الجمعة، 24 مارس 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2132 du 24.03.2006

 archives : www.tunisnews.net


لجنة الدفاع عن الأستاذ محمد عبو: بيــان

الحزب الديمقراطي التقدمي: بيــان هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحرّيّات: تنكر لتضحيات الشعب التونسي علي بن عرفة: قراءة في تصريح الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية محمد زريق: حيرة مرسل الكسيبي: ذكرياتي من الجامعة الى المنفى افتتاحية « الموقف »:: تعليمات وزارة الإتصال محمد القوماني: فرص مهدورة أحمد نجيب الشابي: ارتسامات لبنانية الدكتور الطيب البكوش لـ«الصباح»: العالم العربي بحاجة إلى إصلاح حقيقي حتى لا يلقى به على حافة طريق البشرية المتقدمة الصباح: مثقفون عرب يقفون إلى جانب المحافظين الجدد ويلتقون مع اليمين الغربي المتطرّف  الصباح: نظام «رخصة مبدع»: خطـوة مشرقـة نحـو ثقافـة التقــدم الشرق الأوسط : عروض المسرح التونسي في بيروت عمرها نصف قرن قنطرة: الموسيقي التونسي أنور إبراهم: كل الناس سفراء في هذه الأيام بلاغ المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول ندوة حقوق الإنسان بالبلدان المغاربية وحول الملتقى التأسيسي للتنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان سويس إنفو: الاسلاميون في المغرب يركزون على القضايا الاساسية وليس الدين سويس إنفو: مسؤول: أمريكا غير مستعدة لحذف اسم ليبيا من قائمة الارهاب قنطرة: فراغ سياسي في الصومال: حلّت ساعة الإسلاميين! صلاح الدين الغزال: أَحْزَانُ قَافِلَتِي


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 
لجنة الدفاع عن الأستاذ محمد عبو   الحمد لله وحده، تونس في ك 23/03/2006    بـيـــــان  
  علمت اللجنة أن إدارة سجن الكاف منعت زوجة الأستاذ محمد عبو وابنائه من زيارته اليوم الخميس 13/03/2006 بتعلة أنه محل عقوبة تأديبية علما أن الأمر بدأ بالتضييق غير المبرر في ممارسة حق الزيارة منذ أسابيع وذلك باختصار أمدها في دقيقة أو دقيقتين.
وإذ تعتبر اللجنة هذا المنع غير المبرر يعد إنتهاكا لحقوق السجين وحقوق عائلته، تعبر عن خشيتها من ان يكون الأستاذ محمد عبو في وضع صحي خطير بعد مرور عدة أيام على إضرابه عن الطعام للإحتجاج على أعمال المضايقة التي تستهدفه والذي بدأه في 11 مارس الجاري.
كما تطالب جميع القوى الحية داخل الوطن وخارجه إلى تكثيف التحركات والنضالات من أجل إطلاق سراح الأستاذ محمد عبو وإنهاء معاناته.
وتحمل اللجنة وزارة العدل وحقوق الإنسان مسؤولية تدهور وضعه الصحي وما قد يصيبه من سوء .
 منسق اللجنة عبد الرزاق كيلاني.
 

الحزب الديمقراطي التقدمي

   10 نهج ايف نوهال تونس

 تونس في : 23 مارس 2006

بيــــــــان

               

امتنعت كل إدارات النزل بالعاصمة التي تحوى قاعات تتسع لاحتضان الندوات والمؤتمرات ، عن تمكين الحزب الديمقراطي التقدمي من قاعة لعقد مجلسه الوطني المقرر يومي 8 و 9 أفريل المقبل . متعللة بذرائع باتت مألوفة لدى هيئات المجتمع المدني والسياسي المستقلة ، كدليل على تدخل السلط العمومية لمنع أي اجتماع عام أو نشاط داخلي حتى في الفضاءات الخاصة بدون أدنى مبرر قانوني.

إنٌ هذا المنع المقنع يندرج ضمن خطة انتقامية تستهدف الحزب الديمقراطي التقدمي وبصفة خاصة منذ انطلاق حركة 18 اكتوبر من اجل الحقوق والحريات بغاية شلٌ نشاطه بالكامل.

وتتجاوز هذه الخطة منع الاجتماعات إلى محاصرة مقراته والسعي إلى غلقها في عديد الجهات.

والى مصادرة جريدة  » الموقف  » بأساليب ملتوية والتحرش والاعتداء على العديد من مناضليه وكوادره ، والدفع بصحافة العار الى محاولة النيل من أمينه العام بأسلوب مثير للشفقة يدل على فقدان الحكم لكل توازن وصدقية في مواجهة معارضيه بالحجة.

إنٌ هذا الأسلوب المتبع مع الحزب الديمقراطي التقدمي يندرج أيضا ضمن مخطط أشمل للسلطة بهدف تكميم أصوات كل هيئات وفصائل المجتمع المدني والسياسي وتلجيم حركتها ،متبعة في ذلك المناورة والنفاق السياسي ، والمحاصرة والاعتداء الأمني : مما يقيم الدليل على رفض الحكومة الإقرار بحرية التنظيم والاجتماع والتعبير ، من اجل منع بروز أية قوٌة منافسة لها.

إنٌ المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي الذي رفع عاليا راية الحقوق والحريات :

   يعتبر أن استمرار حجز حقوق وحريات التونسيين يمثل إساءة خطيرة في حق تونس وسيادة شعبها الذي مارس حرية التنظيم والاجتماع والتظاهر والتعبير في ذروة أيام القهر الاستعماري ، وأنه لأمر محزن أن يشار إلى بلدنا في مطلع الألفية الثالثة كاستثناء دولي وكجزيرة استبداد نائية .

    يؤكد أن منع اجتماعاته ومنع انعقاد هيئاته الوطنية واستهداف مقراته ومناضليه وجريدته وأمينه العام لن يثنه عن القيام بواجباته الوطنية وتحمل مسؤولياته  في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ بلادنا.

   يعبٌر عن إصراره على عقد مجلسه الوطني في فضاء عام وفي تاريخه المحدد مهما كانت العراقيل باتباع كل السبل والوسائل السلمية والمشروعة المؤدية إلى ذلك.

 

عـن المـكتب السياسـي

منجي اللـــوز

 

تنكر لتضحيات الشعب التونسي

 

بمناسبة خمسينية الاستقلال أصدرت هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات البيان التالي:

 

تمرّ يوم 20 مارس 2006 خمسون سنة على إعلان الاستقلال السياسي لتونس. و قد غذّى هذا الإعلان آمالا كبيرة في نفوس التونسيّات والتونسيّين الذين قدّموا تضحيات جسيمة من أجل إخراج المستعمر تحدوهم الرغبة في أن يكون الاستقلال فاتحة عهد جديد يحققون فيه الحرّيّة والكرامة و السّيادة و الرقيّ والتقدّم. و يحق لهم اليوم أن يتساءلوا عن مآل تلك الآمال و الطموحات بعد كلّ هذه الفترة التي لم يعرفوا خلالها غير حكم حزب واحد سيطر على مصائرهم و سدّ أمامهم أبواب التغيير.

 

1- إن خمسين عاما من حكم النظام القائم أكدت عجزه عن تحقيق تنمية وطنيّة شاملة تستجيب لمقتضيات النهوض بالبلاد وتضمن مقوّمات العيش الكريم للشعب، فتفاقمت التبعيّة وهدرت الثروات العمومية وتفشّى الفساد والإثراء غير المشروع وتعمّقت الاختلالات الاجتماعية بين الفئات والجهات، وانتشرت البطالة بما في ذلك في أوساط أصحاب الشهادات العليا وتدهور مستوى العيش، و تلاشت تدريجيّا المكاسب المحققة في مجانيّة التعليم و الصحّة و تفاقمت الجريمة و حلت بالمجتمع أزمة قيميّة غير مسبوقة و شهدت البلاد تصحّرا ثقافيّا خطيرا بفعل القيود المضروبة على حرّيّة البحث و الإبداع و النشر.

 

2- كما أكدت تنكر الحزب الحاكم لتضحيات الشعب التونسي وطموحات الحركة الوطنية و ذلك بإرساء نظام استبداديّ قائم على الحكم الفردي المطلق، وإلغاء دور المؤسسات وطغيان جهاز الأمن والمخابرات على الحياة العامة وفق أسلوب استثنائي قائم على « التعليمات » عوضا عن القانون رغم علاته. وقد أقامت السلطة المنبثقة عن هذا النظام علاقتها بالمجتمع على أساس الإخضاع وفرض الوصاية على كل تعبيراته المدنية والسياسية وألغت جميع الحرّيات وجرّمت ممارستها، وأحالت الآلاف من المواطنات والمواطنين من مختلف التيارات السياسية والفكرية ومن النقابيين والحقوقيين على المحاكم وزجت بهم في السجون وواجهت بالقمع الوحشي الحركات الاجتماعيّة الكبرى التي عرفتها البلاد (جانفي 1978، جانفي 1984…). كما زيّفت على مدى نصف قرن الإرادة الشعبية ومنعت حصول أي تداول على السلطة وجعلت من الرئاسة مدى الحياة قاعدة للحكم. وبقدر تفاقم أزمة شرعية نظام الحكم نتيجة ذلك، ازداد ارتهانه بالخارج والاستقواء به على الشعب وقواه الديمقراطية المطالبة بالتغيير ومضى في استفزاز المشاعر الوطنيّة للشعب التونسي بإقدامه على التطبيع السافر مع اسرائيل و التخلّي عن واجب التضامن مع القضايا القوميّة العادلة في العراق و فلسطين…

 

3- و قد شهدت أوضاع البلاد في الآونة الأخيرة تدهورا خطيرا للحقوق والحريات تجسّد في الاعتداء على المحامين وعلى هياكلهم الممثلة والسطو على جمعيّة المحامين الشبّان و على جمعية القضاة ومنع انعقاد مؤتمري الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ونقابة الصحافيين التونسيين وشلّ نشاطهما ومعاقبة الجامعيّين اثر إضرابهم الإداري وتشديد الحصار على أنشطة الأحزاب والتيارات السياسية المستقلة القانونية وغير القانونية وقمع التحركات المناهضة لدعوة شارون لزيارة تونس وتصعيد الاعتداءات الجسدية على رموز المجتمع المدني والسياسي. و قد تزامن تشديد القبضة الأمنيّة على المجتمع مع الهجوم على مستوى عيش الشعب بما تشهده البلاد من التهاب مستمرّ للأسعار و تدهور للخدمات الاجتماعيّة و طرد جماعيّ للعاملات و العمّال و انسداد الآفاق أمام الشباب خاصّة الذي لم يبق من خيار أمام العديد منه سوى امتطاء « قوارب الموت ».

