الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين محاكمات جديدة ..و الدفاع ينسق صفوفه استعدادا لجلسة » قضية سليمان « ..! لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس: المديرة ناجية العياشي تحرم الطالبة تقوى بن عمار من إجتياز الإمتحانات الحزب الديمقراطي التقدمي جامعة قفصة: بــيــا ن اللجنة العربية لحقوق الإنسان: وثيقة تنظيم الرقابة على السمعي البصري الناطق بالعربية « آفـاق: المعارض التونسي نجيب الشابي يعلن ترشحه رسميا لانتخابات الرئاسة المقبلة عكس السير: نكتة حول الرئيس تقود « كوميديان تونسي » للسجن الشروق:تأخير قضيّة «مجموعة سليمان الارهابية»: النيابة العمومية تنتقد الحكم الابتدائي وتطلب الإعدام لعشرين متهما الطريق الجديد: تمرير مشروع قانون التعليم العالي الطريق الجديد: لقاء حميم لحركة التجديد بمواطني أم العرائس صحيفة « مواطنون »: الهجرة المقننة نحو ايطاليا: تطبيق اتفاقيتها يتعثر وبعض برامجها « تخفي مشاريع تنصيرية » أحمد قعلول: ماذا بقي من السابع من نوفمبر؟ مستقبل الدولة في تونس الطاهر العبيدي: الصحافة التونسية: مسافات بين الماضي والحاضر محمد بوعود: شركة فسفاط قفصة وحوار الحضارات عادل القادري: في منتدى التقدم – تحديات الحركة النقابية في عصر العولمة (2 ) مراد رقية: المصادقة في مجلس النواب التونسي على القانون التوجيهي للتعليم العالي اغتيال للجامعة التونسية في سنة الخمسينية؟؟؟ سفيان الشّورابي: الحليب في تونس – لماذا ارتفع سعره بهذه السرعة؟ نصر الدّين بن حديد: ردّا على ما كتبه عنّي زياد الهاني:صبري سؤال واعترافك قائم… محمـد العـروسـي الهانـي: حرية الرأي والتعبير لا يمكن تقيدها ولا مجال للتسلط على حرية الرأي والتعبير من أي طرف… راشد الغنوشي: ما آثار هزيمة الغارة الأميركية على العراق؟ صلاح الجورشي: حول بناء الكنائس في مجتمع مسلم.. إشكالية الوعي بالآخر خالد شوكات: دولة من وراء جُـدر عبدالحميد العدّاسي: المصافحة (أو من بلفور إلى سركوزي) رويترز: حزب الله يتلقى ضربة قوية بمقتل أسطورته السياسة: صفقة سورية مع »سي.آي.ايه« و»الموساد« أطاحت رأس عماد مغنية وقد تطال نصرالله! محمد جمال عرفة: عماد مغنية.. « المجاهد الشبح »!
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)
21- رضا عيسى 22- الصادق العكاري 23- هشام بنور 24- منير غيث 25- بشير رمضان |
16- وحيد السرايري 17- بوراوي مخلوف 18- وصفي الزغلامي 19- عبدالباسط الصليعي 20- لطفي الداسي |
11- كمال الغضبان 12- منير الحناشي 13- بشير اللواتي 14- محمد نجيب اللواتي 15- الشاذلي النقاش/. |
6- منذر البجاوي 7- الياس بن رمضان 8- عبد النبي بن رابح 9- الهادي الغالي 10- حسين الغضبان |
1– الصادق شورو 2- ابراهيم الدريدي 3- رضا البوكادي 4-نورالدين العرباوي 5- الكريم بعلوش |
إذا عُـرف السبب (الحقيقي) لسجن « ولد باب الله » بـطُـل الـعـجـب!
اضغط على هذه الوصلة الصوتية واستمع إلى ما حدث في حفل أقامه نادي الروتاري بصفاقس :
http://www.zshare.net/audio/74365869e8a6db
محاكمات جديدة .. و الدفاع ينسق صفوفه استعدادا لجلسة » قضية سليمان « ..!
المديرة ناجية العياشي تحرم الطالبة تقوى بن عمار من إجتياز الإمتحانات
اللجنة العربية لحقوق الإنسان
وثيقة تنظيم الرقابة على السمعي البصري الناطق بالعربية
صادق وزراء الإعلام العرب في العاصمة المصرية يوم 12 فبرايرعلى وثيقة تحمل اسم « تنظيم البث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية » و تحتوي على 13 بندا يتأكد من دراستها القانونية والإعلامية أنها تهدف للحد من حرية الرأي والتعبير تحت ستار الحماية والتنظيم.
إن لهجة التهديد التي تنضح بها الوثيقة، والتحامل الواضح على مؤسسات تقوم بمهمتها، وقائمة العقوبات التي ستسلط على الفضائيات التي لن تنصاع لأوامر ونواهي هذا الاجتماعي الاستثنائي، مؤشرات واضحة على نية الأغلبية الساحقة للأنظمة العربية التصدي لموجة النقد الذي تتعرض لها بخصوص ضربها الحريات الفردية والعامة وإشكاليات الفساد والموقف المخزي من مأساة الشعب الفلسطيني والعراقي واللبناني والسوداني والصومالي والخ.
أمام تبعات هذا الموقف الخطير على حرية هي ركن أساسي من أركان النظام الديمقراطي المنشود، وانطلاقا من مبادئها الثابتة ومواقفها الدائمة، وكجزء من الشبكة العربية لمنظمات المجتمع المدني العربي، فإن اللجنة العربية لحقوق الإنسان :
1- تدين بشدة وثيقة القاهرة حول ما يسمى تنظيم البث الفضائي وتعتبرها وثيقة لمحاصرة هذا البث وضرب المحطات الفضائية الملتزمة بحرية الرأي تحت ستار محاربة تجاوزات أخلاقية هي في الواقع آخر ما يهم النظام السياسي العربي،
2- تسجل إيجابية موقف دولتي لبنان وقطر ورفضهما الانخراط في معركة غير مشرفة وخاسرة مسبقا ضد الفضائيات العربية ومن ورائها جمهورها،
3- تعبر عن دعمها المطلق للفضائيات الجادة المستهدفة بقرارات القاهرة الأخيرة والتي كسرت منطق الإعلام كبوق حكومي وأعطت المثل على أن الصحفي العربي يملك كل الطاقات التي تسمح بتقديم إعلام مهني مستقل وحر،
4- تهيب بكل منظمات المجتمع المدني العربي وعلى رأسها منظمات الصحافيين للتصدي بنشاط لسياسة إعلامية تحاول استرجاع المواقع التي فقدتها للعودة بالإعلام العربي إلى ما قبل ثورة الفضائيات والشبكة العنكبوتية والإعلام بلا حدود التي كانت سائدة قبل عقدين من الزمن.
باريس في 14/02/2008
اجتماع
تدعو هيئة المتابعة التي التي أطلقت مبادرة مساندة ترشح الأستاذ احمد نجيب الشابي لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2009
الى اجتماع عام ومفتوح لعرض هذه المبادرة والنقاش حولها وذلك بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي يوم السبت 16 فيفري على الساعة الثالثة مساءا العياشي الهمامي
المعارض التونسي نجيب الشابي يعلن ترشحه رسميا لانتخابات الرئاسة المقبلة
نكتة حول الرئيس تقود « كوميديان تونسي » للسجن
تأخير قضيّة «مجموعة سليمان الارهابية»:
النيابة العمومية تنتقد الحكم الابتدائي وتطلب الإعدام لعشرين متهما
* تونس ـ «الشروق»:
تواصلت أمس الأول، على مدى 12 ساعة ما يعرف بقضية مجموعة سليمان الارهابية، قبل ان يقرّر رئيس الدائرة الجنائية 27 بمحكمة الاستئناف بتونس في حدود الساعة التاسعة ليلا تأخير النظر في القضيّة الى جلسة يوم الثلاثاء 19 فيفري الجاري.
وقد انطلقت جلسة أمس الأول في حدود الساعة التاسعة صباحا ولم ترفع إلا بعد 12 ساعة بعد ان طلب محام من هيئة الدفاع من المحكمة التأخير لتخصيص جلسة للترافع، وهو ما استجاب له القاضي رئيس الدائرة 27 بمحكمة الاستئناف بتونس، الذي أجمع كل اطراف القضية على قدرته على إدارة الجلسة وتوفير كل الضمانات الممكنة للمحاكمة.
جلسة أمس الأول، كانت جلسة لاستكمال استنطاق 15 متهما ولمداخلات القائمين بالحق الشخصي ولممثل الادعاء العام.
* إنكار التهم
قد تراوحت تصريحات المتهمين بين الانكار التام لأي صلة لبعضهم بما يعرف بأحداث سليمان والاعتراف الجزئي ببعض الوقائع والتفاصيل، إلا ان جل التصريحات كانت في اتجاه فرار المتهمين من التتبعات الأمنية بسبب انتماءاتهم السلفية والأصولية فوجدوا أنفسهم مختفين في جبل «طبرن» قرب مدينة قرمبالية بالوطن القبلي، مع مجموعة أخرى من الشبان، وفيما نفى بعض المتهمين مشاركته في المواجهات المسلحة مع أعوان الأمن فإن البعض الآخر قال انه رأى بعض الأسلحة وخاصة الرشاشات وان قائد المجموعة، هدّدهم بالقتل إذا أرادوا الفرار من المعسكر الجبلي او الانسحاب.
في حدود الساعة السابعة مساء، بعد ان عادت المحكمة إثر استراحة طلب احد محامي هيئة الدفاع من المحكمة عدم قبول نيابات المحامين القائمين بالحق الشخصي، لأنهم لم يطعنوا في الحكم الابتدائي، هذا فضلا عن أنهم طلبوا ابتدائيا الإدانة للمتهمين مع حفظ حقهم المدني في التعويض، ورأى استنادا الى ذلك عدم أحقيّة وجود المحامين الممثلين عن القائمين بالحق الشخصي، في الطور الاستئنافي للقضية.
القاضي ردّ على ذلك بأن بعض المحامين الطاعنين في الحكم الابتدائي اوردوا الحق العام والقائمين بالحق الشخصي على أنهم الضد، وبالتالي هناك استحقاقات ضد الطرفين.
* شهيدان حياتهما لا تعوّض
أحال رئيس الدائرة الكلمة للمحامين القائمين بالحق الشخصي، أي النائبين عن عائلات الضحايا والمصابين من قوّات الأمن اذ أجمعوا في كل مداخلاتهم على حفظ الحق المدني، واعتبار ان حياة أبناء منوّبيهم لا تقدّر بمال واعتبار القتيلين شهيدين وطلبوا تأييد الحكم الابتدائي من جهة مبدأ الإدانة، وقد أثارت مرافعة أحد المحامين القائمين بالحق الشخصي بعض المحامين والمتهمين فحاول احد المتهمين الاحتجاح ممّا أجبر المحكمة على اتخاذ قرار باخراجه من قاعة الجلسة، عندها قدّم المحامي اعتذاره من هيئة المحكمة وأنهى مرافعته.
* مداخلة الادعاء العام
بعد ان أنهى القاضي استنطاق المتهمين والاستماع الى مرافعات القائمين بالحق الشخصي أعطى الكلمة لممثل الادعاء العام، الذي وقف وبدأ مرافعته.
واعتبر ممثل الادعاء العام باعتباره ممثلا للهيئة الاجتماعية، ان المتهمين كوّنوا تنظيما محكما وتوزّعوا على خلايا في كافة انحاء البلاد بقصد الاعتداء على المكاسب والممتلكات، وكشف عن ان المتهمين ومن معهم كانوا يخططون للاعتداء على هيئات سياسية وديبلوماسية قبل ان تحبط قوّات الامن مخططاتهم.
وذكر ممثل النيابة العمومية في مرافعته التي دامت اكثر من ربع الساعة قرابة العشرين اسما من المتهمين الثلاثين واعتبر انهم تآمروا على أمن البلاد بغاية تبديل هيئة الدولة، وانتقد ممثل النيابة العمومية الحكم الابتدائي وقال انه لم يكن في طريقه إلا بخصوص الحكم ضد متهمين في اشارة الى المحكوم عليهما ابتدائيا بالإعدام واعتبر ان هذه المجموعة تمثل خطرا على البلاد والمجتمع، وطلب تطبيق فصول الاحالة ولائحة الاتهام.
طلب العقاب الأقصى بالنسبة الى المتهمين العشرين الذين ذكر اسماءهم واعتبرهم تآمروا على أمن البلاد، وبالتالي يكون قد طلب في حقهم الحكم بالإعدام واصفا إياهم بالفئة الضالة.
وقال عن المتهمين لقد قتلوا وجرحوا وتسببوا في عجز متواصل لأعوان أمن أثناء أدائهم لواجب الدفاع عن الوطن، وأضاف بأن الوقائع الصادرة عنهم بمواجهتهم للقوات المسلحة الوطنية تمثل أركان جرائم فصول الإحالة القانونية، وأضاف بأن إدانتهم ثابتة بموجب اعترافاتهم بحثا وتحقيقا المدعّم بالتقارير الطبية وبملفات القضية وقال ايضا بأن النية الاجرامية كانت واضحة وأنهم أسسوا تنظيما إرهابيا أطلقوا عليه اسم «جند أسد بن الفرات» وموّلوا أعمالهم بالتبرّعات ونهب مال الناس عبر فتوى «الاحتطاب».
