » لسنة 1989، وأحد مؤسسي الجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين، سجن وزوجته أيضا في بداية التسعينات مع بقية الآلاف من أبناء شعبه وتعرضا لشتى أشكال التعذيب، فهو ليس بنشاز ولا بدعا من رفقاء دربه، فما الذي جعل من بوليس مدينة نابل أن يكون هذا الرجل وعائلته حقل مصائدهم ومكائدهم؟

 

بعد أن قتل الشاب الوسيم البطل فيصل بركات في أحد مراكز البوليس بمدينة نابل خريف 1991، لا يستغرب من الطبيعة الإجرامية والوحشية التي يتميز بها هذا الصنف من البوليس التونسي، فنفس الأيادي التي قتلت فيصل بركات هي ذاتها تنزع غطاء الحشمة عن براءة  قارة علي بعد سنين من المطاردة والمشاكسة.

 

كل مرة أسمع خبرا عن هذه العائلة، إما خبرا يبعث في روح المقاومة والصمود مما أسمعه من مواقف بطولية من الرجل وزوجته البطلة أو أحد أبنائه أو بناته، أو خبرا يبعث في اليأس من أن يكون لهذه البلاد خلاص ومخرج مما أسمعه من مكائد وصنائع البوليس من أجل إذلال العائلة وتركيعها.

 

منذ ستة أشهر تقريبا نزعت الفتاة حجابها بصفة رسمية هذه المرة، بعد أن عودوها بنزعه أمام المعهد ولبسه خارجه، حتى حصل في نفسها ما أراده لها الأشرار، بدأت تكره هذا النمط من العيش وأصبح يعجبها اللبس بدون غطاء الرأس في المعهد، وأمام تتالي صيحات الثورة والتمرد على كل العائلة البائسة والفقيرة والمطاردة، حصل المكروه وأقدمت البنت على ما أصبح يسمح لها به القانون وحقوق الطفل والمرأة إلى آخرها من الشعارات التي ترفع في تونس من أجل أبعاد أيديولوجية وخطط تدميرية وليس دفاعا عن هذه الحقوق وصونها وتطويرها.

 

ها هو اليوم يصل بنا مشهد هذا المسلسل الإجرامي إلى ما حدث لبراءة منذ أيام، حيث غادرت مسكن أبويها بدون سابق إعلام يوم الاثنين 13 أوت لتقول لنا ولكل العازفين على وتر المابعد 25 جويلية 2007 أني أذكركم بكل سنوات الغدر والمكيدة والخوف والإرهاب التي أمضيتها أنا وعائلتي، وأنني طفلة بريئة لا أتحمل أكثر مما تحملته طيلة 17 سنة التي هي كل عمري.

 

لم تطق فراق أبويها، عادت أمام مسكن خالتها بعد ثلاثة أيام ومن أمام الشرفة التي بالطابق الأول سألت عن أبويها وكيف كان خبر ابتعادها عنهما، لم تطق الخالة صبرا فهرولت بصحبة أخيها إلى الأسفل باتجاه الفتاة حتى يدركوها ولكن سيارة امتطتها جعلتها تغيب عن أنظارهم دون أن يلمسوها ويعيدوا فيها حرارة العائلة، لم يتمكنوا من معرفة رقم السيارة أمام الغبار الذي تركته بعد انطلاقها، غير أن ملامح أصول مغاربية (تونسي أو جزائري) كان بصحبتها في سيارة ذات صفيحة صفراء فرنسية.

 

عاودت الفتاة الاتصال بالهاتف يوم السبت 18 أوت في منزل أبويها لتخبرهم أنها بمدينة سوسة وأنها بصحبة فتية وفتيات تونسيات وجزائريات يحاولون الهرب إلى خارج الوطن إلى الجزائر تحديدا ومن ثمة ربما إلى أوروبا، أو الله اعلم من هي هذه الأيادي التي ستحدد لها وجهتها.

 

هذا ما انتهى إليه مجرى أحداث هذا المسلسل الأليم والغامض التي لا يعلم الخيوط المحركة لها إلا الله  ولا أحد يعلم دوافع الفتاة هل هي تحت ضغط شبكة وعصابة من المتاجرين بالفتيات، أم هي « لحظة الثورة والانتقام » أم غير ذلك، فبلادنا مليئة بالعجائب والفجائع والدسائس « المافياوية » و »الروتارية » و »الطرابلسية » و »البوليسية »، وما علينا إلا الانتظار عما ستنبأ به الأيام حول مستقبل عائلة بأسرها ومن يكون وراء هذه الفجائع.

 

أنا لم أذكر إلا هذه الحالة لقربي منها والحال أن سجل شعب بأكمله يقطر دما، وحالات التنكيل بالمعارضين لا تحصى، ولكن لتعالي أصوات بعض رجال المطافئ هذه الأيام جعلني أبادر بتذكيرهم بمسلسل انتهاك الحقوق والاعتداءات الذي لم ولن ينتهي.

 

لعل هذه الحادثة تفرح بعض الجمعيات النسوية التونسية ولها تقييم مغاير تماما سأقوله، إذ تعتبر الخطوة التي أقدمت عليها براءة – أو أرغموها على القيام بها – انتصارا « لمعركة التحرر والكرامة »، ولعل ذلك يزيدهم فرحا واعتزازا بسنوات طويلة من « النضال » عندما يسمعون بالتاريخ الذي اختارته – أو اختاروه لها  وهو 13 أوت الذي يصادف عيد المرأة التونسية والطاهر حداد والقصة طويلة – لكي تقطع مع ماضيها الأليم، وهذا حق لنا أن نختلف فيه وكل يعمل على شاكلته، وليعذرونا في هذا الاختلاف، فكما لي رأي لمخالفي أيضا رأي أحترمهم عليه.

 

ولكن سوف أقيّم الحادثة من منطلقي الديني المسلم الذي هو دين وهوية الشعب التونسي بأسره، ومن عاداتي وتقاليدي النابلية والشعبانية والخيايرية والمعمورية، ومن منظوري وتصوري السياسي الذي أتقاسمه أو أختلف فيه مع إخواني.

 

إن النظام التونسي والدوائر الأمنية يفرحها هذا الخبر من جهتين، الأولى أنها ابنة مناضل سياسي ومعارض إسلامي، نكالة فيه وفي قيمه وشعاراته التي يدعو إليها هو ومن شاطره هذا التوجه الأيديولوجي والسياسي، ومن جهة أن نظام 7 نوفمبر يشجع على الفساد والعري والبغاء والرذيلة، وأن هذه الحادثة تمثل نجاحا باهرا لسياساته التي يخطط لها منذ عقود.

 

ثم من جهة أخرى أين البوليس الماهر في اصطياد المعارضين وملاحقتهم والتنبؤ بمكان انعقاد اجتماعاتهم حتى قبل أن يقرروها ؟ كيف تفلت سيارة من نابل و لا يستطيعون العثور عليها؟ هذا النظام الذي انفق المليارات لتطوير شبكة مراقبة الهواتف لتتبع المعارضة في الداخل والخارج، ألا يستطيع أن يفرغ قسما من أقسامه الأمنية حتى يتمكن من التعرف على مكان المكالمة الهاتفية وتطويق المكان والبحث عن الفتاة بكل جدية.

 

قالوا لأبيها لم نعثر عليها ولا نعلم عنها شيئا، والبحث جار، نسأل الله أن توفق هذه الأجهزة المختصة والمتفننة في متابعة المعارضين أن تهتدي إلى خيط يساعدها على معرفة مكان الفتاة والشبكة التي هي حاصلة في خيوطها.

 

إن ما آلت إليه حياة هذه العائلة المتدينة ليندى له جبين كل مسلم، وليغتاض له كل غيور، فالله أعلم بحال تلك الأم المسكينة والأب المكلوم، عندما يرى ما وصلت إليه حاله وحال عائلته وهو يدفع ضريبة آرائه وتوجهاته السياسية، لا يستطيع العمل حتى يوفر بعض الكماليات لأبنائه وبناته من جراء المحاصرة، قابض على جمرة مواقفه لا يتزحزح عنها قيد شبر وهو لا يبالي، وفي نفس الوقت يلتفت يمينا وشمالا على شواطئ نابل والحمامات والمعمورة ليرى إخوانه ورفاق دربه بالأمس، يجمعوا الأموال العام تلو الآخر وهكذا الحياة سنون، أقوام تصعد وشعوب تسحق.

 

الفتاة براءة بريئة من كل شيء وليس لها باع في هذه السوق القذرة، وإن كنا نقول حسبنا الله ونعم الوكيل وقدر الله وما شاء فعل، ولكن أكتاف هذا النظام لتكاد تئن من كثرة ما حملت من جرائم ولا تزال، نشروا الرذيلة وحرقوا البلاد من أجل أن يعثروا على معارض أو ينكلوا بإسلامي، ويريدون أن يطووا صفحة الماضي وينهوا الأزمة ويبحثون عن مخرج.

 

إنهم بهذه المآسي ليشحذون سلاح موتهم بأيديهم، وسوف يحاسبون أمام الله على كل صغيرة وكبيرة، وستظل تونس تئن وتصرخ في الداخل بأصوات المعذبين والمقهورين ونداءات وأصوات المغتربين مهما ادعى البعض من أن بوادر انفراج الأزمة قد ظهر، فمن يضن أن المهاجر سوف تهدأ وتعود الحيات إلى جحورها والسجون ستفرغ وتعود الحقوق إلى أصحابها في ظل سياسية بوليسية يحكمها هذا النظام فهو والله الحالم.

 

إنهم بهذه الصنائع يطيلون الأزمة ويعمقونها، وسوف نتكاثر في الأموال والأولاد والشهادات العليا في المهاجر ولن نعود إلى أوطاننا حتى  تصلح نوايا هذا النظام الفاسد، وسنضل بأصواتنا وأموالنا في الخارج كابوسا يقض مضجع النظام خير من خرفان تسرح في أرضه يحرسها ويرعاها كيف يشاء، سنكتب مذكراتنا ونروي مآسينا وننقلها جيلا بعد جيل لنصنع أقواما تأثر في البلاد يوما، أما من عاد تحت ظل هذا النظام فاقرأ عليه فاتحة الكتاب، فهو في عداد الأموات وليس الأحياء.

 

ونحمد لله أن وفر لنا هذه المهاجر مراغما وسعة في ديننا ودنيانا كيف نتركها ونعود بين أيادي مصرة على الجريمة، نسأل الله الفرج والمخرج لأخينا فوزي وعائلته وكل المعذبين والمقهورين في الداخل، وأن تعود له ابنته براءة بريئة من كل خطيئة، وهي والله البريئة.

 

المهدي بن حميدة

سويسرا في 23 أوت 2007  


بسم الله الرحمن الرحيم

 

توضيح واعتذار للدكتور النجار

 

د. محمد الهاشمي الحامدي

 

اتصل بي صديق كريم، وعرض علي وجهة نظره بأن بعض العبارات التي تضمنتها رسالتي للدكتور عبد المجيد النجار غير مبررة وقاسية بحق للدكتور النجار. (الرسالة منشورة بعنوان: أخي الدكتور النجار، التواضع فضيلة كبرى).

 

وقال صاحبي إن الدكتور النجار معروف بتواضعه ويشهد بذلك أصدقاؤه والمختلطون به، وإن عدم ذكره لاسم الدكتور خالد الطراولي في مقاله لا يجب أن يفهم من باب التكبر أو الترفع.

 

وبيّن صديقي إن الدكتور عبد المجيد النجار داعية للمصالحة الوطنية، وهو معروف بذلك في صفوف الإسلاميين التونسيين. وإنه مؤيد لكل عرض جدي يقود للمصالحة الوطنية.

 

وأضاف صديقي أن هذه المعطيات تنفي المبررات لما ذكرته في مقالتي من أنه رفض عروضا سابقة للمصالحة، وتنفي أي مبرر للحديث في حق الدكتور النجار عن قصر النظر وسوء التدبير والخضوع لغرائز البغض والعداوة لإخوة الأمس.

 

استمعت لصديقي جيدا، وقلت له: ما دمت تتحدث عن دراية وثقة، وتجاوبا مع حرصك ودوافعك الطيبة، فإنني سأنشر هذه التوضيحات، وسأعتذر للدكتور النجار علنا عما صدر مني بحقه.

 

وقد كتبت هذه المقالة لتحقيق هذا الغرض، مقدرا لصديقي اهتمامه ودوافعه النبيلة، ومعتذرا للأخ الدكتور عبد المجيد النجار عما صدر مني بحقه في المقالة السابقة.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


 

 نعيد نشر مقال (توضيح) الذي بعث به إلينا يوم أمس السيد مصطفى عبدالله الونيسي نظرا لما ورد في فقراته من تداخل وهو ما لم يتم الإنتباه إليه إلا بعد  النشر. بسم الله الرحمان الرحيم تـوضـيـح

 
أريد أن أتوجه من خلال هذا البيان لمن يريد معرفة الحقيقة ، أمّا أولئك الذين لا شُغل لهم في هذا الحوار و غيره، الذي وصفوه بالسريع،و الذي أجرته الحوار نت مع نائب رئيس الحركة،  إلاّ الدفاع عن رؤيتهم الحزبية الخاصة و محاكمة النوايا فنوكلهم على رب النوايا الذي يعلم خائنة الأعين و ما تُخفي الصدور.  إنّ ما أريد بيانه هو أني إثر عودتي من تونس التي يسر الله سبحانه أن زرتها بعد غياب دام 26سنة اطلعت  على الحوار السريع الذي أجرته الحوار نت مع نائب رئيس حركة النهضة  التونسية و استبشرت خيرا لأني ظننت لأول وهلة أن الحركة في هذه المرة قد أرادت أن تُذكر مبكرا بالتوجهات و الخيارات السياسية العامة من بداية السنة السياسية كما هو شأن كل الحركات السياسية الجادة و المسؤولة ولكن عند قراءة الحوار وجدته حوارا فارغا، مُصطنعا لا فائدة منه إلاّ إذا كان القصد منه تصفية بعض الحسابات مع أفراد استعصوا على التنظيم  لأنهم كانوا دائما أحرارا  و أبوا أن يبقوا أسرى و رهائن لحسابات تنظيمية ضيقة، و حتى لا يبقى القراء الكرام ضحية لهذه المغالطات كان لا بد من تفنيد هذه المغالطات التي وردت في الحوار . و حتى يعرف القراء حجم المغالطة كان لابد من التذكير بالسؤال و الجواب ثم التعليق عليهما. الحوار نت:  شيخ وليد تناهى إلينا في المدة الفارطة بأن عددا من أبناء الحركة رجعوا إلى تونس برغم أنهم محاكمون غيابيا بسبب انتمائهم للحركة و ذلك على مدى السنوات  المنصرمة القليلة. هل يمكن أن تنير قراءنا حول هذه القضية؟ أعني كم عدد الذين رجعوا و ما هي علاقتهم بالحركة قبل و بعد رجوعهم و ما هو موقف الحركة منهم و ما هو تعامل السلطة معهم و كيف توصلوا إلى تسوية أوضاعهم و هل هم على خلاف فكري أو سياسي أو تنظيمي مع الحركة أم لا الخ….. الجواب:( نورد الجزء الذي يهمنا من الجواب و لمن أراد الإطلاع على الحوار كاملا فليعد إليه في الحوار نت) : أمّا عودة الإخوة المنتظمين الذين عادوا إلى تونس، وفق تسويات فردية ، كما بلغنا ، عبر الإطار الأمني في السفارات ،فهم قلة قليلة جدّا عرفنا منهم الأخوين مصطفى الونيسي و عمر النمري، و لم يْؤسسا اختلافهما مع الحركة على أساس فكري، بقدر ما هو لوضع عائلي خاص لم تقرهما الحركة عليه لأن للجميع أوضاعا عائلية خاصة تفاقمت خلال هجرة امتدت مع البعض لأكثر من ربع قرن .
الرد :1) ورد في السؤال بأن عددا من أبناء الحركة رجعوا إلى تونس برغم أنهم محاكمون غيابيا بسبب انتمائهم للحركة و ذلك على مدى السنوات المنصرمة القليلة. و هذا ولا شك  توظيف رخيص من طرف السائل أو الصحافي إن شئتم مبني عن جهل لا يليق برجل إعلام يدعي أنه يريد إنارة القراء، و شكرا لكم على إتاحة الفرصة لي لأنيركم و أنير قراءكم خاصة  بالمعطيات الصحيحة التي غابت عنكم أو تجاهلتموها ، و لعلمكم إن كنتم لا تعرفون أني على مدى السنوات المنصرمة القليلة لم أحاكم لأني استفدت من دروس الماضي ، بل أكثر من ذلك ، لقد كنت معارضا للخطة التي فرضتموها على أبناء الحركة في أوائل التسعينات و جمدت و ضعي التنظيمي احتجاجا على تهوركم و زجكم لأبناء الحركة و الكثير من الأبرياء في معركة هي خاسرة مسبقا، و من سوء حظنا  جميعا كانت النتيجة ما توقعته ، و لكن هكذا هي القيادات الفاشلة هي دائما ضعيفة الذاكرة لا تريد أن تتذكر و تعتبر، و لا تطيق أن يُرد  الاعتبار للمخالفين في الرأي و لو كانوا صائبين. 2) ادعى نائب الحركة أن عودتنا تمت عبر الإطار الأمني في السفارة التونسية، و هذا أيضا   افتراء لا أساس له من الصحة لأن حصولي على جواز السفر لم يتم عبر الإطار الأمني ، بل تمّ بالطرق العادية التي يتحصل بها كل مواطن تونسي على جواز سفره، و ما ذهب إليه نائب الحركة إنّما هو اتهام باطل و نوع من الوشاية الرخيصة  التي لا تليق بقيادي جاد و مسؤول . 3) أمّا عدد العائدين فهم كُثُر و على كل حال فأول الغيث قطر ثم ينهمر . 4) أمّا عن خلافنا مع قيادة الحركة فهو قديم و معروف و لا فائدة من  إخفائه ، و ما هذا الحوار الذي أخرجتموه إلاّ دليلا على ذلك، ولا يعدو أن يكون مسرحية سيئة الإخراج تقاسم الأدوار فيها المحاور و المحاور(السائل و المسؤول) لتهميش الرأي المخالف و تشويهه و عزله، و هذا النوع من السلوك المتخلف غدا معروفا و ما هو في الأخير إلاّ نوع من الإستبداد و  الإستقواء    بالإمكانيات الضخمة و المتعددة لتشويه من خالفكم الرأي و التي و فرها المستضعفون من دماءهم ولكن لغير هذه المهمة المشبوهة. ألم يكن أجدر بكم أن تستعملوا ذكاءكم  و المال العام لعزل خصومكم الحقيقيين الذين استعملوكم و جروكم إلى هذا المستنقع الآسن الذي بقيتم تتخبطون فيه. 5)أذكر أيضا الإخوة القائمين على هذا المنبر الإعلامي أن لا ينخرطوا في مثل هذه الأدوار المشبوهة و أن يلتزموا الحياد خيرا لهم و لموقعهم ، فإن الإعلام مسؤولية و شهادة أمام رب العالمين . 6) و أذكر أيضا أن في العودة للبلاد و ربط الصلة بها و لو كانت منقوصة فوائد لا يعرفها إلاّ من عاشها ، و في هذا المقام أثني ثناء موفورا على مقال الدكتور النجار (عودة المهجرين بين الواقعية و الوهم)الذي أتبنى كل ما ورد فيه. 7) و أخيرا أطالب الأخ وليد أن يسحب ما ورد في الحوار من مغالطات ، فذلك خير له. أسأل الله تعالى أن يُرينا الحق حقا و يلهمنا اتباعه ، و أن يرينا الباطل باطلا و يلهمنا اجتنابه. يوم الإربعاء 22 أوت 2007 مصطفى عبدالله الونيسي ـ باريس، فرنسا.

