الخميس، 14 فبراير 2008

Home – Accueil

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2822 du 14.02.2008
 archives : www.tunisnews.net
 

 


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين محاكمات جديدة ..و الدفاع ينسق صفوفه استعدادا لجلسة  » قضية سليمان « ..! لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس: المديرة ناجية العياشي تحرم الطالبة تقوى بن عمار من إجتياز الإمتحانات الحزب الديمقراطي التقدمي جامعة قفصة: بــيــا ن اللجنة العربية لحقوق الإنسان: وثيقة تنظيم الرقابة على السمعي البصري الناطق بالعربية « آفـاق: المعارض التونسي نجيب الشابي يعلن ترشحه رسميا لانتخابات الرئاسة المقبلة عكس السير: نكتة حول الرئيس تقود « كوميديان تونسي » للسجن الشروق:تأخير قضيّة «مجموعة سليمان الارهابية»: النيابة العمومية تنتقد الحكم الابتدائي وتطلب الإعدام لعشرين متهما الطريق الجديد: تمرير مشروع قانون التعليم العالي الطريق الجديد: لقاء حميم لحركة التجديد بمواطني أم العرائس صحيفة « مواطنون »: الهجرة المقننة نحو ايطاليا:  تطبيق اتفاقيتها يتعثر وبعض برامجها « تخفي مشاريع تنصيرية » أحمد قعلول: ماذا بقي من السابع من نوفمبر؟ مستقبل الدولة في تونس الطاهر العبيدي: الصحافة التونسية: مسافات بين الماضي والحاضر محمد بوعود: شركة فسفاط  قفصة وحوار الحضارات عادل القادري: في منتدى التقدم –  تحديات الحركة النقابية في عصر العولمة (2 ) مراد رقية: المصادقة في مجلس النواب التونسي على القانون التوجيهي للتعليم العالي اغتيال للجامعة التونسية في سنة الخمسينية؟؟؟ سفيان الشّورابي: الحليب في تونس – لماذا ارتفع سعره بهذه السرعة؟ نصر الدّين بن حديد: ردّا على ما كتبه عنّي زياد الهاني:صبري سؤال واعترافك قائم… محمـد العـروسـي الهانـي: حرية الرأي والتعبير لا يمكن تقيدها ولا مجال للتسلط على حرية الرأي والتعبير من أي طرف… راشد الغنوشي: ما آثار هزيمة الغارة الأميركية على العراق؟ صلاح الجورشي: حول بناء الكنائس في مجتمع مسلم.. إشكالية الوعي بالآخر خالد شوكات: دولة من وراء جُـدر عبدالحميد العدّاسي: المصافحة (أو من بلفور إلى سركوزي) رويترز: حزب الله يتلقى ضربة قوية بمقتل أسطورته السياسة: صفقة سورية مع »سي.آي.ايه« و»الموساد« أطاحت رأس عماد مغنية وقد تطال نصرالله! محمد جمال عرفة: عماد مغنية.. « المجاهد الشبح »!

 


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)

 


أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين لا تزال معاناتهم وماساة عائلاتهم متواصلة بدون انقطاع منذ ما يقارب العقدين. نسأل الله لهم وللمئات من الشبان الذين اعتقلوا في العامين الماضيين ف رجا قريبا عاجلا- آمين  

21- رضا عيسى

22- الصادق العكاري

23- هشام بنور

24- منير غيث

25- بشير رمضان

16- وحيد السرايري

17-  بوراوي مخلوف

18- وصفي الزغلامي

19- عبدالباسط الصليعي

20- لطفي الداسي

11-  كمال الغضبان

12- منير الحناشي

13- بشير اللواتي

14-  محمد نجيب اللواتي

15- الشاذلي النقاش/.

6- منذر البجاوي

7- الياس بن رمضان

8- عبد النبي بن رابح

9- الهادي الغالي

10- حسين الغضبان

1 الصادق شورو

2- ابراهيم الدريدي

3- رضا البوكادي

4-نورالدين العرباوي

5- الكريم بعلوش


 

إذا عُـرف السبب (الحقيقي) لسجن « ولد باب الله » بـطُـل الـعـجـب!

 

اضغط على هذه الوصلة الصوتية واستمع إلى ما حدث في حفل أقامه نادي الروتاري بصفاقس :

http://www.zshare.net/audio/74365869e8a6db


“ أطلقوا  سراح جميع المساجين السياسيين “   “الحرية للصحفي المنفي في وطنه عبدالله الزواري“ الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 43 نهج الجزيرة تونس e-mail: aispptunisie@yahoo.fr   تونس في 14 فيفري 2008   كشف الحساب..لقضاء .. »يكافح الإرهاب  » ..! :

محاكمات جديدة .. و الدفاع ينسق صفوفه استعدادا لجلسة  » قضية سليمان « ..!

 

 
    * نظرت الدائرة الجنائية الثانية  بالمحكمة الإبتدائية بتونس برئاسة القاضي  عبد الرزاق بن منا  اليوم الخميس 14 فيفري  2008 في : *   القضية عدد 13887 التي يحال فيها كل من : مكرم مادي و محمد أمين التليلي و الشاذلي نوار و أيمن الجبالي و سليم الرايسي بتهم الإنضمام داخل تراب الجمهورية إلى وفاق اتخذ من الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضه و استعمال تراب الجمهورية لانتداب مجموعة من الأشخاص بقصد ارتكاب عمل إرهابي داخله ، و قد  تولى الترافع دفاعا عنهم  الأساتذة :  محمد سامي الطريقي ( نيابة عن الأستاذة سعيدة العكرمي ) و سمير بن عمر و علي الدخلاوي    ، و بينوا بالخصوص بطلان الإجراءات لانبنائها على محاضر انتزع مضمونها تحت التعذيب و لتزوير تواريخ الإيقاف و لعدم دستورية قانون 10ديسمبر 2003  » لمكافحة الإرهاب  » ، و إثرها أعلنت هيئة المحكمة ختم الترافع في القضية و حجزها للمفاوضة و التصريح بالحكم إثر الجلسة ، و ينتظر صدور الأحكام في ساعة متأخرة من مساء اليوم . * كما عقدت هيئة الدفاع في القضية عدد 10604 المعروفة بـ  » قضية سليمان  » اجتماعا بمكتبة المحامين بقصر العدالة دام حوالي 3 ساعات تم خلاله الإتفاق على استراتيجية الدفاع في جلسة يوم 19 فيفري 2008 و على ترتيب المرافعات ، و قد ترأس الإجتماع الأستاذ عبادة الكافي و حضره عدد هام من المحامين ، و لاحظ عدد من الحاضرين ضرورة ضمان علانية المحاكمة و تمكين كل العائلات من حضور محاكمة أبنائها ، و هو ما لم يتم في ما سبق من جلسات المحاكمة في الطورين الإبتدائي و الإستئنافي  ، كما تم التأكيد على ضرورة وقف الإنتهاكات بحق المتهمين و خاصة التهديدات التي يخضع لها صابر الراقوبي .  عن لجنة متابعة المحاكمات        الكاتب العام للجمعية الأستاذ سمير ديلو
 

بسم الله الرحمان الرحيم لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس تونس في14.02.2008

المديرة ناجية العياشي تحرم الطالبة تقوى بن عمار من إجتياز الإمتحانات

 
علمت لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس اليوم الخميس 14 فيفري 2008 أن مديرة المعهد العلوي باب الجديد بتونس العاصمة ناجية العياشي منعت الطالبة بالسنة الثانية آداب تقوى بن عمار من إجتياز الإمتحانات مما إضطر والد الطالبة إلى مرافقة إبنته للمعهد كي يساعدها في الدخول , فسارعت المديرة المذكورة إلى تجنيد حراس المعهد الذين طردوه بالقوة وهو ينوي بعد هذه المخاشنة رفع قضية ضد المديرة و أعوانها . وتعرف المديرة ناجية العياشي من قبل الطلبة بعدائها الشديد لكل المتدينيين في المعهد وهي تحجر على الفتيات إرتداء الحجاب وكذا القبعات والجيب الطويل . ولجنة الدفاع عن المحجبات بتونس تعبر عن إمتعاضها الشديد من سلوك المديرة ناجية العياشي تجاه الطالبة تقوى بن عمار , وتدعوها إلى الكف عن إستخدام نفوذها الإداري لممارسة الضغوط والإبتزاز تجاه الطالبات المحجبات , كما تطالبها بفسح المجال من دون تأخير أمام الطالبة تقوى بن عمار كي تجتاز الفحوصات في ظروف عادية , كما تقف إلى جانب السيد بن عمار في رفع شكوى ضد المديرة المذكورة . تعبر عن بالغ أسفها من تواطىء الإدارة المركزية والجهوية لوزارة التربية والتعليم التونسية مع مسؤولين بالإدارات الجامعية والمعاهد الثانوية الذين يمارسون الإضطهاد والتمييز المبرمج تجاه الفتيات المحجبات , ونحن نحمّل الوزارة المعنية كل ما يترتب عن هذه السياسات من نتائج , ونحذرها من المضي في هذا السلوك الذي يراكم الغضب وينفّر من المؤسسة التربوية . تدعو كل المنظمات الحقوقية التونسية والعربية والدولية إلى تسجيل مواقف لدى السلطة التونسية تنكر عليها سياسة التمييز تجاه المرأة التونسية المحجبة وتدعوها إلى الإقلاع عن هذا السلوك المغرض . كما تدعو كل العلماء والدعاة بالعالمين العربي والإسلامي إلى التعبير عن مساندتهم للفتيات التونسيات المحجبات الاتي يتعرضن إلى سياسة إذلال ممنهج تستهدف شطب أدوارهن العلمية والإجتماعية في المجتمع التونسي . عن لجنة الدفاع عن المحجبات بتونس البريد : protecthijeb@yahoo.fr


الحزب الديمقراطي التقدمي  جامعة قفصة     قفصة في 2008/02/13 بــيــا ن  
أمام تصاعد الاحتجاجات من أجل الشغل في كل من مدينتي الرديف وأم العرائس وطول معانات المعتصمين فيهما لأكثر من خمسة أسابيع وتوسع الحركة الاحتجاجية  لتشمل من جديد مدينة المظيلة ولأول مرة مدينة المتلوي والتي تعد من اكبر المدن المنتجة للفسفاط وذلك بعد أن نُصــبت الخيام  على السكك الحديد في مدينة المتلوي وتعطلت حركة الانتاج والتسويق لمادة الفسفاط فيها و قام  بعض العُمال في شركات المناولة باعتصام في مغسلة المظيلة  مطالبين بالانتداب صلب الشركة . وأمام الصمت والتجاهل والمراهنة على سياسة الاستنزاف وعامل الوقت الذي تتبعه السلطة فان جامعة قفصة للحزب الديمقراطي التقدمي  : –  تنبه للخسائر الفادحة التي تتكبدها شركة فسفاط قفصة يوميا في ضرف يشهد فيه سعر الفسفاط ارتفاع كبير –  تطالب السلط بالتدخل العاجل لوضع حد لهذه الأزمة   –  تعتبر أن بعض الحلول التي اقترحت على المطالبين بالشغل لا تلبي حاجياتهم ولا تمثل أي اضافة على مستوى التنمية في الجهة –  تذكر الجامعة بالمقترحات الجدية التي تقدمت بها الى السلط الجهوية رغبة منها في المساهمة للوصول الى حلول جذرية للمحتجين وتنقذ شركة فسفاط قفصة وترجع بالنفع للجهة والبلاد –  كما تحذر الجامعة من مواصلة التعامل السلبي مع هذه التحركات أو من مغبة الالتجاء الى الحلول الأمنية التي لن تزيد الأوضاع الا تعكرا .   جامعة قفصة للحزب الديمقراطي التقدمي  الكاتب العام عبدالرزاق داعي


اللجنة العربية لحقوق الإنسان

 

وثيقة تنظيم الرقابة على السمعي البصري الناطق بالعربية

 

صادق وزراء الإعلام العرب في العاصمة المصرية يوم  12 فبرايرعلى وثيقة  تحمل اسم « تنظيم البث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية » و تحتوي على 13 بندا يتأكد من دراستها  القانونية والإعلامية أنها تهدف للحد من حرية الرأي والتعبير تحت ستار الحماية والتنظيم.

 

إن لهجة التهديد التي تنضح بها الوثيقة، والتحامل الواضح على مؤسسات تقوم بمهمتها، وقائمة العقوبات التي ستسلط على الفضائيات التي لن تنصاع لأوامر ونواهي هذا الاجتماعي الاستثنائي، مؤشرات واضحة على نية الأغلبية الساحقة للأنظمة العربية التصدي لموجة النقد الذي تتعرض لها بخصوص ضربها الحريات الفردية والعامة وإشكاليات الفساد والموقف المخزي من مأساة الشعب الفلسطيني والعراقي واللبناني والسوداني والصومالي والخ.

 

أمام تبعات هذا الموقف الخطير على حرية هي ركن أساسي من أركان النظام الديمقراطي المنشود، وانطلاقا من مبادئها الثابتة ومواقفها الدائمة، وكجزء من الشبكة العربية لمنظمات المجتمع المدني العربي، فإن اللجنة العربية لحقوق الإنسان :

 

1- تدين بشدة وثيقة القاهرة حول ما يسمى تنظيم البث الفضائي وتعتبرها وثيقة لمحاصرة هذا البث وضرب المحطات الفضائية الملتزمة بحرية الرأي تحت ستار محاربة تجاوزات أخلاقية  هي في الواقع  آخر ما يهم النظام السياسي العربي،

 

2- تسجل إيجابية موقف دولتي لبنان وقطر ورفضهما الانخراط في معركة غير مشرفة وخاسرة مسبقا ضد الفضائيات العربية ومن ورائها جمهورها،

 

3- تعبر عن دعمها المطلق للفضائيات الجادة المستهدفة بقرارات القاهرة الأخيرة والتي كسرت منطق الإعلام كبوق حكومي وأعطت المثل على أن الصحفي العربي يملك كل الطاقات التي تسمح بتقديم إعلام مهني مستقل وحر،

 

4- تهيب بكل منظمات المجتمع المدني العربي وعلى رأسها منظمات الصحافيين للتصدي بنشاط لسياسة إعلامية تحاول استرجاع المواقع التي فقدتها للعودة بالإعلام العربي إلى ما قبل ثورة الفضائيات والشبكة العنكبوتية والإعلام بلا حدود التي كانت سائدة قبل عقدين من الزمن. 

باريس في 14/02/2008

 


بسم الله الرحمن الرحيم وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ فقدت الامة الاسلامية احد اهم ابطالها في ساحة الجهاد و المقاومة,نازل العدو في اكثر من معركة وانتصر عليه, صار العدو رقم واحد لاعداء الامة اليهود و الذين اشركوا, عاش حياته الشريفة مجاهدا صابرا  مثابرا لا يكل و لا يمل, هنيئا له الشهادة على طريق الذين انعم الله عليهم من الانبياء و الشهداء و الصديقين و حسن اولائك رفيقا. نتقدم باحر التعازي الى ا خوة الشهيد في المقاومة الاسلامية و الى سيد المقاومة حجة الاسلام و المسلمين السيد حسن نصر الله حفظه الله و الى عائلة الشهيد السعيد,عظم الله اجورنا جميعا بهذا المصاب الجلل و نقول لعدو الله و عدونا, ان الموت لنا عادة و كرامتنا من الله الشهادة. « انا لله و انا اليه راجعون » جمعية اهل البيت الثقافية تونس السيد عماد الدين الحمروني

اجتماع

تدعو هيئة المتابعة التي التي أطلقت مبادرة مساندة ترشح الأستاذ احمد نجيب الشابي لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2009

 الى اجتماع عام ومفتوح لعرض هذه المبادرة والنقاش حولها وذلك بمقر الحزب الديمقراطي التقدمي يوم السبت 16 فيفري على الساعة الثالثة مساءا العياشي الهمامي

 

المعارض التونسي نجيب الشابي يعلن ترشحه رسميا لانتخابات الرئاسة المقبلة

 
تونس- سفيان الشّورابي أعلن الحزب الديمقراطي التقدمي التونسي المعارض اليوم الأربعاء خلال مؤتمر صحفي عن ترشيح عضو مكتبه السياسي وأمينه العام السابق أحمد نجيب الشابي رسميا للانتخابات المنتظر عقدها خريف 2009، عقب قرار اللجنة المركزية للحزب المنعقدة يومي السبت والأحد الماضيين بدعم ترشيح الشابي في الانتخابات الرئاسية. وتم اتخاذ القرار بأغلبية 43 من جملة 75 عضوا منتخبين من المؤتمر، و كذلك تمت الموافقة على المشاركة في جميع الدوائر بالنسبة للانتخابات التشريعية. وقالت الأمينة العام للحزب مية الجريبي أن حزبها « يسعى بهذه المناسبة إلى جعل هذا الاستحقاق فرصة لإبراز بدائل واقعية وجريئة للحد من اختلال التوازن بين السلطة والمعارضة ». وأكدت من جهة أخرى، « دعمها ومساندتها لحق كل الشخصيات الوطنية وممثلي الأحزاب في الترشح للانتخابات الرئاسية واستعداد الحزب للتفاعل معها ». من جهته قال الشابي أنه قرّر التقدم بترشحه للرئاسيات « استجابة لنداء الواجب »، مشيرا إلى أنه سيعمل على فرض حق حزبه في الدعاية الانتخابية، داعيا الحكومة التونسية إلى « رفع الحواجز القانونية الظالمة التي تعودت وضعها على طريق ترشحنا »، على حد قوله. من جهة أخرى، قال السيد العياشي الهمامي بأن نداءا صدر من قبل مجموعة من المعارضين غير المنتمين لأحزاب سياسية تعلن عن مساندتها لترشح نجيب الشابي « بهدف التقدم للشعب التونسي بخطاب وبرنامج يعكسان بدائل المعارضة الديمقراطية في مختلف الميادين ». في المقابل، قال عضو المكتب السياسي للحزب محمد القوماني في تصريح خاص لـ »آفـاق » بأن معارضة جزء لا يستهان به داخل الحزب الديمقراطي التقدمي لإعلان الترشح بشكل مبكر تكشف عن عمق الهوة التي بدأت تترسخ شيئا فشيئا. وأضاف بأن « لا يعقل أن يتم حسم الاختلاف في البرامج والأفكار عن طريق التصويت ». مشددا في هذا السياق على أهمية الرهان الانتخابي، إلا أنه كان يود أن يتم التنسيق مع بقية مكونات الحركة الديمقراطية، قبل الإعلان عن اسم المرشح. هذا الرأي عارضه عضو المكتب السياسي لنفس الحزب عبد المجيد المسلمي الذي قال أن جميع الأحزاب في العالم تعلن مبكرا عن تقديم أحد مرشحيها للانتخابات حتى ينطلق العمل على الدعاية بشكل متأن ومنظم. وأحال إلى الحزب الحاكم (التجمع الدستوري الديمقراطي) الذي يناشد منذ عدة أشهر ترشح الرئيس زين العابدين بن علي لفترة نيابية جديدة. يذكر أن القانون الانتخابي التونسي يضع قيودا صارمة ومتعددة على تقديم الترشحات إلى رئاسة الجمهورية. ويمنع في نسخته الحالية الحزب الديمقراطي التقدمي من تقديم مرشح له للانتخابات الرئاسية. المصدر: « آفـاق » (اخباري- واشنطن) بتاريخ 13 فيفري 2008 http://www.aafaq.org/news.aspx?id_news=4260  
 

نكتة حول الرئيس تقود « كوميديان تونسي » للسجن

 
فيما تعتبره أوساط حقوقية ومعارضة في تونس « انتقاما لترويجه نكات » عن الرئيس زين العابدين بن علي، قضت محكمة تونسية بسجن كوميدي شهير لمدة عام « بعد إدانته بحيازة مخدرات »، وتستعد لمحاكمته مجددا « بتهمة ترويج عملة مزيفة ». وأكّدت مصادر من المعارضة التونسية ما أعلنته جريدة  » الشروق » اليومية، القريبة من الحكومة التونسية، من أنّ الكوميدي « الهادي بن عمر (المعروف بولد باب اللّه) مثل مؤخرا أمام أحد قضاة التحقيق في بنعروس بشبهة ترويج عملة أجنبية مزيفة. » ويأتي هذا التحقيق بعد أيام قليلة من الحكم على الكوميدي المعروف بسنة سجنا، إثر إدانته في قضية مخدرات. وأضافت الصحيفة أنّ الأبحاث في القضيتين انطلقت قبل أيام في ضاحية بنعروس، واستندت على عنصر التلبس في غياب أي اعتراف للمتهم، مشيرة إلى أنّ « الكوميدي » كان في سيارة مكتراة عندما فاجأه أعوان الأمن، وفتشوا العربة، وحجزوا منها قطعة مخدرات وأوراقا نقدية من فئة اليورو اتضح لاحقاً أنها مزيفة. من جهته، أنكر الكوميدي علاقته بالموضوع، وأشار إلى أن العملية « كيدية » بدعوى أن هناك من أخفى المحجوز (المخدرات والعملة المزيفة) في درج السيارة دون علمه حتى يورطه باطلاً. واستمسك ولد باب اللّه أمام المباحث التونسية بهذه الأقوال لكن تم إيقافه في قضيتين منفصلتين، إحداهما جنحة (حيازة مادة مخدرة) وثانيتهما جنائية (حيازة عملة أجنبية مزيفة بهدف ترويجها)، وقد مثل قبل أيام قليلة أمام الدائرة الجناحية بابتدائية بنعروس لمحاكمته في قضية المخدرات (القضية الأولى) فنال بسببها سنة سجناً. غير أنّ ناشطاً حقوقياً تونسياً اعتبر -في اتصال مع CNN بالعربية- رافضاً الكشف عن هويته، أنّ القضيتين ملفقتان، وأنهما مجرد « انتقام رخيص ومألوف من السلطات التونسية من كلّ من يتناول الرئيس وعائلته. » وسبق للكوميدي أن تمّ احتجازه لساعات قبل عام بعد أن راج شريط صوتي له على أجهزة الهاتف النقال، يتناول فيها نكتة تصوّر فيها حواراً بين الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والرئيس العراقي السابق صدام حسين. وجاء في تلك النكتة أنّ صدام حسين فرّ من سجنه في العراق، واتجه إلى تونس طالباً من « بن علي » أن يحميه. وما كان من الرئيس التونسي إلا أن ترجاه العودة أو طلب العون من « طبيب الأسنان » في إشارة إلى الرئيس السوري بشار الأسد. وأظهر الحوار المتخيّل الرئيس التونسي في حالة هلع، لا سيما بعد أن علم من مخاطبه أنّ « عدي وقصي » ربما يلحقان بوالدهما. وقال المصدر إنّ الهادي بن عمر أقام في مكتب لوزارة الداخلية التونسية بعد رواج تلك النكتة لساعات قبل أن يتمّ إطلاق سراحه، لا سيما أنّ « النكتة تمّ تسجيلها أثناء حفل خاص، ربّما كان من حضوره بنت الرئيس زين العابدين بن علي، وهو ما منحه نوعاً من الحصانة. » غير أنّ شريطاً ثانياً تمّ تداوله في الآونة الأخيرة لحفل أقيم في مدينة صفاقس، جنوب تونس، قلّد فيها الفنان نفسه الرئيس التونسي « بلهجته الساحلية » نسبة إلى جهة الساحل التونسي التي ينحدر منها، فيما عُدّ « تهكماً على هذه الجهة في وقت تشهد في الآونة الأخيرة امتعاضاً من انفراد جهة سوسة وما جاورها بمقاليد الأمور في البلاد » (في إشارة إلى مدينة صفاقس)، وفقاً للمصدر. وأضاف أنّ النكتة تتناول أيضاً حواراً متخيلاً جمع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بعدد من وزرائه، من ضمنهم رئيس الوزراء السابق محمد مزالي ومستشاره الأمني السابق بشير زرق العيون ووزير داخليته آنذاك (الرئيس الحالي) زين العابدين بن علي، والزعيم الليبي معمر القذافي. وتظهر النكتة الرئيس الراحل في مظهر الزعيم حاد الذكاء والرئيس الحالي في مظهر المرتبك، وفقا للمصدر. المعارضة ترفض والنكتة متنفس من جهتها، أدانت نشرية « كلمة » وهي ناطقة باسم حقوقيين ونشطين سياسيين معارضين في تونس، الحكم على بن عمر. وقالت النشرية في مقال لها إنّ « الفنان الجريء ذاته نفى قطعاً صلته بالمحجوز وطعن في التهمة بكونها كيدية. ولكن على الصفحات الأولى يراد أن يمرّ خبر سجنه مثله مثل سجن الفنان شريف علوي الذي اتهم بارتكاب جريمة اغتصاب، أو الفنان صلاح مصباح بتهمة إهانة الجيش، أو حتى الفنان الشعبي العربي الماطري الذي ارتكب جريمة اغتصاب طفل وقتله.. تمرّ صورة الكوميدي الهادي بن عمر تعتيماً على الحقائق صورة مشوّهة ألفها الناس عن الحياة الخاصّة لخاصّة القوم. » وأضافت أنّ بن عمر كان قد تقدّم بشكوى بعد رواج النكتة الأولى، إلى القضاء بعد إيقافه وتعرّضه لمعاملة سيّئة إثر انتشار التسجيل المذكور. يذكر أن النكتة أثبتت أنها الوحيدة القادرة (على مر العصور) على التعبير عن الشارع العربي بكل همومه وتطلعاته، ومن هنا جاء اهتمام السياسيين والقادة بما يدور بين العامة من نكت وطرائف إذ كان للرئيس المصري جمال عبد الناصر -والشعب المصري معروف بروح الدعابة والنكتة- كان له وحدة في المخابرات تعنى برصد النكات المتداولة بين الشعب لتحديد اتجاهات تفكير الجماهير. ولم يتوقف الشارع العربي عند استخدام النكتة للتعبير عن الاتجاهات، بل تجاوز ذلك إلى الرقص على جراحه بها، فأصبح يضحك ويسخر بها من آلامه، ولعل النكات التي تداولها الشارع العربي في واحدة من أحلك قضاياه وأكثرها بؤسا وهي قضية احتلال الكويت وسقوط صدام أكبر دليل على ذلك. ويبدو أن النكات الشعبية التي كانت تتداول بشكل شفوي قبل ظهور الجوال، لها رد فعل قوي وتأثير كبير على المسؤولين وصنّاع القرار، فقد وصل الحال بأحد الرؤساء العرب بعد انتشار موجة عارمة من النكت في إحدى الحقب التاريخية كرد فعل شعبي على إحدى هزائمه أن اعتلى المنبر ليخاطب شعبه بقوله (كفاية نكت). (المصدر: موقع « عكس السير » (سوريا) بتاريخ 14 فيفري 2008) الرابط: http://www.aksalser.com/index.php?page=whyaksalser&ar=731164192

تأخير قضيّة «مجموعة سليمان الارهابية»:

النيابة العمومية تنتقد الحكم الابتدائي وتطلب الإعدام لعشرين متهما

 

* تونس ـ «الشروق»:

تواصلت أمس الأول، على مدى 12 ساعة ما يعرف بقضية مجموعة سليمان الارهابية، قبل ان يقرّر رئيس الدائرة الجنائية 27 بمحكمة الاستئناف بتونس في حدود الساعة التاسعة ليلا تأخير النظر في القضيّة الى جلسة يوم الثلاثاء 19 فيفري الجاري.

