نماذج واقعيٌة من الاضطهاد الدٌيني في السٌجون التٌونسيٌة
بقلم: عبد الله الزواري ينصٌ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادٌة 18على ضمان حرٌية المعتقد والتٌعبٌد والتٌفكير والعاطفة إذ ينصٌ على إن׃ » لكلٌ شخص الحقٌٌ في حرٌية التٌفكير و الضٌمير و الدٌين. ويشمل هذا الحقٌ حرٌية تغيير ديانته و عقيدته وحرٌية الإعراب عنهما بالتٌعليم والممارسة و إقامة الشٌعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرٌا أم مع الجماعة ». و ينصٌ دستور الجمهورية التٌونسية في الفصل الخامس على أن׃ « الجمهورية التٌونسية تضمن حرٌية الفرد آو حرٌية المعتقد وتحمي حرٌية القيام بالشٌعائر الدٌينية, ما لم تخل بالأمن العام“. و ينصٌ الأمر عدد 1876 لسنة 1988 المؤرٌخ في 4 – 11 – 1988 في الفصل64 » لا يمنع السٌجين من أداء شعائره الدٌينية مدٌة إقامته بالسٌجن « . و أضاف الفصل 65: » تنظٌم لفائدة المساجين برامج للإرشاد الدٌيني و الأخلاقي بواسطة وعٌاظ مختصٌين أو بواسطة الإطار التٌربوي التٌابع للإدارة العامٌة للسٌجون و الإصلاح. أما القانون عدد 51 لسنة 2001المؤرٌخ ب 14 ماي 2001, فلم يتعرٌض إطلاقا لمسألة أداء الشٌعائر الدٌينية, خلافا للأمر عدد1876 السٌابق ذكره, الذي تعرٌض لها بصيغة عامٌة في الفصل 64, وخصٌ ذوي الدٌيانات الأخرى غير الإسلام في الفصل57 حيث قال׃ » يمكن لرجال الدٌيانات المرخٌص لهم من طرف الإدارة العامٌة للسٌجون و الإصلاح زيارة المساجين و إقامة الطٌقوس الدٌينية.وتقع هذه الزٌيارة بمكتب معدٌ للغرض و بمحضر أحد أعوان السٌجن “. جميل أن ترفع مؤسٌسة من المؤسٌسات شعار الإصلاح… و أجمل من ذلك أن تسهر على وضع الخطط و البرامج الكفيلة بتحقيق ذلك الإصلاح المنشود…لكن القبح كلٌه، و البشاعة كلٌها، تلك الازدواجيٌة المقيتة بين رفع شعار ما، و الإصرار على سلوك طريق لا يمكن أن يؤدٌي إلا إلى نقيضه، وكلٌ ذلك عن تفكير و رويٌة و تشاور و إمعان نظر…فهل أنٌ ما يعتبره البعض إصلاحا يمكن أن يكون فسادا عند آخرين ؟..آلا يمكن أ ن يكون ذلك طورا من الأطوار، التي تمرٌ الآمٌة في التٌساؤل المأثور « كيف أنتم إذا أصبح المعروف منكرا و المنكر معروفا ؟ ». ونحن إذ نخصٌ هذه المرٌة شعائر الدٌٌين و مظاهره، وكيف تمٌٌٌ التٌعامل معه في العشريٌة المنصرمة، فإنٌنا لا ندٌعي تقصٌي كلٌ أوجه التٌعامل، أو كلٌ الأحداث، بل نكتفي بما عاينٌاه مباشرة، أو ما بلغنا و نحن على يقين من وقوعه، مجانبين في ذلك كلٌ تهويل أو مبالغة، مقتصرين في ذكر الأسماء على الأحرف الأولى، ولن نتردد في ذكر الأسماء كاملة عند الاقتضاء. و يتساءل المرء بما يمكن أن يخرج المتأمٌل في التٌعامل مع شعائر الدٌين و مظاهره؟ ما أثر تلك العهود و المواثيق الدٌولية؟ بل ما أثر الدٌستور و جملة القوانين في الواقع ؟أين نحن من تلك الشٌعارات الجملية التي تتغنٌى باحترام حقوق الإنسان ؟. أين نحن من تلك الأصوات التي تتباهى بمناسبة و بغير مناسبة بالتٌوقيع على الاتٌفاقيات الدٌولية بدون تحفٌظ ●؟ ما حقيقة إعادة الاعتبار للدٌين الإسلامي في الفضاء ألسجني؟. كيف نحمي الدٌين الإسلامي ؟ و ممٌن نحميه ؟؟ من المفرٌِطين أو من المُفْرطين ؟ من الذين يقيمون الشٌعائر ؟ أم من الذين يتصدٌون لها ويعطٌلونها ؟.. أسئلة كثيرة تطرح . و لنعد إلى التٌعامل مع شعائر الدٌين و مظاهره و مختلف المراحل التي تتدرٌج فيها . الصٌلاة : على قدر أهمٌية هذه الفريضة في الإسلام, على قدر الاضطهاد والعذاب, الذي سلٌط على سجناء الرٌأي, خصوصا بسببها. فقد عُمٌِم منع أقامة الصٌلاة جماعة في كافٌة السٌجون, قبل صدور الأحكام في المحكمتين العسكريٌتين(القضيتين76110و76111)في أواخر أوت (آب ) 1992. وكان تنفيذ هذا الإجراء يتٌسم بالصٌرامة البالغة.. ولا مجال هنا للحديث عن صلاة الجمعة, فهذه الفريضة, و إن أقيمت في فترة من الفترات في بعض السٌجون, فإنٌها لا تعدو أن تكون حالة شاذٌة لا غير… علما بأن كل الإجراءات و المضايقات, إ ن لم نقل كلٌها, كانت تنطلق من السٌجن المدنيٌ بتونس العاصمة (المعروف بالحبس الجديد أو حبس 9 أبريل), ومنه تنتشر في بقيٌة السٌجون. وكان ذلك في عهد الرٌائد السٌيٌد إدارته, ر المأسوف على عهده ولا على إدارته, بمساعدة أهمٌ معاونيه, بل أبنائه, كم يسمٌيهم عامٌة المساجين و هم (ب.ك) – (ع. ع ) – (ف.ر) … منعت صلاة الجماعة منعا باتٌا, وأقيمت الصٌلاة أفذاذا. لكن المقاومة و التصدٌي لتنفيذ هذه الإجراءات جعلت الإدارة تتراجع لتقنع بإقامة الصلاة أزواجا… و لا شكٌ أنٌ كثافة عدد سجناء الرٌأي بسجن العاصمة, كانت وراء قبول الإدارة بإقامة الصلاة أزواجا..