 


 

بسم الله الرحمان الرحيم                                         تونس في 2007/08/23

والصلاة والسلام على أفضل المرسلين

                                                        بقلم محمد العروسي الهاني

الرسالة رقم 282                                               مناضل دستوري

على موقع تونس نيوز                                          رئيس شعبة الصحافة الحزبية سابقا

تعقيبا على مقال الدكتور خالد عبيد الزعماء والرموز الكبار أسمى وأعظم وأرقى من نبش الصغار وإساءتهم المتواصلة المقصودة….

في مثل هذا الشهر ولد الزعيم الرمز البطل المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة يوم 1903/08/03 و في مثل هذا الشهر توفي الزعيم الكبير الطاهر صفر في أوت 1942 وهو في سن السخاء والعطاء والبذل وكان رحمه الله صديقا حميما ورفيق الدرب الطويل والسجون والمنافي للزعيم الأكبر الحبيب  بورقيبة ويوم 3 سبتمبر1934  بعد 6 أشهر على انعقاد مؤتمر البعث بقصر هلال في 2 مارس 1934 عمدت فرنسا الاستعمارية الطاغية الحاقدة اعتقال الزعيمان الحبيب بورقيبة والطاهر صفر وابعدتهما إلى قبلي المنطقة العسكرية في عزلة تامة وحرارة فوق 45 درجة وهي تعلم بخطتها وخبثها ان الزعيمان هما من الساحل الشرقي لا يطيقان حرارة فوق الطاقة فضلا على العزلة والوحدة والوحش والغربة لماذا لتحطيم المعنويات وفشل العزائم وإطفاء الروح الوطنية المتـأججة فيهما ولكن لم تفلح ولم تحقق أهدافها الخبيثة… وبعد شهر كاملا نقلتهما إلى بورج البوف في الجنوب مع بقية الزعماء محمود الماطري والبحري قيقة ومحمد بورقيبة ودام نفي الزعماء إلى 31 ماي 1936 وقصة الاستسلام مسجلة في محضر جلسة يمكن الرجوع إليه لان الزعيم الحبيب بورقيبة 33 سنة لم يخضع ولم يستسلم وبقي صامدا وعندما كان الزعماء يحررون رسالة تاريخية للمقيم العام الفرنسي ملتمسين المعذرة منه والعفو والصفح والتسامح بعد طوال مدة المنفي ببرج البوف كان الزعيم الشاب بورقيبة صامدا ومعنوياته مرتفعة والبرقيات التي وجهها للمناضلين تؤكد ذلك والرسائل وعندما أصرّا الزعماء على إمضاء الرسالة حصل حوار ونقاش حار وعلى إثر الحوار وحفاظا على وحدة الصف والكلمة لأعضاء الديوان السياسي للحزب الجديد اقترح الزعيم بورقيبة تدوين محضر للتاريخ يرجع إليه المناضلون في كل زمان وعلى إثر الموافقة على المحضر أمضى الزعيم مع زملائه على الرسالة وواصل النضال الوطني وصمد وصبر وذاق ألوان التنكيل والسجون وقاد الحزب بعزيمة وصدق صبر وخاض حوادث 9-8 أفريل 1938  الاصتدام المسلح وسال الدم في شوارع العاصمة وتلك هي المقاومة والحوادث الدامية والصمود و أنواع الاحتجاج والمسيرات والمظاهرات المعبرة والمتأججة والتي لا تخشى الموت وبطش الاستعمار الفرنسي وقد حقق الزعيم بورقيبة الأهداف المرسومة حتى يرسم خطة للمواجهة والمقاومة ويرسخ ثقافة عدم الخوف من بطش وظلم الاحتلال الفرنسي وهي خطة النضال السياسي البورقيبي وفي صبيحة يوم 9 أفريل 1938 عمدت فرنسا وسلطات الاحتلال اعتقال الزعيم الحبيب بورقيبة وهو في فراشه في حالة مرض ونجله في سن الحادية عشر صغير وزوجته الوفية مرعوبة من بطش أبناء جلدتها ولم يراعي الاستعمار حالة مرض الزعيم وصغر ابنه وفواجع زوجته الوفية التي صبرت وصمدت أمام الطغاة الغزاة وبقي بورقيبة في المنفى حتى عام 1943 والقصة طويلة وكيف اليوم يتجرأ مؤرخ تونسي صغير لم يذق طعم السجون والمنافي والتنكيل والتضحية أن يصف بجرة قلم في ذكرى وفاة الزعيم الطاهر صفر بأن بورقيبة يصمد ويضعف ولم يعرف هذا المؤرخ التكتيك السياسي ثم أنه قال هذا المؤرخ في مجلة حقائق يوم 2007/08/20 بأن بورقيبة كان ضدّ الطاهر صفر وذهب خيال المؤرخ إلى أشياء تدلّ على نبش الماضي بطرق مشوهة وتجاهل أن بورقيبة طيلة فترة الزعامة والنضال كان في السجون من 34 إلى 36 ومن 38 إلى 1943 فمتى تفرغ حتى نصدق الروايات والغاية منها التشكيك بين زعماء ماتوا وتركوا بصمات لا تمحى والزعيم بورقيبة عندما أيده الله ونصره وإجراء الحكمة  على يديه وحقق النصر لعبده ومنحه القوة والصبر لتخليص الحرير من الشوك وتحرير الوطن والعقول وانجرّ بناء دولة عصرية محترمة بين الدول ماذا فعل بورقيبة ؟

أسند للدكتور محمد الماطري حقيبة وزارة الصحة العمومية في أول حكومة وطنية يوم 1956/04/14 تقديرا لجهوده وتاريخه الوطني وكفاحه الطويل وأكرم نجل المرحوم الطاهر صفر رحمه الله  وأسند إليه مسؤوليات هامة اَخرها خطة الوزير الاول عام 1986 إذا لماذا هذا التجني على الزعيم ولماذاالرموز والزعماء هم المستهدفين لحملات التشويه ؟ وهم أسمى وأعظم لأنهم من الحجم الكبير والوزن الثقبل. قال تعالى :  » وماربك بغافل عما تعملون » صدق الله العظيم

ملاحظة : أعرف أن كل المقالات بمقابل والقصد واضح يا دكتور المال وخالف تعرف….

محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري

 

 


وقفة ثانية مع سلوى الشرفي

كتبه عبدالحميد العدّاسي

لم تدعني سلوى الشرفي إلى إثم أو منكر بل دعتني إلى خير الأعمال، وبلغة في ظاهرها متأنّية ومتأدبة « اقرأ من فضلك اقرأ« … ولذلك فليس من الغريب أن ألبّي دعوتها وبرغبة جامحة أملا في أن يكون انتسابي إلى أمّة « إقرأ » انتسابا فعليا وإيجابيا… لم تردّد سلوى (سمحتُ لنفسي بحذف كلّ لقب لسلوى مجاراة لها فيما فعلت، وهو لعمري نداء – إن صدقت النوايا – يفيد القرب) هذا النّداء ليقينها بأنّني لا أقرأ ولكنّها فعلت ذلك إيمانا منها بأنّي لا أفهم ما أقرأ، وهو افتراض طبيعي لا اعتراض عليه ومقبول منها، إذ كم منّا مَن يقرأ دون فهم ومَن يفهم دون اقتناع وكم منّا مَن يقرأ ويفهم ويقتنع دون تطبيق لشيء ينفع النّاس…

غير أنّي أجد الثقة الكافية والخالية من الكبر والغرور كي أطمئن سلوى بجدّيتي في القراءة – على ندرة ذلك – ومحاولاتي المستمرّة في الفهم بمفردي أو بالاستعانة بغيري (لا ضير في ذلك، فالفهم مهمّ للمواصلة)، ولذلك فإنّي لمّا كتبتُ محتجّا عليك يا سلوى فإنّي لم أفعل ذلك متغافلا عن المعقّفات أو متعاميا عن المراجع المذكورة كما خطر لك ولكني فعلت ذلك لأنّي رأيت العمى يُصيب العين والبصيرة فيمنعهما من رؤية الحقّ و قوله…

 

وللتذكير فإنّ المعقّفات والمراجع يا سلوى تستعمل لتثبيت الحقيقة أو لدحضها… فهل دحضت أنت حقيقة أم ثبّتِّها؟!… لم أر ذلك منك جليّا بل لقد ساعدت خواتيم مقالك على فهم ما أسميتُه التناغمَ بينك وبين هذه الفئات الطفيلية الذميمة الخادمة للتضليل سواء بأسئلتهم أم بإفتاءاتهم…

 

لو كنتِ حريصة على الفهم المتطوّر للإسلام كما تلمّحين، فهلاّ انتقدت السائل عن « الساحران » وغيره، سيّما وقد سبق إلى علمك – كما أشرت – في مقالك، المعنى الصحيح والأسباب التي جعلت هذه الآية أو هذا اللفظ يُكتب هكذا أو هكذا، كما جاء ذلك واضحا في كلامك: « …أم أنك تعمدت ذلك رغبة في إلصاق تهمة التكفير بي؟ وهي تهمة مردودة لأن ما ورد في بحثي على لسان مسلمين هي حقائق وردت في القرآن الكريم وفي الحديث،  ولأن ما وصفته أنت بالخطأ اللغوي أو الحسابي، لا يعتبر خطأ. وقد حبّر فيه الأوائل ما حبروا، وشرحه لنا أهل الذكر مذ كنا أطفالا ولم يعد الأمر في حاجة إلى تفسير. وتفسير الأمر خارج أصلا عن موضوع الدراسة التي قمت بها والتي كانت تهدف إلى الوقوف على طبيعة مضمون ما يطلبه المستفتون.« … وها أنتِ قد قلتِها « الوقوف على طبيعة مضمون ما يطلبه المستفتون »… فما هو هذا المضمون ومالذي استوقفك فيه وكيف رأيته وهل صوّبت أو أشرت إلى مواطن الخطإ التي قد ينجرّ عنها رفض لديك، وما هي ردود فعلك؟! أهي التي كانت في استنتاجاتك مثل قولك: « وتوحي بعض الأسئلة بأن المرأة كائن غير أرضي لا يعرف مدى قدرته وأحقيته في استعمال حتى مجرد أدوات صنعتها المخلوقات الأرضيّة. وقد ورد سؤال يقول حرفيا: «بالنسبة لمجفف الشعر التي تستعمله النساء ما هو حكمه الشرعي؟ هل هو جائز ولا حرج في استعماله؟ » أم في قولك: « ويدل هذا الخطاب على أن حرارة الإيمان لا تظهر عند المسلم بهذا الوضوح والدقة والحماس، إلا فيما يتعلّق بالأحكام الخاصّة بالمرأة، مما يوحي باستحالة الاجتهاد في ما يسمى رسميا بقانون الأسرة، الذي ينفرد في المدونة القانونية العربية بأحكام التمييز الجنسي، والذي يلقّبه السّاخطون بقانون الأسرّة أو قانون العار، لما احتواه من أحكام مخجلة تسلب إنسانا اسمه امرأة حقوقا أساسية، إرضاء للرغبات والفنتزمات الجنسية لإنسان آخر اسمه رجل » أو في الزبدة التي ختمت به ما أسميته بحثا:      » أليس من الغريب أن يواصل البعض في بداية القرن الحادي والعشرون، التنظير لمجتمع يفرق بين مواطنيه ويضطهد الناس على أساس الفوارق البيولوجية والدينية والمرتبة الاجتماعية والأصل القبلي، مما يظهرنا في شكل شعوب عنصرية؟…« 

سوف لن أزيد على دعوة القرّاء لمراجعة « بحثك » مرّة أخرى كي ينبّهوك إلى كثرة التدليس المفضي إلى التجانس بينك وبين هؤلاء المتجرّئين – كما وصفتِهم – على المفتي الذي جعلوه وأنتِ معهم جسرا للتجرّئ على الإسلام وأهله… ولو كنتِ باحثة صادقة (إذ البحث يكون عن الحقيقة) لكان لك ردّا على هؤلاء الغوغاء ولبيّنت لقرّائك سيّما ممّن لا يحذقون الغوص أمثالي حقيقة ما سُئل عنه، أو لطالعت المواقع الإلكترونية المعتدلة المحترمة ولتابعت الشيوخ الأفذاذ والبرامج النّافعة كصفة الصفوة وهذا ديننا وغيرهما من المواد النّافعة ثمّ خرجت بها علينا مرشدة ناصحة معمّمة للخير ولكنّك اخترت الذي هو أدنى… فالقرّاء المسلمون وخاصّة أهل تونس يرغبون فيما يعرّفهم بدينهم الذي لبّسه عليهم المغيّرون و »الأنبياء » الذين برزوا في البلاد وعبدة الشياطين. وليسوا في حاجة إلى إعادة سفالات لا يتوقّف عندها إلاّ ناقص عقل ومروءة ودين… ولعلّي في هذا الباب أدعوك كما دعوتِني إلى تفهّم ما تقرئين وفقه الهدف الذي من أجله تكتبين: فإن كان خيرا فاثبتي واستمرّي بعد أن تصحّحي المقصد، وإن كان غير ذلك فأقلعي فإنّه لا خير فيه إلاّ ما كان مِن كثرة الرّدود التي تصلك أو تقرئينها عبر النّات. وتذكّري أنّ مِن أكثر المخلوقات ذكرا هو إبليس، وما كانت تلك مزيّة أبدا فالكلّ لا يتردّد في لعنه!…

بقي أن ألفت نظرك بصدق كامل، بأنّه كما لم يسبق لي أن عرفتك فإنّه لم تسبق منّي ولن تلحق رغبةٌ في رؤيتك – لا قدّر الله – كافرة أو مكفّرَة، واعلمي أنّ ذلك إن حدث لا ينقص من ملك الله شيئا كما أنّ إيمانك وإيماني لا يزيدان من ملكه شيئا، الشيء الذي يجعلني أستغرب كثيرا من مسارعتك (وهو سلوك الكثير) إلى وصف منتقد فكرك بالتكفير دون أن ينتبه الواحد منكم إلى « كفرياته » التي قد تكفّره فعلا … أرى استنجادك بهذا المصطلح قد قلّد كثيرا استنجاد الحكّام الظلمة حيثما كانوا بمصطلح « الإرهاب »، ممّا قد يفقد الأشياء مدلولاتها، فكثير ممّن يتّهم الآخر بالإرهاب يمثّل اليوم رأس الإرهابيين إلاّ إذا رأينا في ما يحدث في المشرق عموما فتحا وفي ما يحدث في بلداننا ديمقراطيّة وعدلا …

أتمنّى أن يأتي اليوم الذي أرى فيه سلوى القارئة الفاهمة تنافح عن دينها أو دين قومها أوعن القضايا الأخرى الكثيرة التي قد تلهي هذه الأيّام عن التفرّغ إلى الفتاوى المُخجلة… ويومها لن تجد سلوى منّي ما يضيرها، وسوف تتأكّد من أنّ مربط الفرس ليس كما رأته اليوم، فقضيّتنا في تونس ليست رفض الآراء بل العمل على جعلها خادمة للمصلحة، وليست هي توحيد العلوم بل العمل كذلك على جعلها صحيحة نافعة، ولست في الشهادات بل في إثبات الكفاءة في الميادين التي وقع فيها التخصّص، مع الإخلاص له (أي التخصّص) فقد كلّف النّظام الفاسد في تونس دكاترة وأساتذة من كليّة الشريعة وأصول الدين لمحاربة التديّن والقضاء على الأصول!.. تقول سلوى:  » … والحقيقة أن تهمة التّجهيل أصبحت مضحكة لفرط تواترها على الأساس المذكور. وأعلم أنني سأظل جاهلة حتى وإن قمت بإرسالك نسخة من شهادة في أصول الدين وفي الفقه (القانون الإسلامي) لأنك لن ترضى عنّي طالما لم يوافق رأيي رأيك وعلمي علمك. وهذا هو مربط الفرس.« 


بسم الله الرحمن الرحيم

الى متى يبقى الاستخفاف بمشاعر المسلمين في تونس!

ان شعبنا المسلم في تونس و الذي قدم الكثير من اجل المحافظة على علاقات طيبة و منفتحة مع التونسيين اليهود منذ عهود قديمة الى يومنا هذا تطبيقا لتعاليم الاسلام السمحة و الداعية الى حسن الجوار و احترام اصحاب الديانات السماوية و خصوصا اهل الكتاب,   لا يمكن له قبول تحويل يهود تونس ورقة تستعملها بعض الاطراف العلمانية  داخل السلطة للاستقواء بالصهاينة الاوروبيين خدمة لمشاريعهم الاستئصالية و ضرب مشروع رئيس الدولة لاعادة انتاج ميثاق وطني جديد ان الاحتفال الذي التام بنابل  و حضره العديد من الصهاينة من اعداءامتنا و شعبنا المسلم ومواطنينا اليهود على اساس انه احتفال ديني !!يمثل استخفافا كبيرا بمشاعر المسلمين في بلادنا و ضربا لمصالحنا الوطنية و القومية.
يجب على كل الشرفاء و القيادات الوطنية خصوصا داخل التجمع الدستوري الديمقراطي و باقي الاحزاب الوطنية و الشخصيات العلمية و الدينية التنديد بما وقع و المطالبة بمحاسبة المسؤولين.
 ان مجاميع المترفين و اللاوطنيين في بلادنا يريدون اذلال شعبنا و التعدي على كرامته و عزله عن امته العربية و الاسلامية من خلال منعه من التعبيرالحر عن هويته و اقامة شعائره بزعمهم الدفاع عن اللائكية و  سماحهم بل تشجيعهم لمجموعات صهيونية لفظها اليهود قبل غيرهم باحياء طقوسهم الشيطانية!!بتونس منارة الاسلام.
ندعوا اهلنا الغيورين على دينهم ووطنهم الوقوف امام هؤلاء المترفين اعوان عبدة العجل و نقول للصهاينة لا مكان لكم في بلادنا.
عاشت تونس مسلمة حرة مستقلة
عماد الدين الحمروني

 

 

في ذكرى تحويل القبلة : أي دلالات في الماضي والحاضر؟

الحلقة الأولى.