 

4- إن هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحرّيّات التي تمثل التقاء لأهم التيارات الفكريّة و السّياسيّة بالبلاد، تدعو بهذه المناسبة كافة التونسيّات والتونسيّين إلى الوعي بخطورة ما آلت إليه أوضاع تونس و إلى مسك مصيرهم بأيديهم و الاستلهام من نضالات الأجيال التي سبقتهم للنهوض مجدّدا بوطنهم و مجتمعهم. و هي تعتبر أن المدخل الضروري لأي إصلاح لأوضاع البلاد يمرّ حتما عبر النضال من أجل إقرار الحرّيّة السياسيّة و إخلاء السجون من المعتقلين السياسيّين و سن العفو التشريعي العام، و هي مطالب دنيا تفتح الطريق نحو القضاء على الاستبداد و تحقيق الانتقال الديمقراطي و بناء مؤسّسات الدولة على قاعدة الشرعيّة الديمقراطيّة القائمة على مبادئ المواطنة و المساواة و سيادة الشعب و التداول الديمقراطي على الحكم والتعدّديّة الفكريّة و السّياسيّة و صيانة حقوق الإنسان. و تؤكد « الهيئة » أن الحرّيّة و الديمقراطيّة تمثلان الإطار السياسي الضروري كي يصبح الشعب صاحب السيادة في تقرير الاختيارات الاقتصاديّة والاجتماعيّة و الثقافيّة التي تستجيب لتطلعاته و تحقق الطموحات التي ضحت من أجلها الأجيال المتعاقبة من التونسيات والتونسيّين.

 

هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحرّيّات

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 352 بتاريخ 24 مارس 2006)

 


203 مليون دولار قرضا من البنك الأفريقي لتونس

 

تونس ـ (د ب أ): وافق البنك الأفريقي للتنمية امس على إقراض تونس 265 مليون دينار(203.8 مليون دولار) لتمويل مشروعات تطوير 1256 كيلومترا من الطرق في إطار مشروع يتكلف 370 مليون دينار. يسدد القرض على مدى عشرين سنة ويتيح توسيع وتحسين شبكة الطرقات مما يضمن خفض تكاليف النقل بين أنحاء تونس ويساهم في تنمية حركة التجارة الداخلية.

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 24 مارس 2006)


 

مولود جديد في الساحة الإعلامية التونسية

 

قام صحفيون تونسيون من بينهم أسماء لامعة ومعروفة على المستوى العربي بإصدار مجلة إلكترونية جديدة كمنبر مستقل يكتب فيه الصحفيون التونسيون وغيرهم من مختلف المشارب والتجارب. المجلة التي اتخذت اسم البلاد تصدر على الموقع الالكتروني التالي: www.albiled.net تحت شعار:  صحافة مستقلة لوطن حرّ.

ولقد استهلت باكورة أعدادها بملف عن ذكرى مرور خمسين سنة على استقلال تونس، مع مواضيع أخرى متنوعة. وقد شددت أسرة التحرير في أول افتتاحية لها على أن المجلة لا تتبع أي تيار سياسي لكنها منفتحة على الجميع حكما ومعارضة.

وتعد التجربة الجديدة في عمقها تواصلا مع تجارب سابقة للصحافة المستقلة في تونس توقفت غالبا نتيجة الأجواء غير الملائمة للحرية الصحفية. وقد وجهت المجلة نداء للكتاب والصحفيين التونسيين خاصة العرب عامة للمساهمة في إنجاح تجربتها الفتية.

نهضة نت ترحب بالمولود لجديد وتشد على أيدي هذه النخبة التونسية من الإعلاميين الصادقين.

 

(المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 24 مارس 2006 على الساعة 4 و4 دقائق مساء بتوقيت لندن)

 

قراءة في تصريح الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية

 

علي بن عرفة 

 

 » وطني قبل كل شيئ … ولا يعقل ان يتلاعب المواطن بمصلحة بلاده او سمعته او بحق بلاده عليه، و في غياب الاعتقاد بهذا فانه لا وجود لروح وطنية »

هكذا صرح عبد العزيز بن ضياء وزير الدولة المستشار لدى رئيس الجمهورية والناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في منبر الحوار الذي عقدته ولاية تونس بمناسبة الاحتفال بمرور خمسين سنة على الاستقلال، ووقف الحاضرون في الندوة مصفقين ومنشدين النشيد الوطني، خاصة بعد ان قام ابن ضياء بعرضه المسرحي مقسما، انه سيقطع يده الاولى والثانية لو تمتد يوما للتعامل مع اجنبي ضد أمن البلاد.

 فهل يحق لابن ضياء ان يعطي دروسا للتونسيين في الوطنية؟

 وهل يوافق على ان يحاكم لمقولته السابقة للوقوف على حقيقة وطنيته؟

 

لا شك ان ابن ضياء مسؤولا عما آلت اليه أوضاع البلاد من تردي في جميع المجالات، حيث انتهكت الحريات، وتداول على السجون آلاف التونسيين من كل التيارات السياسية، وصارت البلاد تحت القبضة الامنية في حالة خوف مرعب لم تشهده الا ايام الاستعمار(مما دفع البعض الى المطالبة بدراسة موضوعية لواقع الحريات – تحديدا حرية التعبير والتنظم- ابان الاستعمار، لانصافه عند المقارنة بالوضع الحالي) فطال الفساد كل نواحي الحياة، حيث ماتت السياسة بتعبير البعض، وتفشى النهب الاقتصادي، والتصحر الثقافي، والانحلال الاخلاقي، وارتفعت نسبة الجريمة، وتطورت نوعيا الى الحد الذي ظهرت فيه مظاهر وحشية من القتل، غريبة عن طبيعة وروح الشعب المشبعة بالتسامح والمسالمة والتحضر.

ان ابن ضياء مستشار لرئيس الدولة، وناطق رسمي باسم رئاسة الجمهورية، وعضو في الديوان السياسي للحزب الحاكم، وبالتالي فان له مشاركة فعلية في رسم سياسات الدولة، اللهم الا اذا كان يقول بما نؤمن به من غياب للمؤسسات وانه لاوزن له في تقرير سياسات السلطة، وفي الحالتين يظل ابن ضياء مسؤولا عن الوضع الذي تعيشه البلاد. فهل كانت مصلحة الوطن مقدمة عنده عن مصالحه الشخصية؟  وهل كان  الوطن كما يقول قبل كل شيئ؟  

 

لا أحد من التونسيين يجهل الدور الذي لعبه بن ضياء مستشار الرئيس في أكبر عملية اعتداء على دستور البلاد منذ الاستقلال، حين اجتهد في توظيف خبرته القانونية في التحايل على الشعب التونسي بتحوير الدستور لمصلحة التمديد للرئيس ابن علي، واجراء استفتاء صوري في أجواء الرعب والخوف، ثم اجراء انتخابات صورية انتقد نتائجها المكررة دون حياء حلفاء النظام قبل معارضيه، وسخرت منها شعوب العالم الثالث قبل غيره. 

 ومرة اخرى هل كانت مصلحة الوطن هي الاولى وقبل كل شيئ عند ابن ضياء؟ 

 

لا نحسب ان ابن ضياء مستشار الرئيس والناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية وعضو الديوان السياسي للحزب الحاكم، كان بعيدا عن جريمة دعوة شارون لحضور قمة المعلومات التي انعقدت في شهر نوفمبر الماضي بتونس، والتي تم التراجع عنها تحت ضغط المعارضة الوطنية، وتمت دعوة وفد صهيوني وطئ ارض عقبة بن نافع رافعا علم الكيان الصهيوني، ويضاف الى ذلك اللقاءات السرية و العلنية مع هذا الكيان، وزيارة مجرم الحرب شارون في المستشفى للاطمئنان على سلامته، ليعود الى جرائمه في حق الشعب الفلسطيني ومن ورائه امة العرب والمسلمين ولكن الله سلم.

لماذا هذا اللهاث وراء أعداء الامة؟ والحرص على التطبيع مع الكيان الصهيوني، الى حد الغاء قمة عربية وبشكل مهين لتونس وللاشقاء العرب؟

الكل يعلم ان هذه المواقف مضاف اليها المشاركة الفعالة فيما يدعى بالحرب على الارهاب، التي كان ضحيتها شباب تونسيون- ذنبهم الوحيد انهم استخدموا شبكة الانترنات المتاحة في كل ارجاء العالم للدخول الى مواقع محظورة على التونسيين- هو الهروب من الاستحقاقات الداخلية، والاستقواء بالاجنبي على الشعب وقواه الحية، والمقايضة على المصلحة الوطنية في الحرية والديمقراطية بالسبق في مجال التطبيع، واحراج الاشقاء العرب لدفعهم لمزيد من التنازلات لصالح الاسرائيليين.