و في سجون أخرى كانت الصٌلاة تقام أفذاذا في غرف, و تقام أزواجا في غرف أخرى, و ذلك بقدر إصرار السٌجناء على التمسٌك بالصٌلاة أزواجا, و تصدٌيهم للتٌرتيبات, التي تريد الإدارة فرضها. و مثال ذلك سجن برج الرومي في عهد السٌيٌد (ب.ك) في سنة 1993 و ما بعدها , الذي سمح لمساعديه بالتٌفنٌن في اختلاق الترتيب الغربية المنظٌمة لإقامة الصٌلاة, من ذلك منع إقامة زوجيــــــــن ( paires 2) للصٌلاة في نفس الوقت بحيث إذا صلٌى الزٌوج الأوٌل صلاة المغرب مباشرة إثر الأذان , فإن الزٌوج الأخير يؤدي نفس الصٌلاة عند آذان العشاء .و كان ذلك سنة 1994 ) غرفة 5-6-7-8- أو جناح ب حاليٌا (وأذكر هنا أن ٌالمدير المذكور سعى إلى فرض الصٌلاة أفذاذا, وشرع في إكراه السٌجناء على ذلك بجلبهم إلى السٌجن المضيٌق والتٌهديد بتعنيفهم إن تمسٌكوا بالصٌلاة أزواجا ونجح في إرهاب عدد منهم, و جاء دور غرفة 10 [غرفة 2 جناح س حاليٌا] و بدأت مرحلة التٌهديد, لكن السٌجين الأوٌل الممتحن تمسٌك بالصٌلاة أزواجا, وبعد البدء في تعنيفه بقليل وفي اللٌحظة التي خامره هاجس الانصياع لما يراد منه إذا بجلاديه يتراجعون ويسمحون له و للمقيمين معه في نفس الغرفة بالصٌلاة أزواجا, وهذا ما قصٌه عليُ السٌجين الممتحن نفسه (ن.ر.) بعد الحادثة بأسابيع قليلة و كان ذلك في أواخر 1993. أما في الغرف والأجنحة, التي منعت فيها الصٌلاة أزواجا, فالويل كل الويل لمن يوافق ركوعه أو سجوده.. ركوع مصلٌ آخر أو سجوده (غرف 1- 2- 3-4 التي كان يشرف عليها السٌيٌد ب.د), لأنٌ ذلك يعتبر صلاة جماعة. ومن تجرٌأ و سمحت له نفسه بذلك يكون جزاءه العذاب الأليم في الجناح المضيٌق), ومكثه به في غرفة انفراديٌة مدٌة 10 أيام, مع فقده آليٌا فراشه (سريره), ليعود من جديد إلى النٌوم على الإسمنت (أو ما يعرف بلغة السٌجن الـكـُـدس ● ) لمدٌة أشهر تطول أو تقصر, حسب واقع الاكتظاظ و عدد النٌائمين على الإسمنت ( أو في الكدس) السٌابقين له. ومن المناسب هنا ذكر الجناح المضيٌق بإبراز أهمٌ خواصٌه, فهو مجموعة من الغرف الانفراديٌة الضٌيٌقة, و إن كان البعض منها فيه دورة مياه و مياه صالحة للشٌراب… فإنٌ الجناح المضيٌق في كل من سجن الرٌومي و المهديٌة و قابس و بنزرت المدينة و صفا قس , تفتقر إلى المرافق الأساسيٌة (دورة مياه , ماء ) , رغم اشتراط القانون عدد51-2001 توفٌرها في هذه الغرف (كما يشترطها أمر1876) … وقد تكون إقامة الصٌلاة مثنى مثنى مسموحا بها في عهد مدير معيٌن, و يأتي مدير آخر فيمنعها, وهو ما فعله الملازم الأوٌل آنذاك (ع.ع) في سجن برج الرٌومي , حيث عمد إلى منع الصٌلاة أزواجا سنة 1999 . وكان مسموحا بها قبل ذلك, و قد كيد لسجين الرٌأي (م.ج) بأداء الصٌلاة جماعة ( أي مثنى ), فجلب إلى السٌجن المضيٌق, و بعد الوليمة– وليمة القدوم عبارة عن حصٌة تعنيف مغلٌظ, يشرف عليها السٌيٌد المدير في أغلب الأحوال, وقليلا ما يترك هذا «الامتياز » لأحد مساعديه — أُدخِل السٌجين إلى غرفة ضيٌقة تفتقر إلى دورة مياه, و إلى الماء حيث مكث فيها ما يقارب العشرين يوما ( و هو ضعف العقوبة القانونية ). و أخرج من سجن العقاب يوم زيارة عائلته له. و سألته أمٌه العجوز عن سبب عدم تمكينه من مقابلتها في الأسبوعين الماضيين فأجاب بكلٌ تلقائيٌة بأنٌه كان معاقبا لإدانته بإقامة الصٌلاة جماعة… فقطع الحارس الذي يراقب الزٌيارة و يستمع إلى الحوار المقابلة, وأعلم السٌيٌد المدير في الحين بالحوار الذي دار بين السٌجين و أمٌه, فأصدر أوامره بإعادة السٌجين إلى الجناح المضيٌق (السيلون). وهناك من جديد, والمدير يصرخ « المرٌة القادمة اشكي بي للٌي خلقك ». كما عوقب السٌجين (م.ع) بالبقاء ما يقارب الشٌهر في السٌجن المضيٌق, من أجل نفس السٌبب. وكانت أمراضه المزمنة والعديدة (القرح – السٌكري…) شفيعا له دون الوليمة. . و قد بلغت الفتنة أوجها عندما بادر أحد مديري السٌجون و هو السٌيٌد ( ر.