وقد انطلقت جلسة أمس الأول في حدود الساعة التاسعة صباحا ولم ترفع إلا بعد 12 ساعة بعد ان طلب محام من هيئة الدفاع من المحكمة التأخير لتخصيص جلسة للترافع، وهو ما استجاب له القاضي رئيس الدائرة 27 بمحكمة الاستئناف بتونس، الذي أجمع كل اطراف القضية على قدرته على إدارة الجلسة وتوفير كل الضمانات الممكنة للمحاكمة.

جلسة أمس الأول، كانت جلسة لاستكمال استنطاق 15 متهما ولمداخلات القائمين بالحق الشخصي ولممثل الادعاء العام.

 

* إنكار التهم

قد تراوحت تصريحات المتهمين بين الانكار التام لأي صلة لبعضهم بما يعرف بأحداث سليمان والاعتراف الجزئي ببعض الوقائع والتفاصيل، إلا ان جل التصريحات كانت في اتجاه فرار المتهمين من التتبعات الأمنية بسبب انتماءاتهم السلفية والأصولية فوجدوا أنفسهم مختفين في جبل «طبرن» قرب مدينة قرمبالية بالوطن القبلي، مع مجموعة أخرى من الشبان، وفيما نفى بعض المتهمين مشاركته في المواجهات المسلحة مع أعوان الأمن فإن البعض الآخر قال انه رأى بعض الأسلحة وخاصة الرشاشات وان قائد المجموعة، هدّدهم بالقتل إذا أرادوا الفرار من المعسكر الجبلي او الانسحاب.

في حدود الساعة السابعة مساء، بعد ان عادت المحكمة إثر استراحة طلب احد محامي هيئة الدفاع من المحكمة عدم قبول نيابات المحامين القائمين بالحق الشخصي، لأنهم لم يطعنوا في الحكم الابتدائي، هذا فضلا عن أنهم طلبوا ابتدائيا الإدانة للمتهمين مع حفظ حقهم المدني في التعويض، ورأى استنادا الى ذلك عدم أحقيّة وجود المحامين الممثلين عن القائمين بالحق الشخصي، في الطور الاستئنافي للقضية.

القاضي ردّ على ذلك بأن بعض المحامين الطاعنين في الحكم الابتدائي اوردوا الحق العام والقائمين بالحق الشخصي على أنهم الضد، وبالتالي هناك استحقاقات ضد الطرفين.

 

* شهيدان حياتهما لا تعوّض

أحال رئيس الدائرة الكلمة للمحامين القائمين بالحق الشخصي، أي النائبين عن عائلات الضحايا والمصابين من قوّات الأمن اذ أجمعوا في كل مداخلاتهم على حفظ الحق المدني، واعتبار ان حياة أبناء منوّبيهم لا تقدّر بمال واعتبار القتيلين شهيدين وطلبوا تأييد الحكم الابتدائي من جهة مبدأ الإدانة، وقد أثارت مرافعة أحد المحامين القائمين بالحق الشخصي بعض المحامين والمتهمين فحاول احد المتهمين الاحتجاح ممّا أجبر المحكمة على اتخاذ قرار باخراجه من قاعة الجلسة، عندها قدّم المحامي اعتذاره من هيئة المحكمة وأنهى مرافعته.

 

* مداخلة الادعاء العام

بعد ان أنهى القاضي استنطاق المتهمين والاستماع الى مرافعات القائمين بالحق الشخصي أعطى الكلمة لممثل الادعاء العام، الذي وقف وبدأ مرافعته.

واعتبر ممثل الادعاء العام باعتباره ممثلا للهيئة الاجتماعية، ان المتهمين كوّنوا تنظيما محكما وتوزّعوا على خلايا في كافة انحاء البلاد بقصد الاعتداء على المكاسب والممتلكات، وكشف عن ان المتهمين ومن معهم كانوا يخططون للاعتداء على هيئات سياسية وديبلوماسية قبل ان تحبط قوّات الامن مخططاتهم.

وذكر ممثل النيابة العمومية في مرافعته التي دامت اكثر من ربع الساعة قرابة العشرين اسما من المتهمين الثلاثين واعتبر انهم تآمروا على أمن البلاد بغاية تبديل هيئة الدولة، وانتقد ممثل النيابة العمومية الحكم الابتدائي وقال انه لم يكن في طريقه إلا بخصوص الحكم ضد متهمين في اشارة الى المحكوم عليهما ابتدائيا بالإعدام واعتبر ان هذه المجموعة تمثل خطرا على البلاد والمجتمع، وطلب تطبيق فصول الاحالة ولائحة الاتهام.

طلب العقاب الأقصى بالنسبة الى المتهمين العشرين الذين ذكر اسماءهم واعتبرهم تآمروا على أمن البلاد، وبالتالي يكون قد طلب في حقهم الحكم بالإعدام واصفا إياهم بالفئة الضالة.

وقال عن المتهمين لقد قتلوا وجرحوا وتسببوا في عجز متواصل لأعوان أمن أثناء أدائهم لواجب الدفاع عن الوطن، وأضاف بأن الوقائع الصادرة عنهم بمواجهتهم للقوات المسلحة الوطنية تمثل أركان جرائم فصول الإحالة القانونية، وأضاف بأن إدانتهم ثابتة بموجب اعترافاتهم بحثا وتحقيقا المدعّم بالتقارير الطبية وبملفات القضية وقال ايضا بأن النية الاجرامية كانت واضحة وأنهم أسسوا تنظيما إرهابيا أطلقوا عليه اسم «جند أسد بن الفرات» وموّلوا أعمالهم بالتبرّعات ونهب مال الناس عبر فتوى «الاحتطاب».

 

* «تهم ثابتة»

وختم مرافعته بالقول إن التهم ثابتة واقعا وقانونا، في حق المتهمين الذين أرادوا النيل من مؤسسات الدولة ومازالوا يصرّون على مواقفهم الى حدّ الآن وبالتالي فإن حكم البداية لم يكن في طريقه عندما أقرّ بمبدإ التوارد، فالتهم بالنسبة الى النيابة العمومية غير قابلة للتجزئة، وطلب تأييد الحكم المطعون فيه من جهة مبدإ الإدانة وإقراره في خصوص المتهمين المحكوم عليهما بالإعدام وتسليط اقصى عقاب ضد باقي المتهمين والتمسّك بلائحة الاتهام وفصولها القانونية.

وقد طلب أحد المحامين التابعين لهيئة الدفاع من المحكمة تأخير القضية الى جلسة لاحقة لأن المحامين شعروا بالتعب بعد 12 ساعة من متابعة وقائع الجلسة، فاستجابت المحكمة لطلبه وقرّرت تأخير القضيّة لجلسة الثلاثاء المقبل 19 فيفري 2008، لتخصص لمرافعات الدفاع.

وقد شهدت الشوارع والطرق المؤدية لمحكمة الاستئناف بتونس اجراءات أمنية مشدّدة جدّا.

يذكر ان مواجهات مسلّحة دارت بين مجموعة ارهابية تطلق على نفسها، حسب الابحاث اسم «جند أسد بن الفرات» وقوّات الأمن نهاية سنة 2006 وبداية سنة 2007، خلفت 14 قتيلا 12 منهم من عناصر المجموعة ومن 2 من القوّات المسلحة، وقد تم إلقاء القبض على ثلاثين منهم أحيلوا من أجل ارتكاب جرائم متعلقة بمحاولة القتل والارهاب والتآمر على أمن الدولة وتحريض السكان على قتل بعضهم بعضا والانتماء الى تنظيم إرهابي..

وقضي بشأنهم ابتدائيا بتاريخ 29 ديسمبر 2007 بالإدا نة وحكم بإعدام اثنين وتراوحت بقية الأحكام بين السجن لمدة خمسة أعوام والسجن المؤبد.

 

(المصدر: صحيفة « الشروق » (يومية – تونس) الصادرة يوم 14 فيفري 2008)


تمرير مشروع قانون التعليم العالي

 
في جلسة غير عادية، وبعد نقاش ماراطوني دام أكثر من ستة ساعات  وتدخل 38 نائب، صادق مجلس النواب مساء يوم 6 فيفري الجاري على مشروع قانون التعليم العالي بمعارضة 9 نواب من بينهم النواب الثلاثة لحركة التجديد واحتفاظ نائب بصوته.  وتطرقت كلمة محمد ثامر ادريس(حركة التجديد) إلى مختلف مضامين المشروع معبرا عن خشيته من اختزال أسباب الإخلالات التي يعاني منها القطاع في الجانب القانوني ونبه إلى ضرورة التوقي من الضغوط الخارجية الهادفة إلى إزاحة دور الدولة في تسيير القطاع. وحذر من السماح للمؤسسات بالبحث عن موارد جديدة قد تصبح مدخلا للمس من مجانية التعليم. وأشار إلى أن التقييم الخارجي ربط بجهات خارجية وهو ما من شانه أن يطعن في مصداقية الجامعات. كما تساءل عن كيفية تقييم المدرسين في ظل ظروف غير مريحة للتدريس في غياب للأساتذة من الصنف الأول. وانتقد مبدأ التعيين في تسمية رؤساء الجامعات وكذلك كثرة الإحالة على الأوامر. أما النائب عادل الشاوش(حركة التجديد أيضا) فقد ركز في مداخلته على الجانب السياسي مشيرا الى ان النظر في مشروع هذا القانون جاء على خلفية افتعال أزمة التمثيل النقابي لقطاع التعليم العالي وتغييب الطرف النقابي الاستاذي والطلابي. ودعا إلى إيجاد قنوات للتواصل معهم والى عدم الخوف من مزيد الانفتاح والحوار لمناقشة الملفات الوطنية. وانتقد ما شاب عرض هذا المشروع من تسرع ومن عدم اهتمام لملاحظات الطرف النقابي ومقترحاته. وتجدر الإشارة إلى أن عددا من النواب التجمعيين وخاصة النقابيين منهم، ابدوا نقدا لبعض فصول مشروع القانون لكنهم انضبطوا لقرارهم الحزبي عند التصويت عليه. هذا وقد منع أعضاء الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل من حضور مداولات المجلس كزائرين رغم أن الجلسات من المفروض أن تكون علنية. (المصدر: صحيفة « الطريق الجديد » (معارضة- تونس) بتاريخ 9 فيفري 2008)

 

لقاء حميم لحركة التجديد بمواطني أم العرائس

 
لا يزال الحوض المنجمي بالجنوب التونسي يعيش أوضاعا مأساوية بعد أن نفذ صبر المواطنين وثاروا على ما تحملوه من ويلات الفقر والخصاصة خلال العشرين سنة الماضية. تحركت السواكن بعد صمت طويل وأصبح الغضب يزداد يوما بعد يوم بسبب إصرار السلط الجهوية والمحلية على موقفها السلبي تجاه مشاغل المواطنين ومطالبهم المشروعة. مناظرة الانتداب الأخيرة في شركة « فسفاط قفصة » وما تميزت به من حيف في انتظار، كانت بمثابة « القطرة التي أفاضت الكأس » بعد أن تراكمت أسباب السخط والنقمة وتفاقم الشعور بالضيم والقهر لدى العدد الأوفر من العائلات المنجمية أمام انسداد أفق التشغيل في وجه أبنائها وبناتها وانعدام أدنى مقومات العيش الكريم. فدفعت عشرات العائلات ومئات المواطنين نساء ورجالا وأطفالا في أم العرائس و الرديف والمظيلة إلى شكل فريد من التحرك والتضامن والاحتجاج ومن النضال السلمي المنظم والمسؤول  ضد السياسة القائمة على المحاباة والمحسوبية. فقد غادرت عشرات العائلات بيوتها ورفعت الخيام (« العشوش ») في عدة أحياء من مدينة أم العرائس و »تحت السكة » قرب محطة الأرتال وفي حي »أولاد ناصر » وحي »أولاد وصيّف » وهي ترابط بها ليلا نهارا منذ أكثر من شهر بأيامه ولياليه رغم البرد والحرمان ونقص الأدوية واضطراب الدراسة بالنسبة للأطفال. لكن الهدوء المخيم على الخيام وروح المسؤولية التي تحلى بها المواطنون والمواطنات إلى حد الآن لا يمكن أن يحجب علامات اليأس والامتعاض  وما تنم عنه من تدهور صارخ في المناخ العام بالمنطقة، وما يمكن أن يترتب عنه من عواقب وخيمة. يتذمر الأهالي من تجاهل السلط العليا في البلاد لما يعيشونه من أوضاع بائسة وانعدام أي « التفاتة كريمة » رغم الخطابات الواعدة لرئيس الدولة، إذ لم يلاق هذا التحرك الشعبي وما يتضمنه من صيحة فزع  موجهة إلى السلط المعنية في أعلى مستوى سوى عدم الاكتراث بل الاستفزاز الذي وصل حسب شهادات المواطنين إلى حد التطاول على الناس والمس من كرامتهم وتوخي أسلوب الترغيب والترهيب من قبل « النافذين » من السلط المحلية وفي مقدمتهم معتمد أم العرائس الذي فقد كل مصداقية لدى المواطنين بعد أن يئسوا من قدرته على المصالحة والحوار وعلى التعامل بصفة حضرية وبمسؤولية وجدية مع الأحداث. هذا ما أكده بكل قوة عشرات المواطنين الذين حضروا بصفة مكثفة لقاءا صاخبا بمدينة أم العرائس دعا إليه محمد بن عثمان الوصيفي عضو المجلس المركزي لحركة التجديد وحضره وفد هام من قيادة الحركة يتركب من الأمين الأول أحمد إبراهيم وجنيدي عبد الجواد عضو أمانة الحركة وأنور بن نوة وتوفيق حويج عضوي الهيئة التأسيسية. وقد تدخل عدد كبير من ممثلي « الأعشاش الصامدة » ومن الشباب العاطلين عن العمل للمطالبة بمعاملة الجهة كمنطقة منكوبة لم تنل حظها من منتوج أبنائها وسواعد أجيالها المتعاقبة من العمال والكادحين. وقد أكد أحمد إبراهيم بهذه المناسبة أن حركة التجديد متضامنة كليا مع أهالي المناجم ولا تقبل معاملتهم بهذا الأسلوب المتخلف الذي تعاملهم به السلطة المحلية، معتبرا أن المصلحة الوطنية تقتضي، إعطاء الأولوية المطلقة للاستثمار والتشغيل في هذه المنطقة الحدودية الحساسة حتى تلتحق، على الاقل نسبة التشغيل فيها بمعدل النسبة الجهوية على الأقل، وهو ما يتطلب إعادة تحريك المشاريع التنموية النائمة , وإنجاز الوعود وإعادة استثمار القسط الأوفر من منتوج الفسفاط في النهوض بالجهة للحد من اختلال التوازن بين المناطق والمعتمديات حفاظا على وحدة تونس ومناعتها. ما يتطلب من السلط الجهوية والمحلية الإقلاع عن منطق التسويف والإقصاء واللامبالاة، ومعالجة الأوضاع بالتحاور الجدي مع المواطنين وباحترام القانون بخصوص الأجور والترسيم وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار في الشغل ومن العدالة والشفافية في الانتداب والترسيم. (المصدر: صحيفة « الطريق الجديد » (معارضة- تونس) بتاريخ 9 فيفري 2008)


صحيفة « مواطنون »الهجرة المقننة نحو ايطاليا: تطبيق اتفاقيتها يتعثر وبعض برامجها « تخفي مشاريع تنصيرية »

 » آلاف فرص العمل بأوروبا في انتظار التونسيين ».. »أربعة آلاف عقد عمل في ايطاليا ».. »شروط ميسرة »…عناوين صحفية مثيرة أقبل عليها المتلهفون للهجرة إلى ايطاليا بحثا عن فرصة للعمل بعد أن أوصدت جميع الأبواب أمام الهجرة السرية، والتي أصبحت تصطدم بيقظة الأجهزة الأمنية وزجرية التشريعات  التي تجرّم كل من  يحاول الانطلاق في رحلة المجهول نحو سواحل أوروبا هربا من الضفة الجنوبية للمتوسط .. أما الصحف المبشّرة بالجنّة الايطالية المفتوحة أمام اليد العاملة التونسية في إطار منظومة الهجرة المقنّنة فقد بنت تقاريرها على ما ورد في مرسوم رئاسي ايطالي صدر أواخر سنة2007، والذي رصد أكثر من 17 ألف عقد عمل لليد العاملة المغاربية وأساسا كل من المغرب والجزائر وتونس التي خصصت لها الحكومة الايطالية 4 آلاف عقد عمل في إطار برنامج الهجرة المتكاملة لسنة 2008.
*الاتفاق التونسي الايطالي والعقبات غير المعلنة هذا الخبر أصبح محلّ متابعة من قبل الحالمين بالهجرة للعمل بايطاليا رغم أن الاتفاق لم يدخل حيز التطبيق بعد، نظرا لتواصل المفاوضات بين الحكومة التونسية ونظيرتها الايطالية حسب ما أعلنه وزير الشؤون الخارجية الايطالي عند زيارته لتونس في شهر أكتوبر2007، فقد صرّح « ماسيمو داليما » آنذاك قائلا « نحتاج لمهاجرين…لكننا نريد هجرة شرعية يتعين إدارتها بصفة مشتركة حتى نقاوم الهجرة السرية « . هذا التصريح وما عقبه من طول فترة المفاوضات في ملف الهجرة الانتقائية وتأجيل في فتح باب قبول مطالب الحصول على عقود العمل يكشف التوجّس والحذر الذي تتّبعه الحكومة الايطالية في التعامل مع ملف هجرة اليد العاملة التونسية، حيث أكدت بعض المصادر الإعلامية أن السلطات الايطالية تطلب قاعدة بيانات مفصّلة تتضمن السيرة الذاتية للمتقدمين بمطالب الحصول على عقد عمل بايطاليا، مما يضمن تحصينها من أي خطر محتمل لتسلل « الإرهابيين » لأراضيها. مصادر أخرى من داخل مكتب تشغيل الإطارات بتونس نفت أن تكون السلطات التونسية قد فتحت الباب لتلقي مطالب  الحصول على عقد عمل بالخارج، نظرا لطبيعة الشروط التي فرضها الجانب الايطالي خلال المفاوضات والتي تفرض أن لا يوقع العامل التونسي عقد العمل إلا بعد مكوثه فترة قد تفوق الشهر في ايطاليا يتدبّر خلالها نفقاته ومأواه، ثم يتصل به صاحب العمل لتوقيع العقد الذي يتحكّم الجانب الايطالي وحده في صياغة بنوده، وتحديد الأجر والأجل والامتيازات…هذا فضلا على دفع المترشح لمبلغ لا يقل عن 3 آلاف دينار لقاء مصاريف السفر. كما يشترط الجانب الايطالي ضرورة توفّر مجموعة من الشروط والمواصفات في المترشّح لنيل عقد عمل حسب الاتفاقية والتي تفرض على الراغب في الهجرة الخضوع لدورة تكوينية في اللغة الايطالية، واجتياز اختبار فحص طبي حسب المواصفات الايطالية، مع ضرورة دفع ضمانة بنكيّة لمدة سنة تقدر بحوالي 6 آلاف دينار تونسي، قبل أن يحصل على عقد عمل لمدة سنة قابل للتجديد أو عقد عمل لمدة محدودة تقدر بستّة أشهر ولا يمكن تجديد هذا العقد إلا بالعودة إلى تونس والحصول على عقد آخر، إلى جانب تسلم شهادة إيواء من السلطات الايطالية وهو الأمر الذي يفترض رقابة صارمة وتمحّصا في سجلاّت الراغبين في الحصول على عقود العمل قبل منحهم التأشيرة، الأمر الذي يصرّ عليه الجانب الايطالي.   أما فيما يتعلق بمجالات العمل المطلوبة من طرف الجانب الايطالي فتتمثل أساسا في مجالي الفلاحة والبناء، حيث رصدت السلطات الايطالية ما يناهز 14200ألف فرصة عمل في مجال البناء وحده سيتمّ استقطاب العاملين فيه من دول افريقية وآسيوية، هذا فضلا عن مجال رعاية المسنين، حيث يعاني المجتمع الايطالي من ظاهرة التهرّم السكّاني. ولعل اندفاع عدد هام من العاطلين عن العمل في تونس أو الراغبين في تحسين وضعهم المهني، للحصول على عقود للعمل بايطاليا قد يوقعهم في شراك بعض المبتزّين، الذين يوهمون الباحث عن شغل بأن توزيع عقود العمل بايطاليا قد انطلق وأنهم قادرون على توفير ذلك لقاء مبالغ مالية هامة، يكتشف على إثرها المواطن أنه تعرض لعملية نصب على غرار ما شاع في الفترة الأخيرة حول انطلاق تسريب بعض عقود العمل بايطاليا بصفة غير معلنة رسميا.
 
* مدارس الإعداد للهجرة: تكوينية أم تنصيرية  أما الثابت رغم توفر عديد المؤشرات التي تدلّ على تعثّر سير المفاوضات بين الجانب التونسي والايطالي حول انطلاق تنفيذ برنامج الهجرة المقننة فهو تحول دفعة تقدر ب22 شابا من خريجي المركز التونسي الايطالي لتكوين الشبان وإعدادهم للهجرة إلى ايطاليا منذ شهر فيفري 2007 ، وهذه أول دفعة من اليد العاملة التونسية التي تحولت إلى إيطاليا منذ صدور قانون الهجرة الايطالي الجديد. ويشتمل المركز التونسي الايطالي لتكوين الشبان وإعدادهم للهجرة على فرعين في ولاية قبلي( قبلي المدينة ودوز) وقد بعث سنة 2002  » في إطار التعاون القائم بين ولاية قبلي ومقاطعتي روما ولازيو وبالتنسيق مع الجمعيّة الإيطالية « أصدقاء الصحراء » ويختصّ -حسب نشاطه المعلن عنه- بتكوين الشبّان التونسيين في اللّغة الايطالية وقانون الشغل والصحة والثقافة العامة..بهدف الحدّ من الهجرة غير الشرعية. ورغم أهدافه المعلنة فقد وجّهت اتهامات خطرة للقائمين على هذا المركز حيث أكد تقرير نشر في أحد المواقع الالكترونية أن المركز ليس إلا مدرسة تعمل في مجال التنصير أقامها منصًر ايطالي يدعى « سالفيدري شيغاراندي » في إطار شبكة كاملة من هذه المدارس على الضفة الجنوبية من المتوسط كما ترجّح المصادر الإيطالية. وشعاره « لا تنصير بدون نمو اقتصادي »… هذا وأكد التقرير الذي أعدّه « عبد الباقي خليفة » أن المنصّرين الايطاليين انطلقوا من فكرة أن المسلمين العاطلين عن العمل في تونس والذين يكابدون شظف العيش وانسداد الأفق  » سيقبلون على الدخول في النصرانية إذا كان ذلك سيخرجهم مما هم فيه ».  تدليلا على ذلك نقل صاحب التقرير عن « مصادر ايطالية » أن  » مجموعات من التونسيين تمّ إعدادهم في مدارس الجنوب ووصلوا بالفعل إلى إيطاليا وهناك دفعة أخرى تستعدّ للّحاق بهم وذلك لمزيد من الأعداد ». كما أسند صاحب التقرير تساؤلا لبعض المراقبين حول سبب قيام المنصرين بتأسيس مدرسة « قبلّى » والإشراف عليها، ولماذا لم توكل هذه المهمة إلى المدنيّين أو المتخصّصين في اللغة إذا كان هدفها كما هو معلن إعداد الشبان للهجرة والعمل في ايطاليا؟؟  وبصرف النظر عن مدى مصداقية المعطيات الواردة بهذا التقرير، فقد أكّدت عديد التحقيقات الصادرة  ببعض الصحف والمجلات التونسية والعربية أن هناك متخصصين في شؤون الكنيسة في تونس يقومون بحملات تنصير واسعة النطاق وفي كنف السرّية ويخفون أنشطتهم تحت يافطة الجمعيات الخيرية الثقافية التي تنتشر في أنحاء كثيرة من البلاد ويساهم فيها مسؤولون تونسيون رفيعو المستوى.  أما الأخطر من كل ذالك فهو أن تستغلّ بعض وسائل الإعلام في تونس الرّغبة الملحّة للمتطلّعين إلى الهجرة نحو ايطاليا والبلدان الأوروبية وتربّصهم بأي فرصة للعمل في الخارج، فتعمل على نشر أخبار مغالطة من قبيل توفر الآلاف من عقود العمل التي تتيح الهجرة إلى ايطاليا « بشروط ميسرة » ، رغم عدم إعلان السلطات الرسمية عن انطلاق قبول مطالب الهجرة أو التوصل إلى اتفاق شامل مع الجانب الايطالي بخصوص برنامج الهجرة المقننة. هذا الأمر قد يدفع الحالمين بعقود العمل في الخارج للسعي إلى ذلك عبر الطرق الملتوية المتمثلة في الرشوة والوساطة… حيث عادة ما يقعون فريسة سهلة للنصب و الاحتيال.   توفيق العياشي
 (المصدر: صحيفة « مواطنون »، لسان حال التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 48 بتاريخ 06  فيفري 2008)


 

ماذا بقي من السابع من نوفمبر؟

مستقبل الدولة في تونس

بقلم أحمد قعلول

 

يمكن اعتبار مجيء السابع من نوفمبر نتيجة ضرورية للوضع الذي وصلت اليه السلطة في تونس في عهد الرئيس الراحل المنقلب عليه ومؤسس الدولة القطرية الحديثة الحبيب بورقيبة.