 
مرقوب أن تحيي الأمة الإسلامية في منتصف هذا الشهر شعبان الخير ذكرى خلدها الوحي الخالد فجعلها قرآنا يتلى آناء الليل وأطراف النهار في أطراف الأرض كلها حتى تقوم الساعة وهي ذكرى تحويل القبلة التي صلى إليها النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام  وصحابته الميامين عليهم الرضوان جميعا حتى ثمانية عشر شهرا خلت من الهجرة وهي قبلة المسجد الأقصى الذي بارك الرحمان سبحانه حوله فجعله قبلة الديانات ومولدها قبل الإسلام ومن الثلاث الحرم التي لا تشد الرحال إلا إليها ومنتهى مسرى خاتم الرسل وإمام الأنبياء عليهم السلام جميعا ومبتدأ معراجه. كان الأقصى الشريف قبلة الإسلام في الصورة الخاتمة للصلاة على إمتداد ثمانية عشر شهرا قبل الهجرة وبمثلها بعدها وقبل ذلك من البعثة حتى رحلة الإسراء عندما كانت الصلاة بالغداة والعشي ركعتين ركعتين فحسب أو لم تكن مفروضة سوى في حقه عليه الصلاة والسلام. صحيح أن القرآن الكريم ذكر الحادثة ولم يحتف بها طويلا أو كثيرا كما فعل مع أمور أخرى وهو موقفه ذاته من الإسراء والمعراج بما يجعل المنهاج الإسلامي الصحيح تفكيرا وسلوكا من المسلم فردا وجماعة هو : تقديم ما قدم القرآن الكريم وتأخير ما أخر لأن ما قدم ضروري كلي عام مطلق تفسد الحياة بدونه فسادا كبيرا وما أخر إما أن يكون محل إختلاف بين الناس تلجه دائرة الإجتهاد دون نكير أو تحسيني فرعي جزئي خاص لا يحرس الحياة من الفساد ولكن يزينها. غير أن ذلك لا يمنع من إلتقاط بعض الدروس المعاصرة من ذكرى مؤخرة هي ذكرى تحويل القبلة. أولا : لأي غرض إعتمد الإسلام قبلة الإسرائيليين ردحا من الزمن ولأي غرض عدل عن ذلك بعد ذلك؟ معلوم بداية أن القبلة في الصلاة كشأن التيمم فيها وأمور أخرى تحمل الدلالة الرمزية التي يكون معناها مطلق الطاعة والتسليم فيما لا تحيط به العقول على وجه اليقين وبذلك لا عبرة بما قيل من أن العبادات لا تخصع للتعليل والتقصيد بخلاف المعاملات ولعل عذر من قال بذلك قصده أن جزئياتها وفروعها من المكيلات والموزونات والهيئات والمؤقتات بزمان أو مكان وما في جنس ذلك وحكمه .. غير معللة ولا مقصدة. أما أسس العبادات الأولى فهي معللة مقصدة بنص القرآن الكريم حتى قال إبن القيم عليه رحمة الله سبحانه أنه عد ألف موضع من ذلك بشكل مطلق وما عثر له على نهاية. أما تأبي تلك المكيلات وما في جنسها وحكمها عن ذلك فهو لمقصد الطاعة المطلقة والتسليم من العبد المملوك لمولاه سبحانه وأكرم به من مقصد أسنى هو وكاء المقاصد كلها ووعاء الغايات والأهداف الشرعية كلها لتتحقق في المخلوق المصنوع المملوك مطلق العبودية وكمال الدينونة. أما أن نجرد الإسلام من مقصد الطاعة والتسليم من عبد لمعبود سبحانه تحت دعوى أن تلك الجزئيات التفصيلية غير مفهومة المعنى فلا معنى له سيما أن من يقرأ الإسلام في مصدريه العظميين الأوليين قراءة بعد قراءة لا ينقدح في ذهنه بعد إستنباط كل المقاصد وتخريج كل العلل كليها وجزئيها سوى أن المقصد الأسنى من كل ذلك هو إخلاص العبادة وتحصيل التقوى. وبذلك يكون تحديد قبلة أو تجميد العمل بأخرى مقصدا بمطلق الطاعة وكمال التسليم وبذلك نطقت الآية الكريمة تقول  » وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه « . أي أنه للعقل أن يسعى ويكدح دون حدود تحصيلا للصواب والخطإ دون تثريب ولكن إذا تاخم الحمى الذي لا يقدر على السباحة فيه فإن له أن ينقاد كلما كان يعتقد أنه مخلوق لخالق ومملوك لمالك. والقرآن الكريم يرد بذلك على شبهتين عبر عن أحدهما من وصفهم بالسفهاء وعن الأخرى دون ذكر أصحابها وهما : شبهة تفيد أن إستبدال قبلة بأخرى دليل تخبط ورعونة وهي الشبهة التي أثارها السفهاء من الناس وهم هنا بنو إسرائيل وشبهة تفيد أن الله الذي يملك المشرق والمغرب ليس بحاجة إلى تحديد قبلة بعينها ولكن عني القرآن الكريم بالرد على الشبهة الأولى أكثر من عنايته بالثانية بسبب أن المواجهة يومها ـ وفي يومنا هذا كذلك ـ كانت جبهتها حامية الوطيس من جانب الإسرائيليين المتحصنين خلف نسلهم الكتابي العريق وهو أمر صحيح أما من جانب جبهتها الأخرى ـ جبهة الفارغين الذين يشغبون في كل زمان ومكان دون التحصن بمشروعية من كتاب أو غير ذلك ـ فإنه إكتفى بقوله  » قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم « . لو عدنا إلى السؤال الكبير : لأي غرض إعتمد الإسلام قبلة الإسرائيليين ردحا طويلا من الزمن ثم إستبدلها بقبلة أخرى جديدة لا عهد للبشرية بها؟ أغراض كثيرة منها أن الإسلام أراد أن يؤكد مشروعية الأديان السابقة مشروعية مطلقة كاملة قبل نزول خاتم الأديان ثم مشروعية إتباع في الدنيا من أهلها في كنف السلم والإحترام المتبادل دون مشروعية الآخرة وتأكيد تلك المشروعية من لدن الإسلام معناه أن الدين الجديد هو من المشكاة ذاتها أي مشكاة التوحيد الخالص ولقد أفاض القرآن الكريم في ذلك إفاضة عجيبة حتى عد الإيمان بكل الرسل وكل الكتب عقيدة إسلامية ثابتة قطعية. من معاني تأكيد الإسلام لتلك المشروعية من خلال إتباع القبلة القديمة قبل الهجرة وبعد الهجرة أي بعد التمكين والظهور على القوى المعتدية .. رسالة مفادها أن الأصل الفكري للديانات جمعاء واحد أصله الثابت  كلمة سواء  » ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله  » أي كلمة شقاها هما : حراسة التوحيد الخالص لا شائبة من شرك فيه وحراسة الكرامة الإنسانية بنفي الظلم والتربب والعدوان والتأله والبغي أي حرية الإنسان تحت سقف وحدانية الرحمان سبحانه. كانت تلك المرحلة ضرورية من ناحية وكافية من ناحية أخرى سيما بعد التمكين في المدينة لتضمين رسالة إلى الناس قاطبة والإسرائيليين بصفة خاصة مؤداها أن الإسلام ليس نقيضا لكم ولا بديلا عنكم ولكنه دين قديم جديد يدعو إلى تطهير التوحيد الإسرائيلي السابق من شوائب الشرك بالله الوحد الأحد سبحانه إلتقاء مع أصل كل تلك الديانات أي الإبراهيمية رمز التوحيد الصافي في القصص القرآني. يفعل الإسلام تلك الدعوة على أساس الحجة العقلية والبرهان المنطقي وعلى أساس حرية الإنسان في إعتناق أي دين دون أدنى إكراه من ناحية ولكن دون فتنة مبيتة خفية يمكن أن يتوسل إليها بحركة ردة تنسف التوحيد الخالص من جهة وحرية الإنسان من جهة أخرى. تلك هي رسالة الإسلام من خلال توخي القبلة القديمة نفسها حينا من الدهر : الإسلام لبنة جديدة تكمل اللبنات القديمة وإخراج جديد مناسب للعصر الجديد وما سينبثق عن العصر الجديد. وذلك هو ما يفسر ختم النبوة وإنبناء الإجتهاد في كل عصر جديد على أساسين : ثوابت قطعية صالحة لكل زمان ومكان وحال وإنسان لا إجتهاد فيها وظنيات تحتمل ذلك أي حل أقدم مشكل بشري عقلي على قاعدة الوسطية العقلانية والعدل : الوحدة والتنوع. من نداءات تلك الرسالة أيضا : منح الإسرائيليين فرصة كافية لإعمال العقل السليم في الدين الجديد الذي ظل ردحا من الزمن موافقا لقبلتهم يلزم أتباعه بالتوجه إليها وإقرار منه بمشروعية تلك الأديان عسى أن يفضي ذلك الإقرار إما إلى إعتناق الدين الجديد الذي هو إمتداد من كل الجوانب الثابتة للدين القديم فلا يختلف عنها سوى في التشريعات التي لم تتناولها هي أصلا إلا في إستثناءات قليلة .. أو إلى إقرار طبيعة التعايش السلمي بين البشر فكما تعايش الإسلام معهم في قبلتهم ردحا من الزمن فآثروا البقاء على دينهم فإن عليهم أن يتعايشوا معه على الأساس ذاته خدمة لقانون التدافع وما يثمره من حركة وحياة وإبتلاء وعمارة. من تلك النداءات كذلك : الإسلام الجديد أولى بالقبلة القديمة وبنبي القبلة القديمة بل بكل أنبيائها وجلهم من بني إسرائيل فهو دين يؤمن بالإصلاح الدائب المثمر كلما كان الإصلاح ممكنا وهو دوما ممكن ولا يؤمن بالثورية الإنقلابية التي لا تقر ما سبقها بل تطأه بدباباتها وأحذيتها لا تلوي على شيء. حتى في أسمى رسالات الإسلام ومعقد الحكمة منها أي العقيدة فإنه لم يأت إنقلابيا ثوريا صاخبا يقوم على الإلغاء بل جاء يصلح المعتقدات الفاسدة مبينا فسادها ومرشدا إلى مواطن إصلاحه وبذلك يلتقي الإسلام مع كل الناس من كل معتقد ودين ومذهب وملة وطائفة وعصر ومصر برهانه في ذلك العقل وسلاحه الحرية. فلما تبين للناس من مؤمنين ومراقبين يومها بأن الدين الجديد رغم موافقته لقبلة الإسرائيليين إلا إنهم توزعوا على جبهتين لعدائه وحربه ( أهل الكتاب بسلاح الخيانة الدستورية الموصوفة من ناحية وحركة النفاق الناجمة وهي سليلة الكتابيين كذلك ) .. لما تبين لهم ذلك بعد عام ونصف من بدايات تمكن الدين الجديد كان مناسبا أن يتميز الدين الجديد بقبلة جديدة لخدمة أمرين كبيرين : ـ أولهما أن التميز بقبلة جديدة هدف وغاية يقصد منها إستقلال الدين الجديد بأكثر ما يمكن من أسسه ومسائله عن التدين القديم المغشوش ( بجبهته العربية الشركية والإسرائيلية الكتابية ) شأن كل كائن جديد لا تزيده الأيام إلا تميزا عما سبقه ولو كان خارجا من رحم أمه وبذا يتميز الولد عن والدته يوما بعد يوما بعد خروجه منها ليكتسب كيانا جديدا مستقلا فيه الإشتراك بقدر ما فيه من الإختلاف والتميز. ـ ثانيهما أن مزيدا من توجيه المسلمين لقبلة الإسرائيليين بعدما تمحض هؤلاء لحرابتهم دون هوادة بأخس الطرق الجبانة ( الخيانة الجماعية المنظمة الغادرة و تغذية وتطعيم حركة النفاق بالعنصر الإسرائيلي العليم بالديانات السابقة المؤهل للحجاج والمكافحة النظرية ) .. لم يعد له لزوم ولا مناسبة لأن التمادي فيه سيعرض المسلمين من جهة والمقبلين على دينهم الجديد من جهة أخرى للفتنة وهي أشد من القتل لأنها قتل معنوي وهي فتنة تختلط فيها الأوراق والحابل بالنابل والإشاعات المرجفة بالحقيقة في ظل صخب إعلامي يشكل عقول الناس ومواقفهم كما يريد له دهاقنته. أي أنه يسعك الإلتقاء مع المتربص بك دون أن يظهر عليه ما يؤكد ذلك للناس عاما أو عامين لتوسيع دائرة الإلتقاء معه على أسس إنسانية سمحة قوامها حراسة التوحيد الخالص وحرية الإنسان في العقيدة والعبادة دون إكراه ولكن إذا زاد ذلك الإلتقاء على حده فأصبح يشكل حرجا لميثاقك الذي جمعت الناس عليه وقد يمكن ذلك المتربص وأعوانه من خلخلة أركانك بإسم الإلتقاء الإنساني .. إذا غلب على ظنك وقوع ذلك فإن تميزك عنه في كل كبيرة وصغيرة مطلوب لحماية نفسك وحماية الأسس العقلية الكبرى من مثل كرامة الإنسان وحمايته من التعرض للفتنة. كل ذلك مشروع ولكن تحت سقف نفي العدوان وقطع دابر البغي والتظالم بين الناس. وبذلك كان لإلتقاء القبلتين في قبلة واحدة ( قبلة الإسرائيليين والمسلمين شطر الأقصى ) أسبابه المعروفة وبزوال تلك الأسباب ونشوء بوادر الفتنة والخصام المدمر على الريادة الدينية التي تريد الظاهرة الإسرائيلية إحتكارها على ظلم وبمكر .. تزول أسباب الإلتقاء على قبلة واحدة. وإلى حلقة تالية أستودعكم من لا تضيع ودائعه ودائعه. الهادي بريك ـ ألمانيا.