 

اما موقف المعارضة الوطنية الذي يريد ابن ضياء اظهاره على انه استقواء بالاجنبي على الوطن، ففيه مغالطتان لا أحسب ان من صفق له لم ينتبه اليهما، وانما سيكتشف بن ضياء يوما ان هؤلاء اشطر منه في لعبة المصالح، و انهم صفقوا عليه ولم يصفقوا له.

واول هذه المغالطات هي الخلط المتعمد بين النظام والوطن، فكل سلطة استبدادية تحاول دائما ان تماهي بينها وبين الوطن، الامر الذي يجعل مواجهتها وكأنها ضد الوطن، و تظهرعملية الفضح لممارسات النظام وفساده، وانتهاكاته المتكررة لحقوق الانسان على انها تشويه لسمعة الوطن.

وثاني هذه المغالطات، هي اعتبار كل اتصال للمعارضة بالاجنبي انما هو استقواء به على النظام- الوطن-  في حين ان لقاء ابطال حركة 18 اكتوبر مثلا بالسفير الامريكي، كان بمبادرة من هذا الاخير، الذي زارهم في مكان الاضراب، في الوقت الذي تعذر فيه على التونسيين الوصول الى هذا المكان بسبب الطوق الامني الذي ضربه اعوان البوليس عليه، فهل ذنب المعارضة ان السفير الامريكي هو الوحيد الذي يتمتع بحرية التنقل في تونس؟

 لماذا لم يزر ابن ضياء المضربين؟، ويستمع الى مطالبهم، ويحمي تونس من التدخل الاجنبي -مادامت زيارة المضربين في عرف بن ضياء استقواء بالاجنبي-  ثم لماذا تتنكر السلطة التونسية لتعهداتها مع الاجنبي فقط فيما يتعلق بحقوق التونسيين السياسية وحرياتهم، فيما تبادر بهمتها المعهودة لتنفيذ تعهداتها الاقتصادية وان كانت مجحفة في حق التونسيين؟ وهل يخون التونسييون وطنهم حينما يفضحون سياسات النظام؟، ويكشفون نفاق الدول الاجنبية وسياساتها الامبريالية، التي تغض الطرف عن الشروط السياسية للاتفاقيات المبرمة مع النظام التونسي والمتعلقة بالديمقراطية والحريات، فيما هي تستفيد من المزايا الاقتصادية التي يوفرها لها النظام على حساب المصلحة الوطنية؟.

 لا شك ان التونسيين من حقهم المطالبة برفع الدعم عن النظام الذي يحرص على مصالح الاجنبي اكثر من حرصه على مصلحتهم، ويطالبون الدول الاجنبية باحترام تعهداتها بمطالبة النظام بتطبيق الشروط السياسية لاتفاقاته معها، بدلا من دعمه على حساب الشعب والمصلحة الوطنية. وليس ذنب المعارضة الوطنية ان تكون طلبات الاجنبي لنظام بن علي اوامر- نتائج زيارة وزير الدفاع الامريكي الاخيرة- فيما تواجه صرخات التونسيات من امهات المساجين السياسيين ونسائهم بعصى البوليس، امام سجن 9 افريل وامام انظار الجميع.    

 

 يستغرب ابن ضياء في خطابه المذكور تحالف اليسار مع اليمين في هيئة 18 أكتوبر، وكان من الاولى به ان يستغرب تحالف « رجالات القانون » مع منتهكي القانون، وعصابات النهب، بدلا من استغرابه من تحالف ضحاياه، وضحايا استشاراته الرئاسية وسياسات نظامه الامنيه- التي لا يحسن غيرها- على الحد الادنى من الحقوق الاساسية، التي تمثل الشرط الموضوعي لاي حياة سياسية سليمة، تتنافس على ارضيتها المشاريع والبرامج، في ظل الاحترام لقوانين العملية السياسية و المواثيق التي تضمن الحريات العامة والخاصة.

 بل الغريب ان يكون عكس ذلك، فلا توحد المعارضة جهودها لمواجهة تنين الدولة الذي ابتلع كل دفاعات المجتمع، وعمل على تشتيتها واقصائها الواحدة بعد الاخرى، ليحقق هيمنته المطلقة على الحياة السياسية وكل ميادين الحراك الاجتماعي والحقوقي والاعلامي، فيما تنشغل قوى المجتمع المدني باجترار معارك وهمية بعيدة عن مصالح الشعب ومشاغله اليومية، معرضة عن المعركة الرئيسية في مواجهة الاستبداد، الذي ينهش أجسام الجميع على اختلاف ايديولجياتهم، فلماذا يستغرب ابن ضياء تحالف هذه الايديولوجيات لمواجهة سياسات نظامه وكوارث استشاراته باعتبارها خطرا يهدد الجميع دون استثناء. وللتونسيين على اختلاف توجهاتهم الحق في العيش الكريم في وطن ضحى اجدادهم وابائهم من اجل تحريره من الاستعمار، وبناء الدولة الوطنية التي سيعيشون فيها معززين مكرمين، كمواطنيين لهم نفس الحقوق والواجبات، وليس كمواطنين من الدرجة الثالثة او العاشرة كما هو حال الاسلاميين المسرحين من السجون، والمحرومين حتى من بطاقة الهوية وحق العمل( دعك من التنقل وجواز السفر وحق التعبير)

 

لقد تنبأ بن ضياء بانهيار التحالف الظرفي بين قوى المعارضة في هيئة 18 اكتوبر محذرا من ابتلاع اليمين لليسار.

وبخصوص انهيار هذا التحالف، فان ابن ضياء لا يعلم ان هذا التحالف وسيلة وليس غاية، وانه يمثل استجابة ضرورية لتحديات واقعية تواجه الجميع، وتهدد مكاسب الشعب وأمنه و استقراره. وبالتالي لا بديل عن توحيد جهود الرافضين لسياسات النظام المدمرة للانسان والاقصاد والقيم والاخلاق، من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه، وتأسيس ارضية مشتركة للتعايش بين التونسيين، وادارة شأنهم السياسي واختلافاتهم في كنف القانون واحترام ارادة الشعب، والالتزام الكامل بالمواثيق المتعلقة بالحريات وحقوق الانسان. فلا معنى للصراع بين تيارات المعارضة في ظل الغياب الكامل لابسط حقوق المواطنة، وهو ما استوعبه اجدادنا اثناء الاستعمارالفرنسي، فتوحدت الحركة الوطنية تحت لواء المقاومة للاحتلال، وهي اليوم  مدعوة الى التوحد تحت لواء المقاومة السلمية والمدنية للاستباد، الى ان تتحقق المطالب الرئيسية الثلاث التي رفعتها حركة 18 اكتوبر، باعتبارها الحد الادنى المجمع عليه والضروري، لقيام نشاط سياسي سليم، تتنافس فيه الاحزاب والبرامج في خدمة الشعب، الذي سيكون الفيصل في الحكم عليها والاختيار بينها.

 

وفي محاولة لاحياء السياسة المعهودة من قبل السلطة في تشتيت المعارضة ليسهل عليها ضربها فرادى، حذر ابن ضياء اليسار من اليمين الذي سيبتلعه حسب قوله، والواقع ان اليسار لم يعهد من بن ضياء حسن النصيحة طوال العشرية الماضية،فقد جمعت السجون وسياط الجلادين والاقصاء والعنف الاعمى اليمين واليسار ببركة استشاراته.

فهل يريد بن ضياء من المعارضة التغاضي عن كل هذه الانتهاكات والاخطار الحقيقية التي تواجهها خوفا من خطر محتمل ولادليل عليه من تيار اليمين؟، ان ابن ضياء يحاول جاهدا اجترار معزوفة الخطر الاصولي التي اتقن النظام استخدامها، وانطلت- للاسف- على المعارضة في بداية التسعينات، غير ان التجربة كشفت عن حقيقة الفزاعة الاصولية التي لا تهدف الا الى اقصاء جميع القوى الواحدة تلوى الاخرى، حتى يخلو المسرح بالكامل لهيمنة الحزب الحاكم ومافيا النهب وسرقة الممتلكات العامة. وما العودة لهذه اللعبة المكشوفة اليوم الا بهدف ضرب وحدة المعارضة التي اجبرت ابن ضياء -الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية- على الرد على المعارضة، بعد ان اوكلت هذه المهمة طوال السنوات الماضية لمتملقي النظام من الصحفيين الانتهازيين. وليس من المستبعد في المستقبل القريب ان يعرض ابن ضياء عن اليسار ليتجه الى اليمين، عساه يفلح في شق صف المعارضة، غير ان قوى المعارضة الوطنية مدعوة دائما الى ترتيب اولوياتها بحيث تتقدم المصلحة الوطنية، ويكون الوطن قبل كل شيئ بحق، وليس على طريقة ابن ضياء .