 

كما يمكن اعتباره تعبيرا عن عجز المعارضة التونسية عن استثمار نضالاتها.

 

ويكشف مجيئ السابع من نوفمبر عن الدور الحقيقي الذي تلعبه القوى الدولية في تحديد هوية الحكم و عن حجم نفوذها في الوضع الداخلي. كما يكشف عن الشرعية الحقيقة التي يقوم عليها حكم السابع من نوفمبر.

 

 يتناول هذا المقال السابع من نوفمبر من حيث الشروط المحلية والدولية التي ساعدت وعملت على انتاجه، ومن حيث المصالح التي وضع لخدمتها والاهداف المطلوب منه تحقيقها. وذلك من اجل معرفة مدى نجاح دولة السابع من نوفمبر في خدمة تلك المصالح وفي تحقيق تلك الاهداف ومن ثم محاولة التعرف على مدى صلاحية السابع من نوفمبر في الحكم تناسبا مع شروط انتاجه وبقائه.

 

ينقسم المقال الى محورين أساسين مع مقدمة وخاتمة خلاصية وسنبدء في الجزء الأول منه بتناول الشروط المحلية والدولية التي ساهمت أو كانت سببا في نجوم السابع من نوفمبر.

 

الظرف المحلي:

 

بلغت دولة بورقيبة مستوى من الهرم لم تعد به قادرة على ادارة التناقضات التي تنتجها سياساتها كما انها بفعل هرمها أصبحت عاجزة عن تجديد نفسها بفعل تلقائي وإرادي.

 

وقد قامت دولة بورقيبة بتفكيك بنى المجتمع من خلال ضرب الاتحاد العام التونسي للشغل وتطويق الجامعة ونتيجة لهذه السياسية لم يصمد أمامها أي طرف منظم ومهيكل سوى حركة الاتجاه الاسلامي التي كان اتباعها يملأون الشارع طيلة سنة 1987 وكذلك السجون. وقد فتح هذا الوضع الباب للعديد من المخاوف، منها سقوط الدولة بيد الشارع وخاصة بيد الاسلاميين، ما دفع الجهات الدولية الراعية والنافذة في الوضع المحلي الى التدخل من أجل منع عملية السقوط والتحلل (الطرف الفرنسي) ومن أجل التسريع بعملية تجديد الدولة من خلال الانقلاب الطبي (الطرف الامريكي).

 

الظرف الدولي:

 

هذا في ما يخص الوضع المحلي اما الوضع الدولي فقد عرف وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي بداية هجوم الولايات المتحدة على المنظومة الدولية من أجل جني ثمار نصرها وفرض وجودها كقوة منفردة ومهيمنة على العالم ومن ذلك سعيها لتوسيع نفوذها على مناطق كانت محسوبة لقوى راعية اخرى ومنها المناطق التقليدية للنفوذ الفرنسي ويمكن اعتبار تونس من اول الامثلة في منطقة المغرب العربي حيث مارس النفوذ الامريكي سلطانه بشكل مباشر.

 

وقد كان الطرف الفرنسي معولا على عملية تحول سياسي داخلي ضمن اللعبة التقليدية المراعية للاطراف المتصارعة داخل الدولة من أجل وراثة الحكم البورقيبي. وقد بلغ صراعها ذروته بعملية تصفية الوزير الأول الاسبق السيد محمد مزالي. مقابل ذلك سارع الطرف الامريكي الى تنفيذ لعبة الانقلابات التي اجادها في العديد من الدول خاصة مع اتساع النفوذ الامريكي في الاوساط الأمنية التونسية. وقد وقع انتهاز فرصة تولي احد العناصر الامنية موقعا متقدما في الدولة فكانت الفرصة او الخطة المعدة مسبقا مرشحة السيد « زين العابدين بن علي » كي يتقدم ويفتك السلطة في ما وصف بالانقلاب الطبي.

 

انقاذ وتجديد ولكن للدولة:

 

بدا انقلاب السابع من نوفمبر  خطوة ضرورية من اجل انقاذ الدولة من السقوط في يد الشارع الذي يملاه الاسلاميون او على الاقل من السقوط الى حد يفتح الباب واسعا للاستجابة لمطالبهم بما يشبه ما وقع في الجزائر سنة 1984.

 

ولذلك فان وصف السابع من نوفمبر بعملية الانقاذ هو وصف صحيح لانه جاء لانقاذ الدولة ولاجل ضمان تجددها من داخل اجهزتها واساسا من اجل انقاذها من الخطر الاسلامي ومن الشارع التونسي.

 

على ان انقلاب السابع من نوفمبر لم يكن في الحقيقة انقاذا للدولة فقط وذلك انه وان جاء لسد الباب امام الاسلاميين فانه وكي يكتسب حدا من الشرعية ومن اجل ضمان تجديد النخبة الحاكمة الجديدة في السلطة قام بعملية تصفية للطبقة الحاكمة القديمة. وقد كان في برنامج النخبة الجديدة تهميش الحزب الدستوري من اجل تاسيس حزب للرئيس ثم تراجع عن ذلك.

 

على ان حاجة الدولة لتجديد نخبتها ولصناعة نخبة سياسية وادارية جديدة تحكم بها البلاد لم تتوقف مع توقف برنامج التخلص من الحزب الحاكم القديم الذي لم يكن من الممكن التخلي عنه خاصة لما يملكه من أرضية تحتية متسعة على جميع انحاء البلاد. لذلك فان المصلحة الامنية للدولة اقتضت المحافظة على هياكل الحزب الحاكم ولكن مع افراغه من مضمونه الايديولوجي القديم وتجريده من طبقته السياسية وقياداته الحزبية من اجل تبديلها بنخب ايديولوجية وسياسية جديدة. وقد مثل اليسار التونسي اهم المساحات البشرية التي انتخبت منها الدولة الجديدة نخبها فكان وعمودها الفقري الذي اعتمدت عليه واستعملته في برامجها وخططها ولا تزال.

 

وذلك ان اليسار كان الاجابة العقائدية الملحة امام صعود التحدي الاسلامي، ما يمكننا من القول مبكرا في هذا المقال ان اساسا من اسس قيام دولة السابع من نوفمبر كان التصدي للصعود الاسلامي باستعمال الايديولجية والنخب اليسارية.

 

خلاصة القول انه تظافرت عدة اسباب لانتاج دولة السابع من نوفمبر وان هذه الظروف سنحت للطرف الاكثر قوة والاكثر استعدادا للمغامرة من اجل التدخل وانجاز التغيير وقطف ثمرة الدولة في تونس، وقد بادر اليسار التونسي في شقه الاستئصالي الى ركوب الموجة التي واتته اخيرا.

 

وهذا يحيلنا الى الموضوع التالي والمتعلق بعلاقة اليسار بالدولة في تونس.

 

اليسار والدولة:

 

مثلت الدولة البورقيبية  اعلانا لانتصار التيار الحداثي العلماني في معركته مع لاتيار الاصلاحي الاسلامي وقد مثل اليسار والتيار العلماني عموما نتاجا طبيعيا للدولة البورقيبية. ومن هنا امكن القول ان دخول اليسار في صراع وتناقض مع النخب الحاكمة للدولة، تناقضا وصراعا تحت سقف واحد ومشترك وبمكن تصوير هذا الصراع بدخول الابن مع ابيه في صراع. ولذلك فان الدولة البورقيبية ما فتات تجدد نخبها الحاكمة بنخب اليسار وتطعم بها اجهزتها بشكل شبه دوري بحيث كانت بعض عناصر هذا اليسار تخرج من السجن كي تلتحق في مرحلة لاحقة باجهزة الدولة.

 

وقد مثل بروز الحركة الاسلامية في نهاية مرحلة الستينات خروجا عن معادلات انتاج النخبة التي صنعتها الدولة البورقيبية الحديثة. اذ تاسست هذه الآلية على اساس انهزام التيار الاصلاحي الاسلامي والعروبي بحيث مثل عودة التيار الاسلامي احياء لمعركة كان من المفروض ان تكون قد حسمت. ومن هنا فان بروز هذا المشروع من جديد قرء كتهديد مباشرا لمشروع الدولة الحديث وخروج عن قواعد الاجماع السياسي الذي وقع بناؤه وتاسيسه على نقيض الاجماع السياسي التقليدي والذي كان قائما على شرعية الحكم الملكي ضمن المنظومة الثقافية الاسلامية التقليدية وبما ان اليسار كان الامتداد الطبيعي للنخب الحاكمة في الدولة فان هذه الاخيرة لجات في اول فرصة لتجديد نخبتها الحاكمة الى نخب اليسار من اجل ان تنهل من معينهم الى الثمالة وفي المقابل اعتبر اليسار ان الدولة الجديدة تمثل فرصة مثالية لهم خاصة مع اهتمزاز مشروعم الايديولجي بسقوط الاتحاد السوفياتي.

 

راى اليسار في الدولة الأداة الاخيرة التي من خلالها يمكنه تحقيق حلمه الايديولوجي والتخلص في ذات الوقت من خصم عقائدي عنيد يزداد عنفوانا وقوة يوما بعد يوم. كما مثل انضمام نخب من اليسار الى الدولة فرصة مشتركة للطرفين من أجل الاجتماع على تحقيق مصلحة سياسية مشتركة تتمثل في التصدي لخصم سياسي وعقائدي وفي هذا الاطار لم يتخلف عن هذا الركب او المسار الا قليل من نخب اليسار ورموزه. وقد صمت اغلب الذين تخلوفوا غن الجرائم التي بادرت الدولة الى ارتكابها في حق المجتمع والحركة الاسلامية، الى ان حمى وطيس معركة الدولة ضد المجتمع ومسهم من شضاها ما آلمهم.

 

الا انه ومن أجل الانصاف  فإنه لا يمكن حصر النقد في ما يخص المسلكية السياسية في اليسار، اذ ان الجميع سارع الى الدولة وبحث عن منافذ لولوج ابوابها او طرقها وبذلك تمكنت الدولة من الاستفراد بالجميع كل منعزلا عن الآخر، ولم تشذ الحركة الاسلامية عن هذا السياق. على ان الفارق الاساسي بين هذه الاطراف هو ان بعضها لجأ الى الدولة من أجل تجنب اذاها ودخول مساحة الاعتراف القانوني بينما لجأ الآخر الى الدولة كحصن وأداة وحيدة للتغيير وتنفيذ برامجه العقائدية باستعمال ادوات الدولة القهرية والعنفية.

 

وفي ظل هذا التحالف الجديد بين المؤسسة الأمنية الماسكة بمقاليد الدولة ونخب من اليسار وقع وضع برنامج ما يسمى بتجفيف ينابيع التدين هذا البرنامج الذي اشتغل لفترة لا تقل عن الخمس سنوات قبل ان يصطدم بعوامل فشله ويسارع الى انتاج تناقضاته.

 

وذلك ان الاستبداد سرعان ما تحول الى وسيلة ومقصد في ذاته ولذاته. وقد كان من اول منتجات هذا الاستبداد نمو طبقة من المنتفعين من ثماره ثم التفاته الى حلفائه من اجل تحويلهم الى ادوات قمعية لا غير وبذلك فشل او بدا فشل الحلم العلماني الاستئصالي في بناء ديمقراطية دون اسلام ودون اسلاميين. وقد انتهى امر التحالف بين الدولة ونخب اليسار الى احساس هذه النخب بازمتها مع بداية النصف الثاني من التسعينات فانقسمت بين الداعين الى الدفاع عن حقوق الاسلاميين الانسانية وبين الداعين الى تبني القضية سياسيا.

 

وقد انتهى الامر في الفترة الأخيرة خاصة مع اتساع اشاعة مفادها عزم السلطة على الترخيص لحزب ذو مرجعية اسلامية الى عودة النقاش بين هذه النخب الى مرحلة نهاية الثمانينات اي الى مربع الصفر قبل اقدام السلطة على انجاز خطتها الأمنية التي ارادت منها ان تتخلص من طرف سياسي واجتماعي متمثل في الحركة الاسلامية. ولم يتوقف النقاش حول شرعية « الحزب الديني » على النخب العلمانية في حوارها الداخلي او حوارها الوطني بل ساهم رموز السلطة في هذا النقاش. وليس المهم في هذا السياق موقف هذه الأطراف بين الرفض او القبول المبدئي او المشروط. المهم ان هذا النقاش عاد في اجواء لا يزال فيها الطرف المعني بهذا الحوار اي حركة النهضة غير مبال بموضوع التقنين ولا باحث عن الشرعية الرسمية، كل ما في الأمر ان اغلب قياداته ورموزه قد غادرت السجن او وقع الافراج عنها. ولكن يبدو ان الساحة السياسية الرسمية والغير رسمية تعاملت او هي تتهيأ للتعامل مع النتائج السياسية لهذا الوضع الجديد. وهذا معبر عن فشل المنهج الاستئصالي الذي انتهجته السلطة وحلفاؤها ومن وافقهم في منهجهم  على انه لا يجب في المرحلة الراهن التسرع الى الاقرار بهذه النتيجة وهذا غير مهم بالنسبة لهذه الورقة بقدر ما يهمنا ان نلاحظ ما يلي:

 

ان الخطة الاستئصالية التي ساهم فيها طرفان الدولة واستئصاليوا العلمانيين في تونس انتجت مجموعة من النتائج المتناقضة مع المقاصد التي وضعت من اجلها، كما حققت مجموعة من الاغراض الخادمة لها:

 

تمكنت هذه الخطة الاستئصالية من اضعاف وتفكيك تنظيم حركة النهضة.

 

تمكنت بسبب العنف الذي مارسته من تشويه وتشويش وعيجزء من ابناء التيار الاسلامي ومن الثقافة الاسلامية التي كانت تبثها هذه الحركة بين صفوف ابناء الشعب التونسي.

 

ولكنها وان حققت هذه النتائج فانها عجزت عن انجاز امر حيوي الا وهو تشويه المشروع الذي قامت عليه حركة النهضة بصفتها حركة اسلامية تنتمي الى التيار الاسلامي الوسطي او ما يمكن وصفه بالتيار الاخواني الذي يزداد اتساعا وقوة في العالم.

 

والحقيقة ان هذه مسالة مهمة بالنسبة لهذا المشورع الذي اثبت لا بالحجة الذهنية والفكرية بل بالممارسة التاريخية انه تيار غير عنفي في مرحلة زمنية كان فيها العنف مبشرا به في المنطقة العربية وفي دول الجوار (مرحلة منتصف التسعينات) وفي هذا الاطار فانه مهما ردد العديد من المتابعين او المعنيين بمناقشة الملف الاسلامي في تونس عن حركة النهضة، فانه لا احد قادر على انكار ان هذه الحركة  من خلال اصرارها على خيار المعارضة السلمية هذا الخيار الذي الذي وقع التصويت عليه في مؤتمرها الاول بالمهجر سنة 1995 قد جنبت تونس عنفا يتسع من جارتها الغربية  الى جارتها الشرقية حتى الى مصر. اذ معلوم ان الذي يريد ممارسة العنف لا يحتاج الى اكثر من تلك الارادة خاصة في مساحة انتشر فيها السلاح والغضب.

 

وفي حين نجحت النهضة عموما في الحفاظ  على، وفي تكريس، خطها السياسي المعارض، فان الدولة ونخب الاستصاليين قد ساهموا في انتاج عكس ما ارادوا.

 

و ذلك  ان المجتغ التونسي سارع بداية من النصف الثاني من التسعينات الى انتاج موجة جديدة من التدين ما فتات تتسع تناسبا مع اتساع المد الاسلامي الذي عم العالم العربي والاسلامي عموما. كما فشلت خطت السلطة في دفع اتباع هذه الحركة الى انتهاج العنف او الى التخلي عن معارضتهم السياسية وفشل في فل عزيمة المساجين او ارهابهم من اجل ان يتخلوا او يعبروا عن تخليهم عن قضيتهم او موقفهم المعارض لقمع السلطة واستبدادها بالسلطة وهم في سبيل ذلك قدموا ثمنا باهضا كان في بعض الحالات حياتهم وفي الكثير منها صحتهم.

 

ادت كل هذه العوامل الى افشال مشروع السلطة التي تحولت من دولة لانقاذ المشروع البورقيبي الى دولة تبحث عن الانقاذ فاقدة لكل شرعية ولكل مشروع سوى الحفاظ على كرسي الحكم. كما ادى ذلك الى اضعاف التيار العلماني الاستئصالي وتحويل نخبه الى ببيروقراطية استبدادية انتهى مشروعها الى محاولة تابيد الاستبداد خوفا من اي تحول يكون لا محالة على حسابها وذلك ان الدولة سيصعب عليها تجديد نفسها الا من خلال التخلي عن عوامل هرمها الاساسية التي ان تمثلت في مرحلة الحكم البورقيبي في الحزب الدستوري الحاكم ونخبه السياسية فانها تتمثل في هذه المرحلة في هذه النخب الاسئصالية وفي عصابات النهب من اعضاء العائلة الحاكمة.

 

والحقيقة انه لولا بعض الأصوات العلمانية الوطنية التي تداركت سقوط اليسار والعلمانيين عموما في مأزق الاستبداد وذلك بوقوف بعضها عند مبادئها النضالية وتدارك البعض الآخر موقفه فتحول الى المساحة النضالية المتناقضة مع الاستبداد؛ لولا هذه الخطوات لكانت دولة بن علي اعلانا لنهاية اليسار والعلمانيين في تونس. وذلك ان التنظيمات والتيارات الفكرية والسياسية لا تعيش وتنمو بنمو مواقعها في السلطة بل هي تتسع قواعدها في المجتمع بقدر خدمتها لمصالح الناس وتعبيرها عن طموحاتهم وعادة ما تكون السلطة او الحكم، خاصة في تشكله الحديث، سببا لهرم هذه التنظيمات والتيارات الفكرية وذلك عائد الى انفصال الدولة العربية الحديثة بنيويا عن مصالح شعوب المنطقة وطموحاتهم.

 

خلاصة القول فانه مع فشل المشروع الاستئصالي واتساع المد الاسلامي وموجة التدين في البلاد عاد الى الساحة الحديث عن الحركة الإسلامية بحثا عن حل للأزمة السياسية والاجتماعية التي تمر بها البلاد.

 

الحركة الاسلامية والدولة:

 

مثلت الحركة الاسلامية المشروع النقيض للمشورع العلماني بوجهيه الليبيرالي والاشتراكي، الا انها مثلت في نفس الوقت محاولة لاحياء السياق التاريخي الذي تواصل وحكم لفترة تجاوزت الاحدى عشر قرنا من الزمن.

 

وقد مثل بروز الدولة القطرية الحديثة، التي سمحت المنظومة الدولية الحديثة بتاسيسها محكومة بالنخب العلمانية المنتصرة، مثل هذا البروز، انتصارا للتيار العلماني على حساب التيار الاسلامي الاصلاحي. على ان هذا الانتصار لم يمثل قطيعة كاملة مع الارث الاسلامي للدولة التقليدية اكان ذلك من حيث النصوص التاسيسية للدولة وخاصة الدستور وكذلك المنظومة التشريعية التي قامت عليها الدولة. الا ان القطيعة التي حاولت الدولة تكريسها وفرضها على المجتمع تمثلت بالاساس في الجانب السياسي وذلك ان نخبة الحزب الحاكم في صيغته البورقيبية سعت الى تكريس انتصارها من خلال تهميش ومنع كل من له نفس اصلاحي اسلامي او عروبي من خلال علاقته بالمشروع الزيتوني الذي حضن التجربة الاصلاحية الاسلامية في تونس او التيار اليوسفي الذي عبر في مرحلته الاخيرة عن الشعور القومي العربي والذي تحالف مع الخط الزيتوني في الحركة الوطنية. وفي مقابل ذلك عملت دولة بورقيبة على مد الاواصر مع النخب العلمانية الناتجة من المؤسسات التعليمية الفرنسية من اجل تجديد الدولة البورقيبية الحديثة وتركيز قواعدها واسسها. وقد اشتغلت هذه المعادلة لفترة لم تتجاوز عقد الستينات اذ سرعان ما انتج المجتمع التونسي جيلا من الشباب رفع راية المشروع الاسلامي من جديد وبدأ العمل والنضال من اجل تحقيقه.

 

ليس المجال في هذا المقال الى التوسع في تاريخ الحركة الاسلامية في تونس ولكن يسعنا القول بأن مشروع الاصلاح الاسلامي ومنذ المنتصف الاول من القرن التاسع عشر ثم القرن العشرين عادة ما كان ينشط ويتسع كلما اتسعت رقعة التحديث في البلاد. اذ صحيح القول بان العلمانية هي انتاج ضروري لعملية التحديث ويبرز هذا خاصة في الرقعة الاوربية من العالم او لنقل في الرقعة المسيحية المرتبطة بالارث الامبراطوري الروماني. الا ان هذه المعادلة لم تشتغل بنفس الطريقة في العالم الاسلامي بل ساهمت الحداثة وتساهم في تجديد الاسلام ذاته مع ما تنتجه من مساحات علمانية تشتغل وتنتعش في المنطقة الاسلامية بفعل التاثير الاوربي خاصة.

 

تحتاج هذه الدعوى الى مزيد من التأمل والتحليل من اجل البرهنة عليها، ولكن يكفي القول في هذا السياق ان تجارب التحديث التي مرت بها المنطقة ساهمت في تنشيط عملية الاسلمة وان انتجت علمنة ضيقة الانتشار  تناسبا مع حركية وانتشار التيار الاسلامي، ومن نتائج هذه الآلية ان باءت محاولات تهميش واستئصال التيار الاسلامي الى الفشل والى ضرب بنية الدولة الحديثة خاصة في علاقتها بالمجتمع اذ لم يعد التحديث ممكنا بالغاء وتهميش التيار الاسلامي الا ان يكون متمثلا في علمانية استبدادية منغلقة. مهم التنبيه ان هذا الحديث ليس موقفا قيميا من الحداثة كما لا يقصد منه القول بان الاسلام من جهته مرتبط بالحداثة. فان صح القول بان العلمانية نتاج مشروط بالحداثة فان الاسلام غير مشروط بها، بقدر ما يمكن القول ان الحداثة تساعد موضوعيا على انتاج الاسلام وعلى تجديده ضمن السياق العربي والاسلامي. وفي ما يخص المثال التونسي فقد بينت التجربة الاصلاحية منذ نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر ثم مرحلة تاسيس الدولة البورقيبية وحتى تجربة دولة السابع من نوفمبر ان الاسلام بصفته مشروعا حضاريا بابعاده المختلفة لا تعرقله او تعطله عمليات التحديث بقدر ما تعينه وتوفر له ادوات للفعل والتاسيس. كما تبين التجربة انه ليس من الممكن تهميش هذا المشروع الا من خلال تعطيل الدولة على الاقل في مستوى علاقتها بالمجتمع ومن خلال تعطيل عملية النمو.

 

المهم من الملاحظة السابقة القول بانه تبين بعد عشرين سنة من تاسيس دولة السابع من نوفمبر ان المشروع الذي تاسست من اجله، اي الوقوف في وجه نمو التيار الاسلامي، لم ينجح بل انه لم يعمل الا لبضع سنوات كي ينفلت هذا المشروع ويعبر عن نفسه بطرق واساليب جديدة  لعلها  تكون اكثر نجاعة بالنظر الى الوضع الاستبدادي الذي تعرفه البلاد. كما ان هذا المشروع الاستئصالي قد ساهم عمليا وبالنتيجة في بناء شرعية نضالية عميقة وواسعة لرموز وقواعد حركة النهضة الامر الذي سيشتغل لصالح هذه الحركة لعقود لاحقة. بحيث اصبح الحجم الرمزي والموضوعي، اليوم واكثر من ذي قبل، من الكبر بحيث يصعب مزاحمته. ولا شك ان هذا سيطرح ويطرح مجموعة من التحديات على الحركة ذاتها من اجل حسن التعامل مع راس المال هذا كي لا ينقلب مفعوله الى عكس نتائجه المفترضة، اذ من البين ان حركة النهضة لم تعد حزبا سياسيا تقليديا بقدر ما هي تنظيما وتيارا اجتماعيا واسعا ومنتشرا بالبلاد. وراس المال هذا وان مثل تحديا لحركة النهضة الا انه يعني انه سيكون من الصعب على اي حاكم لتونس ان يسير مصالحه بصفته حاكما دون ايجاد صيغة مناسبة للتعامل مع هذه الحركة. ولا شك ان هذه الصيغة كي تكون عملية وناجحة وكي تضمن الاستقرار لهذا الحاكم فانه يجب ان تتجنب منطق الاستئصال التهميش والا فان الوضع سيتجه لا محالة اما الى الانفجار او الى التحلل الكلي بحيث يستحيل وضع الدولة بما هي مؤسسة مديرة لمجموع المصالح المتوفر في رقعة جغرافية وبشرية.

 

مستقبل الدولة في تونس:

 

انطلق هذا المقال من مقدمات مفادها ان دولة السابع من نوفمبر جاءت او جيء بها من اجل الاستجابة لمجموعة من المصالح المتعلقة اساسا بتجديد الدولة القطرية الحديثة وريثة مرحلة الاحتلال. وبينت ان الطرف الامريكي كان اللاعب الاساسي في انجاز عملية التحول السياسي. كما بينت ان دولة السابع من نوفمبر قامت بتجديد النخبة الحاكمة من خلال التضحية بالقيادات التاريخية للحزب الحاكم وبتعويضها بنخب اليسار الذي اتفقت مصالحه مع حاجة نخب الدولة الى سد الباب امام الصعود المتواتر للحركة الاسلامية والذي راي فيه تهديدا للدولة في تونس، وفي ذلك الاطار انطلقت الدولة بتركيبتها الجديدة في خطة امنية وثقافية شعارها تجفيف ينابيع التدين.