عقدة العقيد بين سيف الاستسلام والفاتح السّعيد

 
نصر الدّين بن حديد nasrbenhadid@yahoo.fr الناظر إلى ما يجري ويدور في ليبيا راهنًا، يجد نفسه ـ من باب الأمانة التاريخيّة ـ مجبرًا على إعادة قراءة تاريخ هذا القطر ـ على الأقلّ ـ منذ أن أقدم العقيد معمّر القذّافي ـ صحبة أقرانه ـ على قلب النظام الملكي. إذا أمعنّا النظر واعتمدنا المنهجيات الأكاديميّة، أو ألقينا نظرة سطحيّة عابرة، يمكننا الجزم بأنّ النظام الليبي شكّل [ولا يزال] مثالا على حدة، سواء على مستوى تطوّر تركيبته أو أدائه، أو من خلال علاقته بالجوار أو المحيط الإقليمي والأطراف الفاعلة على المستوى العالمي… أعلن العقيد معمّر القذّافي ونزّل نفسه وتصرّف، منذ أن وضع رجله على سدّة الحكم، في صورة من ينوي ويعتزم بناء «النظام الأفضل على الكرة الأرضيّة»، ليتلبّس «صيغة المطلق هذه» في أفعاله وأقواله وتصرّفاته، بل أيضًا من خلال خصوماته المتواصلة وصداقاته المتقلّبة… أيضًا عمد العقيد معمّر القذّافي من خلال الخطاب والممارسة [إقصاء أقرانه عن حلبة الحكم] وتنزّل مذّاك في صورة «الأوحد الوحيد»، ليكون «القائد»، سواء من خلال «الكتاب الأخضر» الذي قدّم «نظريته الأمميّة الثالثة» أو حرصه الدائم وسعيه المتواصل «للتبشير» مهما كان الثمن [بالدولار] بهذه الأفكار، مستلهمًا أو متلبسّا صورة [أو هي مسيرة] «المنقذ» الذي عليه أن يخلّص الإنسانيّة والعالم. هذه «الفردانيّة» الأيديولوجيّة، لم تمكّن النظام ـ رغم سعيه «الوحدوي» المتواصل ـ من بناء علاقات راسخة وعميقة، أو في أقلّها مستقرّة وعادية مع محيطه الإقليمي، بل شكّلت «تقلّباته المزاجيّة» عامل خوف، سواء لدى أقرب المقرّبين من حواشيه أو المتعاملين معه من بقيّة الدول. الناظر، بل المتمعّن في الخطاب الذي يسوّقه سيف الإسلام القذّافي ـ الذي لا يمكن أن نعتبره «عدوّ الثورة» ـ يستخلص أنّ «منجزات الثورة» جاءت أقلّ بكثير من الهفوات الكثيرة والأخطاء الجمّة والانحرافات العديدة والانتكاسات المتعدّدة، بل قدّم ولا يزال نجل العقيد القذّافي، صورة قاتمة عن الوضع في ليبيا، وصبّ لهيب انتقاداته على أجهزة الدولة وأدوات عملها، مستثنيا والده ومقدّمًا في الآن ذاته «الحلول السحريّة» أو هو «ترياق الشفاء»، لشعب ـ ولشباب على وجه الخصوص ـ لم يعد يستسيغ خطابات «السيّد الوالد» و«تقلّباته المتكرّرة»… شكّلت تصريحات هذا «النجل» بخصوص «قضيّة الممرضات البلغاريات» مثالا صارخًا على القطع أو هي القطيعة الذي يريد الأبّ/الابن أن يمارسها داخل وبين دوائر السلطة، فحين يعلن هذا «السيف» أنّ الحكاية «مفتعلة من أساسها»، وحين يؤكّد على «تعرّض الممرضات والطبيب الفلسطيني للتعذيب»، فهو يبغي إخبار العالم والداخل الليبي [على وجه الخصوص] أنّ دائرة «النظام» [الرسمي] انحصرت في ذاته ووالده، ومن ثمّة يعلن أنّ «بقيّة ما تبقّى» [من دوائر النظام الليبي] لا يعدو أن يكون كمثل «قطع غيار السيّارات» ممّا يجوز بل يجب استبداله أو حتّى التخلّص منه. المتمعّن في خطاب سيّف الإسلام القذّافي يجد فيه تلك «الصورة الطهرانيّة» التي تلبّسها والده عند صعود سدّة الحكم، مع وجوب الإشارة والتأكيد على أنّ «الأب» حاول تخليص العباد والبلاد من «مطلق الشرور الملكيّة»، في حين يسعى «الابن» أيضًا إلى تخليص البلاد والعباد من «مطلق الشرور التحريفيّة»… ضمن هذه الصورة وتلك، جاءت «القطيعة التاريخيّة» لتشرّع «الانقلاب» وتسوّغ «تدنيس الآخر»، مع وجوب التأكيد أنّ النظام الملكي كان فاسدًا وخائنًا على مستوى الذات والفعل في قطيعة مع «المصلحة العليا والتاريخيّة للشعب»، في حين أنّ «القوى التي يحاربها سيف الإسلام» جاءت خائنة هي الأخرى وفاسدة على مستوى الذات والفعل في قطيعة مع «المصلحة العليا والتاريخيّة للقائد/النظام/الشعب». ساهمت «نظريّة المؤامرة الدائمة» في التأسيس لمفهوم «الذات الثوريّة» وتعلّة لتصفية «شركاء الثورة» ومنطقًا للقضاء على كلّ «الكلاب الضالّة» [كما يحلو للعقيد تسميتهم]. كما تلبّس العقيد القذّافي [ابن الصحراء وعاشق الخيمة] منطق الثعبان في قدرته على تغيير جلده عند الحاجة والضرورة، فمن تلك «الطزّ» الشهيرة، بقيت ولا تزال الولايات المتّحدة على حالها مهما عرفت من تغييرات، ضمن منطق «الجماعة»، في حين جاءت «الانقلابات/التقلّبات» الليبيّة صنيعة «الأخّ قائد الثورة»، لتكون ـ على الدّوام ـ مفاجأة، تصدم في أغلب الأحيان أقرب مساعديه. يكمن السؤال ـ سواء لدى عامّة الناس في ليبيا أو لدى دوائر صنع القرار في الغرب ـ في قدرة «الابن» على استنساخ الماضي واستحضار ذلك النفس القيادي القادر على بيع الحلم وتصريفه لدى الشباب خصوصًا، سواء على مستوى «معاداة» من يقفون خارج «دائرة الشرعيّة» التي أسّس لها الابن أو ابتدعها، أو القدرة على التوفيق بين متطلّبات «النفس الاستهلاكي» على النمط الغربي من ناحية وضرورة مسك أدوات السلطة والتحكّم فيها، ومن ثمّة تأتي قدرة/عجز خطاب سيف الإسلام ـ مبدئيّا ـ على مستوى قدرة الإقناع وليس طاقة الفعل أو الوفاء بالوعد. لم يأت كلام سيف الإسلام عن أنّ «الإسلام والقذّافي يمثّلان خطّا أحمرًا» اعتباطًا، بل جاءت واو المعيّة، لتؤكّد ليس فقط على «هذا الخطّ الأحمر»، بل لتؤكّد أن قدسيّة الثاني [أيّ العقيد] هي كمثل قدسيّة الأوّل [الإسلام]، إن لم تكن جزءا منه، ويكمن وجه التشبيه المعتمد في الصورة «الإلهيّة» التي صارت للقائد، حين أصبح بل ترسّخ فوق النقد أو الانتقاد أو الشبهة أو المساءلة، سواء على مستوى الخطاب أو الممارسة أو حتّى النوايا. من ثمّة يصير القائد، «خارج منطق العباد»، ولا يجوز من باب التقديس الذي أسّس له «الخطّ الأحمر» أن يخضع لمنطق البشر، سواء على مستوى الشكّ أو المجاهرة بالرفض، ليكون جزءا من «قضاء الثورة وقدرها» الذي وجب على الليبيين الإيمان به، بل التسليم، ليس من باب العقل والاقتناع، كما هو حال الدين الإسلامي، بل من باب أنّ الأمر لا يحتمل ـ كما هو حال الإيمان الديني ـ مرتبة وسطى… كما يأتي حبّ المسلم للذات الإلهيّة مطلقًا وكاملا وغير محدود، سواء نال الفرد من خيرات هذه الدنيا ما لا طاقة له على وصفه أو ابتلاه الله طوال العمر، يكون ـ بل وجب أن يكون ـ حبّ الليبيين للعقيد مطلقًا، ومنحصرًا في ذاته وفي منجزاته، دون أدنى اهتمام بما يمكن أن يراه البعض أو يتمّ تفسيره أو اعتباره في صورة الهفوات الكثيرة والأخطاء الجمّة والانحرافات العديدة والانتكاسات المتعدّدة!!! من الأكيد ومن الطبيعي أنّ يتقبّل الشعب الليبي ـ وخصوصًا فئة الشباب ـ المتعطّش إلى نفس تحرّري، خطاب «الابن» من خلال الغريزة والعاطفة، ومن ثمّة يكون السؤال «الوجودي» عن قدرة ـ أو هي رغبة ـ الأبّ/الابن في التأسيس لمنظومة جديدة/قديمة تعيد كرّة الوعود في تراوح بين عطايا «البترودولار» و«سيف الدولة» الذي لا يرحم… هذا المنطق «السيزيفي» [نسبة إلى سيزيف]، حين لم تأت ولم تترسّخ المرحلة الثانية ـ أو هي لعبة التوريث ـ على نجاحات الفترة الأولى، بل جاءت في أساسها محاولة لدرء الهفوات الكثيرة والأخطاء الجمّة والانحرافات العديدة والانتكاسات المتعدّدة، لتتراوح «همّة الوريث» بين الرغبة في «نسخ الماضي ونفيه» وبين التطلّع [ضمن النفس الطهراني] إلى بناء «ثورة جديدة»… لا يكمن السؤال في قدرة الابن أو فشله، بل في المدى الزمني الذي ستحتلّه «لعبة الإقناع»، إلى حين تبلور عقليّة لا تنفي منطق السلطة ومفاعيلها وأدواتها، بل لا تراها ولا تهتمّ بوجودها، خصوصًا وأنّ «ثورة/انقلاب» الأبّ قدّمت نفسها في صورة «الحتميّة التاريخيّة»، في حين جاءت «ثورة/انقلاب» الابن رغبة في تفادي «الحتميّة التاريخيّة» ذاتها، الذي أسّست لها واستوجبتها التطوّرات التي عرفها المجتمع الليبي في علاقة بواقعه وبالتحولاّت المعرفيّة التي عاشها العالم ولا يزال… لم تتبلور في ليبيا، كما هو حال الدول العربيّة، نخب سياسيّة ـ بما يكفي ـ قادرة على التموقع والتفكير ومن ثمّة الممارسة خارج منطق الجزرة والعصا، لتكون الردود في أغلب الحالات ـ إن لم نقل كلّها ـ من رهط الفعل السلطوي، متراوحة بين تلبّس لخطاب السلطة ومتاجرة به، أو نافية له سواء كان الانزواء والانفراد أو رغبة النفي والاستئصال… الناظر إلى ليبيا راهنًا، يلاحظ كثرة «الحجّاج» الراغبين في «الطواف» حول منجزات هذه الثورة والتسبيح بمنجزاتها المتعدّدة، متناسين بل متجاوزين وغافلين عن الاستحقاقات التاريخيّة الحقيقيّة، سوى ما رآه ـ من وضع نفسه في صورة ـ «ربّ البلاد والعباد» والعالم الوحيد بمصلحة الرعيّة… كرم الضيافة وكثرة الولائم ووفرة المال «السائب» لم تعلّم القائمين والقادمين الحرام فقط، بل جعلتهم ينخرطون في صناعة صورة «الملك العاري» الذي وجب علينا أن نبدي إعجابنا الشديد ببدلاته الجميلة الرائعة…

الحركة الوطنية التونسية ومطلب الاستقلال (1881-1956): (3 من 4) نقاش وجدل حول كلمتي «التحرير» و«الاستقلال» بقـلم:أ. محمّد لطفي الشايبي كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس – قسم التاريخ