 

أحسب ان هيئة 18 اكتوبر وانصارها قد نجحوا في اجبار السلطة على الخروج من حالة الصمت، والتعبير عن الموقف الرسمي تجاه مطالب المعارضة، وما كان لهذا التصريح ان يمثل انجازا يذكر لولا انه جاء من نظام طالما تجاهل مطالب المعارضة وتحركاتها، وشكلت الاستهانة والاستخفاف بالمعارضين جوهر الموقف السياسي الرسمي، وبالتالي يكون اجباره على التعبير عن موقفه  الرسمي، ودفعه للخروج من حالة الصمت وسياسة التجاهل، نقطة لصالح انصار حركة 18 اكتوبر،المطالبين اليوم ببذل مزيد من الجهد لتحقيق قدر اكبر من النقاط في معركة سياسية مدنية سلمية طويلة الامد، وعلى المعارضة الجادة ان تحافظ على مكمن قوتها الذي جعلها ولاول مرة،  تفرض على السلطة تغيير سياستها تجاهها وان كان بقدر ضئيل، ولكن لا تخطئه العين.

ان تصريح بن ضياء يعبر عن القلق المتزايد في اوساط السلطة من تكتل المعارضة ونجاحها المتصاعد في عزل النظام داخليا وخارجيا. فالتصريح الرسمي يمثل رد فعل متشنج على واقع بات يتشكل ولاول مرة بعيدا عن هيمنة السلطة، كما يعبر عن فشل سياسات العنف والترهيب وسياسات التشويه والتخوين التي عادت تطل برأسها من جديد، في وقف مسارتطور العمل السياسي المعارض في البلاد.


 

بسم الله الرحمن الرحيم

حيرة

محمد زريق، كندا

 

في مقاله على صفحات « تونس نيوز » بتاريخ 20 مارس 2006 دعا السيد كمال العبيدي « الباحثين الغيورين بحق على سمعة تونس كي يقارنوا ما يجري الآن في  » العهد الجديد  » بما كان في  » عهد الحماية الفرنسية  » ليقولوا لنا أيّ العهدين اكثر استبدادا وتضييقاً على حرية التعبير وما هي الدروس التي ينبغي استخلاصها ».

 

ذكرتني هذه الدعوة بقصة رواها لي أحد أصدقائي،وهو تونسي عادي « لا يصطاد في الماء العكر » فأذكرها لكم تفاعلا مع المقال المذكور.

 

كان صديقي يقود سيارته في أحد شوارع مونتريال، وكان أبوه الذي جاء لزيارته يجلس بجانبه، وفي أحد المنعرجات اصطدم إطار السيارة بحفرة، وشوارع مونتريال مليئة بالحفر، ويسميها أهل المدينة « أعشاش الدجاج »، بدأ صديقي يشرح لأبيه أسباب انتشار هذه الحفر من عوامل الطقس إلى جودة العمل، وإذا به يفاجأ بمقاطعة أبيه له ليقص عليه قصة فلان الفلاني الذي اصطدم إطار سيارته بحفرة في أحد شوارع المدينة الفلانية بتونس، فقاضى البلدية وربح القضية وتحصل على تعويض هام.

سأل الإبن أباه متعجبا هل حصل هذا في تونس فأجاب الأب في وثوق نعم.

غاص الإبن في حيرته وتلاطمت عليه أمواج الأسئلة، إذا كان الأمر كذلك، فما حقيقة ما ينقل عن الفساد الإداري، وغياب استقلال القضاء، وتسلط السلطة وإداراتها على رقاب الناس، وهضم حقوق المواطن وحرياته، والخوف المستشري في صفوف المواطنين جراء تعسف السلطة في استعمال القوة؟ فهل يجرأ مواطن على متابعة الإدارة في تونس اليوم؟ وهل ينصف القضاء المواطن أمام مؤسسات الدولة في تونس اليوم؟

واسترسل الإبن في طرح الأسئلة دون العناء في البحث عن الإجابات، إلى أن أفاق، ليسأل أباه:

كم كانت قيمة هذا التعويض؟

فقال الأب: لا أتذكر، فالحادثة قديمة جدا.

من خلال استغراق الإبن في التفكير ومن خلال سؤاله الأخير، فهم الأب أن إبنه ذهب به الظن إلى غير الوجهة الصحيحة، وحط به في غير الزمن الصحيح، فالتفت إليه مستدركا:

يا بني هذه الحادثة وقعت في عهد الإستعمار وليس الآن.

ثم استرسل الأب في ذكر ما تفوق به الإستعمار من مناقب على سلطة الإستقلال بدأ بالحقوق والحريات ومرورا باحترام دين البلاد وثقافتها وانتهاء بالإنجازات على مستوى البنية التحتية والفلاحة وخاصة في الجنوب والمدن غير الساحلية، كان الأب يتكلم بحسرة وبنبرة حزينة وكان الإبن واجما يستمع ولا يجرأ على التفاعل مع حديث ابيه.

كان الأب بشفقته على ابنه، أراد بهذا الإستدراك، أن يخرجه من حيرته، ولكنه ومن حيث لا يدري زاد في عمق حيرته وفي قوة أمواج أسئلته، إذ راح الإبن في جولة ثانية من التساؤلات الحائرة:

أيعقل أن يكون حال التونسيين تحت الإستعمار أفضل من حالهم تحت سلطة أبناء جلدتهم؟ أيعقل أن يكون الإستعمار أحرص على البلاد والعباد من أبنائها؟ أيعقل أن يترحم الناس في هذا العهد الجديد على العهد البورقيبي في ما كانوا يترحمون خلال العهد البورقيبي على الإستعمار؟ أيعقل كل هذا التقهقر والتراجع؟ ما الذي أصابنا؟ وما الذي يوقف هذا التراجع ويعيد المسار نحو الوجهة الصحيحة، وجهة الحرية و العدالة والكرامة؟ …..

 


 

ذكرياتي من الجامعة الى المنفى

مرسل الكسيبي

reporteur2005@yahoo.de

 

سنة1990 وفي أواخر السنة الجامعية وقبيل ثلاثة أشهر على أقصى تقدير من موعد امتحانات نهاية السنة والتي تعودنا على اجرائها في تونس بين أواسط وأواخر شهر جوان ,جدت أحداث أليمة كنت قد لخصت يوما من أيامها في مذكرة يوم أمس من خلال رواية بعض الأحداث التي عرفتها جامعة كبرى مدن الجنوب وعاصمته الاقتصادية صفاقس

فبعد طرد ثلة من أشهر المناضلين النقابيين من كلية الطب امتدت شرارة الاحتجاجات لتشمل كامل الأجزاء الجامعية بالمدينة وكانت أكثرها حدة بكلية العلوم الاقتصادية والمدرسة القومية للمهندسين ,لتنتقل بعد ذلك الحركة الاحتجاجية لتشمل كامل الأجزاء الجامعية للبلاد

فبين سلسلة من التحركات الضخمة التي تجند لها الاف الطلاب معتصمين ومحتجين داخل فناءات كلية الطب ذات الهندسة المعمارية الرائعة والتي بنيت بتمويلات كويتية على عهد رئيس الوزراء محمد مزالي,وبين مسيرات تاريخية جابت الشوارع والطرق المحيطة بالمدرسة القومية للمهندسين ومبيتات الطلاب القادمين من أجزاء كليات الحقوق والاقتصاد والتصرف وشعب الهندسة والعلوم والمعهد الأعلى للرياضة ,بين كل ذلك شهدت الجامعة التونسية أوج ربيعها بعد أن تحولت احتجاجات الطلاب الى أضخم تحرك مدني تعرفه السلطة الجديدة منذ اعتلائها عرش الحكم

لم تفلح وعلى مدار أسابيع وأشهر سياسة العصا الغليضة في كبح جماح الطلاب الثائرين في اطار رغبة نقابية وسياسية ملحة بتثبيت موقع زملائهم المطرودين على كراسي الجامعة التونسية

تحولت الحركة الاحتجاجية الى نوع من الاعتصام داخل بهو كلية الاقتصاد والتصرف بجامعة صفاقس وانضم مئات الطلاب الى حركة المعتصمين ,ونفر الى موقع الحدث الشعراء والمنشدون وأصحاب الابداعات المسرحية والروائية والمواهب الخطابية ,كان ذلك الحدث مسائيا مستمرا على مدار ساعات طوال ليسجل ملحمة ربيع بيكين التونسية وليدون من خلاله الطلاب صفحة لم تشهدها الحياة السياسية في تونس الا في محطات نادرة انضمت اليها جموع المواطنين في أشهر حدثين عرفتهما البلاد في سنوات 78-و84 من القرن العشرين 

كان الجو حافلا والحضور رائعا ولحمة الطلاب لم يسبق لها مثيل وأهازيجهم وتفاعلاتهم تنبئ بأن تونس تشهد أوج مراحل يقضتها الطلابية,حتى حن للكثيرين في تلك المرحلة أن يتحدث عن أقوى حركة طلابية في العالم العربي,بل عن أقوى حركات الطلاب عبر العالم

لم تجدي أسوار مشوكة بحديد مذبب يشبه حديد السجون ومحيطة بكل أجزاء الجامعة تقريبا في الحيلولة دون سجن طموحات الطلاب ,ولم تفلح جدر أشبه بجدر برلين في الفصل بين المبيتات ومقرات الكليات في اخماد لهيب ثورة الطلاب ,ولم تستطع قوات الشرطة والحرس والتدخل السريع وميليشيات الحزب الحاكم الراكبة والمحمولة برا في قمع شعارات كثيرا ماتغنى بها الطلاب ولعل أشهرها حريات اساسية لامراكز بوليسية -وجامعتنا حرة حرة والبوليس على بره -يعني خارج أسوار الجامعة وغيرها من الشعارات التى تمجد حركة طلابية منظمة وعتيدة ومتفاعلة مع قضايا الوطن وساحاته الحية

