الجمعة، 8 أغسطس 2008

TUNISNEWS
8 ème année, N°2999 du 08.08.2008
 archives : www.tunisnews.net 

حــرية و إنـصاف: اعتقال ابن اللاجئ السياسي الأزهر مقداد

الأزهر مقداد: اعتقال ابن اللاجئ السياسي الأزهر مقداد: تصحيح خبر

حــرية و إنـصاف: بوراوي مخلوف مهدد بفقدان البصر

أبو جهاد : مريم الزواغي إحدى ضحايا قانون الإرهاب

عادل الجوجري: كفاية تونسية

خميس بن بريّك:  صراع رقمي بين السلطة والمدونين في تونس

د. عبد المجيد النجار: الخارطة المغاربية للمشاركة السياسية للإسلاميين: متى يكتمل المشهد التونسي؟

كلمة’: بعد تجديد ترشّح الرئيس بن علّي لرئاسيات 2009: وللـنـّـاس كـلـمـة

كلمة’:  صفاقس تشّيع شهداء المقاومة

رويترز:تونس تشهد انتعاشا في حركة السياحة  

النفطي حولة :متى تفرج سلطة الإشراف عن حركة النقل…؟

مراد رقية:من يتحمل مسؤولية نكبة الجامعيين التونسيين المخططون ،السياسيون،الجامعيون المهجنون؟؟؟

محمد شمام: المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح – الحلقة السابعة

فتحي بالحاج :ردا على ما يسمى « مبادرة الحوار القومي » التي أطلقها جهاز الإتحاد الديمقراطي الوحدوي

طارق الكحلاوي :حول نقاش ‘الضربة ضد إيران’

اللجنة العربية لحقوق الانسان: موريتانيا: حماية الديمقراطية وتحديد مهام المؤسسة العسكرية

رويترز: سفيرا ليبيا وأمريكا يتبادلان العناق والقبلات في الأمم المتحدة

رويترز: زعيم معارضة مصري: مبارك قد يسعى لفترة ولاية جديدة

رويترز: لا عودة لايام الانقلابات السابقة السيئة في افريقيا

توفيق المديني: كوسوفو في قلب الصراعات القومية في البلقان 

ياسر الزعاترة: حول انتصار النموذج الإسلامي العلماني التركي

  

إسماعيل ياشا :ملابسات قرار المحكمة الدستورية في تركيا

(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows)


أسماء السادة المساجين السياسيين من حركة النهضة الذين تتواصل معاناتهم ومآسي عائلاتهم وأقربهم منذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاع. نسأل الله لهم  وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات إيقافهم منذ أكثر العامين الماضيين فرجا قريبا عاجلا- آمين 

 

21- هشام بنور

22- منير غيث

23- بشير رمضان

24- فتحي العلج 

 

16- وحيد السرايري

17-  بوراوي مخلوف

18- وصفي الزغلامي

19- عبدالباسط الصليعي

20- الصادق العكاري

11-  كمال الغضبان

12- منير الحناشي

13- بشير اللواتي

14-  محمد نجيب اللواتي

15- الشاذلي النقاش

6- منذر البجاوي

7- الياس بن رمضان

8- عبد النبي بن رابح

9- الهادي الغالي

10- حسين الغضبان

1- الصادق شورو

2- ابراهيم الدريدي

3- رضا البوكادي

4-نورالدين العرباوي

5- الكريم بعلوش


 
أنقذوا حياة السجين السياسي المهندس رضا البوكادي حــرية و إنـصاف
33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 08/08/2008 الموافق ل 07 رجب 1429

اعتقال ابن اللاجئ السياسي الأزهر مقداد

 

 
بعد قضائه عطلة صيفية امتدت لثلاثة أسابيع بأرض الوطن اعتقل البوليس السياسي منذ يوم الأربعاء 6 أوت 2008 الشاب وليد مقداد ابن اللاجئ السياسي السيد الأزهر مقداد بمطار تونس قرطاج أثناء عودته إلى سويسرا لكونه ابن لاجئ سياسي و قد تم اقتياده إلى جهة مجهولة. و حرية و إنصاف التي طالما نادت بعودة المغتربين إلى أرض الوطن تعتبر أن هذا الاعتقال فيه نوع من التشفي و يعكس إرادة تأبيد وضع المغتربين و عائلاتهم و تدعو إلى إطلاق سراح الشاب وليد مقداد فورا و السماح له بالالتحاق بعائلته المقيمة بالمهجر. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الكاتب العام السيد زهير مخلوف

 
تصحيح خبر

اعتقال ابن اللاجئ السياسي الأزهر مقداد

 

 
لقد أوردت منظمة حرية وانصاف خبرا مفاده أن ابني وقع اعتقاله من طرف البوليس السياسي يوم الإربعاء 6 اوت بمطار تونس قرطاج أثناء عودته إلى سويسرا واقتيد الى جهة مجهولة وتصحيحا للخبر أريد أن اشير أن ابني أمين مقداد وليس وليد مقداد كما ورد في الخبر كان عائدا الى سويسرا يوم الإربعاء 6 اوت  فمنع من ركوب الطائرة وسلم استدعاء للمثول في  الداخلية ولم يقع اعتقاله. فوجب التصحيح والتنويه. وأريد أن اشير الى المعاملة الطيبة التي عومل بها ابني عند استجوابه لكن عملية منع السفر التي تمت والتي فوتت على ابني اكثر من مصلحة ما كان لها ان تقع لأنها  ستترك اثرها على جيل من الشباب حرصنا على تربيتهم على حب الوطن والإرتباط به وشجعناهم على العودة للبلاد من اجل ممارسة حياتهم بشكل عادي دون ان تؤثر عليهم رواسب الماضي. ومثل هذه التصرفات من شأنها أن تعكس لديهم صورة مشوشة على البلاد ومقارنتها مع صور البلدان الاروبية. الأزهر مقداد


أنقذوا حياة السجين السياسي المهندس رضا البوكادي حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 08/08/2008 الموافق ل 07 رجب 1429

بوراوي مخلوف مهدد بفقدان البصر

 

بعد زيارتها له يوم الخميس 7 أوت 2008 بسجن المنستير أكدت لنا السيدة سهيلة زوجة السجين السياسي السيد بوراوي مخلوف أن زوجها مهدد بفقدان البصر علما بأنه خضع لثلاث حصص معالجة بالليزر إلا أن شبكية العين بقيت في حالة ارتخاء تام و أظهرت عدم الاستجابة للعلاج ، كما أكد لها زوجها أنه يشكو من آلام حادة بالظهر نتيجة الانزلاق الغضروفي الذي أصيب به جراء التعذيب الشديد الذي تعرض له عند الإيقاف بوزارة الداخلية سنة 1991 ، و ذكر لها أن أحد أعوان سجن المنستير يمعن في مضايقته باستمرار و قد منعت عنه و عن باقي المساجين السياسيين إدارة السجن المذكور الصحف في الفترة الأخيرة. و تجدر الإشارة إلى أن السيد بوراوي مخلوف معتقل منذ سنة 1991 من أجل الانتماء إلى حركة النهضة و يقضي حكما بالسجن مدى الحياة في عزلة تامة. و حرية و إنصاف 1)   تطالب بإطلاق سراح السجين السياسي السيد بوراوي مخلوف و باقي المساجين السياسيين و مساجين الرأي و وضع حد للمضايقات المسلطة عليهم و وقف سياسة الموت البطيء التي يتعرضون لها داخل السجون. 2)   تهيب بكل المنظمات الحقوقية في الداخل و الخارج للضغط من أجل إطلاق سراحهم و طي صفحة الماضي و مساعدتهم على الاندماج في النسيج الاجتماعي و تمتيعهم بكل حقوقهم التي سلبت منهم. عن المكتب التنفيذي للمنظمة المكلفة بملف المساجين السياسيين و مساجين الرأي السيدة زينب الشبلي  


مريم الزواغي إحدى ضحايا قانون الإرهاب

 

 
  مر الأسبوع الثاني من تاريخ القهر الذي تحس به فتاة في بداية العشرينيات من عمرها. لم تعرف من الدنيا غير الدراسة ولم تعرف من السياسة غير التزامها بدينها. أسبوعان في سجون الظلم ليس لها من جريرة غير تمسكها بدينها. خضعت لأقسى قانون عرفته البشرية. وأكثرها إرهابا للقلوب والنفوس. لقانون مكافحة الإرهاب. فتاة غضة جرمها أنها أحبت الله. وأحبت طاعته. وأحبت السير في دربه. وما أصعب هذا الدرب. حين تم إيقافها حسب  رأي الجميع أنها فتاة غضة, ضئيلة الحجم  في ريعان شبابها محبة للخير تاركة لما يغضب الله مقبلة على رضاه.ما كانت تبقى طويلا بجسمها الذي لا يفوق وزنه الإثنين وأربعين كيلو غراما. لكنها بقيت. بقيت لتعلم الدنيا أن طاغية العصر جورج بوش وأعوانه يخافون من الفتيات. من فتاة لم تعرف غير ربها في هذا الوجود. وأن قانونه الظالم الذي فرضه على الضعفاء إنما يعكس ضعفه وخوره وقلة حيلته وضحالة سياسته. لك الله يا مريم. عهدنا أن السجون للرجال لكن في نسائنا من هن بآلاف الرجال. وفي فتياتنا من يشرحن النفوس لجيل واعد بالخير. ربما حطمتم جيل الثمانينات.. ربما مرغتم جيل التسعينات في مستنقعات الخوف. لكن الجيل القادم لا يخاف غير الله. بوادره تنبئ بكل خير. ومستقبلنا سيزيد إشراقا بقدر سواد حاضرنا. بقدر ما يمارس الظلم اليوم بقدر ما ينتشر الخير. فلولا شباب طاهر يبتغي الجنة لما جيشت الجيوش ضده. هم يتربصون بنا. ونحن نتربص بهم والله من وراءنا بكل شيء محيط   أبو جهاد  


 كفاية تونسية  
بقلم عادل الجوجري (*) “يزي” كلمة تونسية تعني “كفاية” وقد رفعتها القوى الشعبية المستقلة في تونس مؤخرا في التظاهرات المعارضة لنظام الحكم الديكتاتوري..فماهي القصة؟ وسط زحام الأحداث لم ينتبه كثيرون إلى إعلان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ترشحه لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية عام 2009 وتنتهي في2014، ليصبح بذلك من أقدم رؤساء الجمهورية في العالم بعد معمر القذافي وعلي عبد الله صالح وحسني مبارك، ويثبت الحكام العرب مجددا ديمقراطيتهم التي تتلخص في إنهم يغيرون ولا يتغيرون، يغيرون المعاونين لهم وليس السياسات، و ليس في نية احدهم أن يحمل صفة “الرئيس السابق” و قد سئل الرئيس اليمني ذات مرة “لماذا لا يستقيل الحاكم العربي ؟” فرد مازحا ولمن يقدم الاستقالة ؟ هل يقدمها إلى عمرو موسى؟ هكذا يمضي الحال بالحاكم العربي الذي لا يعرف أن هناك شعبا منه يستمد السلطة وهناك مؤسسات هي المرجع والضابط في آن ،وهذا دليل جديد : تولي بن علي السلطة في تونس التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة في عام 1987 عندما أعلن الأطباء أن الرئيس في ذلك الوقت الحبيب بورقيبة يعاني من أمراض الشيخوخة وغير مؤهل للحكم،في ذلك الحين أعلن بن علي أنه لن يترشح أكثر من دورتين،تاركا الباب أمام الشعب للتغيير واختيار الأصلح لكنه قبل انتهاء الدورتين وبعد أن اكتشف مزايا البقاء في السلطة أجرى استفتاء عام 2002 لتعديل الدستور بحيث يسمح له بالترشح لعدد غير محدود من الفترات الرئاسية مدة كل منها خمس سنوات،وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا باعتبار أن الحاكم العربي يحكم من القصر إلى القبر ،وفاز بن علي بنسبة 94.4 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة في عام 2004 وهي انتخابات كوميدية أثبتت أن الديمقراطية في تونس هي مجرد نكتة باردة،فقد تمكن الرئيس من محاصرة كل معارضيه والزج بهم في السجون أو إجبارهم على الفرار خارج البلاد بحثا عن مأوى ،وبدءا من السيد راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ذات المنهج الإسلامي وصولا إلى الناصريين لم يترك أيضا الليبراليين ولا اليساريين ولانشطاء المجتمع المدني من المطاردة. المعارضة التونسية رفضت قرار الرئيس بن علي الترشح مجددا واعتبرته دليلا على التخلف الذي تعيشه الأمة العربية وهيمنة الحكام المستبدين عليها ،وفي تصريحات إذاعية قال رشيد خشانة رئيس تحرير صحيفة الوفد المعارضة: ” إن قرار الرئيس بن علي تأكيد للتخلف السياسي”، موضحا أنه كان ينبغي أن يكون قد حكم تونس أكثر من رئيسيْن منذ استقلالها عن فرنسا قبل أكثر من نصف قرن. وتابع: “في الحقيقة هناك أمران يعرقلان التعددية في تونس، الأمر الأول هو الدستور الذي عُدّل في سنة 2002 لكي يترك الولايات الرئاسية مفتوحة وهو ما اعتبرته المعارضة عودة الرئاسة لمدى الحياة التي أقرها الرئيس بورقيبة سنة 1975 ونصب نفسه رئيسًا لتونس مدى الحياة وهي إحدى علامات التخلف السياسي بالنسبة لعالمنا الثالث”. ومضى خشانة بالقول :” أما الأمر الثاني هو الآلة السياسية والحزبية الكبيرة التي تسيطر على القطاع العمومي، وعلى الإدارات والوزارات. وكل شخص لم يكن منتميًا للحزب الحاكم فإنه بالضرورة لن يستطيع الحصول على حقوقه حتى في الارتقاء الوظيفي في إدارته”. وقال خشانة إن جميع المؤشرات تدل على أن بن علي سيفوز بفترة خامسة رغم مطالبة أغلبية الشعب بالتغيير الحقيقي. واستطرد: “الماكينة التي سمحت بالفوز خلال الولايات السابقة يمكن أن تسمح بفوز مماثل في المدة القادمة وإعطاء أصفار إلى بقية المرشحين”. على خطى مبارك وتطبيقا لمنهج الرئيس المصري حسني مبارك الذي ادخل تعديلات دستورية لتحسين وتجميل وجه النظام من جهة وتمرير تكرار عملية ترشح الرئيس ،قام الرئيس التونسي بن علي بطرح تعديلات جديدة تفتح باب الترشح بصورة استثنائية للانتخابات المقرر إجراؤها عام 2009، إذ يلغي التعديل الحالي لقانون الانتخابات في تونس الشرط المتعلق بأن يكون المرشح ممثلا بمقعد واحد على الأقل في مجلس النواب، وبالإضافة إلى ذلك يمكن “أن يترشح لرئاسة الجمهورية المسئول الأول عن كل حزب سياسي رئيسا كان أو أمينا عاما أو أمينا أول لحزبه بشرط أن يكون المرشح قد وقع انتخابه لتلك المسؤولية منذ عامين على الأقل” حسب ما ورد في النص ، و بذلك يصبح بوسع الأحزاب المعارضة الثمانية في البلاد أن تشارك بمرشحين عنها في الانتخابات المقبلة. ويفسر هذا التعديل في تونس على أنه قطع للطريق أمام المحامي أحمد نجيب الشابي (60 سنة) الذي كان الحزب الديمقراطي التقدمي قد زكاه كمرشح للانتخابات القادمة في تونس لكنه لم يمض إلا فترة قصيرة في منصب الأمين العام لحزبه، إذ تخلى عنه نهاية 2006 لصالح مايا جريبي. وأعتبر الشابي أن التعديل الحالي يستهدف إقصاءه من المشاركة في الانتخابات رغم انه أقوى المنافسين ل “بن علي”.. جبهة المعارضة لذلك كان طبيعيا أن تتنوع أشكال المعارضة ضد النظام ومن المتوقع أن تشتد المعارضة خلال العام الجاري وحتى الانتخابات الرئاسية في العام القادم احتجاجا على مااسمته المعارضة “الحكم المؤبد ” ويمكن رصد أبرز أشكال العمل المعارض على النحو التالي: أولا: ظهور حركة “كفاية”التونسية متأثرة ثقافيا وإعلاميا بحركة “كفاية المصرية” وهي ترفض التمديد لرئيس الدولة وترفع شعار “يزي”وهي كلمة عامية تونسية تعني “كفاية” وأطلقت الحركة موقعا اليكترونيا هو yezzi.org. ولكن السلطات التونسية دأبت في التشويش عليه وحجبه ،ورسالة الموقع تتلخص في دعوة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي إلى التنحي،كما تحث المواطن على القيام بدوره في المشاركة السياسية وإعلان الرفض المطلق للديكتاتورية والاستبداد. وفي عام 2006 ولمناسبة احتضان تونس المؤتمر العالمي للمعلومات أطلقت حركة”يزي” تظاهرة من نوع خاص حيث يمكن “للمتظاهر” أن يخفي عينيه أو وجهه، كما يمكنه أن يظهر بكامل صورته، مثلما فعل كلّ من المعارض المعروف منصف المرزوقي، والصحفي سامي بن غربية، والكاتب شكري يعقوب. وقال الموقع “يزّي، فكّ برفع الفاء … عبارات مستوحاة من اللهجة التونسية التي تهدف إلى توجيه رسالة إلى الطاغية بن علي ندعوه فيها إلى التخلي عن الحكم،” على حد ما نشره الموقع. ويضيف موضحا:” إن كان لهذه المظاهرة من رمز فهو التأسيس لنمط جديد من أشكال الرفض والإحتجاج، بالنسبة لنا كمواطنين تونسيين محرومين طيلة عقود من حرية الوصول إلى المعلومات، والخبر المستقل،والصحافة الحرة والعمل النقابي المستقل” ثانيا: “تصعيد المعارضة في الأوساط النسائية بالنظر إلى الحريات المجتمعية التي تتمتع بها المرأة التونسية وقد حققت العديد من الكاسب السياسية ،وأنتجت العديد من القيادات النسائية البارزة ،من بينهن ناشطات قدن التظاهرات في مدينة الرديف (350 كلم جنوب غرب العاصمة) “دعما لضحايا الحوض المنجمي” التي تشهد انتفاضةاجتماعية. وكان حزب “التكتل الديموقراطي من اجل العمل والحريات” أعلن عن توقيف زكية ضيفاوي المدرسة والمسؤولة المحلية في الحزب في القيروان (وسط). وقال مصدر قضائي أن ضيفاوي تم توقيفها يوم 29 يوليو وستحال على المحكمة بتهم تعكير النظام العام والتعدي على ممتلكات وعلى الأخلاق الحميدة. وأورد بيان للحزب المعارض انه تم اعتقال مناضلته في شكل “غير قانوني” من قبل شرطيين في لباس مدني صادروا هاتفها بعد تنظيم مسيرة في الرديف (جنوب غرب). وطالب الحزب بالإفراج “الفوري” عن ضيفاوي داعيا السلطات إلى “وضع حد لسلسلة الاعتقالات في صفوف الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان”.. ثالثا: تبلور جبهة وطنية للمعارضة هي هيئة الثامن عشر من أكتوبر تحت شعار الجوع ولا الخضوع التي اعتبرها المراقبون إرهاصات تسبق مرحلة جديدة قد يشهدها المعترك السياسي التونسي، الحركة التي بدأت قبل انعقاد قمة المعلومات في تونس شهر نوفمبر 2006وواكبت أهم أطوارها مستقطبة اهتماما إعلاميا وسياسيا عالميا دخلت مرحلة جديدة بتحوُّلِها إلى هيكل منظم يضم أحزاب متباينة المرجعيات يجمعها العمل على تحقيق ما سموه بشروط التحول الديمقراطي الحقيقي في تونس، التقاء جبهوي يعد سابقة في الساحة السياسية التونسية يشمل إضافة لجمعيات ناشطة في الدفاع عن حقوق الإنسان الأحزاب التالية، المؤتمر من أجل الجمهورية، حركة النهضة، حزب العمال الشيوعي التونسي، الحزب الديمقراطي التقدمي، الوحدويون الناصريون، التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، يمكن إجمال أهم مطالب هذا الائتلاف التي تستند إلى قراءة نقدية جذرية بما دعته واقع الديكتاتورية في البلاد في ثلاث نقاط رئيسية حرية التنظيم الحزبي والنقابي ، حرية التعبير والإعلام، إطلاق سراح المساجين السياسيين وسنّ عفو تشريعي شامل مطالب قديمة جديدة قدّرت هيئة الثامن عشر من أكتوبر أن المهم فيها هو التحرك الميداني لتحقيقها وليس الاكتفاء بالمطالبة بها، في هذا السياق أعلنت الهيئة تنظيم سلسلة مظاهرات شعبية في العاصمة تونس ومحافظات أخرى تنديدا بما وصفته التضييق الأمني على نشاطات المعارضتين السياسية والحقوقية . وقال القيادي البارز المنصف المرزوقي : “إن المعارضة التونسية تمكنت من توحيد صفوفها ونبذ خلافاتها من أجل ضبط برنامج متكامل لإنهاء ما وصفه بـ “النظام الديكتاتوري” في تونس، وأضاف أن التنسيق قائم بين أبرز الفصائل اليسارية والإسلامية والقومية وهي الروافد الأصيلة في المعارضة التونسية. واللافت هنا أمران :الأول هو انتشار ثقافة الرفض والاحتجاج التي عبرت عن ضيق شعبي من استمرار الحكام الأبديين ،والذين يتسلحون بأجهزة الأمن دفاعا عن بقائهم في السلطة وهم بذلك يشكلون عائقا أمام الديمقراطية والتقدم ،وهناك تواصل ثقافي بين حركات المعارضة العربية حتى وإن لم تتصل،فهناك حركة كفاية اليمنية وهاهي تبرز حركة كفاية التونسية وفي الطريق حركات أخرى تتكامل في مواجهة تحالف الحكام العرب المستبدين. الأمر الثاني هو تشكل تحالفات وطنية تضم القوى والأحزاب الرافضة للقهر والاستبداد ،ومثلما تشكلت في تونس جبهة 18اكتوبرندعو الأحزاب والتيارات الوطنية في الوطن العربي إلى نبذ خلافاتها الثانوية والاتحاد من أجل صياغة برنامج مشترك لإزاحة كابوس الديكتاتورية التي يستمد قوته من ضعف المعارضة ومن تشتتها وتناحرها. (*) رئيس تحرير مجلة الغد العربي القاهرة (المصدر: موقع ‘الوحدوي.نت’ (اليمن)بتاريخ 8 أوت 2008) الرابط:  http://alwahdawi.net/narticle.php?sid=4420