* «تهم ثابتة»
وختم مرافعته بالقول إن التهم ثابتة واقعا وقانونا، في حق المتهمين الذين أرادوا النيل من مؤسسات الدولة ومازالوا يصرّون على مواقفهم الى حدّ الآن وبالتالي فإن حكم البداية لم يكن في طريقه عندما أقرّ بمبدإ التوارد، فالتهم بالنسبة الى النيابة العمومية غير قابلة للتجزئة، وطلب تأييد الحكم المطعون فيه من جهة مبدإ الإدانة وإقراره في خصوص المتهمين المحكوم عليهما بالإعدام وتسليط اقصى عقاب ضد باقي المتهمين والتمسّك بلائحة الاتهام وفصولها القانونية.
وقد طلب أحد المحامين التابعين لهيئة الدفاع من المحكمة تأخير القضية الى جلسة لاحقة لأن المحامين شعروا بالتعب بعد 12 ساعة من متابعة وقائع الجلسة، فاستجابت المحكمة لطلبه وقرّرت تأخير القضيّة لجلسة الثلاثاء المقبل 19 فيفري 2008، لتخصص لمرافعات الدفاع.
وقد شهدت الشوارع والطرق المؤدية لمحكمة الاستئناف بتونس اجراءات أمنية مشدّدة جدّا.
يذكر ان مواجهات مسلّحة دارت بين مجموعة ارهابية تطلق على نفسها، حسب الابحاث اسم «جند أسد بن الفرات» وقوّات الأمن نهاية سنة 2006 وبداية سنة 2007، خلفت 14 قتيلا 12 منهم من عناصر المجموعة ومن 2 من القوّات المسلحة، وقد تم إلقاء القبض على ثلاثين منهم أحيلوا من أجل ارتكاب جرائم متعلقة بمحاولة القتل والارهاب والتآمر على أمن الدولة وتحريض السكان على قتل بعضهم بعضا والانتماء الى تنظيم إرهابي..
وقضي بشأنهم ابتدائيا بتاريخ 29 ديسمبر 2007 بالإدا نة وحكم بإعدام اثنين وتراوحت بقية الأحكام بين السجن لمدة خمسة أعوام والسجن المؤبد.
(المصدر: صحيفة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 14 فيفري 2008)
تمرير مشروع قانون التعليم العالي
لقاء حميم لحركة التجديد بمواطني أم العرائس
صحيفة « مواطنون »الهجرة المقننة نحو ايطاليا: تطبيق اتفاقيتها يتعثر وبعض برامجها « تخفي مشاريع تنصيرية »
ماذا بقي من السابع من نوفمبر؟
مستقبل الدولة في تونس
بقلم أحمد قعلول
يمكن اعتبار مجيء السابع من نوفمبر نتيجة ضرورية للوضع الذي وصلت اليه السلطة في تونس في عهد الرئيس الراحل المنقلب عليه ومؤسس الدولة القطرية الحديثة الحبيب بورقيبة.
كما يمكن اعتباره تعبيرا عن عجز المعارضة التونسية عن استثمار نضالاتها.
ويكشف مجيئ السابع من نوفمبر عن الدور الحقيقي الذي تلعبه القوى الدولية في تحديد هوية الحكم و عن حجم نفوذها في الوضع الداخلي. كما يكشف عن الشرعية الحقيقة التي يقوم عليها حكم السابع من نوفمبر.
يتناول هذا المقال السابع من نوفمبر من حيث الشروط المحلية والدولية التي ساعدت وعملت على انتاجه، ومن حيث المصالح التي وضع لخدمتها والاهداف المطلوب منه تحقيقها. وذلك من اجل معرفة مدى نجاح دولة السابع من نوفمبر في خدمة تلك المصالح وفي تحقيق تلك الاهداف ومن ثم محاولة التعرف على مدى صلاحية السابع من نوفمبر في الحكم تناسبا مع شروط انتاجه وبقائه.
ينقسم المقال الى محورين أساسين مع مقدمة وخاتمة خلاصية وسنبدء في الجزء الأول منه بتناول الشروط المحلية والدولية التي ساهمت أو كانت سببا في نجوم السابع من نوفمبر.
الظرف المحلي:
بلغت دولة بورقيبة مستوى من الهرم لم تعد به قادرة على ادارة التناقضات التي تنتجها سياساتها كما انها بفعل هرمها أصبحت عاجزة عن تجديد نفسها بفعل تلقائي وإرادي.
وقد قامت دولة بورقيبة بتفكيك بنى المجتمع من خلال ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل وتطويق الجامعة ونتيجة لهذه السياسية لم يصمد أمامها أي طرف منظم ومهيكل سوى حركة الاتجاه الاسلامي التي كان اتباعها يملأون الشارع طيلة سنة 1987 وكذلك السجون. وقد فتح هذا الوضع الباب للعديد من المخاوف، منها سقوط الدولة بيد الشارع وخاصة بيد الاسلاميين، ما دفع الجهات الدولية الراعية والنافذة في الوضع المحلي الى التدخل من أجل منع عملية السقوط والتحلل (الطرف الفرنسي) ومن أجل التسريع بعملية تجديد الدولة من خلال الانقلاب الطبي (الطرف الامريكي).
الظرف الدولي:
هذا في ما يخص الوضع المحلي اما الوضع الدولي فقد عرف وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي بداية هجوم الولايات المتحدة على المنظومة الدولية من أجل جني ثمار نصرها وفرض وجودها كقوة منفردة ومهيمنة على العالم ومن ذلك سعيها لتوسيع نفوذها على مناطق كانت محسوبة لقوى راعية اخرى ومنها المناطق التقليدية للنفوذ الفرنسي ويمكن اعتبار تونس من اول الامثلة في منطقة المغرب العربي حيث مارس النفوذ الامريكي سلطانه بشكل مباشر.
وقد كان الطرف الفرنسي معولا على عملية تحول سياسي داخلي ضمن اللعبة التقليدية المراعية للاطراف المتصارعة داخل الدولة من أجل وراثة الحكم البورقيبي. وقد بلغ صراعها ذروته بعملية تصفية الوزير الأول الاسبق السيد محمد مزالي. مقابل ذلك سارع الطرف الامريكي الى تنفيذ لعبة الانقلابات التي اجادها في العديد من الدول خاصة مع اتساع النفوذ الامريكي في الاوساط الأمنية التونسية. وقد وقع انتهاز فرصة تولي احد العناصر الامنية موقعا متقدما في الدولة فكانت الفرصة او الخطة المعدة مسبقا مرشحة السيد « زين العابدين بن علي » كي يتقدم ويفتك السلطة في ما وصف بالانقلاب الطبي.
انقاذ وتجديد ولكن للدولة:
بدا انقلاب السابع من نوفمبر خطوة ضرورية من اجل انقاذ الدولة من السقوط في يد الشارع الذي يملاه الاسلاميون او على الاقل من السقوط الى حد يفتح الباب واسعا للاستجابة لمطالبهم بما يشبه ما وقع في الجزائر سنة 1984.
ولذلك فان وصف السابع من نوفمبر بعملية الانقاذ هو وصف صحيح لانه جاء لانقاذ الدولة ولاجل ضمان تجددها من داخل اجهزتها واساسا من اجل انقاذها من الخطر الاسلامي ومن الشارع التونسي.
على ان انقلاب السابع من نوفمبر لم يكن في الحقيقة انقاذا للدولة فقط وذلك انه وان جاء لسد الباب امام الاسلاميين فانه وكي يكتسب حدا من الشرعية ومن اجل ضمان تجديد النخبة الحاكمة الجديدة في السلطة قام بعملية تصفية للطبقة الحاكمة القديمة. وقد كان في برنامج النخبة الجديدة تهميش الحزب الدستوري من اجل تاسيس حزب للرئيس ثم تراجع عن ذلك.
على ان حاجة الدولة لتجديد نخبتها ولصناعة نخبة سياسية وادارية جديدة تحكم بها البلاد لم تتوقف مع توقف برنامج التخلص من الحزب الحاكم القديم الذي لم يكن من الممكن التخلي عنه خاصة لما يملكه من أرضية تحتية متسعة على جميع انحاء البلاد. لذلك فان المصلحة الامنية للدولة اقتضت المحافظة على هياكل الحزب الحاكم ولكن مع افراغه من مضمونه الايديولوجي القديم وتجريده من طبقته السياسية وقياداته الحزبية من اجل تبديلها بنخب ايديولوجية وسياسية جديدة. وقد مثل اليسار التونسي اهم المساحات البشرية التي انتخبت منها الدولة الجديدة نخبها فكان وعمودها الفقري الذي اعتمدت عليه واستعملته في برامجها وخططها ولا تزال.
وذلك ان اليسار كان الاجابة العقائدية الملحة امام صعود التحدي الاسلامي، ما يمكننا من القول مبكرا في هذا المقال ان اساسا من اسس قيام دولة السابع من نوفمبر كان التصدي للصعود الاسلامي باستعمال الايديولجية والنخب اليسارية.
خلاصة القول انه تظافرت عدة اسباب لانتاج دولة السابع من نوفمبر وان هذه الظروف سنحت للطرف الاكثر قوة والاكثر استعدادا للمغامرة من اجل التدخل وانجاز التغيير وقطف ثمرة الدولة في تونس، وقد بادر اليسار التونسي في شقه الاستئصالي الى ركوب الموجة التي واتته اخيرا.
وهذا يحيلنا الى الموضوع التالي والمتعلق بعلاقة اليسار بالدولة في تونس.
اليسار والدولة:
مثلت الدولة البورقيبية اعلانا لانتصار التيار الحداثي العلماني في معركته مع لاتيار الاصلاحي الاسلامي وقد مثل اليسار والتيار العلماني عموما نتاجا طبيعيا للدولة البورقيبية. ومن هنا امكن القول ان دخول اليسار في صراع وتناقض مع النخب الحاكمة للدولة، تناقضا وصراعا تحت سقف واحد ومشترك وبمكن تصوير هذا الصراع بدخول الابن مع ابيه في صراع. ولذلك فان الدولة البورقيبية ما فتات تجدد نخبها الحاكمة بنخب اليسار وتطعم بها اجهزتها بشكل شبه دوري بحيث كانت بعض عناصر هذا اليسار تخرج من السجن كي تلتحق في مرحلة لاحقة باجهزة الدولة.
وقد مثل بروز الحركة الاسلامية في نهاية مرحلة الستينات خروجا عن معادلات انتاج النخبة التي صنعتها الدولة البورقيبية الحديثة. اذ تاسست هذه الآلية على اساس انهزام التيار الاصلاحي الاسلامي والعروبي بحيث مثل عودة التيار الاسلامي احياء لمعركة كان من المفروض ان تكون قد حسمت. ومن هنا فان بروز هذا المشروع من جديد قرء كتهديد مباشرا لمشروع الدولة الحديث وخروج عن قواعد الاجماع السياسي الذي وقع بناؤه وتاسيسه على نقيض الاجماع السياسي التقليدي والذي كان قائما على شرعية الحكم الملكي ضمن المنظومة الثقافية الاسلامية التقليدية. وبما ان اليسار كان الامتداد الطبيعي للنخب الحاكمة في الدولة فان هذه الاخيرة لجات في اول فرصة لتجديد نخبتها الحاكمة الى نخب اليسار من اجل ان تنهل من معينهم الى الثمالة وفي المقابل اعتبر اليسار ان الدولة الجديدة تمثل فرصة مثالية لهم خاصة مع اهتمزاز مشروعم الايديولجي بسقوط الاتحاد السوفياتي.
راى اليسار في الدولة الأداة الاخيرة التي من خلالها يمكنه تحقيق حلمه الايديولوجي والتخلص في ذات الوقت من خصم عقائدي عنيد يزداد عنفوانا وقوة يوما بعد يوم. كما مثل انضمام نخب من اليسار الى الدولة فرصة مشتركة للطرفين من أجل الاجتماع على تحقيق مصلحة سياسية مشتركة تتمثل في التصدي لخصم سياسي وعقائدي وفي هذا الاطار لم يتخلف عن هذا الركب او المسار الا قليل من نخب اليسار ورموزه. وقد صمت اغلب الذين تخلوفوا غن الجرائم التي بادرت الدولة الى ارتكابها في حق المجتمع والحركة الاسلامية، الى ان حمى وطيس معركة الدولة ضد المجتمع ومسهم من شضاها ما آلمهم.
الا انه ومن أجل الانصاف فإنه لا يمكن حصر النقد في ما يخص المسلكية السياسية في اليسار، اذ ان الجميع سارع الى الدولة وبحث عن منافذ لولوج ابوابها او طرقها وبذلك تمكنت الدولة من الاستفراد بالجميع كل منعزلا عن الآخر، ولم تشذ الحركة الاسلامية عن هذا السياق. على ان الفارق الاساسي بين هذه الاطراف هو ان بعضها لجأ الى الدولة من أجل تجنب اذاها ودخول مساحة الاعتراف القانوني بينما لجأ الآخر الى الدولة كحصن وأداة وحيدة للتغيير وتنفيذ برامجه العقائدية باستعمال ادوات الدولة القهرية والعنفية.