 

وبين هذا المقال ان خطة الدولة قد فشلت وانها ادت في النهاية الى انتاج عكس مقاصدها.

 

اذ لم تتمكن الدولة، وان جددت من نخبها الحاكمة ومن تاجيل دخول حركة النهضة الى المعترك السياسي الرسمي، لم تتكن الدولة من وقف صعود التيار الاسلامي او من التقليل من مشورعيته. بل هي ساهمت في اضعاف التيار العلماني الذي احتمى بها واوصلت الدولة الى مرحلة الهرم في اقل من عقدين من الزمن بحيث اصبحت دولة السابع من نوفمبر تفكر في بدائلها عوض التفكير في دعائمها.

 

كما بين هذا المقال ان ضرب الحركة الاسلامية  ادى ويؤدي الى ضرب اسس الدولة ذاتها وقمع المجتمع.

 

ويمكن القول بالاظافة لما سبق ان المعادلة الدولية وبعد اكثر من عشرين سنة من الهيمنة المنفردة للولايات المتحدة على المعادلة الدولية بدات تشهد مجموعة من التغيرات اذ تمكنت روسيا في غفلة من الولايات المتحدة التي كانت منشغلة في حربها الغبية ضد ما تسميه بالارهاب من استعادة انفاسها ومن طرح نفسها من جديد كلاعب على المستوى الدولي كما تمكنت الصين في نفس الوقت من التقدم مجموعة من الخطوات الاستراتيجية في السوق الدولية ومن افتكاك مجموعة من المصالح الاستراتيجية لم تكن لتكون قادرة عليها لولا الانشغال الامريكي في تطرفه وعماه الايديولوجي في حربه ضد عدو وهمي. كل ذلك ساهم في تعديل الموازنة الدولية وفي ذات الوقت فسح المجال لبعض القوى الاوربية من التقدم من اجل استرجاع بعض الرقع الجغرافية التي افتكتها الولايات المتحدة ومن ذلك الرقع السياسية المتناثرة على الخارطة الافريقية والمنسوبة تقليديا لصالح اللاعب الفرنسي الذي افتكت منه الولايات المتحدة مجموعة من القطع كانت تونس احداها.

 

وقد تمكن نظام السابع من نوفمبر بفضل ادراكه لهشاشة الموقف الفرنسي خلال الفترة السابقة من اللعب على التناقض الامريكي الفرنسي ولكن عودة اللاعب الفرنسي لا شك سيضيق عليه مجال المناورة، وهو في كل الحالات سيفرض عليه معادلة جديدة وربما يفتح الوضع التونسي على مجموعة من الاحتمالات الجديدة التي تحتاج هي ذاتها الى الفهم والتحليل وربما يكون المثال الموريتاني احد ثمراتها وافرازاتها. هذا بالاظافة الى الوضع الامريكي مرشح ليعرف تغيرا في سياسته الخارجية خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية التي ومهما كانت نتيجتها فانها ستسعى الى اعادة تاسيس وضع امريكا في العالم من اجل انقاضه من المازق التي وقع فيها الى حد الان.

 

والخلاصة التي يريد هذا المقال الانتهاء اليها تتمثل في ما يلي:

 

لا شك ان تونس وبعد عشرين سنة من حكم السابع من نوفمبر مقدمة على مرحلة سياسية جديدة تحتاجها الدولة من اجل تجديد نفسها بصيغة او باخرى ولا يعني تجديد الدولة حتمية تغيير قيادتها السياسية ولكنه يعني ان الدولة تحتاج الى شعارات جديدة وايديولوجية جديدة للحكم.

 

على ان الوضع ان تواصل على ما هو عليه فانه سيصل الى مرحلة تعجز فيها الدولة عن تجديد نفسها حتى ان رغبت وسعت الى ذلك. وذلك ان الانحلال الذي سيصيبها سيعمق من تناقضاتها ويخل من قواها بحيث تعجز عن تجديد نفسها ولا شك ان اللاعب الفرنسي لا يريد ان تتكر تجربته السابقة مع السابع من نوفمبر، خاصة وان الراعي الامريكي كان في حالة السابع من نوفمبر قد اتخذت مؤسساته قراره في اعداد البديل عن الرئيس الراحل منذ سنة 1984 او قبلها بسنتين.

 

سيكون من الصعب على الدولة في تونس تجديد نفسها في هذه المرحلة من خلال تطعيم اجهزتها بالنخب العلمانية -او على الاقل الجانب الاستئصالي منها- وذلك انه قد وقع استهلاكها بادوات القمع والاستبداد، وستحتاج الدولة الى الاستعاضة عنها بنخب اقل ما يقال فيها انها مختلفة عن سابقتها ان لم نقل انها نخب تستند الى الاسلام في اي من وجوهه كمرجعية.

 

سيكون من الصعب على اي نخبة حاكمة تجاهل او تهميش حركة النهضة هذه الحركة التي اكتسبت راس مال رمزي وموضوعي واسع يضعها في مقام اوسع من الاحزاب التقليدية ولكن ضمن دائرة المجتمع.

 

بسبب الضرر الذي اصاب المشروع العلماني التونسي نتيجة التصاقه وتحالفه مع الاستبداد فان وضعه لن يكون يسيرا خاصة اذ ما وقع في تناقض جذري مع حركة النهضة ومع الاسلام عموما لذلك فان العلمانية التونسية ستحتاج الى ارضية اسلامية ما ترتكز عليها كي تضمن حيويتها وحياتها في المجتمع كما ستحتاج على المستوى السياسي الى علاقة اقل ما يقال فيها انها تصالحية مع حركة النهضة كي لا تهمش نفسها عن المشهد السياسي والاجتماعي.

 

ختاما: ان ما يطلق عليه « بالاسلام السياسي » قد عرف خلال النصف الثاني من القرن الماضي وبداية هذا القرن تحولات جذرية في المجتمع حوّله من مرحلة الدفاع عن النفس وعن الهوية الاسلامية للمجتمع الى مرحلة الوقوف على اعتاب الدولة.

 

وقد تمكن هذا الاسلام من اخذ مواقع في هذه الدولة او من الجلوس على كرسيها او من الوقوف عند بابها ولكنه موجود هناك عند تلك النقطة. ووليس من المغامرة القول انه يبدو ان المرحلة التاريخية القادمة هي مرحلة تحول الاسلام الى الدولة.

 

ومن هنا فان التحدي القادم بالنسبة للاسلام غير مرتبط لا بوجود هذا الاسلام او بشكل وجوده او بمدى ارتباط الشعوب الاسلامية به، بل بهويته السياسية بين اسلام وطني ومناضل وبين اسلام عميل للاجنبي ومدافع عن مصالح طبقة الحكم.  وذلك مثلما هو الوضع الآن في ما يتعلق بالنخب العلمانية بين نخب وطنية مناضلة وبين نخب عميلة للاجنبي ومدافعة عن مصالح الطبقات الحاكمة عدوة لمصالح ومطامح الجماهير.

 

(المصدر: مجلة « أقلام أون لاين – تونس »، العدد الحادي والعشرون، السنة الخامسة / فيفري – مارس 2008)

 

الصحافة التونسية: مسافات بين الماضي والحاضر

الطاهر العبيدي  taharlabidi@free.fr إن الصحافة في تعبير مبسط هي وسيلة من وسائل الإعلام، شأنها شأن الإذاعة والتلفزة، مهمّتها إيصال الأخبار للقارئ، إذ يعجز عن الاطلاع عليها بوسائله الخاصّة، والمهمة على بساطتها ليست سهلة، ولذلك تتنافس الصحف وتبذل الوقت والجهد والمال، لتفوز بالجديد قبل غيرها، وتضع تحت تصرّفها فريقا من العاملين والمتعاونين، وشبكات من العلاقات لتسيير هذه المهمّة، وقد عرفت الصحافة في عصرنا تطورا مذهلا، وأصبحت لا ترضى بدور النقل، أي أنها لا تنقل الأخبار خاما، بل أصبحت تتجاوز دور النقل، إلى دور التحليل والتعبير والتفعيل والشرح والاستنتاج واستقراء الأحداث، لذلك يقال أن الصحافة مرآة عصرها، تعكس بصدق أو بغيره واقع المجتمع الذي تخاطب أفراده، وتبيّن مدى التطور الذي وصل إليه، وهي إلى جانب إنارة الرأي العام وتزويده بالمعلومة والخبر ومستجدات الساعة، فإنها أيضا تقوم بدور النقد في مفهومه الشامل، أي إبراز الحسن في مختلف الميادين، وبيان الطريق إلى الأحسن، وكشف السيئ والدعوة إلى تجنبه، وتلعب الصحافة في العالم الغربي دورا مركزيا ومحوريا في حياة الفرد والمجتمع، ذلك لأنها تتمتع بمساحة مهمة من الحرية والحركة، بحيث في وسعها أن تنقد وتقترح، وأصبح للرأي العام وزنه في تحديد شكل المجتمع، وتسطير خيارات حكامه، لذلك يصرف المرشّحين للرئاسة مثلا في أمريكا أموالا طائلة، من أجل إيصال أفكارهم وسياساتهم وبرامجهم إلى الناخبين، ويكفي للتدليل على دور الصحافة في تغيير الموازين والمعادلات، التذكير بما قامت به صحيفة « النيورك تايمز » في كشف فضيحة « وترقيت »، والتي تسبّبت في إقصاء الرئيس « نكسون » من البيت الأبيض، أو كشف أوضاع التعذيب في سجن « أبو غريب » « وغوتمالا » وغيرها من القضايا المكفنة، والتي لعبت الصحافة الغربية دورا في إزاحة العباءات، التي تختزن تحتها العديد من المآسي الإنسانية والكوارث الدولية،  ولا يعني هذا أن الصحافة الغربية هي المثل الأعلى، فموقفها من العديد من قضايا التحرر في العالم، كفلسطين والعراق والبوسنة والصومال ولبنان وأفغانستان… وغيرها يكشف أن مفهوم الحرية والموضوعية مفهوما زئبقيا، يمثل أوجها مختلفة.. وفي الضفة الأخرى فإن الصحافة في بلدان العالم الثالث لا تزال تعكس الجمود والانحدار، فهي إما تسبّح بمجد الحاكم ليلا نهارا، أو تخصّص الجزء الأكبر من صفحاتها لملأ فراغ المواطن بأخبار لا تعنيه، وتمارس نوعا من التخدير الرسمي والإلهاء المقصود، عدا بعض الدول التي تشهد نوعا من الانفتاح الإعلامي، ولعل هذا ما يدفعنا إلى القول، بأن الصحافة حرية أو لا تكون، لأن الصحافة هي نوافذ مفتوحة لالتقاط واقتناص الحقائق، تساهم في تقويم واقع المجتمع، وتوصيف أخطائه، وثغرات بنائه الاقتصادي والسياسي والثقافي والاجتماعي، وهذا ما يدفعنا على تأكيد المقولة التي تعتبر الصحافة هي السلطة الرابعة في الدولة، تقوم بدور مواز لأدوار السلط الثلاث، وفي بعض الأحيان تتقدمهم، ذلك لأن الإعلام هو من أهم المواضيع المؤثرة سلبا أو إيجابا  في إرساء مجتمع متكامل، حيث يعتبر الإعلام النزيه من أوكد دعائم النظم الديمقراطية، ومتى تراجعت الصحافة عن خدمة الشعب، وتخلت عن شرف حمل الأمانة أصبحت الكلمة         أعشاشا للانتهازيين، من محترفي قول الزور، ونشر الأراجيف، وصلب الحقائق.. فإذا كان الإعلام في بعض البلدان الغربية قد بلغ حدّا كبيرا من حرية التعبير، أصبح معه استفتاء الشعب حول القضايا الحياتية والمصيرية، يقرأ له ألف حساب، وصار كوابح، فإن الإعلام في تونس بلغ درجة كبيرة من التحنط، ما يدفعنا إلى التساؤل عن مستقبل الكلمة في بلادنا، فما عاد خافيا سيطرة التجمع « الدستوري الديمقراطي » الحزب الحاكم، على أجهزة الدولة، ومن ضمنها منابر الإعلام، حيث أضحت هذه المؤسسات الإعلامية تابعة للحزب، خادمة لأغراضه عوض أن تكون لفائدة الجماهير، فأصبح مصدر الخبر واحدا وهو الحزب / السلطة، ورغم الاحتجاجات المتكرّرة والمختلفة في تعبيراتها،  والنداءات العديدة، والأصوات المتعالية المطالبة « بدمقرطة » الإعلام، إذ لا ديمقراطية بدون إعلام نزيه ومحايد وموضوعي، فإن المكبلات القانونية والسياسية تجعل الإعلام التونسي جسدا بلا روح، والمسألة في تقديرنا أعمق من تمكين بعض أحزاب المعارضة من حيّز إعلامي في الإذاعة والتلفزة، أو تدعيم شاحب لصحف معارضة، إذ أن أزمة الإعلام التونسي بنوية في الأساس، لأن عقلية الإقصاء والتفرّد بالسلطة التي رافقت مسيرة الحزب الحاكم، خلقت عقلية إقصائية، موغلة في الخطاب الأحادي والحقيقة الرسمية المنزّهة، فصحافة الزعيم أنتجت إعلاما يعبد الشخصية، وقادرا على التأقلم مع جميع الأحداث والمستجدات بنفس الخطاب، فالصحف التي هتفت بالأمس بحياة النازل هي اليوم تهتف بحياة الصاعد، دون أن ننسى أن تونس قبل غيرها في المنطقة المغاربية، شهدت عدة تجارب صحفية جريئة، حاولت إرساء وعي إعلامي جماهيري، غير أنها اصطدمت بالجدار الاسمنتي للسلطة، التي كل مرة تحاول إجهاض هذه التجارب، أحيانا بالقوة وأخرى بقانون الصحافة المؤوّل لفائدة سلطة القرار، وخلال هذه المراحل المتأرجحة بين الشد والجذب، عاشت الساحة الإعلامية التونسية العديد من الممارسات تجاه صحافة الرأي، اتسمت بالإقصاء والمحاصرة والمصادرة، حتى بات الميدان الإعلامي خاويا من كل نفس تحرّري، رغم محاولات التململ والتمرّد والصمود، حيث صار الوعي الإعلامي في نظر القرار الرسمي، عرقلة للتنمية ويهدّد السلم الاجتماعي، واصطياد في الماء العكر… ويجرّنا هذا الواقع المحنط للوقوف عند بعض المنعرجات التاريخية، التي شهدت فيها تونس بعض التجارب الإعلامية المستنيرة، التي حاولت خلق انبعاث إعلامي مؤسس لحرية الرأي والتعبير، جعلت هذا الماضي بكل ما فيه من نواقص، أكثر إشراقا من الحاضر الإعلامي الداكن.. ففي سنة 1981 تأسست جريدة الرأي، التي ساهمت في تشكيل وعي إعلامي إلى حد ما، استطاع أن يرتقي بالخطاب السياسي إلى مستوى النضج والحوارية، المبني على احترام الاختلافات الفكرية والإيديولوجية والسياسية، وكانت منبرا إعلاميا مفتوحا على العديد من الرؤى السياسية، غير أنها اصطدمت بعنف السلطة، التي حجزتها في العديد من المناسبات، ومع ذلك واصلت الصدور المتعثر، إلى غاية 1985 حين وقع حجزها نهائيا، ثم عاودت الصدور بعد انقلاب 7 نوفمبر 19987، وفي أول عدد، وعلى إثر مقال « لأم زياد » في شكل مقامة ساخرة، حاولت فيه الكاتبة اختبار مدى انفتاح السلطة، التي لم تتردّد في غلق هذه الصحيفة المكسب، وإلى الأبد، هذا وتعددت الإيقافات بالنسبة للصحف الأخرى، كمجلة حقائق ونذكر مثلا أنها حجزت أحد المرات، بسبب مقال للمفكر التونسي « هشام جعيط »، كما تمّت مصادرة مجلة المغرب العربي نهائيا، والحكم غيابيا بالسجن عشر سنوات على مدير تحريرها عمر صحابو. هذا ولا يفوتنا أن نلاحظ أن الفضاء الإعلامي التونسي شهد في الثمانينات فسيفساء من الصحف والمجلات، التي تبارت في التعبير عن رؤى مختلفة، مثل مجلة الموقف الناطقة باسم التجمع الاشتراكي التقدمي – جريدة الشعب لسان الاتحاد العام التونسي للشغل- جريدة المستقبل المعبّرة عن توجهات حركة الديمقراطيين الاشتراكيين – جريدة الوحدة التابعة لحزب الوحدة الشعبية – البديل المعبرة عن أراء حزب العامل  التونسي – الطريق الجديد الناطقة باسم حزب الشيوعي التونسي – الفجر النافذة المفتوحة على طروحات الإسلاميين -أسبوعية القلعة القريبة من التيار الإسلامي، وقد كان مصير الأغلبية أو جل هذه الصحف، هو قتلها بالسلاح الصامت، وطي صفحاتها نهائيا، ولم يكن حال الصحفيين أفضل من هذه الجرائد والمجلات المخنوقة، فمنهم من انخرط في حوض السلطة، وفضّل أكل العيش، ومنهم من خير الانسحاب الصامت، ومنهم من حوّل إلى قسم العدالة، ومنهم من فرّ خارج البلاد، ومنهم من هاجر والتحق بمؤسسات إعلامية دولية وعربية، ومنهم من فضّل البقاء ماسكا بقلم من جمر ورغيف مر، وبذلك تكون السلطة قد سعت من حيث تدري أو لا تدري، في اقتلاع كل نبات يساهم في تحصين التربة من الانجراف والجفاف الإعلامي، وفي المقابل انفتحت الأبواب على صحافة العرّافين والمشعوذين والخواء، مما جعلها متسللة عن هموم وطموحات المواطن، الذي بدوره فقد كل الثقة بصحافة بلاده، وتحوّل عنها إلى تتبع مستجدات أوضاعه السياسية والحياتية، من خلال الفضائيات والمنابر العالمية الأخرى، حتى بات الإعلام التونسي بعيدا عن الواقع، غير مكترث بجملة التحولات الإقليمية والدولية، موصدا الأبواب في اتجاه هبوب رياح التغيير، ليظل يمضغ خطابا عاجيا صار هذيان خارج العصر. ********************* المصدر  الحقائق الدولية بريطانيا / 13 – 2 – 2008
 

شركة فسفاط  قفصة وحوار الحضارات

 
كما هو معلوم شهدت مناطق الحوض المنجمي بجهة قفصة سلسلة من المسيرات الشعبية والاعتصامات الاحتجاجية على إثر الإعلان عن نتائج المناظرة التي قامت بها شركة فسفاط قفصة وقد كانت دون انتظارات وآمال أهالي الرديف وأم العرائس والمظيلة الذين يتهمون الشركة وأطرافا أخرى بعدم مراعاة أولوية التشغيل لشباب المنطقة التي تعاني أوضاعا اجتماعية صعبة . وكنا ننتظر أن تبادر الشركة المذكورة بإقامة حوار بناء مع الأطراف المعنية للاستجابة لتلك التطلعات المشروعة غير أن مفاجأة ثقافية أنيقة كانت في انتظارنا هذه الأيام حيث بادرت شركة فسفاط  قفصة مع المجمع الكيميائي التونسي إلى دعم إصدار سلسلة جديدة من الكتب الشهرية لجريدة الحزب الحاكم وكان الكتاب الأول لشهر جانفي يحمل عنوان: الحوار بين الحضارات. وبهذه المناسبة نقول لمسؤولي الشركة المعنية، الذين طبقوا في هذا الظرف العصيب و بكل ذكاء استباقي لأي تحويرات ممكنة على رأس الشركة مبدأ حياد الإدارة عن الأحزاب السياسية، إن حوار الحضارات على الرأس والعين، ولكن الحوار الاجتماعي في ظل الشفافية وبعيدا عن المحسوبية والولاءات الضيقة، أولى وأنفع.  محمد بوعود (جريدة الوحدة)


في منتدى التقدم:

تحديات الحركة النقابية في عصر العولمة (2 )