صراع رقمي بين السلطة والمدونين في تونس

 

 
خميس بن بريّك-تونس
على الرغم من أن ظهور الإنترنت كأداة اتصال جديدة وسع من حرية التعبير في تونس فإن هذا لا يخفي حدة الصراع القائم بين سلطة الرقابة والمدونين. وسرعان ما تحولت شبكة الإنترنت إلى حلبة مصارعة رقمية تدور رحاها بين المدونين والسلطة، التي قال عنها بعض من التقتهم الجزيرة نت إنها تفرض وصاية على الشبكة. وبينما يؤكد أصحاب المدونات أن الرقابة في تونس تشن حملة عشوائية على مواقعهم، ذات التوجه التحريري الناقد، تنفي السلطات هذا الاتهام. وتقول الحكومة إن المواقع التي تراقبها هي مواقع مارقة من القانون تمس أمن الدولة وتنشر أخبارا زائفة أو تحرض على الإرهاب أو تتصل بمواقع إباحية. حجب مدونات المدون والصحفي المعارض سفيان شورابي قال للجزيرة نت إن السلطة تقوم بحجب بعض المدونات التي تعتمد خطا تحريريا ناقدا لما يجري من أحداث وطنية ساخنة. واشتكى من حجب مدونته وهو ما دفعه إلى تغيير عنوانها الإلكتروني لـ »مراوغة الرقابة » حسب قوله. وأكد شورابي أن عددا كبيرا من المدونات جرى حظره، مفسرا ذلك بالنبرة النقدية التي ينتهجها المدونون عند خوضهم في مسائل سياسية واجتماعية « محرمة ». لكن مصدرا حكوميا -فضل عدم الكشف عن اسمه- قال إن المدونات متاحة على الإنترنت، وإن بعض المواقع التي وقع حجبها كانت تقوم بتزييف الوقائع وتهويلها. وكانت المدونات التونسية انتقدت بشدة ما حدث في الأشهر الماضية بالحوض المنجمي بقفصة جنوبي البلاد بعد صدامات بين المواطنين والشرطة احتجاجا على تدهور المعيشة. وأثارت هذه الانتقادات قلق الحكومة التي أصبحت تنظر إلى المدونات كمصدر إزعاج، بينما أجج حظر العديد من المواقع سخط مستعملي الشبكة وعلى رأسهم المدونون. وتصاعد احتجاج المدونين من خلال التدوينات الجماعية، التي يشترك في إعدادها مجموعة من الأشخاص للتنديد بالرقابة مثل مدونة اسمها « ضد الحجب ». أصابع اتهام ووجه شورابي أصابع الاتهام فيما يتعلق بحجب المواقع إلى الوكالة التونسية للإنترنت، المزود الحكومي بخدمات الشبكة، بينما تعذر التأكد من صحة هذه المعلومات. ويقول مدير قسم الدفاع عن شبكة الإنترنت بمنظمة « أصوات عالمية » سامي بن غربية إنه بالرغم من تنصل الوكالة عن مسؤوليتها في مراقبة وحجب المواقع فإنها هي من تقف وراء ذلك. ويرى أمين كشلاف -وهو صاحب مدونة أيضا- أن الوكالة تقوم بمتابعة المواقع لغربلتها وحجبها إن كانت ممنوعة، بواسطة أنظمة الفلترة. وأوضح وليد نفاتي -مختص في الاتصالات- أن هناك برمجيات للفلترة تقوم بمقارنة عناوين المواقع المطلوبة بالعناوين الممنوعة، ويقع حجبها إن كانت ممنوعة. وتقوم بعض أجهزة الفلترة بمسح محتوى الصفحة المطلوبة، حتى وإن لم تكن من ضمن قائمة الصفحات الممنوعة، ثم تبحث عن كلمات محددة، وتحجبها إن تم العثور عليها. حدود الرقابة وبالنسبة إلى سامي أو سفيان أو أمين فإن الرقابة على الإنترنت تبقى غير ذات جدوى، إذ يستطيع مستعملو الشبكة من ذوي المعرفة أن يتصفحوا ما يحلو لهم من مواقع. وأكد بن غربية -وهو صاحب إحدى المدونات- للجزيرة نت أنه يمكن الاطلاع على المقالات ومقاطع الفيديو المحجوبة من خلال مواقع فيسبوك وتطبيقات قارئي التلقيمات كموقع قارئ غوغل وغيره. ويرى كشلاف أن مستعملي الإنترنت بإمكانهم تصفح المواقع المحجوبة سواء باستعمال تقنية كسر البروكسي أو باستقبال المراسلات الإلكترونية. أما شورابي فيري أن سهولة ومجانية إنشاء المدونات ترك الباب مفتوحا أمام المدونين الذين تعرضوا للقرصنة أو الحجب، لخلق مدونات جديدة على الإنترنت.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 8 أوت 2008)


الخارطة المغاربية للمشاركة السياسية للإسلاميين: متى يكتمل المشهد التونسي؟

 