وفي ظل هذا التحالف الجديد بين المؤسسة الأمنية الماسكة بمقاليد الدولة ونخب من اليسار وقع وضع برنامج ما يسمى بتجفيف ينابيع التدين هذا البرنامج الذي اشتغل لفترة لا تقل عن الخمس سنوات قبل ان يصطدم بعوامل فشله ويسارع الى انتاج تناقضاته.
وذلك ان الاستبداد سرعان ما تحول الى وسيلة ومقصد في ذاته ولذاته. وقد كان من اول منتجات هذا الاستبداد نمو طبقة من المنتفعين من ثماره ثم التفاته الى حلفائه من اجل تحويلهم الى ادوات قمعية لا غير وبذلك فشل او بدا فشل الحلم العلماني الاستئصالي في بناء ديمقراطية دون اسلام ودون اسلاميين. وقد انتهى امر التحالف بين الدولة ونخب اليسار الى احساس هذه النخب بازمتها مع بداية النصف الثاني من التسعينات فانقسمت بين الداعين الى الدفاع عن حقوق الاسلاميين الانسانية وبين الداعين الى تبني القضية سياسيا.
وقد انتهى الامر في الفترة الأخيرة خاصة مع اتساع اشاعة مفادها عزم السلطة على الترخيص لحزب ذو مرجعية اسلامية الى عودة النقاش بين هذه النخب الى مرحلة نهاية الثمانينات اي الى مربع الصفر قبل اقدام السلطة على انجاز خطتها الأمنية التي ارادت منها ان تتخلص من طرف سياسي واجتماعي متمثل في الحركة الاسلامية. ولم يتوقف النقاش حول شرعية « الحزب الديني » على النخب العلمانية في حوارها الداخلي او حوارها الوطني بل ساهم رموز السلطة في هذا النقاش. وليس المهم في هذا السياق موقف هذه الأطراف بين الرفض او القبول المبدئي او المشروط. المهم ان هذا النقاش عاد في اجواء لا يزال فيها الطرف المعني بهذا الحوار اي حركة النهضة غير مبال بموضوع التقنين ولا باحث عن الشرعية الرسمية، كل ما في الأمر ان اغلب قياداته ورموزه قد غادرت السجن او وقع الافراج عنها. ولكن يبدو ان الساحة السياسية الرسمية والغير رسمية تعاملت او هي تتهيأ للتعامل مع النتائج السياسية لهذا الوضع الجديد. وهذا معبر عن فشل المنهج الاستئصالي الذي انتهجته السلطة وحلفاؤها ومن وافقهم في منهجهم على انه لا يجب في المرحلة الراهن التسرع الى الاقرار بهذه النتيجة وهذا غير مهم بالنسبة لهذه الورقة بقدر ما يهمنا ان نلاحظ ما يلي:
ان الخطة الاستئصالية التي ساهم فيها طرفان الدولة واستئصاليوا العلمانيين في تونس انتجت مجموعة من النتائج المتناقضة مع المقاصد التي وضعت من اجلها، كما حققت مجموعة من الاغراض الخادمة لها:
– تمكنت هذه الخطة الاستئصالية من اضعاف وتفكيك تنظيم حركة النهضة.
– تمكنت بسبب العنف الذي مارسته من تشويه وتشويش وعيجزء من ابناء التيار الاسلامي ومن الثقافة الاسلامية التي كانت تبثها هذه الحركة بين صفوف ابناء الشعب التونسي.
– ولكنها وان حققت هذه النتائج فانها عجزت عن انجاز امر حيوي الا وهو تشويه المشروع الذي قامت عليه حركة النهضة بصفتها حركة اسلامية تنتمي الى التيار الاسلامي الوسطي او ما يمكن وصفه بالتيار الاخواني الذي يزداد اتساعا وقوة في العالم.
والحقيقة ان هذه مسالة مهمة بالنسبة لهذا المشورع الذي اثبت لا بالحجة الذهنية والفكرية بل بالممارسة التاريخية انه تيار غير عنفي في مرحلة زمنية كان فيها العنف مبشرا به في المنطقة العربية وفي دول الجوار (مرحلة منتصف التسعينات) وفي هذا الاطار فانه مهما ردد العديد من المتابعين او المعنيين بمناقشة الملف الاسلامي في تونس عن حركة النهضة، فانه لا احد قادر على انكار ان هذه الحركة من خلال اصرارها على خيار المعارضة السلمية هذا الخيار الذي الذي وقع التصويت عليه في مؤتمرها الاول بالمهجر سنة 1995 قد جنبت تونس عنفا يتسع من جارتها الغربية الى جارتها الشرقية حتى الى مصر. اذ معلوم ان الذي يريد ممارسة العنف لا يحتاج الى اكثر من تلك الارادة خاصة في مساحة انتشر فيها السلاح والغضب.
وفي حين نجحت النهضة عموما في الحفاظ على، وفي تكريس، خطها السياسي المعارض، فان الدولة ونخب الاستصاليين قد ساهموا في انتاج عكس ما ارادوا.
و ذلك ان المجتغ التونسي سارع بداية من النصف الثاني من التسعينات الى انتاج موجة جديدة من التدين ما فتات تتسع تناسبا مع اتساع المد الاسلامي الذي عم العالم العربي والاسلامي عموما. كما فشلت خطت السلطة في دفع اتباع هذه الحركة الى انتهاج العنف او الى التخلي عن معارضتهم السياسية وفشل في فل عزيمة المساجين او ارهابهم من اجل ان يتخلوا او يعبروا عن تخليهم عن قضيتهم او موقفهم المعارض لقمع السلطة واستبدادها بالسلطة وهم في سبيل ذلك قدموا ثمنا باهضا كان في بعض الحالات حياتهم وفي الكثير منها صحتهم.
ادت كل هذه العوامل الى افشال مشروع السلطة التي تحولت من دولة لانقاذ المشروع البورقيبي الى دولة تبحث عن الانقاذ فاقدة لكل شرعية ولكل مشروع سوى الحفاظ على كرسي الحكم. كما ادى ذلك الى اضعاف التيار العلماني الاستئصالي وتحويل نخبه الى ببيروقراطية استبدادية انتهى مشروعها الى محاولة تابيد الاستبداد خوفا من اي تحول يكون لا محالة على حسابها وذلك ان الدولة سيصعب عليها تجديد نفسها الا من خلال التخلي عن عوامل هرمها الاساسية التي ان تمثلت في مرحلة الحكم البورقيبي في الحزب الدستوري الحاكم ونخبه السياسية فانها تتمثل في هذه المرحلة في هذه النخب الاسئصالية وفي عصابات النهب من اعضاء العائلة الحاكمة.
والحقيقة انه لولا بعض الأصوات العلمانية الوطنية التي تداركت سقوط اليسار والعلمانيين عموما في مأزق الاستبداد وذلك بوقوف بعضها عند مبادئها النضالية وتدارك البعض الآخر موقفه فتحول الى المساحة النضالية المتناقضة مع الاستبداد؛ لولا هذه الخطوات لكانت دولة بن علي اعلانا لنهاية اليسار والعلمانيين في تونس. وذلك ان التنظيمات والتيارات الفكرية والسياسية لا تعيش وتنمو بنمو مواقعها في السلطة بل هي تتسع قواعدها في المجتمع بقدر خدمتها لمصالح الناس وتعبيرها عن طموحاتهم وعادة ما تكون السلطة او الحكم، خاصة في تشكله الحديث، سببا لهرم هذه التنظيمات والتيارات الفكرية وذلك عائد الى انفصال الدولة العربية الحديثة بنيويا عن مصالح شعوب المنطقة وطموحاتهم.
خلاصة القول فانه مع فشل المشروع الاستئصالي واتساع المد الاسلامي وموجة التدين في البلاد عاد الى الساحة الحديث عن الحركة الإسلامية بحثا عن حل للأزمة السياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.
الحركة الاسلامية والدولة:
مثلت الحركة الاسلامية المشروع النقيض للمشورع العلماني بوجهيه الليبيرالي والاشتراكي، الا انها مثلت في نفس الوقت محاولة لاحياء السياق التاريخي الذي تواصل وحكم لفترة تجاوزت الاحدى عشر قرنا من الزمن.
وقد مثل بروز الدولة القطرية الحديثة، التي سمحت المنظومة الدولية الحديثة بتاسيسها محكومة بالنخب العلمانية المنتصرة، مثل هذا البروز، انتصارا للتيار العلماني على حساب التيار الاسلامي الاصلاحي. على ان هذا الانتصار لم يمثل قطيعة كاملة مع الارث الاسلامي للدولة التقليدية اكان ذلك من حيث النصوص التاسيسية للدولة وخاصة الدستور وكذلك المنظومة التشريعية التي قامت عليها الدولة. الا ان القطيعة التي حاولت الدولة تكريسها وفرضها على المجتمع تمثلت بالاساس في الجانب السياسي وذلك ان نخبة الحزب الحاكم في صيغته البورقيبية سعت الى تكريس انتصارها من خلال تهميش ومنع كل من له نفس اصلاحي اسلامي او عروبي من خلال علاقته بالمشروع الزيتوني الذي حضن التجربة الاصلاحية الاسلامية في تونس او التيار اليوسفي الذي عبر في مرحلته الاخيرة عن الشعور القومي العربي والذي تحالف مع الخط الزيتوني في الحركة الوطنية. وفي مقابل ذلك عملت دولة بورقيبة على مد الاواصر مع النخب العلمانية الناتجة من المؤسسات التعليمية الفرنسية من اجل تجديد الدولة البورقيبية الحديثة وتركيز قواعدها واسسها. وقد اشتغلت هذه المعادلة لفترة لم تتجاوز عقد الستينات اذ سرعان ما انتج المجتمع التونسي جيلا من الشباب رفع راية المشروع الاسلامي من جديد وبدأ العمل والنضال من اجل تحقيقه.
ليس المجال في هذا المقال الى التوسع في تاريخ الحركة الاسلامية في تونس ولكن يسعنا القول بأن مشروع الاصلاح الاسلامي ومنذ المنتصف الاول من القرن التاسع عشر ثم القرن العشرين عادة ما كان ينشط ويتسع كلما اتسعت رقعة التحديث في البلاد. اذ صحيح القول بان العلمانية هي انتاج ضروري لعملية التحديث ويبرز هذا خاصة في الرقعة الاوربية من العالم او لنقل في الرقعة المسيحية المرتبطة بالارث الامبراطوري الروماني. الا ان هذه المعادلة لم تشتغل بنفس الطريقة في العالم الاسلامي بل ساهمت الحداثة وتساهم في تجديد الاسلام ذاته مع ما تنتجه من مساحات علمانية تشتغل وتنتعش في المنطقة الاسلامية بفعل التاثير الاوربي خاصة.
تحتاج هذه الدعوى الى مزيد من التأمل والتحليل من اجل البرهنة عليها، ولكن يكفي القول في هذا السياق ان تجارب التحديث التي مرت بها المنطقة ساهمت في تنشيط عملية الاسلمة وان انتجت علمنة ضيقة الانتشار تناسبا مع حركية وانتشار التيار الاسلامي، ومن نتائج هذه الآلية ان باءت محاولات تهميش واستئصال التيار الاسلامي الى الفشل والى ضرب بنية الدولة الحديثة خاصة في علاقتها بالمجتمع اذ لم يعد التحديث ممكنا بالغاء وتهميش التيار الاسلامي الا ان يكون متمثلا في علمانية استبدادية منغلقة. مهم التنبيه ان هذا الحديث ليس موقفا قيميا من الحداثة كما لا يقصد منه القول بان الاسلام من جهته مرتبط بالحداثة. فان صح القول بان العلمانية نتاج مشروط بالحداثة فان الاسلام غير مشروط بها، بقدر ما يمكن القول ان الحداثة تساعد موضوعيا على انتاج الاسلام وعلى تجديده ضمن السياق العربي والاسلامي. وفي ما يخص المثال التونسي فقد بينت التجربة الاصلاحية منذ نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر ثم مرحلة تاسيس الدولة البورقيبية وحتى تجربة دولة السابع من نوفمبر ان الاسلام بصفته مشروعا حضاريا بابعاده المختلفة لا تعرقله او تعطله عمليات التحديث بقدر ما تعينه وتوفر له ادوات للفعل والتاسيس. كما تبين التجربة انه ليس من الممكن تهميش هذا المشروع الا من خلال تعطيل الدولة على الاقل في مستوى علاقتها بالمجتمع ومن خلال تعطيل عملية النمو.