** توظيف ورقة الضغط الأمريكي على السياسة الاستعماريّة الفرنسية

 
تنشر «الصباح» اليوم الحلقة الثالثة من الدراسة القيّمة التي خصها بها الأستاذ محمد لطفي الشّايبي حول الحركة الوطنية التونسية ومطلب الاستقلال (1881-1959) والتي كشف فيها عن وثائق نادرة عن الحركة الوطنية مع الإشارة إلى أن الحلقة الأولى نشرت في عدد يوم الثلاثاء 21 أوت 2007. أما الحلقة الثانية فقد نشرت في عدد يوم الأربعاء 22 أوت 2007. III – الحزب الحـرّ الدستوري الجديـد وتـوخّي سياسة المراحل (1934-1956)         شهدت الحركة الوطنية بصفة عامة والحزب الحرّ الدستوري بصفة خاصة تطوّرات هامة شملت على حدّ السواء طرق العمل وبرامج المطالب في الفترة الممتدّة من 2 مارس 1934 تاريخ انعقاد مؤتمر قصر هلال إلى تاريخ إمضاء برتوكول الاستقلال يوم 20 مارس 1956. ولئن تمكّن الحزب الحرّ الدستوري الجديد من التأثير على شرائح كبيرة من الرأي العام الوطني التونسي والقيام بدور القاطرة الدافعة بالقوى الحيّة في حلبة النضال الوطني وذلك بالسعي إلى تأسيس جبهة عريضة مناهضة للاستعمار فإنّ الحركة الوطنية كانت تضمّ أيضا مكوّنات قديمة (بقايا اللّجنة التنفيذية للحزب أو ما يسمّى بالحزب القديم) وجديدة (الحركة الزيتونية إثر الحرب العالمية الثانية) وظرفية (الحركة المنصفية من 1943 إلى 1948). « وبالتالي فإنّ ميلاد الحزب الدستوري الجديد كامتداد للحزب الدستوري الأصلي وكتغيير له هو، كما يشير إليه زهير الذوّادي، حدث سياسي مؤسّس لمرحلة تاريخية جديدة، حيث أصبح القوّة القائدة للعمل الوطني، الموحّدة حولها أوسع الفئات الشعبية التي كانت فيما مضى تناصر الحزب الدستوري القديم مع اقتحام قوى اجتماعية جديدة في جدلية الكفاح بالرّغم من أنّ بعض الأوساط بقيت بعيدة عنه نسبيا مثل أعيان المدن والوسط الزيتوني والحركة النقابية والعمّالية المنضوية في النقابات الفرنسية. لكن تطوّر الأوضاع بالبلاد خلال الأربعينات والخمسينات سوف يصحّح مسار تلك الحركات والأوساط ويجعلها تتفاعل إيجابيا مع التوجّهات السياسية الجديدة للحركة الوطنية التونسية »54. ويمكن رصد موقف الحركة الوطنية بصفة عامة والحزب الحرّ الدستوري الجديد بصفة خاصة إزاء مطلب الاستقلال من خلال لوائح المؤتمرات التي عقدت من 1934 إلى 1955، 55. والمراوحة بين فترات الحوار والقمع التي تخلّلت هذه الفترة بالرّجوع إلى الخطاب الوطني الرّسمي المنشور في الصحف أو المبيّن في الرسائل المتبادلة بين القادة الوطنيين56 ، وإلى وثائق الأرشيف الخاص المتعلّق برجال الحكومة الفرنسية في فترة المفاوضات التي أدّت إلى الاستقلال كما أشرنا إليه في المقدّمة. الملفت للنظر، أنّ ميلاد الحزب الحرّ الدستوري الجديد لم يصحبه تغيير في البرنامج المطلبي الذي أقرّه مؤتمر نهج الجبل قبل الانشقاق (12-13 ماي 1933) بل أكّد الديوان السياسي نهجه هذا في العدد الأوّل من جريدة « العمل » (1 جوان 1934) حيث جاء في الافتتاحية أنّ برنامج الحزب الحرّ الدستوري الجديد « ليس إلاّ برنامج الحزب الحرّ الدستوري الذي قرّره المؤتمر السنوي المنعقد بتونس في ماي 1933(…) ذلك البرنامج الذي شرح في وضوح أنّ غاية الحزب هي السعي إلى تحرير البلاد. وأبان سلوكه في الكفاح وهو العدول عن سياسة المشاركة والمكوث في صفّ المعارضة إلى أن تحظى الأمّة برغائبها التي أهمّها وأجدرها(…) التحصيل على مجلس تشريعي تونسي لسنّ القوانين والأنظمة في البلاد(…) » غير أنّ ما يمكن ملاحظته أنّ التوجّه الذي توخّاه الحزب الحرّ الدستوري الجديد هو الفصل بين الاستراتيجية التي تنشد تحقيق التحرّر والتكتيك أو الخطط السياسية التي تتفاعل مع ميزان القوى وقابلية الخصم أي الدولة الاستعمارية للحوار أو تقديم تنازلات. ومن ثمّ تجسّمت فكرة  » تحرّر الشعب التونسي على مراحل ». وقد تخلّل الجدل هذه المراحل وتمحور حول طبيعة النضال من أجل إصلاحات في إطار الحماية والرّجوع إلى التطبيق الحَرْفِي والسليم للمعاهدات من جهة والعمل على إرغام الدولة الاستعمارية وإخضاعها للتحاور مع قادة الحزب الحرّ الدستوري الجديد الذي سعى إلى التفرّد بدور  » المحاور المقبول أو المرضي » (L’interlocuteur valable) من جهة أخرى. وليس بغريب أن يحتدّ هذا الجدل في فترات الحوار أي سنوات 1936-1937 و1950-1951 ويؤول إلى تصدّع داخلي في صلب جهاز الحزب في خضمّ الخلاف اليوسفي-البورقيبي (1954-1956) ذلك أنّ تناقضات كلّ حركة تحريرية تطفو وتتصادم في المرحلة الأخيرة المؤسّسة للتفاوض مع الدولة الاستعمارية. وفي هذا الإطار بالذات، يمكن القول بأنّ قادة الحزب الحرّ الدستوري الجديد تمسّكوا دوما بـ  » منح الأمّة التونسية ضمانات دستورية تحفظ لها حقوقها في كلّ ما يتعلّق بالمالية والتشريع »57، واعتبروا ذلك عاملا أساسيا في إثبات سيادة التونسيين واختلفوا بين تيّار راديكالي وآخر معتدل في تهيؤ الشعب التونسي أو عدمه للمطالبة بالاستقلال (مؤتمر نهج التريبونال) وبين شق يدعو إلى مواصلة المقاومة إلى حدّ الظفر بالاستقلال التام وآخر ينادي بقبول الاستقلال الداخلي كمرحلة تقود إلى الاستقلال التام (مؤتمر صفاقس). وفي هذا السّياق، يمكن مساءلة اللوائح التي صادق عليها النوّاب في مؤتمرات نهج التريبونال (1937) وليلة القدر (1946) وصفاقس (1955) علما أنّ مؤتمر ليلة القدر جمع بالإضافة إلى قيادة الحزب الحرّ الدستوري التونسي الجديد مكوّنات الحركة الوطنية بكامل توجّهاتها: اللجنة التنفيذية والحركة المنصفية والحركة الزيتونية. إنّ تأثيرات الأزمة العامة التي شهدتها الإيالة التونسية طوال الثلاثينات من القرن الماضي على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والديموغرافية كانت بمثابة الرجّة التي زعزعت أركان الحضور الاستعماري. ولم تكن مسألة المطالبة بالاستقلال وإدراجه في برنامج الحزب مقتصرة على الحركة الوطنية التونسية بل شملت الحركة الوطنية الجزائرية عن طريق تأسيس حزب الشعب الجزائري (سنة 1937) والحركة الوطنية المغربية (عن طريق تأسيس حزب الاستقلال (سنـة 1944)58. وإذا ما تمعنّا في الظرف العام الذي انعقد فيه مؤتمر نهج التريبونال، يتيسّر ملاحظة إجماع المصادر المتوفّرة على أنّ الرّغبة في إدراج كلمة « استقلال » (indépendance) في برنامج الحزب عوضا عن « تحرير » (libération ou émancipation) كان منطلقها قاعديا أي صرّح بها مجموعة من المؤتمرين وخاصة أعضاء اللجنة السياسية برئاسة الحكيم سالم الشاذلي (1896-1954) والمقرّر العام الحبيب بوقطفة (1906- 1943)59. ولئن اتفقت مذكّرات محمود الماطري ويوسف الرويسي وسليمان بن سليمان وإبراهيم عبد الله – وكانوا جلّهم من المؤتمرين- على تبيان الحماس الذي ساد أشغال المؤتمر، فإنها تختلف في تحليل النتائج. برز في المؤتمر تيّاران: تيّار متطرّف وآخر يميل إلى الاعتدال في القرارات. وكان الأوّل يمثّله الحبيب بوقطفة ويوسف الرويسي والمنجي سليم وعلي البلهوان والباهي الأدغم وصالح بن يوسف والهادي نويرة ومفتاح فرحات… أمّا الثاني فكان الدكتور محمود الماطري والبحري قيقة والطاهر صفر وبو صفّارة والعجيمي من أبرز ممثليه. وكان أعضاء اللجنة السياسية قد  » أسهبوا في بسط الحالة السياسية وما تستدعيه من المواقف وأمعنوا النظر في برنامج الحزب ». ولم يتيسّر لأعضاء اللجنة الخمسين التصويت على اللائحة التي قدّمها الكاتب العام للحزب الحبيب بورقيبة إلاّ مع طلوع فجر يوم غرّة نوفمبر 1937 (الساعة الثالثة والنصف صباحا). إذ صوّتت الأغلبية لفائدة إبقاء البرنامج على حاله وإقرار بنوده دون تحوير. وكان لخطاب الكاتب العام الحبيب بورقيبة الوقع المؤثر على أعضاء اللجنة السياسية حيث ذكر بالخصوص ما يلي: « لقد رأيت كدستوري لا كعضو بالديوان السياسي أن أجمع حوصلة آراء مختلفة ولكنّها ذات قيمة. وبعد أن درسناها وضعنا من مجموعها لائحة حرّرناها لكم لتسهيل مأموريتكم فقط إذ لكم الحقّ في تنقيحها أو قبولها أو رفضها (…). (…) لاشكّ أننا متفقون في الغاية هي الاستقلال وإنّنا لم نحجم لا من التعبير عليها لدى المسؤولين من رجال حكومة فرنسا ولا من إذاعة تلك المحادثة التي بسطت فيها مسألة استقلال تونس على صفحات الجرائد. فالخلاف باللجنة السياسية انحصر في هل تبقى كلمة  » التحرير » بالبرنامج الأساسي أم تعوّض  » بالاستقلال ». وأنا شخصيا أرى عدم التغيير لأنّ وضعنا في برنامجنا الأساسي كلمة  » التحرير » لا يمنعنا من الطموح إلى الاستقلال طبعا. فكّروا يا سادة هل نحن مستعدّون الاستعداد الكامل لنُجابه عواصف ربّما تكون أشدّ العواصف التي مرّت بنا في كفاحنا الماضي القصير الأمد. « إنّني لا أمتنع من تقرير كلّ تعبير مهما كانت صيغته من التطرّف ولكن هل هذه النفسية موجودة في الأحرار الذين وراءكم والذين أنابوكم للتكلّم باسمهم؟ وإذا فصلتنا عنكم الزوابع فهل تضمنون استمرار إدارة دواليب الحزب؟ وهل تضمنون استمرار الكفاح الشديد الذي أنتم بصدده في ذلك الحين؟ إذا كان كلّ هذا محقّق فنحن على استعداد حتى إلى الموت؟ (تصفيق حاد). إذن فكّروا بعقولكم وراجعوا نفوسكم هل لها جلد لتسير إلى النهاية. فتمعنوا وتثبتوا فإنكم مسؤولون أمام الله والواجب ومصلحة الأمّة التي أوفدتكم لتمثلوها في هذا المؤتمر. أنا أوّل من يعتقد في ضرورة الاستقلال ولهذه العقيدة لم أجازف بمطالبته أوّل الأمر ورحت أكوّن له الأسس الصالحة للبناء وأستعدّ له وأعتقد أنّي هيّأت له بعض التهيؤ ولازلت مستمرّا في البناء أقول لازلت لأنّ ثلث الشعب الدستورية لازالت بعيدة عن مستوى شقيقاتها(…) »60. لم تكن مسألة إدراج مطلب الاستقلال في البرنامج الأساسي للحزب وتعويضها بكلمة  » التحرير » النقطة الوحيدة التي أثارت جدلا ونقاشا حثيثا بين المؤتمرين بل طرحت مسائل أخرى تنظيمية (تسديد الشغور الحاصل في الديوان السياسي نتيجة لتخلّي أمين المال محمّد بورقيبة عن مسؤولياته، إحداث خطّة جديدة داخل الديوان السياسي أطلق عليها اسم « ناظر »، تنظيم مالي جديد وقرارات سياسية علنية وأخرى سرّية لمجابهة الوضع الاستعماري)61. غير أنّ الطريقة التي سلكها الكاتب العام الحبيب بورقيبة للسيطرة على الصبغة الحماسية التي سادت أشغال المؤتمر، تنمّ عن قراءة واقعية وصائبة للظرف. ولئن عبّر في هذا السياق عن نفس التمشي الذي طرحه الدكتور محمود الماطري من حيث عدم التهيّؤ، فإنه يعارض توجّه سليمان بن سليمان الداعي إلى المطالبة بالاستقلال. وهنا تتجلّى رؤية الكاتب العام الحبيب بورقيبة في استخلاص ما نتج عن تجربة مصالي الحاج عندما أدرج مطلب الاستقلال في برنامج الحزب الذي أسّسه سنة 1937 (حزب الشعب الجزائري) دون تهيئة الشعب الجزائري لذلك من جهة وكذلك الصعوبات التي اعترضت الحزب الحرّ الدستوري الجديد لتكوين جبهة وطنية ضدّ الاستعمار تحت قيادته (رجوع الشيخ عبد العزيز الثعالبي في جويلية 1937 والصراع بين أنصار الديوان السياسي وأنصار اللجنة التنفيذية، فشل تجربة جامعة عموم العملة التونسية وانقسامها إلى جـامعتين: جامعة بقيادة الهادي نويرة وأخرى بقيادة بلقاسم القناوي)62. وعلى أيّة حال، لم يمنع تصويت الأغلبية لفائدة إبقاء برنامج الحزب الأساسي على حاله وعدم تعويض كلمة « التحرير » بمرادف « الاستقلال » الادارة الاستعمارية من شنّ حملة قمعية واسعة النطـاق ضدّ مناضلـي الحزب الحرّ الدستوري الجديـد إثر حوادث 9 أفريل 1938 وآل الوضع إلى حلّ الحزب وحجز وثائقه ومنعه من أيّ نشاط. ويتّضح أنّ العـامل الأسـاسي الذي جعل الكاتب العام الحبيب بورقيبـة يخيّر الإبقـاء على كلمة  » التحرير » يكمن في ربح الوقت، لأنّ القمع آت لا ريب فيه وبدت ملامحه الأولى تظهر إثر سقوط حكومة ليون بلوم الأولى (21 جوان 1937). ويمكن استنتاج أن المطالبة بالاستقلال بقيت في فترة الثلاثينات من القرن الماضي ضمنية في برنامج الحزب الحرّ الدستوري الجديد لاعتبارات استراتيجية وتكتيكية في حين أصبحت علنية لدى أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب إثر مؤتمر قصر هلال وخاصة عودة الشيخ عبد العزيز الثعالبي (جويلية 1937)63 . وبقدر ما سعى الحزب الحرّ الدستوري الجديد إلى تعبئة كافة شرائح المجتمع التونسي وإقحامها في استراتيجيته التحريرية ضمن سياسة المراحل واستكمال التهيؤ لشنّ المعركة الحاسمة، ظلت اللجنة التنفيذية في دائرتها الضيّقة (167 شعبة من بينها 13 بتونس العاصمة والأحواز وشعبة واحدة بباريس) محترزة من استراتيجية العمل المباشر واكتفت بتحرير المقالات والعرائض وإلقاء الخطب64. غير أنّ التحوّلات التي شهدتها الايالة والدولة الحامية والعالم أثناء الحرب العالمية الثانية وما استوجبته من إعادة ترتيب لميزان القوى على المستوى الدولي ستعطي دفعا جديدا لحقّ الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها والجهر بمطلب الاستقلال. فكيف تطوّرت الحركة الوطنية التونسية وحدّدت موقفها من هذا المطلب؟ ما من شكّ كان لانهزام الدولة الحامية في جوان 1940 وإمضاء معاهدة الصلح مع ألمانيا النازية من جهة وحالة التصدّع الداخلي التي هزّت المجتمع الفرنسي بين موالين لسياسة التعاون مع الاحتلال الألماني التي أقرّها الماريشال بيتان (Pétain) ودعاة المقاومة والصمود الموالين للجنرال ديغول (De Gaulle) من جهة أخرى وقعا ملموسا لدى الوطنيين بصفة عامة والدستوريين بصفة خاصة، إذ أقدم هؤلاء على إبراز عجز الدولة الحامية على حماية نفسها من الاحتلال فكيف يمكن لها الادّعاء بقدرتها على حماية مستعمراتها؟ والحال أنّ موجات الاعتقال والاضطهاد المتواصلة التي شنّتها السلطات الاستعمارية ضدّ القادة الوطنيين والمناضلين لم تضع حدّا لنشاط الحركة الدستورية التي توخّت العمل السرّي (تكوين الدواوين السياسية السرية: الخامس والسادس والسابع طوال الفترة 1939-1941). يضاف إلى هذا الحدث إرتقاء المنصف باي المتعاطف مع الحركة الدستورية إلى العرش الحسيني (19 جوان 1942) والانتعاشة الوطنية التي شهدتها الايالة طوال حملة تونس (نوفمبر 1942-13 ماي 1943) التي مكّنت الحزب الحر الدستوري الجديد من تجديد تشكيلاته والرّجوع إلى سالف نشاطه. وقد سبق ذلك الإعلان عن ميثاق الأطلنطي (La charte de l’Atlantique) يوم 12 أوت 1941 الذي أعلن مساندته حقّ الشعوب في تقرير مصيرها. كلّ هذه الأحداث المتداخلة جعلت الرّغبة في الانعتاق تطفو بقوّة وتجعـل الحركة الوطنية لا فقط في تونس بل أيضا في الجزائر والمغرب الأقصى تفصح عن مطلب الاستقلال الذي شهد مساندة شعبية عارمة مع تأسيس جامعة الدول العربية وجمعية الأمم المتحدة (1945) إثر انتصار الحلفاء65. ورفض الوطنيون التونسيون مشروع الاتحاد الفرنسي الذي تبلور إثر انعقـاد ندوة  » برازفيل » (جانفي 1944) ووجّهوا مذكّرة في الغرض إلى الحكومة الفرنسية (8 مارس 1944) وتكوّنت لجنة وطنية يوم 30 أكتوبر ضمّت 60 عضوا لتدارس الوضع، وقد عُرفت بلجنة الستين التي تشكّلت إثرها « جبهة وطنية » ضمّت كلاّ من الحزبين الدستوريين والحركة المنصفية ومدرّسي جامع الزيتونة وممثلي الأقلية اليهودية. وعقدت اجتماعين، الأوّل يوم 30 أكتوبر 1944 أعدّ تقريرا طالب فيه بمنح البلاد التونسية استقلالها الداخلي، والثاني يوم 13 نوفمبر طالب فيه بإقامة نظام ملكي دستوري66. وبالتوازي مع هجرة الزعيم الحبيب بورقيبة إلى القاهرة (مارس 1945) للتعريف بالقضية التونسية ومحاولة إدراجها ضمن جدول أعمال جامعة الدول العربية، سعى الديوان السياسي للحزب الدستوري الجديد بإشراف كاتبه العام صالح بن يوسف إلى تكوين جبهة وطنية مضادة للإستعمار جمعت المنظمات المهنية لا سيما الاتحاد العام التونسي للشغل (جانفي 1946) والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (أفريل 1948) والاتحاد العام للفلاحة التونسية (ماي 1950) والشبابية (حركة الشبان المسلمين والاتحاد العام للطلبة بتونس). وتجسيما لتوافق كافة مكوّنات الحركة الوطنية حول إخفاق سياسة الحماية، انعقد مؤتمر ليلة القدر (23 أوت 1946) ورفع لأوّل مرّة شعار الاستقلال التام حيث ورد في خاتمة ميثاقه: « (…) لهذا كلّه فإنّ المؤتمر الوطني التونسي يعلن: إنّ نظام الحماية نظام سياسي لا يتّفق مطلقا مع سيادة الشعب التونسي ومصالحه الحيوية، وأن هذا النظام استعماري قضى على نفسه أمام العالم بالاخفاق، بعد تجربة خمس وستين سنة، كما يعلن عزم الشعب الثابت على استرجاع استقلاله التامّ، والانضمام – كدولة ذات سيادة – إلى جامعة الدول العربية، وهيئة الأمم المتحدة، والمشاركة في مؤتمر الصّلح »67. هذه المطالبة الآنية بالاستقلال الصادرة من مختلف مكوّنات الحركة الوطنية تطرح عدّة تساؤلات منها: 1 – هل تعكس توافقا مع وجهة نظر الزعيم الحبيب بورقيبة التي صرّح بها في خطابه أمام أعضاء اللجنة السياسية أثناء أشغال مؤتمر نهج التريبونال سنة 1937 والتي تربط مسألة إدراج مطلب الاستقلال في برنامج الحزب بتهيّؤ الشعب التونسي وإعداد التشكيلات الحزبية لذلك؟ وبصفة أدقّ، الإقرار أنّ الوقت قد حان للمعركة الحاسمة؟ 2 – أم هو مجرّد موقف ظرفي اتّخذ في ظلّ السياسة القمعية التي انتهجها المقيم العام الجنرال ماست (1944-1946) والذي عبّر مرارا عن معارضته لأيّ نشاط وطني وغلق الباب أمام أيّة مبادرة تحرّرية تمكّن الحزب الحر الدستوري الجديد المنحلّ من الرجوع إلى سالف نشاطه. وممّا يؤكّد حصافة هذا الإحتمال، أن قرار عقد مؤتمر ليلة القدر اتخذ والزعيم الحبيب بورقيبة في المهجر أي أنّ الدواعي لانعقاده كانت داخلية بالدرجة الأولى. وفي هذا السياق، لم يتردّد الحزب الحرّ الدستوري الجديد عن طريق أمينه العام صالح بن يوسف من تعديل موقفه من مطلب الاستقلال إثر تعيين الاشتراكي التحرّري جون مونص (Jean Mons) مقيما عاما جديدا في مطلع سنة 1947،68 . وقد أفردت جريدة  » تونس الاشتراكية » (Tunis Socialiste) لسان الفيدرالية الاشتراكية بتونس مقاليْن في الغرض: الأوّل خصّص لتغطية الندوة الصحفية التي عقدها الأمين العام للحزب الحر الدستوري الجديد صالح بن يوسف في (20 أوت 1947) والذي ذكر فيها بالخصوص ما يلي: « (…) عندما نطالب بالاستقلال، هذا لا يعني أنّ الفرنسيين يجب أن يزولوا من تونس بين عشية وضحاها. إنّ الاستقلال غاية مُثلى نتوق إليها إمّا بتوخّي العنف أو الحوار السلمي. إنّ مذهب الحزب الحر الدستوري الجديد يعادي العنف. في تقديرنا، يمكن الوصول إلى الاستقلال بالتعاون مع الجمهورية الفرنسية. هنالك استقلال واستقلال. بالنسبة للحزب الدستوري، الاستقلال نتحصّل عليه بعد اجتياز الشعب التونسي سلسلة من المراحل. حينذاك نصل إلى نظام مشاركة لشعوب حرّة. وهو الهدف الذي ندعو إليه الشعب الفرنسي (…) »69.     أمّا المقال الثاني فقد خصّصه محرّره الحكيم إيلي كوهن حضرية الكاتب العام للفيدرالية الاشتراكية بتونس للتنويه بالرّصانة والاعتدال اللّذين ميّزا موقف الأمين العام للحزب الحر الدستوري الجديد أثناء ندوته الصحفية ذاكرا بالخصوص « أنّ صالح بن يوسف يعدّ من أبهى نجاحات فرنسا بتونس » وأنّ الخلاف بين الاشتراكيين والوطنيين حول تشكيل حكومة مصطفى الكعّاك (جويلية 1947) وما صاحبها من إصلاحات  » منقوصة » والمراحل التي يجب على الشعب التونسي إجتيازها حتى يظفر بالاستقلال، كلّ هذه النقاط هي قابلة للحوار ومدعاة لتقريب وجهات النظر70. ولم ينحصر ترحيب الاشتراكيين في مبادرة صالح بن يوسف بل شمل أيضا موقف صالح فرحات الكاتب العام للّجنة التنفيذية (الحزب الدستوري القديم) إذ حوصل سارج معاطي (Serge Moati) عضو المكتب الفيدرالي للاشتراكيين بتونس رغبات الرأي العام الوطني الذي يشمل الدستوريْن الجديد والقديم والمستقلّين وفي مقدّمتهم محمّد شنيق وعزيز الجلّولي والدكتور محمود الماطري، مبيّنا أن  » من خلال المواقف التي تمّ تأكيدها، يمكن استجلاء توجّهات عامّة وجب أخذها بعين الاعتبار عند دراسة المشكلة الفرنسية-التونسية، وهذه التوجّهات العامة تحتدّ أو تلين حسب شخصية الناطق باسمها أو انتهازيته السياسية وهي: – استقلال تونس وإلغاء معاهدات الحماية. – إعادة تنصيب المنصف باي على العرش الحسيني. – إقامة نظام ليبرالي بتونس يمكّن التونسيين من إقتراع دستور ديمقراطي. – إعادة النظر في العلاقات التونسية-الفرنسية على أساس الصداقة والثقة بين الطرفين. – الادارة المباشرة للشؤون الداخلية للايالة دون ترقّب إمضاء معاهدات جديدة بين الحكومة (التونسية) والجمهورية (الفرنسية) »71. وعلى أيّة حال يمكن استخلاص أنّ هنالك إجماع حول هدف الحركة الوطنية والمتمثّل في تحرير الشعب التونسي وظفره بالاستقلال وأنّ الخلاف يكمن في الطريقة التي يجب اتّباعها: بصفة مرحلية وإلزام الادارة الاستعمارية على قبول التحاور مع قيادة الحركة الوطنية عن طريق الضغط الشعبي والدولي أم الإعلان عن مطلب الاستقلال بصفة آنية والدخول في صراع غير متكافئ مع السلطة الاستعمارية. ومن ثمّ كان التوافق شاملا بين تصريح الأمين العام للحزب الحرّ الدستوري الجديد صالح بن يوسف أثناء ندوته الصحفية (20 أوت 1947) وبرنامج النقاط السّبع الذي طرحه الزعيم الحبيب بورقيبة يوم 14 أفريل 1950 بباريس إثر عودته من المهجر يوم 8 سبتمبر 1949، 72. فقد أكّد رئيس الحزب مرّة أخرى أنّ المطالبة بالحكم الذاتي – عن طريق بعث السلطة التنفيذية التونسية المؤتمنة على السيادة التونسية وتشكيل حكومة تونسية صرفة مسؤولة عن الأمن العام يرأسها وزير أكبر يتولّى رئاسة مجلس الوزراء بصورة فعلية وبعث مجلس وطني منتخب بالاقتراع العام تكون أولى مهامه إعداد دستور ديمقراطي يضبط العلاقات بين تونس وفرنسا على أساس احترام السيادة التونسية ومصالح فرنسا المشروعة- هي مرحلة في الطريق بالظفر بالاستقلال. وكان قد نبّه الصحافة الفرنسية في تصريح له إلى خطورة المرحلة ودقتها: « حذار، إنّ زمجرة الغضب بدأت تصعد. فقد بلغ استياء التونسيين حدّ السّخط. وإذا ما تواصل الرّفض الفرنسي لهذه الإصلاحات الضرورية والعاجلة (…)، فإنّ ردّنا سيكون بشنّ أعمال شغب (…) »73. وهكذا يتّضح أنّ الحزب الحرّ الدستوري التونسي الجديد ركّز عمله في الفترة المتراوحة بين 1948 و1952 على مواصلة مساعيه لتدويل القضية التونسية وكسب أنصار في صفّ القوى التحرّرية والمناهضة للإستعمار مع المراهنة على التحالف مع المعسكر الغربي في إطار الحرب الباردة وذلك عن طريق توظيف ورقة الضغط الأمريكي على السياسة الاستعمارية الفرنسية وفي نفس الوقت مواصلة التعبئة الداخلية وذلك بتمتين أركان الجبهة الوطنية المناهضة للاستعمار (نذكر منها بالخصوص مبادرة تشكيل  » لجنة العمل من أجل الضمانات الدستورية والتمثيل الشعبي » يوم 12 ماي 1951) وإعداد التشكيلات الحزبية (الشُعَب والجامعات الدستورية) لما ستؤول إليه نتائج حكومة محمّد شنيق التفاوضية74 . واقتصر طلبه طوال هذه الفترة على الاستقلال الداخلي الذي طرحه منذ سنة 1944 والذي لم تجسّمه الوعود الفرنسية المتكرّرة75. وما إن فشلت الحكومة التفاوضية في إلزام السلطة الفرنسية بإيفاء وعدها المتمثّل في إنجاز الإصلاحات المرجوّة تحقيقا للاستقلال الداخلي المنشود، كان ردّ الحزب الحرّ الدستوري الجديد وكافة مكوّنات الحركة الوطنية بأنّ الوقت قد حان لخوض المعركة الحاسمة. فقد أثارت مذكّرة 15 ديسمبر 1951 التي أعلنت تمسّكها بمبدإ السيادة المزدوجة وأنّ  » الرّابطة بين تونس وفرنسا أبدية » استياء الزعيم الحبيب بورقيبة ومناضلي الحزب الحرّ الدستوري الجديد. وأكّدت اللاّئحة المصادق عليها بالإجماع أثناء عقد المؤتمر الرابع للحزب الحرّ الدستوري الجديد (18 جانفي 1952) على حقّ تونس في تقرير مصيرها ذاكرة ما يلي: « (…) ويؤكّد المؤتمر أنّه لا يمكن التعاون المثمر بين البلديْن (تونس وفرنسا) في الميادين الثقافية والاقتصادية والدّفاع إلاّ بانتهاء الحماية واستقلال البلاد التونسية وإبرام معاهدة ودّ وتحالف على قدم المساواة (…) ». وبناء على هذا الموقف، ما هي العوامل التي جعلت الديوان السياسي بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة يختلف مع الأمين العام صالح بن يوسف في تقييم طبيعة المفاوضات الفرنسية-التونسية إثر العرض الذي طرحه رئيس الحكومة الفرنسية الراديكالي بيار منداس فرانس في خطابه أمام الباي يوم 31 جويلية 1954 وفي النتائج التي أسفرت عليها هذه المفاوضات بإمضاء الاتفاقيات الفرنسية التونسية يوم 3 جوان 1955. إنّ الإجابة عن هذا السؤال يستوجب إحاطة دقيقة بالتطوّرات التي التي شهدتها الساحة التونسية والفرنسية والدولية خلال الثلاث السنوات الفاصلة بين مؤتمر نهج قرمطو  (أو سيدي محرز) الذي انعقد سرّا يوم 18 جانفي 1952 ومؤتمر صفاقس الذي انعقد بصورة علنية وشرعية بين 15 و19 نوفمبر 1955،76 . وكذلك الكشف عن البعد التنافسي في صلب القيادة ومدى تأثيره على وحدة الصفّ وسير المفاوضات علما أنّ ما جدّ في مؤتمر دار سليم يوم 17 أكتوبر 1948 والمجلس الملّي يوم 3 أوت 1949 والمجلس الملّي يوم 4 أوت 1950 وضّح انعدام الثقة بين أنصار الزعيمين (الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف)77. وبصفة أدق تباينا في خصوص التحالف مع البلاط حيث تؤكّد النشرية السرية الخاصة التي أعدّتها مصلحة الاستعلامات الفرنسية إثر عودة الزعيم الحبيب بورقيبة، رئيس الحزب الحرّ الدستوري الجديد من القاهرة يوم 8 سبتمبر 1949 ما يلي: « (#0236) ردود فعل حاشية الباي: يبدو أنّ رجوع « المجاهد الأكبر » سيضايق حاشية الباي وبصفة خاصة الباي نفسه، إذ أصبح يخشى فقدان تيّار الشعبية -الذي اختلقه منذ وفاة منصف باي- لصالح الزعيم. وعلى عكس صالح بن يوسف الذي لا يملك هذا الادّعاء، فإنّ الحبيب بورقيبة السجين السابق ببرج البوف وحصن سان نيكولا قد يصبح في نظر الجماهير  » ممثّل الشعب التونسي » والرمز الوحيد للوطنية في الايالة. إنّ العلاقات الطيبة القائمة بين صالح بن يوسف والأمير الشاذلي قد تتلاشى مع عودة هذا المعكّر صفو الفرح. ألم يتباهى بورقيبة دائما بأفكاره المساندة للنظام الجمهوري؟ وهل يمكن للباي لمين نسيان تهجّم الزعيم ضدّه عدّة مرّات مؤكّدا بأبّهة أنه لا يعترف إلاّ بمنصف باي ملكا شرعيا؟ »78. إنّ المسألة معقّدة ودقيقة تتجاذبها تأثيرات المقاومة الوطنية في المدن والجبال التي اندلعت سنة 1952 وتذبذب السياسة الفرنسية اتجاه حركة تحرير الشعوب في المستعمرات من جهة وانعكاسات تطوّرات الوضع في صلب الحركتين الوطنيتين الجزائرية والمغربية وانزلاق الدولة الاستعمارية الفرنسية في حربها ضدّ الحركة التحريرية بالفيتنام أوّلا وما جدّ من تغيير في الشرق الأوسط بعد إنشاء دولة إسرائيل سنة 1948 وإلغاء للنظام الملكي بمصر (ثورة 22 يوليو 1952) ثانيا من جهة أخرى79. وليس من قبيل الصّدفة أن يعتبر مؤرّخو فترة تصفية الاستعمار بأنّ عجلة التاريخ شهدت نسقا سريعا طوال خمسينات القرن الماضي وبصفة أدق في منتصفها نتيجة تشابك الأحداث وتناسقها. وقد حاولنا قبل اقتحام مجال التأويلات للأحداث التاريخية أن نرصد المصادر الأساسية المتعلّقة بمبحثنا وأن نتفحّصها برويّة80. وقد سبق لهذا المبحث أن تناولته مقاربات مصطفى كريّم ومحمّد الوالدي وعلية عميرة الصغير بمسح أوّلي81. ولا ندّعي أنّنا سنحسم المسألة بل هدفنا يقتصر على تعديل بعض ما ورد من ملاحظات واستنتاجات وإثرائها في ضوء مقاربتنا التأليفية.