د. عبد المجيد النجار(*) مما يمتاز به المغرب العربي أن جميع سكانه من المسلمين، وأن أغلبيتهم الساحقة من السنة المالكية، فكانت إذن جميع مكوناته التنظيمية بما فيها الأحزاب السياسية تنسب نفسها إلى الإسلام، أو يأبى البعض منها على الأقلّ أن يصنّف خارج دائرته  ما عدا قلّة قليلة لا تزال تتأرجح في موقفها من الدين ومن الانتساب إليه، إلا أن هذه الأحزاب لئن اشتركت في انتسابها إلى الإسلام سواء كان ذلك عن قناعة أو عن مصلحة سياسية فإنها تختلف في فهم الإسلام الذي تنتسب إليه بين من يعتبره المصدرَ لرؤاه السياسية والاجتماعية، ومن يعتبره مصدرا  من بين مصادر أخرى لتلك الرؤى، وبين من يعتبره مجرد تاريخ ثقافي روحي لا علاقة له بالتشريع السياسي والاجتماعي، وليس لأحد أن ينازع في هذا الانتساب أو أن يصادر الحقّ فيه ما دام أصحابه مقرّين به في ظاهر الأقوال والله تعالى يتولّى السرائر. واعتبارا لهذه الشراكة في الانتساب إلى الإسلام على مستوياته المختلفة جاءت القوانين المغاربية المنظمة للحياة السياسية تمنع تأسيس الأحزاب على أساس ديني باعتبار أنّ الدين قدر مشترك بين الجميع، والتأسيس على أساس ديني إذا ما كان مقنّنا قد يفهم منه شبهة احتكار لما هو مشترك، إذ تستبعد به الصفة الإسلامية من لم يقنّن نفسه بالإسلام من دائرة الانتساب إليه، والحال أن الجميع ينسب نفسه إلى الإسلام مهما تفاوتت المعاني والمقاصد في تلك النسبة. ومهما يكن من وجاهة ومعقولية هذا الإجراء أو عدمها فإن الواقع في معظم هذه البلدان آل إلى أن الحظر القانوني لم يعد جاريا إلا على التسمية الرسمية القانونية للحزب السياسي أن يكون متضمنا للصفة الإسلامية، وأما المحتوى الذي تتأسس عليه برامج الأحزاب ورؤاها فقد حرّر من قيد المنع لأن يكون قائما على الإسلام بأي درجة من درجات الانتساب المشار إليها آنفا. وعلى هذا الأساس فإن الأحزاب السياسية التي تتخذ من التشريع الإسلامي مصدرها الأول أو مصدرها الوحيد والتي أصبحت تعرف اصطلاحا لا احتكارا بالأحزاب الإسلامية باعتبار هذه الدرجة من التزامها بالتشريع الإسلامي أصبحت في جل البلاد المغاربية مندرجة ضمن خارطة المشاركة السياسية العامة التي تتدافع فيها كل الأطياف المهتمة بهذا الشأن، وأصبحت إلى جانب سائر الأحزاب الأخرى تسهم بجهود معتبرة في البناء الوطني وفي مشاريع التنمية الاقتصادية والبشرية. ففي الجزائر توجد أحزاب إسلامية وإن خلت عناوينها من هذه الصفة، وهي جميعا يفرزها التدافع السياسي الانتخابي الديموقراطي، فتأخذ مواقعها في مجلس الشعب على أقدار تمثيلها، ومنها ما هو آخذ موقعه على منصة المعارضة، ومنها ما هو في سدة الموالاة والمشاركة في الحكم، والكل يقوم بدور وطني تنموي مشهود، نذكر منه على سبيل المثال ما أصبح مضرب المثل الحائز على رضى جميع الجزائريين والمثير لإعجابهم في تنمية البنية التحتية والأشغال العامة، وهو من إنجاز وزارة يقوم عليها أحد وزراء حزب حركة مجتمع السلم الإسلامي. وفي المغرب يوجد حزب العدالة والتنمية كأحد أكبر الأحزاب إن لم يكن أكبرها، وهو بالرغم من حداثة سنه يقوم بدور سياسي بارز وإن يكن ذلك في صفوف المعارضة، يتفاعل مع المجتمع بإيجابية، ويسهم في ترشيد الرؤى الوطنية الكبرى بكوادره العالية التكوين في مختلف المجالات، ويضرب أنموذجا مشرفا في إدارة شؤونه بحرية الرأي وديموقراطية القرار كما بدا ذلك في مؤتمره الأخير منذ أيام فحظي بتهنئة حارّة بسبب ذلك من قِبل رأس الدولة ملك البلاد محمد السادس ، وهو يقيم علاقات إيجابية مثمرة مع سائر المكونات السياسية ومع دوائر الحكم وعلى رأسها المؤسسة الملكية.     وفي موريتانيا سُمح في فاتحة العهد الديموقراطي الجديد للأحزاب الإسلامية بالوجود والمشاركة السياسية، وأصبح بعض منها يمثل الشعب في مجلس الأمة، ويسهم في التدافع السياسي البناء، بل أصبح بعد فترة وجيزة شريكا في الحكم وإن يكن لمدة قصيرة إلا أنها معبرة عن ثقافة سياسية جديدة، ولا يبدو أنّ التقلّبات السياسية كما وقع منذ أيام سيكون لها انتكاس بهذا المسار إلى الوراء كما هو ظاهر إلى حدّ الآن، مما يؤشّر إلى أنّ الأمر قد انتهى  إلى إقرار مستقرّ لحق جميع المكونات الحزبية بما فيها الإسلاميون من المشاركة في البناء الوطني من خلال الاندماج الإيجابي في الساحة السياسية. وفي الجماهيرية الليبية، وإن يكن النظام السياسي فيها لا يسمح بالتواجد الحزبي على اختلاف أطيافه إلا أنّ المصالحة التي وقعت أخيرا بين النظام الحاكم وبين الحركة الإسلامية أصبح الإسلاميون بموجبها يشاركون في الدورة الاجتماعية من خلال المنابر الاقتصادية والثقافية والسياسية وإن يكن ذلك إلى حدّ الآن بصفة غير مباشرة، ووقع استيعاب الكثير من الكوادر العليا من ذوي النزعة الإسلامية الذين كانوا مستبعدين ومهجرين ليسهموا بنجاعة في التنمية الوطنية في مختلف المجالات، ويوجد اليوم من هؤلاء من يشارك مشاركة فاعلة في إنجاز مسودة الدستور الذي تعتزم الدولة إنشاءه، وهو من صميم المشاركة السياسية. هذه الخارطة المغاربية لمشهد المشاركة السياسية لمكوّنات المجتمع تشتمل من بين ما تشتمل على مكوّنات من الإسلاميين أحزابا وحركات، وذلك بعد ما توفّر لها مناخ صحّي تمكّنت فيه ومُكّنت من أن ترتّب نفسها في مراجعات ذاتية تطوّرت بها في خضمّ الممارسة الفعلية وفي مناخ توافقي صحّي  إلى أن تندرج في ساحة المشاركة السياسية بنجاعة، فكانت خارطة بديعة ملائمة للتطور الزمني والوضع العالمي في توجّهه الديموقراطي، إلا أنّ ثغرة في هذه الخارطة تعكّر صفوها، وحلقة مفقودة منها تفقدها الانسجام والاكتمال، هي تلك المتمثلة في أرض الخضراء التي يخلو فيها المشهد السياسي من مشاركة سياسية  للمكوّن المصطلح عليه بالمكوّن الإسلامي ( وإلا فإنّ كلّ الشعب التونسي من المسلمين )، فهذا المكوّن لا يحظى في تونس بما يحظى به أضرابه في كلّ الأقطار المغاربية الأخرى فيما يتعلق بالمشاركة السياسية، فإذا هذا الوضع  نشاز في الصورة، وثغرة في المشهد، وحلقة مفقودة في الخارطة السياسية المغاربية. وقد يكون الأمر عاديا لو كانت تلك الثلمة في المشهد الجميل تقوم على أسباب حقيقية ومبررات معقولة، ولكن غياب تلك الأسباب والمبررات هو الذي يدعو إلى شيء من الحيرة، وهي حيرة تزداد قوّة إذا ما تبيّن أنّ ثمّة مبررات عكسية من شأنها أن تجعل المشهد السياسي التونسي من حيث الأطياف المشاركة فيه أكثر اكتمالا وأبهى جمالا من غيره من المشاهد في الخارطة السياسية المغاربية من مشرقها إلى مغربها. إن تونس قد انخرطت في منهج الحداثة منذ وقت مبكر، وقطعت في ذلك شوطا كبيرا، ومن مقتضيات الحداثة أن تُتاح الفرصة لجميع الفئات الشعبية من أن تعبّر عن نفسها سياسيا.   وقد عُرفت تونس بالمرونة الثقافية نتيجة عوامل الانفتاح المتراكمة التي شكّلت العقلية العامّة فيها، كما قد عُرفت بالريادة في الإصلاح السياسي وناهيك في ذلك بأن أقدم دستور فيها يعود إلى ما قبل قرن ونصف سابقا في ذلك كل البلاد العربية إن لم يكن العالم الإسلامي بأكمله. والمجتمع التونسي بلغ من النضج الثقافي والحضاري وربما الاقتصادي أيضا درجات مقدرة، وهو ما جعل المغاربيين ينجذبون إليه تصورا لأنموذجية فيه تجلب منهم في كل عام أكثر من مليونين من الزوار بين سائح ومتعلم ومستثمر ومعالج. إنها عوامل ثلاثة على الأقلّ تتّجه في الاتجاه المعاكس لتلك الثغرة في المشهد السياسي التي تنبو عن المشهد المغاربي في خلوها من المشاركة السياسية للإسلاميين، وهي تقتضي منطقيا بأن تكون تونس هي السباقة إلى أن يكون مشهدها في هذا الشأن هو المشهد الأكمل والأجمل. وبالإضافة إلى ذلك فإن الحركة الإسلامية في تونس ليست في ميزان الوسطية والاعتدال إلا مشابهة تمام المشابهة للحركات الإسلامية المغاربية، وليست في الانفتاح الفكري وفي المرونة السياسية بأقلّ منها، بل إنها ربما كانت في الوسطية والاعتدال والانفتاح رائدة استفاد منها كثيرون من المغاربة الإسلاميين الذين هم اليوم في مواقع المشاركة السياسية على سدّة الحكم أو في صفوف المعارضة، ومن بين أولئك زعماء ورؤساء أحزاب يُستقبلون في تونس بترحاب ويُستدعَون ممثلين لأحزابهم في المناسبات الرسمية الحكومية والحزبية.  لا شكّ أنّ هذا التقابل المتناقض بين المبررات الداعية إلى اكتمال المشهد وبين الحلقة المفقودة فيه يدعو إلى البحث عن أسباب هذا التناقض، كما تدعو إلى البحث عما يفكك تلك الأسباب لتكتمل الصورة المغاربية، وتنسجم الخارطة السياسية  بتناسق أقطارها في هذا الشأن من شرق إلى غرب. قد تكون من أسباب هذا التناقض تلك العناصر المتطرفة في علمانيتها تطرّفا أصبحت به تتخذ من ظاهر القانون المانع من تأسيس الأحزاب بعناوين دينية ستارا تتستّر به على موقفها الحقيقي الذي يرفض الدين جملة أن يكون  بأي حال من الأحوال مصدرا من مصادر التشريع القانوني للمجتمع، وهو الأمر الذي يظهر بين الحين والآخر فيما تثيره هذه العناصر من المطالبة بإلغاء ما نص عليه الدستور من أن تونس بلد دينها الإسلام، وأن رئيس الجمهورية يشترط فيه أن يكون مسلما، ولئن كانت هذه العناصر قليلة العدد إلا أنّ لها سطوة أصبحت مضاعفة لما تسربت في العشريتين الماضيتين إلى مواقع مهمة في الحزب الحاكم وفي أجهزة الدولة. وينضاف إلى تلك العناصر عناصر أخرى متطرّفة في مصلحيتها الذاتية متوجّسة من أنّ المشاركة السياسية للإسلاميين قد تكون عامل حرمان لها من مصالحها، فأولئك وهؤلاء ربموا شكّلوا أحد العوائق التي تعوق المشاركة السياسية للإسلاميين. ومن المؤكّد أنّ من بين تلك الأسباب ما حدث قبل عقدين من الزمن من تشابك  بين النظام الحاكم وبين الحركة الإسلامية اتخذ في بعض أطواره مظاهر هي أقرب إلى أن تكون ضربا من العنف، وكانت له استتباعات ومضاعفات استمرت بعد ذلك طويلا، ونشأت عنه بين الطرفين حواجز نفسية سميكة من الريبة المتبادلة وانعدام الثقة، وكان من نتائجه المباشرة أن سُدّ الباب بصفة قطعية دون أن يكون للإسلاميين أيّ دور في المشاركة السياسية سواء كان ذلك بصفة مباشرة أو غير مباشرة، ونشأت من ذلك تلك الثغرة في المشهد السياسي التونسي الناشزة به عن المشهد المغاربي العام. ومهما يكن من أسباب في هذا الوضع القائم فإنه فيما نقدّر قد آن الأوان بل قد آن منذ زمن لمراجعة هذا المشهد ليستوي على ما استوت عليه الخارطة المغاربية، وهي المراجعة التي تتطلّب علاجا يتأسّس على قدر كبير من العقلانية وعلى درجة عالية من استحضار المصلحة الوطنية العليا، وذلك من قِبل الأطراف الوطنية كلها وخاصة منها الأطراف المعنية بصفة مباشرة بهذا الموضوع، حتى ينتهي الأمر إلى إتاحة الفرصة للإسلاميين بتونس من الاندماج في المشاركة السياسية ليصبحوا مكونا من مكونات المشهد مثل نظرائهم في الأقطار المغاربية، وليسهموا في مسيرة التنمية الشاملة كما يسهمون، ويثروا تلك المسيرة بالعطاء كما يثرون. إنّ هذه المراجعة هي اليوم تستجمع من أسباب ضرورتها أكثر مما كان في أيّ وقت مضى، حتى إنها لترقى فيما نقدّر إلى أن تكون واجبا وطنيا على كل من يهمه هذا الشأن. ولعلّ من بين أهمّ تلك الأسباب الداعية إليها ما يلي: أولا ـ إنّ من حقّ كلّ تونسي أن يكون شريكا مع غيره في المواطنة على وجه التساوي المطلق، وهو ما يقتضي أن يكون له الحقّ كما أنه واجب عليه أن يسهم في خدمة وطنه بتقديم ما يراه صالحا من الرؤى والأفكار والمشاريع، وبعرضها على الآخرين والمنافحة عنها من أجل الإقناع بها لتأخذ طريقها إلى التطبيق حينما يقتنع بها الناس، وليس من صلاحية أيّ كان أن يشرّع ما يعطّل هذا المبدأ من مبادئ العقد الاجتماعي في صيغته الديموقراطية الحقوقية لا بصفة مباشرة ولا بصفة غير مباشرة. وإذا كان للدولة حقّ في أن تشرع من القانون ما يعصم من مآل تتدافع فيه المكوّنات السياسية تحت لائحة التمايز العرقي والجهوي والديني لما قد يحدث ذلك من انشقاقات اجتماعية وخيمة العواقب على الوحدة الوطنية، فإنّ من واجبها أن تيسّر السبل على وجه التساوي من حيث المبدأ لكلّ الفئات الفكرية والسياسية وهي المنتسبة إلى الإسلام  كلّ على طريقته   حتى تعبّر عن نفسها سياسيا من منطلق فهم للإسلام قد يتفق الجميع في أصوله ولكن قد يختلفون في إجراءاته التطبيقية التي هي محلّ لاجتهاد يسع كل من يريد أن ينتهج منهج الاجتهاد. إنّ الحزب الحاكم على سبيل المثال لم يدّع في يوم من الأيام أنّه في رؤاه السياسية والاجتماعية يصدر عن دائرة خارج دائرة الإسلام، بل هو يذكّر دوما منذ العهد الأول للاستقلال بأنّ مقترحاته من القوانين وعلى رأسها قوانين الأسرة ما هي إلا وجه من وجوه الاجتهاد في الدين، وليس لأحد أن يصادر حقه في ذلك، ولكن ليس له هو أيضا أن يصادر حقّ غيره في أن يكون في رؤاه السياسية والاجتماعية صادرا عن اجتهاد في الدين قد يكون مخالفا لاجتهاده هو في بعض التفاصيل وإلا فإننا نكون قد وقعنا في تناقض صارخ بين ادّعاء نظري للديموقراطية وبين ممارسات عملية في الواقع. إنه لمن الحريّ بالتفهّم بصفة عامّة وفي هذا الظرف الزمني العالمي بصفة خاصّة أن يُمنع بالقانون كلّ ما من شأنه أن يوحي بشبهة احتكار للصفة الدينية من قِبل فئة من الفئات كما يبدو من خلال عنوان حزبي أو استئثار بالمنابر الدينية كالمساجد لأجل الدعاية السياسية، ولكن ليس من المقبول عقلا ولا من المفيد مصلحة أن تُمنع أيّة عائلة فكرية سياسية من المشاركة السياسية ضمن ما تضبطه القوانين المنظمة باعتبار أنّ لها رؤية اجتهادية مخالفة لرؤى الآخرين الاجتهادية؛ ولذلك فإنّ على الدولة أن توفّر لجميع المواطنين بما فيهم من عُرفوا بالإسلاميين سبلا للمشاركة السياسية.  وفي هذا الصدد فقد يكون من المشروع أن تؤخذ بعين الاعتبار الاحترازات المشار إليها آنفا، بل أن يؤخذ بعين الاعتبار في المجال الإجرائي حينما يُقرّ المبدأ كلّ ما من شأنه أن يسلك مسلك التدرّج، وكلّ ما من شأنه أن يدفع المخاوف الحقيقية والموهومة المترتبة على هذه المشاركة إذا ما فُتح لها الباب القانوني والواقعي، وذلك فيما نقدّر أمر ميسور إذا كان المناخ مناخ وئام وتوافق، ولكنّ المنع من ذلك على وجه الإطلاق إنما هو في حقيقته تحكّم لا مبرّر له في سياق ما تقتضيه الديموقراطية،  وتخلّف عن الركب المغاربي غير لائق بتونس في ريادتها المعهودة. ثانيا ـ إنّ التشابك الذي حصل بين الحركة الإسلامية وبين النظام الحاكم يعود في حلقته الأولى إلى ما يقارب العقدين من الزمن، وهذه فترة توشك أن تستغرق جيلا كاملا من الناس في أعمارهم الطبيعية بلهَ في أعمارهم السياسية، وتلك مدّة زمنية هي بالرغم من عمق الجروح كافية لأن يساعد الزمن فيها على التعفية على آثارها، ولو استقرأنا الجيرة القريبة والبعيدة لوجدنا خلال تلك المدّة فرقاء متعادين كثرا اصطلحوا فأصبحوا شركاء في العمل السياسي وقد كانت بينهم حروب باردة وحروب ساخنة سالت فيها دماء فيما لا نظير له في الحالة التونسية ، فهل تكون هذه الأرض التي عُرفت بالمرونة والانفتاح عصيّة دون أرض الله الواسعة عن أن يرأب الزمن فيها الصدوع ويلأم الجراح؟. ومما يدعّم هذا العامل الزمني في رأب الصدوع ما سلكته الحركة الإسلامية خلال طيلة هذه المدّة من سلوك مدني مستمرّ ثابت، إذ لم يؤثر عنها أنها قامت بأيّ ردّ فعل عنفي بأي وجه من الوجوه بالرغم مما كانت تعتقده من أنّها تعرضت لتنكيل واسع النطاق متعدد الأنواع، وإذ كانت المواجهة مدنية من قِِبلها، فإنّ كلّ ما يمكن أن يكون شابها من أخطاء يكون قابلا للمراجعة بالنقد الذاتي، وهو الأمر الذي تمّ شيء منه في الماضي، ومن شأن الظروف التوافقية الملائمة المساعدة على أن يكون فيه استكمال في المستقبل، وهو الأمر الذي يبدو فيما لا تخطئه عين الملاحظ للتفاعلات الداخلية لهذه الحركة من تنام متسارع في الاستعداد لقيام مراجعة تقييمية عميقة لمسار الماضي في عموم وجوهه وفي الوجه السياسي منه بصفة خاصّة، وإذن فإنّ التشابك الذي حصل بين الطرفين لئن حكمه التوتّر الشديد إلا أنه لم يبلغ من قِبل الطرفين تلك الدرجة التي تقطع إمكانية اللقاء على صعيد تدافع سياسي توافقي متعاون من أجل المصلحة الوطنية.    ومما يدعّم هذا العامل أيضا أنّ هذا التشابك الذي أفضى إلى ما أفضى إليه قد سبقه أواخر الثمانينات لمدّة قصيرة إرهاصات لمسار توافقي من شأنه لو تطوّر بصفة عادية أن ينتهي إلى أن يكون للإسلاميين وضعهم الطبيعي في المشاركة السياسية، وذلك من مثل حصولهم على منظمة طلابية قانونية وعلى منبر إعلامي متمثل في جريدة أسبوعية، ومشاركتهم مشاركة فاعلة في إنجاز ميثاق وطني ضمن كلّ المكوّنات السياسية على اختلافها، ولكنّ انتكاسة مفاجئة انعطفت بذلك المسار ليتردّى إلى الوراء، وليؤول الأمر إلى ما آل إليه. وإنه لمن المطلوب بعد عشرين عاما أن يقع تقييم هذه النكسة تقييما وموضوعيا، وأن يتحمّل كلّ طرف فيها مسؤوليته بشجاعة من أجل بناء المستقبل على أسس صحيحة تتلافى أخطاء الماضي وتقطع أسباب الانتكاسات المفاجئة.    ومما يدعّمه أيضا في ذات السياق أنّ  ما بات يصدر عن أهل الحكم في هذا الشأن من إشارات متعاقبة تحمل دلالات بيّنة على ضرب من المرونة النسبية في التعامل مع الإسلاميين في هذا الشأن، وذلك من مثل ما أُشيع منذ أشهر من تفكير في الترخيص لحزب يكون ذا توجّه إسلامي، ومن مثل تلك التصريحات الصادرة عن بعض الوزراء مشيرة إلى أنّ للإسلاميين أن ينخرطوا من أجل الممارسة السياسية ضمن أحزاب قائمة، ومن مثل التغاضي على غير ما هو معهود عن بعض من تصرفات لرموز من الحركة الإسلامية ذات طابع سياسي،  وتلك الإشارات وغيرها لئن كانت تعكّر عليها استصحابات ماضية على رأسها الإبقاء على ثلّة من قيادات الإسلاميين في ظلمات السجن لمدة أصبحت تقارب عشرين عاما، ومن مثل بعض المضايقات غير المبررة من خرجوا من السجن، ولئن لم تبلغ من الوضوح درجة تدلّ معها بصفة مباشرة على عزم أكيد على توجّه جديد يستدبر الماضي ويؤسّس لعهد جديد في المشاركة السياسية، إلا أنها فيما نقدّر قد تكون تحمل إرهاصات عودة إلى ذلك المسار الذي كان قبل مرحلة التشابك ليستأنف تطوره الطبيعي.  وإذا صح هذا التقدير وهو ما نرجوه فإنّ مرحلة العقدين الماضيين لعلها لم تكن إلا مرحلة استثنائية هي الآن بصدد إغلاق قوس الاستثناء فيها؛ ولذلك فإن هذه الإرهاصات الجديدة تحمل قابلية لأن تتطوّر لتبلغ هذا المآل الذي ندعو إليه، ولكن ذلك يتطلّب جهودا مشتركة من أجل التفاعل الإيجابي، كما يتطلّب رعاية فائقة لكلّ صغير يحصل كي يصير كبيرا مثمرا، وإنما ينبغي أن تكون تلك الجهود مضاعفة لجبر الخسارة الفادحة المترتبة على عقدين من الزمن  ذهبا في هذا الشأن هباء. ثالثا ـ إن الظاهرة الإسلامية التي أصبحت معروفة بالصحوة، وأصبح المنتمون إليها يُعرفون اصطلاحا بالإسلاميين هي ظاهرة عالمية لا يخلو منها قطر عربي أو إسلامي، وهي تمثّل عنصرا واقعا وثابتا من العناصر المكوّنة للمجتمع في أبعاده الثقافية والسياسية، ومحاولات إلغائها ونفيها أصبحت محاولات أقرب إلى العبثية منها إلى التعامل الاجتماعي المسؤول، وتونس ينطبق عليها في هذا الشأن ما ينطبق على غيرها، وقد دلّ على ذلك خلال الثلاثين عاما الماضية في دورات متواصلة ومتتالية تواترٌ من الحلقات ينتهي بذوي الألباب إلى القطع بأنّ هذه الظاهرة أصبحت أصيلة في المجتمع ماكنة فيه، وإذن فإنّ تجاهلها والتعامل معها بالنفي والإلغاء والتهميش هو مسار ليس من ورائه إلا هدر للأوقات وتبديد للجهود. إنّ مسلك التجاهل والنفي للظاهرة الإسلامية أن يكون لها دور سياسي ثقافي تعبّر به عن نفسها، وتسهم به في خدمة الوطن وفق رؤيتها في إطار من التوافق الجماعي، وأخذا بعين الاعتبار لذلك التدرّج المطمئن لمن قد تداخلهم تخوفات حقيقية أو غير حقيقية، إن ذلك المسلك المتجاهل بالنظر  لما أصبحت عليه هذه الظاهرة من الحضور الاجتماعي ليس له من نتيجة إلا مآل حتمي تخرج به تلك الصحوة عن مسار التديّن الصحيح إلى تفلّتات من غرائب المعتقدات وشواذّ التصرّفات الدينية التي من شأنها أن تشقّ وحدة المجتمع التونسي في انتمائه الديني المذهبي وهو ما تطالعنا الأخبار بظواهر منه لئن كانت محدودة إلا أنها تنذر باستنبات بذور قد تستوي سوقها يوما فتصبح فتنة مذهبية، و=لك ما لم يكن موجودا لما كانت الحركة الإسلامية حاضرة في المجال الثقافي الدعوي. والأخطر من ذلك أن يؤول هذا الاستبعاد والتجاهل إلى أنّ  تلك الرؤى التي تتبناها الحركة الإسلامية، والمشهود لها بالاعتدال والوسطية والوضوح والانفتاح الراشد تتّخذ لها مسارب خفية يصيبها فيها من الاعوجاج المتصلّب ما يخرج بها من العدل إلى الغلوّ، ومن الوسطية إلى التطرّف، ومن المدنية إلى العنفية، وليس بالضرورة أن يكون ذلك على يد شقّ من الحركة الإسلامية الأمّ المشهود لها بالاعتدال فقد أثبت التاريخ أنّ ذلك غير وارد، وإنما قد يكون على يد آخرين تفرزهم الأحداث، ويدفع بهم اليأس من أن يكون للفكرة الإسلامية بصفة عامّة حظّ من حقّ الوجود العلني الرسمي المعترف به، وذلك أمر تخطئه عين الباحث الأريب في ثنايا التاريخ إذ منه شواهد متواترة في أزمان مختلفة، و من بينها هذه المشاهد الساخنة من الواقع الراهن في أكثر من مكان، وهي تلك المشاهد التي مسّ بلادنا شيء من حرّها طالع السنة الماضية، وحينما يؤول الأمر إلى هذا المآل لا قدّر الله فإنه قد لا ينفع علاج من قوّة ردعية أو تحوّطات أمنية، وإن نفع فإنه لا يكون إلا بعد خراب.  وإذا كانت السياسة المغاربية قد انتبهت مبكرا إلى خطورة هذه الأيلولة فتداركت الأمر ولو كان ذلك بعد تجربة مرّة بالنسبة لبعضها فبادرت بالإشراك السياسي للإسلاميين، فإنّ المرء ليعجب للذكاء السياسي التونسي كيف لم يأخذ هذا الأمر بجدّ وقد كان منذ القديم سباقا إلى تلافي الأخطار قبل وقوعها؛ ولذلك فقد قلنا إنه قد آن الأوان بل ومنذ زمن لتدارك هذا الوضع، والإفساح للإسلاميين بمشاركة سياسية تتلافى مصيرا أصبح مندرجا في سياق يشبه أن يكون قانونا اجتماعيا يصدقه الواقع في القديم والحديث. .   رابعا ـ إن تونس تواجه تحدّيات كبيرة على أصعدة كثيرة، وهو الأمر الذي أصبح يستشعره سائر التونسيين كما يبدو في الشعار الذي اتخذه الحزب الحاكم في مؤتمره الأخير، وليس لها في هذه المواجهة كبير ذخر من القدرات المادّية في عالم استشرت فيه حمى التنافس في كلّ مجال، وأكبر ما تملك في هذا التدافع المستشري هو العنصر البشري، فهو رأس مالها الأكبر في معركة التنمية الشاملة، وهي إذن بذلك تحتاج في هذه المعركة إلى كلّ عقل مفكّر، وكلّ إرادة مبدعة، وكلّ ساعد منجز، وإذا ما فرّطت في شيء من هذا الرصيد فإنها تكون قد فرطت في جزء من سلاحها في هذه المعركة. ولا يخفى أنّ الإسلاميين في تونس كما أثبتت الدراسات الموضوعية ذلك، وكما يشهد به الواقع هم في معظمهم من النخب المتعلمة تعليما عاليا، فمن بينهم يوجد آلاف من الأطباء وأساتذة الجامعات والمهندسين، بل إنّ من بينهم من هم في الصفّ الأول من العلماء والمفكرين في ميادين مختلفة، وذلك بالإضافة إلى ما اكتسبه الكثيرون في ديار الهجرة على وجه الخصوص من الخبرات العالية ومن العلاقات الواسعة ومن التجارب الثرية، فكيف يجوز أن تفرّط تونس في هذا الرصيد أن يكون منخرطا في خدمة وطنه مسهما في معركة التنمية بذلك المسار غير المبرّر الذي يستبعدهم من دائرة المشاركة السياسية وهي المحضن الذي تبرز فيه الكفاءات والذي تنضج فيه المقترحات ومن خلاله يتم العطاء للوطن والبلاء في ساحة التنمية الوطنية؟ قد لا يكون هذا الأمر الذي ندعو إليه باليسر الذي يتصوره البعض، وإنما هو مسار يستلزم الكثير من الجهد من قِبل الفرقاء، من أجل بناء حدّ أدنى من الثقة المتبادلة، الأمر الذي يستلزم حوار مصارحة بنّاء يرتدّ فيه كلّ إلى نقطة الحقيقة بالنقد الذاتي لمسار الماضي وإن يكن ذلك بالأسلوب الذي تقتضيه مواقع كلّ منهم، كما تمتدّ فيه الأيادي الوطنية إلى بعضها بقوّة من المبادرة تتناسب مع ما تملك من القدرة على الفصل في هذا الموضوع، وإذا انفتحت العقول، وخلصت النوايا، وتناسى الجميع صغار المصالح الذاتية والفئوية استحضارا لعظام المصالح الوطنية العليا، فإنّ العقل التونسي قادر بهذا المسلك الحواري على أن يذلل الصعاب، وأن يجمع الفرقاء، وأن يلأم الجراح، وأن يتّخذ من الماضي بما له وما عليه حافزا للمستقبل، فينتهي به الأمر إلى أن يشرّع لتكون تونس لجميع أبنائها قناعة في العقول ومسالك في الواقع، وأن تشترك جميع الفئات والتوجهات الفكرية والثقافية والسياسية لخدمتها، وهو النداء الذي ما فتئنا نسمعه مكررا في الآونة الأخيرة من قِبل رئيس الدولة في خطب متتالية، فهل يكون لهذا النداء تحقق وشيك، فتقوم حركة حوارية جامعة تنتهي بأن يُفسح المجال لجميع التونسيين بمن فيهم الإسلاميون  للمشاركة السياسية بالشكل الإجرائي الذي يقع التوافق عليه؟ ذلك ما ندعو إليه وما نرجوه وما ننذر جهودنا من أجله، خدمة للوطن أن يكون دوما في موقع الريادة لا في الخارطة المغاربية فحسب، ولكن في الخارطة العربية والعالمية أيضا، فنحن جميعا أحفاد لأساتذة الريادة من أمثال عقبة وسحنون، وخير الدين  وابن خلدون. والله ولي التوفيق
أستاذ جامعي تونسي مقيم بباريس


بعد تجديد ترشّح الرئيس بن علّي لرئاسيات 2009وللـنـّـاس كـلـمـة

 

 
بعد مؤتمر التحدّي 2008 للحزب الحاكم التجمع الدستوري الديمقراطي وتجديد ترشّح الرئيس بن علّي لرئاسيات 2009 .أقيمت الدنيا و لم تقعد… لافتات ازدانت بها شوارع البلاد ‘.. بن علي حبيناك 2009 رشحناك’ …’.بن علي خيارنا الأوحد للحاضر والمستقبل’. فغاب رأي المواطن التونسي بشأن الانتخابات . راديو كلمة بحث عن كلمة المواطن التونسي التي تعبر عن رأيه الحقيقي دون خوف أو قمع فاختلفت الإجابات بين مرّحب وبين ممتعض أو لامبال  جاهل حتّى بترشّح الرئيس بن علّي فكانت هذه المداخلات التالية فمتابعة طيبة مستمعي راديو كلمة. للإستماع يُرجى الضغط على الرابط التالي:http://kal.mediaturtle.com/attachment/000000034.mp3 (المصدر: نشرته خولة الفرشيشي على موقع مجلة ‘كلمة’ (اليكترونية – تونس) بتاريخ 7 أوت 2008)

 صفاقس تشّيع شهداء المقاومة

 

 
أقيمت يوم الأحد 27 جويلية 2008 بمدينة صفاقس جنوب تونس جنازتين لدفن رفات كل من بليغ اللجمي ورياض جماعة الذين تم تسلم رفاتهما من قبل حزب الله قبل أيام مع رفات ستة تونسيين آخرين استشهدوا في فلسطين في الفترة ما بين 1988 و1996 خلال عمليات نفذت في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، تم تبنيها من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة. هذا وسارت جنازتان منفصلتان في مدينة صفاقس بمشاركة شعبية مكثفة وحضور بعض الشخصيات الوطنية إضافة إلى وفد نقابي رفيع المستوى من الاتحاد العام التونسي للشغل. وكان من المبرمج رسميا أن تتولى السلطات الأمنية دفن الرفاتين إلا أن الجموع الحاضرة أمام منزل رياض بن جماعة انتزعت رفاته بعد اشتباك مع قوات الأمن نتجت عنه إصابات في صفوف المواطنين وسيرت على الساعة الثانية ظهرا جنازة بالمئات شارك فيها الأطفال والشيوخ والنساء في اتجاه المقبرة. ورفعت أثناء الجنازتين الشعارات والزغاريد. كما تم دفن رفات بليغ اللجمي اثر الجنازة الأولى. راديو كلمة كان في ولاية صفاقس بالجمهورية التونسية مسقط رأس كل من بليغ اللجمي ورياض جماعة قبل أسبوع من دفنهما و حاور السيدة نائلة كمون والدة الشهيد بليغ اللجمي. (المصدر: نشرته خولة الفرشيشي على موقع مجلة ‘كلمة’ (اليكترونية – تونس) بتاريخ 6 أوت 2008)  