 

كان العنصر النسائي هو الاخر ملتهبا حماسة وثورية واتقادا وحيوية من أجل الوقوف الى جانب الطموحات العادلة لطليعة الجماهير وقلبهم النابض الحركة الطلابية ,فلأول مرة تخرج الزغردة من اطار الأفراح وقصص الزفاف والدخلة ,ولأول مرة تلتهب حناجر الطالبات بزغارد لم أسمع لها مثيلا من حيث الجمالية والدلالة الرمزية الا في شريط فرقة العاشقين وهي تزف قصة واحد من شهداء ارض العزة والكرامة ,لتعبر عن تهنئة بعرس من نوع اخر وهي تردد رائعة بالهناء ياأمه زفي الى أحضانه أغلى صبية

 

لم تدنس هذا العرس وجماليته الا أضواء كاشفة ورهيبة لم نعهدها في حياتنا قط تلت طلقات أشبه بطلقات الرصاص,واتضح فيما بعد أنه صوت القنابل المسيلة للدموع ,أما الأضواء فلا طاقة للأحزاب والجماعات بها وانما هي من القوة والعنف الذي تحتكره الدولة ,فلأول مرة أرى أضواء تمتلك قدرة اضائية تراوح الثلاث كيلومترات أحيانا

وتحول ربيع الجامعة الى ربيع من نوع اخر,وتحركت جموع الطلاب باتجاه اخلاء المكان المحاصر والالتحاق بالمبيتات التي كانت أكثر أمانا

وتبادر الى ذهن الطلاب القفز من فوق الجدر وتولى العشرات تأمين فرار العنصر النسائي الى حجرات طلابية أشبه بغرف صغيرة لاتحتمل غير طاولة وسريرين في أضيق مبيتات كانت تؤوي حلم العلم والثورة على وضع سياسي كان يتجه من تلك الأيام نحو الانغلاق وتصفية أقوى قلاع المجتمع المدني

أسطورة مازلت أذكرها يوم أن التحق الجميع باتجاه المبيتات ,وحاول الكثيرون والمئات سد منافذ الجامعة وأبوابها الضخمة للحيلولة دون مداهمة بوليسية قاسية بعد أن انهالت المئات من القنابل الخانقة على غرف الطلاب ,ومازال المشهد مجلجلا ومزلزلا عندما اعتدي على الأنوثة التي قابلت روح العسكرة بأهازيج وزغاريد تحيي صمود الطلاب بعد منتصف الليل ,فرد على تحية مئات الطالبات بالقنابل الخانقة المصوبة تجاه نوافذ عنابر العلم والثورة الحالمة من فم امرأة عربية لم تتعود الا على النواح والانكسار لتعابير الجسد الراكع أمام اغراءات الثروة والجاه

صيحات تعالت من أفواه انثوية تطلب الاغاثةبعد أن سجلت عشرات حالات الاختناق داخل عنابر في عمارة شاهقة,وبعد استماتة في الدفاع عن شرف حرية التعبير داخل حصون الجامعة ,دوت صفارات انذار سيارات الاسعاف قادمة من مستشفيات المدينة لتلبي نداء الطالبات المختنقات ولكن الاسعاف هذه المرة حولت وجهته من قبل عناصر أمنية الى حيث وجهة أخرى قيل أنها كانت غير مدنية,حيث حاول البعض من رجال الدرك التعلل بوضع صحي لايحتمل المقاومة ومواصلة الهجوم من أجل الانسحاب أمام شراسة الطلاب في تمسكهم بالذود عن حمى الجامعة وحرمتها العلمية والثقافية والمدنية

 

أيام منقوشة في الذاكرة مر عليها أكثر من عقد ونصف,ولكنها خلدت صمود الطلاب الذين أحيوا ربيع تونس الطامح الى رؤية القوى الشبابية تعيش قلب معركة الحرية والمأسسة ودولة القانون,واستمرت المواجهة الساخنة بين الطلاب وقوى الدرك المدججة بالغازات والقنابل المضيئة والصوتية الى غاية الصباح لينسحب الجهاز السلطوي على وقع حركة السكان في الأحياء المجاورة والذين عاشوا بدورهم ليلة مروعة ,عرفت على اثرها جامعة صفاقس واحدة من أسخن حركاتها الاحتجاجية عبر سنوات مابعد التغيير

وبعد كل هذه السنوات الطوال التي مرت على ربيع الجامعة في سنة التسعين من القرن الماضي وأحداث أخرى تلتها لعلنا نعود اليها في حلقات أخرى,باتت البلاد تعيش حالة من السكينة مع انطلاق أكبر حملة اعتقالات وتهجير قسري عرفتها تونس منذ استقلالها ,وضعت حدا لحالة الغليان المدني الذي عاشته البلاد في أوائل التسعينات ,لتحدث بعد ذلك حالة من الصمت السياسي والاجتماعي غير المسبوق لم تتخلله الا الالاف من اضرابات الجوع داخل السجون والمعتقلات بل حتى خارجها ,وعشرات الالاف من البيانات والقصص التي تعدد ماسي ماحصل للمعتقلين وأبنائهم وعوائلهم مع محطات تفاعلت فيها الجماهير مع قضايا فلسطين والعراق أو ماأطلق البعض عليه تسمية قضايا الأمة

غير أن حدثا فاجأ الجميع مع نهايات السنة الصارمة عندما احتضنت تونس القمة العالمية لمجتمع المعلومات ,عندما انبرى مجموعة من القادة الوطنيين الى اعلان أشهر اضراب جوع جماعي في تاريخ البلاد منذ الاستقلال,فكان تاريخ 18 أكتوبر من سنة2005 مؤذنا بعودة الروح الى الجامعة كقلعة من قلاع النضال,لنسمع من جديد عن تحركات طلابية ضخمة لم تحركها أسعار ولاانتفاضة المسجد الأقصى وانما حركتها مبادئ حرية التعبير والتنظم والمطالبة بسن العفو التشريعي العام,فهل يكون هذا التاريخ مؤذنا بعودة الروح الى الجماهير والشارع من أجل فرض مطلب الاصلاح العام في بلد فقد أهله طعم خمسينية الاستقلال ؟

سؤال ستجيب عنه بلا شك حركة التاريخ والأيام,ولكن يبقى الأمل في أن تستبق السلطة الاجابة بالعودة الى مربعات الأزمة الأولى عبر تلبية مطالب النخبة التي جست في عمق طموحات شعب عانى كثيرا من أجل اكتمال حبات استقلاله الأول

 

مرسل الكسيبي

كاتب واعلامي تونسي

24-03-2006

 


افتتاحية « الموقف »:

تعليمات وزارة الإتصال

رشيد خشانة

عندما يطلب صحفيون مشهود لهم برسوخ القدم في المهنة الحصول على البطاقة المهنية، تتلكأ وزارة الإتصال وتتلعثم في تبرير حجب البطاقات عن الزملاء، مع أن هذا الحق لم يتعرض يوما للتعطيل أو التشكيك على حد علمنا في العقود الماضية. وعندما تطلب صحيفة تسهيل مهمة مبعوثها الخاص لتغطية حدث استثنائي في الخارج مثل مشاركة تونس في مباريات كأس العالم لكرة القدم، تصمت الوزارة بكل بساطة. لكنها قادرة على إعطاء التعليمات يوميا للصحف العمومية والخاصة كي تنشر البلاغات المسيئة للمعارضة والمتهجمة على مؤسسات المجتمع المدني المستقلة.

 

في الأيام الأخيرة مارست الإدارة العامة للإعلام في وزارة الإتصال دورها بامتياز كقيادة أركان للحرب الإعلامية التي استهدفت هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات إذ كانت ترسل بالفاكس، فاكس الوزارة طبعا، البلاغات الجاهزة الموقعة من محمد بوشيحة ورضا الملولي والمنجي الخماسي وغيرهم، وهي بلاغات يبدو أن مؤلفها واحد لأنها تجترَ ما يقوله أعضاء الديوان السياسي للحزب الحاكم في اجتماعاتهم « التعبوية » ضد المعارضة والجمعيات المستقلة. وتُظهر الصورة المُصاحبة كيف يضع المدير العام للإعلام توقيعه وختم الوزارة على تلك البلاغات مع توصية بخط اليد لرؤساء تحرير الصحف، صحف آخر الزمان، ب »استغلالها » وهم لايستطيعون طبعا سوى طاعة الأوامر. فهل كان الهدف من وراء إحياء عظام وزارة الإعلام (بعدما صارت رميما) هو إرسال البلاغات للصحف « للإستغلال » على غرار ما كان يحدث في بلدان أوروبا الشرقية الضاربة بسهم كبير في الديمقراطية؟ وهل أن دور وزارات الإعلام في الأنظمة الحديثة يقتصر على تحريك الخيوط من وراء الستائر السميكة لتوجيه الصحافة والإدعاء في الوقت نفسه أن الإعلام حر طليق لا تقيده تعليمات … اعتقادا منهم أن خطوط الفاكس الضوئية لايمكن أن تُرى؟

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 352 بتاريخ 24 مارس 2006)


 

فرص مهدورة

محمد القوماني

 