المهم من الملاحظة السابقة القول بانه تبين بعد عشرين سنة من تاسيس دولة السابع من نوفمبر ان المشروع الذي تاسست من اجله، اي الوقوف في وجه نمو التيار الاسلامي، لم ينجح بل انه لم يعمل الا لبضع سنوات كي ينفلت هذا المشروع ويعبر عن نفسه بطرق واساليب جديدة لعلها تكون اكثر نجاعة بالنظر الى الوضع الاستبدادي الذي تعرفه البلاد. كما ان هذا المشروع الاستئصالي قد ساهم عمليا وبالنتيجة في بناء شرعية نضالية عميقة وواسعة لرموز وقواعد حركة النهضة الامر الذي سيشتغل لصالح هذه الحركة لعقود لاحقة. بحيث اصبح الحجم الرمزي والموضوعي، اليوم واكثر من ذي قبل، من الكبر بحيث يصعب مزاحمته. ولا شك ان هذا سيطرح ويطرح مجموعة من التحديات على الحركة ذاتها من اجل حسن التعامل مع راس المال هذا كي لا ينقلب مفعوله الى عكس نتائجه المفترضة، اذ من البين ان حركة النهضة لم تعد حزبا سياسيا تقليديا بقدر ما هي تنظيما وتيارا اجتماعيا واسعا ومنتشرا بالبلاد. وراس المال هذا وان مثل تحديا لحركة النهضة الا انه يعني انه سيكون من الصعب على اي حاكم لتونس ان يسير مصالحه بصفته حاكما دون ايجاد صيغة مناسبة للتعامل مع هذه الحركة. ولا شك ان هذه الصيغة كي تكون عملية وناجحة وكي تضمن الاستقرار لهذا الحاكم فانه يجب ان تتجنب منطق الاستئصال التهميش والا فان الوضع سيتجه لا محالة اما الى الانفجار او الى التحلل الكلي بحيث يستحيل وضع الدولة بما هي مؤسسة مديرة لمجموع المصالح المتوفر في رقعة جغرافية وبشرية.
مستقبل الدولة في تونس:
انطلق هذا المقال من مقدمات مفادها ان دولة السابع من نوفمبر جاءت او جيء بها من اجل الاستجابة لمجموعة من المصالح المتعلقة اساسا بتجديد الدولة القطرية الحديثة وريثة مرحلة الاحتلال. وبينت ان الطرف الامريكي كان اللاعب الاساسي في انجاز عملية التحول السياسي. كما بينت ان دولة السابع من نوفمبر قامت بتجديد النخبة الحاكمة من خلال التضحية بالقيادات التاريخية للحزب الحاكم وبتعويضها بنخب اليسار الذي اتفقت مصالحه مع حاجة نخب الدولة الى سد الباب امام الصعود المتواتر للحركة الاسلامية والذي راي فيه تهديدا للدولة في تونس، وفي ذلك الاطار انطلقت الدولة بتركيبتها الجديدة في خطة امنية وثقافية شعارها تجفيف ينابيع التدين.
وبين هذا المقال ان خطة الدولة قد فشلت وانها ادت في النهاية الى انتاج عكس مقاصدها.
اذ لم تتمكن الدولة، وان جددت من نخبها الحاكمة ومن تاجيل دخول حركة النهضة الى المعترك السياسي الرسمي، لم تتكن الدولة من وقف صعود التيار الاسلامي او من التقليل من مشورعيته. بل هي ساهمت في اضعاف التيار العلماني الذي احتمى بها واوصلت الدولة الى مرحلة الهرم في اقل من عقدين من الزمن بحيث اصبحت دولة السابع من نوفمبر تفكر في بدائلها عوض التفكير في دعائمها.
كما بين هذا المقال ان ضرب الحركة الاسلامية ادى ويؤدي الى ضرب اسس الدولة ذاتها وقمع المجتمع.
ويمكن القول بالاظافة لما سبق ان المعادلة الدولية وبعد اكثر من عشرين سنة من الهيمنة المنفردة للولايات المتحدة على المعادلة الدولية بدات تشهد مجموعة من التغيرات اذ تمكنت روسيا في غفلة من الولايات المتحدة التي كانت منشغلة في حربها الغبية ضد ما تسميه بالارهاب من استعادة انفاسها ومن طرح نفسها من جديد كلاعب على المستوى الدولي كما تمكنت الصين في نفس الوقت من التقدم مجموعة من الخطوات الاستراتيجية في السوق الدولية ومن افتكاك مجموعة من المصالح الاستراتيجية لم تكن لتكون قادرة عليها لولا الانشغال الامريكي في تطرفه وعماه الايديولوجي في حربه ضد عدو وهمي. كل ذلك ساهم في تعديل الموازنة الدولية وفي ذات الوقت فسح المجال لبعض القوى الاوربية من التقدم من اجل استرجاع بعض الرقع الجغرافية التي افتكتها الولايات المتحدة ومن ذلك الرقع السياسية المتناثرة على الخارطة الافريقية والمنسوبة تقليديا لصالح اللاعب الفرنسي الذي افتكت منه الولايات المتحدة مجموعة من القطع كانت تونس احداها.
وقد تمكن نظام السابع من نوفمبر بفضل ادراكه لهشاشة الموقف الفرنسي خلال الفترة السابقة من اللعب على التناقض الامريكي الفرنسي ولكن عودة اللاعب الفرنسي لا شك سيضيق عليه مجال المناورة، وهو في كل الحالات سيفرض عليه معادلة جديدة وربما يفتح الوضع التونسي على مجموعة من الاحتمالات الجديدة التي تحتاج هي ذاتها الى الفهم والتحليل وربما يكون المثال الموريتاني احد ثمراتها وافرازاتها. هذا بالاظافة الى الوضع الامريكي مرشح ليعرف تغيرا في سياسته الخارجية خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي ومهما كانت نتيجتها فانها ستسعى الى اعادة تاسيس وضع امريكا في العالم من اجل انقاضه من المازق التي وقع فيها الى حد الان.
والخلاصة التي يريد هذا المقال الانتهاء اليها تتمثل في ما يلي:
– لا شك ان تونس وبعد عشرين سنة من حكم السابع من نوفمبر مقدمة على مرحلة سياسية جديدة تحتاجها الدولة من اجل تجديد نفسها بصيغة او باخرى ولا يعني تجديد الدولة حتمية تغيير قيادتها السياسية ولكنه يعني ان الدولة تحتاج الى شعارات جديدة وايديولوجية جديدة للحكم.
على ان الوضع ان تواصل على ما هو عليه فانه سيصل الى مرحلة تعجز فيها الدولة عن تجديد نفسها حتى ان رغبت وسعت الى ذلك. وذلك ان الانحلال الذي سيصيبها سيعمق من تناقضاتها ويخل من قواها بحيث تعجز عن تجديد نفسها ولا شك ان اللاعب الفرنسي لا يريد ان تتكر تجربته السابقة مع السابع من نوفمبر، خاصة وان الراعي الامريكي كان في حالة السابع من نوفمبر قد اتخذت مؤسساته قراره في اعداد البديل عن الرئيس الراحل منذ سنة 1984 او قبلها بسنتين.
– سيكون من الصعب على الدولة في تونس تجديد نفسها في هذه المرحلة من خلال تطعيم اجهزتها بالنخب العلمانية -او على الاقل الجانب الاستئصالي منها- وذلك انه قد وقع استهلاكها بادوات القمع والاستبداد، وستحتاج الدولة الى الاستعاضة عنها بنخب اقل ما يقال فيها انها مختلفة عن سابقتها ان لم نقل انها نخب تستند الى الاسلام في اي من وجوهه كمرجعية.
– سيكون من الصعب على اي نخبة حاكمة تجاهل او تهميش حركة النهضة هذه الحركة التي اكتسبت راس مال رمزي وموضوعي واسع يضعها في مقام اوسع من الاحزاب التقليدية ولكن ضمن دائرة المجتمع.
– بسبب الضرر الذي اصاب المشروع العلماني التونسي نتيجة التصاقه وتحالفه مع الاستبداد فان وضعه لن يكون يسيرا خاصة اذ ما وقع في تناقض جذري مع حركة النهضة ومع الاسلام عموما لذلك فان العلمانية التونسية ستحتاج الى ارضية اسلامية ما ترتكز عليها كي تضمن حيويتها وحياتها في المجتمع كما ستحتاج على المستوى السياسي الى علاقة اقل ما يقال فيها انها تصالحية مع حركة النهضة كي لا تهمش نفسها عن المشهد السياسي والاجتماعي.
ختاما: ان ما يطلق عليه « بالاسلام السياسي » قد عرف خلال النصف الثاني من القرن الماضي وبداية هذا القرن تحولات جذرية في المجتمع حوّله من مرحلة الدفاع عن النفس وعن الهوية الاسلامية للمجتمع الى مرحلة الوقوف على اعتاب الدولة.
وقد تمكن هذا الاسلام من اخذ مواقع في هذه الدولة او من الجلوس على كرسيها او من الوقوف عند بابها ولكنه موجود هناك عند تلك النقطة. ووليس من المغامرة القول انه يبدو ان المرحلة التاريخية القادمة هي مرحلة تحول الاسلام الى الدولة.
ومن هنا فان التحدي القادم بالنسبة للاسلام غير مرتبط لا بوجود هذا الاسلام او بشكل وجوده او بمدى ارتباط الشعوب الاسلامية به، بل بهويته السياسية بين اسلام وطني ومناضل وبين اسلام عميل للاجنبي ومدافع عن مصالح طبقة الحكم. وذلك مثلما هو الوضع الآن في ما يتعلق بالنخب العلمانية بين نخب وطنية مناضلة وبين نخب عميلة للاجنبي ومدافعة عن مصالح الطبقات الحاكمة عدوة لمصالح ومطامح الجماهير.
(المصدر: مجلة « أقلام أون لاين – تونس »، العدد الحادي والعشرون، السنة الخامسة / فيفري – مارس 2008)
الصحافة التونسية: مسافات بين الماضي والحاضر
شركة فسفاط قفصة وحوار الحضارات
تحديات الحركة النقابية في عصر العولمة (2 )
الكدّ و الشقاء في المناجم و العزّ و الرخاء في العواصم
المصادقة في مجلس النواب التونسي على القانون التوجيهي للتعليم العالي اغتيال للجامعة التونسية في سنة الخمسينية؟؟؟
الحليب في تونس: لماذا ارتفع سعره بهذه السرعة؟
السنوات
|
1990
|
1995
|
1999
|
سعر اللتر الواحد
|
280
|
330
|
340
|
السنوات
|
1990
|
1995
|
1999
|
سعر اللتر الواحد
|
290
|
345
|
355
|
ردّا على ما كتبه عنّي زياد الهاني:
صبري سؤال واعترافك قائم…
نصر الدّين بن حديد
على الحساب، ولم أحبّر بعد الكتاب:
استهلّ زياد الهاني ما كتبه ببيتين للمتنبّي، وكلّنا يقرّ أو على الأقلّ يعلم أن الاستشهاد يكون بمن نرى فيهم ذواتنا ونعتبرهم قدوة، وقد جاء المتنبّي ـ بشهادة المؤرخين جميعهم والنقاد وأهل الدراية ـ صاحب قول ينقض الفعل، فكان عديم الشجاعة، قليل المعروف، منعدم المروءة، لعق عتبات الملوك ـ رغم شعره الرائع ـ وتذلّل عند بلاط هذا وقصر ذلك، طلبًا لولاية أو رغبة في عطايا، يلوّن من اجلها شعره ويصبغ بها ضميره… [هذا القول للتاريخ، وللضمير وللأخلاق أيضًا]…
نزولا إلى صلب الموضوع ودخولا إلى أصل السؤال، يلاحظ المتمعّن كعابر السبيل، المدقّق في القول كما الناظر، أنّ زياد الهاني لم ينف التهمة التي وجهتها له، وقد حاول ـ وهو دارس لعلم الرياضيات (الرجاء مراجعة سيرته التي أوردها هذا الموقع) ـ أن يبطل تهمة بتهمة، وهو لا يعلم ولا يدري أن منطق الكمّ الرياضي لا ينطبق على مجال الأخلاق، فحين يوجه التهمة إلى كاتب هذه الأسطر يبغي من خلالها نفي التهمة عن ذاته، لا يفعل سوى أن اعترف بالتهمة الموجهة إليها، وقد حاول أن يلفّ المسألة ضمن مقولة « دون دخول في التفاصيل ومع تمسكي بالترفّع»، وكلّنا نعلم أن الشيطان يسكن بل استخرج شهادة إقامة في التفاصيل، وعن الترفّع أحيل زياد الهاني إلى مبادئ الرياضيات وأبجديات الفيزياء حين تتطلّب المسألة نقطة ارتكزًا ومرجعًا قياسيّا، وإن نسي الموضوع، يكفيه الرجوع إلى درس ddp في مادة الكهرباء، ليستنير!!! فأيّ مرجعيّة يعتمد، وإلى أي نقطة ارتكاز أخلاقيّة يستند؟؟؟؟
اتّهمني زياد الهاني في علاقتي بذاتي وارتباطًا بشرفي واتهمته في علاقة بشرف الآخرين وشرفهم وعرضهم، والبون واضح والفارق بيّن، حين يأتي صاحب هذه الأسطر المجرم والضحيّة وقد أجرم كلّ من زياد الهاني ومحسن عبد الرحمن في حقّ زملاء لنا، ومن ثمّة في حقّ الجمعيّة سابقًا والنقابة راهنًا، وليس لأيّ عاقل أن يجادل في المسألة… [نرحّب بمن أراد من القراء والصحافيين أن يدلي بدلوه في هذه المسألة].