تونس تشهد انتعاشا في حركة السياحة

    

 
أعلنت تونس زيادة عائدات السياحة فيها في الشهور السبعة الأولى من هذا العام بنسبة 9.8% مقابل نفس الفترة من العام الماضي. وأظهرت إحصائيات الديوان الحكومي للسياحة تسجيل عائدات السياحة منذ بداية هذا العام حتى نهاية الشهر الماضي 1.6 مليار دينار (1.3 مليار دولار). ويعتبر قطاع السياحة في تونس أكبر ثاني مشغل للأيدي العاملة بعد قطاع الزراعة، إذ يوفر 360 ألف فرصة عمل، وتغطي السياحة نحو 75% من العجز التجاري للبلاد وتشكل أول مساهم في اجتذاب العملة الأجنبية. وأفادت بيانات ديوان السياحة أن عدد السياح الذين زاروا تونس زاد بنسبة 5.3% إلى أربعة ملايين سائح. وشكلت فرنسا أهم المصدرين للسياح إلى تونس حيث بلغ عدد السياح القادمين من فرنسا 830 ألف سائح. وكان عدد السياح الذين قدموا إلى تونس عام 2007 كاملا قد بلغ نحو 6.5 ملايين شخص وسجلت عائدات السياحة ملياري دولار.  (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 7 أوت 2008)


متى تفرج سلطة الإشراف عن حركة النقل…؟

 

دأبت وزارة التربية والتكوين على القيام بحركة النقل بنوعيها الوطنية وتقريب الأزواج كل سنتين. وكانت لوقت قريب تشارك فيها النقابة العامة للتعليم الثانوي.إلا انه ومنذ سنوات لم تعد تحضر النقابة في الحركة بتعلة أن التناظر يقع حسب مجموع النقاط وهو محدد بعدة مقاييس التي يقع ضبطها ثم تسجل هذه المعطيات على الكومبيوتر ويقع فرز النتائج ثم على هذا الأساس تنشر نتائج الحركة عبر شبكة الانترنت. لكن الشيء الذي نلاحظه كأساتذة ونقابيين أن هذه الحركة لم تعد ترتق إلى المستوى المطلوب الذي يرضي الحد الأدنى للأساتذة.ولعل اكبر دليل على ذلك ما تم  يوم 31 جويلية في الحركة الوطنية وتقريب الأزواج إذ تراوحت نسبة  المتحصلين على النقلة بين 10 و19 بالمائة وهي أدنى نسبة تسجلها حركة النقل في القطاع. ولعل ظاهرة التشكي من نتائج حركة النقل في القطاع أصبحت أمرا قارا . ورغم المبادرات التي سعت إليها النقابة العامة لتخفيف العبء على الزملاء كمطالبة الوزارة بالكشف عن الشغورات في كنف الشفافية والوضوح وإعطاء الأولوية لمن يستحق  بعيدا عن المحسوبية  والكف عن المعاملات تحت أي ذريعة, إلا أن سلطة الإشراف لم تكترث لمطلب النقابة وواصلت عملها بطريقتها الخاصة مبررة ذلك باعتماد الوسائل العصرية في الإعلامية ووسائل الاتصال الحديثة .ومن نافلة القول أننا لا نشكك في تكنولوجيا المعلومات ولكن من حقنا أن نعترض على هذه الطريقة التي أضرت بنتائج الحركة .خاصة وان شكاوى الأساتذة في ازدياد  مستمر فهم يعتبرون أنفسهم يتعرضون لمظلمة متواصلة والأمثلة على ذلك كثيرة . فكيف لا يسمح لأستاذ  يدرس الفيزياء في مدينة قبلي من النقلة إلى إحدى ريف قفصه لأربعة سنوات على التوالي والحال انه لم يطالب بالرفاهة ؟ وكيف لا يسمح بنقلة أستاذة عازبة من مدنين إلى إحدى ريف المهدية والحال أنها تدرس في ظروف صعبة للغاية بعيدة عن عائلتها؟ وقد زهقت بالبكاء وصاحت في مكتب النقابة العامة لما علمت أنها لم تتحصل على نقلة . وتلتها زميلة أخرى تعاني الأمرين  لكون والدتها تعاني من مرض مزمن  و والدها متوفي ولما دخلت مكتب النقابة العامة وعلمت بعدم نقلتها بكت وصرخت في وجه الوزارة  متظلمة وانهارت مغمى عليها .  وفي الحقيقة يوميا يطرق عشرات الزملاء باب النقابة العامة لمحاولة الحصول على جواب مقنع ومحاولة استدراك الأمر في نقلة إنسانية  أو نقلة داخلية  تخفف عنهم الوطء قليلا .وكثيرا ما يخرج الزملاء غير راضين عن الطريقة التي حرمتهم من النقلة.والسؤال الذي يفرض نفسه هو:هل الأستاذ الذي يدرس في ظروف نفسية صعبة قادر على الإعطاء والبذل في سبيل النشء والقيام بواجبه على الوجه الأكمل ؟فإذا ما نظرنا في تصريحات السلطة و الخطب نجد أن الأساتذة  وأسرة التعليم عموما تحظى بالاحترام والتقدير اللازمين و الكبيرين . فمادامت سلطة الإشراف تعترف بمجهودات المربين وتثمن تفانيهم في عملهم فلماذا لا تستجيب لمطلب  النقابة والداعي إلى تقديم الشغورات والقيام بالحركة الانسانية  في الآجال المعقولة والتفكير في مقترحات عملية جدية  بالنسبة للمواد التي تصعب الشغورات فيها كالتربية الإسلامية والمدنية و… كأن يعطى نصف جدول ويقع النظر في  الساعات المتبقية من الجدول كعمل تكميلي  لا يخرج عن الطابع البيداغوجي؟                                                                                                                                                                             ;                                                                                                                                                                                                  فإذا كانت سلطة الإشراف تبحث عن الجدوى والمردود الجيد للأستاذ فالحل يكمن في تلبية مطلب الأساتذة في حركة النقلة الوطنية  أو تقريب الأزواج أو الحالة الانسانية عبر نقابتهم العامة  بطريقة شفافة  لا يتطرق إليها الشك .إن الأساتذة والمدرسون هم نخبة هذا الوطن  وهم الساهرون على تربية النشء والحاملون لرسالة العلم والمعرفة اللذان بهما يبددون الجهل فهم الذين يضحون بأنفسهم في سبيل رقي المجتمع ونهضته.فلماذ لا تفتح في وجوههم الآفاق الرحبة وتحل لهم الأبواب  في النقلة بكل يسر؟ فلماذا  لا يقع تمكينهم من الحد الأدنى المرضي  حتى يتمكنوا من العمل في ظروف طيبة ؟ فالواجب الوطني يقتضي من الوزارة أن تفتح آذانها لمطالب النقابة  وان تصغي إليها  بروح مسئولة وبناءة للأسباب التالية: أولا : النقابة هي التي تمثل آلاف المدرسيين  وبالتالي طرف أساسي  لا بد  منه  لإبداء رأيه في كل ما يتعلق بشؤون الأساتذة والمدرسيين                                                                                                                             ثانيا:النقابة لا تبحث عن الحلول الصعبة أو المستحيلة بل في كثير من الأحيان  هي التي تبادر بتذليل الصعوبات إن وجدت ثالثا : الطرف النقابي هو طرف اجتماعي  معترف به في الدستور والقانون  يعتمد التفاوض أسلوبا لحل المشاكل العالقة ولا يلتجئ إلى استعمال الإضراب أو الاعتصام أو أشكال نضالية أخرى إلا في حالة واحدة وهي غلق باب الحوار من طرف الوزارة والتعنت والتصلب الناتج عن سياسة الأمر الواقع بمعنى- اشرب وإلا طير قرنك –                                        وفي الختام نقول لسلطة الإشراف إن الحلول موجودة  إذا كان سعيها جادا  فلكل مشكل حلا  فلتبادر بحل المشاكل عوضا عن سياسة الهروب إلى الأمام الذي لن يجدي نفعا بل على العكس من ذلك يزيد المناخ توترا واحتقانا. النفطي حولة :8اوت 2008


من يتحمل مسؤولية نكبة الجامعيين التونسيين المخططون ،السياسيون،الجامعيون المهجنون؟؟؟

 

مراد رقية
تناولت في أكثر من مناسبة حالة الحجر الصحي المفروضة على قطاع التعليم العالي التونسي لا من قبل منظمة الصحة العالمية لثبوت توفر عنصر الصحة العامة لدى الجامعيين التونسيين،ولكن من قبل سلطة الاشراف التي برغم توليها من أهل القطاع أنفسهم مند سنين عديدة فانها تلتزم التزاما كاملا بحرمانهم من الحقوق المادية الطبيعية الضامنة لتحقيق الكرامة،وللحقوق المعنوية والمهنية مما يتطلب ويستوجب التفكير بصفة جدية في وضع مجلة لحقوق الجامعيين يضبطهاالمجلس الأعلى لحقوق الانسان باعتبار أن المشرف عليه هو أحد الجامعيين السابقين المشهود لهم كفاءة واعتدالا ونقاء سريرة؟؟؟ وقد نتج عن هذا الموقف المتصلب لسلطة الاشراف الحريصة على تغييب ومقاطعة الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي وتهميشها ،الحرص على تمرير كل القوانين التي لا يتاح لها المرور في الظروف العادية ولعل أبرزها وليس آخرها القانون التوجيهي للتعليم العالي المفروض داخل مجلس النواب من كتلة التجمع الدستوري الديمقراطي لأسباب سياسية بحتة،مما حول ملف الجامعيين الى « معضلة حقيقية »في سنة الاحتفال بخمسينية انبعاث الجامعة التونسية،يراد من بعض المسؤولين غير المطلعين،أو غير الراغبين في الاطلاع مثل نواب مجلس النواب الذين ضمنوا دون عناء حياتهم الكريمة ارجاعها الى اعتبارات مادية بحتة وضيق ذات اليد مختزلة في محدودية موارد ميزانية الدولة لارتفاع أسعار المحروقات وأسعار الحبوب وارتفاع الحواجز الجمركية في حين ينفق على بعض القطاعات  الفعلية والافتراضية والترويجية بسخاء زيادات ومنحا وحوافز برغم توفر عوامل التحسين المباشر للأجور ،كل ذلك دون اعتبار لهذه الأوضاع الاقتصادية المتقلبة؟؟؟ فالمسألة اذا ليست مادية لثبوت توفر الرصيد المادي لدى سلطة الاشراف من خلال الاحداثات الجديدة والمنح المقدمة حتى لمؤسسات التعليم العالي الخاص،ولكن المسألة مرتبطة بمواقف الجامعيين التونسيين (في ماعدا الأقلية المهيكلة ضمن شعب التعليم العالي،أو المتولية للخطط والمهام الادارية والاستشارية والترويجية)من أمهات القضايا داخليا وخارجيا،وتحفزهم الدائم لنصرة القضايا العادلة وهو ما لا يروق لسلطة القرار التي تعلن بوضوح ودون لبس موقفها من الجامعيين الذين تصرح بشأنهم ليلا ونهارا بأنهم الضامن الحقيقي لقيام اقتصاد المعرفة ومجتمع المعلومات،الذين يتجسد بامتياز من خلالهم »الاستثمار في الذكاء »على رأي أحد الجامعيين المرموقين وزير التربية والتكوين التونسي الذي هو بالأساس أستاذا في الطب،وعلم الأنسجة المرضية،فهل يستطيع أن يوصف لنا حالة الجامعة التونسية توصيفا علميا دقيقا؟؟؟ فالمطلوب اذا هو اعلان الطاعة غير المشروطة والانحياز للمواقف الرسمية جملة وتفصيلا قياسا على شعب التعليم العالي التي لم يتمكن أعضائها الا في ما قل وندر برغم وجودهم في هذه الهياكل الاحتفالية بامتياز،والتي تعتبر البوابة الضامنة لبلوغ المهام والمسؤوليات لمهل طويلة أو قصيرة بحسب قيمة الشحن الالكتروني،هذه المسؤوليات المتفاوتة وهجا وجزاء،لم يتمكنوا بعد من تحقيق كل آمالهم وآمال أفراد عائلاتهم في الحياة الكريمة مما دفع بالبعض من أساتذة التعليم العالي أي وهم في أعلى السلم وخاتمة مطاف الحياة المهنيةوهم المنضوين في هذه الشعب الى الهجرة العلمية خارج الحدود خاصة الى دول الخليج للتدريس هناك قبل بلوغ سن التقاعد أو حتى بعد بلوغها لأن وزارة التعليم العالي لم توفرلهم « فرحة الحياة » التي كانت احدى الشعارات التي ترعرعنا على سماعها صباح مساء،فهل أن »فرحة حياة الجامعي »التونسي تكمن في حلّين اثنين لا ثالث لهما، *الهجرة بحثا عن العملة الصعبة تحقيقا للذات وضغطا على العجز المادي المتزايد بانخفاض قيمة الدينار وارتفاع أسعار المحروقات والحبوب وتكاليف الحياة التي تعترف بحقيقتها وزارة التعليم العالي باصرارها على اعتبار الجامعيين موظفين عاديين يقتربون يوما بعد يوم من خط الفقر ونحن في سنة الخمسينية(1958-2008) *الانصهار في الهياكل التجمعية والقبول غير المشروط بالطروحات الرسمية لكن نخشى عند ذلك أن تتفوق المهمة السياسية على المهمة العلمية فتتحول جامعتنا الفتية الى قاعة اجتماعات دائمة يكون هدفها الوحيد وضع أسس ثقافة الأمر الواقع بأقل التكاليف الممكنة للميزانية التونسية التي تكرم البناء الجامعي وتهمش الاطار البشري القائم على تنشيطه تضحية بمقولة الاستثمار في الذكاء،فاذا كان هذا مصير الأذكياء فكيف ياترى يكون مصير ……….؟؟؟؟

       

بسم الله الرحمان الرحيـــم  المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح – الحلقة السابعة لم يرض الله لرسوله أن يتهيب من الزواج بمطلقة متبناه

   