مرّت الذكرى الخمسون لاستقلال تونس يوم 20 مارس الجاري و كانت على ما يبدو فرصة أخرى ضائعة على السلطة و على المعارضة و على التونسيين عموما . فالاستقلال على تعدّد أبعاده و دلالاته يظل في المقام الأول حدثا سياسيا بامتياز . والاحتفالات و البيانات و الإجراءات بمناسبة خمسينية الاستقلال لم تتقدم بالوضع السياسي الراهن ببلادنا و لم تؤشر على أي أفق لحلحلته حتّى . كلّ من تحدثوا عن الاستقلال وصلوا الماضي بالحاضر، فترحموا على شهداء الوطن و عبّروا عن العرفان لتضحيات جيل التحرير و عددوا المكاسب أو أحصوا النواقص و أكدوا على الوفاء لدماء الشهداء و على أهمية حماية الاستقلال و الذود عن البلاد في الحاضر و المستقبل  » فلا عاش في تونس من خانها .. و لا عاش من ليس من جندها  » لكن لا شيْ في المحصّلة يجعلنا متفائلين . فالسلطة من جانبها لم تجد في خمسينية الاستقلال مناسبة لإعلان إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين و عودة المغتربين و فتح صفحة جديدة من تاريخ تونس المعاصر، ببدء حوار وطنيّ حول المشكلات و التحديات . فالخطاب الرسمي على عادته ظلّ يمجّد المكتسبات و يعدد الإنجازات و يرى  » انه ليس بالإمكان أحسن مما كان  » . و لا يعترف بوجود أي من المشكلات التي تثيرها المعارضة . و ربما بدا لافتا في هذه الذكرى الوطنية المجيدة تجنّد رموز من الحزب الحاكم و من المعارضة الموالية لإطلاق حملة عبر مختلف الصحف، على المعارضين من النشطاء السياسيين و الحقوقيين و استعمال قاموس ممجوج في ثلبهم و تجريحهم و تخوينهم . فالمعارضة التي لا تعترف بالنعمة و لا تشكر الحاكم صاحب المنّة و لا تبدي الولاء للسلطة و تستمر في نقد الأوضاع و المطالبة بالحقوق و الحريات ، هذه المعارضة هي في نظر هؤلاء إما إسلامية متطرفة و إرهابية و رجعية، و إما غير إسلامية انتهازية و عميلة للسفارات و مرتهنة لدوائر أجنبية . و الخطر كل الخطر هو في اجتماع الفريقين في تحالف مشبوه و مخالف لطبيعة الأشياء فيما يعرف بحركة 18 أكتوبر .

 

و كم يبدو الأمر غريبا حين تؤكد السلطة أن هذا التحالف زائل و لا مستقبل له ، مع أنها تفعل كل شيء لمنع قيامه و استمراره و تسخر كل إمكانياتها الإعلامية بالداخل و الخارج لتشويهه، في الوقت الذي تحرمه حتى من مجرد الاجتماع . و كم تزداد الغرابة حين يؤكد الخطاب الرسمي أن تونس لكل التونسيين دون إقصاء أو تهميش ، مع أن السلطة في كل مرّة لا تنفتح إلا على نفسها و لا تبدي أيّ استعداد لمحاورة معارضيها و منتقديها . فكل الإجراءات المعلنة بعنوان  » دعم المسار الديمقراطي  » على غرار تمثيل المعارضة في بعض المؤسسات أو الزيادة في منحة الأحزاب أو الاعتراف بحزب جديد … إنما تهدف إلى دعم السلطة لنفسها ، بتوسيع دائرة الموالين لها و تعزيز حضورهم و ضمان بقائهم و الإقناع بأنهم معارضة، و إن لم يصدروا صحفا و لم يمارسوا أ،شطة و لم يكسبوا أ ي إشعاع بين الناس و لم يقنعوا أحدا حتى أنفسهم بأنهم معارضة . و إنه لمن المدهش حقا أن نرى مبادرات سياسية شجاعة لإزالة الاحتقان الداخلي و حلّ الخلافات و تسوية الملفات الشائكة و تغيير المشهد السياسي في بلدان مغاربية مجاورة لنا ،على غرار المغرب و موريتانيا و الجزائر و ليبيا ، في حين يستمر المشهد بتونس رتيبا متكررا منغلقا على نفسه ، مع أن تصور تونس  » جزيرة  » في محيطها مخالف للطبيعة فعلا .

 

أما المعارضة أعني أساسا الأ طراف السياسية المكوّنة لحركة 18 أكتوبر، فقد اكتفت في خمسينية الاستقلال بإصدار بيان بالمناسبة شدّدت فيه على غياب الحريات السياسية خلال العقود الماضية و إخفاق الحزب الحاكم في إدارة شؤون البلاد، و أكدّت على مطالبها في الإصلاح و تحقيق الانتقال الديمقراطي. و دعت إلى تجمع سلمي احتجاجي يو م الجمعة 18 مارس بساحة الاستقلال وسط العاصمة تمكّن خلاله ـ رغم الحصار الأمني الرهيب ـ عدد من قيادات أللأحزاب و الجمعيات و بعض من استجابوا لدعوة هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات، من الوصول إلى المكان المحدد للتجمع و الاعتصام به جلوسا لبعض الدقائق قبل أن تتدخل قوات الأمن بالزى المدني لتفريقهم بالقوة و هم يرددون شعار  » بالروح بالدم نفديك يا حرية  » و سط استغراب المارة و تساؤلاتهم الفضولية .

 

فالمعارضة بعد خمسين سنة من الاستقلال و بعد كل التضحيات التي قدمتها الأجيال المختلفة و الأطياف المتعددة من أجل الحريات و الديمقراطية في ربوعنا ، لئن نجحت في إضعاف نظام الحكم و تشويه صورته بالداخل و الخارج و التشكيك في مصداقيته و وطنيّته و جعلت من موضوع الإصلاح السياسي و إطلاق الحريات مطلبا ملحا يحظى بالتعاطف و التأييد ، فإنها لم تكن مهيأة في هذه المناسبة لعقد مؤتمرها الوطني الذي تكررت الدعوة أليه خلال السنوات الأخيرة . و لم تنجز » العهد الديمقراطي » الذي تشتغل عليه لدعم الثقة بين أطرافها و تأمين المستقبل . ولم تجد طريقها إلى الجمهور الواسع الذي تقدم نفسها معبرا عن طموحاته و لسانا لمطالبه . و لم تبلور بدائلها و برامجها و لم تتوفق بعد إلى عرض رؤيتها المتكاملة و خطّتها العملية من اجل الانتقال الديمقراطي . و لم تقدر على حمل السلطة على الاعتراف بها و القبول بمحاورتها ، تماما كما أنّ هذه الأخيرة لم تقدر على شطب هذه المعارضة أو إسقاطها من حساباتها ، بما يؤكد أهمية الطرفين في أي حل يتطلع إليه المجتمع الذي يدفع الفاتورة الباهظة لهذا المأزق . إذ بقدر ما تتأخر الديمقراطية تتأخر التنمية و ينخر الفساد أجهزة الدولة و يشقى الناس . و بقدر ما يستمر الاحتقان و يتغذّى من المهاترات و الأحقاد و الإقصاء و الإحباط و التخوين المتبادل ، تضعف الجبهة الداخلية و تتضاعف المخاطر و يتهدد الاستقرار .

 

و ليس أفضل مناسبة من خمسينية الاستقلال لمراجعة التمشي السياسي ببلادنا و الخروج من المأزق التاريخي . فالتنافس بين السلطة و المعارضة على كسب الدعم الخارجي لا يعزّز مناعة البلاد في عالم تتغير فيه مفاهيم السيادة الوطنية . و إقصاء فريق من التونسيين و القطع معهم مهما كانت مبرراته و عناوينه و المبالغة في النيل من الخصوم ، سياسة لا تخلف غير الأحقاد التي لا أحد يستطيع أن يتحكم فيما قد تولد من ردود أفعال مدمّرة . و المعارضة السياسية لنظام الحكم مهما تجذّرت لن تسقط المصالح العليا للبلاد، و لن تستعيض عن الحوار طريقا للمصالحة الوطنية و حلّ الخلافات . و إذا كان شهداء حركة التحرير قد قضوا ليحي الوطن ، فإن أجيال الاستقلال متى تنعمّوا بثروات الوطن على قاعدة العدل ، و متى شعروا بالعزّة و الكرامة في ربوعه ، أحبّوه و تفانوا في خدمته و الذّود عنه ، فيحيون و يحي الوطن .

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 352 بتاريخ 24 مارس 2006)

 


 

ارتسامات لبنانية

أحمد نجيب الشابي

 

زرت لبنان للمرة الأولى سنة 1971 و شدني جماله الطبيعي وحيوية شعبه. كان الفارق شاسعا بين ما شاهدته وقتئذ من عمران وحداثة في لبنان وما شعرت به من إحباط في بغداد وقد بدا لي الشرق خارج التاريخ غارقا في سبات عميق يشده إلى القرون الغابرة. كان ذلك قبل تأميم شركة نفط العراق (أي بي سي) وما واكبه من انفجار عمراني قلب وجه المنطقة.