ع ) بإصدار تعليمات تقضي بمنع صلاة الصٌبح قبل التٌعداد الصٌباحي للمساجين… و يعني ذلك في الواقــع منع إقامة صلاة الصٌبح قبل السٌاعة الثٌامنة و النٌصف صباحا. و كان ذلك في الثٌلاثيٌة الأخيرة من سنة 1995. و انتاب سجناء الرٌأي شعور بأن الدٌين في ذاته أصبح مستهدفا, و لم يعد الأمر مجرٌد مضايقات واستفزاز يسلٌطها خصم سياسيٌ على غريمه, مستغلا نفوذه وما يتمتٌع به من سلطة… وأصرٌ سجناء الرٌأي على تأدية الصٌلاة في وقتها, و أصرٌ السٌيٌد المدير على تنفيذ تعليماته. و أصبحت حصٌة العمل الإداريٌ الصٌباحيٌ حصٌة تأديب و تعنيف, حيث يقع تجميع السٌجناء في ساحة الجناح المضيٌق, وأحيانا أمامه, ويزوٌد الأعوان بالهراوات الغليظة, و تتواجه الفئتان لمدد زمنيٌة تطول أو تقصر, حسب رغبة السٌيٌد المدير, فئة مجرٌدة من كلٌ شيء ما عدا إيمانها بعدالة قضيٌتها و صبرها ومصابرتها, في زمن عـــــــزٌ فيه النٌصير… و فئة أخرى مدجٌجة بأنواع الأسلحة: الهراوات الغليظة, و التٌعتيم الإعلامي البغيض, و التواطؤ السٌياسيٌ المقيت, و ابتسامات السٌيٌد المدير المعبٌرة عن رضاه وتشجيعه… و تبدأ الجولة بالتضرٌع إلى الله و التٌكبير و لفحات الهراوات و لسعاتها و الرٌكلات و الصٌفع و الشٌتم و السٌبٌ… لتنتهي بعد « حيـــــــــــــــــــن من الدٌهر » بالأنين و الحمد… و ينتهي دور مجموعة ليبدأ دور مجموعة أخرى… و تتتالى الأيٌام ثقيلة, كئيبة, ثقيلة… وأصبحت حصص » التٌأديب » و « الإصلاح » الصٌباحيٌة النٌقطة الأولى في جدول الأعمال اليوميٌ للإدارة. وأمام مصا برة السٌجناء رأى السٌيٌد المدير « معاقبتهم » بنقلهم إلى سجون أخرى, ليتخلٌص من هذه الورطة, و انطفأت فتنة أداء صلاة الصٌبح إلى حين, فقد وقع تأجيلها إلى حين استجماع القوٌة المثاليٌة لفرضها من جديد… تجنٌبا لانفراد سجن واحد بهذه التٌقليعة, و هو ما وقع لسجن قابس في خريف 1995. و كانت بداية صائفة 1996 موعدا للاشتعال الفتنة من جديد, لكن هذه المرٌة في سجون عديدة, مثل قابس , و جندوبة , و بنزرت المدينة, و برج الرٌومي … و ما كان في الخريف الماضي بادرة فرديٌة أصبح في صائفة 1996 سياسة عامٌة…),اق المؤمنون الأمرٌيــــــن, و تنوٌعت أساليب التصدٌي, من شدخ الرؤوس, إلى إضرابات الجوع (الرٌومي, مدينة بنزرت ) إلى شرب مواد التٌنظيف (معجون أسنان, معجون حلاقة, شمبوان و مسحوق الغسيل مثل أومو…) , مع الإصرار على إقامة الصٌلاة في وقتها .. و كما فوجئت الإدارة باتٌساع مساحة التصدٌي, فوجئت كذلك بشكل التصدٌي الأخير (شرب مواد التنظيف ), الذي لم يكن رائجا بين سجناء الحقٌ العامٌ, خاصٌة و قد كان يمارس جماعيٌا, مما يضطرٌ الإدارة إلى نقل السٌجناء, الذين عمدوا إليه إلى مستشفيات لإجراء عمليٌة تنظيف للمعدة… و اضطرٌت الإدارة إلى الإنصات إلى صوت العقل, و نداء الحكمة, و خَََفَتَ لهيب هذه الفتنة أيضا بعد حيـــــــــــن. و أذكر هنا من بين الذين وقعت نقلتهم (ت.ث من برج الرٌومي) و (م.ح من سجن بنزرت المدينة) إلى سجن جندوبة. كما أذكر من بين الذين اضطرٌوا إلى شرب موادٌ التٌنظيف كلا من (ر.ن ) و (ت.ص). و كان يقطنان غرفة 5 في سجن جندوبة. و في أحد عيدي سنة 1996 أدٌى بعض سجناء الرٌأي صلاة العيد في جناح »ج » بسجن تونس, و بلغ الأمر إلى الإدارة, التي سلٌطت عليهم عقوبة تستحقٌ الذٌكر, مع أنٌها عاقبت بها كثيرا من سجناء الرٌأي, لعلٌ من أبرزهم الدٌكتور منصف بن سالم, و طبيب الفقراء ( أ. أ.) و المهندس (ع.ج.) والمناضل الكبير ( م.ع.) وتتمثٌل هذه العقوبة في إيوائهم بالتٌداول و لمدٌة 15يوما في غرفة الشواذٌ جنسيٌا (غرفة 8 جناح د1)… ومن الذين سلٌطت عليهم هذه العقوبة أذكر السٌجين (ع. م.) أمٌا الدٌعوة إلى الصٌلاة فجريمة لا تغتفر, يستحقٌ القائم بها أفظع العقوبات و أقســــــــاها.. و أذكر هنا أنٌه في صائفة 1993, وفي إالعامٌ.ة طبٌقتها الإدارة لسنوات طوال, أراد بعض المسؤولين مضايقة سجيني الرٌأي (ص.ش) و (ش.ب) فآوت معهما ثلاثا من مساجين الحقٌ العامٌ. و هم (س.ولد العيٌارية ) و (م.س) و (…) لكنٌ هؤلاء وجدوا من الرٌحمة و التفهٌم وحسن المعاملة و لين العريكة لدى السٌجينين المذكورين ما جعلهم يقرٌرون إقامة الصٌلاة و الاستقامة. و نظرا لكونهم موجودين في السٌجن المضيٌق , و لا يوجد معهم من يشي بهم للإدارة فإنٌهم كانوا يقيمون الصٌلاة جماعة (خاصٌة الصٌلوات التي تقام خارج الوقت الإداري . وفي شهر أوت (آب) 1993, و إثر آذان المغرب مباشرة, و أثناء تأديتهم للصٌلاة جماعة, أطٌلع عليهم الملازمان الأوٌلان (ن.ع) و (ف.م. الذي كنٌى نفسه ب » شارون » ) من كوٌة المراقبة في أعلى الباب (judas ) فوجداهم متلبٌسين « بالجريمة «. ثمٌ فتحا الباب وأخرجا السٌجناء ليتحصٌلا منهم على إقرار بأنٌهم أدٌوا الصٌلاة جماعة , و هو ما كان , فوقع مباشرة إيوائهم في غرفة المعاقبين بعد نزع ثيابهم الشٌخصية و ارتداء زيٌ العقاب, و من الغد مثلوا أمام لجنة » التٌأديب » الٌتي قرٌرت معاقبة سجين الرٌأي و الأستاذ الجامعي الٌذي أمٌ المجموعة في الصٌلاة وذلك بضربه عشرات الجلدات( فلقة) مع إيوائه بالسٌجن المضيٌق لمدٌة عشرة أيٌام, و قد تولٌى تنفيذ هذه العقوبة الملازمان الأوٌلان المذكوران آنفا…و أيٌ كمد أصابهما و هما الذان لم يفلحا في اغتصاب أنٌة أو صيحة أو تأوٌه من أستاذنا رغم أنٌهما لم يدخٌرا شيئا من غلظتهما و شراستهما و قسوتهما و نقمتهما عليه و على فكره و عقيدته…و احتجاجا على هذه الخسٌة و الحقارة شنٌ الأستاذ (ص.