– يتبـع –

(المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 23 أوت 2007)


«إخوان ليبيا» يطالبون بـ «مصالحة وطنية شاملة»

 
لندن – الحياة     رحّبت جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا بتصريحات سيف الإسلام القذافي يوم الإثنين في بنغازي (شرق) والتي وعد فيها بمزيد من الإصلاحات في النظام الليبي، ودعت إلى «نبذ سياسة الاقصاء، والانطلاق نحو مصالحة وطنية شاملة». لكن الجماعة سجّلت في بيان أُرسل إلى «الحياة»، أمس، أن «حساسية المرحلة التي تمر بها بلادنا العزيزة أضحت لا تحتمل مزيداً من الوعود التي لا ترى طريقها الى أرض الواقع». وأكدت الجماعة «أن الإصلاح السياسي الذي يجب ان ينبثق عن مصالحة وطنية شاملة يفسح فيها المجال للمساهمة للغيارى على مستقبل الوطن وبعيداً عن ثقافة الإقصاء، هو المدخل للإصلاح الشامل للوضع الليبي على كل المستويات. ففي ظل غياب الإصلاح السياسي لن يكون هناك مجال لمعالجة الفساد المستشري في مؤسسات السلطة». وعلّقت على دعوة سيف الإسلام الى سن دستور لليبيا، قائلة: «لا شك ان الدولة الليبية في حاجة الى دستور يحدد إطارها وينص على هوية الشعب الليبي وثقافته واحترام الحريات العامة وحقوق المواطنين (…) ولكن كي يكون الدستور فعلاً عقداً اجتماعياً يحظى بالقبول الشعبي الحقيقي يستلزم الشفافية في عملية الصياغة والوضوح في آليات الإقرار والاعتماد». وأكدت ادانتها أي عمل من شأنه «تهديد أمن الوطن والمواطن»، لكنها طالبت بـ «انهاء اجراءات التعدي على حقوق المواطنين بحجة «مكافحة الإرهاب» ونبدي تخوفنا من أن يتخذ «أمن الوطن» ذريعة لمزيد من الإقصاء للرأي الآخر». (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 23 أوت 2007)

المغرب.. « مبادرة من أجل المغادرة » لمعتقلي الجهادية

 
أحمد حموش الرباط-  ظهرت في الأيام القليلة الماضية ملامح لمبادرات عدة وضعتها قيادات بالجماعات « السلفية الجهادية » داخل السجون المغربية من أجل المراجعات الفكرية؛ بهدف التوصل لأرضية مشتركة مع السلطات هناك سعيا للإفراج عنهم، تحت شعار « مبادرة من أجل المغادرة ». وعلى الرغم من تعدد تلك المبادرات فإنها تشترك في رفضها التام لاستهداف الأمن الداخلي، كما تتفق على أن دم المسلم « حرام ولا توجد أي مبررات لممارسة العنف ضده »، كما أوضح مصدر إعلامي مغربي معني بمتابعة هذا الملف لـ »إسلام أون لاين.نت ». وكشفت مصادر بين صفوف معتقلي تيار ما يسمى بالسلفية الجهادية عن وجود عدة مبادرات واقتراحات قيد النقاش من أجل الخروج بمبادرة موحدة تحت مسمى « مبادرة من أجل المغادرة »، والتحاور بشأنها مع السلطات المغربية، حسبما ذكرت صحيفة « المساء » المغربية. ويأمل المعتقلون في أن يكون مشروع المبادرة خطوة تتفق عليها كل المجموعات « الجهادية » للخروج من المعتقلات. وتقول الصحيفة في تقرير نشرته الإثنين: إن حسن مولوع الذي اعتقل شهر مايو الماضي بمدينة فاس على خلفية أفكاره الجهادية يعتبر أحد أبرز رواد المشروع، إلى جانب زكريا بوغرارة الذي اعتقل عام 2003، وحوكم بموجب قانون الإرهاب، بالإضافة إلى عدة مبادرات ورسائل أخرى سبق أن بعثت بها الأسماء الأبرز ضمن المعتقلين من « الجماعات الجهادية » وعلى رأسهم محمد الفزازي وعبد الوهاب رفيقي الشهير بأبي حفص. تباين المبادرات من جهته، أرجع إدريس الكنبوري الصحفي بيومية المساء المغربية في تصريحات لـ »إسلام أون لاين.نت » اليوم الأربعاء تنوع مبادرات المراجعة الفكرية لمعتقلي الجماعات الجهادية داخل سجون المغرب للتباينات الفكرية بين المعتقلين. وقال في هذا الصدد: « الأمر لا يتعلق بمجموعة واحدة ذات أساس فكري واحد كما يفهم من خلال المتابعات الإعلامية لملف السلفية الجهادية، وإنما بمجموعات متعددة، كل واحدة منها لديها مواقفها الخاصة ». ونقل الكنبوري عن مولوع قوله: « إن واقع معتقلي ملف السلفية الجهادية مختلف كثيرا عما هو رائج عنها خارج المعتقلات، إذ لا يتوفر لدى هذا التيار أي مشروع أو أفكار محددة، بل ما يجمع بين المنتمين إليه هو الرغبة فقط في الجهاد والقتال والتعاطف مع قضايا المسلمين ». وأوضح صحفي المساء أن مولوع أكد له في اتصال هاتفي أنه لحسن الحظ « يوجد بعض الأشخاص المعتقلين المتمكنين من الأمور الدينية والذين يمكن أن ينجحوا في إعداد مبادرات مقبولة وصالحة لأن تكون أساسا للحوار » مع السلطات. وبحسب المصدر نفسه فإن نقاشات ساخنة بين المعتقلين تتواصل في محاولة لإيجاد صيغة موحدة لمشروع مبادرة واحدة، تصلح لأن تكون أساسا مرجعيا لأي حوارات مرتقبة مع الدولة. وكان عبد الوهاب رفيقي ومحمد الفزازي، وهما من أبرز المعتقلين على ذمة السلفية الجهادية، قد طلبا في وقت سابق من هذا العام فتح الحوار مع الدولة والعلماء، موضحين أنهما كانا دوما ضد العنف وقتل الأبرياء. مضامين متشابهة وبالرغم من تباين مبادرات الحوار والمراجعات الفكرية فإنها تشترك جميعها في كونها ترفض تماما استهداف الأمن الداخلي، كما تؤكد أن دم المسلم حرام ولا توجد أي مبررات لممارسة العنف ضده. كما نصت تلك المبادرات على مناهضة الأساليب المتبعة من قبل تنظيم القاعدة، بما فيها عملياته داخل البلاد الإسلامية. كما ركزت المبادرات على ضرورة التدقيق في مفهوم الجهاد وحصره في كونه « أداة لتحرير البلاد من المحتل الأجنبي كما هو جارٍ في فلسطين والعراق مثلا ». وفي هذا الصدد يبرز الكنبوري مبادرة « مجموعة زكريا بوغرارة »، والتي تشير بوضوح إلى التخلي عن منهج العنف، حيث يقول بوغرارة في مبادرته التي جاءت برسالته « انتفاضة الأسئلة »: « إننا وبعد مرحلة من العمل داخل خط الجهاد استقرت لدينا قناعات بأن العودة إلى الخط الدعوي والتربوي والتركيز عليهما هو أساس خطنا الذي نصبو إليه في المرحلة الراهنة ». وأشار بوغرارة إلى التجربة المصرية فيما يتعلق بالمراجعات لجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، قائلا: إن تجربة المراجعة « سبقت لثلة من إخواننا من جماعة الجهاد المصرية، فبعد مرحلة من التضييق والملاحقة وبعد أن تحولوا إلى أوراق محروقة وعناصر معروفة، حولوا عملهم إلى الخط الدعوي والتربوي وذلك أضعف الإيمان ». وقامت أجهزة الأمن المصرية في الأشهر الأخيرة بالإفراج عن مئات من كوادر وأعضاء تنظيم الجهاد على خلفية المراجعات الفقهية التي يجريها التنظيم، ويقودها الدكتور سيد إمام أحد مؤسسي تنظيم الجهاد في مصر. خطر التأجيل من جهتهم، يحذر محللون مغاربة من أن تأجيل الحوار بين الحكومة والجماعات الجهادية يزيد من « خطر التجربة السجنية على المعتقلين يوما بعد يوم، حيث تتغذى شتى طوائف المعتقلين على التداعيات النفسية السلبية للاعتقال لتنتج ردود فعل متطرفة ». وسبق أن صرح وزير العدل المغربي لأسبوعية الأيام في مارس الماضي بأن عدد الملفات التي قدمت في إطار قانون مكافحة الإرهاب وصل إلى 261 ملفا منذ 2003 وحتى فبراير 2007، توبع خلالها 1399 متهما بينما بلغ عدد المتابعين في إطار الخلايا الـ14 التي تم إلقاء القبض عليها قبل شهور حوالي 288 شخصا يتوزعون على المدن الرئيسة للبلاد. وحسب الوزير المغربي فهؤلاء المتهمون ينتمون إلى جماعات متشددة منها « التوحيد والجهاد » و »أنصار المهدي » و »السلفية الجهادية »، و »الجماعة السلفية للدعوة والقتال » وبعضهم له ارتباطات مباشرة بالقاعدة، على حد قوله. (المصدر: موقع « إسلام أونلاين.نت » (الدوحة – قطر) بتاريخ 23 أوت 2007)

الحزب الحاكم بالمغرب يعارض التحالف مع الإسلاميين

 
الرباط (رويترز) – ألقى مسؤول رفيع من الائتلاف الحاكم في المغرب شكوكا على احتمال التحالف مع الاسلاميين بعد الانتخابات التي ستجرى الشهر القادم واتهم خصومه بالنفاق في تأييدهم للديمقراطية. وقال اسماعيل العلوي الامين العام لحزب التقدم والاشتراكية المغربي انه يعتقد انه سيكون من الصعب للغاية ان يصبح الاسلاميون جزءا من الحكومة. واضاف قوله ان الاسلاميين يعتبرون الديمقراطية مثلا أعلى لكن أفعالهم تناقض ذلك. وحزب التقدم والاشتراكية شريك صغير في ائتلاف حاكم يهيمن عليه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال المحافظ سيدافع عن سجل خمس سنوات من الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الحذرة في الانتخابات البرلمانية. وتظهر استطلاعات الرأي ان حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل سيحقق مكاسب قوية في انتخابات السابع من سبتمبر ايلول فموقفه المناويء للفساد يلمس وترا حساسا في بلد تشتد فيه مشاعر الاستياء من النخبة السياسية. وكان حزب العدالة والتنمية قال انه لا يمانع في تشكيل ائتلاف مع الاحزاب الاخرى لكن العلوي -وهو وزير سابق- قال انه لو قامت حكومة من حزب العدالة فانها قد تلغي الاجراءات التقدمية التي اتخذتها الحكومة ومن ذلك قانون يعزز حقوق النساء المتزوجات. وقال العلوي لرويترز على هامش افادة صحفية للائتلاف الحاكم في الرباط ان تصريحات مسؤولي حزب العدالة تنبيء بانهم سيعيدون النظر في هذه المنجزات وهي منجزات اساسية من حيث حقوق النساء. واضاف قوله ان حزب العدالة بمعارضته فعاليات ثقافية مثل مهرجانات الموسيقى الشعبية يعادي ايضا رغبات الشباب الذين يريدون ان يتحرروا وان يمتعوا انفسهم. وقال العلوي ان الملك محمد تعهد باختيار رئيس الوزراء القادم من احد الاحزاب الكبري في البرلمان لكن هذا لا يعني ان الرئيس الجديد للحكومة يتعين انتخابه. واضاف قوله انه يعتقد انه يجب تعزيز سلطات رئيس الوزراء وان هذا أمر يمكن تحقيقه بموجب الدستور الحالي. (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 23 أوت 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

القوات الأمريكية تدفع رواتب أعداء سابقين في « مثلث الموت »

 
جرف الصخر (العراق) (رويترز) – تحت شجرة بجوار طريق اشتهر بأنه ساحة معارك في « مثلث الموت » بالعراق يلتقي اللفتنانت كولونيل روبرت بالكافيدج مع المجندين الجدد في قوته. الرجال من العرب السنة العراقيين وهم سيتلقون راتبهم من الجيش الامريكي باعتبارهم أفراد ميليشيا محلية. طلبوا منه بنادق. ولكن القائد الامريكي قال لهم « أنا لن أعطيكم بنادق أو ذخائر. » وكان الرجال يصغون باهتمام بينما كان المترجم يؤدي عمله. وأضاف « تعرضت لاطلاق الرصاص مرات كافية بالنسبة لي كي أعلم أن هناك الكثير من البنادق والذخيرة. أنا شخصيا. بعضكم أيها الرجال ربما يكون قد أطلق علي الرصاص عدة مرات. » وتسعى القوات الامريكية بشكل تدريجي ومتعمد الى تجنيد مجموعات من الرجال المسلحين وربما يكونون من المقاتلين السابقين ودفع رواتبهم في استراتيجية تقول انها أدت الى الحد من العنف بصورة كبيرة في بعض أكثر المناطق خطورة في العراق في غضون أسابيع فقط. وهي أنباء طيبة نادرة خلال أربع سنوات من الحرب ومثل هذا النجاح من المرجح أن يلعب دورا بارزا عندما يقدم قائد القوات الامريكية في العراق ديفيد بتريوس تقريرا طال انتظاره في منتصف سبتمبر ايلول. ويقول بالكافيدج « الناس يقولون.. ولكنكم تدفعون للعدو. وأنا أقول.. هل لديكم فكرة أفضل…تجنيدهم أسهل كثيرا من احتجازهم أو قتلهم. » ولكن القوات الامريكية تقول أيضا ان الميشيليا التي تم تشكيلها في اطار ما يطلق عليه « برنامج المواطنين المعنيين » هو اجراء مؤقت. واذا ما كتب الصمود لهذا السلام النسبي فعلى الحكومة الشيعية أن توفر للمقاتلين وظائف حقيقية في القوات المسلحة وقوة الشرطة. شنت القوات الامريكية حملة أمنية ضد المسلحين من العرب السنة والميليشيات الشيعية بعد أن رفعت واشنطن من حجم القوات الامريكية الى 160 ألفا بهدف القضاء على العنف الطائفي. ونجحت في ذلك جزئيا ولكن ما زال يجري قتل المئات من الناس كل شهر. وتغطي المنطقة التي يتولى بالكافيدج المسؤولية عنها في وادي نهر الفرات الى الجنوب من بغداد الخط الفاصل بين السنة في غرب العراق والشيعة في الجنوب. وكانت الاراضي التي تكثر بها أشجار النخيل في وادي نهر الفرات معقل المقاتلين من العرب السنة في حين أن بلدات مضطربة مثل الاسكندرية والمسيب أصبحت بوتقة للعنف الطائفي وقاعدة للميليشيات الشيعية. ومنذ اكتوبر تشرين الاول الماضي قتل 23 فردا من كتيبة بالكافيدج المكونة من 800 من المظليين في المنطقة التي تطلق عليها القوات الامريكية اسم « مثلث الموت ». ولكن تقارير وحدته تظهر تحسنا مفاجئا غير متوقع في الامن خلال الاسابيع القليلة الماضية. ففي مرحلة من المراحل كانت الكتيبة تتعرض لانفجار 16 قنبلة على الطريق يوميا ولكن هذا العدد انخفض الى أربعة في الاسبوع الماضي. وتوقفت تقريبا الهجمات بقذائف المورتر التي كانت متواصلة دائما. ويركز « برنامج المواطنين المعنيين » على الطريق القادم من البلدة. وهو طريق استراتيجي يمثل الشريان الذي يربط بين المنطقة وبغداد ووادي الفرات في محافظة الانبار الى الغرب وهو مغلق منذ نحو عام. وكانت اخر مرة قررت فيها قوات بالكافيدج استخدام هذا الطريق في يناير كانون الثاني عندما انفجرت فيهم ست قنابل على الطريق ودمر لهم ثلاث سيارات همفي وتعين عليهم خوض قتال لشق طريقهم. ولكن عندما لجأوا الى هذا الطريق هذا الاسبوع قابلهم الشيخ صباح الجنابي وهو من زعماء عشيرة محلية مرتديا ملابس بيضاء ومسلحا بمسدس لامع مطلي بالكروم يضعه حول وسطه. وقال الشيخ للكولونيل الامريكي الذي استقبله بود راسما على وجهه ابتسامة عريضة « يسرنا مقابلتكم…سيحرس رجالنا الطريق. اذا حدث أي اطلاق رصاص دعونا نرد نحن لا أنتم. نحن ننفذ وعدنا لكم. » سكان هذا الوادي من عشيرة الجنابي وهي عشيرة للعرب السنة كان يغدق عليها صدام حسين الذي استعان بقوة خاصة مرهوبة الجانب في هذا المكان لحماية العاصمة من الشيعة المتمردين الى الجنوب. وعندما قامت سلطات الاحتلال الامريكي بحل الجيش العراقي عام 2003 عاد الكثير من عشيرة الجنابي الى ديارهم مسلحين وعاطلين وغاضبين وخائفين فانضموا الى المقاتلين. ولكن في الاسابيع الاخيرة اتصل زعماء عشيرة الجنابي بالامريكيين ليعرضوا عليهم السلام. أخذت قوات بالكافيدج بصمات أصابع وعيون نحو ألف رجل في المنطقة. ويحصل كل فرد في هذه الميليشيا على 370 دولارا شهريا أي نحو 70 في المئة من راتب أي شرطي أو جندي عراقي. ويجري توقيع العقود مع الشيوخ في القرى ويمنح كل منهم سلطة تجنيد ما بين 150 و200 رجل. والخطة التي رسمها بالكافيدج لاول مرة على منديل مائدة ثم أضافها الى أوراقه العادية تظهر أن العملية تنتهي بحلول أوائل عام 2008 بعد دمج أفراد الميليشيا داخل الجيش والشرطة العراقية. توقف للتحدث الى بعض أفراد الميليشيا في الوقت الذي دخل فيه طابور المشاة الامريكيين وجنود عراقيون أغلبهم من الشيعة ما كان يعتبر سابقا أرضا للعدو. دون بالكافيدج اسمي اثنين من أفراد الجنابي اللذين كانا من الضباط قبل الغزو الامريكي ووعدهما بمحاولة الحصول لهما على فرص عمل في الجيش أو الشرطة. وقال عبد الرزاق حميد مرتديا عباءة فضفاضة ومسلحا ببندقية كلاشنيكوف يضعها على كتفه « كان يجدر بكم القيام بذلك منذ فترة طويلة. » وأضاف « لقد سبب غزوكم للعراق مصاعب. لقد دمر كل شيء ولم يكن لدينا رواتب. كل هؤلاء الرجال عاطلون. » وسأل الكولونيل عن فتح وسط البلدة واعادة بناء المراكز الصحية واصلاح المدارس. فأومأ بالكافيدج قائلا « سوف نفعل هذا. علينا أن نستمر في التفاهم لا القتال. »  
من بيتر جراف (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ  23 أوت 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