وجب ألاّ ننسى أيضًا، أن كاتب هذه الأسطر يأتي فرد في صيغة الفرد، حين لم أترشّح ولم أنتسب إلى قائمة، في حين أن زياد الهاني انتسب إلى قائمة نادت بـ«الكرامة»، ونادت بـ«المسؤوليّة»، وهو بذلك فرد في صيغة الجمع، والجمع هنا يعني قاعدته الانتخابيّة وكذلك مجمل القاعدة الصحفيّة، على أساس أن المرشّح يمثّل قائمته وذاته وقاعدته وحين يفوز يكون المكتب ممثلا لمجمل الصحفيين….
لا يدري صاحب هذه الأسطر سبب سخط زياد الهاني وغضبه وحنقه، حين لم نقم سوى بذكر حقائق ـ لا يملك الجرأة على تفنيدها ـ فليس الخطير فقط ما أعلنه كلّ من زياد الهاني ومحسن عبد الرحمان، والأمر ثابت بشهادة عشرات الشهود بل في التضارب على مستوى الأخلاق والممارسة بين هذه الحقائق…
العائد إلى السيرة التي قدّمها زياد الهاني يرى أنّه صحفي سواء على مستوى التكوين والممارسة والتجربة، ومن أبجديات الممارسة الصحفيّة أن ننسب الخبر إلى مصدره، وعندما نورد الخبر في صيغة اليقين، نكون قد شهدنا الحدث أو نثق ثقة مطلقة في من أورده، وزياد الهاني أورد حكاية الزميلين مع السبورلس في صيغة اليقين، ولم ينسب الخبر ولم يعتمد «زعموا» [التي اعتمدها الجاحظ في كتاب الحيوان]… الرجاء مراجعة الزميل خميّس الخيّاطي، الذي جمع مادّة ثريّة في مسألة الخلط الذي تمارسه بعض الصحف التونسيّة حين تورد الخبر «مأخوذًا» عن غيرها من المصادر دون أن تذكر المصدر…
أيضًا نسأل ـ والسؤال إلى غير الله مذلّة ـ عن السبب الذي جعل ذاكرة زياد الهاني تستفيق عند المؤتمر علمًا وأنّ لجنة السكن تمّ حلّها قبل المؤتمر بأشهر، وبالتالي يكون السؤال عن سبب الصمت وعدم إبلاغ المكتب وأيضًا عن أسباب تفرّده بهذه المعلومة التي استعملها عند المؤتمر للطعن ومحاولة الإقصاء…
الحكاية مختلقة من أساسها، والدليل ثابت من القول ذاته، حين نعلم أن زياد الهاني ليس شاهد عيان وإلاّ كان مجرمًا بإخفائه هذه المعلومة عن المكتب وعن العدالة، وثانيًا، نعلم [ونذكّر من لا يعلم] أنّ السيّد محّمد الهادي بن عبد الله الرئيس المدير العام للسبورلس رجل قانون، ومن الأكيد أنّه سيتصرّف حين تبلّغه بالفعلة [في حال وقوعها طبعًا] إمّا بتجاوز المسألة والتكتّم على الخبر، من باب الرفّع، أو إبلاغ السلطات المعنيّة وكذلك مكتب جمعيّة الصحفيين سواء عبر مراسلة رسميّة أو شفاهيّا، وبذلك يكون رئيس الجمعيّة الزميل فوزي بوزيان على علم بالموضوع وكذلك كامل أعضاء المكتب وأساسًا الزميل ناجي البغوري [الرئيس الحالي للنقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين] والذي كان ضمن المكتب السابق مسؤولا عن النظام الداخلي…
ربّما يكون زياد الهاني كمثلّ أبي الطيّب «متنبيا»، [من النبوءة] وبالتالي تنتقل المسألة من مجال الحسّ البشري إلى مقام الوحي، وتلك مسألة أخرى…
جاء ما كتبه زياد الهاني في الكثير من التحدّي، والأمر خلاف ذلك، حين تأتي المسألة مرتبطة بمفهوم الحقيقة و«المسؤوليّة» و«الكرامة» حصرًا، ويكون تحرّكي القادم من خلال مطالبة رئيس النقابة والعضو المكلّف بالنظام الداخلي بردّ كتابي، حين تقدّمت لهما بشكوى كتابيّة. في حال رفض المكتب أو قدّم لي إجابة تناقض دستور البلاد والتشريعات القائمة، يكون من حقّي حينها رفع الأمر إلى العدالة…
أيضًا سأتحرّك من خلال الاجتماع الاختباري العام القادم، الذي قرب أجله بالتأكيد، وسأقوم بتوثيق جميع ما يجري خلاله عن طريق جهاز الكتروني قادر على تسجيل 17 ساعة دون انقطاع، ليعرف الجميع من هم أفراد «القاعدة الانتخابيّة» لزياد الهاني التي هدّدني بها أحد أخلص رفاقه…
ملاحظة قبل الختم:
الاستشهاد بالآيات القرآنية وخصوصَا هذه الآية التي كان الرئيس السابق الحبيب بورقيبة كثير الرجوع إليها… لا يعفي صاحبه من واجب الردّ على أسئلة «أرض ـ أرض»، حين استشهد بالقرآن الكريم ووضعوه على أسنّة الرماح وفوهات الرشاشات المجرمون والزنادقة وقطّاع الطرق، ومن مارسوا الإرهاب بشتّى صروفه، وخصوصًا من «المحافظين» العرب الجدد الذين تدثّروا برداء الدين، عليهم اللعنة إلى يوم الدين….
كلمة بعد الختم:
التاريخ يذكر من زياد الهاني ونصر الدين بن حديد وضع قلمه، دون نوايا منقوصة وتمنيات ناقصة، في خدمة الصحفيين، والتاريخ يذكر كذلك، من باب الذكر فقط الردّ على رضا الملّولي… الأخلاق، خلافًا لشعر المتنبّي، تعني توافق جوهر القول بأساسيات الفعل…
فـي الصميـم :
حرية الرأي والتعبير لا يمكن تقيدها ولا مجال للتسلط على حرية الرأي والتعبير من أي طرف…
ما آثار هزيمة الغارة الأميركية على العراق؟
راشد الغنوشي (*)
لا يزال المشهد العام للمنطقة مضطربا ومبعث قلق شديد لقوى الهيمنة الأميركية الصهيونية وحلفائها الدوليين والمحليين بفعل ما ووجهت به مخططاتها من ضروب مقاومة وممانعة، تلك المخططات التي هي في حقيقتها مخططات إسرائيلية نجحت اللوبيات في تسويقها على أنها مصالح غربية.
وقد تم تنفيذها بشكل سافر غطرسة وحماقة بأيد أميركية بعد أن انتصب في البيت الأبيض فريق صهيومحافظ، تمكن من سوق الدولة الأعظم والزج بجيوشها في قلب المنطقة لتحقيق مخططاته التي رفع لتسويغها عدة لافتات الواحدة بعد الأخرى.
وكان كلما انكشفت لافتة دفع بأخرى محلها، من نزع أسلحة الدمار الشامل إلى نشر الديمقراطية، حتى اضطر أخيرا إلى الكشف عن الهدف الإسرائيلي الصريح وهو تقسيم العراق الذي هو جزء من الإستراتيجية الإسرائيلية المعروفة في دفع المنطقة إلى طور آخر من سايكس بيكو جديد، من التفتيت والصراعات بين أجزاء الفتات، ضمانا لأمن إسرائيل.
ويهدف ذلك المخطط إلى أن لا تظل في المنطقة قوة قادرة على الممانعة فضلا عن المقاومة بل لا تبقى لها هوية جامعة ولا خيط ناظم للوقوف في وجه الهيمنة الإسرائيلية.
من هنا كان لزاما فرض المحاصرة والخنق على قوى المقاومة والممانعة تمهيدا لتدميرها، تجريدا لشعوب المنطقة من كل سلاح ومقاومة بعد أن تم لهم تحييد دولنا إلا من سلاح يقمع شعوبها.
فكانت الحرب الشاملة على المقاومة في لبنان التي لم يدخر فيها العدو سلاحا عدا النووي.
ورغم أن حزب الله قد تمكن من إحباط المخطط الإسرائيلي وألحق هزيمة نكراء بالجيش العتيد، فإن ذلك لم يردع مخططات تمزيق البلد، بل استمرت محاولات فرض السيطرة الدولية عليه لحماية الكيان الصهيوني ومحاصرة واقتلاع النفوذ السوري والإيراني.
إلا أن حزب الله لا يزال يمثل عقبة في طريق فرض السيطرة الكاملة على البلد ومحاصرة سوريا وتجريد إيران من قاعدة متقدمة ذات نفوذ.
والبحث الدولي هنا جار على قدم وساق بحثا عن تسوية لفراغ رئاسي حتى لا ينهار وضع هش، حزب الله القوة الأساسية فيه.
وفي فلسطين المحتلة كان مخطط دايتون لاجتثاث المقاومة بعد إرهاقها بالمقاطعة والحصار، وواجهته حماس بتحرك مضاد أحبطه إلى حين، فكان الانقسام الذي يراد له إسرائيليا التأبيد وإحباط كل محاولة لرتقه حتى يستكمل الصهاينة ابتلاع الضفة والقدس والجدار ويستمر سرطان الاستيطان تمددا.
وواضح أن من بين أهداف « المؤتمر الدولي » الذي تعد له الولايات المتحدة عزل المقاومة وتثوير شعبها المحاصر عليها وإظهار فشل النموذج الإسلامي مرة أخرى، ثم تقديم مسكّن تخدير للعرب أو رشوة، لسوقهم إلى المشاركة في المخطط الأميركي لتدمير المشروع النووي الإيراني باعتباره رمزا من رموز المقاومة في منطقة لا يراد لها إسرائيليا ولا أميركيا أن تحتفظ بأي رصيد للمقاومة.
البحث جار عن تسوية، بل قل عن كلام أي كلام، « تسوية » ما أحد من أطرافها بقانع أن لها أفقا، ولكنه مشهد تمثيلي ضروري لملء الفراغ، كمن يضطر للكلام وهو لا يدري ما يقول المهم أن يحرك شفتيه ويصدر أصواتا.
المطلوب دوامة من الاتصالات والمفاوضات التي لا تنتهي، تكون هي بحد ذاتها هدفا، كمن يغلي الماء لمجرد إيهام أطفال جائعين بتحضير الطعام.
وبالنسبة « للسلطة الفلسطينية » المشاركة في هذه الملهاة وفي محاصرة المقاومة، حسبها ما يحفظ لها من مظهر بروتوكولي سلطوي وتدفق أموال، وتكثيف الضغط على غزة حتى تنفجر جماعاتها ويتصاعد الغضب الشعبي والنقمة العامة على المقاومة.
مطلوب من المؤتمر الدولي حول فلسطين استعادة المبادرة لإدارة أميركية حولتها المقاومة العراقية بطة عرجاء، ولإدارة صهيونية مهتزة، وتقديم غطاء لحل وهمي لقضية العرب الكبرى لاستدراجهم، وبخاصة دول الخليج ودول المغرب العربي إلى الانخراط في موجة تطبيع جديدة، فضلا عن توريط العرب في مخطط تدمير إيران.
لا يزال المأزق الأميركي في العراق يشتد وكذا مأزق الأحزاب التي شاركت في عملية سياسية مصطنعة مغشوشة، دفعتها المقاومة إلى حافة الانهيار، لاسيما بعد أن اشتد ضغط الاحتلال على الأطراف الشيعية وهي إلى جانب الأكراد المكون الرئيسي للعملية السياسية، لحملها على حسم أمرها انحيازا إلى الاحتلال يقضي بالتعاون على تصفية النفوذ الإيراني في العراق أو المواجهة مع الاحتلال.
وهذا ما نقل تلك الأطراف إلى وضع صعب اضطر بعضها إلى الانسحاب من العملية السياسية، بل حتى إلى الانخراط في المقاومة بعد أن تعرضت ولا تزال لضربات قاسية (الصدريون)، إلا أن العمود الفقري للعملية السياسية (الحزبان الكرديان والحزبان الشيعيان: المجلس والدعوة) حافظا حتى الآن على العملية المتأرجحة.
وقبل الحزبان الشيعيان من أجل ذلك تقديم ما يشبه التنازل للأكراد عن كركوك، الكنز الذي سيمول دولتهم، فبدأ ترحيل العرب والتركمان، وتعهدت الدولة بالتعويض لكل من « يختار » الرحيل.