نواصل فيما يلي تقديم اللقاء الذي تم في إطار منتدى التقدم يوم 1 فيفري 2008 تحت عنوان: تحديات الحركة النقابية في عصر العولمة. وقد تضمن العدد السابق من جريدة الوحدة مداخلات السيدين عبد المجيد الصحراوي والحبيب قيزة. حرصت السيدة عربية بن عمار على إعادة محورة الموضوع والالتزام بالإشكالية الأساسية المطروحة بعيدا عن التشخيص والتشنج مذكرة بأهداف منتدى التقدم وطابعه الحواري الديمقراطي في كنف احترام الرأي الآخر، وأشارت إلى أن العمل النقابي يبقى مدرسة لنا جميعا، وإذا كان الاتحاد العام التونسي للشغل قد مرّ بأزمات فهو في ذلك ككل الهياكل. السيد الطاهر شقروش أكد أن العولمة هي التي تتحدى الحركة النقابية وليس العكس واعتبر أنها اتساع لتأثير الرأسمالية على مستوى كوني. وقد أصبحت منذ تسعينات القرن الفارط تطرح نفسها كبديل مطلق وحيد على البشرية. ولكن اليوم حيث يلتقي في دافوس أثرياء العالم لم يعد يصدر نفس الحماس والتفاؤل وكأن الرأسمالية تعرف مأزقا خطيرا، مع أزمة الائتمانات العقارية وخسارة البورصات و البنوك العالمية أكثر من ألفي مليار دولار. وهي أزمة ليست مالية بحتة بل اقتصادية شاملة من أسعار الطاقة والمعادن إلى المواد الفلاحية. و يجدر الاعتراف أن العولمة قد وضعت حدا لنمط معين من العمل النقابي، مع انتشار الخوصصة والاستثمارات الخارجية المباشرة و رفع الحماية عن التجارة. و قد كان العمل النقابي (في تونس وغيرها من البلدان) قائما على معادلة محددة هي أقرب للمقايضة بين الدولة والنقابات التي تقبل بالنظام السياسي مقابل التزامات معينة. ولما تخلت الدولة عن دورها الاقتصادي والاجتماعي في الإنتاج والتخطيط وتوفير الشغل القار والخدمات الأساسية من السكن والصحة والتعليم والنقل، لم تعد تتحكم في شيء تقريبا، ففي المفاوضات قد تقول لك: أضمن لك الأجر فهل هي التي ستضمن استقرار الأسعار؟ والواقع أنها لا تتحكم في الأسعار وليست مطالبة بذلك. وبكلمة السوق هو الذي أصبح يحكم وليس الدولة، فالنظام الاقتصادي الجديد يتطلب نظاما اجتماعيا جديدا، لا سيما وأن الثورة التكنولوجية غيرت عالم الشغل ( العمل عن بعد، الإفراق، التنظيف والحراسة والمحاسبية… خرجت من المؤسسة حتى في القطاع العام) متسائلا أين الطبقة الشغيلة التي تكاد تتبخر؟وأين العمل القار الدائم مع انتشار المناولة والعقود؟ وهل يوجد عمل نقابي من دون عمل قار.ولكل ذلك ينبغي التفكير في أساليب جديدة للعمل النقابي مادامت الرأسمالية تتجدد ، والملاحظ عندنا أن العمل النقابي لم يتجدد. وإذا كانت العولمة تتحدى العمل النقابي في مضمونه ووجوده فإنه لم يعد بالإمكان رؤية مركزية نقابية متقوقعة أو قيادات نقابية ذات امتيازات كبرى. السيد زياد الهاني تحدث بصفته الشخصية كصحفي عن قطاع الإعلام مؤكدا أن التحدي الأكبر اليوم  هو أولا الاستقلالية وبناء المنظمة المهنية القوية القادرة على الدفاع عن حقوق الصحفيين ومنع انتهاكها، واعتبر تكوين النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين  خطوة متقدمة لبعث اتحاد الصحفيين التونسيين الذي ستكون له الصفة النقابية لتمثيل الصحفيين والتحكم في المهنة لفرض تطبيق أخلاقياتها وميثاق شرفها، فمع العولمة طرف آخر ـ إلى جانب الصحفيين والسلط العمومية والمجتمع المدني بمختلف تشكيلاته ـ دخل المعادلة بقوة هو رأس المال، الذي يريد توظيف الإعلام كأداة نفوذ له، وهويحمل مصالح وقيم تختلف في جوهرها عن قيمنا وميثاق شرفنا كصحفيين وعن قيم السلط العمومية التي تسعى في الأصل إلى المصلحة العامة وعن قيم المجتمع المدني الذي يحمل قيما تتعامل مع الإنسان كإنسان، واختتم تدخله بتوجيه نداء إلى كل المعنيين من أجل العمل جميعا على تقوية الهيكل المهني للصحفيين،  لأن في قوة هذا الهيكل واستقلاليته ومناعته، مصلحة عامة متأكدة لكل الأطراف التي تؤمن بإنسانية الإنسان وترفض تبضيعه. السيدة منجية الزبيدي ركزت تدخلها للرد على ما ورد في مداخلة السيد الحبيب قيزة الذي اعتبرت أنه تكلم بمنطق « أنا أو لا أحد » في حين أن الكثير من النقابيين ناضلوا وقدموا التضحيات من أجل الاتحاد والمحافظة عليه، كما أن مداخلته قد حادت عن موضوع هذه الحلقة من منتدى التقدم الذي ليس هو الإطار المناسب لتقييم الاتحاد العام التونسي للشغل خصوصا وأن الاتحاد غير ممثل بصفة رسمية في هذا اللقاء، وإن كانت لا ترى مانعا من التعامل مع المنتديات والفضاءات الفكرية الحرة والتعددية و تقبل النقد لإصلاح الذات. ولكنها احتجت بشدة على وصف النقابيين بالأمية وعلى تجريح الأشخاص (مثل إسماعيل السحباني) وشتم بعضنا البعض. ومن منطلق تجربتها النقابية الطويلة في صفوف المنظمة الشغيلة أشارت إلى أن الاتحاد هو ككل المنظمات والأحزاب والمؤسسات يتضمن إيجابيات مثلما ينطوي على سلبيات لا يمكن بحال أن تمسّ من نضاليته وتاريخه كمدرسة تكوّن فيها الجميع بمن فيهم السيد الحبيب قيزة الذي اعتبرت أنه (هو أو غيره) حر في الخروج من الاتحاد ولكن الأفضل بالنسبة إليها كان في البقاء داخل الاتحاد ومواصلة العمل والنضال من الداخل. السيد محمد الهادي التواتي أيد ما جاء على لسان السيد الطاهر شقروش بخصوص العولمة التي أدت إلى التفريط في المؤسسات وتسريح العمال وهشاشة الشغل وكل هذه الإشكاليات معروفة ومعاشة، معتبرا أن مشكلتنا المباشرة تكمن في أن القيادة النقابية لا تقودنا إلى بر الأمان، ولكن ذلك لا ينفي أننا بدورنا قد كان لنا جزء من المسؤولية عما حدث، متسائلا: إلى متى سنبقى نستعمل الأدوات والأساليب القديمة، التي تعلمناها في المدرسة النقابية التي كنا نسميها « المدرسة العاشورية » وتلك الأساليب لم تجعلنا نشعر أننا بصدد تجاوز السلبيات، فالمنظمة الشغيلة أصبحت مرتبطة أساسا بقطاعات من الوظيفة العمومية، وكأنها اتحاد الوظيفة العمومية. أما الحل المعلن فلا يتجاوز نفس الشعارات القديمة  » لا للعولمة » دون أن نعطي موقفا واضحا و صريحا منها باتجاه الحكومة. واعتبر أن تنصيب القيادات النقابية ما زال يمارس إلى اليوم، وليس هذا تجريحا في الأشخاص. ثم طرح بعض الأولويات كإعادة الهيكلة في المنظمة وقوانينها وتشبيب كوادرها بما يتماشى والأجيال الجديدة وآليات العمل الجديد، مع إعادة النظر في تعاملها مع السلطة والتخلي عن اللغة المزدوجة، وليس مجرد الترديد الخطابي لشعار الاستقلالية، معتبرا أنه ليس صحيحا أن الاتحاد أصبح مستقلا منذ أن استقال الحبيب عاشور من الديوان السياسي للحزب الدستوري كما ورد في مداخلة عبد المجيد الصحراوي. وهذا لا يعني أنه ضد التفاعل مع السلطة. ومع ذلك أكد أن التعددية ليست الحل السحري لمشاكل الحركة النقابية. ولا يرى كيف يمكن كسر المبدأ القائل في التوحيد قوة، واختتم تدخله بشكر منتدى التقدم وجريدة الوحدة وحزب الوحدة الشعبية على إتاحة فرصة اللقاء والتحاور في مثل هذه المواضيع الهامة مقترحا لقاءات أخرى للقيام بقراءات معمقة في تاريخ الحركة النقابية التونسية وأزماتها. السيد العياشي بالسايحية أشار إلى أن العمل النقابي وجد مع الرأسمالية التي طورت أساليبها وهي ماانفكت تتحدى العمل النقابي وتستفزه، داعيا إلى ضرورة عدم التناول الأخلاقي كما جرت العادة لموضوع العولمة التي لا يمكن دراستها إلا في إطار تراكم رأس المال، وتطور الرأسمالية،   معتبرا أن للعولمة مسار قديم برز مع الحروب العالمية التي كانت محاولات لممارسة شكل من أشكال عولمة رأس المال المخطط لها. وكأنه لا وجود لنهايات فيما يتعلق بعملية التراكم الرأسمالي، وقد كان هناك رأي بأن الامبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية. أما مسألة التعددية النقابية التي قد تكون في نظر البعض حلا من حلول المواجهة فيمكن أن يخصص لها لقاءات أخرى. ملاحظا أن بعض المتدخلين لم يعبروا في هذا المجال عن مواقف واضحة، وذكر بأن التعامل النقدي مع القيادة النقابية حتى في عهد الزعيم النقابي فرحات حشاد كان موجودا،  أما السلطة فتبقى جزءا من المعادلة ومن ميزان القوى. والمهم بالنسبة إليه أن يقع داخل الاتحاد الالتزام بمبادئ أساسية ثلاثة ( يدعمها اليسار) وهي أن يكون الاتحاد مناضلا ومستقلا وديمقراطيا، ولا يمكن البحث عنها خارجه، حتى  يحافظ على إشعاعه وطنيا وعربيا ودوليا… السيد مصطفى بن أحمد دعا إلى القطع مع الثقافة البكائية والوقوف على الأطلال، فالقطاع العام لم يعد  في ظل المقاييس الجديدة التي رسمها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، قابلا للحياة، فلقد اهترأ مع الانفتاح والحدود المخترقة، وحتى الصين دخلت في المنظومة، وليس لنا في هذا الواقع ناقة أو جمل. لأن التفاوت الحضاري والثقافي والاقتصادي والسياسي هو الذي فرض أن قيادة العولمة تأتي من البلدان التي حققت نسقا ونموا كبيرا، أما العولمة فليست مرتبطة فقط بالعمل النقابي بل إنها نسفت كل آليات المجتمعات التقليدية وبناها. فالحركة السياسية اليوم في أزمة، والدولة نفسها تتشبث بآخر مواقعها للتأثير… ولذلك يمكن القول إن الحركة النقابية قد فوجئت باحتداد المواجهة ودخلت في التجريبية، كارتباطها بحركات مناهضة العولمة التي أصبحت تعبر وتعبئ أكثر من الأحزاب،  وتوحيد المنظمات النقابية العالمية. أما بخصوص الوضع النقابي في تونس فعبر عن انزعاجه من أي قراءة مستسهلة ومشخصة للتاريخ، معتبرا أن أغلبية النقابيين قد شاركوا في صنع قيادة التسعينات (السحباني) والاستفادة منها، وهي التي كانت تمثل أيضا جسر تحالف مع السلطة ضد الإسلاميين الذين كان همّ اليسار الأول التصدي لهم. ولئن غلب الطموح على النقابيين (وهو من بينهم) أبناء المنظمة و التطبع بسياسة الجهاز وفكره وضغوطه، واستفادوا بدرجة أو بأخرى من قلة الديمقراطية والمركزية المفرطة…، فإنه ينبغي الاعتراف  بأن مؤتمرات الاتحاد الأخيرة (جربة والمنستير) كانت من الناحية الانتخابية على الأقل ديمقراطية. وإذا كنا قد ساهمنا في وضع قوانين اللعبة (السيئة) فعلينا أن نحترم النتائج إذا خسرنا. وتساءل عن جدوى الاكتفاء بتحميل الاتحاد مسؤولية التفويت في حين أن الدولة بكل مؤسساتها لم تكن قادرة على الوقوف في وجه الموجة… فكيف سيكون للاتحاد القدرة على الحفاظ على ممتلكاته، مستغربا البكاء على نزل أميلكار دون تقديم أي تصور للتصرف الأمثل، في حين أن لنا أكثر من عشرين سنة ونحن نقول إن هذا النزل يعاني من سوء تسيير وتصرف وأصبح يمثل عبئا على الاتحاد (ديون بسبعة مليارات…)… وأكد أن الخطأ ينطلق معالجته من الكل بمستويات متفاوتة، لأن المسؤولية جماعية ونتحملها جميعا،  بينما اعتبر أن الاستقلالية مسألة نسبية تتمطط حسب موازين القوى، وإذا كانت الاستقلالية قد ضعفت اليوم فذلك لأن المجتمع المدني التونسي كله ضعف،  فالجامعة التي كانت حليف الاتحاد الموضوعي والأساسي وقاومت سنوات 1978 و1985 أصبحت غير موجودة، و الأحزاب السياسية بمختلف تصنيفاتها هي أيضا مرتهنة ومحاصرة ومصادرة القرار، فلماذا يلقى العبء كله على الاتحاد؟ أما فيما يخص التعددية، فأشار إلى تجربة المغرب وما تعانيه من تشتت وتشرذم يدفع اليوم النقابيين المغاربة إلى اعتبار التعددية النقابية أكبر مصيبة يعانون منها، وهم بصدد البحث عن صيغ التوحيد. وتساءل بالنسبة إلى تونس هل تكون التعددية عبر تقسيم الاتحاد أي بخلق انشقاق داخل الاتحاد وهي محاولات لم تنجح فيها حتى الدولة التي انخرطت في الليبرالية الاقتصادية، لأن الاتحاد ظاهرة اجتماعية عميقة مغروسة، أم أن التعددية الحقيقية هي توسيع التمثيل النقابي داخل الاتحاد لأن أكثر من 70 بالمائة من العمال التونسيين غير مؤطرين،وهذا ينبغي أن يكون موضوع حوار وطني. السيدة وسيلة العياري دعت إلى التعمق في التجربة الرائدة لدول أمريكا الجنوبية بإعادة قراءة موضوعية للأزمات وردّ الاعتبار للعديد من المكاسب والإرث النقابي الذي نعتز به وتحيين القوانين والأنظمة الداخلية للمنظمة الشغيلة وفق التغيرات العالمية التي صرنا متخلفين عنها، مع الابتعاد عن الشعارات الفضفاضة وتقديم حلول فنية عملية تأخذ بعين الاعتبار  تغير نوعية العلاقة من طرف مشغل عمومي إلى طرف مشغل خاص (بما فيه الأجنبي) والتوجه إلى إقرار اتفاقيات إطارية مشتركة في قطاعات هامة ( كالفلاحة وعمل المناولة…) وإمكانية القيام باستشارة موسعة موضوعية وديمقراطية بين النقابيين وحاملي الهم النقابي للخروج من الأزمة التي لا يمكن تجاهلها أو إنكارها. عادل القادري  (جريدة الوحدة)


الكدّ و الشقاء في المناجم و العزّ و الرخاء في العواصم

 
أنور بن نوّة هي كلمة سمعتها يوم السبت الفارط في أمّ العرائس بمناسبة الزيارة التي أدّاها وفد من حركة التجديد, كنت مشاركا معهم إلى منطقة المناجم. كلمة قالها « شخص بدون هويّة يجلس على السكّة » وهو وصف اعتمدته صحيفة أسبوعيّة كتب على صفحتها الأولى أنّها مستقلّة. وأعتقد بكلّ موضوعيّة أنّها مستقلّة تماما بل بعيدة كلّ البعد على الاهتمام بمشاغل أبناء البلاد. هي قد تناست ربّما أنّ هذا « الشخص » يحمل بطاقة هويّة تونسيّة استخرجها من مركز الحرس الوطني المختصّ نظرا لأنّه يحمل الجنسيّة التونسيّة ولا يمكنه تبعا لذلك أن يستخرج بطاقة تعريف جزائريّة أو ليبيّة. هو تونسي؛ إذ أنّ والده تونسي وجدّه تونسي أفنوا عمرهم في داموس من الدواميس المظلمة في المناجم. لكن لا أثر لهم لا في إذاعة الزيتونة ولا في الإذاعة الوطنيّة بل قد نجد في كتب الجغرافيا إحصائيات تبرز أهميّة قطاع الفسفاط في صادرات البلاد ورقم المعاملات المرتفع لشركة فسفاط قفصة وإشارة في كتب التاريخ إلى الدور الذي لعبه أحرار قفصة و المناجم في تحرير البلاد و الدفاع على الشغّالين. لعلّ أحد هؤلاء « الأشخاص الذين لا هويّة لهم » كان يمنّي النفس، كما هو الحال بالنسبة لأغلب التونسييّن، أن يقضيّ شهر « الكان » أمام تلفازه أو أمام تلفاز المقهى ليساند المنتخب الوطني و ليشاهد « جماعة بالمكشوف » – الذين لا يكشفون عن شيء-  يتجادلون حول خطّة الـ2-4-4 والـ2-1-3-4 والـ1-3-2-4 و في كلّ الأرقام التي قد تنسيك الرقم 7 أو العدد 20 و قريبا جدّا 27 – . وربيّ يستر إن أضاع البعض الحساب « فترصّيلنا نقلبوا و نعاودو لحساب من أوّل و جديد ». سيسخط بطبيعة الحال على اختيارات السيّد الممرّن الوطني فيما يتعلّق بالتنمية الجهويّة في الجهة الغربيّة للدفاع وسوء اختيار اللاعبين والوزراء والولاة والمعتمدين والظهير الأيسر في مباراة الكامرون. ويطالب كما هو الحال بالنسبة لأغلب التونسييّن المتضلّعين في التكتيك والفاهمين في كرة القدم بتنحية الممرّن الوطني المناهض لحريّة الصحافة و المتغطرس مع مصوّر قناة تلفزيّة خاصّة لا تتمتّع بحقّ التصوير. لعلّ الكتابة سهلة في دفء غرفتي.. لعلّها سهلة لكنّها لن تكون معبّرة عمّا شاهدته وسمعته. فبرد أمّ العرائس قارس لمن هو في منزله فتخيّلوا ما هو حال من يقضّي ليله في « كيب » على سكّة القطار. هم لا يطالبون بالانضمام لحركة التجديد أو للحزب الديمقراطي التقدّمي ولا بالاعتراف بحزب العمّال أو بحركة النهضة. هم يطالبون فقط بأبسط متطلّبات العيش الكريم لعائلات متعددّة الأنفار لا يكفله إلاّ شغل قارّ لفرد واحد من العائلة وهو ليس بالشيء الكثير. ولعلّ السخط والحنق الذي عبّر عنه العشرات في أمّ العرائس أمامي هو نفسه في الرديّف وغيرها.. هو سخط طالب الحقّ لا طالب الشفقة و الإحسان.. وهو حنق من هدّد بالقتل والضرب وحوصر بالميليشيا و »البرابيز » لأنّه حاول الدفاع عن حقّه وحقّ أبنائه وحقّ والديه المسنّين في الحياة  بكلّ رصانة معتمدا طرقا سلميّة متحضّرة. لعلّ الأمانة تجاه من اقتسمت معهم طعام العشاء تقتضي أن أشير إلى أنّ البعض من أبناء شعبي في أمّ العرائس لم يفقدوا الأمل في تدخّل من أعلى سلطات القرار في البلاد رغم صمت و غطرسة السلط الجهويّة و المحليّة فهم مازالوا آملين ينتظرون حلولا عاجلة لن تأتي عن طريق الاجتماع العادي أو حتّى الاستثنائي للمجلس الجهوي بل عبر تغيير جذري في سياسة الدولة تجاه منطقة منكوبة تناستها دولة « الاستقلال » و دولة « التغيير »  كما تمّ تناسي مناطق أخرى آن الأوان لتذكّرها. لعلّني لا أدري في هذه اللحظات إن كانت السلط المحلّية في أمّ العرائس وفي الرديّف قد نجحت في إقناع بعض المعتصمين بمغادرة « كيبهم » مقابل بعض المساعدات الماليّة أو وعد بالعمل في حضيرة من الحضائر مقابل أجرة لا تساوي ربع الأجر الصناعي المضمون. لكنّ الأكيد هو أنّ وضعيّة شباب و عائلات أمّ العرائس والرديّف و غيرها من مدن و قرى البلاد تجعلنا اليوم نتساءل حول هذا الوطن الذي لم يعد يتّسع لكلّ أبنائه: لماذا وكيف وما العمل؟ و قد يتساءل غدا بعضهم مستغربا مشمئزّا من بعض أبناء هذا البلد ممّن فقدوا الأمل وإلتجؤوا إلى الجبال وحملوا السلاح وأرادوا زرع القنابل. وضعيّة أمّ العرائس والرديّف مسألة وطنيّة تهمّ الجميع. كلّنا أبناء أمّ العرائس والرديّف. كلّنا أبناء الوطن.
(المصدر: صحيفة « الطريق الجديد » (معارضة- تونس) بتاريخ 9 فيفري 2008)

 

المصادقة في مجلس النواب التونسي على القانون التوجيهي للتعليم العالي اغتيال للجامعة التونسية في سنة الخمسينية؟؟؟

 

 
مراد رقية لقد استفادت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي التونسي الى أبعد الحدود من الظرف الملائم المتميز بانقطاع الحوار بينها وبين الهيكل النقابي للسلك التدريسي الجامعي التونسي من جهة،ومن طبيعة ميزان القوى السائد على الساحة الجامعية من خلال الحجر على حقوق الجامعيين المادية والمعنوية ،وفي محاولة اخضاع الجميع عمداء ومدرّسين على اختلاف أصنافهم للأمر الواقع الاداري استعدادا للاحتفال  بخمسينية الجامعة التونسية خلال سنة2008 والتي تريدها سلطة الاشراف تحت شعار متميز ووهاج »في الحجر على الجامعة والجامعيين بعد نصف قرن من مسيرة العطاء والتألق »؟؟؟   وطالما أن الظرف كان مناسبا لسلطة الاشراف في غياب الممثل النقابي الشرعي للجامعيين التونسيين فانها سعت الى تمرير كل ماهي راغبة في تمريره في تغييب أهل الذكر وممثليهم،ولعل آخر هذه القوانين المسقطة والمحبطة للأسرة التدريسية الجامعية التونسية القانون التوجيهي للتعليم العالي الذي حرصت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا على تمريره وفرضه الا أنه رفض من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والذي طالب بمراجعته وتنقيحه،ولكن هذا الرفض لم يمنع من تمريره بالقوة من قبل كتلة نواب التجمع الدستوري الديمقراطي داخل مجلس النواب مما يعتبر اغتيالا للجامعة الطلائعية الواعدة التي يحلم بها الجامعيون لا الاداريون وسلطة الاشراف التي تعتبر نفسها في سياق محموم مع النقابة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي التي تمر الآن بأصعب أيامها لنغييبها وتهميشها ومقاطعتها من سلطة الاشراف الاداري الرافضة التفاوض في مستقبل الجامعة،وفي حقوق الجامعيين المادية والمعنوية والمهنية المغتصبة المصادرة الى أن يصدر ما يخالف ذلك؟؟؟   وبرغم انتساب أغلب الوزراء الذين تعاقبوا على القطاع الى اختصاص الحقوق أو القانون تحديدا فان هذا القانون التوجيهي المرفوض المفروض يكرّس تغليب سلطة الادارة على رغبات وآراء السلك التدريسي الجامعي،ويتميز بعديد نقاط الظل ومواطن الخلل والصمت عن الأوامر التي ستصدر لاحقا ومنها،   -عدم ضبط الفصل19 لتركيبة مجلس الجامعة؟؟؟ -استثناء الفصل22 الداعي الى احداث مجلس يدعى مجلس الجامعات والمتركب من الوزير ورؤساء الجامعات والمديرين العامين،استثناءه للعمداء ومديري المؤسسات الجامعية،وعدم السعي الى احداث مجلس أعلى للتعليم العالي يكون الاطار الأمثل لتنسيق المقاييس والمعايير المتعلقة بمسائل استنباط الاصلاحات ومتابعة انجازها؟؟؟ -تكريس الفصل24 حرمان الجامعيين من الحد الأدنى الديمقراطي والتشاوري المتعلق بانتخاب مسيّريهم كما يقع في جل بلدان العالم ،وكما تأسست عليه أيضا الجامعة التونسية تاريخيا(أنظر قانون1958)،وكذلك عدم اسناد سلطة البت النهائي للمجالس العلمية لمختلف الكليات والمعاهد الجامعية؟؟؟ -عدم تطرق الفصل42 في ما يخص احداث الهيئة الوطنية للتقييم وضمان الجودة الى مبدأ الانتخاب لتشكيل مختلف اللجان المتدخلة في برامج الجودة بحيث يكون اطار التدريس والطلبة ممثلين،وتكون هذه الهياكل ممثلة لمختلف الاختصاصات؟؟؟ -عدم تناول الفصل 45 لدور المجالس العلمية ومجالس الجامعات في مسألة التقييم وفق ضوابط يقع تحديدها بصفة تشاركية اعتمادا على مرجعيات اليونسكو؟؟؟   ولا يتيح تمرير هذا القانون التوجيهي الترجيحي بامتياز لسلطة الادارة بفرضه سلطة الأمر الواقع السامي عبر المصادقة عليه في تغييب الهيكل النقابي لسلك التدريس تلبية طموحات كافة المتدخلين في القطاع وأساسا منهم المدرّسون مما يحول دون أداء دورهم في أحسن الظروف السانحة للارتقاء بأداء مؤسساتنا الجامعية الى مستوى شبيهاتها في الدول المتقدمة.ومن الأكيد أن التسرع في استصدار القوانين وتمريرها وفرضها بالمصادقة عليها في ظل الانحسار النقابي سيؤدي بلا شك الى نتائج وخيمة على جميع المستويات على أساس عدم استشارة واعتماد رأي من يعنيهم مصير الجامعة،ومستقبل التكوين وجودته في بلادنا،أساتذة وأولياء ونوابا ومواطنين؟؟؟؟   

الحليب في تونس: لماذا ارتفع سعره بهذه السرعة؟

 

إعداد: سفيان الشّورابي انشغل الشارع التونسي مؤخرا بالزيادة المشطة التي عرفتها أسعار الحليب والبعض من مشتقاته. وطرح الكثيرون عدة أسئلة حول الأسباب والدوافع التي كانت خلف ذلك، خصوصا وأن الحليب يعتبر من المواد الأساسية في النظام الغذائي للمواطن التونسي، وأي تعديل فجئي في أسعاره، ينجر عنه عدة تبعات على سلة استهلاكه. فلماذا قفز سعره بهذا الشكل؟ فالأكيد بأن العائلات التونسية تستهلك الحليب ومشتقاته بكميات كبيرة وبصفة يومية، وذلك عائد إلى ارتفاع مستوى العيش والتمدرس، والانفجار الديمغرافي الحاصل خلال السبعينات، إضافة إلى انتشار الثقافة الغذائية بين عموم الناس. ومن هذا المنطلق، فان الزيادة التي قامت بها الدولة مؤخرا في أسعار الحليب من شأنها أن تمس التوازن المالي للمستهلك التونسي. فمنذ يوم 23 جانفي الماضي تم إدخال تعديل على أسعار حليب الشراب المعقم، أصبحت بمقتضاه أسعار البيع للعموم على النحو التالي: -900 مليم للتر الواحد للحليب المعقم نصف الدسم في علب، و850 مليم للحليب المعقم نصف دسم في قوارير. وبررت الحكومة هذا الإجراء، بالزيادة التي أدخلت على أسعار الحليب على مستوى الإنتاج عند الفلاح خصوصا أمام تضخم التكاليف والارتفاع المشط لأسعار الأعلاف في السوق العالمية، بالرغم من محافظتها على أسعار متوازنة خلال السنوات الماضية حسب ما يثبته الجدول التالي:    
تطور أسعار البيع للحليب بالمليم للتر الواحد
السنوات
1990
1995
1999
سعر اللتر الواحد
280
330
340
تطور تكلفة إنتاج الحليب عند وروده إلى المصنع
السنوات
1990
1995
1999
سعر اللتر الواحد
290
345
355
ولكن، إن كان هذا الدافع يعتبر سببا معقولا لتعديل الأسعار على مستوى البيع النهائي، خصوصا وأن الاقتصاد التونسي أصبح أكثر تحررا وبالتالي أكثر رضوخا لآليات السوق الليبرالية، فإن الرفع السريع لأسعار الحليب بهذه الشاكلة، وغيابه عن الأسواق لمدة عدة أسابيع، يدفع نحو فتح ملف هذا القطاع. ويحث المتدخلين فيه على صياغة حلول معقولة، تفاديا لأزمات قد تحدث في المستقبل. ذلك أن أهم ما يميز هذا القطاع هو ضعف درجة الاندماج والترابط بين الإنتاج من جهة، وصناعة الحليب من جهة أخرى. إذ أن أهم مشكلة ارتبطت بقطاع إنتاج الحليب ومشتقاته منذ عشريات عديدة، هو أن العرض المحلي لم يكن أبدا مساويا للطلب المتنامي بالرغم من الإجراءات المسطرة في هذا المجال بهدف تطوير إنتاج وصناعة الحليب. فمعدل التكلفة الوسيطة للحليب عند تسويقه بقيت مرتفعة وباهضة، نتيجة لكثرة المصاريف المرصودة منذ إنتاجه إلى بيعه، مرورا بعمليات الجمع والحفظ والتصنيع والتعليب والتوزيع. ويزداد وقع تلك المصاريف وتأثيرها على الأسعار النهائية حدة نظرا لافتقار تونس لمركبات متكاملة في هذا القطاع، وأيضا لهيمنة الأساليب التقليدية في ميدان إنتاج الحليب. فبالرغم من تزايد عدد رؤوس الماشية في مجملها سنويا بمعدل 2,4 بالمائة لتبلغ سنة 1999  حوالي 483500 رأسا، فان حصة الرؤوس ذات السلالات الأصلية منها (38,9 بالمائة من العدد الكلي لرؤوس الماشية) يقلل من قيمة هذا الكم. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأبقار هي المنتجة الأساسية للحليب، لكن ضعف حصتها لا تتجاوز 188 ألف رأسا سنة 1999 من مجموع عدد الماشية). ومن المعلوم أن معدل إنتاجية البقرة الواحدة من السلالات الأصلية تبلغ 3546 لترا في السنة الواحدة، ولا تتجاوز 612,2 لترا بالنسبة للأبقار المختلطة أو المحلية. زد على ذلك، أن السوق العالمية للحليب تعرف طفرة في غالب الأحيان من حيث الإنتاج، وهو ما يساهم في تعديل أسعار الواردات التونسية منه. ويقلص من تأثير النقص خصوصا في فترات ذروة استهلاكه (شهر رمضان) أو عند حصول تقلبات مناخية تنعكس سلبا على إنتاج العلف. ولا يحدث هذا إلا في حالات قليلة، بما أن الإنتاج المحلي الذي يقدر سنة 2000 بـ908 مليون لترا بعد أن كان في حدود 400 مليون لتر سنة 1990،  يسمح بتغطية 97 بالمائة من الاستهلاك الوطني (دليل الإحصائيات الزراعية). كما كان قرار المجلس الوزاري الصادر في 23 مارس 1998 الذي ينص على توفير مخزون من الحليب المعقم مقداره 30 مليون لتر سنويا من مجموع 265,2 مليون لتر تتيح توفير احتياطي يغطي أي تراجع حاد في الإنتاج. لنتساءل مرة أخرى، عن أسباب النقص في الكميات التي يجب تسويقها من الحليب طيلة الفترة الماضية قبل الزيادة في الأسعار، والحال بأن لدينا مخزونا يمنع حدوث أزمة حادة في هذا القطاع. إن الحديث عن تكلفة الإنتاج وحدها غير كاف للإجابة على ذلك السؤال، خصوصا بالنسبة لصغار مربي الأبقار. فرئيس الدولة قرر في وقت سابق التخفيض من أسعار المياه المستعملة في سقي الأعلاف من 50 مليما إلى 20 مليما للمتر المكعب. ويحظى قطاع تربية الماشية بدعم محترم توفره البنوك في شكل قروض ميسرة، تقوم الدولة بجدولتها تباعا. ولكن قرار التخفيض من تكلفة المياه، لم يحث مالكي الأراضي الزراعية على الاستثمار في زراعة العلف، الذي يعتبر المصدر الأساسي لتغذية الأبقار. وحافظت المساحات المخصصة لزراعته على متوسط 336 ألف هكتار. ولتجاوز هذا العائق، يلتجئ غالبية مربي الأبقار إلى الأعلاف المركبة التي تدعم الدولة جزءا من تكلفتها. إلا أن تقليصها من الميزانية المخصصة للدعم ساهم في الرفع الصاروخي في أسعار العلف. ذلك أن الدولة قلصت من تدخل صندوق التعويض من 48,9 مليون دينار إلى حدود 1,3 مليون دينار سنة 1998 فحسب. عامل آخر ينضاف إلى قائمة الأسباب التي تدفع نحو ارتفاع تكلفة الإنتاج الأولية. فـ66 بالمائة من الأبقار المخصصة لإنتاج الحليب مملوكة من طرف مربين يمتلكون أراض تنتج العلف مساحتها تقل عن 20 هكتارا. وتفتقد جلها إلى آليات الزراعة الحديثة وتتميز أغلبها بإنتاجية منخفضة. لنستنتج أن أهم معرقل أمام تطور إنتاج الحليب بصورة مكثفة والمحافظة على ارتفاع مقبول في أسعاره هو غياب منتوج للعلف بكميات مرضية وغياب رؤية استشرافية وبعيدة المدى  (المصدر: صحيفة « الطريق الجديد » (معارضة- تونس) بتاريخ 9 فيفري 2008)