 

عبرت عن قلقي هذا للمرحوم ميشيل عفلق الذي زرته في مصيفه بالجبل فقال لي « إنه تحدي الغرب في وجه الشرق يا بني ». اقتنعت وقتها وقلت في نفسي « لبنان هو تحدي الغرب للشرق في عقر داره ». وانقطعت عن الشرق فترة طويلة ولم أزر لبنان مدة الحرب الأهلية. كنت أتابع أخباره أولا بأول وأتألم لآلامه، ولكني ظللت موقنا بأن بلد الفينيقيين سيسترجع وحدته وسالف عافيته فور أن تسكت أفواه البنادق. وعدت إلى لبنان في التسعينات ووجدته مثخنا بالجراح. يحاول الوقوف بصعوبة وتتعثر خطاه ببطء وعناء كبيرين. كانت الأحياء الرازحة تحت الأنقاض تغلب على مظاهر التجديد والترميم. وعدت إلى بلد الأرز الأسبوع المنقضي، بدعوة كريمة من » تلفزيون العالم » للمشاركة في ندوة حول « أزمة الأحزاب في العالم العربي »، فلم أجد أثرا لذلك كله وكأن لبنان لم يعرف الحرب أصلا. تجددت كل الشوارع أو تكاد وتوسعت. وانطلقت المئات من الفنادق الفخمة تلامس السماء الزرقاء الجميلة وسط العمارات الشاهقة المطلة في أناقة وبهاء على الساحل اللازردي الخلاب. وذهبت أتفسح في رحاب الشمال فوجدت العمران ينافس في زركشته وجماله جلال الجبال الشاهقة وسحر الأودية السحيقة المطلة من قممها الثلجية على البحر الأبيض المستسلم في دفء وسكينة إلى لمسات أشعة الشمس الذهبية. بدت لي بيروت ، في آخر زيارة إليها، مدينة من أغلى عواصم العالم. حتى البضائع في الواجهات كانت مسعرة بالدولار بسبب اضطراب الليرة. أما اليوم فقد بدت الأسعار معتدلة نسبيا، ربما لأن الليرة ظلت مرتبطة بالدولار في تداولها بين الناس ما جعل البضائع تتأثر بانخفاض سعره.

 

ومن ذكريات زيارتي هذه أن حضرت حفل عشاء أقامه « المنتدى القومي العربي » تكريما للسفير خليل مكاوي الممثل السابق لبنان في الأمم المتحدة والمكلف حاليا بملف اللاجئين الفلسطينيين. مقر المنتدى يحتل طابقا من عمارة تتقاسمها منظمات أهلية عديدة. منظمة أهلية تكرم سفيرا ورئيس الدولة، إميل لحود، يكرم المنظمة فيرسل إليها باقة من الزهور. افتتح الحفل عضو المنتدى بشارة مرهج، وزير الداخلية السابق، فذكّر بمناقب السفير وتناول السفير من بعده الكلمة فشكر الحاضرين واغتنم الفرصة لتوضيح سياسة حكومة السنيورة من مسألة اللاجئين الفلسطينيين. ثم تداول على الكلمة الحاضرون من ممثلي الفصائل الفلسطينية فعبروا عن مخاوفهم التي لا يخفف منها سوى ثقتهم في خليل مكاوي الذي تولى أمر التفاوض معهم. كان الحوار صريحا حد الإحراج. وبعد العشاء تقدم شباب من حزب الله ومن شباب الأرثودكس وغيرهم إلى وزير الداخلية، السيد أحمد فتفت، الذي حضر الحفل ليسألوه في حيرة عن مستقبل حرية التظاهر في لبنان. كان الحوار صريحا ونديا. تعطل لردح من الزمن لمعرفة من يتكلم أولا، الوزير أم ممثلو الشباب. « أفلا تسمعنا؟.. أم تريد أن تتحدث وحدك؟ استمع إلينا قليلا… دعنا نتكلم… لقد سمعنا رأيك… » ثم انطلق الحوار:

 

الوزير: أنا لا أملك أن أمنعكم من حق التظاهر لكن القانون يوجب عليكم أن تقوموا بالإعلام وأن تنتظروا أجل السبعة أيام.

 

الشباب: أو يجب علينا أن ننتظر سبعة أيام حتى نتظاهر للاحتجاج على مداهمة سجن أريحا واعتقال أحمد سعدات؟

 

الوزير: لا، عليكم أن تختاروا عندئذ مسلكا للمظاهرة لا يطرح مشاكل أمنية، أما إذا أردتم أن تتظاهروا أمام السفارة الأمريكية فعليكم أن تعطوني الوقت الكافي لاتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة. فوجئت بلهجة الحوار وقلت للوزير مبتسما « إنها الديمقراطية المباشرة » فرد علي ضاحكا  » لا، إننا متعودون عليها في لبنان ». وبالفعل كانت الأسرة اللبنانية ملتئمة تلك الليلة في تنوعها وتعايشها، تعايش يضرب بجذوره بعيدا في أعماق التاريخ وتيقنت من جديد أن التنوع والتوازن أساس صلب … للحرية. ودعيت في اليوم الموالي إلى إجراء مقابلة تلفزيونية في محطة « نيو تي في » الخاصة.

 

تحتل المحطة بناية من عشر طوابق في قلب بيروت ويعمل بها ثلاثمائة موظف تقريبا، لم ألاحظ من بينهم واحدا تجاوز الثلاثينات من عمره. أجري الحوار بتقنية عالية وبُث في نفس اليوم عدة مرات ضمن ملف إخباري حول تونس بمناسبة الذكرى الخمسين لاستقلال البلاد. كان الملف متوازنا، لم يغب عنه رأي الحكومة التي شددت على مكاسب المرأة. لمست حيوية الإعلام اللبناني وأدركت مرة أخرى أن الحرية أم الإبداع وأن لبنان لم يكن تحديا للغرب في وجه الشرق وأنه لم يستعد عافيته عن طريق الصدفة أو بفضل الأموال الخليجية والإيرانية التي ضخت فيه بسخاء وإنما استعادها بفضل الحرية التي تفتّق الطاقات وتضع الكفاءة والعمل في مركز الصدارة. أدركت بأن لبنان أعاد بناء نفسه بفضل أموال أبنائه في الداخل والمهجر قبل غيرهم وأنه لم يجلب الاستثمار الخارجي إلا بفضل مهارة وكفاءة أبنائه وأن هذه المهارة والكفاءة لم تكونا لتثمرا وتزدهرا لولا قيمة الحرية التي نسجها لبنان على مر العصور من تنوعه وتعدده وبفضل قيمة التسامح التي شدت فسيفساء الشرق بعضها إلى بعض على مد العصور.

 

وكان مخاطبي من اللبنانيين يلاطفونني بالتشديد على التقارب في الطباع بين الشعبين اللبناني والتونسي ويرجعون ذلك التقارب إلى عوامل التاريخ حتى أن سفير لبنان الحالي أهدى رئيس الدولة كتابا أعد خصيصا لمناسبة تقديم أوراق اعتماده عنوانه  » قرطاج بنت صور ». كنت أشعر بالامتنان إزاء مخاطبيّ لكن شعورا بالحزن كان يتملكني لإدراكي بأن غياب الحرية جعلنا نتأخر عنهم رغم التشابه في الطباع وفي المناخ والطموح. تراهم فخورين ببلادهم معتزين بأنفسهم وترانا نتألم لغربتنا في أوطاننا لا يشدنا إلى بعضنا بعضا سوى الفريق الوطني لكرة القدم أما ما عدا ذلك فغربة وتباعد وانكسار…

 

هل يحافظ لبنان على وحدته أم أن أخطارا محدقة تهدد بإعادته إلى الحرب الأهلية ؟ إن تم ذلك، لا سمح الله، فلن يكون بسبب الحرية وإنما بفعل القوى الدولية التي تريد الزج به في أتون صراع إقليمي، معتمدة في ذلك على أمراء الحرب الفاسدين. لكن وعيا حادا بالخطر جعل قطاعات عريضة من الشعب اللبناني تتشكل في تيار واسع قطبه التحالف بين حزب الله و ميشيل عون. قد يستغرب المراقب الخارجي هذا التحالف بين الشيعة وقطاع كبير من المسيحيين ويتساءل عن أساسه. لكن من ينصت إلى سائق التاكسي فضلا عن قادة الرأي والمحللين اللبنانيين يدرك أن ما يجمع بين الفريقين تمسك بوحدة لبنان وبانتمائه العربي وأياد نقية لم تتلطخ بدماء لبنانية أو بأموال مسروقة من خزينة الدولة. ولعل الحوار اللافت الذي أجراه الإعلامي التونسي غسان بن جدو مع الرئيس إميل لحود هذا الأسبوع والذي بثته قناة « الجزيرة » عكس، على أعلى مستوى من هرم السلطة في لبنان، هذا الوعي الحاد بالخطر المحدق والتصميم على إفشاله استنادا على الثوابت اللبنانية: الحرية والتنوع والوحدة والانتماء الأزلي إلى الشرق.

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 352 بتاريخ 24 مارس 2006)

 


 

الدكتور الطيب البكوش، النقابي والحقوقي ورئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان لـ«الصباح»:

العالم العربي بحاجة إلى إصلاح حقيقي حتى لا يلقى به على حافة طريق البشرية المتقدمة

المطلوب منّا التنديد بكل القوانين الجائرة ومنها قانون معاداة السامية

 

تونس ـ الصباح

 

وصف الدكتور الطيب البكّوش، حدث الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، بكونه «تافها» وأن تداعياته خطيرة..

وقال رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان حاليا، والأمين العام الأسبق للاتحاد العام التونسي للشغل، والمناضل الحقوقي المعروف، أن تفاهة الحدث ليست في الرمز ومغزاه، ولكن في الموضوع ورداءة الرسم المعبّر عنه..

 

ورفض الدكتور البكّوش في حوار خص به «الصباح «، إدراج هذه الرسوم ضمن حرية التعبير، لكنه رفض أيضا الدعوات التي تنادي بسنّ قانون دولي لتجريم المسّ بالمعتقدات، خشية إضافة نصوص جديدة مقيّدة في الوقت الذي يتعيّن علينا إلغاء بعض هذه النصوص..