وهكذا بدل أن يقدم التنازل إلى الطرف السني (التوافق) المنسحب من عملية لم يجن منها شيئا بالاستجابة لمطالبه، قدم إلى الأكراد، وبدأ البحث أميركيا ومن طرف القائمين على العملية السياسية عن شركاء سنيين عرب في وسط العشائر، بذل الأميركيون جهودا كبيرة من أجل استقطابهم وإغرائهم وتسليحهم للوقوف في وجه القاعدة مستغلين تهورها وحماقتها، الأمر الذي تخوفت الأطراف الشيعية من عواقبه، إذ قد تنقلب تلك الأطراف ضدها، لاسيما والأميركان لا يقبلون أن يغادروا عراقا واقعا تحت النفوذ الإيراني عبر أحزاب موالية له.
عززت المقاومة كسبها الميداني العسكري ضد الاحتلال بكسب سياسي غير مسبوق، وذلك من طريق توصل أهم الفصائل عدا « القاعدة » إلى تشكيل هيأة سياسية جامعة مفتوحة أمام كل فصائل المقاومة والقوى السياسية المعارضة للاحتلال، مرشحة لأن تمثل عنصرا مهما في المعادلة السياسية المستقبلية للعراق.
كان مفهوما أن يقود ترسّخ الكيان الكردي في شمال العراق وتحوله إلى ما يشبه الاستقلال واقترابه من وضع يده نهائيا على الكنز، إلى إثارة الأتراك، لاسيما أن قد تحول منطلقا لهجمات موجعة على الجيش التركي.
هذا الأمر عبّأ الرأي العام التركي ضد متمردي حزب العمال الكردستاني وصعّد التوتر وفرض على الحكومة والجيش التركيين القيام بعمل انتقامي ضد المتمردين المحتمين بإخوانهم في شمال العراق، مما أدخل العلاقات التركية من جهة والأميركية العراقية من جهة أخرى في مأزق شديد يهدد باندلاع حرب قد تمثل تهديدا حقيقيا لجملة العملية السياسية في العراق والأطراف المشاركة فيها.
كما أن المأزق الأميركي في العراق وأفغانستان وباكستان والصومال، إلى جانب ما أفصحت عنه الانتخابات في فلسطين ومصر من فوز إسلامي، حمل الإدارة الأميركية على التراجع عن ما قدمته في فترة سابقة من التبشير ببسط الديمقراطية هدفا لسياساتها في المنطقة سبيلا لمقاومة الإرهاب.
وهذا هو ما أعاد الدفء والحميمية إلى العلاقة بين الديمقراطيات الغربية والدكتاتوريات العربية، وأطلق يد هذه الأخيرة في القمع كما هو واقع في مصر وتونس مثلا حيث تزدحم السجون وتطلق يد قوى القمع.
غير أن ذلك لم يمنع ظهور أصوات في الغرب ممثلة خاصة في الاتحاد الأوروبي حيث شرعت لجان متخصصة في تدارس مسألة فتح حوار مع الحركات الإسلامية المعتدلة مثل حماس والإخوان.
ومن جهة أخرى فإن مأزق الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان واستنزاف قواها في مناطق كثيرة من عالم الإسلام حيث تخوض معركتها المفتوحة على ما تسميه الإرهاب لم يترك لها بقية من قوة لفتح جبهات أخرى، فعمدت في المناطق الأقل أهمية إلى أسلوب الحرب بالوكالة كما في الصومال حيث يتفاقم المأزق الإثيوبي بتصاعد المقاومة.
إن توريط الدولة الأعظم للجنرال مشرف في حربها على أشباح الإرهاب انتهى بهذا الحليف إلى مأزق وزج بهذا البلد المهم فيما يشبه الحرب الأهلية، مما ينذر بحصول تحولات نوعية في أوضاعه قد تنتهي بتفكيكه وتدمير مشروعه النووي .
لأول مرة في تاريخ هذا البلد يتولى جيشه خوض حرب ضد مناطق شاسعة من ترابه، ويبلغ الحقد عليه حد ذبح جنوده كالنعاج، مشهد آخر من مشاهد العراق وأفغانستان والصومال، بما يؤكد حقيقة أن الاحتلال قوة تدمير لا تعمير.
إن تورط الدولة الأعظم في حربها العالمية على أشباح الإرهاب، وفر مزيدا من الفرص أمام تصاعد نفوذ قوى دولية أخرى وبخاصة روسيا والصين والهند، وجاء تصاعد أسعار النفط ليعزز تماسك الاتحاد الروسي وإصرار رئيسه الحازم -قائد الاستخبارات السوفياتية السابق- على استعادته موروث الاتحاد السوفياتي ووقف زحف القواعد الأميركية على مراكز نفوذه السابقة.
وذلك ما أعاد إلى العلاقات الدولية قدرا من أجواء الحرب الباردة من استقطاب وقعقعة السلاح، دون الوصول الكامل إليها.
لم يمنع ذلك أن هذه المناخات قد قدمت فرصا مناسبة لقوى المقاومة المسلحة والسياسية والاقتصادية في العراق وأفغانستان وإيران وسوريا وفي أميركا اللاتينية لالتقاط الأنفاس وتصعيد المقاومة والتحدي، لدرجة مبادرة رئيس فنزويلا الثائر هوغو شافيز إلى الدعوة لإقامة نظام اقتصادي دولي منافس للنظام الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومقابل تصاعد المأزق الأميركي في العراق ومعه مشاريع العلمنة التي يتسارع تدهورها حتى ما بقي يشدها غير نفوذ الدولة وأدواتها الأمنية والإعلامية والمالية، تسارع المد الإسلامي على كل المستويات الرشيد منها والمشوه بفعل الضغوط المتزايدة على قواه ، وإمعان الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات في العدوان على الإسلام وأهله وبذل دعم غير مجذوذ للكيان الصهيوني الغاصب وللدكتاتوريات المتوحشة في المنطقة.
إلا أنه بموازاة تصاعد المد الإسلامي تصاعدت موجات العداء والكيد للإسلام وبخاصة لمهاجريه ولرموزه، فبعد الفوز المحدود لليمين الألماني جاء فوز اليمين الفرنسي ساحقا، ومن جهة أخرى توالى سقوط رموز الضالعين في غزو العراق، توني بلير آخرهم حتى الآن.
تستمر بل وتتصاعد أزمة النظام العربي وتعويله المتزايد على أدوات القمع وبيع ما تبقى من مقومات الاستقلال الاقتصادي والسياسي والأمني ثمنا لبقائه، ويتفاقم عجزه عن الاستجابة الناجحة للتحديات التي تواجه شعوبه سواء على صعيد القضايا الاجتماعية والسياسية حيث يتسارع نهب المال العام وانحصار الثروة والحكم في أيدي أسر قليلة حول الحاكم.
يضاف إلى ذلك الاتجاه المتسارع للدولة إلى الانسحاب من دورها الاجتماعي فتدهورت الخدمات التعليمية والصحية والتهبت الأسعار وتمددت العشوائيات، فكان من ذلك تصاعد حركات الاحتجاج العمالي في مصر مثلا وتونس، وكذا تسارع انسحابها من قضايا الأمة الكبرى مثل قضية فلسطين خضوعا للضغوط الأميركية.
وهذا ما يفقد النظام العربي ركائز الشرعية: تقديم الخدمة وتحقيق العدل والدفاع عن مقومات الأمن القومي للأمة، ويرشحه لتفاقم الأزمات ومختلف الاضطرابات والصراعات على أكثر من صعيد بين جماعاته أحزابا وطوائف وقبائل وبين الشعوب وحكامها وبين الحكام بعضهم ببعض.
وما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال من تمزق وشبه تحارب أهلي نماذج مرشحة للتمدد، إلا إذا نجحت قوى المقاومة والمعارضة الجادة بمختلف اتجاهاتها الإسلامية والعلمانية في أن تلتقي على كلمة سواء نضالا ميدانيا من أجل استدراك ما فات شعوبنا من الاشتراك في المسار الكوني للتحولات التحررية الديمقراطية.
مؤشرات كثيرة تشهد أن مراجل القلوب تغلي والصبر إلى نفاد، فهل تستجيب النخب لنداء شعوبها؟
(*) كاتب تونسي
(المصدر: ركن المعرفة بموقع « الجزيرة » (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 فيفري 2008)
حول بناء الكنائس في مجتمع مسلم.. إشكالية الوعي بالآخر
دولة من وراء جُـدر
بقلم: خالد شوكات (*)
لو كان قادة دولة إسرائيل يفقهون دروس التاريخ والجغرافيا، لماتوا خجلا من « الجدار » الحقيقي الذي أقاموه بموازاة حدود الضفة الغربية، و »الجدار » الحلم الذي ينوون إقامته على الحدود مع سيناء المصرية، وربما « جدر » أخرى على خط التماس مع سوريا والأردن ولبنان، وهي « جدر » حقيقية على أية حال، أسلاك شائكة أو كلاب حراسة.
التاريخ يحدث أن اليهود احتموا سابقا وراء الجدران، لكنها لم تمنع تهديم الرومان لها على رؤوسهم، وإنهاء دولتهم التي لم تعمر طويلا، والتاريخ يحدث أيضا أن جدران دولة سليمان لم تصمد أمام جحافل نبوخذنصر، وأن السبي الكبير كان نتاجا لاحقا، والتاريخ سيحدث أن جدران الضفة أو سيناء أو غيرها، لن تحمي دولة مصرة على أن تكون عنصرية، ومصرة على أن تستمر بالقوة، وليست هناك دولة في التاريخ استمرت بالقوة فحسب.
فقه الجغرافيا أيضا، يعوز قادة الدولة العبرية، فالأسوار مهما كانت حصينة لم تمنع حركة البشر وإرادة الناس، والجدران دليل عزلة مهينة، ليست عزلة جغرافية فحسب، بل عزلة نفسية ووجدانية وثقافية وسياسية، عزلة قابلة للتكثف والتراكم حتى تنتهي بالمعزول إلى التلاشي والذوبان، بالضرورة في وسط جغرافيا المحيط الأكبر، وهو محيط عربي إسلامي بالضرورة.
هذا الكلام لا يردده غوغائي عربي، غزت عقله وقلبه شعارات الصمود والمقاومة،التي غالبا ما لم تستند في الممارسة إلى ما يصدقها، بل هو حصيلة تحليل عقلاني لسيرة دولة قامت على الاغتصاب، وليست إسرائيل أول دولة قامت على الاغتصاب، فمن التاريخ القريب جدا ثمة دولة « الابرتياد » الجنوب-أفريقية، التي لو لا حكمة نيلسون مانديلا فيها، لكان البيض معها مادة انتقام ثلاثة قرون من التمييز العنصري البغيض، وثمة أيضا الدولة الفرنسية التي أقامت في الجزائر أكثر من مائة عام، تحول فيها المواطنون الأصليون إلى مواطنين من درجة ثانية وثالثة، وانتهت برغم القوة الباطشة إلى هزيمة مهينة.
هذا الكلام كذلك، قاله بطرق متعددة بعض قادة إسرائيل، من قبيل إبراهام بورغ رئيس الكنيست السابق، الذي صدع في لحظات شجاعة بما يعجز رؤوس الحركة الصهيونية عن فهمه، أو بالأحرى عن الرغبة في فهمه، فقد كتب القيادي العمالي قبل سنوات أن إسرائيل ستنتهي كدولة في غضون خمسة وعشرين عاما إذا ما واصلت السير في طريق سياستها الحالية، أي سياسة التنكيل بالشعب الفلسطيني ونكران الحد الأدنى من حقوقه.
إسرائيل تثبت كل يوم أنها تريد الأمن والأرض معا بلا مقابل، و تحاول آلتها الدعائية أن تصور أصل الشر ومصدر الإرهاب حركة حماس، و قد كانت سنة 1948 تصور الحكومات العربية كذلك، و في سنة 1967 انتقلت الصفة إلى عبد الناصر، ولاحقا إلى فصائل منظمة التحرير، ولا شك أنها ستجد باستمرار ما وسعها التاريخ من تلصق به هذه الصفة.
لست أدري شخصيا، ولا حتى أشد أنصار السلام والحوار في العالم العربي، ما هو برنامج إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وهل أن على هؤلاء مثلا أن يقبلوا العيش في أرضهم وأرض أبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم عبيدا محاصرين ومحرومين جوعى بلا كرامة، وأن يسلموا لغرباء جمعوا من شتى أصقاع الأرض تحت تأثير أسطورة عمرها ثلاثة آلاف عام، وبتواطؤ قوى دولية ضعف ضميرها، ففرطت في أمانة وتنازلت عما ليس في ملكها أصلا.
الإسرائيليون يعتمدون في وجود دولتهم منذ إقامتها قبل ستين عاما، على القوة، ثم القوة المكررة، ثم القوة المفرطة، ولا شيء غير ذلك، وهم لا يزالون يعتقدون أنهم بالقوة يحلون مشاكلهم، وليست ثمة دولة واحدة في العالم المعاصر مثل إسرائيل، اعتمادا على القوة في تأسيسها واستمرارها، والحق أن القوة أكبر دليل على الضعف، وأن القوة أكبر دليل على التلاشي، لأن كل قوة إلى الضعف مرجعها، وفي بقية البلدان تضعف الأنظمة وتسقط لكن الدول باقية، أما في إسرائيل فإن ضعف النظام أو سقوطه سيعني نهاية الدولة ذاتها.