ردّا على ما كتبه عنّي زياد الهاني:

صبري سؤال واعترافك قائم…

نصر الدّين بن حديد                                                                  

nasrbenhadid@yahoo.fr                    

على الحساب، ولم أحبّر بعد الكتاب:

استهلّ زياد الهاني ما كتبه ببيتين للمتنبّي، وكلّنا يقرّ أو على الأقلّ يعلم أن الاستشهاد يكون بمن نرى فيهم ذواتنا ونعتبرهم قدوة، وقد جاء المتنبّي ـ بشهادة المؤرخين جميعهم والنقاد وأهل الدراية ـ صاحب قول ينقض الفعل، فكان عديم الشجاعة، قليل المعروف، منعدم المروءة، لعق عتبات الملوك ـ رغم شعره الرائع ـ وتذلّل عند بلاط هذا وقصر ذلك، طلبًا لولاية أو رغبة في عطايا، يلوّن من اجلها شعره ويصبغ بها ضميره… [هذا القول للتاريخ، وللضمير وللأخلاق أيضًا]…

 

نزولا إلى صلب الموضوع ودخولا إلى أصل السؤال، يلاحظ المتمعّن كعابر السبيل، المدقّق في القول كما الناظر، أنّ زياد الهاني لم ينف التهمة التي وجهتها له، وقد حاول ـ وهو دارس لعلم الرياضيات (الرجاء مراجعة سيرته التي أوردها هذا الموقع) ـ أن يبطل تهمة بتهمة، وهو لا يعلم ولا يدري أن منطق الكمّ الرياضي لا ينطبق على مجال الأخلاق، فحين يوجه التهمة إلى كاتب هذه الأسطر يبغي من خلالها نفي التهمة عن ذاته، لا يفعل سوى أن اعترف بالتهمة الموجهة إليها، وقد حاول أن يلفّ المسألة ضمن مقولة « دون دخول في التفاصيل ومع تمسكي بالترفّع»، وكلّنا نعلم أن الشيطان يسكن بل استخرج شهادة إقامة في التفاصيل، وعن الترفّع أحيل زياد الهاني إلى مبادئ الرياضيات وأبجديات الفيزياء حين تتطلّب المسألة نقطة ارتكزًا ومرجعًا قياسيّا، وإن نسي الموضوع، يكفيه الرجوع إلى درس ddp في مادة الكهرباء، ليستنير!!! فأيّ مرجعيّة يعتمد، وإلى أي نقطة ارتكاز أخلاقيّة يستند؟؟؟؟

اتّهمني زياد الهاني في علاقتي بذاتي وارتباطًا بشرفي واتهمته في علاقة بشرف الآخرين وشرفهم وعرضهم، والبون واضح والفارق بيّن، حين يأتي صاحب هذه الأسطر المجرم والضحيّة وقد أجرم كلّ من زياد الهاني ومحسن عبد الرحمن في حقّ زملاء لنا، ومن ثمّة في حقّ الجمعيّة سابقًا والنقابة راهنًا، وليس لأيّ عاقل أن يجادل في المسألة… [نرحّب بمن أراد من القراء والصحافيين أن يدلي بدلوه في هذه المسألة].

وجب ألاّ ننسى أيضًا، أن كاتب هذه الأسطر يأتي فرد في صيغة الفرد، حين لم أترشّح ولم أنتسب إلى قائمة، في حين أن زياد الهاني انتسب إلى قائمة نادت بـ«الكرامة»، ونادت بـ«المسؤوليّة»، وهو بذلك فرد في صيغة الجمع، والجمع هنا يعني قاعدته الانتخابيّة وكذلك مجمل القاعدة الصحفيّة، على أساس أن المرشّح يمثّل قائمته وذاته وقاعدته وحين يفوز يكون المكتب ممثلا لمجمل الصحفيين….

لا يدري صاحب هذه الأسطر سبب سخط زياد الهاني وغضبه وحنقه، حين لم نقم سوى بذكر حقائق ـ لا يملك الجرأة على تفنيدها ـ فليس الخطير فقط ما أعلنه كلّ من زياد الهاني ومحسن عبد الرحمان، والأمر ثابت بشهادة عشرات الشهود بل في التضارب على مستوى الأخلاق والممارسة بين هذه الحقائق…

العائد إلى السيرة التي قدّمها زياد الهاني يرى أنّه صحفي سواء على مستوى التكوين والممارسة والتجربة، ومن أبجديات الممارسة الصحفيّة أن ننسب الخبر إلى مصدره، وعندما نورد الخبر في صيغة اليقين، نكون قد شهدنا الحدث أو نثق ثقة مطلقة في من أورده، وزياد الهاني أورد حكاية الزميلين مع السبورلس في صيغة اليقين، ولم ينسب الخبر ولم يعتمد «زعموا» [التي اعتمدها الجاحظ في كتاب الحيوان]… الرجاء مراجعة الزميل خميّس الخيّاطي، الذي جمع مادّة ثريّة في مسألة الخلط الذي تمارسه بعض الصحف التونسيّة حين تورد الخبر «مأخوذًا» عن غيرها من المصادر دون أن تذكر المصدر…

أيضًا نسأل ـ والسؤال إلى غير الله مذلّة ـ عن السبب الذي جعل ذاكرة زياد الهاني تستفيق عند المؤتمر علمًا وأنّ لجنة السكن تمّ حلّها قبل المؤتمر بأشهر، وبالتالي يكون السؤال عن سبب الصمت وعدم إبلاغ المكتب وأيضًا عن أسباب تفرّده بهذه المعلومة التي استعملها عند المؤتمر للطعن ومحاولة الإقصاء…

الحكاية مختلقة من أساسها، والدليل ثابت من القول ذاته، حين نعلم أن زياد الهاني ليس شاهد عيان وإلاّ كان مجرمًا بإخفائه هذه المعلومة عن المكتب وعن العدالة، وثانيًا، نعلم [ونذكّر من لا يعلم] أنّ السيّد محّمد الهادي بن عبد الله الرئيس المدير العام للسبورلس رجل قانون، ومن الأكيد أنّه سيتصرّف حين تبلّغه بالفعلة [في حال وقوعها طبعًا] إمّا بتجاوز المسألة والتكتّم على الخبر، من باب الرفّع، أو إبلاغ السلطات المعنيّة وكذلك مكتب جمعيّة الصحفيين سواء عبر مراسلة رسميّة أو شفاهيّا، وبذلك يكون رئيس الجمعيّة الزميل فوزي بوزيان على علم بالموضوع وكذلك كامل أعضاء المكتب وأساسًا الزميل ناجي البغوري [الرئيس الحالي للنقابة الوطنيّة للصحافيين التونسيين] والذي كان ضمن المكتب السابق مسؤولا عن النظام الداخلي…

ربّما يكون زياد الهاني كمثلّ أبي الطيّب «متنبيا»، [من النبوءة] وبالتالي تنتقل المسألة من مجال الحسّ البشري إلى مقام الوحي، وتلك مسألة أخرى…

 

جاء ما كتبه زياد الهاني في الكثير من التحدّي، والأمر خلاف ذلك، حين تأتي المسألة مرتبطة بمفهوم الحقيقة و«المسؤوليّة» و«الكرامة» حصرًا، ويكون تحرّكي القادم من خلال مطالبة رئيس النقابة والعضو المكلّف بالنظام الداخلي بردّ كتابي، حين تقدّمت لهما بشكوى كتابيّة. في حال رفض المكتب أو قدّم لي إجابة تناقض دستور البلاد والتشريعات القائمة، يكون من حقّي حينها رفع الأمر إلى العدالة…

أيضًا سأتحرّك من خلال الاجتماع الاختباري العام القادم، الذي قرب أجله بالتأكيد، وسأقوم بتوثيق جميع ما يجري خلاله عن طريق جهاز الكتروني قادر على تسجيل 17 ساعة دون انقطاع، ليعرف الجميع من هم أفراد «القاعدة الانتخابيّة» لزياد الهاني التي هدّدني بها أحد أخلص رفاقه…

 

ملاحظة قبل الختم:

الاستشهاد بالآيات القرآنية وخصوصَا هذه الآية التي كان الرئيس السابق الحبيب بورقيبة كثير الرجوع إليها… لا يعفي صاحبه من واجب الردّ على أسئلة «أرض ـ أرض»، حين استشهد بالقرآن الكريم ووضعوه على أسنّة الرماح وفوهات الرشاشات المجرمون والزنادقة وقطّاع الطرق، ومن مارسوا الإرهاب بشتّى صروفه، وخصوصًا من «المحافظين» العرب الجدد الذين تدثّروا برداء الدين، عليهم اللعنة إلى يوم الدين….

 

كلمة بعد الختم:

التاريخ يذكر من زياد الهاني ونصر الدين بن حديد وضع قلمه، دون نوايا منقوصة وتمنيات ناقصة، في خدمة الصحفيين، والتاريخ يذكر كذلك، من باب الذكر فقط الردّ على رضا الملّولي… الأخلاق، خلافًا لشعر المتنبّي، تعني توافق جوهر القول بأساسيات الفعل…

 


بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أفضل المرسلين   الرسالـة رقـم 397على موقـع الحريـة

 بقلـم : محمـد العروسـي الهانـي مناضل – كاتب في الشأن الوطني والعربي والإسلامي

فـي الصميـم :

حرية الرأي والتعبير لا يمكن تقيدها ولا مجال للتسلط على حرية الرأي والتعبير من أي طرف…

 
إن الإعلام له دوره أيها الوزراء الأفاضل الممثلين للإعلام في دولنا اجتمعوا مؤخرا في دولة القاهرة مصر أم الدنيا. مصر الأهرام مصر الأزهر الشريف. وتناولوا في اجتماعهم مواضيع الساعة والقانون الجديد لمفهوم التعبير وحرية الرأي. وأكدوا على مراقبة الفضائيات العربية ودورها الإعلامي وقد اتفقوا على خطة مضبوطة ما عدى دولة قطر احتفظت برأيها. وعلمنا أن لبنان هي الأخرى متمسكة بحرية الرأي في لبنان وهي على حق. لا أريد الدخول في التفاصيل والخوض في الوقت الحاضر في بنود القانون الجديد إلا بعد المصادقة عليه ونشره للاطلاع عليه جملة وتفصيلا. في انتظار ذلك أقول أن وزراء الإعلام العرب الأفاضل لو اجتمعوا من أجل تطوير الأعلام وتوسيع مجالاته وتوسيع هامش الحرية في الإعلام واحترام رأي المواطن العربي وافساح المجال أمامه للتعبير والحرية والإصداع بالحقيقة والكتابة بحرية في المجال السياسي والفساد المالي. والوضع الاجتماعي والظلم والحيف والبطالة وعدم التوازن في مجال التنمية الشاملة والمحظوظية والمحسوبية والتجاوزات والثراء الفاحش واستغلال النفوذ. وغير ذلك من الأشياء التي أصبحت منتشرة في العالم العربي. فهل من حق المواطن أن يدلي برأيه في هذه المواضيع بحرية وجرأة وشجاعة أم المواطن ليس له الحق إلا في الأكل والشرب والشغل إن وجده… وستره الجسم ولو من الملابس القديمة والروبفيكا. وحتى إذا لم يقدر على لحم الخروف والبقري والسمك أمامه دكاكين لبيع الدواجن… وحتى في منزله ينبغي أن نفرض عليه فتح الفضائية التي نشاهدها أما كل الفضائيات الأخرى التي فيها هامش من الحرية فهي مقلقة ومفزعة ولا تساعد حكامنا ووزراء الإعلام. لماذا ألأنها تفتح عيون الناس وتبصرهم وترشدهم لما فيه الخير والإصلاح وإذا كان القانون الجديد في خطة وزراء الأعلام العرب يحرم المواطن من جرعة الدواء جرعة الحرية، جرعة التعبير، جرعة الأمل فماذا تبقّى لهذا المواطن العربي المسكين الذي هو محروم من الكتابة في صحف بلاده ولا يتكلم في تلفزة وطنه. ولا يساهم في إذاعة بلاده ولا يكتب في الانترنات والصحافة الالكترونية. ماذا تبقى لهذا المواطن يا ترى إلا أن يتمنى الرحيل والهجرة والله سبحانه وتعالى أمرنا بالهجرة العليم الخبير بشؤون عباده… ويتمنى أن يعجل الله بالأجل المحتوم حتى لا نخيب أو نضعف أمام النفاق وقول الزور والبهتان… أو نموت بالحمصة كما يقولون. لا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم والمثل يقول وافق ونافق أو أخرج من البلاد. كنا نتمنى أن يجتمع وزراء الأعلام فرسان حرية الرأي وأنصارها وحماتها من التلاشي والاندثار والهواية، ليرفعوا القيود المسلطة على الأعلام والسيوف المسلطة على الرقاب. والقوانين الحالية المحددة لحرية الرأي. كنا نعتقد أن الوزراء الأفاضل سيعكفون لتطوير الإعلام وإطلاق الحريات الفردية ومزيد التنفس وحرية التعبير. كنا نتصور أن تجمع فرسان الأعلام العرب من أجل تحرير الأعلام كما وقع تحرير الأسعار وتحرير الدينار وتحرير التجارة وتحرير المرأة. وتحرير الكسب. وتحرير الفن وتحرير اللباس وتحرير اللسان وتحرير المعتقدات حتى ولو خرجوا من ملة الإسلام قالوا في هذا المجال حرية المعتقدات… وقالوا على الرسوم المسيئة للرسول الأكرم هذا يدخل في حرية الرأي، وقالوا لكشف الصورة والبطن حرية اللباس، وقالوا للفتاة التي تسهر حتى الساعة الواحدة صباحا حتى في حالة سكر فهي حرة، والفتاة التي تبلغ 20 سنة حرة حتى ولو تمردت على أبويها وانحرفت فهي حرة وحتى الأطفال هم أحرار ولهم قانون لحمايتهم حتى من الضرب من طرف المربي والأستاذ كل شيء فيه حرية مباحة. إلا حرية الرأي، إلا القلم والقرطاس، إلا التعيير من أجل الإصلاح، إلا الكلمة المعبرة، إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أن تقول والله هذا منكر أو هذا والله سارق، أو هذا استغل النفوذ. فهذا يدخل في إطار قانون فرسان الأعلام. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهل تحرك الاعلام مؤخرا لحملة الإساءة لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وعادت حملة الإساءة في الدنمارك. فهل قال واحد كلمة في إرهاب دولة الصهاينة أم هذا ليس إرهابا. قال الله تعالى :  » يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا » صدق الله العظيم محمـد العـروسـي الهانـي الهاتف : 22.022.354

 
 

 

ما آثار هزيمة الغارة الأميركية على العراق؟

راشد الغنوشي (*)

 

لا يزال المشهد العام للمنطقة مضطربا ومبعث قلق شديد لقوى الهيمنة الأميركية الصهيونية وحلفائها الدوليين والمحليين بفعل ما ووجهت به مخططاتها من ضروب مقاومة وممانعة، تلك المخططات التي هي في حقيقتها مخططات إسرائيلية نجحت اللوبيات في تسويقها على أنها مصالح غربية.

 

وقد تم تنفيذها بشكل سافر غطرسة وحماقة بأيد أميركية بعد أن انتصب في البيت الأبيض فريق صهيومحافظ، تمكن من سوق الدولة الأعظم والزج بجيوشها في قلب المنطقة لتحقيق مخططاته التي رفع لتسويغها عدة لافتات الواحدة بعد الأخرى.

 

وكان كلما انكشفت لافتة دفع بأخرى محلها، من نزع أسلحة الدمار الشامل إلى نشر الديمقراطية، حتى اضطر أخيرا إلى الكشف عن الهدف الإسرائيلي الصريح وهو تقسيم العراق الذي هو جزء من الإستراتيجية الإسرائيلية المعروفة في دفع المنطقة إلى طور آخر من سايكس بيكو جديد، من التفتيت والصراعات بين أجزاء الفتات، ضمانا لأمن إسرائيل.

 

ويهدف ذلك المخطط إلى أن لا تظل في المنطقة قوة قادرة على الممانعة فضلا عن المقاومة بل لا تبقى لها هوية جامعة ولا خيط ناظم للوقوف في وجه الهيمنة الإسرائيلية.

 

من هنا كان لزاما فرض المحاصرة والخنق على قوى المقاومة والممانعة تمهيدا لتدميرها، تجريدا لشعوب المنطقة من كل سلاح ومقاومة بعد أن تم لهم تحييد دولنا إلا من سلاح يقمع شعوبها.

 

فكانت الحرب الشاملة على المقاومة في لبنان التي لم يدخر فيها العدو سلاحا عدا النووي.

 

ورغم أن حزب الله قد تمكن من إحباط المخطط الإسرائيلي وألحق هزيمة نكراء بالجيش العتيد، فإن ذلك لم يردع مخططات تمزيق البلد، بل استمرت محاولات فرض السيطرة الدولية عليه لحماية الكيان الصهيوني ومحاصرة واقتلاع النفوذ السوري والإيراني.

 

إلا أن حزب الله لا يزال يمثل عقبة في طريق فرض السيطرة الكاملة على البلد ومحاصرة سوريا وتجريد إيران من قاعدة متقدمة ذات نفوذ.

 

والبحث الدولي هنا جار على قدم وساق بحثا عن تسوية لفراغ رئاسي حتى لا ينهار وضع هش، حزب الله القوة الأساسية فيه.

 

وفي فلسطين المحتلة كان مخطط دايتون لاجتثاث المقاومة بعد إرهاقها بالمقاطعة والحصار، وواجهته حماس بتحرك مضاد أحبطه إلى حين، فكان الانقسام الذي يراد له إسرائيليا التأبيد وإحباط كل محاولة لرتقه حتى يستكمل الصهاينة ابتلاع الضفة والقدس والجدار ويستمر سرطان الاستيطان تمددا.

 

وواضح أن من بين أهداف « المؤتمر الدولي » الذي تعد له الولايات المتحدة عزل المقاومة وتثوير شعبها المحاصر عليها وإظهار فشل النموذج الإسلامي مرة أخرى، ثم تقديم مسكّن تخدير للعرب أو رشوة، لسوقهم إلى المشاركة في المخطط الأميركي لتدمير المشروع النووي الإيراني باعتباره رمزا من رموز المقاومة في منطقة لا يراد لها إسرائيليا ولا أميركيا أن تحتفظ بأي رصيد للمقاومة.

 

البحث جار عن تسوية، بل قل عن كلام أي كلام، « تسوية » ما أحد من أطرافها بقانع أن لها أفقا، ولكنه مشهد تمثيلي ضروري لملء الفراغ، كمن يضطر للكلام وهو لا يدري ما يقول المهم أن يحرك شفتيه ويصدر أصواتا.

 

المطلوب دوامة من الاتصالات والمفاوضات التي لا تنتهي، تكون هي بحد ذاتها هدفا، كمن يغلي الماء لمجرد إيهام أطفال جائعين بتحضير الطعام.

 

وبالنسبة « للسلطة الفلسطينية » المشاركة في هذه الملهاة وفي محاصرة المقاومة، حسبها ما يحفظ لها من مظهر بروتوكولي سلطوي وتدفق أموال، وتكثيف الضغط على غزة حتى تنفجر جماعاتها ويتصاعد الغضب الشعبي والنقمة العامة على المقاومة.

 

مطلوب من المؤتمر الدولي حول فلسطين استعادة المبادرة لإدارة أميركية حولتها المقاومة العراقية بطة عرجاء، ولإدارة صهيونية مهتزة، وتقديم غطاء لحل وهمي لقضية العرب الكبرى لاستدراجهم، وبخاصة دول الخليج ودول المغرب العربي إلى الانخراط في موجة تطبيع جديدة، فضلا عن توريط العرب في مخطط تدمير إيران.

 

لا يزال المأزق الأميركي في العراق يشتد وكذا مأزق الأحزاب التي شاركت في عملية سياسية مصطنعة مغشوشة، دفعتها المقاومة إلى حافة الانهيار، لاسيما بعد أن اشتد ضغط الاحتلال على الأطراف الشيعية وهي إلى جانب الأكراد المكون الرئيسي للعملية السياسية، لحملها على حسم أمرها انحيازا إلى الاحتلال يقضي بالتعاون على تصفية النفوذ الإيراني في العراق أو المواجهة مع الاحتلال.

 

وهذا ما نقل تلك الأطراف إلى وضع صعب اضطر بعضها إلى الانسحاب من العملية السياسية، بل حتى إلى الانخراط في المقاومة بعد أن تعرضت ولا تزال لضربات قاسية (الصدريون)، إلا أن العمود الفقري للعملية السياسية (الحزبان الكرديان والحزبان الشيعيان: المجلس والدعوة) حافظا حتى الآن على العملية المتأرجحة.

 

وقبل الحزبان الشيعيان من أجل ذلك تقديم ما يشبه التنازل للأكراد عن كركوك، الكنز الذي سيمول دولتهم، فبدأ ترحيل العرب والتركمان، وتعهدت الدولة بالتعويض لكل من « يختار » الرحيل.

 

وهكذا بدل أن يقدم التنازل إلى الطرف السني (التوافق) المنسحب من عملية لم يجن منها شيئا بالاستجابة لمطالبه، قدم إلى الأكراد، وبدأ البحث أميركيا ومن طرف القائمين على العملية السياسية عن شركاء سنيين عرب في وسط العشائر، بذل الأميركيون جهودا كبيرة من أجل استقطابهم وإغرائهم وتسليحهم للوقوف في وجه القاعدة مستغلين تهورها وحماقتها، الأمر الذي تخوفت الأطراف الشيعية من عواقبه، إذ قد تنقلب تلك الأطراف ضدها، لاسيما والأميركان لا يقبلون أن يغادروا عراقا واقعا تحت النفوذ الإيراني عبر أحزاب موالية له.

 

عززت المقاومة كسبها الميداني العسكري ضد الاحتلال بكسب سياسي غير مسبوق، وذلك من طريق توصل أهم الفصائل عدا « القاعدة » إلى تشكيل هيأة سياسية جامعة مفتوحة أمام كل فصائل المقاومة والقوى السياسية المعارضة للاحتلال، مرشحة لأن تمثل عنصرا مهما في المعادلة السياسية المستقبلية للعراق.

 

كان مفهوما أن يقود ترسّخ الكيان الكردي في شمال العراق وتحوله إلى ما يشبه الاستقلال واقترابه من وضع يده نهائيا على الكنز، إلى إثارة الأتراك، لاسيما أن قد تحول منطلقا لهجمات موجعة على الجيش التركي.

 

هذا الأمر عبّأ الرأي العام التركي ضد متمردي حزب العمال الكردستاني وصعّد التوتر وفرض على الحكومة والجيش التركيين القيام بعمل انتقامي ضد المتمردين المحتمين بإخوانهم في شمال العراق، مما أدخل العلاقات التركية من جهة والأميركية العراقية من جهة أخرى في مأزق شديد يهدد باندلاع حرب قد تمثل تهديدا حقيقيا لجملة العملية السياسية في العراق والأطراف المشاركة فيها.

 

كما أن المأزق الأميركي في العراق وأفغانستان وباكستان والصومال، إلى جانب ما أفصحت عنه الانتخابات في فلسطين ومصر من فوز إسلامي، حمل الإدارة الأميركية على التراجع عن ما قدمته في فترة سابقة من التبشير ببسط الديمقراطية هدفا لسياساتها في المنطقة سبيلا لمقاومة الإرهاب.

 

وهذا هو ما أعاد الدفء والحميمية إلى العلاقة بين الديمقراطيات الغربية والدكتاتوريات العربية، وأطلق يد هذه الأخيرة في القمع كما هو واقع في مصر وتونس مثلا حيث تزدحم السجون وتطلق يد قوى القمع.