ش) إضرابا عن الطٌعام نقل بسببه إلى المصحٌة.. .. و لذلك كانت الاستجابة لإقامة الصٌلاة تمثٌل شجاعة نادرة , قلٌما يقدم عليها السٌجين , مما اضطرٌ الكثيرين من الذين اقتنعوا بضرورة إقامتها إلى التٌقية…و اذكر هنا الشٌاب(ن.ص.) أصيل الجنوب الغربي , و(ن.غ.), أصيل الشٌمال, اللذان بقيا أشهرا عديدة يقيمان الصٌلاة وهما مضطجعان على فراشيهما متظاهرين بالنٌوم, وكان ذلك في غرفة 8 ب سجن الهوارب عام 1995. ومن التٌدابير الغريبة التي سنٌها بعض المديرين لعلٌ من أبرزهم (ر.ع.) و (ب.ك.) في تثبيط مساجين الحقٌ العامٌ عن إقامة الصٌلاة ما دأب عليه من نقلة المصلٌين منهم من غرفة إلى أخرى بحيث يفقد السٌجين فراشه (السٌرير) عند نقلته و يبدأ دوٌامة الانتظار- انتظار دوره في الحصول على فراش من جديد وقد يقضٌي عدٌة أسابيع أو أشهر و هو يفترش الأسمنت ليحصل على ما اعتبره أمر 1876 في فصله العاشر حقٌا من حقوقه يتمتٌع به مباشرة عند دخوله السٌجن, غير أنٌه لن يتمتٌع بثمرة انتظاره طويلا لأنٌه سينقل من جديد إلى غرفة أخرى إن لم ينقل قبل ذلك..و من » الجرائم » التي لا يحقٌ لنا أن نغفل عنها « جريمة » إيقاظ المصلٌين بعضهم بعضا لأداء صلاة الصٌبح. كان هذا العمل ممنوعا يستوجب العقاب, ولا غرابة في ذلك, إنٌما الغرابة في أنٌ إيقاظ سجين لسجين آخر لمشاهدة الأفلام الخليعة التي تبثٌها القنوات الإيطالية الخاصٌة الملتقطة صيفا وفي الأيٌام التي تسمح العوامل المناخيٌة بذلك لا يتعرٌض لنفس العقاب.. و لا يفوتنا هنا أن نذكر منع الإدارة الاغتسال في الغرف…لكن ما حيلة ذلك الشٌاب الذي أصبح جنبا؟ هل ينتظر دورة الاستحمام العامٌ التي قد تأتي بعد أسبوع أو أسبوعين و قد لا تأتي إلا بعد عدٌة أسابيع…كان الاغتسال في الغرف ممنوعا منعا باتٌا في سجون عديدة مثل سجن تونس و برج الرٌومي و المهديٌة…وكان الوشاة و المخبرون الذين يقدٌمون »خدماتهم من أجل شطر رغيف زائد يلطٌفون به عضٌة الجوع, أو حبٌة أسبرين لتسكين ألم ضرس..أو من أجل ابتسامة يحظى بها من المشرف على الجناح, أو أحد أعوانه…كان هؤلاء الوشاة لا حصر لهم..فهم في كلٌ مكان يراقبون ويحصون الأنفاس, و ينتظرون أيٌ شيء يمكٌنهم من تحقيق « طموحاتهم الوضيعة »..لذلك ترى السٌجين الذي يعتزم الاغتسال يتستٌر و يتلطٌف كي لا يُشعِر أحدا بما يزمع القيام به..فتراه يختار الوقت المناسب مثل بثٌ مقابلة رياضيٌة, أو مسلسل تلفظي, ينشغل عموم المساجين بمتابعته..ثم ٌيخفي المنشفة تحت ثيابه, ويتسلٌل إلى دورة المياه…ثمٌ ينزع ثيابه ويضعها في سلٌة محجوبة عن الأنظار, ويتظاهر بقضاء حاجته البشريٌة… و يسكب الماء على جسده بلطف من قارورة أعدٌها للغرض, تجنٌبا لإحداث أي صوت يمكن أن يشي به( سيلان الماء ), و يؤجٌل غسل شعر رأسه لكي لا يقبض عليه متلبٌسا بجريمة الاغتسال, أليس في بلل الشٌعر دليل قاطع على التورٌط…وبعد عملية تمويه تطول أو تقصر يتمٌ غسل رأسه خارج دورة المياه, مشعرا من حوله بأنٌه يريد التخلٌص من القشرة… وكلٌ هذه الاحتياطات قد لا تؤدٌي إلى تجنيبه « وليمة » قي السٌجن المضيٌق, ثمٌ10 أيٌام في غرفة انفرادية,في ظروف تبرأ التعاسة منها… ولا تزال صلاة الجماعة تثير بعض المسؤولين, الذين ما فتئوا يتصدٌون لها.و أذكر هنا السيٌد (ع. س.) الذي منع صلاة الجماعة في جناح «ج » بالسٌجن المدنيٌ بتونس في خريف 2001, و السٌجين ( أ.غ.) ذاق الأمرٌين من تعليمات المسؤول المذكور و استفزازاته ممٌا جعله يفضٌل العزلة و الجناح المضيٌق على الجناح المذكور….. أمٌا سجناء الحقٌ العامٌ الٌذين يريدون أداء صلاتهم في السٌجن المضيٌق, عند تسليط هذه العقوبة عليهم, فإنٌهم قد يؤمرون بعدم أداء الصٌلاة تماما, كما وقع للسٌجين (س.س.) في سجن برج الرومي ربيع عام 1999 في عهد السٌيٌد (ع.ع.). الصٌوم: نلاحظ بدءا أنٌ عدد سجناء الحقٌ العامٌ الذين يؤدٌون هذه الفريضة قليل جدٌا و يزداد هذا العدد تقلٌصا مع تقدٌم الشٌهر .. و من أبرز ما يحضرني في مسألة الصٌيام ما أقدم عليه السٌيٌد مدير السٌجن المدنيٌ بالمهديٌة الملازم أوٌل (س.