يتحدث قادة الدولة العبرية اليوم عن اجتياح غزة وإنهاء دويلة حماس، والحق أن اجتياح غزة لا يخيف الفلسطينيين بقدر ما يخيف أعداءهم، وقد جرب الفلسطينيون العيش في ظل الاحتلال مثلما لم يجرب أي شعب آخر، وليس لديهم كغيرهم ما يخسرون، كما خبروا مقاومة الاحتلال أكثر من خبرتهم أي حرفة أخرى، وفي النهاية فإنه ليس لديهم ما يخسرون، إنما الإسرائيليون هم من فر قبل سنين خارج أي أطر اتفاقية.
والاسرائيليون الذي أقاموا كيانهم السياسي على عقيدة احتقارية للآخر، عنصرية تجاهه، يظنون أنهم يمنون على منظمة التحرير والفلسطينيين إذ وقعوا معهم « أوسلو » و سلموهم كنتونات للإشراف عليها، وكان ظنهم أن على الزعيم الراحل عرفات ومن سار على دربه، أن يتحول إلى شرطي يقمع طموحات شعبه « غير المشروعة »، وأن عليه أن ينتظر وينتظر وينتظر حتى تتكرم عليه تل أبيب بجرعة إضافية، وغالب الظن أنه إذا سكت من باب الاعتدال السياسي، فإنه لن يمنح شيئا، وسيجد العبرانيون من الأعذار دائما ما يبرر لهم كل عنجهية وعنصرية وعدوانية.
الصهيونية أديولوجية عنصرية قائمة على عقدة مرضية، حولت اليهود الذين اعتنقوها من الناحية النفسية والعقلية إلى حالات مرضية، يعيشون على كراهية الآخر بدل محبة الإنسان، وعلى الخوف من كل شيء وفي كل زمن، وإلا أي حياة هذه التي لا يمكن أن تستمر إلا بحمل المدنيين للسلاح، وبتلقين النشء الحقد المقدس والكراهية العمياء والشك في كل الأشياء، وما دامت إسرائيل مصرة دستورا وسياسة على أن تظل الصهيونية عقيدتها الرسمية، فإن حكمها سيكون حكم كل ايديولوجية مرضية، نهايتها نهاية كل أمر غير طبيعي في الوجود.
القوة إذا دليل على فشل المشروع الصهيوني، والعدد أيضا دليل آخر، فثلاثة أرباع اليهود ما يزالون غير إسرائيليين، وخمس مواطني الدولة العبرية، وإن كانوا مواطنين من درجة ثانية، ليسوا يهودا، ولا حتى روسا أو فلاشا، بل عربا فلسطينيين، والذين صمدوا في وجه المذابح وجرائم الإبادة في حروب التطهير العرقية، أضحوا اليوم إجمالا أكثر من نصف ساكنة فلسطين التاريخية، وبعد عشرين عاما سيكونون أكثرية، والمهاجرون الإسرائيليون أو المنحدرون من نسلهم أقلية، وستتحول المعركة إلى ما
يشبه تماما، ما كان قائما في جنوب أفريقيا العنصرية.
نعود ختاما إلى التاريخ كما بدأنا، فإسرائيل المقامة في فلسطين ليست أول تجربة استيطانية لليهود الصهاينة، أو غير الصهاينة، فقد سبق لهؤلاء المسكونين بعقدة « الدونية » رغم قوتهم، أن أقاموا مستوطنات في قارات العالم الخمس، انتهت جميعها إلى الانهيار والفناء، لأن أساسها كان بغيضا ومرضيا.
التاريخ يؤكد أن الدول التي تقوم على أساس عقيدة عسكرية تعتمد على القوة في حركتها، تسقط في حدود قرن على أقصى تقدير، وقد سبق لمملكة القدس الصليبية أن استمرت ما يقارب تسعين عاما ثم انتهت بعد ذلك، فالأجيال في الشعب والقيادة عادة ما تفتقد وهج العقيدة بالتدريج مع تعاقبها، والجندي الإسرائيلي الذي حارب في صفوف الكهانا ليس هو الجندي الذي حارب قبل أشهر في غزة أو جنوب لبنان، ولن يكون الجندي الذي سيجتاح غزة أو غيرها بعد غد، فالجنود المتأخرون غير المؤسسين، وجنود الانترنت والنوادي الليلية، ليسوا أولئك الذين عانوا في معتقلات النازية.
فلتطغى إسرائيل إذن ولتتجبر، ولتقصف المدنيين العزل، الأطفال والشيوخ والنساء، ولتقطع الكهرباء والماء حتى يفنى الرضع والحدج في الحاضنات لنقص الغذاء والدواء، ولتغتال من قادة الفلسطينيين من تشاء، بالسم أو بالقصف الغادر أو بالقنص الجبان أو بالإفناء، ولتلعب على أوتار الانقسام العربي والهون الأممي وغياب الضمير الغربي، فكل ذلك لن يضمن مستقبلا ولن ينسي مطالبا بحقه ولن يقنع أحدا بأن فلسطين كانت يوما بلا شعب..دولة من وراء جدر، دولة بلا جدر ومشروع خاسر بلا جدارة.
(*) كاتب تونسي
(المصدر: موقع « إيـلاف » (بريطانيا) بتاريخ 14 فيفري 2008)
المصافحة (أو من بلفور إلى سركوزي)
حزب الله يتلقى ضربة قوية بمقتل أسطورته
بيروت (رويترز) – قال محللون ومصادر سياسية يوم الاربعاء ان حزب الله تلقى ضربة موجعة بمقتل عماد مغنية لكن الحزب لا يرجح ان يرد بشكل فوري. واتهم حزب الله المدعوم من سوريا وايران اسرائيل باغتيال مغنية لكن الدولة العبرية نفت اي دور لها. ويعتبر مغنية اسطورة من قبل انصاره والعقل المدبر لعمليات ارهابية من قبل اعدائه. وكان مغنية على رأس قائمة المطلوبين في الولايات المتحدة قبل ظهور اسامة بن لادن كعدو أول للولايات المتحدة. وقتل مغنية في انفجار قنبلة زرعت في سيارته في دمشق قبيل منتصف ليل الثلاثاء. والقيت عليه اللائمة في هجمات على اسرائيل واهداف غربية ترجع الى اوائل الثمانينيات. وقال تيمور جوكسل المحاضر في الشؤون الامنية في الجامعة الامريكية في بيروت لرويترز « انها ضربة اساسية لانه كان اسما كبيرا. كان اسطورة في حزب الله واكثر من ذلك انها ضربة للهيبة. » واتسمت حركة مغنية بالسرية التامة لاكثر من عقدين من الزمن وانحصرت حركته بشكل اساسي بين بيروت ودمشق وطهران. وكانت تحركاته تحاط بسرية حتى عن المسؤولين البارزين في حزب الله. كتبت عنه اساطير وقال البعض انه خضع لعمليات جراحية لتغيير ملامحه وقال اخرون انه لم تلتقط له صورة منذ 25 عاما. لكن حزب الله نشر يوم الاربعاء صورته التي تظهر الرجل البالغ 45 عاما بشعره الابيض يرتدي زيا قتاليا. وقال ماجنوس رانستروب خبير مكافحة الارهاب بالجامعة السويدية للدفاع القومي بستوكهولم » لعدة سنوات كانت فرق تبحث عنه محاولة ان تجعله يدفع ثمن لائحة الهجمات المنسوبة اليه. » لكن بينما اختلف المحللون حول متى سوف يتم رد حزب الله ضد اسرائيل لمقتل الرجل الذي لعب دورا قياديا أساسيا خلال الحرب مع اسرائيل عام 2006 قال مصدر سياسي لبناني بارز ان الرد لن يكون في الوقت الحالي. وقال المصدر « الرد سوف يعني تغييرا في قواعد لعبة المواجهة مع اسرائيل. مثل هذه القرارات بحاجة لاتخاذها دون انفعال لذلك لن يكون هناك تسرع بالرد. » ويعتقد ان مغنية كان يقود منظمة الجهاد الاسلامي الموالية لايران التي يعتقد على نطاق واسع أن لها علاقة بحزب الله. والقيت عليه اللائمة في الهجوم على السفارة الامريكية وعلى ثكنة لمشاة البحرية الامريكية وكذلك الهجوم على قاعدة قوات حفظ سلام فرنسية في بيروت عام 1983 مما أسفر عن سقوط اكثر من 350 قتيلا. كما وجه الاتهام لمغنية فيما يتصل بتفجير السفارة الاسرائيلية في العاصمة الارجنتينية عام 1992 وخطف غربيين في لبنان في الثمانينيات. واصدرت الولايات المتحدة لائحة اتهام ضده بالتخطيط والمشاركة في خطف طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية العالمية (تي.دبليو.ايه) في 14 يونيو حزيران عام 1985 وقتل امريكي. وكان ينبغي ان تكون دمشق حليفة حزب الله مكانا آمنا لمغنية لكن مقتله اظهر اختراقا امنيا كبيرا في البلد الذي يأوي رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) خالد مشعل واعداء اخرين لاسرائيل. وقال الصحفي السوري ثابت سالم انه ليس سرا ان خرقا للامن قد حصل. مغنية كان هدفا بذلت جهود كبيرة لرصده ورصد تحركاته. وقال جوكسل ان احساسا خاطئا بالامان في دمشق ربما قاد مغنية الى التخلي عن حذره. اضاف « يشعر المرء انه كان يحس بارتياح اكبر في المحيط السوري. » مشيرا الى ان اسرائيل اول المشتبه بهم. ويستبعد محللون فكرة ان مغنية قتل على يد اي من حلفائه. وقال جوكسل « انها عملية كبيرة خرق الاجواء الامنية السورية خرق تحركات هذا الشخص والتخطيط والقيام بالهجوم في دمشق ليست عملية هواة. » مضيفا ان مثل هذه الاغتيالات هي اختصاص اسرائيلي وليس للمخابرات الامريكية. وايا كان من قام بعملية الاغتيال فان الجهات المنفذة لن تسارع باعلان مسؤوليتها عن العملية. وقال رانستروب « لن يقر اي من الاطراف المشتبه بها –اسرائيل والولايات المتحدة– بارتكابها. الادارة الامريكية سوف تحتفل .. الاسرائيليون لن يتبنوا المسؤولية. انهم يجعلون الامور تحدث. » من نديم لادقي (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 14 فيفري 2008)
ثمنها إبعاد مقصلة المحكمة الدولية عن الرؤوس الكبيرة واستئناف مفاوضات الجولان
صفقة سورية مع »سي.آي.ايه« و»الموساد« أطاحت رأس عماد مغنية وقد تطال نصرالله!
لندن – كتب حميد غريافي
قالت اوساط استخبارية بريطانية في لندن امس انه من المبكر جدا معرفة الطرف الحقيقي الذي اغتال »عقل حزب الله الاستخباري« عماد مغنية في دمشق اول من امس لأن دولا كثيرة ادرجته على لوائح ارهابها منذ مطلع الثمانينات بعدما اكتوت بنيران عملياته النوعية الارهابية ابتداء من تخطيطه وتنفيذه تدمير مقر »المارينز« والسفارة الاميركيين في بيروت عام 1983 واختطاف طائرات اميركية وقتل بعض ركابها, مرورا بقيادته عمليات اختطاف الرهائن الغربيين في لبنان خلال الاعوام اللاحقة وبتدمير المعبد اليهودي في بيونس ارس الارجنتينية وعمليات اخرى في انحاء مختلفة من العالم, وصولا الى قيادته فرقة من الحرس الثوري الايراني في حرب يوليو 2006 دمرت بصواريخها المتطورة رتلا من دبابات ميركافا الاسرائيلية في مثلث بنت جبيل – عيناتا – عيطرون في جنوب لبنان في الايام الاخيرة لتلك الحرب, ما ادى الى الحاق هزيمة بالجيش العبري قلما تعرض لها.
واعربت الاوساط لـ « السياسة » عن اعتقادها الا تعلن اي جهة مسؤوليتها عن اغتيال مغنية علما ان تل ابيب سارعت الى نفي ضلوعها في الاغتيال, رغم انها احد المستفيدين الاولين من الاغتيال بالاضافة الى الاستخبارات الاميركية »سي آي اي« التي تطارد مع الموساد الاسرائيلي منذ نيف وعقدين من الزمن هذا القائد الارهابي الدولي الذي لا يقل شأنا عن كارلوس واسامة بن لادن, معتبرة ان المشكلة »لا تكمن في الجهة التي اغتالته, بل في الدور السوري المشبوه في العملية التي وقعت على بعد عشرات الامتار من خمسة مراكز اساسية للاستخبارات السورية تنتشر في انحاء الحي الراقي الذي تسكنه النخبة ومن المفترض ان يكون مراقبا ومحميا بدقة«.