 

غير أن ذلك لم يمنع ظهور أصوات في الغرب ممثلة خاصة في الاتحاد الأوروبي حيث شرعت لجان متخصصة في تدارس مسألة فتح حوار مع الحركات الإسلامية المعتدلة مثل حماس والإخوان.

 

ومن جهة أخرى فإن مأزق الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان واستنزاف قواها في مناطق كثيرة من عالم الإسلام حيث تخوض معركتها المفتوحة على ما تسميه الإرهاب لم يترك لها بقية من قوة لفتح جبهات أخرى، فعمدت في المناطق الأقل أهمية إلى أسلوب الحرب بالوكالة كما في الصومال حيث يتفاقم المأزق الإثيوبي بتصاعد المقاومة.

 

إن توريط الدولة الأعظم للجنرال مشرف في حربها على أشباح الإرهاب انتهى بهذا الحليف إلى مأزق وزج بهذا البلد المهم فيما يشبه الحرب الأهلية، مما ينذر بحصول تحولات نوعية في أوضاعه قد تنتهي بتفكيكه وتدمير مشروعه النووي .

 

لأول مرة في تاريخ هذا البلد يتولى جيشه خوض حرب ضد مناطق شاسعة من ترابه، ويبلغ الحقد عليه حد ذبح جنوده كالنعاج، مشهد آخر من مشاهد العراق وأفغانستان والصومال، بما يؤكد حقيقة أن الاحتلال قوة تدمير لا تعمير.

 

إن تورط الدولة الأعظم في حربها العالمية على أشباح الإرهاب، وفر مزيدا من الفرص أمام تصاعد نفوذ قوى دولية أخرى وبخاصة روسيا والصين والهند، وجاء تصاعد أسعار النفط ليعزز تماسك الاتحاد الروسي وإصرار رئيسه الحازم -قائد الاستخبارات السوفياتية السابق- على استعادته موروث الاتحاد السوفياتي ووقف زحف القواعد الأميركية على مراكز نفوذه السابقة.

 

وذلك ما أعاد إلى العلاقات الدولية قدرا من أجواء الحرب الباردة من استقطاب وقعقعة السلاح، دون الوصول الكامل إليها.

 

لم يمنع ذلك أن هذه المناخات قد قدمت فرصا مناسبة لقوى المقاومة المسلحة والسياسية والاقتصادية في العراق وأفغانستان وإيران وسوريا وفي أميركا اللاتينية لالتقاط الأنفاس وتصعيد المقاومة والتحدي، لدرجة مبادرة رئيس فنزويلا الثائر هوغو شافيز إلى الدعوة لإقامة نظام اقتصادي دولي منافس للنظام الرأسمالي الذي تقوده الولايات المتحدة.

 

ومقابل تصاعد المأزق الأميركي في العراق ومعه مشاريع العلمنة التي يتسارع تدهورها حتى ما بقي يشدها غير نفوذ الدولة وأدواتها الأمنية والإعلامية والمالية، تسارع المد الإسلامي على كل المستويات الرشيد منها والمشوه بفعل الضغوط المتزايدة على قواه ، وإمعان الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات في العدوان على الإسلام وأهله وبذل دعم غير مجذوذ للكيان الصهيوني الغاصب وللدكتاتوريات المتوحشة في المنطقة.

 

إلا أنه بموازاة تصاعد المد الإسلامي تصاعدت موجات العداء والكيد للإسلام وبخاصة لمهاجريه ولرموزه، فبعد الفوز المحدود لليمين الألماني جاء فوز اليمين الفرنسي ساحقا، ومن جهة أخرى توالى سقوط رموز الضالعين في غزو العراق، توني بلير آخرهم حتى الآن.

 

تستمر بل وتتصاعد أزمة النظام العربي وتعويله المتزايد على أدوات القمع وبيع ما تبقى من مقومات الاستقلال الاقتصادي والسياسي والأمني ثمنا لبقائه، ويتفاقم عجزه عن الاستجابة الناجحة للتحديات التي تواجه شعوبه سواء على صعيد القضايا الاجتماعية والسياسية حيث يتسارع نهب المال العام وانحصار الثروة والحكم في أيدي أسر قليلة حول الحاكم.

 

يضاف إلى ذلك الاتجاه المتسارع للدولة إلى الانسحاب من دورها الاجتماعي فتدهورت الخدمات التعليمية والصحية والتهبت الأسعار وتمددت العشوائيات، فكان من ذلك تصاعد حركات الاحتجاج العمالي في مصر مثلا وتونس، وكذا تسارع انسحابها من قضايا الأمة الكبرى مثل قضية فلسطين خضوعا للضغوط الأميركية.

 

وهذا ما يفقد النظام العربي ركائز الشرعية: تقديم الخدمة وتحقيق العدل والدفاع عن مقومات الأمن القومي للأمة، ويرشحه لتفاقم الأزمات ومختلف الاضطرابات والصراعات على أكثر من صعيد بين جماعاته أحزابا وطوائف وقبائل وبين الشعوب وحكامها وبين الحكام بعضهم ببعض.

 

وما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال من تمزق وشبه تحارب أهلي نماذج مرشحة للتمدد، إلا إذا نجحت قوى المقاومة والمعارضة الجادة بمختلف اتجاهاتها الإسلامية والعلمانية في أن تلتقي على كلمة سواء نضالا ميدانيا من أجل استدراك ما فات شعوبنا من الاشتراك في المسار الكوني للتحولات التحررية الديمقراطية.

 

مؤشرات كثيرة تشهد أن مراجل القلوب تغلي والصبر إلى نفاد، فهل تستجيب النخب لنداء شعوبها؟

 

(*) كاتب تونسي

 

(المصدر: ركن المعرفة بموقع « الجزيرة » (الدوحة – قطر) بتاريخ 12 فيفري 2008)


 

حول بناء الكنائس في مجتمع مسلم.. إشكالية الوعي بالآخر

 
 
صلاح الجورشي (*) أتابع باهتمام الجدل الدائر في قطر وخارجها حول بناء أول كنيسة مسيحية في هذا البلد الذي يمر بتحولات عميقة وسريعة، ليس فقط في المجال العمراني، ولكن الأهم من ذلك في المجالات الثقافية والاجتماعية وحتى السياسية. قد تغطي العمارات الشاهقة الأبعاد الأخرى بحكم أنها تمثل الواجهة، لكن لا يمكن فصل التحول المادي عن التحول الاجتماعي. الذين رأوا في بناء هذه الكنيسة «إحدى علامات الساعة»، قد يحتاجون إلى بعض الوقت لكي يدركوا أن العولمة هي انتقال من مرحلة تاريخية تفككت مقوماتها إلى مرحلة جديدة ومغايرة هي حاليا بصدد تعميم آلياتها وأنماطها. ولا يمكن بأية حال من الأحوال إيقاف حركة الزمن، أو عزل أي بلد مسلم عما يجري في العالم. فقطر على سبيل المثال، بلد أنعم الله عليه بالنفط والغاز وغير ذلك من الثروات الطبيعية، ولأجل ذلك تحول بالضرورة إلى بلد جاذب للعمالة. وهكذا بدأ العمال المسيحيون مثل غيرهم يستقرون في قطر منذ العام 1956. ومع كل موجة جديدة من المهاجرين يزداد عددهم حتى بلغوا 100 ألف، وتزداد أيضا احتياجاتهم. ومن هذه الاحتياجات حقهم في ممارسة العبادة حسب ما تمليه ديانتهم. وهو ما تفطن له الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي لم يكتفِ بالإذن بتمكين هؤلاء من بناء 6 كنائس، وإنما تبرع لهم بقطعة من الأرض لبناء أول كنيسة، وهو قرار فيه من الحكمة وبُعد النظر مما سيخلده له التاريخ، وستكشف الأيام عن أهميته وصوابه. لم يكن المسلمون يخشون الديانات الأخرى أبدا. ولو كان هذا الخوف السائد حاليا في أوساط من المسلمين -بما في ذلك جزء مهم من الدعاة- متفشيا في السلف لما أبقوا أحدا من غير المسلمين مقيما فيما كان يسمَّى بدار الإسلام. على العكس من هذا العقل المصاب بالذعر من كل اختلاف، تميزت الجغرافيا الإسلامية بتنوع شديد ونادر من أهل الديانات والملل والنحل، حتى ألف بعض العلماء كتبا في عقائد هؤلاء. وما هو قائم حاليا في الأردن أو العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر وغيرها ليس إلا شاهدا على ذلك، وثمرة طبيعية لتاريخ طويل. بل إن اليهود هربوا من قمع المسيحيين إلى أرض الإسلام، وعندما ازدهرت الأندلس سارع الكثير منهم للانخراط في بناء تلك التجربة الفريدة. إذن من أين جاء هذا الخوف من الآخرين؟ لا شك في أن مسألة التبشير هي سبب رئيس يقف وراء هذا الانزعاج من إقامة كنيسة في هذا البلد أو ذاك. ولعل ما يجري في بعض دول المغرب العربي يزيد من إثارة المخاوف لدى بعض الدعاة وأوساط الإسلاميين. لقد نجح «الإنجيليون» بالخصوص في تحقيق اختراق ديني محدود، خاصة بالجزائر في المناطق الأمازيغية. بل إن عشرات من التونسيين انتقلوا إلى المسيحية خلال الأعوام القليلة الماضية. وحدث الشيء نفسه بالمغرب. فهل هذا عامل كافٍ لإعلان صيحة فزع؟ وهل اعتقال ومحاكمة هؤلاء الذين غيَّروا دينهم، ومحاولة إجبارهم على العودة من جديد إلى اعتناق الإسلام ستكون الحل لإرجاع الأمور إلى نصابها؟ ألا يعلم من يدعون إلى مثل هذه الحلول أننا لو فعلنا ذلك لوجهنا ضربة قاتلة للإسلام الذي يدعي هؤلاء حمايته والدفاع عنه، لأن هذا الدين لم ينتشر بقوة السيف كما يزعم البعض، وإنما أقبل عليه الناس من مختلف الديانات طوعا وقناعة؟ صحيح أنه على المسلمين أن يشعروا بالقلق بعد أن أخذت تتشكل داخل بعض مجتمعاتهم العربية أنوية صغيرة لجماعات مسيحية محدودة العدد، لكن ليس العلاج بمنع حرية الضمير والعبادة، وإنما بالبحث عن الأسباب التي جعلت بعض الأفراد من المسلمين، خاصة من الشباب، يتخلون عن دين في حجم الإسلام. وهنا سنكتشف أن الخلل ليس في نشر الآخرين لمعتقداتهم، ولكن في الضعف الهيكلي الذي أصاب فكرنا الديني، من حيث المضمون والأسلوب والأداء. وسيتبين أيضا حجم الكارثة التي تسببت فيها الجماعات المتشددة التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة، والتي قدمت الإسلام ليس للعالم فقط، ولكن أيضا لجمهور الشباب من المسلمين في أسوأ صورة. المشكلة إذن ذاتية وليست مستوردة. هي في الذات وليست في الآخر. هناك مفارقة لا بد من تجاوزها. فالذين زاروا الغرب، وتنقلوا بين عواصمه، لاحظوا، بإعجاب، مئات المساجد التي غيرت المشهد العمراني والثقافي لهذه المدن. قد تثور بعض المشكلات هنا أو هناك، لكن ذلك يجب ألا يحجب عنا أن عشرات الكنائس باعتها الكنيسة للجاليات المسلمة ليقع تحويلها إلى أماكن عبادة تقام فيها الصلاة، كما أن عشرات المراكز الإسلامية أقيمت خصيصا وبتمويلات ضخمة لنشر الإسلام بين المسيحيين وغيرهم. وكلنا نعلم أيضا أن هذه الجهود، رغم كثرة ثغراتها واحتوائها أحيانا على حماقات عجيبة، قد أسهمت في تحقيق اختراقات عقائدية ضخمة لا تقارن بما أنجزه التبشير هنا أو هناك، وهو ما أثار انزعاج الفاتيكان، وجعل من الإسلام الديانة الثانية في أكثر من بلد غربي. ورغم صعود موجة العنصرية وتفاقم ظاهرة الخوف من الإسلام أو ما يسمى بـ «الإسلاموفوبيا»، فإنه لم تقُم الحكومات الغربية باضطهاد المسلمين لأسباب عقائدية، ولم تقع ملاحقة المسلمين الجدد الذين اعتنقوا الإسلام حديثا، ولم تصدر إجراءات لمنع الدعوة إلى الإسلام، بمختلف الوسائل السلمية. وهذه حجة علينا وليست لنا. إذا عدنا إلى الإسلام نجد الفقهاء متفقين على ضرورة التقيد بالقاعدة الأصولية التي تقول «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم». بمعنى أن أصحاب الديانات والعقائد الأخرى لهم الحق في أن يمارسوا ما يعتقدون أنه واجب أو مباح حسبما حددته مرجعياتهم الدينية. وقد يفاجأ البعض عندما يطلع على رأي جريء قال به أبو الأعلى المودودي، وهو الذي يعتبر من بين أحد كبار المنظرين الذين صاغوا جزءا مهما من أيديولوجية الحركات الإسلامية المتشددة، إذ ذكر في أحد كتبه وهو يتحدث عن الدولة الإسلامية التي كان ينادي بها: «سيكون لغير المسلمين في الدولة الإسلامية من حرية الخطابة والكتابة والرأي والتفكير والاجتماع ما هو للمسلمين سواء بسواء، وسيكون عليهم من القيود والالتزامات في هذا الباب ما على المسلمين أنفسهم. فسيجوز لهم أن ينتقدوا الحكومة وعمالها حتى رئيس الحكومة نفسه ضمن حدود القانون». ولا يقف هذا الأمر عند ممارسة الحقوق السياسية، وإنما أضاف المودودي أن غير المسلمين «سيكون لهم الحق في انتقاد الدين الإسلامي مثلما للمسلمين الحق في نقد مذاهبهم ونحلهم. ويجب على المسلمين أن يلتزموا حدود القانون في نقدهم هذا كوجوب ذلك على غير المسلمين، وسيكون لهم الحرية كاملة في مدح نحلهم. وإن ارتد -أي المسلم- فيقع وبال ارتداده على نفسه، ولا يؤخذ به غير المسلم، ولن يُكرَه غير المسلمين في الدولة الإسلامية على عقيدة أو عمل يخالفان ضميرهم، وسيكون لهم أن يأتوا كل ما يوافق ضميرهم من أعمال مادام لا يصطدم بقانون الدولة». (*) كاتب وصحافي تونسي (المصدر: صحيفة « العرب » (يويمة – قطر) الصادرة يوم 14 فيفري 2008)

دولة من وراء جُـدر

بقلم: خالد شوكات (*)

 

لو كان قادة دولة إسرائيل يفقهون دروس التاريخ والجغرافيا، لماتوا خجلا من « الجدار » الحقيقي الذي أقاموه بموازاة حدود الضفة الغربية، و »الجدار » الحلم الذي ينوون إقامته على الحدود مع سيناء المصرية، وربما « جدر » أخرى على خط التماس مع سوريا والأردن ولبنان، وهي « جدر » حقيقية على أية حال، أسلاك شائكة أو كلاب حراسة.

 

التاريخ يحدث أن اليهود احتموا سابقا وراء الجدران، لكنها لم تمنع تهديم الرومان لها على رؤوسهم، وإنهاء دولتهم التي لم تعمر طويلا، والتاريخ يحدث أيضا أن جدران دولة سليمان لم تصمد أمام جحافل نبوخذنصر، وأن السبي الكبير كان نتاجا لاحقا، والتاريخ سيحدث أن جدران الضفة أو سيناء أو غيرها، لن تحمي دولة مصرة على أن تكون عنصرية، ومصرة على أن تستمر بالقوة، وليست هناك دولة في التاريخ استمرت بالقوة فحسب.

 

فقه الجغرافيا أيضا، يعوز قادة الدولة العبرية، فالأسوار مهما كانت حصينة لم تمنع حركة البشر وإرادة الناس، والجدران دليل عزلة مهينة، ليست عزلة جغرافية فحسب، بل عزلة نفسية ووجدانية وثقافية وسياسية، عزلة قابلة للتكثف والتراكم حتى تنتهي بالمعزول إلى التلاشي والذوبان، بالضرورة في وسط جغرافيا المحيط الأكبر، وهو محيط عربي إسلامي بالضرورة.

 

هذا الكلام لا يردده غوغائي عربي، غزت عقله وقلبه شعارات الصمود والمقاومة،التي غالبا ما لم تستند في الممارسة إلى ما يصدقها، بل هو حصيلة تحليل عقلاني لسيرة دولة قامت على الاغتصاب، وليست إسرائيل أول دولة قامت على الاغتصاب، فمن التاريخ القريب جدا ثمة دولة « الابرتياد » الجنوب-أفريقية، التي لو لا حكمة نيلسون مانديلا فيها، لكان البيض معها مادة انتقام ثلاثة قرون من التمييز العنصري البغيض، وثمة أيضا الدولة الفرنسية التي أقامت في الجزائر أكثر من مائة عام، تحول فيها المواطنون الأصليون إلى مواطنين من درجة ثانية وثالثة، وانتهت برغم القوة الباطشة إلى هزيمة مهينة.

 

هذا الكلام كذلك، قاله بطرق متعددة بعض قادة إسرائيل، من قبيل إبراهام بورغ رئيس الكنيست السابق، الذي صدع في لحظات شجاعة بما يعجز رؤوس الحركة الصهيونية عن فهمه، أو بالأحرى عن الرغبة في فهمه، فقد كتب القيادي العمالي قبل سنوات أن إسرائيل ستنتهي كدولة في غضون خمسة وعشرين عاما إذا ما واصلت السير في طريق سياستها الحالية، أي سياسة التنكيل بالشعب الفلسطيني ونكران الحد الأدنى من حقوقه.

 

إسرائيل تثبت كل يوم أنها تريد الأمن والأرض معا بلا مقابل، و تحاول آلتها الدعائية أن تصور أصل الشر ومصدر الإرهاب حركة حماس، و قد كانت سنة 1948 تصور الحكومات العربية كذلك، و في سنة 1967 انتقلت الصفة إلى عبد الناصر، ولاحقا إلى فصائل منظمة التحرير، ولا شك أنها ستجد باستمرار ما وسعها التاريخ من تلصق به هذه الصفة.

 

لست أدري شخصيا، ولا حتى أشد أنصار السلام والحوار في العالم العربي، ما هو برنامج إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وهل أن على هؤلاء مثلا أن يقبلوا العيش في أرضهم وأرض أبائهم وأجدادهم وأجداد أجدادهم عبيدا محاصرين ومحرومين جوعى بلا كرامة، وأن يسلموا لغرباء جمعوا من شتى أصقاع الأرض تحت تأثير أسطورة عمرها ثلاثة آلاف عام، وبتواطؤ قوى دولية ضعف ضميرها، ففرطت في أمانة وتنازلت عما ليس في ملكها أصلا.

 

الإسرائيليون يعتمدون في وجود دولتهم منذ إقامتها قبل ستين عاما، على القوة، ثم القوة المكررة، ثم القوة المفرطة، ولا شيء غير ذلك، وهم لا يزالون يعتقدون أنهم بالقوة يحلون مشاكلهم، وليست ثمة دولة واحدة في العالم المعاصر مثل إسرائيل، اعتمادا على القوة في تأسيسها واستمرارها، والحق أن القوة أكبر دليل على الضعف، وأن القوة أكبر دليل على التلاشي، لأن كل قوة إلى الضعف مرجعها، وفي بقية البلدان تضعف الأنظمة وتسقط لكن الدول باقية، أما في إسرائيل فإن ضعف النظام أو سقوطه سيعني نهاية الدولة ذاتها.

 

يتحدث قادة الدولة العبرية اليوم عن اجتياح غزة وإنهاء دويلة حماس، والحق أن اجتياح غزة لا يخيف الفلسطينيين بقدر ما يخيف أعداءهم، وقد جرب الفلسطينيون العيش في ظل الاحتلال مثلما لم يجرب أي شعب آخر، وليس لديهم كغيرهم ما يخسرون، كما خبروا مقاومة الاحتلال أكثر من خبرتهم أي حرفة أخرى، وفي النهاية فإنه ليس لديهم ما يخسرون، إنما الإسرائيليون هم من فر قبل سنين خارج أي أطر اتفاقية.

 

والاسرائيليون الذي أقاموا كيانهم السياسي على عقيدة احتقارية للآخر، عنصرية تجاهه، يظنون أنهم يمنون على منظمة التحرير والفلسطينيين إذ وقعوا معهم « أوسلو » و سلموهم كنتونات للإشراف عليها، وكان ظنهم أن على الزعيم الراحل عرفات ومن سار على دربه، أن يتحول إلى شرطي يقمع طموحات شعبه « غير المشروعة »، وأن عليه أن ينتظر وينتظر وينتظر حتى تتكرم عليه تل أبيب بجرعة إضافية، وغالب الظن أنه إذا سكت من باب الاعتدال السياسي، فإنه لن يمنح شيئا، وسيجد العبرانيون من الأعذار دائما ما يبرر لهم كل عنجهية وعنصرية وعدوانية.

 

الصهيونية أديولوجية عنصرية قائمة على عقدة مرضية، حولت اليهود الذين اعتنقوها من الناحية النفسية والعقلية إلى حالات مرضية، يعيشون على كراهية الآخر بدل محبة الإنسان، وعلى الخوف من كل شيء وفي كل زمن، وإلا أي حياة هذه التي لا يمكن أن تستمر إلا بحمل المدنيين للسلاح، وبتلقين النشء الحقد المقدس والكراهية العمياء والشك في كل الأشياء، وما دامت إسرائيل مصرة دستورا وسياسة على أن تظل الصهيونية عقيدتها الرسمية، فإن حكمها سيكون حكم كل ايديولوجية مرضية، نهايتها نهاية كل أمر غير طبيعي في الوجود.

 

القوة إذا دليل على فشل المشروع الصهيوني، والعدد أيضا دليل آخر، فثلاثة أرباع اليهود ما يزالون غير إسرائيليين، وخمس مواطني الدولة العبرية، وإن كانوا مواطنين من درجة ثانية، ليسوا يهودا، ولا حتى روسا أو فلاشا، بل عربا فلسطينيين، والذين صمدوا في وجه المذابح وجرائم الإبادة في حروب التطهير العرقية، أضحوا اليوم إجمالا أكثر من نصف ساكنة فلسطين التاريخية، وبعد عشرين عاما سيكونون أكثرية، والمهاجرون الإسرائيليون أو المنحدرون من نسلهم أقلية، وستتحول المعركة إلى ما

يشبه تماما، ما كان قائما في جنوب أفريقيا العنصرية.

 

نعود ختاما إلى التاريخ كما بدأنا، فإسرائيل المقامة في فلسطين ليست أول تجربة استيطانية لليهود الصهاينة، أو غير الصهاينة، فقد سبق لهؤلاء المسكونين بعقدة « الدونية » رغم قوتهم، أن أقاموا مستوطنات في قارات العالم الخمس، انتهت جميعها إلى الانهيار والفناء، لأن أساسها كان بغيضا ومرضيا.

 

التاريخ يؤكد أن الدول التي تقوم على أساس عقيدة عسكرية تعتمد على القوة في حركتها، تسقط في حدود قرن على أقصى تقدير، وقد سبق لمملكة القدس الصليبية أن استمرت ما يقارب تسعين عاما ثم انتهت بعد ذلك، فالأجيال في الشعب والقيادة عادة ما تفتقد وهج العقيدة بالتدريج مع تعاقبها، والجندي الإسرائيلي الذي حارب في صفوف الكهانا ليس هو الجندي الذي حارب قبل أشهر في غزة أو جنوب لبنان، ولن يكون الجندي الذي سيجتاح غزة أو غيرها بعد غد، فالجنود المتأخرون غير المؤسسين، وجنود الانترنت والنوادي الليلية، ليسوا أولئك الذين عانوا في معتقلات النازية.

 

فلتطغى إسرائيل إذن ولتتجبر، ولتقصف المدنيين العزل، الأطفال والشيوخ والنساء، ولتقطع الكهرباء والماء حتى يفنى الرضع والحدج في الحاضنات لنقص الغذاء والدواء، ولتغتال من قادة الفلسطينيين من تشاء، بالسم أو بالقصف الغادر أو بالقنص الجبان أو بالإفناء، ولتلعب على أوتار الانقسام العربي والهون الأممي وغياب الضمير الغربي، فكل ذلك لن يضمن مستقبلا ولن ينسي مطالبا بحقه ولن يقنع أحدا بأن فلسطين كانت يوما بلا شعب..دولة من وراء جدر، دولة بلا جدر ومشروع خاسر بلا جدارة.

 

(*) كاتب تونسي

 

(المصدر: موقع « إيـلاف » (بريطانيا) بتاريخ 14 فيفري 2008)


المصافحة (أو من بلفور إلى سركوزي)

كتبه عبدالحميد العدّاسي:
 
Balfour Declaration, November 2, 1917      On November 2nd, 1917, British Foreign Secretary Arthur James Balfour replied to a letter from Lord Rothschild, the head of the Zionist Federation in Great Britain dated July 18th. The letter included the final text of the Balfour Declaration, a document expressing British support for the establishment of a Jewish state in Palestine.      Earlier that year, on July 12th, Nahum Sokolow wrote a tentative draft of the declaration [1] and sent it, and some explanatory comments to Lord Rothschild, the head of the Zionist Federation in Great Britain. Sokolow also sent the draft to Sir Mark Sykes and Sir Ronald Graham, both of whom thought the article was too long and covered too much.   [1]     His Majesty’s Government, after considering the aims of the Zionist Organization, accepts the principle of recognizing Palestine as the National Home of the Jewish people and the right of the Jewish people to build up its national life in Palestine under a protection to be established at the conclusion of peace following upon the successful issue of the War.      His Majesty’s Government regards as essential for the realization of this principle the grant of internal autonomy to the Jewish nationality in Palestine, freedom of immigration for Jews, and the establishment of a Jewish National Colonizing Corporation for the resettlement and economic development of the country.      The conditions and forms of the internal autonomy and a Charter for the Jewish National Colonizing Corporation should, in the view of His Majesty’s Government, be elaborated in detail and determined with the representatives of the Zionist Organization. (Sanders, The High Walls of Jerusalem, pp. 558-59).
 