غ.) سنة 1997. ففي أوٌل يوم من شهر رمضان عمد المدير المذكور إلى بثٌ شريط سنمائيٌ إباحيٌ و خليع جدٌا في منتصف النٌهار, عبر شبكة الفيديو… كما أعاد الكرٌة من الغد, الشٌيء الذي استفز كافٌة المساجين وأحدث لديهم امتعاضا شديدا. وقد شعرت الإدارة بذلك عن طريق مخبريها و عيونها وتوقٌف الأمر عند ذلك… ومن أبرز ما يتحجٌج به المساجين المفطرون انعدام الأكلة المناسبة ,وهم محقٌون في ذلك. وشعورا من الإدارة بوجاهة ذلك سمحت بدخول القفف- قفف المؤونة- إلى المساجين في كلٌ أيٌام الأسبوع طيلة شهر رمضان, بخلاف غيره من الشٌهور,حيث يسمح بدخولها في ثلاث أيٌام فقط من الأسبوع. ورغم أنٌ الإدارة العامٌة للسٌجون و الإصلاح خصٌصت للمساجين ما يفي بتوزيع نصف لتر من الحليب و شيئا من المسفوف في خمسة أيٌام من الأسبوع, على أن يقع توزيع شيء من المسفوف مع الزٌيت و السٌكٌر في اليومين الباقيين, فإنٌ القلٌة القليلة من المديرين من يحترم ذلك… و أكثرهم يكتفي بتوزيع المسفوف مع شيء من زيت نباتيٌ من أردأ الأصناف, وفي حديث لي مع الوكيل(ع.ت.) في رمضان 1999 عن الأكلة واحتجاجي على عدم توزيع الحليب لمدٌة طويلة , أجاب المسؤول بكلٌ وقاحة أنٌ عدد الصٌائمين لا يتجاوز سجناء الصٌبغة الخاصٌة (أي سجناء الرأي), وقليل جدٌا من سجناء الحقٌ العامٌ, لذلك فإنٌ الإدارة تفكٌر في الكفٌ عن توزيع السٌحور.. و من المفيد أن نذكر هنا أنٌه طيلة شهر رمضان لا غضاضة أن يسهر المساجين إلى حدود انتهاء بثٌ التلفزة التونسيٌة لبرامجها دون أيٌ قيد أو تخفيض للأصوات, صوت التلفزة أو أصوات المساجين, لكن بمجرٌد انتهاء الإرسال التونسيٌ يصبح أيٌ صوت أو حركة يعرٌض صاحبه للمؤاخذة و العقاب وهو ما وقع للسٌجين(ب. ب. و جمع من رفاقه)في الأيٌام الأولى من شهر رمضان 1994 في سجن برج الرٌومي لأنٌ الصٌائمين في العموم يفضٌلون تناول السٌحور قبل الفجر بقليل وهو ما يعني تناوله بعد انتهاء الإرسال بثلاث ساعات تقريبا…أمٌ صلاة التٌراويح فإنٌ الإدارة – برج الرٌومي – لم تدٌخر جهدا لمنعها فكنت ترى الأعوان – أعوان الحراسة الليليٌة يلهثون من غرفة إلى أخرى بحثا عن المخالفين أمٌا داخل الغرف فكلٌ شيء مباح: الغناء الشٌعبيٌ, الميسر, الشٌطرنج و…..حتٌى الفاحشة, ألم يكتف السٌيٌد (ب.خ.)مدير سجن جندوبة سنة 1996 وفي الليالي الأولى من شهر رمضان بصفع شابٌين أصيلي (س) قبضا عليهما متلبٌسين ولم يقضٌيا ولو نصف ساعة في السٌجن المضيٌق… تلاوة القرآن الكريم: في بداية رحلة العذاب (1990-1991) كان من المسموح به جلب كتب التٌفسير, وكتب السٌيرة, والفقه و أصوله, وكتب اللٌغات. ثمٌ بدأت الانتكاسة بعد صدور الأحكام في المحكمتين العسكريتين و تربٌع السٌيٌد (أ.ح.) على كرسيٌ المدير العام ٌفي أواخر صائفة 1992 ثمٌ منع جلب الكتب, وفي مرحلة موالية سحبت الكتب التي سبق أن جلبها أصحابها, وحجزت في حملات تفتيش , نظٌمت للغرض, ولم تكتف الإدارة بذلك, بل عمدت إلى حجز المصاحف,التي تضمٌ بين دفٌتيها زيادة عن سور القرآن الكريم شرحا للألفاظ,أو أسباب النٌزول ( مثل تفسير الجلالين أو شرح ألفاظ القرآن الكريم لمخلوف…).ثمٌ تلت مرحلة أخرى, عمدت فيها الإدارة إلى حجز المصاحف التي تحتوي على دعاء ختم القرآن (نعم هكذا),فترى كثيرا من السٌجناء الذين بلغهم هذا الإجراء يعمدون إلى تقطيع تلك الصٌفحات , سعيا منهم للاحتفاظ بالمصحف. وأذكر هنا حالة السٌجين (ش.م.) بالسٌجن المدني بتونس, ولا يزال المتصفٌح للمصاحف يجد الكثير منها قد نزعت منها تلك الصٌفحات… وفي مرحلة أخرى عمد الملازم أوٌل (ع.ع.), مدير سجن صفاقس, إلى منع جلب المصاحف ثمٌ و صادر الموجود منها لدى المساجين, وذلك سنة 1994-1995, كما فعل ذلك (ش.ب.)في سجن بنزرت المدينة سنة 1993. ويا ليت الأمر وقف عند هذا الحدٌ في سجن صفاقس..كان حفظ القرآن الكريم الشغل الشٌاغل لكثير من سجناء الرأي وكذلك البعض من الحقٌ العامٌ, وقد حرموا من الكتب الفكريٌة, ووسائل التٌثقيف المختلفة, ومن مواصلة دراستهم, بل حرموا من وسائل الإعلام الرٌسميٌة و شبه الرٌسميٌة…فترى هؤلاء يلقنون بعضهم بعضا السٌور, لأنٌه حفظونها, وقد يجازف البعض بكتابة الآيات التي يريد حفظها في ورقة صغيرة, بعد أخذ الاحتياطات الضٌروريٌة, كأن ينسخ الآيات في بيت الخلاء (القلم ممنوع و الورق ممنوع كذلك…) ويتكتٌم بعد ذلك عند الاطٌلاع عليه, لأنٌهه مهدٌد, عند التفطٌن إليه, بزيارة السٌجن المضيٌق, والإقامة فيه لمدٌ 10 أيٌام, بعد الوليمة بطبيعة الحال…وقد حدٌثني السٌجين (ك. ر.) بأنٌه و إخوانه الموجودين معه في إحدى غرف سجن فاقس اشتبهت عليهم آية من سورة النٌساء, واختلفوا في قراءتها, ولم يحسم الأمر, و لم يتيقٌنوا من وجه القراءة الصٌحيحة إلاٌ عند قدوم السٌجين (ع.م.) إلى سجن صفاقس, قادما إليه من سجن الهوارب, إذ كان يملك مصحفا, وكان يحسن حفظ السٌورة المذكورة..وقد عمد كثير من المديرين إلى حجز المصاحف, أذكر من هؤلاء كذلك(م.ح.) مدير سجن رجيم معتوق آنذاك(1994-1995), و(ف.