واعطت الاوساط تقديرات اولية حسب خبراتها الاستخبارية, فلم تستبعد ان تكون الحكومة السورية »عقدت صفقة مع واشنطن او تل ابيب او مع كليهما معا, سلمتهما بموجبها رأس مغنية مقابل ثمن كبير بسبب »اهمية الطريدة وخطورتها«, كما لا يستبعد ان تكون الصفقة مع الاستخبارات الاميركية تشمل تحييد رؤوس كبيرة سياسية وأمنية سورية عن مقصلة المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري التي بدأت تذر قرنيها بوضوح واشرفت الامم المتحدة عن الاعلان عن بدء جلساتها خلال الاشهر الاربعة المقبلة, كما يمكن ان تكون الصفقة السورية مع الاسرائيليين متعلقة باستئناف المفاوضات حول مرتفعات الجولان مع ايهود اولمرت بعد تحييد واشنطن الممانعة حتى الآن عن الموضوع«.
وقالت الاوساط ل¯ »السياسة«: »سواء كان الاميركيون او الاسرائيليون وراء العملية, فالمهم والاخطر في الموضوع ان استخباراتهم دخلت غرفة نوم مدير الاستخبارات السوري آصف شوكت بشكل لم يسبق له مثيل, الا ان سؤالنا الاوحد الآن هو: هل عنوة ام ان شوكت فتحها لها بنفسه عبر تلك الصفقة?«.
وابدت الاوساط الاستخبارية البريطانية قلقها من »ان تكون الصفقة اكبر من اغتيال مغنية بسبب الاهمية التي تعلقها دمشق على المحكمة الدولية خصيصا, قبل مسألة المفاوضات مع اسرائيل لاستعادة الجولان, »حيث قد تكون تشمل رأسا آخر هو رأس الامين العام لحزب الله حسن نصرالله المطلوب هو الآخر من الاميركيين والاسرائيليين«, وقالت: »لو كنا مكان الاميركيين لما اكتفينا فقط بتصفية مغنية مقابل ابعاد المحكمة الدولية عن عنق آصف شوكت وبشار الاسد وعدد من المقربين اليهما, بل لكنا طالبنا بثمن اكبر لا يقل عن حسن نصرالله, وكذلك بالنسبة للاسرائيليين اذا كانوا وافقوا فعلا على اعادة الجولان.
(المصدر: صحيفة « السياسة » (يومية – الكويت) الصادرة يوم 13 فيفري 2008)
عماد مغنية.. « المجاهد الشبح« !
بقلم: محمد جمال عرفة
لا أحد يعرف كيف قتلوه وفخخوا سيارته على الرغم من أنهم لا يعرفون شكله الذي غيره عدة مرات بعمليات جراحية وتمويه، ولا يظهر أصلا بصورة إعلامية؟ ولا أحد يعرف من قتله على وجه الدقة، هل هي المخابرات الإسرائيلية التي تتبرأ من ذلك ولكنها تسمي قتله إنجازا؟ أم الأمريكيون الذين رصدوا مكافأة لاصطياده منذ سنوات بسبب ما فعله بهم في بيروت وغيرها؟ أم هما معا؟
إنه اللبناني الشيعي « عماد مغنية » أو « علي نوري زاده » أو « الحاج عماد » كما يطلقون عليه، والذي قتل في أحد أحياء دمشق، ولكن تاريخ حياته واختفاءه المستمر وغموض شخصيته أعطاه أسماء أخرى، منها: « الثعلب » كما يطلق عليه الإيرانيون، و »الحاج عماد » كما يطلق عليه حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني، و »بن لادن الشيعي » كما يسمونه في إسرائيل، أو « القاتل الأكبر » وفق التسمية الأمريكية، ويطلق عليه أيضا أسماء « الثعلب » و »رجل الظل« .
ولكن لأنه « مجاهد » بدأ حياته في تنظيم الجهاد الإسلامي لقتال الأمريكان والصهاينة، كما أنه ظل طوال حياته « شبحا » يعجز أعداؤه عن كشفه أو اصطياده، فأفضل تسمية يمكن أن نطلقها عليه هي « المجاهد الشبح« .
ولد « عماد فايز مغنية » في مدينة صور بالجنوب اللبناني، في بيت مزارع لبناني شيعي في 12 يوليو عام 1962، وانتقلت عائلته التي تتكون من والدته ووالده وأخويه جهاد وفؤاد لاحقا، إلى الضاحية في جنوب بيروت، وتعلم عماد مغنية هناك في مدارس لبنانية خلال المرحلة الإعدادية والثانوية، وعندما نضج درس لفترة قصيرة في الجامعة الأمريكية في بيروت.
وقد قُتل شقيقه جهاد في 1985، إبان محاولة لاغتيال فضل الله الذي حل مغنية في حراسته محل أخيه الأكبر، وما لبث أن اغتيل الشقيق الثاني فؤاد بمتفجرة إسرائيلية كان المقصود بها عماد.
الابن الروحي لـ »علي شريعتي »؟
بدأ اسم « مغنية » يلمع قبل قيام الثورة الإيرانية 1979 بعدة سنين، عندما صدر كتاب لرجل الدين اللبناني « جواد مغنية » يتضمن آراء الدكتور علي شريعتي المفكر الإيراني، الذي وضع الحجر الأساسي للثورة الإيرانية في الوسط الجامعي والديني في إيران، حيث أصبح اسم « مغنية » مرتبطا باسم شريعتي في عقول وقلوب الإيرانيين والشيعة في لبنان.
ولم يكن « عماد » و »جواد » بينهما أي صلة قرابة، ولكن ما جلب هذه الصلة في عقول الإيرانيين والشيعة أن إحدى الصحف نشرت صورة جواد مغنية مكتوبا تحتها « والد المناضل الثوري اللبناني عماد مغنية ». وهو ما جعل عماد فايز مغنية الابن البار لسلالة دينية بارزة في شرق لبنان والابن الروحي لعلي شريعتي في عقول الشباب الإيراني، حتى تبين للإيرانيين الحقيقة وأن عماد ليس ابن جواد، وأنه لبناني مسلم شيعي تأثر بالثورة الإيرانية، عندما بدأت أنشطة « عماد » في اختطاف الطائرات والمواطنين الغربيين خلال الاضطرابات السياسية في لبنان في الثمانينيات تدوي وتنشر له سيرة ذاتية حقيقية.
ومع هذا فقد استمرت هذه الرابطة بين عماد وبين إيران بعدما أصبح هو بالفعل حلقة ربط بين إيران وحزب الله اللبناني.
كان مغنية أحد المتعاونين مع « القوة 17 » التابعة لحركة فتح، وهي القوة العسكرية الخاصة، التي كانت تتولى حماية قيادات حركة فتح مثل « أبو عمار، أبو جهاد، أبو إياد »، ولعب مغنية دورا في عملية نقل سلاح « فتح » إلى المقاومة اللبنانية، ممثلة بـ »حركة أمل » و »حزب الله » بعد أن اضطرت حركة « فتح » إلى مغادرة بيروت، إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.
وبعد حصار بيروت، الذي دام ما يقرب من ثلاثة أشهر وخروج فتح ومنظمة التحرير من لبنان، انتقل مغنية للعمل في صفوف «حركة أمل»، ثم انتقل للعمل ضمن صفوف «حزب الله»، وذلك بالتزامن مع انتقال حسن نصر الله من صفوف «حركة أمل» إلى «حزب الله».
وقبل انخراطه في حزب الله الذي تأسس عام 1985، قام مغنية في عام 1982 بثلاث عمليات، جعلته في صدارة قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة وفرنسا؛ هي: تفجير السفارة الأمريكية في بيروت في أبريل 1983 والتي أسفرت عن مقتل 63 أمريكيا ولبنانيا، وتفجير مقر قوات المارينز الأمريكية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أمريكيا، وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في البقاع، والذي أسفر عن مقتل 58 فرنسيا.
ومنذ انخراط عماد في «حزب الله» بعد بضعة أشهر فقط من تأسيس الحركة، عينه أحد قياديي الحرس في لبنان، وهو « أحمد متوسليان » مسئولا عن استخبارات «حزب الله» في بيروت، وعقب اختطاف « متوسليان » فيما بعد من قبل القوات اللبنانية مع القائم بالأعمال الإيراني محسن موسوي ومراسل وكالة الأنباء الإيرانية كاظم إخوان وسائق السفارة الإيرانية وقول الدكتور سمير جعجع إن أيلي حبيقة قائد القوات اللبنانية حينئذ أمر بقتلهم، بدأ نجم « مغنية » يلمع أكثر.
وقد عمل مغنية لفترة مسئولا عن الأمن الشخصي للزعيم الروحي لـ«حزب الله» حسين فضل الله، إلا أنه لاحقا وبسبب المهارات غير العادية التي يتمتع بها في التخطيط الميداني والقيادة، بات مسئولا عن العمليات الخاصة لـ«حزب الله» ما جعله المطلوب الأكثر إلحاحا لدى الأمريكان والصهاينة.
وكان مغنية يمتلك جوازات لبنانية وسورية وإيرانية وباكستانية، كما أنه غير ملامح وجهه عدة مرات، ما سهل له القيام بعدة عمليات في الخارج أيضا، منها تخطيط وتنفيذ سلسلة من العمليات في الأرجنتين في التسعينيات، من بينها تفجير مركز يهودي عام 1994 في بوينس أيرس، أودى بحياة 85 شخصا، ويقال إنه شارك في تفجير الخبر بالسعودية 1996، حيث قتل 19 عسكريا أمريكيا، ولذلك تصفه المصادر الأمريكية بأنه أكبر شخص على كوكب الأرض قتل أمريكيين، كما أنه كان مطلوبا في 42 دولة، ورصدت جائزة لرأسه بلغت 5 ملايين دولار.
ووفقا لمصادر غير مؤكدة، فقد قضى « مغنية » فترة ما بين 1997 وغزو العراق 2003، بين أفغانستان وسوريا ولبنان وباكستان وشمال العراق، وساعد على انتقال كبار قيادات «القاعدة» من أفغانستان إلى إيران.
وفي عام 2005 – وفق جريدة الشرق الأوسط – عُهدت إليه مسئولية تنظيم العلاقات بين فصائل الشيعة المسلحة في جنوب العراق، ومن ثم تسلم مهمة المشرف الميداني على مراكز استخبارات الحرس الثوري في جنوب العراق، وفي العام نفسه 2005، توجه عماد إلى لبنان عبر سوريا، برفقة بعض المسئولين الإيرانيين هذه المرة تحت اسم سيد مهدي هاشمي، إيراني الجنسية، حاملا جواز سفر دبلوماسي.
وأوائل عام 2006 شوهد عماد فايز مغنية في البصرة بالعراق، ويقال إنه كان مسئولا عن تنظيم سفر مقاتلي «جيش المهدي» إلى إيران، للمشاركة في دورات التدريب، وفي أبريل الماضي، تردد أن مغنية عاد إلى لبنان، حيث تسلم مهمة رفيعة في جهاز استخبارات «حزب الله»، ووفقا لمزاعم لمصادر إسرائيلية، فإنه أعد خطة خطف الجنديين الإسرائيليين بناء على تعليمات صادرة من قبل استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وأن ثمانية أجهزة استخباراتية إسرائيلية عجزت عن اختراق « حزب الله » وعرقلة نشاط عماد مغنية.
والغريب أن أخبار مغنية بدأت تظهر مؤخرا على الرغم من استمرار اختفائه بصورة تبعث على التساؤل عن مصدرها.. فالزعيم اللبناني وليد جنبلاط قال قبل فترة: « إن المعلّم الأساسي للسيد حسن ( نصر الله) هو عماد مغنية »، ثم عاد – خلال التوتر الأخير في لبنان – ليقول إنه ربما الجهاز الأمني لدى « حزب الله » أو ما يسمى عماد مغنية متورط في بعض « الجرائم »، مضيفا: « رأينا كيف قدموا يوم اغتيال (النائب) جبران تويني الحلوى في بعض المناطق« .
أيضا نقلت صحيفة « صنداي تايمز » في أبريل الماضي، عن خبراء أمنيين ومسئول أمريكي سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، قولهم إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حضر لقاء في سوريا مطلع هذا العام مع مغنية، وقالت الصحيفة: « إن مسئولين أمريكيين ومصادر في الاستخبارات الإسرائيلية يعتقدون أن مغنية بوصفه قائد العمليات الخارجية في حزب الله اللبناني، تولى مسئولية تدبير الرد الإيراني ضد أهداف غربية، إذا أمر الرئيس الأمريكي جورج بوش بضرب المنشآت النووية الإيرانية« .
وأضافت أن: مغنية سافر في يناير الماضي مع أحمدي نجاد من طهران إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى الرئيس الإيراني قادة « حزب الله ». وجاء النشاط المتزايد لمغنية مؤخرا وارتباط اسمه بخطط مواجهة أمريكا في المنطقة في حالة القيام بغزو لإيران، فضلا عن ارتباط اسمه بعمليتي خطف الجنديين الإسرائيليين، فضلا عن نشاطه السابق، ليثير علامات استفهام حول اختراق ما أو رصد مكثف، أو تجسس بتقنية عالية على أنشطته، ليجري اصطياد هذا المجاهد الشبح في سوريا، وتنتهي أسطورة أحد أبرز مقضِّي مضاجع الأمريكان والإسرائيليين.
(المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 13 فيفري 2008)