كان الاعتراض الرئيسي عما نشرته في الفترة الأخيرة أنه كان علنيا، في موضوعات الأصل فيها – حسب رأي إخواني المعترضين – أنها خاصة بحركة النهضة وأبنائها. وكان ردي دائما أن حركة النهضة تَحمّلت أمانة إحياء المشروع الإسلامي ، وهذه قضية عامة وليست خاصة ولا حزبية ، وتحويلها إلى قضية حزبية أو خاصة بفئة ، هو انحراف خطير على المشروع الإسلامي ، يتحول به من كونه هو غاية وجود الحركة ، وكون الحركة وسيلة لخدمته ، إلى كونه وسيلة لخدمة الحركة . وهذا ما انزلقت إليه حركة النهضة ، الأمر الذي أصبح يقتضي التوبة والتصحيح كما بينته في الحلقة الثامنة من حلقات « حتى لا يشوش على واجبي الشرعي » .   إنه لم يعد لنا مناص بعد كل التطورات والمنزلقات الحاصلة إلا الرجوع إلى هذا الأصل (العمل في العلن ومع الجمهور المسلم التونسي). ورغم أن هذا هو في أصله بديهي ، ومن طبيعة الدعوة ورسالة الله إلى عباده ، فإن ما اعتراه من تلبيس خطير جعل الاعتراض على ما كتبته على الملأ شديدا من العديد من إخواننا، الأمر الذي أصبح يفرض بيان هذه البديهية وتأصيلها من خلال قرآننا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم . وهذا هو هدف هذه السلسلة من الحلقات تحت عنوان « المنهج القرآني في النقد والتقويم وفي التوبة والتصحيح ».    وقد تقدمت الحلقة الأولى التمهيدية من هذه السلسلة في ركائز هذا المنهج ، والحلقة الثانية منها في  قراءة وتقويم القرآن لغزوة بدر، والحلقة الثالثة في قراءة وتقويم القرآن لابتلاء غزوة أحد ، ذات الدلالات الكبيرة على ما حدث وما مر بنا ، والحلقة الرابعة في قراءة وتقويم القرآن لحادثة الإفك ، والحلقة الخامسة في قراءة وتقويم القرآن لابتلاء وغزوة الأحزاب . والحلقة السادسة في تقويم القرآن  لتطلع نساء النبي إلى متاع الدنيا وتخييرهن.   وعقب نشر الحلقة الثانية ، اتصل بي أخ حبيب معترضا ، ليس على الكتابة على الملإ، ولكن على تقديري  ما أصبحت عليه حركة النهضة من تدين ومدى تضييعها لسمتها وطبيعتها . لقد كان حوارا مفيدا رغم أنه لم يغير من قناعتي في خصوص تقديري هذا ، إلا أنه أقنعني بضرورة توضيح بعض النقاط – وليس هنا مجاله – ، وأكتفي هنا بلفت الانتباه إلى أن التقويم الذي قدمتُه ولازلتُ لا يتعلق بالأفراد ولكن بحركة النهضة ككيان جماعي يُعرف من خلال خططه وبرامجه وسياساته ومواقفه وأعماله وبياناته وتصريحاته..   وفيما يلي سنقدم الحلقة السابعة ، وسنخصصها بإذن الله تعالى إلى تكليف النبي صلى الله عليه وسلم إبطال عادة العرب بتحريم مطلقة الابن بالتبني عمليا بتطبيقه على نفسه ، وسيكون ذلك في الفقرات الثلاث التالية:   1.تمهيد 2.تقرير قاعدة أن الأمر لله ورسوله وتحطيم الفوارق بين المسلمين 3.إبطال التبني وزواج النبي بزينب زوجة متبناه زيد   تمهيد :   قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً (36) وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) ما كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39) مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (40)} (الأحزاب 36 – 40 )   يتعلق هذا المقطع بإعادة تنظيم الجماعة المسلمة على أساس التصور الإسلامي . وهو يختص ابتداءا بإبطال نظام التبني الذي تحدثت عنه أول السورة . وقد شاء الله أن ينتدب لإبطال هذا التقليد من الناحية العملية رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد كانت العرب تحرم مطلقة الابن بالتبني حرمة مطلقة الابن من النسب ; وما كانت تطيق أن تُحِلّ مطلقات المتبنين عملا , إلا أن توجد سابقة تقرر هذه القاعدة الجديدة . فانتدب الله رسوله ليحمل هذا العبء فيما يحمل من أعباء الرسالة . وسنرى من موقف النبي صلى الله عليه وسلم من هذه التجربة أنه ما كان سواه قادرا على احتمال هذا العبء الجسيم , ومواجهة المجتمع بمثل هذا المخالف لمألوفه العميق ! وسنرى كذلك أن التعقيب على الحادث كان تعقيبا طويلا لربط النفوس بالله ولبيان علاقه المسلمين بالله وعلاقتهم بنبيهم , ووظيفة النبي بينهم . . كل ذلك لتيسير الأمر على النفوس , وتطييب القلوب لتقبل أمرالله في هذا التنظيم بالرضى والتسليم .   تقرير قاعدة أن الأمر لله ورسوله وتحطيم الفوارق بين المسلمين:   ولقد سبق الحديث عن الحادث تقرير قاعدة أن الأمر لله ورسوله , وأنه (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا).   روي أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش – رضي الله عنها – حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحطم الفوارق الطبقية الموروثة في الجماعة المسلمة ; فيرد الناس سواسية كأسنان المشط ، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى . وكان الموالي – وهم الرقيق المحرر – طبقة أدنى من طبقة السادة ، ومن هؤلاء كان زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تبناه . فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقق المساواة الكاملة بتزويجه من شريفة من بني هاشم , قريبته صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش ; ليسقط تلك الفوارق الطبقية بنفسه , في أسرته . وكانت هذه الفوارق من العمق والعنف بحيث لا يحطمها إلا فعل واقعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم تتخذ منه الجماعة المسلمة اسوة , وتسير البشرية كلها على هداه في هذا الطريق .   ففي تفسير ابن كثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق ليخطب على فتاه زيد بن حارثة – رضي الله عنه – فدخل على زينب بنت جحش الأسدية – رضي الله عنها – فخطبها , فقالت: لست بناكحته ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » بلى فانكحيه  » . قالت: يا رسول الله ، أؤامر في نفسي؟ فبينما هما يتحدثان أنزل الله هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا). . الآية . قالت: قد رضيتَه لي يا رسول الله منكحا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » نعم  » ! قالت: إذن لا أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنكحته نفسي !   وفي ابن كثير أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها ، فقال:حتى أستأمر أمها . فقال النبي صلى الله عليه وسلم  : » فنعم إذن  » . قال: فانطلق الرجل إلى امرأته , فذكر ذلك لها , فقالت: ما وجد رسول الله  صلى الله عليه وسلم إلا جليبيبا , وقد منعناها من فلان وفلان ؟ قال: والجارية في سترها تسمع . قال: فانطلق الرجل يريد أن يخبر رسول الله  صلى الله عليه وسلم  بذلك . فقالت الجارية: أتريدون أن تردوا على رسول الله  صلى الله عليه وسلم أمره؟ إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه . قال: فكأنها جلت عن أبويها . وقالا: صدقت . فذهب أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقال: إن كنت قد رضيته فقد رضيناه . قال صلى الله عليه وسلم   » فإني قد رضيته  » . قال: فزوجها . .   وهذه الحادثة وإن كانت لاتتعلق بسبب نزول الآية فهي تدل على منطق البيئة الذي جاء الإسلام لتقويمه , وتولى رسول الله  صلى الله عليه وسلم تغييره بفعله وسنته . وهو جزء من إعادة تنظيم الجماعة المسلمة على أساس منطق الإسلام الجديد , وتصوره للقيم في هذه الأرض . ونص الآية أعم من أي حادث خاص ، والقاعدة التي يقررها أعم وأشمل.   فهذا المقوم من مقومات العقيدة هو الذي استقر في قلوب تلك الجماعة الأولى من المسلمين استقرارا حقيقيا ; واستيقنته أنفسهم , وتكيفت به مشاعرهم . . هذا المقوم يتلخص في أنه ليس لهم في أنفسهم شيء ; وليس لهم من أمرهم شيء . إنما هم وما ملكت أيديهم لله . يصرفهم كيف يشاء , ويختار لهم ما يريد . وإن هم إلا بعض هذا الوجود الذي يسير وفق الناموس العام . وخالق هذا الوجود ومدبره يحركهم مع حركة الوجود العام ; ويقسم لهم دورهم في رواية الوجود الكبيرة ; ويقرر حركاتهم على مسرح الوجود العظيم . وليس لهم أن يختاروا الدور الذي يقومون به , لأنهم لا يعرفون الرواية كاملة ; وليس لهم أن يختاروا الحركة التي يحبونها لأن ما يحبونه قد لا يستقيم مع الدور الذي خصص لهم ! وهم ليسوا أصحاب الرواية ولا المسرح ; وإن هم إلا أجراء ,لهم أجرهم على العمل , وليس لهم ولا عليهم في النتيجة !   عندئذ أسلموا أنفسهم حقيقة لله . أسلموها بكل ما فيها ; فلم يعد لهم منها شيء . وعندئذ استقامت نفوسهم مع فطرة الكون كله ; واستقامت حركاتهم مع دورته العامة ; وساروا في فلكهم كما تسير تلك الكواكب والنجوم في أفلاكها , لا تحاول أن تخرج عنها , ولا أن تسرع أو تبطئ في دورتها المتناسقة مع حركة الوجود كله .   وعندئذ رضيت نفوسهم بكل ما يأتي به قدر الله , لشعورهم الباطن الواصل بأن قدر الله هوالذي يصرف كل شيء , وكل أحد , وكل حادث , وكل حالة . واستقبلوا قدر الله فيهم بالمعرفة المدركة المريحة الواثقة المطمئنة .   إنه الاستسلام المطلق ليد الله تقود خطاهم , وتصرف حركاتهم ; وهم مطمئنون لليد التي تقودهم , شاعرون معها بالأمن والثقة واليقين , سائرون معها في بساطة ويسر ولين .   وهم – مع هذا – يعملون ما يقدرون عليه , ويبذلون ما يملكون كله , ولا يضيعون وقتا ولاجهدا , ولا يتركون حيلة ولا وسيلة . ثم لا يتكلفون ما لا يطيقون , ولا يحاولون الخروج عن بشريتهم وما فيها من خصائص , ومن ضعف وقوة ; ولا يدعون ما لا يجدونه في أنفسهم من مشاعر وطاقات , ولا يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا , ولا أن يقولوا غير ما يفعلون .   وهذا التوازن بين الاستسلام المطلق لقدر الله , والعمل الجاهد بكل ما في الطاقة , والوقوف المطمئن عند ما يستطيعون . . هذا التوازن هو السمة التي طبعت حياة تلك المجموعة الأولى وميزتها ; وهي التي أهلتها لحمل أمانة هذه العقيدة الضخمة التي تنوء بها الجبال !   ومن هذا البيان ينجلي أن هذا النص القرآني: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم). . أشمل وأوسع وأبعد مدى من أي حادث خاص يكون قد نزل فيه . وأنه يقرر كلية أساسية , أو الكلية الأساسية , في منهج الإسلام !    إبطال التبني وزواج النبي بزينب زوجة متبناه زيد :   وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه:أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه ; وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه . فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا . وكان أمر الله مفعولا . ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له . سنة الله في الذين خلوا من قبل . وكان أمر الله قدرا مقدورا . الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله . وكفى بالله حسيبا . ما كان محمد أبا أحد من رجالكم , ولكن رسول الله وخاتم النبيين , وكان الله بكل شيء عليما . .   مضى في أول السورة إبطال تقليد التبني ; ورد الأدعياء إلى آبائهم , وإقامة العلاقات العائلية على أساسها الطبيعي: وما جعل أدعياءكم أبناءكم . ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله . فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم. وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم , وكان الله غفورا رحيما.   ولكن نظام التبني كانت له آثار واقعية في حياة الجماعة العربية ; ولم يكن إبطال هذه الآثار الواقعية في حياة المجتمع ليمضي بالسهولة التي يمضي بها إبطال تقليد التبني ذاته . فالتقاليد الاجتماعية أعمق أثرا في النفوس . ولا بد من سوابق عملية مضادة ستكون شديدة الوقع على الكثيرين .   وقد مضى أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم زوّج زيد بن حارثة – الذي كان متبناه , وكان يُدعى زيد ابن محمد ثم دُعي إلى أبيه – من زينب بنت جحش , ابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحطم بهذا الزواج فوارق الطبقات الموروثة , ويحقق معنى قوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، ويقرر هذه القيمة الإسلامية الجديدة بفعل عملي واقعي .   وألهم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن زيدا سيطلق زينب ; وأنه هو سيتزوجها , للحكمة التي قضى الله بها . وكانت العلاقات بين زيد وزينب قد اضطربت , وعادت توحي بأن حياتهما لن تستقيم طويلا .   وجاء زيد مرة بعد مرة يشكو إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم اضطراب حياته مع زينب ; وعدم استطاعته المضي معها . والرسول – صلوات الله وسلامه عليه – على شجاعته في دعوة قومه إلى الإسلام دون لجلجة ولا خشية ، وعدم تردده في مواجهته بعقيدة التوحيد , وذم الآلهة والشركاء ; وتخطئة الآباء والأجداد – يحس ثقل التبعة فيما ألهمه الله من أمر زينب ; ويتردد في مواجهة القوم بتحطيم ذلك التقليد العميق ; فيقول لزيد : (أمسك عليك زوجك واتق الله). . ويؤخر بهذا مواجهة الأمر العظيم الذي يتردد في الخروج به على الناس . كما قال الله تعالى: (وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه !). . ولم يكن أمرا صريحا من الله . وإلا ما تردد فيه ولا أخره ولا حاول تأجيله ، ولجهر به في حينه مهما كانت العواقب التي يتوقعها من إعلانه .    وطلق زيد زوجه في النهاية من غير أن يدريا ما سيكون بعد ، وإنما كان الأمر كما قال الله تعالى: (فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها , لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا). . وكانت هذه إحدى ضرائب الرسالة الباهظة حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم  فيما حمل ; وواجه بها المجتمع الكاره لها كل الكراهية .   (وكان أمر الله مفعولا). . لا مرد له , ولا مفر منه . واقعا محققا لا سبيل إلى تخلفه ولا إلى الحيدة عنه . وكان زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب – رضي الله عنها – بعد انقضاء عدتها . أرسل إليها زيدا زوجها السابق ، وأحب خلق الله إليه ، أرسله إليها ليخطبها عليه ، وقال له: » اذهب فاذكرها علي . »    فانطلق حتى أتاها وهي تخمِّر عجينها ، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها , وأقول: إن رسول الله  صلى الله عليه وسلم ذكرها ! فوليتها ظهري , ونكصت على عقبي , وقلت: يا زينب، أبشري ، أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكرك . قالت: ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي عز وجل . فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن . وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم  فدخل عليها بغير إذن . . . وكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: « زوجكن أهاليكن , وزوجني الله – تعالى – من فوق سبع سماوات.”   ولم تمر المسألة سهلة , فلقد فوجئ بها المجتمع الإسلامي كله ; كما انطلقت ألسنة المنافقين تقول: تزوج حليلة ابنه !   ولما كانت المسألة مسألة تقرير مبدأ جديد فقد مضى القرآن يؤكدها ; ويزيل عنصر الغرابة فيها , ويردّها إلى أصولها البسيطة المنطقية التاريخية: (ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له). .   فقد فرض له أن يتزوج زينب , وأن يبطل عادة العرب في تحريم أزواج الأدعياء . وإذن فلا حرج في هذا الأمر , وليس النبي صلى الله عليه وسلم  فيه بدعا من الرسل .   (سنة الله في الذين خلوا من قبل). . فهو أمر يمضي وفق سنة الله التي لا تتبدل . والتي تتعلق بحقائق الأشياء , لا بما يحوطها من تصورات وتقاليد مصطنعة لا تقوم على أساس .   (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله). . فلا يحسبون للخلق حسابا فيما يكلفهم الله به من أمور الرسالة , ولا يخشون أحدا إلا الله الذي أرسلهم للتبليغ والعمل والتنفيذ .   (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم) فزينب ليست حليلة ابنه , وزيد ليس ابن محمد . إنما هو ابن حارثة . ولا حرج إذن في الأمر حين ينظر إليه بعين الحقيقة الواقعة .   والعلاقة بين محمد صلى الله عليه وسلم وبين جميع المسلمين – ومنهم زيد بن حارثة – هي علاقة النبي بقومه , وليس هو أبا لأحد منهم: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين). .   (في ظلال القرآن بتصرف)  
 بقلم محمد شمام  للاتصال في موضوع هذه الحلقات أوغيرها :  العنوان البريدي : mohacham@gawab.com الهاتف النقال : 0046736309986   وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله  

ردا على ما يسمى « مبادرة الحوار القومي » التي أطلقها جهاز الإتحاد الديمقراطي الوحدوي  سموه كل شيء إلا دفاعا عن الفكر والعمل القومي التقدمي…

 

 فتحي بالحاج         مرة  أخرى أضطر للتعليق على هذا السجال  السياسي الذي كنت ولازلت أعتبره اعتباطي وهو يعبر عن حجم المأساة التي وصل إليها العمل القومي وكيف تحول التفكير الطفولي سيد الموقف..هل هناك أكثر طفولية من أن نعتبر سجالا سياسيا قابل للحوار والنقاش ومحل صحة وخطأ.. قد يصيب فيه المرء وقد يخطأ.. »نور الله »..يتألم المرء وهو يتابع هذه « الغزوات » ومعارك الكر والفر.. ويسمع بيانات التهديد والوعيد..وأن هناك من هو على أهبة الاستعداد للعودة لغزوة ثانية..إنه أمر يدعو للرثاء والحزن والألم ..في وعيدهم وهيجانهم هذا .. يبدو أن البعض لهم فائض من الشجاعة لكنها شجاعة في نهش الجسد وشجاعة في اتهام الآخرين..من كانوا رفاق طريق…وهم في هياجانهم لا نعرف من يقصدون لماذا لا يكونون بمثل هذا القطع والوضوح مع الواقع الذين  يدعون مواجهته ففي تحاليلهم في كتاباتهم يفتقدون هذه الشجاعة..عندما يتعلق الأمر بمواجهة الواقع السياسي تجد نقدهم تمتمات وتحاليلهم إشارات تجهد نفسك في البحث ما وراء السطور وفي معرفة من يقصدون  وكلامهم يفتقد إلى التعريف فحديثهم يصدق على زمبابوي كما يصدق على أحدى الدول في أمريكا اللاتينية.. ومع هذا يصرون على رجم الآخرين…           وتفنن آخرون في الهروب لرجم القوميين أكثر واختاروا أن يراسلوا عبد الناصر رحمة الله عليه.. بصراحة إنه أول مرة أسمع برسائل موجهة للموتى حتى وإن كانوا شهداء. فالرسائل توجه للأحياء وحدهم أما الموتى فعليهم رحمة الله وغفرانه… نطلب لهم  جميعا  الثواب في كل ما اجتهدوا فيه.. وحاولت أن أعرف القيمة المعرفية والحركية للرسالة الثانية التي أرسلت عبر صحيفة الوطن إلى عبد الناصر..وقد كنت قرأت الرسالة الأولى في السنة الماضية في مثل هذه الفترة وخلافا ما حاول أن يوهمنا كاتب الرسالة الثانية  فان هذه الرسالة الجديدة لا تختلف كثيرا  عن رسالة السنة الماضية, في جوهرها وفي شكلها: توصيف للواقع القومي بكل تورماته..وبعملية سلخ مجانية للقوميين.. طبعا ماعدا صاحب الرسالة لأنه تبوأ دور الشيخ دون أن يلتزم ضوابط وقار الشيوخ لقد أبدع في سلخ القوميين دون الدخول في جوهر الموضوع الذي يقول أخونا مسيليني أنه يدافع  عنه وهو « الحوار القومي » ولا حتى ملامسة القضية ووضع معالم طريق يخرج القوميين من النفق ومن حالات الهستيريا التي تنتاب البعض منا ويتوهم بعض « القوميين الطفوليين »  أنهم يضيفون شيئا للعمل القومي بالتعبير عن تقلباتهم النفسية.. نسوق بعض التعابير التي استعملت في الرسالة الآنفة الذكر : « الصلاة مع علي  والأكل مع معاوية »  « حلقات التلقين الفكري والشحن العاطفي » « مؤتمرات هي أقرب الى السياحة »  « تتضخم فيها الذوات الزعامتية » « مذهب المرجئة » « حبل الكذب قصير »..الى آخر تلك المصطلحات التي أتعب أخونا مسيليني نفسه في تجميعها وترصيفها.. ولست أدري هل تدخل عملية سلخ القوميين وسبهم وشتمهم وتحقيرهم في سياق إشعال الشمعة أم في إطار إطفاءها ولم نعد نفهم هل كل هذا ضروري للحوار القومي الموعود أم أنها إبداع جديد في فن إدارة الحوار بين القوميين..هذا الحوار القومي الذي سمعنا به منذ قرابة السنة ولم نر له بعد أبوابا تمكننا من الولوج إليه..أم أنها طريقة ذكية لسحب الدعوة ..من خلال قراءاتنا ومتابعتنا لتاريخ الحراك السياسي العربي  اطلعنا على مثل هذا الجنون السياسي والثورجية المغرقة في مجانبة الواقع والتي أدت إلى عملية انتحار سياسي للعديد من الأجسام المشوهة بالرغم من الغلاف الثوري والتقدمي الذي تدثرت به, ويبدو أن البعض من « الأخوة القوميين » يريدون أن يكون ورثة بعض التيارات اليسارية الماركسية التي اندثرت من الساحة.. إننا نحترم شطحات البعض وحالة الهوس لدى البعض الآخر لكن مصدر القلق والألم أن هذا يتم  باسم الدفاع عن الفكر والعمل القومي التقدمي..في فترة يواجه فيها العمل القومي العربي عموما حملة محاصرة خطيرة…وتترصد القوى المعادية مثل هذه الحالات المرضية للامعان في تشويه الفكر القومي التقدمي.. على الرغم من هذا فانه يبقى لنا الحوار القومي مشكلة وجود بالنسبة للقوميين في تونس. فهل من سبيل للارتقاء والابتعاد على هذه الأساليب المبتذلة والبدء الجاد في البحث في مضامين الحوار القومي وفي آلية التنفيذ.. إن صدقت النوايا…

حول نقاش ‘الضربة ضد إيران’

 
بقلم: طارق الكحلاوي، أستاذ ‘تاريخ الشرق الأوسط’ جامعة روتجرز tkahlaoui@gmail.com يبدو موضوع ‘الضربة ضد إيران’ مثل المسألة التي تتكرر إلى درجة مضجرة و التي سنفعل أي شيئ لنتجاهلها. في المقابل يصبح التكلم في الكلام أو النقاش الدائر حول ‘الضربة’ أكثر مدعاة للإهتمام. و هكذا من المفهوم أن نرى في شدة تقلب التوقعات بحصول ‘الضربة’ من عدمها مؤشرا يضعها، بكل تأكيد، في خانة مختلفة مثلا عن التحاليل التي سبقت الحرب على العراق و التي كانت تختلف حول توقيت الحرب أكثر من اختلافها عن مدى وقوعها. لكن هل يكفي تأمل مماثل، بعد كل شيئ، لحسم مسألة مدى حدوث ‘الضربة ضد إيران’؟ من اليسر بمكان، فيما يشبه غابة التحاليل المعروضة أمامنا عن ‘الضربة’، أن نجد رأيين في غاية التناقض لكن كلاهما يستعمل حججا غاية في الإقناع. و إزاء ذلك يستحيل التفكير بجدية في موضوع ‘الضربة’ و عدم الاستسلام إما للتخمين أو اللامبالاة. سأعرض هنا مثالين لا يتعلقان بتوقعات ‘الضربة ضد إيران’ فحسب بل بالتحديد بتوقيتها أي ما إذا كان يمكن أن تقع قبل الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم أو على الأكثر قبل نهاية العهدة الرئاسية للرئيس بوش في جانفي 2009. المذيع بيل أورايلي (Bill O’Reilly) المحافظ بشكل بالغ (حتى نتفادى توصيف ‘المتطرف’)، و الذي لا يمكن أن يكون حنونا عندما يتعلق الأمر بإيران، قدم  مع نهاية شهر جوان في مقدمة برنامجه اليومي على قناة ‘فوكس نيوز’ حزمة، على غير العادة ، من الأسباب المعقولة في سياق استبعاد وقوع ‘ضربة’ عسكرية ضد إيران في الظرف الراهن بأي حجم كان و بمعزل عن هوية الفاعل سواءا كان أمريكيا أو إسرائيليا. كان إطار هذا الحماس البالغ المستبعد لحدوث ‘الضربة’ المناورات العسكرية الإسرائيلية الدائرة آنذاك و تحديدا التصريحات التي رافقتها و نقلتها قناة ‘سي بي أس’ الأمريكية و المتعلقة بالتهديد الإسرائيلي بضرب إيران إن لم يفعل الرئيس بوش أي شيئ قبل نهاية عهدته االرئاسية. أجاب أورايلي، المقرب من الإدارة الأمريكية، بأن أي عملية من هذا النوع ستكون ‘مضرة’ بكلى المصالح الأمريكية و الإسرائيلية. و أرجع ذلك إلي غياب ‘الرغبة’ في أمريكا و عبر العالم للدخول في حرب جديدة و لم تكتمل بعد الحرب في العراق و افغانستان. سيكون من المستحيل للرئيس بوش، حسب أورايلي، البدء بحرب من دون الحصول على موافقة من الكونغرس و هو الأمر الذي لا يمكن أن يحصل خاصة في الظرف الراهن. و يواصل أورايلي تحليله للقول بأنه إذا بادرت إسرائيل بالضربة فإنها ستفجر نزاعا يتجاوز حدود ‘الضربة’ الجوية المزمع تنفيذها إلي مواجهة تخترق المنطقة من العراق إلي غزة مرورا بجنوب لبنان. و سيناريو من هذا النوع، يخلص أورايلي، سيجعل سعر برميل النفط يقفز إلي ما فوق المائتي دولار و هو ما سيهدد بشكل جدي إستقرار الاقتصاد العالمي. كما سيفسح ذلك المجال، يضيف أورايلي، لما سماه بـ’الفاشية الإسلامية’ للعودة أقوى مما كانت. ثم دعى أورايلي في النهاية إسرائيل لـ’الصبر’. النموذج المقابل على النقاش الجاري الآن حول ‘الضربة ضد إيران’ مقال صدر في نهاية الأسبوع الأول من شهر جويلية الجاري في مجلة ‘النيويوركر’ لكاتب التحقيقات الصحفية المعروف سيمور هيرش (Seymour Hersh) و الذي تخصص في السنتين الأخيرتين في كتابة تقارير متواترة حول احتمال وقوع ‘الضربة’ بناء عادة على مصادر مطلعة على دواخل الإدارة الأمريكية. الإضافة الأساسية في المقال الأخير نقل هيرش لمعطيات من مصادر مطلعة تؤكد وجود صراع بين المدنيين و العسكريين في الإدارة الأمريكية حول موضوع ‘الضربة’. ينقل هيرش بشكل خاص تصريحات عن الأدميرال ويليام فالون الذي استقال في 11 مارس الماضي من منصب الإشراف على القيادة المركزية للعمليات العسكرية (Centcom) و التي كان يشرف من خلالها على الاستراتيجيا الأمريكية العسكرية في كل من العراق و افغانستان. كما ينقل تصريحات لعسكريين متقاعدين قريبين من فالون. التقرير يؤكد على لسان فالون و مقربيه ما راج سابقا عن أن الاستقالة كانت نتيجة لاعتراضه على ‘ضربة ضد إيران’. فالون الذي كان منخرطا في إيجاد الحلول للمأزق العسكري في العراق كان ينظر لإيران على أنها ‘عدو’ خاصة على خلفية الدعم الذي تقدمه الأخيرة، حسب المصادر الأمريكية، للفصائل العراقية المعادية للوجود الأمريكي. غير أن تصوره لكيفية مواجهة إيران كانت مقلقة للكثير من السياسيين في الإدارة الأمريكية خاصة أنها كانت تدعو لإيجاد صفقة سياسية مع إيران و سوريا. لكن خلفية الصدام بين فالون و بعض المسؤولين في البيت الأبيض، خاصة من مكتب نائب الرئيس ديك تشيني، كانت متمحورة حول مسائل أكثر عملياتية من مجرد النقاش الاستراتيجي حول إيران. إذ بدأت تتزايد المؤشرات، حسب هيرش، في الأشهر الأخيرة على نوايا ‘تطويع’ الإدارة الأمريكية لمذكرة أصدرها الكونغرس بجناحيه الجمهوري و الديمقراطي في صيف العام الماضي لتمويل ‘عمليات إستخبارية’ داخل إيران، تطويعها  في اتجاه تمويل ‘عمليات عسكرية’ معلنة و واسعة ضد إيران. إذ إلى جانب الجدال الحاصل حول مدى الحكمة في تمويل جماعات إنفصالية مقربة من تنظيم ‘القاعدة’ (مثلما هو حال بعض التنظيمات البلوشستانية في المقاطعات السنية شرق إيران) يثير البعض الآخر إشكال ‘الخيط الرفيع’ الفاصل بين ‘تمويل’ عمليات تجسس و أطراف إيرانية منشقة و بين تمويل ‘ضربة ضد إيران’ من قبل الجيش الأمريكي. يتخذ النقاش نكهة حارة بشكل خاص في ظل الأجواء الانتخابية الراهنة و الممانعة المرتقبة من قبل الكونغرس لرفض أي ‘ضربة إستباقية’ ضد إيران من النوع الذي حصل مع العراق. يختم هيرش أن كل ذلك يشير إلي الاصرار على سياسة ‘تصعيدية’ من قبل بعض الأوساط النافذة في الادارة الأمريكية في اتجاه تهيئة الأجواء للقيام بـ’الضربة’. و هكذا بين أورايلي و هيرش يمكن أن نجزم بعدم حدوث ‘الضربة’ لنقتنع بحدوثها في الربع ساعة الموالي. النماذج على حدة تناقض التوقعات المحيطة باحتمال ‘ضربة ضد إيران’ كثيرة و بالتأكيد لا تتوقف عند أورايلي أو هيرش و تشمل إضافة إلى الأوساط الإعلامية مراكز البحوث (‘الثينك تانك’) النافذة في واشنطن. تضارب التحاليل يرجع، طبعا، لأسباب متوقعة مثل اختلاف المصادر الاخبارية و الانساق الحجاجية المعتمدة و الخلفيات السياسية التي تفرض خطابات متناقضة حسب المقتضيات الدعائية لكل طرف. لكنها ترجع أيضا لسبب آخر يبدو الأهم في هذه الحالة: تفكك التمركز الايديولوجي و السياسي للإدارة الأمريكية و من ثمة مخزون تصميمها التنفيذي الذي تم إستهلاكه في الحرب على العراق. (المصدر: صحيفة ‘العرب’ (يومية – قطر) الصادرة يوم 8 أوت 2008) الرابط: http://www.alarab.com.qa/details.php?docId=52005&issueNo=227&secId=15#