ب.ن.)مدير سجن القيروان (1994-1995)….و حدٌث عن المصاحف المحجوزة و لا حرج… وإن كانت تلاوة القرآن من المقربات إلى ربٌ العزٌة, فإنٌها في السٌجون التوٌنسيٌة مجلبة لأنواع شتٌى من العقوبات, من ذلك أنٌ العريف أوٌل (ع.ر.), هدٌد السٌجين ( ق.ب.س.), الذي كان يتلو القرآن بصوت مسموع, هدٌده بوضعه في بالوعة المياه المستعملة و الأقذار, إن سمع صوته مستقبلا ( ولهم سوابق في تسليط مثل هذا النٌوع من العقاب). وكان هذا في شهر جويلية/يوليو1995 في السٌحن المدني بالهارب. أمٌا أولائك الذين كانوا في غرفة1 من جنـــــاح]هـ ـ H] بالسٌجن المدني بتونس, فقد حُِرموا كلٌهم من أسرٌتهم لأنٌ السٌيٌد الوكيل آنذاك و السٌجين حاليٌا ) ع.ح.), رأى في تلاوتهم للقرآن رموزا يريدون تمريرها إلى سجناء الرٌأي في جناح [ج – G ] .أمٌا السٌيٌد ب.غ., الذي اشتهر باسم (ب. م.) فكان صاحب صولات وجولات في الجناح المضيٌق بسجن تونس, إذ كان يزعجه الاستماع إلى القرآن الكريم, ولا يتورٌع عن اختلاق الدوٌاعي التي تسمح له بالتفنٌن في معاقبة المساجين. وانتهى به الأمر إلى استغناء الإدارة عنه نظرا لتجاوزه الحدٌ » المعقول » في اختلاقه الوقائع لتوريط سجناء الرأي ولإبراز كفاءته لكن كم تراه دسٌ من دسيسة وكاد من مكيدة قبل التخلٌي عنه؟ وقد يكون هناك سبب آخر وراء الاستغناء عنه. كما أنٌ حصص الإملاءات القرآنية ممنوعة تماما, مثلها مثل كلٌ الأنشطة الجماعيٌة… وقد علٌق الوكيل أوٌل (ح.ع.) على حرص سجناء الرأي على حفظ القرآن بالقول:»لستم في السٌعوديٌة, والله لن تخرجوا من السٌجون إلا بعد انقضاء أحكامكم كاملة«. تلميحا إلى أنٌ حفظ القرآن الكريم يعدٌ من الأسباب التي تجعل السٌجين يتمتٌع بالعفو… و لا يجوز لنا أن نختم هذا العنصر دون ذكر فعل شنيع أقدم عليه من سمٌى نفسه ب »شارون », و كان يومها مديرا لسجن حربوب بولاية مدنين في الجنوب التٌونسيٌ, فقد سمح لنفسه بالدٌوس على المصحف على مرأى و مسمع من العامٌ و الخاصٌ. ونفس الممارسة قام بها (ش.ب.) الذي تولٌى إدارة سجن قابس ثمٌ صفاقس وهو ما بلغنا عمٌن عاين هذا الفعل الشٌنيع السٌجين (ي.د.). فأين الإدارة العامٌة وأين المتفقٌد العامٌ للسٌجون و الإصلاح وأين الغيورون وذوو الضٌمائر الحيٌة من أعوان السٌجون؟ ٌإنٌ الدٌفاع عن الدٌين أو عن شعائره يعتبر دليلا كافيا لانتماء من يقوم بذلك إلى حركة النٌهضة التي تسعى السٌلطة إلى استئصالها و إبادة أعضائها و المتعاطفين معها ومؤيٌديها. سبٌ الجلالة: إن كان من المؤسف تفشٌي ظاهرة سبٌ الجلالة في المجتمع التٌونسيٌ عموما, فإنٌ هذه الظٌاهرة في الفضاء ألسجني قد استشرت بصفة مفزعة ومع ذلك فهي لا تقابل بأيٌ استهجان أو ردع لها, بل تجد شيئا من التٌشجيع بغضٌ الطٌرف عن مرتكبها و عدم تحرٌج الأعوان, بل من الضبٌاط و المسؤولين من التفوٌه بها, و أسوق هنا بعض الوقائع: في شهر جوان / حزيران 1994 شنٌ السٌجينان (ق.ب.س.) و (ب.ل.) إضرابا عن الطٌعام بسبب تعمٌد السٌيٌد ( م.ح.) مساعد مدير السٌجن المدني بالمهدية سبٌ الجلالة أثناء تأديتهم للصٌلاة – صلاة المغرب- داخل الغرفة (غرفة 17)… أمٌا السٌيٌد (هـ.ز.) مدير سجن المهديٌة سنة 1992- 1995, الٌذي كان قد أبدى شيئا من التٌفهٌم, عندما طلب منه المساجين التٌصدٌي لتفشٌي ظاهرة سبٌ الجلالة, وكان حينذاك يؤدٌي زيارة لغرفتي 6 و7 و 8 في السٌجن..لم يتوان هو نفسه عن إتيان ذلك في غرفة 8, الٌتي زارها مباشرة بعد غرفتي6 و 7, أي بعد دقائق معدودة من الوعد الذي قطعه على نفسه للمساجين… وكثير هم المديرون و مساعدوهم وأعوانهم, الذين لا يرون أيٌ حرج في سبٌ الجلالة, و لا يستنكفون من ذلك أبدا…ألم يعاقب (م.ز.) مدير برج الرٌمي سنة 1991السٌجين (ع. م.), وبعد تقييد يديه ورجليه, بأن وضعه على سرير حديديٌ دون حشيٌة, وهو عار تماما, وشرع في جلده , طالبا منه سبٌ الجلالة, إن أراد لنفسه السٌلامة. (وهو ما يذكٌر بما كانت تفعله قريش ببلال بن رباح, الذي كان يعذٌب ببطحاء مكٌة, ومعذٌبوه يطلبون منه الكفر برسالة محمد عليه الصٌلاة و السٌلام, وهو يردٌ عليهم أحد, أحد..). ولا يزال في سنة 2003 من يتباهى من مسؤولي السٌجون بسبٌ الجلالة و أذكر هنا السٌيٌد « باديس » مساعد المدير بسجن صفاقس الجديد ( سجن طينة). وفي الوقت الذي يعاقب فيه السٌجين, وبكلٌ صرامة, عن ابتسامة, أو تعليق بسيط, أثناء شريط الأنباء في التٌلفزة, فإنٌ أعذارا عديدة تقدٌم عند سبٌه الجلالة, مثل « هل هو في مسجد حتٌى نعاقبه على الكفر؟..