ارتداء النقاب يحد من اختيارات العمل للنساء بمختلف دول العالم

 
دبي ـ من دينا حسين: لم تستطع عائشة عبيد الحصول علي وظيفة في متجر بدبي بسبب النقاب الذي يغطي وجهها ولا يكشف سوي عينيها. ومن اجل تحسين فرص ايجاد عمل خلعت عائشة النقاب. وتقول عائشة (22 عاما) لا يقبل احد توظيف منقبات بقطاع التجزئة . وفي حين تتوقع المنقبات مشاكل في شغل وظائف معينة خارج العالم الاسلامي، فان منقبات في المنطقة يقلن أيضا انهن يواجهن مشكلة في الحصول علي عمل وبصفة خاصة في الوظائف التي تتطلب التعامل مع جمهور. ومشاهدة اماراتيات اغلبهن محجبات يرتدين عباءات انيقة في المكاتب امر عادي ولكن نادرا ما تشاهد المنقبات في المكاتب الامامية التي تتعامل مع الجمهور. وقال عبد الله ناصر المدير بمكتب بريد في دبي لا تجلس المنقبات في المكاتب الامامية. يتولين مناصب ادارية. يحتاج العملاء لمعرفة من يتحدثون اليه . ويثير النقاب جدلا سياسيا حادا في العديد من الدول بشأن حق المنقبات في الالتحاق بمدارس في مجتمعات علمانية والعمل كشرطيات او معلمات او وظائف اخري يتعاملن فيها مع الجمهور. ويشيع النقاب في السعودية والكويت والامارات بصفة خاصة. وفي دبي اكثر الامارات تقدما حيث اقامت شركات عالمية مراكز اقليمية ويمثل الاجانب من غير المسلمين نسبة كبيرة من السكان تجد المنقبات صعوبة في الحصول علي وظيفة. وتقول نورة البدور مديرة العلاقات العامة في هيئة تنمية وتوظيف الموارد البشرية الوطنية (تنمية) لدي بعض الشركات سياسة تمنع ارتداء النقاب خلال ساعات العمل مثل البنوك علي سبيل المثال . واثار النقاب جدلا في مصر اكبر دولة عربية من حيث تعداد السكان حيث يتزايد عدد المنقبات. وفي حزيران (يونيو) اصدرت محكمة حكما بانه لا يحق للجامعة الامريكية في القاهرة منع دخول باحثة منقبة. وفي الولايات المتحدة تنوي سايما اظفر وهي مهاجرة من باكستان ارتداء النقاب عند اجراء مقابلات من اجل العمل بعد ان تنجح في اختبارات رخصة مزاولة مهنة الطب في شيكاغو. وتوضح هناك طبيبات مسلمات اجتزن مرحلة الحصول علي ترخيص لمزاولة المهنة. قلن لي اذا كانت لديك المهارة فلن يحرمك اي شخص من وظيفة لانك منقبة . وتقول زرقاء عابد ان النقاب لم يؤثر علي مستقبلها العملي. وهي تعمل حاليا كمستشارة في مجال الاتصالات والتسويق. وعملت زرقاء كمحررة صحافية لمحطة ان.بي.سي الامريكية وادارت محطة تلفزيون في باكستان. وتابعت اثبت للناس ان المرأة المنقبة يمكنها ان تفعل ما تريده وان تكون ناجحة وان يكون لها مستقبل مهني . وتثير زرقاء فضول وارتباك زملائها ولكنها تقول ان القوانين الامريكية تسمح لها بحرية العمل وارتداء النقاب ولكن هناك عائقا مهما. وتضيف مازلت غير مرحب بي علي الشاشة بسبب غطاء وجهي . ويندر النقاب في اندونيسيا اكبر دولة اسلامية من حيث تعداد السكان. وحتي في اقليم اتشيه حيث يفرض علي النساء ارتداء الحجاب في الاماكن العامة نادرا ما توجد نساء منقبات. وتخلت ستي نور ليلي النشطة الاسلامية عن النقاب قبل سنوات قليلة وتقول ان معظم من يرتدين النقاب في اندونيسيا ينتمين لمجموعة صغيرة من المسلمين تتبع المذهب الوهابي السائد في المملكة العربية السعودية. وتضيف في اندونيسيا ينظر الناس لمن يرتدين النقاب بغرابة، وغالبا ما يطلب الناس من اطفالهم تجنبنا بل ونوصف بالمجرمات . وتابعت حتي معلمتي التي كانت سببا في ارتدائي النقاب خلعته . وفي تركيا فان مجرد وضع غطاء للراس مشكلة للنساء حيث تحظر القوانين العلمانية في البلاد غطاء الراس في العمل في القطاع العام، كما لا يشجعه القطاع الخاص ايضا. وفي كثير من المكاتب تغطي فقط عاملات النظافة شعرهن. ولا توجد احصاءات لعدد من تسربن من التعليم الجامعي او خرجن من سوق العمل بسبب غطاء الراس، ولكن المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية (تيسيف) ذكرت ان 60 في المئة من التركيات محجبات. ويوجد في تركيا اقل نسبة مشاركة للمراة في القوة العاملة بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وتبلغ 27 في المئة. ويعزو نشطاء ذلك علي الاقل جزئيا للقيود علي الحجاب. وكثيرا ما تضع فتيات شعرا مستعارا في الجامعة كحل وسط. وفاطمة بنلي محامية محجبة لذا لا يمكنها ان تمثل امام المحكمة. تخلت فاطمة عن دراستها العليا للحصول علي درجة الماجستير بسبب الحظر وتشارك في حملة من اجل حق ارتداء الحجاب. وتقول لا يمكنك العمل في القطاع العام او حتي في القطاع الخاض لانهم يعتقدون انك ستضرين بصورتهم … الاجور اقل لانهم يعلمون انه ليس هناك منافسة نتيجة ضعف فرص العثور علي وظيفة . وهناك بعض الامل في ان يدرس حزب العدالة والتنمية الذي اعيد انتخابه وهو صاحب جذور اسلامية رفع الحظر كما حاول في ولايته الاولي، ولكن كثيرين يعتقدون أن التغلب علي المعارضة العلمانية العنيفة يحتاج اعواما ويخشون ان يؤدي رفع الحظر الي محو الطابع العلماني لتركيا. وتقول فاطمة انا متفائلة. ولكن تركيا دولة معقدة. سنعرف بمرور الوقت . (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 23 أوت 2007)

ما الذي يدل عليه التحالف الرباعي بالنسبة لمستقبل العراق؟

 
د. بشير موسي نافع (*)  
الإعلان في الأسبوع الماضي عن تشكيل تحالف في العراق بين الحزبين الكرديين الرئيسيين وحزبي الدعوة والمجلس الأعلي الشيعيين هو تطور هام. ولكن أهمية هذا الإعلان لا تتعلق بتحريك العملية السياسية أو إنقاذها وحراستها، ولا تتعلق بحماية نظام ودستور ارتبطا ارتباطاً وثيقاً بالغزو والاحتلال، ولا حتي بمحاولة إطالة عمر حكومة المالكي. هذه عناصر ضرورية لبناء خطاب تسويغ التحالف الرباعي، أو تحالف المعتدلين كما أسماه أصحابه. الأهمية الحقيقية تقع في قضية أخري، لم يكن من السهل علي المتحالفين أو اللائق التصريح بها الآن. تعرف الأطراف المعنية بالعراق، الإقليمية والدولية، علي السواء أن نظام الحكم الحالي في بغداد هو مجرد صورة وهمية، وأن قدرته علي البقاء بمعزل عن الحماية التي توفرها القوات الامريكية مستحيلة. حكومة المالكي ذاتها وصلت منذ زمن إلي نهاية عمرها الافتراضي. قدرة هذه الحكومة علي الإنجاز في مجالات الخدمات والأمن، كما كل الحكومات السابقة لها، معدومة. وهي حكومة طائفية، لا تقل طائفية عن حكومة الجعفري ووزرائها القتلة، حكومة لا ترغب ولا تستطيع بناء قاعدة إجماعية عراقية. أما نظرة القوي الإقليمية لهذه الحكومة، بما في ذلك المحيط العربي، فهي نظرة استخفاف واحتقار. أقام الاحتلال مسخاً في العراق أطلق عليه اسم دولة، وفي كل محاولات ملء هذا المسخ بعناصر وقيادات ومؤسسات قابلة للحياة، واجه المحتلون وحلفاؤهم من العراقيين إخفاقاً تلو الآخر. وبالرغم من أن من الصعب التنبؤ بخطوة جبهة التوافق القادمة، فإن خروجها الجزئي (طارق الهاشمي لم يزل في موقعه، ولم يزل يتفاوض) من النظام وحكومته هي خطوة ضرورية، تأخرت طويلاً. كان تحليل الحزب الإسلامي المبكر (وهو عماد جبهة التوافق) في ضرورة ألا يعزل العرب السنة أنفسهم نهائياً عن العلمية السياسية صحيحاً. فقد استخدمت القوي الطائفية والعرقية الحليفة للاحتلال المقاومة التي انطلقت في المناطق ذات الأكثرية العربية السنية، ومقاطعة أغلبية القوي والشخصيات العربية السنية للعملية السياسية، مبرراً لإبادة العرب السنة وتحطيم مناطقهم وصنع واقع يؤسس لتقسيم العراق والإطاحة بوحدته أرضاً وشعباً. ما لم يدركه الحزب الإسلامي وقادة التوافق أن ما هو صائب في السياسة اليوم ليس بالضرورة صائباً دائماً. ما حدث في النهاية أن التوافق أصبح أداة لتمرير مشروع دستور بشع، طائفي، وتقسيمي، ومصدر تهديد لبقاء العراق وهويته وسلام شعبه. ولم يكن غريباً بالتالي أنه ما إن أقر الدستور حتي دخل العراق دوامة عنف أهلي كادت أن تدفعه إلي حرب أهلية طاحنة. الاعتقاد بان حادثة تفجير مقام العسكريين في سامراء هي التي فجرت العنف الأهلي، هو اعتقاد ساذج وتبسيطي، يرتكز إلي تحليل ينم عن الكسل الذهني أو التضليل. انفجر العنف لأن الجميع استشعر أن الوطن لم يعد وطناً، وأن البلاد في طريقها للانقسام إلي مناطق نفوذ، يفوز بالحصة الأكبر منها من يحسم ميزان القوي الطائفي والفئوي أولاً لصالحه. المهم، أن الوعود التي قدمت بتعديل الدستور سرعان ما تبخرت، وشكلت الحكومة الجديدة، التي افترض أنها حكومة دائمة، علي الأساس نفسه الذي بني عليه نظام ما بعد الاحتلال: المحاصصة الطائفية والعرقية، وسيطرة فئة صغيرة علي القرار. في مثل ظروف العراق الحالية، أصبحت الحكومة أسيرة لحسن أو سوء نوايا رئيسها، وليس لقواعد وأنظمة وقوانين ثابتة يجمع عليها العراقيون. وقد أظهر المالكي من سوء النوايا ما لم يقل عن من هم قبله، إن لم يزد بكثير. وكان لا بد بالتالي من أن يتسارع انحدار البلاد نحو الفوضي والعجز وفقدان الثقة المتبادلة بين شخصيات الطبقة التي فرضها الاحتلال علي العراقيين. خروج التوافق من الحكومة، وما تلاه من تجميد وزراء القائمة العراقية لمشاركتهم في الحكم، لم يكن هو الذي أوصل العملية السياسية والحكومة إلي حافة الانهيار وجردها من الشرعية. الانهيار وفقدان الشرعية كانا هناك من البداية؛ ولكن خطوة التوافق والعراقية مثلت الإعلان الرسمي عنهما. حتي الامريكيون وصلوا إلي ذات الاستنتاج منذ شهور؛ ما دفعهم إلي الحفاظ علي الوضع الحالي كان الخشية من انهيار سياسي كامل في المنطقة الخضراء، في وقت تحتاج واشنطن المحافظة علي وهم الاستقرار لتحسين فرص التقرير المقرر أن تقدمه قيادة الاحتلال الشهر القادم حول جدوي الاستراتيجية الامريكية في العراق. إلي أين سيذهب التوافق من هنا؟ لا أحد يمكنه التوقع؛ فقد أظهر قادة التوافق من قبل القليل من الصلابة والتصميم، كما أظهروا قابلية للانصياع للضغوط، والامريكية منها علي وجه الخصوص. ولكن استخفاف التوافق، والقوي السياسية الأخري المعارضة لحكومة المالكي، بقدرة التحالف الرباعي علي إنقاذ النظام والحكومة، هو استخفاف مبرر بلا شك. التحالف الرباعي، مثلاً، لا يضيف دعماً برلمانياً جديداً للمالكي، فأطرافه شريكة في الحكومة أصلاً، وتصب أصواتها لصالحها. الحقيقة أن الدعم البرلماني للحكومة قد انهار تماماً، والتحالف الرباعي يوحي بانقسام نهائي في الدعم الشيعي البرلماني للمالكي، إلي جانب فقدانها دعم كتلتي التوافق والعراقية وممثلي الفضيلة؛ وهو الانقسام الذي سيستفحل إن تعرضت إيران لهجوم امريكي علي أي نحو من الأنحاء. أما الحفاظ علي النظام والدستور، فهي مهمة مئتي ألف من الجنود الأجانب الذين يحتلون البلاد. ويدرك الموقعون الأربعة علي بيان التحالف أن وجود هذه القوات لا يضمن وجود النظام الذي يديرونه وحسب، بل ووجودهم الشخصي في العراق كذلك. بدون قوات الاحتلال، سينهار المعبد علي من فيه، أو علي كل من سيتأخر عن الفرار منه. المسألة اللافتة في كل هذا، أنه وبالرغم من تصريحات قادة التحالف الرباعي المعبرة عن الحرص علي انضمام جبهة التوافق، أو علي الأقل الحزب الإسلامي، إليهم، فإن عدداً من المؤشرات السابقة واللاحقة لإعلان بيان تشكيل الجبهة توحي بأن الأربعة لم يكونوا حريصين فعلاً علي التحاق السنة العرب. كما أن البنود التي ضمها بيان الجبهة ليست أكثر من لغو لا قيمة له. فلا مسألة كركوك يمكن حسمها باتفاق الأربعة، ولا مسألة تقسيم الثروة النفطية، ولا مجمل القضايا الرئيسية التي أشار إليها البيان. العراق السياسي المحتل منقسم علي ذاته، بغض النظر عن وزن وقيمة وفعالية مختلف الشخصيات والمجموعات السياسية التي طفت علي سطحه منذ 2003. وعندما يكون الانقسام بعمق وحجم ما يشهده العراق اليوم، فإن من المستحيل، ومن العبث، التعامل مع إشكاليات كتلك التي يعد تحالف الأربعة بالعمل علي حلها. لماذا إذن هذه الجبهة؟ لماذا الإعلان عنها الآن، وما الذي تعنيه للتوقعات القريبة لمستقبل العراق؟ سواء صرحت القوي السياسية المختلفة أو لم تصرح، فإن الوضع في العراق يدخل الآن بداية مرحلة الحسم. الترقب الشديد لتقرير قائد قوات الاحتلال والسفير الامريكي في بغداد، وتصور أن مستقبل العراق يرتبط بما سيعلنه التقرير، هو تصور في غير محله. منذ أطلقت استراتيجية زيادة عدد قوات الاحتلال، وأعلن عن ان الحكم علي هذه الاستراتيجية مرهون بتقرير ايلول (سبتمبر)، كان واضحاً أن التقرير سيصاغ في شكل ولغة غير حاسمة. السياسات الكبري للدول الكبري لا يصنعها جنرالات وسفراء، مهما بلغت مواقعهم وأدوارهم من أهمية. الأرجح، أن تقرير الشهر القادم سيؤكد علي نجاحات للقوات الامريكية في جوانب ما، وإلي عدم تحقيق نجاحات ملموسة في جوانب أخري. ولأن من الصعب علي العسكرية الامريكية تحمل مسؤولية الإخفاق، فإن التقرير سيؤكد علي أن الحل في العراق هو حل سياسي في الدرجة الأولي، وأن القادة العراقيين السياسيين يتحملون المسؤولية الكاملة في هذا الشأن. خلف التقرير، قبله وبعده، ثمة إدراك متزايد في واشنطن، في قلب إدارة الرئيس بوش الابن، أن مشروع العراق قد أخفق، وأن لا سبيل لإنقاذه مهما بلغ تعداد القوات الامريكية المحتلة. ثمة قاعدة عسكرية، يحفظها كل جنرالات الجيوش الغربية منذ كتب كلاوزفيتز كتابه في الحرب : لا يمكنك أن تعزز الفشل . الإدارة الامريكية هي الآن في معرض إدارة الإخفاق، لا تحويله إلي نجاح؛ في معرض التقليل من الخسائر الاستراتيجية المترتبة علي هذا الإخفاق، ومحاولة محاصرته من التفاقم والتأثير علي الموقع والدور الامريكيين في المنطقة والعالم. آجلاً أو عاجلاً، سيبدأ انسحاب امريكي تدريجي وبطيء من العراق. قد يرافق مثل هذه الخطوة هجوم امريكي علي إيران، يستهدف ضمن عدة أهداف إعطاء انطباع إقليمي ودولي بأن الولايات المتحدة قادرة ما تزال علي القيام بمبادرات استراتيجية كبري في منطقة الشرق الأوسط. ولكن بالرغم من تصاعد لغة التوتر بين طهران وواشنطن، فإن مؤشرات الحرب الفعلية، أي التحضيرات السياسية الامريكية الداخلية وعلي المستوي الدولي، لم تبدأ بعد. يؤثر قرار حرب إيران علي القرار الامريكي في العراق من عدة أوجه؛ ولكن من الضروري عدم المبالغة في هذا التأثير، لاسيما من المنظار الامريكي للأمور. لا تخلي واشنطن عن مشروع توجيه ضربة ما لإيران سيؤخر من بدء الانسحاب الامريكي، ولا الهجوم علي إيران سيؤدي إلي تحسين حظوظ المشروع الامريكي في العراق. استمرار الخسائر الامريكية، الثقل المالي المتزايد للاحتلال، عجز الشتات السياسي المتحالف مع واشنطن في العراق عن بناء دولة ووطن، والضغوط السياسية داخل الولايات المتحدة، تجعل العراق الآن، وفي شكل متزايد، عبئاً استراتيجياً أكثر منه جائزة استراتيجية. ولذا، فقبل نهاية العام علي الأرجح، ستعلن الإدارة عن خفض جزئي في تعداد القوات الامريكية في العراق؛ وقد يستمر خفض القوات ببطء خلال العام القادم، عام الانتخابات الرئاسية. هذا لا يعني أن الإدارة الحالية ستخرج من العراق نهائياً، أو حتي أنها ستتخذ مثل هذا القرار. إدارة بوش الابن لن تعترف بالإخفاق في العراق، وستترك مصير الوجود الامريكي فيه لمتغيرات الوضع العراقي والمنطقة وللرئيس المقبل في البيت الأبيض. العراقيون الأربعة الذين التقوا في الأسبوع الماضي، الأكراد منهم والشيعة، يعرفون أن لحظة الحقيقة تقترب. بإعلان أنفسهم جبهة المعتدلين، فإنهم يرغبون في توكيد خصوصية علاقتهم مع الولايات المتحدة، بمعني الانضمام لمعسكر المعتدلين العرب الذين تري فيهم الإدارة الامريكية حلفاءها الحقيقيين في المشرق العربي؛ هذا بالرغم من أن واشنطن لم تمنحهم هذا الشرف بعد، أو ربما ستجعلهم ينتظرون إلي أن تنجلي الصورة الإقليمية. الرسالة الثانية، وهي الأهم، التي تحملها جبهة الأربعة، موجهة للداخل العراقي، للخصوم العراقيين، سواء التيار الصدري في المعسكر الشيعي، أو القوي السياسية السنية وقوي المقاومة. وهي رسالة تستبطن إعلان حرب: بمعني استعداد الأربعة للذهاب إلي أقصي ما يمكن الذهاب إليه للحفاظ علي مصالحهم ومواقعهم، وللعمل علي تقسيم العراق، لاسيما في حال بدء انسحاب امريكي ملموس من العراق. (*) باحث عربي في التاريخ الحديث (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 23 أوت 2007)