 اللجنة العربية لحقوق الانسان International NGO in special Consultative Status with the Economic and Social Council of the United Nations

موريتانيا: حماية الديمقراطية وتحديد مهام المؤسسة العسكرية

   

تلقت اللجنة العربية لحقوق الإنسان نبأ الإنقلاب العسكري في موريتانيا بألم وقلق، خاصة وأننا نتابع منذ ثلاث سنوات عن كثب وعبر كوادرنا القيادية ما يحدث في هذا البلد. لقد دعمنا ضمن إمكانياتنا المجتمعين السياسي والمدني في واحد من أصعب نماذج الانتقال في العالم العربي. كما وأيدت اللجنة العربية لحقوق الإنسان منذ اللحظة الأولى الإنقلاب العسكري على دكتاتورية ولد الطايع داعمة فكرة الحقبة الانتقالية ومطالبة باحترام صوت المجتمع المدني أثناءها مع منح الحرية لكل المعتقلين السياسيين والشرعية لكل التيارات السياسية. بعد ذلك شاركت في مراقبة الانتخابات ثم حرصت على تنظيم دورة تدريب للمدافعين عن حقوق الإنسان وبناء جسور ثقة وتعاون مع كل القوى الديمقراطية والمدنية في موريتانيا. وهي تعد منذ أشهر مشروعا لتدريب الكوادر الشابة على حقوق الإنسان. لقد تابعنا باهتمام بالغ الأزمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتي هي قضية عادية في أنظمة الانتقال الديمقراطي. الجميع يعرف أن بلدا مثل لبنان استمرت فيه أزمة أشد خطورة أكثر من سنة دون أن يبرر ذلك لأي طرف عسكري التدخل لحل البرلمان أو الحكومة. كذلك نجد في الكويت أزمة مشابهة. وإذ نحرص على إعطاء هذين المثلين من دول عربية، كي لا يقول لنا قائل بأننا نتحدث عن السويد أو بريطانيا. غضاضة التجربة الموريتانية تجعل من الحرص على أي مكسب تحقق، ضمانة أساسية للتمكن من تعزيز الممارسات الديمقراطية. أما اللجوء إلى المؤسسة العسكرية، وكأنها المحكمة الدستورية العليا في البلاد، فهو يعتبر تراجعا عن مكتسبات أساسية شاركت فيها هذه المؤسسة عينها. لكن في حل توافقي أنقذ المؤسسة من جرائم الفساد والعسف، مقابل عودة مبدأ الانتخابات ودولة المؤسسات ليقرر الشعب مصيره بنفسه. فالمؤسسة العسكرية توجت نضالات الشعب الموريتاني وعددا هاما من جنوده وضباطه ضد الدكتاتورية بخروجها على الدكتاتور. الأمر الذي قابلته القوى السياسية بمبدأ فتح صفحة جديدة وعلاقة سليمة بين الدولة والجيش. لم نكن من السذاجة بحيث لا نرى حجم المؤسستين العسكرية والأمنية في الحياة العامة. لكننا أيضا راهنا ونراهن على تعزيز دور القوى السياسية والمدنية وديناميتها، بما يجعل المؤسسة العسكرية تحترم دورها ومجتمعها وتكون جزءا من عملية التغيير لا مصدر الخطر عليها. إن ما حدث هذا الإسبوع يعني أن المؤسسة العسكرية قد نصبت نفسها وصيا على الدولة ومؤسساتها وعلى العملية الديمقراطية. وأنها هنا لتلعب دور الحكم والحاكم كلما تطلب الأمر. الأمر الذي يحول التجربة الموريتانية من أنموذج إيجابي إلى أنموذج سلبي. من هنا تطالب اللجنة العربية لحقوق الإنسان بإطلاق سراح الرئيس الموريتاني الشرعي ورئيس الوزراء وكل المعتقلين السياسيين والعودة للمؤسسات الدستورية. كذلك فتح حوار ديمقراطي بين القوى الفاعلة في البلاد حول وسائل الخروج من الأزمة الحالية بالمجتمع وعبره، وليس بفرض المواقف عبر الدبابة التي تحتل القصر والإذاعة.   باريس 8/8/2008   

سفيرا ليبيا وأمريكا يتبادلان العناق والقبلات في الأمم المتحدة

 

 
(الامم المتحدة (رويترز –  تبادل سفيرا الولايات المتحدة وليبيا لدى الامم المتحدة العناق والقبلات في قاعة مجلس الامن في استعراض علني غير معتاد للود بين العدوين اللدودين السابقين. وتعانق السفير الامريكي زلماي خليل زاد ونظيره الليبي جاد الله الطلحي عقب اجتماع للمجلس بشان العراق. وسأل صحفي خليل زاد ان كان هذا العناق يشير الي تحسن جديد في العلاقات بين البلدين. وأجاب السفير الامريكي قائلا ان نظيره الليبي عاد لتوه من غياب طويل بعد ان حضر عقد قران ابنه. واضاف انه جرى العرف على تهنئة والد العريس وسؤال هل اصبح جيبه خاويا. وقال خليل زاد ‘لانه على عكس ما يحدث في الولايات المتحدة فانه في الشرق الاوسط يدفع أهل العريس جميع تكاليف حفل عقد القران.’ وبدأت الولايات المتحدة استئناف الروابط الدبلوماسية مع طرابلس بعد ان قال الزعيم الليبي معمر القذافي في عام 2003 انه سيتخلى عن برامجه للاسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية. وكانت واشنطن قد سحبت سفيرها من ليبيا في عام 1972 . ووصلت العلاقات بين البلدين الى مستوى متدن في اواخر عقد السبعينات وفي عقد الثمانينات عندما وضعت واشنطن ليبيا في القائمة الامريكية ‘للدول الراعية للارهاب’. وفي عام 1986 قصفت طائرات امريكية اهدافا في مدينتي طرابلس وبنغازي ومنزل القذافي. وقالت ليبيا ان أكثر من 40 شخصا قتلوا بمن فيهم ابنة القذافي بالتبني. لكن التوترات تبقى مع محاولة البلدين العمل معا في مجلس الامن الدولي المؤلف من 15 دولة. وانتخبت ليبيا لعضوية المجلس العام الماضي بعد ان تخلت واشنطن عن معارضتها. وتنتهي عضوية ليبيا في المجلس في ديسمبر كانون الاول 2009. وتبقى المسائل المتعلقة باسرائيل والفلسطينيين على وجه الخصوص سببا للخلاف. وفي وقت سابق من هذا العام شبه نائب السفير الليبي في كلمة امام مجلس الامن الوضع في قطاع غزة بمحرقة النازي مما دفع نائب خليل زاد ومبعوثين غربيين اخرين الي الاحتجاج بالانسحاب من قاعة المجلس. (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 7 أوت 2008)  


زعيم معارضة مصري: مبارك قد يسعى لفترة ولاية جديدة

 

 
 
القاهرة (رويترز) – قال الزعيم الجديد لحركة كفاية المصرية المعارضة التي حاولت منع إعادة انتخاب الرئيس حسني مبارك في عام 2005 يوم الجمعة إن مصر تواجه الان احتمال أن يسعى مبارك للحصول على فترة ولاية جديدة. وقال عبد الجليل مصطفى لرويترز ‘أهدافنا الأساسية لا تزال قائمة لأنه قد يعاد انتخابه في 2011’. وأضاف في مقابلة ‘هل تستطيع أن تؤكد العكس الان.. لا أحد يعلم بشكل واضح ما سيحدث وهذا مصدر قلق وغموض كبيرين.’ ويحكم مبارك الذي أتم عامه الثمانين في مايو أيار الماضي أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان منذ ما يزيد على ربع قرن مما يجعله أطول حكام مصر بقاء في الحكم منذ محمد علي باشا في القرن التاسع عشر. ويقبع منافسه اليساري في انتخابات الرئاسة في عام 2005 حاليا في السجن بعد إدانته بالتزوير. وحصل مبارك على و لاية خامسة في 2005. وتوقع محللون في ذلك الوقت أن تعمل أسرة مبارك على تنصيب نجله جمال (44 عاما) خليفة لوالده. لكن بعد انتهاء نصف مدة الولاية الحالية لم يتقدم جمال سوى خطوة واحدة صغيرة من رئيس لجنة إلى الأمين العام المساعد للحزب الحاكم. ولم يستبعد مبارك الذي سيكون عمره 89 عاما في نهاية ولاية سادسة قط ترشيح نفسه مرة أخرى للرئاسة. وفي عام 2006 قال أمام البرلمان إنه سيبقى مسؤولا عن تغيير مصر ما دام على قيد الحياة. وقال مصطفى (73 عاما) وهو طبيب متخصص في أمراض القلب ذو خلفية قومية عربية إن من الصعب تقييم نوايا حكام مصر بسبب نقص الشفافية. وقال ‘لا نعرف بشكل دقيق ما يدور في أذهانهم. لقد اعتادوا أن يحكموا هذه البلاد بطريقة تتسم بالتكتم فيما يشبه عصابة أكثر منها حكومة مسؤولة’. لكنه أضاف أن جمال مبارك وهو مصرفي سابق مرتبط ببعض من أغنى رجال الأعمال في البلاد لن يحظى أبدا بقبول شعبي. وقال ‘لا أعتقد أن هذا الشاب من وجهة نظر شعبية له أي فرصة في حكم مصر. هذا (شيء) واضح. لكن الأمر مختلف من وجهة نظر السلطات .’ وتم اختيار مصطفى كمنسق لحركة كفاية في الأسبوع الماضي خلفا لعبد الوهاب المسيري الذي توفي في يوليو تموز. وبدأت الحركة في عام 2004 وكانت الأكثر نشاطا خلال الاستعدادات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في أواخر عام 2005. ونظمت احتجاجات في الشوارع لكنها نادرا ما نجحت في حشد أكثر من ألف شخص. وقال مصطفى إن أنشطة الحركة في الشارع انحسرت منذ ذلك الحين لأن الحكومة أصبحت ‘أكثر عدوانية وأشد قسوة’ بعد أن فقدت الولايات المتحدة اهتمامها بتعزيز بدائل ديمقراطية في الدول الحليفة لها بالشرق الأوسط. وتسامحت الشرطة مع مظاهرات الشوارع في عام 2005 لكنها تحولت منذ ذلك الحين إلى سياسة تفريق المظاهرات بالقوة. وأضاف مصطفى ‘لكن هذه ليست الصورة بالكامل’. وأضاف أن جماعات وشبكات اجتماعية مثل اتحادات عمال مستقلة ونشطاء الإنترنت أصبحت تتحدي الحكومة. ومضى يقول إن لجنة تنسيق كفاية وهي جماعة تضم 70 فردا من كل قطاعات المعارضة ستجتمع في 17 أغسطس اب لوضع برنامج أنشطة جديد. من جوناثان رايت (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 8 أوت 2008)  


لا عودة لايام الانقلابات السابقة السيئة في افريقيا

 
نيروبي (رويترز) – يعكس انقلاب موريتانيا أزمنة كان استيلاء الجيش فيها على السلطة بمثابة وباء في افريقيا لكن التنديد السريع من داخل القارة يشير الى انه لن تكون هناك عودة الى الايام السابقة السيئة. والانقلاب الذي وقع يوم الاربعاء به كل عناصر الاسلوب القديم لمحاولات الانقلاب الافريقية حيث استولي قادة عسكريون على السلطة عندما حاول الرئيس سيدي محمد ولد شيخ عزلهم. لكن بينما أحدث دولة منتجة للنفط في افريقيا مازالت عرضة للحكم العسكري .. واخر انقلاب ناجح كان في نفس البلد منذ ثلاث سنوات .. فان افريقيا ككل تخلصت من شهرتها كمرادف للاستيلاء على السلطة بوسائل العنف. وبينما كانت منظمة الوحدة الافريقية القديمة تشتهر بتقاعسها عن التدخل أو حتى التعليق على اعمال العنف والحكم الاستبدادي في الدول الاعضاء فان المنظمة التي تكونت بعدها منذ عام 2002 وهي الاتحاد الافريقي اتخذت مسارا جديدا تمثل في ردود فعل علنية. وسارع الاتحاد الافريقي إلى التنديد بالانقلاب في نواكشوط مثلما فعل في محاولة فاشلة للاستيلاء على السلطة في تشاد في فبراير شباط وارسل مفوض السلام والأمن إلى موريتانيا. وقال توم كارجيل الباحث بمؤسسة تشاتام هاوس للابحاث في لندن ان ‘رد فعل الاتحاد الافريقي وتنديده استمرار لموقف ايجابي للغاية في السنوات الاخيرة للتنديد بالتدخلات العسكرية … ان الازمنة تغيرت بشدة.’ ولم يقع سوى عدد ضئيل من الانقلابات في افريقيا في السنوات العشر الماضية مقارنة مع الانقلابات التي وقعت في الفترة من الستينات الى الثمانينات قبل ان تنهي جهود التحول الديمقراطي هذا الاتجاه في التسعينات. وفي الفترة بين التحركات الاولى نحو الاستقلال من الاستعمار في الخمسينات وحتى عام 2004 وقع أكثر من 80 انقلابا في افريقيا لكن معظمها كان في العقود الاولى. وقال خبراء في تلك الفترة ان الانقلابات كانت تؤدي إلى مزيد من الانقلابات حيث اعتاد ضباط االجيش الساخطون على عزل الحكومات في انحاء القارة. وبالاضافة إلى الاتجاه نحو الديمقراطية في التسعينات فإن العوامل الاقتصادية القوية بدأت تؤثر كرادع قوي للاستيلاء المسلح على السلطة في السنوات القليلة الاخيرة مع استفادة افريقيا من الازدهار العالمي للسلع واصبحت هدفا رئيسيا للاستثمار. وتشعر الدول الافريقية بالقلق بدرجة متزايدة من ان الاضطرابات في بلد ستؤثر على المستثمرين في بلد اخر. وسارعت نيجيريا أكبر الدول تعدادا للسكان في افريقيا وأكبر منتج للنفط في القارة والتي تشهد ازدهارا نتيجة لارتفاع اسعار الطاقة إلى التنديد بانقلاب موريتانيا قائلة ان أبوجا لن تعترف بالحكام العسكريين الجدد. وكانت نيجيريا نفسها في وقت من الاوقات تشتهر بالحكومات العسكرية لكنها لم تشهد أي انقلاب منذ عام 1993 والتقدم الاقتصادي هو أكبر عامل لبقاء الجنود في ثكناتهم. وقال كارجيل ‘بورصة أسهم نيجيريا تشهد ازدهارا وقطاعها المصرفي بدأ بالفعل ينطلق. لقد بدأوا يشعرون بالاثار الايجابية والفوائد الاقتصادية التي تأتي من السلام والأمن.’ وتتبنى راضية خان كبيرة خبراء الشؤون الاقتصادية الافريقية بمؤسسة ستاندارد تشارتارد وجهة نظر مماثلة قائلة ان الانقلاب ‘يجب ان يؤدي أيضا إلى بعض التركيز على الاستقرار السياسي لاقتصاديات النفط الجديدة في افريقيا …’ غير ان بعض المحللين أقل تفاؤلا بشأن الحالة الراهنة لافريقيا. ويقول مارك شرويدر بمؤسسة ستراتفور للابحاث انه بينما الانقلابات التقليدية في تراجع فان كثيرين من الحكام الافارقة أظهروا ترددا في التخلي عن السلطة التي استولوا عليها بطريقة غير دستورية. وقال ‘يوجد كثير من اعضاء الاتحاد الافريقي في السلطة الان لانهم جاءوا عن طريق انقلاب.’ وقال ان رفض الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي التنحي بعد ان خسر في الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة في مارس اذار ثم اعادة انتخابه في اقتراع جرى في يونيو حزيران قاطعته المعارضة بسبب اعمال العنف ‘يشكل على نحو أو اخر انقلابا في حد ذاته.’ ويعتقد شرويدر ان عدم تقبل الانقلابات في الوقت الحالي بين الزعماء الافارقة ربما كان مرجعه الخوف من ان يصبحوا هم انفسهم ضحايا اذا أصبح استيلاء الجيش على السلطة اتجاها سائدا مرة اخرى. ويقول منتقدو الاتحاد الافريقي ان دبلوماسييه يفتقرون للفاعلية في تعزيز الكلمات القوية بالافعال ومن غير المرجح ان يتمكنوا من تغيير أي شيء في موريتانيا. لكن الاتحاد الافريقي تدخل بقوة في العديد من الصراعات في السنوات الاخيرة. وفي كينيا كان الاتحاد الافريقي من المفاوضين الرئيسيين الذين دفعوا الاطراف المتنازعة الى تشكيل حكومة لاقتسام السلطة أنهت اعمال العنف الدامية بعد الانتخابات. وشاركت قوات افريقية في هجوم في مارس اذار أطاح بزعيم التمرد في جزيرة انجوان بعد ان تحدى الحكومة في جزر القمر بالمحيط الهندي. من باري مودي (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 8 أوت 2008)