أو الادٌعاء بأنٌه يمرٌ بظروف قاسية, وأنٌها هي السٌبب فيما يصدر عنه.» لكنٌ تلك الأعذار لا تلتمس للٌذي يعلٌق على الأخبار الرٌسميٌة و التي تأخذ قداسة أكبر من قداسة الدٌين و لفظ الجلالة.. الإرشاد الدٌيني و الأخلاقي: أمٌا ما ورد في أمر 1876 في الفصل 65 و الذي ينصٌ على « تنظٌم لفائدة المساجين برامج للإرشاد الدٌيني و الأخلاقي بواسطة وعٌاض مختصٌين أو بواسطة الإطار التٌربوي التٌابع للإدارة العاملة للسٌجون و الإصلاح » فإنٌه لا يعدو أن يكون حبرا على ورق. نعم كانت هناك في بداية المحنة بعض البرامج للإرشاد الدٌيني و الأخلاقي في بعض السٌجون, لكن سرعان ما توقٌفت بعد ذلك. فهل ينتظر من واعظ أن ينهى عن الصٌلاة و أن يأمر بالتٌصدٌي لصلاة الجماعة و أن يشجٌع على سبٌ الجلالة وأن يدعو إلى الفواحش. و قد تكفٌل بهذه المهامٌ الإطار التٌربوي للإدارة العامٌة للسٌجون و الإصلاح و بعض وجوه » الفنٌ و الثٌقافة » بعد ذلك. ألم يكن السٌيٌد (س.ق.)المرشد النٌفساني بسجن الهوارب سنة1993 – 1994 تحت إدارة (ف.ر.) يجمع سجناء الرٌأي ويشرح لهم أن اللٌواط ممارسة عاديٌة لكنٌ الفكر ألظلامي الدٌيني يستقذره و يستبشعه لا غير, ولا بأس من تعاطيه, وممٌن عايش هذه الأجواء اكتفي بذكر (س.ب. – ح.س. – خ.ز. ) من الغريب يقرؤوا كتبهمٌجين التٌونسيٌ المسلم بما يتمتٌع به السٌجين اليهوديٌ أو المسيحيٌ في السٌجون التونسيٌة إذ أنٌ من حقٌ هؤلاء أن يقيموا طقوسهم وشعائرهم بحضور رجال دياناتهم وتؤدٌى هذه الطٌقوس في مكاتب أعدٌت للغرض.و لهم أن يقرؤوا كتبهم المقدٌسة… لكنٌ السٌجين التونسيٌ المسلم فيمنع من صلاة الجمعة و يمنع من صلاة الجماعة و يمنع من تأدية الصٌلاة جملة ويعاقب على ذلك أشدٌ العقاب, و يحجز كتابه المقدٌس ويعرٌض نفسه للويل والثٌبور إن نسخ بضع آيات بخطٌ يده ليحفظها… وقد جاء في الفصل57 من أمر 1876 ما نصٌه: » يمكن لرجال الدٌيانات المرخٌص لهم من طرف الإدارة العامٌة للسٌجون والإصلاح زيارة المساجين و إقامة الطٌقوس الدٌينيٌة. وتقع هذه الزٌيارة بمكتب معدٌ للغرض وبمحضر أحد أعوان السٌجن ». و من المفارقات أن نجد العهود والمواثيق الدٌوليٌة تسعى إلى أن يتمتٌع كلٌ إنسان بكافٌة الحقوق والحرٌيات دون تمييز بسبب العنصر أو الدٌين أو اللٌون أو اللغة أو الرٌأي السٌياسيٌ كما تحرص بالخصوص على حفظ حقوق الأقلٌيات بالتٌنصيص على حقٌها في أداء شعائرها. وقد ورد في القواعد النٌموذجيٌة الدٌنيا في معاملة المساجين وفي القاعدة السٌادسة بالذٌات : » لا يجوز التٌمييز بين السٌجناء على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدٌين أو الرٌأي سياسيٌا كان أو غير سياسيٌ أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثٌروة أو المولد أو أي وضع آخر. قبل أن يضيف: » من المستحبٌ, مع ذلك وكلٌما اقتضت الظٌروف المحلٌيٌة ذلك, احترام المعتقدات الدٌينية والمدركات الثٌقافيٌة للفئة التي ينتمي إليها السٌجناء «. أليس من العار أن يطالب التٌونسيٌ في بلده بحقٌه في أداء شعائره الديٌنيٌة أسوة ببني بلده من ذوي الدٌيانات الأخرى.ألا يكون من العبث المطالبة بالتٌنصيص على حقوق الأكثريٌة في التٌعبٌد قبل الاطلاع على هذا الواقع المرير أمٌا بعد ذلك فليس هناك أمر بديهيٌ خاصٌة في ظلٌ أنظمة لم تحسن غير إفراغ أيٌ تشريع أو ميثاق أو قانون من كلٌ محتوى إيجابيٌ يحفظ حقوق الفرد و الجماعة…و ما واقعنا عنٌا ببعيد… السجٌادة و السٌبحة و اللٌباس التٌقليديٌ: في سعيه للتٌصدٌي لكلٌ ما له علاقة بالدٌين, و لو من بعيد, ارتأى السٌيٌد (ف.ر) مدير سجن الهوارب حجز كل السٌجٌادات. و قام بحملات تفتيش للغرض… وعمد السٌيٌد المدير , بعد حجزها , إلى تزيين المكاتب الإداريٌة المختلفة بها, فتراها معلٌقة , أو ملقاة على الكراسي , في مكاتب التٌنشيط , و في المصحٌة و غيرها من المكاتب , لكن لا يجوز للمعتقلين أن يصلٌوا عليها . و كذلك فعل (ر.ع.)مدير سجن المسعدين الذي قد يكون آذاه برد أرضيٌة مكتبه فوضع سجٌادة محجوزة تحت قدميه وذلك ما عاينه السٌجين ( أ. ع.). وهل يليق بالسٌيٌد (ع. ع.)مدير سجن برج الرٌومي أن يغفل عن مثل هذه الأعمال, فقد حجز سجٌادتي في آب 1999 ولم يسمح لي باسترجاعها يوم نقلتي من هناك, بما يعني أنٌها استُغِلٌت لأغراض أخرى. أما السٌبحة فشأنها شأن السٌجٌادة فقد منعت طيلة سنوات, وفي كل السٌجون تقريبا, و إن كانت السٌبحة مصنوعة في السٌجن بأيدي السٌجناء أنفسهم من موادٌ بسيطة كالعجين أو نواتات حبٌات الزٌيتون المصبٌر. وكذلك الأمر بالنٌسبة للأزياء التٌقليدية التٌونسية (الجبٌة و الشٌاشية…) فقد منع مبكٌرا (من كافة السٌجون التٌونسية , و لا يزال الأمر كذلك , في كثير من السٌجون . و إن كان السٌيٌد المدير (ن.