أميركا تبحث عن إستراتيجية للنصر في العراق

 
حسن نافعة (*) يوجد إجماع على أن الولايات المتحدة تواجه «ورطة» حقيقية في العراق. ولا خلاف داخل الولايات المتحدة أو خارجها حول طبيعة هذه «الورطة» والأسباب التي أدت إليها. ومع ذلك تختلف الاجتهادات حول حدود هذه الورطة وسبل الخروج منها وتتباين من النقيض إلى النقيض. فالأمر بالنسبة للبعض لا يخرج عن كونه مجموعة «أخطاء» قابلة للتصحيح وقعت فيها إدارة أميركية حمقاء، أما بالنسبة للبعض الآخر فوصل إلى «مأزق» لا فكاك منه ويؤدي إلى «هزيمة» يصعب على الولايات المتحدة تجنبها. وبينما نجد أن البحث عن «مخرج مشرف ينقذ ماء الوجه» هو أقصى ما يطمح إليه البعض في الوقت الراهن، يرى آخرون أنه ما زال بإمكان الدولة الأعظم في العالم تحقيق «نصر استراتيجي» في العراق. وأيا كان الأمر، فظلت الإدارة الأميركية الحالية تكابر لفترة طويلة وتنكر حتى مجرد ارتكابها لأخطاء في العراق وتصر على أن النصر آت لا محالة، ولم تبدأ في الاعتراف بوجود مشكلة حقيقية وبارتكاب أخطاء إلا متأخرا جدا وبعد نشر تقرير لجنة بيكر – هاملتون الشهير. غير أن الاعتراف بوجود هذه «المشكلة» ثم بارتكاب تلك «أخطاء» جاء في البداية على نحو خجول جدا ولم يغير من عناد الإدارة الحالية التي استمرت ماضية في طريقها لا تلوي على شيء مؤكدة أن ما تواجهه في العراق لا يعدو أن يكون «عثرة» على الطريق بسبب «أخطاء تكتيكية» قابلة للتصحيح ولا تمس بسلامة الاستراتيجية التي تسير عليها والتي ستفضي إن آجلاً أو عاجلاً إلى تحقيق نصر كامل لا شبهة فيه. وتأسيسا على هذه الرؤية تم رفض تشخيص الحالة كما ورد في تقرير لجنة بيكر – هاملتون والسير في عكس الاتجاه الذي أوصى به. ومن المعروف أن تقرير بيكر – هاملتون كان أكد على أن الوضع في العراق سيء جدا ومرشح للازدياد سوءا إذا استمرت السياسات الحالية على ما هي عليه، وأن الخروج من المأزق الراهن يتطلب تغييرا جذريا في السياسات. واستعرض التقرير عددا من الخيارات قام باختبارها لكنه استبعدها جميعا بسبب تأثيراتها السلبية المحتملة على مكانة وسمعة ومصالح الولايات المتحدة وعلى مستقبل الاستقرار في العراق وفي المنطقة. من هذه الخيارات: الانسحاب السريع من العراق، الاحتفاظ بالسياسات المتبعة دون تغيير، زيادة عدد القوات، أو تقسيم العراق إلى ثلاث أقاليم. وبعد استبعادها اقترح نهجاً جديداً يقوم على دعامتين إحداهما خارجية، تستهدف بناء توافق دولي جديد وتشكيل آلية دولية جديدة لدعم العراق من خلال ما يسميه التقرير بالهجوم الديبلوماسي الكبير، والأخرى داخلية: تستهدف مساعدة العراق على مساعدة نفسه. واقترح التقرير، ضمن توصياته الثمانية والسبعين، أن تقوم الولايات المتحدة بإطلاق «هجمة دبلوماسية» تؤكد من خلالها للعالم أنها ليست طامعة في نفط العراق، وليس في نيتها إقامة أي قواعد عسكرية دائمة ضد رغبة الشعب العراقي، وخلص إلى استنتاجين رئيسيين، الأول: أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الخروج من الوحل العراقي منفردة وأنها تحتاج إلى عون آخرين لإنقاذها مما هي فيه!، والثاني: أن أزمات الشرق الأوسط مترابطة وبالتالي فلن يكون بوسع الولايات المتحدة العثور على مخرج مشرف من أزمة العراق بأقل الخسائر الممكنة ما لم تقدم على معالجتها جميعا بشكل متزامن. من هنا حث الإدارة الحالية على الانفتاح على كل من سوريا وإيران، وبذل جهد أكبر لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي. غير أن الإدارة الأميركية ركبت رأسها وقررت السير في الاتجاه المعاكس. وبدلاً من التخفيض التدريجي لقواتها المقاتلة وإعادة انتشارها وتمركزها خارج المدن العراقية الثائرة، قررت زيادة القوات وتكليفها بخوض المزيد من المعارك داخل المدن الثائرة أملا في إخماد المقاومة أو إضعافها على الأقل. وبدلا من الانفتاح على كل من إيران وسورية قررت تشديد العقوبات عليهما والعمل على عزلهما ومحاصرتهما دولياً. وبدلاً من بذل المزيد من الجهود لتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي، والذي تطلب ممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل وتشجيع الجهود الرامية لتليين موقف حماس والعمل على إنجاح الجهود الرامية لتوحيد الموقف الفلسطيني، قررت فرض المزيد من الضغوط على حماس ومزيد من الحصار على الشعب الفلسطيني وراحت تعرقل كل المحاولات الرامية لتوحيد الفصائل الفلسطينية وتشجيع إسرائيل على التمادي في سياستها المتصلبة والعدوانية. وصبت هذه السياسات مجتمعة في اتجاه تهيئة الأجواء لحرب دامية جديدة خلال صيف العام الماضي كانت الساحة اللبناية هي مسرحها. وبدا واضحاً أن الولايات المتحدة أصبحت هي الطرف الأكثر تحريضاً على الحرب وحرصاً على استمرارها أملاً في أن تنتهي بتدمير حزب الله ومن ثم بإضعاف وتهميش، أو حتى تقويض، النظامين السوري واللبناني إن أمكن. والواقع أن هذا التوجه، والذي يعد امتدادا لذات النهج القديم، ضاعف من مأزق الإدارة الأميركية بدلا من تخفيف حدته. فلم يتحسن الوضع العسكري والأمني في العراق وإنما ازداد سوءاً وتدهوراً. ولم تؤد حرب الصيف الماضي إلى إضعاف «محور المتطرفين» في المنطقة وإنما، على العكس، خرجت منها إيران وسوريا وحزب الله وحماس والجهاد أشد بأسا وأكثر قوة، وخرجت منها القوى الموالية للسياسة الأميركية في المنطقة أكثر ضعفا وهزالا. أما إسرائيل فمنيت فيها بهزيمة كبرى. ولم يكن لذلك سوى معنى واحد وهو أن الإدارة الأميركية الحالية أصبحت في وضع أضعف مما كانت عليه عند صدور تقرير بيكر- هاملتون منذ حوالي عامين، وأنها لم تفعل سوى إهدار الكثير من الوقت والمال دون طائل. ولأن هذه الإدارة تدرك أن الوقت المتاح أمامها بات محدودا جدا، فلم يعد أمامها سوى الاختيار بين بديلين: فإما التسليم بالهزيمة والانسحاب الفوري، وهو أمر لا يبدو واردا بالنظر إلى مخاطره الكبرى على هيبة ومكانة ومستقبل الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى، وإما الهروب إلى الأمام بتوجيه ضربة عسكرية شاملة إلى «محور المتطرفين»، وهو أمر ليس مستبعدا من حيث المبدأ من إدارة يمينية متطرفة تفكر بطريقة أيديولوجية بعيدا عن العقلانية أو البراجماتية ويقف على رأسها شخص محدود الذكاء ومغامر إلى حد المقامرة. المشكلة هنا أن هذا البديل يبدو محفوفا بالمخاطر إلى درجة مرعبة فضلا عن أن احتمالات تحقيق نصر حاسم فيه على المدى الطويل تبدو ضئيلة إلى درجة العدم. لذا تبدو بعض شرائح النخبة الأميركية المرتبطة باليمين المحافظ، والتي لم تيأس بعد من كسب الحرب في العراق، منغمسة حتى أذنيها في البحث عن بديل ثالث. صحيح أن اجتهاداتها كثيرة ومتعددة، إلا أن الاجتهاد الذي طرحه وليم لند William S. Lind، مدير مركز حفظ التراث الثقافي التابع لمؤسسة «الكونغرس الحر»، في مقال بعنوان «كيف نكسب في العراق» نشر في 30 تموز (يوليو) الماضي في «الأميركان كونسرفيتور»، يبدو لنا الأكثر تعبيرا عما يدور في عقل هذه الشرائح. فليند يقر، ابتداء، باستحالة تحقيق أي من الأهداف القصوى التي حددتها الإدارة الأميركية الحالية لنفسها والتي تمثلت في: تحويل العراق إلى دولة تابعة للولايات المتحدة، وصديقة لإسرائيل، ومستعدة لمنح كميات لا تنتهي من النفط والموافقة على قواعد عسكرية ضخمة لتمكين الولايات المتحدة من الهيمنة على المنطقة والتحكم في مصيرها، ويرى أن السياسات الرامية لقمع التمرد في المدن بنيت على افتراضات خاطئة من الأساس. ويعتقد ليند أنه ما زال بالإمكان كسب الحرب على المستوى الاستراتيجي، ولكن ليس من خلال العمل على تراكم وجمع «مكاسب تكتيكية صغيرة». لذا يطالب ليند أولا بالاتفاق على مفهوم ومعنى «التهديد» ويقترح أدوات للتعامل معه مستمدة من نظرية ليدل هارت في «الاقتراب غير المباشر». ولأن ليند يرى أن التهديد الذي تواجهه الولايات المتحدة ليس نابعا من أي دولة وإنما من مجموعة متنوعة من منظمات تستخدم أساليب غير تقليدية تسميها «الإرهاب»، كما يرى أن هذه المنظمات تقوى ويشتد عودها كلما ضعفت الدول القائمة في المنطقة، فإنه يطالب باستراتيجة بديلة تقوم على عناصر ثلاثة لكسب الحرب: العنصر الأول: الاقتراب من إيران بطريقة مشابهة للطريقة التي سبق للولايات المتحدة أن اقتربت بها من «الصين» في بداية السبعينات. فكما كانت الصين تسعى لخلق أكثر من «فيتنام» لاستنزاف الولايات المتحدة في السبعينات، فكذلك تسعى «المنظمات المعادية» للولايات المتحدة لخلق أكثر من «عراق» لتحقيق ذات الهدف في المرحلة الحالية. ولأن لند يعتقد بصعوبة إجهاض استراتيجية هذه المنظمات إلا في إطار عملية ناجحة لإعادة بناء دولة عراقية قوية ومتماسكة، فهو يقترح الاقتراب من إيران بطريقة معينة تساعد في هذا الاتجاه. صحيح أنه يعترف بأن العناصر الشيعية الموالية لإيران ربما تكون لها الغلبة في أي حكومة فعالة قادرة على ضبط الأمور في العراق، غير أنه يعتقد أنه لا ضرر من هذه الغلبة طالما أن ذلك يسهم في بناء دولة عراقية قادرة تحقيق الاستقرار والحيلولة دون انتشار التنظيمات التي تعمل على «عرقنة المنطقة». العنصر الثاني: إفساح الفضاء السياسي داخل أمام التيار الصدري لشغل حيز يتناسب مع حجمه الطبيعي في الشارع، نظراً لتمتعه بجذور شعبية حقيقية يمكن أن تسهم في تشكيل حكومة قوية مرتبطة بالجماهير، حتى لو اضطرت الولايات المتحدة في مقابل ذلك التخلي كلياً عن هدف إقامة قواعد عسكرية في العراق لأن ذلك قد يكون الثمن الذي يتعين عليها دفعه في هذه المرحلة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة كانت سعت لتحجيم التيار الصدري لمصلحة تيارات وفصائل أخرى أكثر موالاة للولايات المتحدة الأميركية رغم أنها لا تتمتع بقبول شعبي أو جماهيري، وهو عامل يرى ليند أنه ساهم في إضعاف الحكومات المتعاقبة وقلل من قدرتها من السيطرة على الأوضاع على الأرض. صحيح أن ليند يعترف بعدم وجود ضمان على قدرة الصدر على تشكيل حكومة عراقية قوية، لكنه يرى بضرورة المخاطرة وإفساح المجال للصدر أو لغيره ممن يستطيع. العنصر الثالث: سحب جميع القوات الأميركية بأقصى سرعة ممكنة وخلال فترة زمنية تتراوح بين 12-18 شهرا على أكثر تقدير. ويرى ليند أن هذه الفترة ضرورية لتهيئة الفضاء السياسي الذي يسمح للصدر أو لغيره بالتمدد والانتشار في اتجاه تشكيل حكومة قوية وإعادة بناء الدولة العراقية. وهو لا ينظر إلى هذا الانسحاب كما لو كان انسحابا لجيش مهزوم، وإنما يرى فيه انسحابا استراتيجيا أو حلقة مهمة في استراتيجة النصر وكسب المعركة في العراق، وأنه سيكون صحيا ومفيدا بالنسبة للجيش الأميركي وكذا بالنسبة للسياسة الداخلية الأميركية. ولا جدال في أن تأمل هذه العناصر الثلاث يشير إلى أنها تصب جميعها في اتجاه تعميق التناقضات بين السنة والشيعة ليس على مستوى العراق فقط، ولكن على مستوى الإقليم أيضا، وهو أمر لا يقلق ليند أبدا بل يرى فيه صراحة وبوضوح تام شرطا جوهرياً لنجاح الاستراتيجية الجديدة التي يطالب الولايات المتحدة بتبنيها والتي يعتقد أنها كفيلة بكسب الحرب وتحقيق النصر في العراق. وهنا مكمن الخطر. فهل بوسع العالم العربي وإيران أن ينتبها إلى ما يحاك لهما في المرحلة المقبلة وأن كلاهما مستهدف. قد تفرح إيران مرحلياً بحكومة موالية لها في العراق، لكن الثمن الذي ستدفعه استراتجياً سيكون باهظا، لأن الولايات المتحدة ستستخدم ذلك كذريعة لدفع الدول العربية السنة للدخول في حرب مفتوحة ضد الإيران. أما المستفيد الساسي فسيكون إسرائيل والولايات المتحدة لأن المطلوب إنهاك العالم الإسلامي كله بسنته وشيعته. ويبدو أن الولايات المتحدة تتجه لسياسة احتواء مزدوج ولكن لكل من الأصولية الشيعية والسلفية السنية وبوسائل وأدوات وآليات جديدة. لذلك لا حلا إلا بحوار شيعي- سني، وحوار عربي- إيراني. (*) كاتب مصري. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 22 أوت 2007)  


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.