 

كوسوفو في قلب الصراعات القومية في البلقان

 

 
توفيق المديني في كتابه الجديد الذي يحمل العنوان التالي « كوسوفو ما بين الماضي والحاضر » يقدم لنا الأستاذ الجامعي في جامعة آل البيت بعمان والباحث المتخصص في شؤون البلقان، محمد الأرناؤوط، صورة تاريخية واضحة عن جذور الصراعات التي حصلت في إقليم كوسوفو. فمشكلة كوسوفولا تكمن في النزاع بين الأقلية الصربية والأكثرية الألبانية على الأرض، وإنما تكمن في الخلاف أو النزاع على التاريخ أيضا، إذ إن لكل طرف تاريخه المختلف عن الآخر الذي هو من مكونات القومية المتصارعة مع الأخرى. ولذلك يقول الباحث محمد الأرناؤوط في مقدمة الكتاب « كان لا بد من التعرف بكوسوفو قبل قدوم السلاف عليها ثم بمكانة كوسوفو في الدولة الإمبراطورية الصربية خلال الحكم العثماني الطويل (ق 15 ـ 20) وصولا إلى تجربة كوسوفو في القرن العشرين ضمن الإطار اليوغوسلافي وضمن الإطار الألباني. وبالاستناد إلى كل هذا قد يصبح من السهل تتبع الأحداث في السنوات العشر (1989 ـ 1999)، التي عانت فيها كوسوفو الكثير من نظام ميلوسيفيتش، وصولا إلى حرب 1999 التي أدت إلى بروز كيان كوسوفو من جديد خلال 1999 ـ 2008 وهو ما مهد أخيرا للاستقلال عن صربيا في 17 شباط/فبراير 2008 ». الألبان لهم تاريخ عريق، ويعتبرون من السكان القدماء للبلقان، حتى وإن اختلف المؤرخون في التحديد الدقيق لأصلهم. لكن هناك شبه إجماع على أن الألبان ينحدر أصلهم من الإليريين، الذين يعتبرون على نطاق واسع الأسلاف القدماء للألبان، والذين أسسوا كيانا سياسيا، أي دولة امتدت إلى حدود ألبانيا الحالية والجبل الأسود أيضا. وخاضت هذه الدولة حروبا عديدة مع الدولة الرومانية في 229 ق م، وفي 219ق م، وأخيرا في 168 ق م، التي انتهت بالضربة القاضية على الدولة الإيليرية. ويستعرض المؤرخ والباحث محمد الأرناؤوط، التحولات التاريخية التي حصلت مع وصول بشائر المسيحية إلى إليريا مع الرسول بولس، الذي كان يفاخر بالقول « إني نشرت إنجيل المسيح من القدس إلى إليريا »، لكي تصبح المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، إذ يقول: « وبعد انقسام الامبراطورية الرومانية إلى شرقية وغربية في 395 ميلادي خلال عهد تيودوسيوس، ومع سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية، دخلت المناطق الإليرية / الألبانية ضمن الامبراطورية الشرقية / البيزنطية لتشكل بذلك خط الانقسام الديني والثقافي والسياسي بين الشرق والغرب ». لكن الوضع في البلقان الذي اتخذ ملامح رومانية، انقلب رأسا على عقب مع مجيء السلاف، الذين أسسوا ودولاً سلافية جديدة، ولاسيما في بلغاريا التي تحولت إلى امبراطورية أصبحت تصارع الإمبراطورية البيزنطية على النفوذ والوجود. الملك كارل غير أن التطورات التي ساعدت الألبان على الظهور مجدداً على مسرح التاريخ هو ظهور الملك كارل ملك النورمانديين الذي كان يصارع الإمبراطورية البزنطية، والذي بسط سيطرته على ألبانيا الحالية، وأعلن في أذار/ مارس 1271م عن تشكل « مملكة ألبانيا » التي نصب نفسه ملكا عليها.ويعود الصراع بين الصرب والألبان إلى قرون غابرة. فالقوميون الصرب يعتبرون إقليم كوسوفو مهد حضارتهم وتاريخهم. وفي غرب مدينة « بيك » تنتصب بطرياركية (بيك) الأورثوذكسية شامخة، منذ القرن الثالث عشر. وكانت (بيك) عاصمة المملكة الصربية التي بلغت ذروة مجدها في عهد (ستيفان دوشان) 1331 ـ 1355، ورمزاً للقومية الصربية. ولكن مع سقوط المملكة الصربية على أيدي الأتراك العثمانيين في معركة كوسوفو الأولى التي جرت العام 1389، جعلت مدينة (بيك) خاضعة للحكم العثماني، واندمج بذلك السكان الصرب مع الألبان الوطنيين وانتقل قسم آخر منهم إلى الشمال حتى المجر وسلوفاكيا. وبالمقارنة مع معركة كوسوفو الأولى التي استمرت يوما واحدا، كانت معركة كوسوفو الثانية العام 1484في غاية من الأهمية، لأنها ثبتت الوجود العثماني في البلقان والحكم الصربي في صربيا وكوسوفو. ويعتبر اعتناق الألبان الإسلام من التطورات المهمة التي تركت نتائج بعيدة المدى سواء فيما يتعلق بالألبان أنفسهم، أو فيما يتعلق بعلاقاتهم مع الشعوب المجاورة أو مع الدولة العثمانية الحاكمة. ونظرا للطبيعة القتالية الشديدة التي تميز بها الألبان، فقد شاركوا كقواد وأفراد في الفتوحات العثمانية الجديدة التي جرت سواء في البلقان أو في المشرق وشمال إفريقيا.وقد كان من بين هؤلاء الولاة محمد علي باشا في مصر (1815 ـ 1849) الذي تمكن من تأسيس سلالة حاكمة في مصر استمرت حتى سقوط الملكية عام 1952. الإيديولوجية القومية ويقول الباحث محمد الأرناؤوط أنه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر « تحولت بلغراد إلى مركز للحكم الصربي، والحال هذه تحولت بسرعة إلى مركز للثقافة الصربية الجديدة والإيديولوجية القومية التي تطمح ـ إلى بعث الدولة الصربية بحدودها التي كانت لها في القرون الوسطى أو « صربيا الكبرى ». وكان وزير الداخلية آنذاك في حكومة الأمير ميلوش إيليا غراشانين صاحب مشروع تحقيق « صربيا الكبرى ». وكان غراشانين ينطلق من أن الدولة العثمانية آيلة للسقوط، ولذلك يجب ألا تسمح صربيا لروسيا أو النمسا باقتسام أراضي هذه الدولة. وعلى العكس من ذلك يجب على صربيا أن تتوسع في المناطق المحيطة بها، حيث يمكن أن تحظى بدعم أوروبا الغربية (فرنسا وإنكلترا) التي لا يناسبها توسع روسيا والنمسا في البلقان. وهكذا يرى غراشانين أن على صربيا أن تتوسع لتضم البوسنة والجبل الأسود وكوسوفو وشمال ألبانيا، وهي بذلك لا تقوم سوى بـ »إحياء وطن الأجداد ». وكانت روسيا قد شنت حرب تصفية الوجود العثماني في البلقان عام 1877، التي انتهت بتوقيع معاهدة ستيفانو في أذار/مارس 1878، إذ أصبحت روسيا بموجبها تسيطر على معظم البلقان، الأمر الذي أثار مخاوف القوى العظمى الأوروبية الأخرى (النمسا وبريطانيا) مما أدى إلى عقد مؤتمر برلين في صيف 1878، الذي قلص النفوذ الروسي ولكنه سمح لصربيا بالتوسع جنوبا على حساب ولاية كوسوفو. خلال مؤتمر برلين، عام 1878، أكّد المستشار بيسمارك جازماً بأن ألبانيا ليست سوى « تعبير جغرافيّ ». لكن في العام نفسه، جمعت رابطة « بريزرين » وجهاء قادمين من جميع المناطق الألبانية داخل السلطنة العثمانية، ليظهروا التعبير الأول عن مطالبة قوميّة حديثة. في الحِقبة اللاحقة، تبنّت الأمبراطورية النمساوية ـ المجرية الدفاع عن هذه المطالب الألبانية في العام 1912، أعلن اسماعيل كمال في « فلورا » الجمهورية الألبانية الأولى والتي لم تكتب لها الحياة طويلاً. وبعد عام، قرّر مؤتمر لندن إنشاء مملكة ألبانيا، لكن فوق أراضٍ لا تشمل سوى نصف المناطق التي يعيش فيها الألبان. وتمّ اقتسام إقليم كوسوفو، الألباني بغالبيته، بين صربيا والجبل الأسود. كان ذلك في نظر الألبان أكبر ظلمٍ لحق بشعبهم، ويطمح القوميون المعاصرون لـ »تصحيح » « لا عدالة التاريخ » هذه. لم يكن استمرار دولةٍ ألبانيةٍ بالأمر البديهي. إذ كادت ألبانيا تختفي في خضمّ الحرب العالمية الأولى، ولم يتمّ تثبيت حدود الدولة الألبانية إلاّ عام 1926، وبعد عمليات تحكيم مشكوكٍ في منطقها: فمدينة دجاكوفيكا/كجاكوفه قد تركت لمملكة الصرب والكرواتيين والسلوفينيين، في الوقت الذي كان الوجود الصربي فيها محدوداً جداً. كذلك، تمّ تقسيم الأراضي التاريخية لمدينة ديبار/ديبرا بين المملكة السلافية وألبانيا، واليوم هذه المدينة هي مركز مقاطعة يتبع جمهورية مقدونيا، بينما محيطها الطبيعي يوجد في ألبانيا حول بلدة بيشكوبي. إشكاليّتان تتقاطعان هنا. إذ تمّ تعريف حدود ألبانيا بناءً على ميزان القوى بين الدول المجاورة (الجبل الأسود، صربيا، اليونان) وحُماتهم الكبار، دون نسيان إيطاليا التي طالما كان لها مطالب في الساحل الألباني. في الوقت نفسه، هناك مشكلة في استخدام مفاهيم مثل « المناطق الألبانية » أو « حيّز السكان الألبان »: ففي هذه الأراضي كان الألبان وما يزالون يعيشون على تماسٍ مع قوميّات أخرى. فهل تنتمي هذه المدينة أو تلك الى العالم الألباني إذا كان الألبان يمثّلون 50 أو 60 أو 80 في المئة من السكّان؟ أيّ نسبة مئوية يجب لحظها وأيّ مقياسٍ يجب اعتماده؟ يقول الكاتب الفرنسي جان أرنو ديرينز، مدير صحيفة « بريد البلقان » في مقالة له منشورة بصحيفة لوموند ديبلوماتيك عدد كانون الثاني 2008: « لقد طبعت الحروب البلقانية في العامين 1912 ـ 1913، ومن بعدها الحرب العالمية الأولى، اللحظة المهمّة الأخرى للعبة البوكر الإقليمية الضخمة هذه. ففي العام 1918، حصلت كلّ من صربيا ورومانيا على مكافآتٍ ضخمة مقابل التزامهما معسكر الحلفاء: تمكّنت أسرة كارادجورجيفيك الملكيّة الصربية من تأسيس مملكتها الجديدة، « مملكة الصرب والكرواتيين والسلوفينيين » الجديدة، سلف يوغوسلافيا، في حين شكّلت بوخارست « رومانيا الكبرى ». وبالرغم من المبادئ الويلسونية التي أُعلن عنها عند انتهاء الحرب العالمية الأولى، من المؤكّد أن تلك الدول لم تكن تأخذ أبداً بعين الإعتبار حقّ الشعوب في حكم ذاتها، ودمجت عدداً كبيراً من المجموعات التي تشكّل أقليّات وطنية. وقد اعتبر الكومينترن أن يوغوسلافيا الملكية، في العشرينات، شكّلت « سجناً جديداً للشعوب ». ومن الصحيح أن الدولة المركزية التي تأسّست في ظلّ حكم أسرة كارادجورجيفيك لم تكن على صلةٍ مهمّةٍ بالأحلام الرومنطيقية حول وحدة مختلف شعوب الجنوب السلافية، أو « اليوغوسلافية ». وقد شكّلت الحدود الداخلية ليوغوسلافيا الاشتراكية والفيدرالية التي تمّ ترسيمها في العام 1945 « أقلّ تسوية سيّئة ممكنة »، بحسب تعبير المسؤول الأساسي عن تحديدها، المنشقّ المستقبلي ميلان دجيلاس. وقد كان النظام اليوغوسلافي يرتكز على فصلٍ أساسيّ بين المواطنية وبين القوميّة، متوارَثٍ عن الفكر النمساوي الماركسي العائد لبداية القرن العشرين، إذ كان الفرد مواطناً في الجمهوريّة التي يقيم فيها (وفي الفيدرالية الاشتراكية)، مع انتمائه إلى المجتمع القوميّ.قنبلة موقوتة ومنذ أن تشكلت جمهورية يوغوسلافيا عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، شكل إقليم كوسوفو قنبلة موقوتة لهذه الجمهورية المتكونة من أحد عشر تجمعا قوميا منهم: الصرب، والكرواتيون، والألبان، والمجريون، الخ إذ شهد طيلة عقد الثمانينيات من القرن الماضي صراعا بين الأقلية الصربية والأكثرية الألبانية. يقول الباحث محمد الأرناؤوط: « ومع صعود نجم سلوبودان ميلوسيفيتش في الزعامة الصربية، ومع الزيارة التاريخية إلى كوسوفو في عام 1986، كانت الاستعدادات قد بدأت آنذاك في كوسوفو وصربيا للاحتفال بالذكرى ال600 لمعركة كوسوفو 1389م. وهكذا بدا وفق السباق المحموم لتجييش المشاعر القومية الصربية أن ميلوسيفيتش جاء في الوقت المناسب لاسترداد كرامة الصرب ولتحويل هزيمة 1389 إلى استعادة كوسوفو ووحدة صربيا من جديد ». ومع تصاعد عمليات المقاومة بقيادة « جيش تحرير كوسوفو » زجت بلغراد بمزيد من القوات الصربية والأسلحة الثقيلة في إقليم كوسوفو في ربيع 1998. وخلال الفترة 1992 ـ 1995، مارس الصرب سياسة « التطهير العرقي » المشؤومة التي أدت إلى إفناء حوالي ربع مليون مسلم، وتطهير مناطق بكاملها من المسلمين وكل ما يذكّر بهم، وهي التي شكلت لاحقا « جمهورية الصرب » على 49% من مساحة البوسنة حسب اتفاق دايتون للسلام في عام 1995. وجاءت حرب البلقان التي خاضها حلف شمال الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية لتهزم نظام ميلوسيفيتش في بلغراد، وترسي واقعا جديدا في العلاقة داخل إقليم كوسوفو الذي أصبح خاضعا لسيطرة الإرادة الدولية المؤقتة، بين الأكثرية الألبانية والأقلية الصربية. وفي 17 شباط/فبراير 2008، أعلن رئيس حكومة كوسوفو هاشم تاتشي استقلال هذا الإقليم، الذي أصبح نقطة تجاذب أساسية على الساحة الدولية خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ باتت قضية كوسوفومن أكثر القضايا حدة في مجال العلاقات الدولية، جراء تباعد المواقف بين الولايات المتحدة الأميركية وبلدان الاتحاد الأوروبي الذين يؤيدون قضية الاستقلال ويعترفون بهذا الكيان الجديد في قلب أوروبا، وبين صربيا وروسيا اللتين تعارضان بشدة هذا الاستقلال. يأتي كتاب المؤرخ والباحث المتخصص في شؤون بلدان البلقان محمد الأرناؤوط، ليقدم لنا خلفية تاريخية لفهم الصراع الجاري في منطقة البلقان عامة، وكوسوفو على وجه التحديد، الذي هو بكل تأكيد ليس صراعا على الأرض فقط، بل هو أيضا صراع على التاريخ.  وهذا ما يجعل الكتاب ذي قيمة إضافية للمكتبة العربية التي تفتقد لمثل هذه الدراسات المعمقة حول هذه النقطة المتفجرة من العالم، والتي تربطها بالعالم العربي والإسلامي روابط تاريخية وحضارية ودينية قديمة. الكتاب: مابين الماضي والحاضر الكاتب: محمد الأرناؤوط الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون،بيروت، الطبعة الأولى 2008 (المصدر : جريدة المستقبل( يومية – لبنان ) بتاريخ  5 أ وت 2008 – العدد 3038 – ثقافة و فنون – صفحة 20)

 

حول انتصار النموذج الإسلامي العلماني التركي

    