 لا أحد من الحكّام الأروبيين أو الغربيين يجهل هذا التصريح المجرم – أعلاه – الذي أنبت شعبا سيّئ الأعراف دمويّ السلوك على أرض شعب مسلم مسالم في فلسطين العربيّة المسلمة. قلت لا أحد منهم يجهل ذلك بمَن فيهم المتأخّرين الذين شبّوا على مبادئ حقوق الإنسان والصراحة و »الشجاعة السياسية » في عالم بلا حدود. ومع ذلك فإنّ حاكم فرنسا الشاب لم يتحرّج في الإعلان أنّ « فرنسا لن تساوم على أمن إسرائيل »، و »إنّه لن يصافح من يرفض الاعتراف بالدولة العبرية »… فإسرائيل قد صنعت بأيادي بريطانيّة أمريكيّة صهيونيّة والجميع حريص على حمايتها بما ذلك فرنسا الحريّة والمساواة والأخوّة، وهي إذ تفعل ذلك فإنّها – حسب المفاهيم التنويرية التي أبادت شعوبا بأكملها – لن تخرج عن مبادئها، فهي هي التي تمنح الحريّة لمن تريد أو ربّما لمن يريد وهي هي التي تساوي بين من تريد كأن تساوي مثلا – وبتواضع جمّ – بين مَن زرع « إسرائيل » في قلب العالم العربي والإسلامي وبين « إسرائيل » نفسها وتآخي من تريد كأن تآخي مثلا صنائعها من الصهاينة والمأجورين… غير أنّها لن تصافح غيرهم من « الغوغاء » ممّن لا يحسنون الحياة ولا صناعتها عندما يمتنعون عن الاعتراف بجسم طفيلي لقيط…   نحن هنا في الغرب – وقد ألجأنا « أهلنا » الذين يحسنون كثيرا المصافحة والقبلات – يقع إفهامنا بأنّ المصافحة وسيلة ناجعة من وسائل التعارف والانسجام والتعايش، ونبادلهم نحن بأنّ المصافحة عندنا هي كذلك أو أسمى من ذلك فهي تزيد من متانة الرّوابط بين المسلمين والتحابب بينهم (كثير من المتعارفين لا يتحابّون)، غير أنّنا قد نلاحظ لهم أنّ ذلك قد لا يكون إلاّ بين الرّجال فيما بينهم أو بين النّساء فيما بينهنّ مؤكّدين على ضوابط جُعِلت للمحافظة على الاحترام المتبادل بين الأصناف. ومع ذلك وحتّى يتمّ الإقناع بذلك فقد يقع الكثير من رجالنا ومن نسائنا أيضا (وهو الأمرّ) في « المحظور » أو في غير المرغوب فيه، فتُلجِئ الوضعيات الخاصّة (وضعية الضعيف المستجدي عطف غيره من غير أبناء جلدته الباحث عن الأمن والأمان، وسلسلة الأعذار والضرورات طويلة) إلى مصافحة أناس قد يكونون في أصولهم ممّن ساهم في زرع الكيان الصهيوني اللاّشرعي، دون أن نقدر على ردّ الفعل، إذ ردّ الفعل سيصنّفنا وسيجعلنا في دائرة الرّافضين للإجتماع أو المعايشة أو في دائرة أولئك الذين يروّجون للكراهيّة… غير أنّ سركوزي – وهو في بلده وبين أهله وينعم بحريّته ويطمئنّ إلى قوّته ويفقه جدّا مشروع محاربة الإرهاب ويتعرّف بسهولة على هويّة الإرهابيين– لم يتردّد في رفض مصافحة الذين عبّروا عن رفضهم الظلم المسلّط على المسلمين، دون أن يجامل حتّى أولئك الذين تورّمت شفاههم من تقبيل قتلة المسلمين …   لست أريد بهذه الكلمات الاستنجاد بأحد كي يخلّصنا من شبهات المصافحة في بلاد إقامتنا، فقد وُفّقنا بفضل الله ثمّ بإقناع النّاس أنّ بعض الأمور لا يمكنها أن تكون إلاّ كما رغب فيها أصحابها، ولكنّي أستفزّ بهذا القول مَن لديه بقيّة إحساس – من حكّامنا – وأدعوهم فقط إلى تقليد المسيو سركوزي، حتّى يمتنعوا مثلا عن مصافحة كلّ شاردة وواردة ويرفضوا الجلوس مع المجرمين الدمويين الذين قتلوا لهم رعاياهم بقنابلهم وطائراتهم وأوامرهم وحصارهم ومواقفهم السياسية وألاّ يساوموا على فلسطين وعلى قضيّتها فإنّها ما كانت يوما يهوديّة ولا صهيونيّة ولا عبريّة، ولكنّها كانت عربيّة إسلاميّة… قلّدوه في سلوكه هذا فليس في ذلك ما يضير، وإلاّ فاحترموا أنفسكم بعدم إثارة مواضيع مع أنفسكم أو مع آخرين تتعلّق بالرّجولة أو بالكرامة!… وحسبنا الله ونعم الوكيل!…  


 

حزب الله يتلقى ضربة قوية بمقتل أسطورته

بيروت (رويترز) – قال محللون ومصادر سياسية يوم الاربعاء ان حزب الله تلقى ضربة موجعة بمقتل عماد مغنية لكن الحزب لا يرجح ان يرد بشكل فوري. واتهم حزب الله المدعوم من سوريا وايران اسرائيل باغتيال مغنية لكن الدولة العبرية نفت اي دور لها. ويعتبر مغنية اسطورة من قبل انصاره والعقل المدبر لعمليات ارهابية من قبل اعدائه. وكان مغنية على رأس قائمة المطلوبين في الولايات المتحدة قبل ظهور اسامة بن لادن كعدو أول للولايات المتحدة.  وقتل مغنية في انفجار قنبلة زرعت في سيارته في دمشق قبيل منتصف ليل الثلاثاء. والقيت عليه اللائمة في هجمات على اسرائيل واهداف غربية ترجع الى اوائل الثمانينيات. وقال تيمور جوكسل المحاضر في الشؤون الامنية في الجامعة الامريكية في بيروت لرويترز « انها ضربة اساسية لانه كان اسما كبيرا. كان اسطورة في حزب الله واكثر من ذلك انها ضربة للهيبة. » واتسمت حركة مغنية بالسرية التامة لاكثر من عقدين من الزمن وانحصرت حركته بشكل اساسي بين بيروت ودمشق وطهران. وكانت تحركاته تحاط بسرية حتى عن المسؤولين البارزين في حزب الله.  كتبت عنه اساطير وقال البعض انه خضع لعمليات جراحية لتغيير ملامحه وقال اخرون انه لم تلتقط له صورة منذ 25 عاما. لكن حزب الله نشر يوم الاربعاء صورته التي تظهر الرجل البالغ 45 عاما بشعره الابيض يرتدي زيا قتاليا. وقال ماجنوس رانستروب خبير مكافحة الارهاب بالجامعة السويدية للدفاع القومي بستوكهولم  » لعدة سنوات كانت فرق تبحث عنه محاولة ان تجعله يدفع ثمن لائحة الهجمات المنسوبة اليه. » لكن بينما اختلف المحللون حول متى سوف يتم رد حزب الله ضد اسرائيل لمقتل الرجل الذي لعب دورا قياديا أساسيا خلال الحرب مع اسرائيل عام 2006 قال مصدر سياسي لبناني بارز ان الرد لن يكون في الوقت الحالي. وقال المصدر « الرد سوف يعني تغييرا في قواعد لعبة المواجهة مع اسرائيل. مثل هذه القرارات بحاجة لاتخاذها دون انفعال لذلك لن يكون هناك تسرع بالرد. » ويعتقد ان مغنية كان يقود منظمة الجهاد الاسلامي الموالية لايران التي يعتقد على نطاق واسع أن لها علاقة بحزب الله. والقيت عليه اللائمة في الهجوم على السفارة الامريكية وعلى ثكنة لمشاة البحرية الامريكية وكذلك الهجوم على قاعدة قوات حفظ سلام فرنسية في بيروت عام 1983 مما أسفر عن سقوط اكثر من 350 قتيلا. كما وجه الاتهام لمغنية فيما يتصل بتفجير السفارة الاسرائيلية في العاصمة الارجنتينية عام 1992 وخطف غربيين في لبنان في الثمانينيات. واصدرت الولايات المتحدة لائحة اتهام ضده بالتخطيط والمشاركة في خطف طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية العالمية (تي.دبليو.ايه) في 14 يونيو حزيران عام 1985 وقتل امريكي. وكان ينبغي ان تكون دمشق حليفة حزب الله مكانا آمنا لمغنية لكن مقتله اظهر اختراقا امنيا كبيرا في البلد الذي يأوي رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) خالد مشعل واعداء اخرين لاسرائيل.  وقال الصحفي السوري ثابت سالم انه ليس سرا ان خرقا للامن قد حصل. مغنية كان هدفا بذلت جهود كبيرة لرصده ورصد تحركاته. وقال جوكسل ان احساسا خاطئا بالامان في دمشق ربما قاد مغنية الى التخلي عن حذره. اضاف « يشعر المرء انه كان يحس بارتياح اكبر في المحيط السوري. » مشيرا الى ان اسرائيل اول المشتبه بهم. ويستبعد محللون فكرة ان مغنية قتل على يد اي من حلفائه. وقال جوكسل « انها عملية كبيرة خرق الاجواء الامنية السورية خرق تحركات هذا الشخص والتخطيط والقيام بالهجوم في دمشق ليست عملية هواة. » مضيفا ان مثل هذه الاغتيالات هي اختصاص اسرائيلي وليس للمخابرات الامريكية. وايا كان من قام بعملية الاغتيال فان الجهات المنفذة لن تسارع باعلان مسؤوليتها عن العملية.  وقال رانستروب « لن يقر اي من الاطراف المشتبه بها –اسرائيل والولايات المتحدة– بارتكابها. الادارة الامريكية سوف تحتفل .. الاسرائيليون لن يتبنوا المسؤولية. انهم يجعلون الامور تحدث. » من نديم لادقي (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 14  فيفري 2008)

 

 

ثمنها إبعاد مقصلة المحكمة الدولية عن الرؤوس الكبيرة واستئناف مفاوضات الجولان

صفقة سورية مع »سي.آي.ايه« و»الموساد« أطاحت رأس عماد مغنية وقد تطال نصرالله!

لندن – كتب حميد غريافي

 

قالت اوساط استخبارية بريطانية في لندن امس انه من المبكر جدا معرفة الطرف الحقيقي الذي اغتال »عقل حزب الله الاستخباري« عماد مغنية في دمشق اول من امس لأن دولا كثيرة ادرجته على لوائح ارهابها منذ مطلع الثمانينات بعدما اكتوت بنيران عملياته النوعية الارهابية ابتداء من تخطيطه وتنفيذه تدمير مقر »المارينز« والسفارة الاميركيين في بيروت عام 1983 واختطاف طائرات اميركية وقتل بعض ركابها, مرورا بقيادته عمليات اختطاف الرهائن الغربيين في لبنان خلال الاعوام اللاحقة وبتدمير المعبد اليهودي في بيونس ارس الارجنتينية وعمليات اخرى في انحاء مختلفة من العالم, وصولا الى قيادته فرقة من الحرس الثوري الايراني في حرب يوليو 2006 دمرت بصواريخها المتطورة رتلا من دبابات ميركافا الاسرائيلية في مثلث بنت جبيل – عيناتا – عيطرون في جنوب لبنان في الايام الاخيرة لتلك الحرب, ما ادى الى الحاق هزيمة بالجيش العبري قلما تعرض لها.

 

واعربت الاوساط لـ « السياسة » عن اعتقادها الا تعلن اي جهة مسؤوليتها عن اغتيال مغنية علما ان تل ابيب سارعت الى نفي ضلوعها في الاغتيال, رغم انها احد المستفيدين الاولين من الاغتيال بالاضافة الى الاستخبارات الاميركية »سي آي اي« التي تطارد مع الموساد الاسرائيلي منذ نيف وعقدين من الزمن هذا القائد الارهابي الدولي الذي لا يقل شأنا عن كارلوس واسامة بن لادن, معتبرة ان المشكلة »لا تكمن في الجهة التي اغتالته, بل في الدور السوري المشبوه في العملية التي وقعت على بعد عشرات الامتار من خمسة مراكز اساسية للاستخبارات السورية تنتشر في انحاء الحي الراقي الذي تسكنه النخبة ومن المفترض ان يكون مراقبا ومحميا بدقة«.

 

واعطت الاوساط تقديرات اولية حسب خبراتها الاستخبارية, فلم تستبعد ان تكون الحكومة السورية »عقدت صفقة مع واشنطن او تل ابيب او مع كليهما معا, سلمتهما بموجبها رأس مغنية مقابل ثمن كبير بسبب »اهمية الطريدة وخطورتها«, كما لا يستبعد ان تكون الصفقة مع الاستخبارات الاميركية تشمل تحييد رؤوس كبيرة سياسية وأمنية سورية عن مقصلة المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري التي بدأت تذر قرنيها بوضوح واشرفت الامم المتحدة عن الاعلان عن بدء جلساتها خلال الاشهر الاربعة المقبلة, كما يمكن ان تكون الصفقة السورية مع الاسرائيليين متعلقة باستئناف المفاوضات حول مرتفعات الجولان مع ايهود اولمرت بعد تحييد واشنطن الممانعة حتى الآن عن الموضوع«.

 

وقالت الاوساط ل¯ »السياسة«: »سواء كان الاميركيون او الاسرائيليون وراء العملية, فالمهم والاخطر في الموضوع ان استخباراتهم دخلت غرفة نوم مدير الاستخبارات السوري آصف شوكت بشكل لم يسبق له مثيل, الا ان سؤالنا الاوحد الآن هو: هل عنوة ام ان شوكت فتحها لها بنفسه عبر تلك الصفقة?«.

 

وابدت الاوساط الاستخبارية البريطانية قلقها من »ان تكون الصفقة اكبر من اغتيال مغنية بسبب الاهمية التي تعلقها دمشق على المحكمة الدولية خصيصا, قبل مسألة المفاوضات مع اسرائيل لاستعادة الجولان, »حيث قد تكون تشمل رأسا آخر هو رأس الامين العام لحزب الله حسن نصرالله المطلوب هو الآخر من الاميركيين والاسرائيليين«, وقالت: »لو كنا مكان الاميركيين لما اكتفينا فقط بتصفية مغنية مقابل ابعاد المحكمة الدولية عن عنق آصف شوكت وبشار الاسد وعدد من المقربين اليهما, بل لكنا طالبنا بثمن اكبر لا يقل عن حسن نصرالله, وكذلك بالنسبة للاسرائيليين اذا كانوا وافقوا فعلا على اعادة الجولان.

 

(المصدر: صحيفة « السياسة » (يومية – الكويت) الصادرة يوم 13 فيفري 2008)

 
 

عماد مغنية.. « المجاهد الشبح« !

بقلم: محمد جمال عرفة

 

لا أحد يعرف كيف قتلوه وفخخوا سيارته على الرغم من أنهم لا يعرفون شكله الذي غيره عدة مرات بعمليات جراحية وتمويه، ولا يظهر أصلا بصورة إعلامية؟ ولا أحد يعرف من قتله على وجه الدقة، هل هي المخابرات الإسرائيلية التي تتبرأ من ذلك ولكنها تسمي قتله إنجازا؟ أم الأمريكيون الذين رصدوا مكافأة لاصطياده منذ سنوات بسبب ما فعله بهم في بيروت وغيرها؟ أم هما معا؟

 

إنه اللبناني الشيعي « عماد مغنية » أو « علي نوري زاده » أو « الحاج عماد » كما يطلقون عليه، والذي قتل في أحد أحياء دمشق، ولكن تاريخ حياته واختفاءه المستمر وغموض شخصيته أعطاه أسماء أخرى، منها: « الثعلب » كما يطلق عليه الإيرانيون، و »الحاج عماد » كما يطلق عليه حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني، و »بن لادن الشيعي » كما يسمونه في إسرائيل، أو « القاتل الأكبر » وفق التسمية الأمريكية، ويطلق عليه أيضا أسماء « الثعلب » و »رجل الظل« .

 

ولكن لأنه « مجاهد » بدأ حياته في تنظيم الجهاد الإسلامي لقتال الأمريكان والصهاينة، كما أنه ظل طوال حياته « شبحا » يعجز أعداؤه عن كشفه أو اصطياده، فأفضل تسمية يمكن أن نطلقها عليه هي « المجاهد الشبح« .

 

ولد « عماد فايز مغنية » في مدينة صور بالجنوب اللبناني، في بيت مزارع لبناني شيعي في 12 يوليو عام 1962، وانتقلت عائلته التي تتكون من والدته ووالده وأخويه جهاد وفؤاد لاحقا، إلى الضاحية في جنوب بيروت، وتعلم عماد مغنية هناك في مدارس لبنانية خلال المرحلة الإعدادية والثانوية، وعندما نضج درس لفترة قصيرة في الجامعة الأمريكية في بيروت.

 

وقد قُتل شقيقه جهاد في 1985، إبان محاولة لاغتيال فضل الله الذي حل مغنية في حراسته محل أخيه الأكبر، وما لبث أن اغتيل الشقيق الثاني فؤاد بمتفجرة إسرائيلية كان المقصود بها عماد.

 

الابن الروحي لـ »علي شريعتي »؟

 

بدأ اسم « مغنية » يلمع قبل قيام الثورة الإيرانية 1979 بعدة سنين، عندما صدر كتاب لرجل الدين اللبناني « جواد مغنية » يتضمن آراء الدكتور علي شريعتي المفكر الإيراني، الذي وضع الحجر الأساسي للثورة الإيرانية في الوسط الجامعي والديني في إيران، حيث أصبح اسم « مغنية » مرتبطا باسم شريعتي في عقول وقلوب الإيرانيين والشيعة في لبنان.

 

ولم يكن « عماد » و »جواد » بينهما أي صلة قرابة، ولكن ما جلب هذه الصلة في عقول الإيرانيين والشيعة أن إحدى الصحف نشرت صورة جواد مغنية مكتوبا تحتها « والد المناضل الثوري اللبناني عماد مغنية ». وهو ما جعل عماد فايز مغنية الابن البار لسلالة دينية بارزة في شرق لبنان والابن الروحي لعلي شريعتي في عقول الشباب الإيراني، حتى تبين للإيرانيين الحقيقة وأن عماد ليس ابن جواد، وأنه لبناني مسلم شيعي تأثر بالثورة الإيرانية، عندما بدأت أنشطة « عماد » في اختطاف الطائرات والمواطنين الغربيين خلال الاضطرابات السياسية في لبنان في الثمانينيات تدوي وتنشر له سيرة ذاتية حقيقية.

 

ومع هذا فقد استمرت هذه الرابطة بين عماد وبين إيران بعدما أصبح هو بالفعل حلقة ربط بين إيران وحزب الله اللبناني.

 

كان مغنية أحد المتعاونين مع « القوة 17 » التابعة لحركة فتح، وهي القوة العسكرية الخاصة، التي كانت تتولى حماية قيادات حركة فتح مثل « أبو عمار، أبو جهاد، أبو إياد »، ولعب مغنية دورا في عملية نقل سلاح « فتح » إلى المقاومة اللبنانية، ممثلة بـ »حركة أمل » و »حزب الله » بعد أن اضطرت حركة « فتح » إلى مغادرة بيروت، إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

 

وبعد حصار بيروت، الذي دام ما يقرب من ثلاثة أشهر وخروج فتح ومنظمة التحرير من لبنان، انتقل مغنية للعمل في صفوف «حركة أمل»، ثم انتقل للعمل ضمن صفوف «حزب الله»، وذلك بالتزامن مع انتقال حسن نصر الله من صفوف «حركة أمل» إلى «حزب الله».

 

وقبل انخراطه في حزب الله الذي تأسس عام 1985، قام مغنية في عام 1982 بثلاث عمليات، جعلته في صدارة قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة وفرنسا؛ هي: تفجير السفارة الأمريكية في بيروت في أبريل 1983 والتي أسفرت عن مقتل 63 أمريكيا ولبنانيا، وتفجير مقر قوات المارينز الأمريكية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أمريكيا، وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في البقاع، والذي أسفر عن مقتل 58 فرنسيا.

 

ومنذ انخراط عماد في «حزب الله» بعد بضعة أشهر فقط من تأسيس الحركة، عينه أحد قياديي الحرس في لبنان، وهو « أحمد متوسليان » مسئولا عن استخبارات «حزب الله» في بيروت، وعقب اختطاف « متوسليان » فيما بعد من قبل القوات اللبنانية مع القائم بالأعمال الإيراني محسن موسوي ومراسل وكالة الأنباء الإيرانية كاظم إخوان وسائق السفارة الإيرانية وقول الدكتور سمير جعجع إن أيلي حبيقة قائد القوات اللبنانية حينئذ أمر بقتلهم، بدأ نجم « مغنية » يلمع أكثر.

 

وقد عمل مغنية لفترة مسئولا عن الأمن الشخصي للزعيم الروحي لـ«حزب الله» حسين فضل الله، إلا أنه لاحقا وبسبب المهارات غير العادية التي يتمتع بها في التخطيط الميداني والقيادة، بات مسئولا عن العمليات الخاصة لـ«حزب الله» ما جعله المطلوب الأكثر إلحاحا لدى الأمريكان والصهاينة.

 

وكان مغنية يمتلك جوازات لبنانية وسورية وإيرانية وباكستانية، كما أنه غير ملامح وجهه عدة مرات، ما سهل له القيام بعدة عمليات في الخارج أيضا، منها تخطيط وتنفيذ سلسلة من العمليات في الأرجنتين في التسعينيات، من بينها تفجير مركز يهودي عام 1994 في بوينس أيرس، أودى بحياة 85 شخصا، ويقال إنه شارك في تفجير الخبر بالسعودية 1996، حيث قتل 19 عسكريا أمريكيا، ولذلك تصفه المصادر الأمريكية بأنه أكبر شخص على كوكب الأرض قتل أمريكيين، كما أنه كان مطلوبا في 42 دولة، ورصدت جائزة لرأسه بلغت 5 ملايين دولار.

 

ووفقا لمصادر غير مؤكدة، فقد قضى « مغنية » فترة ما بين 1997 وغزو العراق 2003، بين أفغانستان وسوريا ولبنان وباكستان وشمال العراق، وساعد على انتقال كبار قيادات «القاعدة» من أفغانستان إلى إيران.

 

وفي عام 2005 – وفق جريدة الشرق الأوسط – عُهدت إليه مسئولية تنظيم العلاقات بين فصائل الشيعة المسلحة في جنوب العراق، ومن ثم تسلم مهمة المشرف الميداني على مراكز استخبارات الحرس الثوري في جنوب العراق، وفي العام نفسه 2005، توجه عماد إلى لبنان عبر سوريا، برفقة بعض المسئولين الإيرانيين هذه المرة تحت اسم سيد مهدي هاشمي، إيراني الجنسية، حاملا جواز سفر دبلوماسي.

 

وأوائل عام 2006 شوهد عماد فايز مغنية في البصرة بالعراق، ويقال إنه كان مسئولا عن تنظيم سفر مقاتلي «جيش المهدي» إلى إيران، للمشاركة في دورات التدريب، وفي أبريل الماضي، تردد أن مغنية عاد إلى لبنان، حيث تسلم مهمة رفيعة في جهاز استخبارات «حزب الله»، ووفقا لمزاعم لمصادر إسرائيلية، فإنه أعد خطة خطف الجنديين الإسرائيليين بناء على تعليمات صادرة من قبل استخبارات الحرس الثوري الإيراني، وأن ثمانية أجهزة استخباراتية إسرائيلية عجزت عن اختراق « حزب الله » وعرقلة نشاط عماد مغنية.

 

والغريب أن أخبار مغنية بدأت تظهر مؤخرا على الرغم من استمرار اختفائه بصورة تبعث على التساؤل عن مصدرها.. فالزعيم اللبناني وليد جنبلاط قال قبل فترة: « إن المعلّم الأساسي للسيد حسن ( نصر الله) هو عماد مغنية »، ثم عاد – خلال التوتر الأخير في لبنان – ليقول إنه ربما الجهاز الأمني لدى « حزب الله » أو ما يسمى عماد مغنية متورط في بعض « الجرائم »، مضيفا: « رأينا كيف قدموا يوم اغتيال (النائب) جبران تويني الحلوى في بعض المناطق« .

 

أيضا نقلت صحيفة « صنداي تايمز » في أبريل الماضي، عن خبراء أمنيين ومسئول أمريكي سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي، قولهم إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد حضر لقاء في سوريا مطلع هذا العام مع مغنية، وقالت الصحيفة: « إن مسئولين أمريكيين ومصادر في الاستخبارات الإسرائيلية يعتقدون أن مغنية بوصفه قائد العمليات الخارجية في حزب الله اللبناني، تولى مسئولية تدبير الرد الإيراني ضد أهداف غربية، إذا أمر الرئيس الأمريكي جورج بوش بضرب المنشآت النووية الإيرانية« .

 

وأضافت أن: مغنية سافر في يناير الماضي مع أحمدي نجاد من طهران إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى الرئيس الإيراني قادة « حزب الله ». وجاء النشاط المتزايد لمغنية مؤخرا وارتباط اسمه بخطط مواجهة أمريكا في المنطقة في حالة القيام بغزو لإيران، فضلا عن ارتباط اسمه بعمليتي خطف الجنديين الإسرائيليين، فضلا عن نشاطه السابق، ليثير علامات استفهام حول اختراق ما أو رصد مكثف، أو تجسس بتقنية عالية على أنشطته، ليجري اصطياد هذا المجاهد الشبح في سوريا، وتنتهي أسطورة أحد أبرز مقضِّي مضاجع الأمريكان والإسرائيليين.

 

(المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 13 فيفري 2008)

 


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.