ع) مدير سجن المسعدين قد ارتأى سنة 1995 الاحتفال بيوم اللٌباس التقليدي, فوقف أمام مصوٌر السٌجن متوسٌطا سجينين و سجينتين و هم يرتدون اللٌباس التٌقليدي, و وشٌحت مجلة «الأمل », التي تصدر عن الإدارة العامٌة للسٌجون و الإصلاح غلافها الخارجي بتلك الصٌورة, لم ير هذا المدير بالذٌات مانعا في حجز كل تبٌان طويل, و منع دخولها إلى سجن المسعدين, ممٌا أدٌى بالكثير إلى الإحجام عن الذٌهاب للاستحمام جملة. هذه بعض ملامح التٌعامل مع شعائر الدٌين و مظاهره في السٌجون التٌونسية, ونحن على يقين من أنٌ هناك من الممارسات الكثير لم يبلغنا عنها شيء, ولعلٌها أشدٌ فظاعة ممٌا أوردنا في هذه العجالة, لكن حسبنا أن شرعنا في عملية التٌوثيق لهذه الفترة, و عساها تكمل الصٌورة, و يطٌلع من يريد الاطٌلاع على واقع مرير, حرصت الإدارة طويلا على التٌعتيم عليه, بمعاقبة كلٌ من سمحت له نفسه بنقل شيء من حياته التٌعيسة في غياهب السٌجون إلى العالم الخارجي… لكن هل يمكن أن يدوم ذلك؟ كلا. إن المصلحة العليا لبلدنا تقتضي جرأة و شجاعة و حزما و مروءة, في توثيق هذه الحقائق الأليمة.. جرأة في بسط كلٌ الملفٌات للدٌرس دون تستٌر على أيٌ منها, و تشريك كل الأطراف الموجودة على السٌاحة لتقديم- رأيها و رؤيتها.. و شجاعة في تحميل كلٌ من تجاوز حدود صلاحيٌته, و تعسٌف في استعمال نفوذه, و السٌلطة المنوطة به, – مسؤولية الآلام و الجراح التي تسبٌب فيها… و حزما في تنفيذ ما يتوصٌل إليه بفضل تلك الجرأة و تلك الشٌجاعة.- ومروءة تمكٌن من طيٌ صفحة الماضي, على أن لا ترى تلك الممارسات تعود من جديد… و لِمَ كلٌ ذلك؟ لأنٌ نتيجة واحدة قد يصل إليها المتأمٌل في شعائر الدٌين ومظاهره في السٌجون التٌونسية, تتمثٌل في التٌنكيل بسجناء الرٌأي, والانتقام منهم, بقطع النٌظر عن العهود والمواثيق الدٌولية و ودستور البلاد, وكلٌ القوانين المنظٌمة للأوضاع داخل السٌجون, وإن أدٌى ذلك إلى الدٌوس على المقدٌسات, وانتهاك حرمات الديٌن و شعائره. ذلك التٌنكيل, الذي كان يمثٌل العملة الرٌائجة, و البضاعة الناٌفقة, وجواز السٌفر نحو رضا المسؤولين, والارتقاء في السٌلٌم الوظيفي, وصكٌ الغفران عن التٌقصير…لكن فات هؤلاء المسؤولين أنٌهم أقدموا بسياستهم تلك, على خطوة من الخطورة بمكان, حيث إنٌهم نقلوا الصٌراع من المجال السٌياسي إلى المجال العقدي, بل قد سمحت المؤسٌسة من حيث لم تشعر, أو لم تقدٌر خطورته, إلى بعض رجالها بممارسة قناعا تهم الخاصٌة تحت غطاء رسمي.. ومن المفيد أن نلاحظ إنٌ معاملة سجناء الرٌأي كانت في العموم تمثٌل انعكاسا لما يستجدٌ من أحداث على السٌاحة القطريٌة أو الإقليميٌة أو الدٌوليٌة, وكانت تتأثٌر سلبا في الأغلب, و إيجابا أحيانا بالأحداث أو ما يصدر هنا أو هناك من بيانات و مقالات و أخبار…وقد تدرٌج هذا التٌنكيل إلى أن بلغ أوجه سنة 1995, وهذا لا يعني أبدا أن ٌصفحة الانتقام و التشفٌي قد طويت بعد ذلك, وأنٌ المعاملة قد تحسٌنت في السٌنين الموالية… ألا يحقٌ للكثير أن يترحٌم على عهد لم يخل أيٌ سجن فيه من مسجد تقام فيه الصٌلاة, صلاة الجمعة وصلاة الجماعة, ولا تزال المنابر و المحاريب في كلٌ من النٌاظور والكاف والهوارب… شاهدة على ذلك, وكان المرشدون الدٌينيون يزورون السٌجون أسبوعيا, لتقديم مواعظهم و دروسهم, ويستمعون إلى أسئلة المساجين و يجيبون عليها…ألم يكن الأستاذ عبد الفتٌاح مورو ( وكان وقتها قاضيا ) يزور السجٌٌن المدني بالعاصمة كواعظ ومدرٌس وعندما لاحظ الحرج الحاصل للمساجين بسبب حضور بعض الأعوان – قصد حمايته- حصص الوعظ تلك في المسجد (جناح أ حاليا) لم يتردٌد في التماس مغادرة الأعوان المكان لأنٌه لا يحتاج لحماتهم و ليبقى مع المساجين دون حضورهم وكان له ذلك… ألا يحقٌ لنا أن نتساءل لِمَ تعدٌ الإدارة مكتبا لإقامة الٌطقوس والشٌعائر المسيحيٌة و اليهوديٌة وفي الوقت نفسه تغلق المساجد وتمنع إقامة الشٌعائر الإسلاميٌة وتعاقب أشدٌ العقوبات على إقامة صلاة الصٌبح في وقتها, كما تعاقب من صلٌى جماعة؟ ونحن إذ نذكر كلٌ هذه المآسي بكلٌ ما فيها من مرارة و فظاعة إنٌما نسعى بذلك إلى إرساء تعامل سليم لا مجال فيه لاستغلال النٌفوذ و التٌعسٌف وتجاوز القانون و انتهاك العهود و المواثيق الدٌولية رغم المصادقة الرٌسميٌة عليها دون تحفٌظ عسانا بذلك ننتقل من رفع الشٌعارات الجميلة إلى ترجمتها في الواقع فيحصل بذلك ما يطالب به الجميع: التٌناغم التٌام بين الشٌعار و الممارسة… عبدالله الــــــــــزواري الجوال: 0021621530601 abzouari@yahoo.fr (المصدر: موقع « نهضة إنفو » (أوروبا)، تصفح يوم 16 أوت 2007)