ياسر الزعاترة (*) لا شك في أننا فرحنا، خلافا لما يعتقده البعض، بنجاة حزب العدالة والتنمية من قرار الحل الذي كان مرجحا بحسب المحللين والمراقبين الأتراك وغير الأتراك في الداخل والخارج. وهذا الأمر الذي لا صلة له بالحماسة لما يسمونه النموذج الإسلامي التركي الذي يجسده حزب العدالة والتنمية، بقدر صلته بالحرص على تركيا كدولة مسلمة لها دورها في هذا المحيط الإقليمي المضطرب، وبالضرورة الحرص على الحد الأدنى من الهوية الإسلامية لتركيا في وقت يريد فيه جحافل العلمانيين المتطرفين نزع ما تبقى من معالم تلك الهوية. الذين يتحمسون لتجربة العدالة والتنمية ليسوا سواء من حيث الدوافع والخلفيات، فهم يتوزعون على طيف واسع من البرامج والأفكار، يتصدرهم إسلاميون يعتقدون أن قادة الحزب يمارسون ‘التقية’، وأنهم مقيمون على برنامجهم الإسلامي، لكنهم يناورون من أجل التخلص التدريجي من سطوة العسكر والنخبة السياسية العلمانية المتطرفة. ويشمل هذا الفريق؛ إلى جانب عدد من الإسلاميين، الكثير من جماهير الشارع العربي والإسلامي التي تتعاطف مع مفردات الظاهرة الإسلامية بكل تلاوينها، لا سيما تلك التي تتعرض لهجمات من أطراف خارجية وداخلية مناهضة للإسلام. الطرف الآخر المتحمس للتجربة يمثله فريق كان يتبنى الرؤية الإسلامية للدولة والمجتمع، وهو سليل التجارب الإسلامية الحركية في العالم العربي، لكنه ما لبث أن ارتد عنها، أو راجعها، بحسب تعبير البعض، معللا ذلك بعدم وجود شيء اسمه دولة إسلامية، وباكتشافه لعبثية فكرة تطبيق الشريعة التي قامت على أساسها الحركات الإسلامية أو ما يعرف بقوى الإسلام السياسي. وهذا فريق يستحق التوقف لأنه عمليا وواقعيا يطالب الحركات الإسلامية بتغيير طبيعتها وهويتها من جماعات تنادي باستعادة المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع إلى مجموعات من السياسيين الشطار الذين لا يحللون ولا يحرمون، لا في السياسة (الاعتراف بالكيان الصهيوني والارتماء في حضن أميركا، والتحالف مع الأنظمة الفاسدة)، ولا في القضايا الأخرى ذات الصلة بالمنظومة الاجتماعية والاقتصادية. ويبقى أن عناصر هذا الفريق ليسوا سواءً في دوافعهم، إذ منهم مجتهدون لم يغادروا مربعات التدين الحقيقي، ومنهم دون ذلك ممن استقطبتهم الأنظمة فداروا في فلكها. الفريق الثالث المؤيد للتجربة هو فريق علماني حقيقي بصرف النظر عن خلفيته الأيديولوجية السابقة، وأحيانا يساري ما زال على فكره، كما أن من عناصره من ليسوا مسلمين، وأكثر هؤلاء لا يحبون الإسلام ولا الإسلاميين، ويريدون جر الحركات الإسلامية إلى لغة جديدة ليس فيها أية نكهة دينية إسلامية، لا في الاجتماع ولا في الاقتصاد ولا السياسة، وهم يفعلون ذلك تبعا للاعتقاد بأن هذا المسار هو الذي سينهي الحركات الإسلامية من الوجود، ومعها منظومة التدين التي تسيّدت الساحة العربية والإسلامية، بخاصة في العشرين سنة الأخيرة. والخلاصة أن هذا الفريق يمارس عمليا الاستدراج للحركات الإسلامية أكثر مما يمارس النصيحة التي تؤدي بتلك الحركات إلى تحقيق النجاح في الوصول إلى السلطة، لا سيما أنه يدرك تمام الإدراك أن مشكلة الإسلاميين مع الأنظمة العربية القائمة لا صلة لها بالأيديولوجيا، بقدر صلتها بالمعارضة ومنافسة النخب الحاكمة التي استأثرت بالسلطة والثروة. وهي منافسة لن تكون مقبولة من أي أحد حتى لو تنازل عن كل ثوابته الأيديولوجية، بل حتى لو كان من أبناء المؤسسة الحاكمة وأقرب المقربين إليها. والحال أن وضع تركيا لا يتوفر بذات التفاصيل في الحالة العربية والإسلامية، حيث لا وجود لعلمنة قسرية أو إقصاء للدين على الصعيد الشخصي، وربما المجتمعي إلى حد ما، وإن توفر على صعيد بناء الدولة، وثمة رؤساء وزارات وحكام متدينون أكثر من أردوغان، كما كان حال عبد العزيز بلخادم في الجزائر على سبيل المثال، إلى جانب بعض أركان الحكم في دول أخرى. كما أن المثال التركي لا يتوفر كذلك على صعيد البناء الديمقراطي، إذ إن ما يتوفر من معالم ديمقراطية في العالم العربي لا يتعدى ديمقراطية ديكورية لا تسمح لحزب من خارج اللعبة بالفوز حتى لو تزعمه قديس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. في تركيا، ثمة حزب علماني اسمه العدالة والتنمية، وآخر إسلامي اسمه السعادة يتبع شيخ الحركة الإسلامية التركية نجم الدين أربكان، وإذا كان العدالة هو صاحب الصدارة هذه الأيام، وبالطبع لأن قطاعا من الأتراك يتبنون اعتقاد الفئة الأولى التي أشرنا إليها، أعني تلك التي تؤمن بأن قادته إسلاميون يمارسون التقية، فإن ذلك قد يتغير في المستقبل، وقد يأتي يوم يتصدر فيه السعادة المشهد، أو ربما حزب آخر يستعيد فكرة المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع على ذات النسق المعروف. وتكفي الإشارة هنا إلى الاستطلاع الأخير لمعهد غالوب حول موقف الناس من تطبيق الشريعة، وأجري في مصر وإيران وتركيا، فكانت النتيجة أن أكثرية الأتراك لهم موقف إيجابي من تطبيق الشريعة (كانت النسبة تتفاوت بحسب السؤال). إن ما ينبغي قوله هنا هو إنه إذا لم يكن ثمة نموذج إسلامي للدولة والمجتمع تتبناه الحركات الإسلامية، فلا داعي لإطلاق هذه الصفة عليها، ولتسمي نفسها بأي اسم آخر، ولتطرح برامج مختلفة يحاكمها الناس على أساسها، وليعلن هؤلاء وهؤلاء من ‘الإسلاميين السابقين’ أنهم يقودون أحزابا هدفها السلطة وليس شيئا آخر. أما أن يجري استقطاب الناس على أساس برنامج معين ثم يجري التنكر له بعد ذلك، فتلك لعبة لا تليق بالشرفاء. وهنا تحديدا كان قادة العدالة والتنمية منسجمين مع أنفسهم حين أعلنوا أنهم حزب علماني، ورفضوا ولا يزالون يرفضون بعنف مقولات البعض بأنهم حزب إسلامي، حتى لو أضيفت إليه عبارات مثل معتدل أو متنور أو ما شابه، كما ذهب أردوغان في أحد تصريحاته. نحن بدورنا نحترم هؤلاء ولذلك نصدقهم، فضلا عن أن ما يفعلون يؤكد تصريحاتهم، حيث لا صلة لبرامجهم بالرؤية الإسلامية، لا في الاجتماع ولا الاقتصاد ولا السياسة، بما في ذلك موضوع الحجاب الذي جاء على أساس من احترام الحريات وليس تطبيق الشريعة، كما جاء استجابة للجماهير. والخلاصة أننا نتعامل معهم على هذا النحو، بينما نصر على أن استعادة المرجعية الإسلامية للدولة والمجتمع ليست برنامجا عبثيا أو سخيفا، بل هي حقيقة سيطاردها أناس آخرون، وإذا كان الكثير من الأحزاب الغربية ما زال يضع كلمة المسيحي في اسمه، ويتبنى المرجعية المسيحية للدولة، فأين العجب في حدوث ذلك في الساحة الإسلامية؟! الفرق بيننا وبين الكثير من أولئك أننا ما زلنا، تماما مثل الكثير من الإسلاميين والعلماء، نصر على وجود نموذج إسلامي للدولة والمجتمع، وإذا كان ذلك النموذج لم يتبلور بعد بصورته الأفضل، أقله في سياق الدولة، فإن ذلك لا ينفي وجوده، فهذا النص الإسلامي المقدس والخالد (القرآن الكريم) والكثير من التطبيقات في السنة المطهرة، ليس كلاما يتلى في المآتم، وإنما تعاليم كانت وستبقى صالحة للتطبيق، يمكن تنزيلها على حياة البشر بحسب ظروف الزمان والمكان. وإذا كان الغرب قد استهلك قرونا من المساومات والحروب الأهلية حتى استقر (نسبيا) على نموذح معين، فلا عجب أن يستغرق المسلمون بعض الوقت لكي يستقروا على نموذج يستلهم رؤيتهم الخاصة. هذا الكلام قد يعجب البعض، وقد لا يعجب البعض الآخر، لكنه الرأي الذي نعتقده ونتبناه، ولم نكتشف عبثيته كما اكتشف آخرون، بصرف النظر عما إذا كان اكتشافهم تعبيرا عن قناعة عقلية بالفعل، أم تبعا لتحولات من آخر، أو ربما بسبب وطأة الهزيمة التي يعاني منها العالم الإسلامي، وكذلك فشل الحركات الإسلامية، مع أننا نعتقد أن هذه الظاهرة الإسلامية بكل مسمياتها هي التي تتصدى لهذه الحالة البائسة وتسعى للخروج منها. لقد كسبت الحركات الإسلامية كل هذه الشعبية بسبب تبنيها للمنهج الذي يلتقي مع توجهات الغالبية من أبناء الأمة، ليس من زاوية الدين والتدين فقط، ولكن من زاوية رفضها للفساد والاستبداد، وسعيها لاستعادة أمجاد الأمة ومقاومة الهجمة الصهيونية والغربية عليها، وإذا كان ذلك كله سينتهي لحساب البحث عن السلطة في دولة قطرية بائسة، مع تصالح مع الصهاينة وتبعية للغرب، فلماذا ستتبعهم الجماهير إذن؟! (*) كاتب فلسطيني (المصدر: ركن ‘المعرفة’ بموقع ‘الجزيرة.نت’ (الدوحة – قطر) بتاريخ 7 أوت 2008)  


ملابسات قرار المحكمة الدستورية في تركيا
إسماعيل ياشا (*) نظرا لعدد الأحزاب التي تم حظرها في عهد الجمهورية التركية، توصف تركيا الحديثة بـ’مقبرة الأحزاب السياسية’، حيث أغلقت المحكمة الدستورية منذ تأسيسها عام 1963 أربعة وعشرين حزبا سياسيا، بالإضافة إلى حزبين آخرين تم إغلاقهما من قبل محاكم أخرى قبل تأسيس المحكمة الدستورية. وقد أعادت الدعوى المرفوعة ضد الحزب الحاكم في تركيا إلى الأذهان حظر حزب الرفاه من قبل المحكمة الدستورية بتهمة مماثلة كالتي وُجِّهت إلى حزب العدالة والتنمية، وهي ‘التحول إلى بؤرة للأنشطة المناهضة للعلمانية’، وسط تكهنات تقول بأن حزب العدالة والتنمية سيشاركه في المصير نفسه. وفي هذه الأثناء، جاء قرار المحكمة الدستورية التركية في 30/7/2008 برفض إغلاق حزب العدالة والتنمية وحظر العمل السياسي على أي من قادته، واكتفائها بفرض عقوبة مالية بمثابة إنذار أولي له، ليريح تركيا على كافة الصعد سياسيا واقتصاديا وحتى اجتماعيا، بعدما كان كبير ممثلي الادعاء العام عبد الرحمن يالتشينكايا قد رفع إلى المحكمة الدستورية دعوى قضائية بطلب إغلاق الحزب الحاكم في تركيا ومنع 71 من أعضائه من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات. ورغم وجود تشابه بين دعوى حزب الرفاه ودعوى حزب العدالة والتنمية، فإنه كان هناك تباين كبير بين الملفين، واختلاف في الأوضاع الداخلية والدولية التي أحاطت بالقضيتين، ما أدى إلى صدور قرار عن المحكمة الدستورية بحق حزب العدالة والتنمية يختلف عن القرار الذي اتخذته سابقا بحق حزب الرفاه. أدلة واهية إذا عدنا إلى الجانب القانوني، سنلاحظ أن الأدلة، التي قدمها المدعي العام يالتشينكايا إلى المحكمة الدستورية ضد حزب العدالة والتنمية، كانت واهية ولا يمكن أن تؤدي إلى إغلاق حزب حصل على ما يقارب نصف أصوات الناخبين، ولذا كان المفروض أن ترفض المحكمة الدستورية النظر في الدعوى وتعيد الملف إلى الادعاء لعدم وجود أدلة كافية. فهذه الأدلة التي قدمها يالتشينكايا مبنية على أخبار نشرت في الصحف التركية، كالتي تحدثت عن محاولة الحكومة جمع الخمارات في أماكن معينة في المدن، ومنع بلدية إسطنبول إعلانات البكيني في الميادين العامة، وتخصيص حافلة لطالبات ثانوية الأئمة والخطباء في إسطنبول، بالإضافة إلى تصريحات أردوغان حول حظر الحجاب وإعلانه أن الحكومة ستسعى لرفعه ولو اعتبر الحجاب رمزا سياسيا، والخطوة التي تقدم بها الحزب الحاكم مع حزب الحركة القومية لرفع حظر الحجاب في الجامعات، وغيرها من الأدلة التي هي إما مبالغ فيها أو محرفة وإما تفسيرات خاطئة أو قراءة للنوايا. ومقارنة بما حصل لحزب الرفاه، نلاحظ أن أدلة الادعاء في الدعوى المرفوعة ضد الرفاه كانت تستند أيضا في أغلبيتها إلى أخبار نشرت في الصحف إلا أن تصريحات صريحة صدرت من قادته كقول زعيمه نجم الدين أربكان بأن حركته ستصل إلى الحكم سواء بسفك الدماء أو بغير سفكها، وبأن أساتذة الجامعات سيقفون أمام الطالبات المتحجبات احتراما لهن، وبأنه يمكن تطبيق القوانين حسب الاختلافات الفقهية. هذه التصريحات أعطت للادعاء مأخذا قويا على الحزب وعززت الاتهامات بأنه سيسعى لتغيير النظام العلماني وتطبيق الشريعة الإسلامية. وفي المقابل، كانت الأدلة التي قدمها يالتشينكايا ضد حزب العدالة والتنمية خالية من مثل هذه التصريحات الصريحة. فحزب العدالة والتنمية أذكى من أن يعطي خصومه ذريعة تطيح به، وهو يستغل ذلك للتقدم بشكل بطيء لكن بثبات في التمدد في تركيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. فحزب العدالة والتنمية، وبخلاف حزب الرفاه، رفض منذ تأسيسه أن يوصف بـ’حزب إسلامي’ وأعلن التزامه بالعلمانية واتجه نحو الغرب ووضع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على رأس أولوياته، ليرفع الضغط عن نفسه و يحوّله إلى خصومه. وأما قضية الحجاب فكان يرى حلها في إطار حقوق الإنسان، ليستغل حق الفرد الشخصي لتمرير ذلك. مع ذلك، واستنادا إلى طبيعة تركيبة المحكمة الدستورية وقضاتها المعينين بأغلبهم من قبل رئيس الجمهورية السابق أحمد نجدت سيزر المعادي لتوجهات حزب العدالة والتنمية، كان من المتوقع أن تحظر المحكمة الدستورية الحزب الحاكم، إلا أن تطورات حدثت في تركيا قبيل بدء المداولات أثرت تداعياتها على القرار. كشف الانقلابيين وأولى هذه التطورات وأهمها القبض على رجال شبكة أرغنيكون، التي كانت تخطط للانقلاب على الحكومة التركية، وإجراء حملة اعتقالات واسعة طالت جنرالين متقاعدين. ولا شك أن الكشف عن خطط الشبكة، التي كانت لها اليد الطولى في تأزيم الوضع السياسي وتصعيد التوتر عبر وسائل الإعلام الموالية لها، وتحريض الجيش والقضاء ضد حزب العدالة والتنمية، رسخ قناعة لدى الرأي العام التركي بأن شبكة أرغنيكون أجبرت المدعي العام على رفع الدعوى بطلب إغلاق الحزب الحاكم، كما أنها هي التي جمعت أدلة لائحة الاتهامات. وبالتالي لو أغلقت المحكمة الدستورية حزب العدالة والتنمية لفسِّرَ هذا القرار لدى الرأي العام برضوخ المحكمة لضغوط شبكة أرغنيكون. وقد هدد الكاتب الصحفي إلهان سلتشوق، الذي ألقي القبض عليه بتهمة الانتماء إلى شبكة أرغنيكون وتولى قيادتها والتنظير لها، في مقال نشره بجريدة ‘جمهوريت’ المدعي العام عبد الرحمن يالتشينكايا بعواقب وخيمة يواجهها في حال تجاوز الخطوط الحمراء ولم يرفع إلى المحكمة الدستورية دعوى بطلب إغلاق حزب العدالة والتنمية. وتفيد بعض المصادر بأن مفاوضات ومساومات حدثت بين الحكومة والجيش التركي للتوصل إلى اتفاق يرضي الجميع، وبموجبه لا يضغط الجيش على المحكمة الدستورية لإغلاق الحزب الحاكم ولا تُوسِّع الحكومة تحقيقات شبكة أرغنيكون. لكن آخرين يستبعدون وجود مثل هذه الصفقة، وهذا ما أرجحه، ويرون أن انكشاف أمر شبكة أرغنيكون، والقبض على كثير من رجالها، كان ضربة قاسية لها، أفقدتها كثيرا من قدرتها على التأثير وأحبطت مؤامرتها، وبالتالي رفعت الضغوط عن قضاة المحكمة الدستورية. مواقف خارجية وداخلية ضاغطة ولا يمكن في تحليل قرار المحكمة الدستورية تجاهل الموقف الغربي عموما، والأميركي على وجه الخصوص، من القضية ووقوفها وراء الحكومة، ودعم الاتحاد الأوروبي القوي للحكومة التركية ورفضه القاطع لإغلاق حزب العدالة والتنمية، ما شكل ضغوطا خارجية هائلة على المحكمة الدستورية، كما أشار إليها رئيسها في المؤتمر الصحفي الذي عقده لإعلان القرار ونفى أن يكون القضاة أخذوا في قرارهم تلك الضغوط بعين الاعتبار. لقد عثرت قوات الأمن التركية في بيوت بعض المعتقلين في قضية شبكة أرغنيكون على وثائق تحتوي خطة شاملة للعمل تهدف إلى إسقاط حكومة أردوغان وإغلاق حزب العدالة والتنمية وتشكيل حكومة حسب رؤية الشبكة وإعادة ترتيب مؤسسات الدولة، والأهم من ذلك كله، إخراج تركيا من المحور الأميركي وضمها إلى المحور الروسي باسم ‘أوروآسيا’. وعلى الصعيد الداخلي، وقفت القوى الديمقراطية والليبرالية بالإضافة إلى الإسلامية بجانب الحزب الحاكم في دعوى الإغلاق، وطالبت بعدم إغلاق حزب العدالة والتنمية، كما ناشدت بتصفية العصابات التي تتحرك باسم الدولة. وبذل كتاب ليبراليون جهودا جبارة لفضح المؤامرة رغم اختلافهم مع الحكومة في قضايا أخرى، وكشفوا أن ما يجري في تركيا ليس بصراع بين الإسلاميين والعلمانيين، وإنما محاولة انقلاب على الحكومة التي انتخبها الشعب بكامل إرادته. وهكذا انقسمت الصفوف بين مؤيدين للديمقراطية ومؤيدين للانقلاب العسكري. لو لم يقف الليبراليون بجانب الحزب الحاكم، أو بقوا على الأقل محايدين في هذه المعركة، لواصل الانقلابيون تضليل الرأي العام عبر وسائل إعلام موالية لهم وصوروا للناس أنها معركة بين الإسلاميين الذين يسعون لهدم الجمهورية وأسلمة المجتمع وتغيير نمط الحياة في تركيا وبين من يدافع عن الجمهورية والحرية. وبالتوازي مع الدعم الذي قدمته وسائل إعلام إسلامية وديمقراطية وليبرالية اجتمعت في هدف واحد هو معارضة التدخل العسكري ورفض الانقلاب على حكومة جاءت عن طريق صناديق الاقتراع، تحركت مؤسسات المجتمع المدني للدفاع عن الديمقراطية. ولأول مرة في تاريخ تركيا، خرج الآلاف بعدد من المدن التركية في مسيرات احتجاجية شارك فيها ممثلون من مختلف التيارات عبروا جميعا عن رفضهم القاطع لأي محاولة انقلاب على الحكومة، ولو عن طريق القضاء، وكانت إشارة واضحة إلى أن الشعب التركي وصل من النضج السياسي والديمقراطي إلى مستوى لا يمكن التحايل عليه. الخوف من الانهيار ومن العوامل التي دفعت المحكمة الدستورية إلى عدم إغلاق الحزب الحاكم، الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي حققته حكومة أردوغان في تركيا. عندما أغلقت المحكمة الدستورية حزب الرفاه كانت النسبة التي يمثلها، أي نسبة الأصوات التي حصل عليها في آخر انتخابات، لا تتجاوز 21.38% وكانت الحكومة التي ترأسها حكومة ائتلافية. أما حزب العدالة والتنمية فقد حصل في انتخابات 2007 على 46.6% من الأصوات، أي ما يقارب نصف أصوات الناخبين. لا شك أن إغلاق حزب العدالة والتنمية كان سيؤدي إلى فراغ سياسي كبير في تركيا، ولا يوجد حزب آخر يمكنه أن يسد هذا الفراغ. حزب العدالة والتنمية له حضور قوي في مناطق الأكراد، وهو المنافس الوحيد لحزب المجتمع الديمقراطي المتهم بأنه ذراع سياسي لحزب العمال الكردستاني والمهدد أيضا بالإغلاق. ولو أغلقت المحكمة الدستورية حزب العدالة والتنمية ولم تغلق حزب المجتمع الديمقراطي لتركته في شرق البلاد دون منافس. ولو أغلقت الحزبين معا لكانت قد أخرجت منطقة الأكراد برمتها من المعادلة السياسية. وبالإضافة إلى الفراغ السياسي، كان تفجر أزمة اقتصادية احتمالا كبيرا، ولو قررت المحكمة الدستورية إغلاق حزب العدالة والتنمية، خاصة في غياب الاستقرار وانقطاع المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي كما حذر منها الخبراء, لكانت هي المسؤولة في النهاية عن الانهيار الاقتصادي والأزمة السياسية، وربما الاضطرابات التي من الممكن أن تؤدي إلى انقسام حاد في المجتمع. معنى القرار في المحصلة، مهما كانت العوامل والمؤثرات التي أسفرت عن هذه النتيجة، فإن قرار المحكمة الدستورية في دعوى إغلاق حزب العدالة والتنمية يعتبر انتصارا للحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية وللقوى الديمقراطية وهزيمة مدوية للانقلابيين. لأن الدعوى كانت طلقتهم الأخيرة، وهدفها القتل المحقق، أي إغلاق الحزب وحظر زعيمه من ممارسة العمل السياسي، ولكن رصاصتهم أخطأت الهدف هذه المرة. وأما الإصابة التي لحقت بحزب العدالة والتنمية فطفيفة، تسهل معالجتها، لأن حزبا بحجم حزب العدالة والتنمية ليس بحاجة ماسة إلى المساعدات التي يتلقاها من خزينة الدولة. إن رفض المحكمة الدستورية إعدام حزب العدالة والتنمية سياسيا واكتفائها بمعاقبته ماليا، رسالة للحزب الحاكم مفادها أن القوى العلمانية ستواصل مراقبته. لذا، فعلى الحكومة التركية أن تسرع في الإصلاحات الديمقراطية وإصلاح القضاء ووضع دستور جديد يحترم الحريات وحقوق الإنسان حتى يظهر ما استطاع هذا الحزب تحقيقه في مدة قصيرة جدا في وقت عجزت فيه جميع الأحزاب التركية عن تحقيق ما يوازيه في تاريخ تركيا الحديثة، وهو ما يعكس بطبيعة الحال الوجه الحقيقي والناصع لحزب العدالة والتنمية ولإنجازاته. (*) كاتب تركي (المصدر: ركن ‘المعرفة’ بموقع ‘الجزيرة.نت’ (الدوحة – قطر) بتاريخ 7 أوت 2008  

 

Home – Accueil الرئيسي

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.