 

وتناول حديثنا مع رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان، قضايا التحول الديمقراطي والاصلاح السياسي في العالم العربي، ودور المجتمع المدني مستقبلا، وتزايد الاهتمام الخليجي بموضوع حقوق الانسان في المنطقة، الى جانب قضايا أخرى عديدة، تطالعونها في هذا الحوار المعمّق.

 

تـفـاهـة الـحـدث..

 

* لنبدأ من آخر التطوّرات في المشهد الدّولي، ذاك المتعلّق بالرسوم  المسيئة للرسول، كيف تقيمون الحدث ؟ وكيف تقرؤون تداعياته؟

 

ـ الحدث قائم على مفارقة بين تفاهة الحدث وخطورة تداعياته.. والتفاهة ليست في الرّمز ومغزاه، وانّما في الموضوع ورداءة الرسم المعبّر عنه. والقضية الجوهرية في رأيي ليست في مبدأ التصوير وانّما في الرسالة التي يريد صاحب الرسم ابلاغها المشاهدَ والقارئ.

 

* في خضم ردود الفعل حول الرسوم المسيئة، طرح موضوع حرية التعبير ضمن مقاربة أوروبية حرصت على أن تتخذ من المسألة الحقوقية عصا تتوكأ عليها.. الى أيّ حدّ يمكن ادراج تلك الرسوم ضمن حرية التعبير والحقّ الدولي في ذلك؟

 

ــ اذا تناولنا الحدث في حدّ ذاته، معزولا عن جميع ملابساته، فانّ التقاليد الأوروبيّة تستطيع مبدئيا أن تبرّر الرسوم بحريّة التعبير التي تتمتّع شعوبُها بقسط وافر منها مقارنة بالشعوب في بلدان الجنوب. لكن أي حدث لا يمكن أن يُقَيَّم معزولا وانّما في اطار سياق، بل سياقات، وفي هذه الحالة يتغيّر معناه وتتبدّل دلالاته في ضوء سياق محدّد مختلف عن سياق آخر.

 

سيـاق الاحـتـلال..

 

* طيب، في أي سياق تتنزّل مثل هذه الرسوم حسب رأيكم؟

 

ــ تأتي هذه الرسوم في مناخ يتّسم باحتلال أجزاء من العالم الاسلامي: فلسطين وأفغانستان والعراق، مع تهديد أجزاء أخرى بمصير مماثل (ايران وسوريا). كما يتّسم بحملة اعلامية تهدف الى تشويه الاسلام باستغلال التصرّفات العقيمة لبعض المسلمين وقرن المقاومة للاحتلال بالارهاب.. ولهذا كانت بعض الرسوم تكرّس هذا الخلط بين الاسلام والارهاب، ومن الصّعب جدّا اعتبارها عملا فنيّا بريئا ما دام يساهم في تكريس صورة سلبية عن الاسلام تغذّي الأحقاد والمشاعـر العنصرية نحوه.. لأجل هذا لا أعتبر أنّ مثل هذه الرسوم يمكن ادراجها ضمن حرية التعبير التي تضمنها الشرعية الدولية لحقوق الانسان ولاسيما البند التاسع عشر من الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

 

فهذا الحق لا يمكن أن يعلُو على حقوق أخرى مثل حرية المعتقد وواجب احترام معتقدات الغير، فغياب التسامح واحترام الآخر من أسباب اندلاع الفتن كما حدث ويحدث في جميع الأديان والمذاهب اذا مُورست بانغلاق وتعصّب.. ففي المواثيق الدولية عديد البنود المناهضة لكلّ ما يشجّع على العنصرية والبغضاء.

 

* طالبت عديد المنظمات والشخصيات السياسية وعلماء الدين، بسنّ قانون دولي لتجريم كلّ من يمسّ بالمقدسات الدينية. كيف تنظرون الى هذا المقترح؟

 

ــ لا أرى فائدة في سنّ قانون جديد، فثمّة كثير من القوانين المقيّدة للحريات والمناقضة للمواثيق الدولية، فلا نزيد من القيود، بل يجب الغاء بعضها. ومن أتعس القوانين المعمول بها في بعض البلدان الأوروبية تلك المتعلّقة بما يُسمّى معاداة السامية ونكران المحرقة، حتى أصبح مجرّد مناقشة عدد الضحايا جُرما يعاقَب عليه بالسّجن كما حدث هذه الأيام في النمسَا ومن قبلُ في فرنسا مع قارودي وغير ذلك. يجب التنديد بمثل هذه القوانين الجائرة لا محاكاتُها باستصدار قوانين جديدة تبقى دائما قابلة للتأويل المجحف الخانق للحريات.

 

غياب الوضوح في الرؤى

 

* حدث الرسوم المسيئة، أظهر أنّ حوار الحضارات أو الثقافات، يعاني مأزقا حقيقيا في مستوى الغرب، قبل العالم العربي والاسلامي.. هل يمكن القول أنّ الرهان على هذا الحوار بشروطه وظروفه الراهنة، هو الذي أدّى الى تعطيله أو ربّما انطلاقته بصورة فاشلة؟

 

ــ حوار الحضارات في مأزق، ليس في الغرب وحده وانّما كذلك في العالم العربي والاسلامي، رغم أنّ حركة الاستشراق أهمّ من حركة «الاستغراب». فالأولى لم تنقطع منذ قرون. أمّا في العالم العربي والاسلامي لم تتواصل بل انحرفت مع الأصولية ثمّ «الجهادية» و «التكفيرية» وما اليها.

 

وفي المقابل، فانّ المنظّرين لصِدام الحضارات في الغرب قد أصبح لهم تأثير في سياسة الادارة الأمريكية الحالية. لكن عندما نتأمّل أدبيات بعض المنظمات الاسلامية النشيطة في مجال «حوار الثقافات»، نلاحظ تناقُضًا بين محتوى نصوصها المرجعية وما ترفعه من شعارات مُعلَنة. فليس الرّهان على الحوار هو الذي تعطّل وانّما غياب الوضوح في الرؤية والانسجامِ في الاستراتيجية ان كانت ثمة استراتيجية.

 

ومهما يكن من أمر فلا يكفي رفعُ الشعارات والحديثُ عن حوار الحضارات ليكونَ، وانّما يقتضي الأمر الاتّفاق على الأسس والمناهج والأهداف وآليات التفعيل.

 

حول الاصلاح السياسي

 

* بعيدا عن قضية الرسوم المسيئة، نلاحظ تضخّما في الحديث عن الاصلاح السياسي في العالم العربي. كيف تنظرون الى هذا الموضوع في ضوء التجاذب الموجود بين دعاة الاصلاح من الداخل والمستقوين بالأجنبي لانجاز الاصلاح؟

 

ــ الدعوة الى الاصلاح ليست جديدة، وقد ميّزت حركةً فكرية وسياسية كاملة في العالم العربي والاسلامي منذ قرنين. وما أجهضها الاّ الاستبدادُ ولا سيما الجَهُولَ منه. وما يجعله يبدو اليوم متضخّما، هو تبنّي قُوى كبرى له شعارا أكثر منه ممارسة، تزيد وسائلُ الاعلام الكبرى نفخا فيه. والعالم العربي في حاجة الى حركة اصلاح حقيقية عميقة حتى لا يُلقَى على حافة طريق البشرية السائرة بخطى متسارعة الى الأمام، وحتى لا يخرجَ من حركية التاريخ، اذا لم يفهم رهاناتِ الحاضر ولم يتبيّن معالمَ المستقبل..

 

هذا الاصلاح لا يمكن أن يكون الاّ بارادة وقُوى ذاتية، أمّا الدعم الخارجي فقد يكون مساعدا لا بديلا. وأمّا «الاستقواء بالأجنبي» فلا معنى له في زمن العولمة وفي تغيّر معاني السيادة وفي انعكاسِ كلّ أزمة على مساحات تتجاوز حدودَها، وفي وجود تشريع دولي ومحاكم دولية. فالعالم أجمع يُرجِعُ اليوم أصداءَ ما يحدُثُ في أية بقعة من الأرض مهما نأت.

 

* هناك من يرى الاهتمام العربي والدولي بقضايا حقوق الانسان، جزء من المزايدات السياسية أكثر منه استفاقة حقيقية للمجتمع الدولي برمّته؟

 

ــ الاستفاقة موجودة ولكن المزايدات أيضا موجودة. والمهمّ هو تنمية الفكر النقدي وملكةِ التمييز حتى لا نأخذ هذا بذاك، ولا تتداخل أمامنا السُبلُ، وحتى نتبيّنَ الفرق بين القيمة والشعار، خصوصا اذا كانت الممارسة مناقضة لهمَا.

 

والواقع أنّ أكبر اساءة لحقوق الانسان لا تأتي من الاستبداد فحسب وانّما كذلك من دول تعتبرُ نفسَها قدوة ولكنّها تمارس بموازين مختلفة، في حين أنّ حقوق الانسان لا تقبل تمييزا ولا مفاضلة لأنّها قيمٌ قبل كلّ شيء…

 

انتكاس مؤقت وظرفي

 

* من خلال تطوّرات الأحداث الدولية، يبدو أنّ انتهاكات حقوق الانسان لم تعد شأنا عربيا بقدر ما تحوّل «فيروس» الانتهاكات الى الغرب. في تقديركم لماذا هذا التراجع الغربي ازاء موضوع حقوق الانسان؟

 

ــ لا أظنّ أنّه يصحّ الحديث عن «تراجع غربي» لأنّ ذلك يبسّط مسائل هي في الواقع أعقد بكثير وتحتاج الى التنسيب والتوضيح معا.. فاذا أخذنا أسوأ ما في الغرب اليوم وهو الادارة الأمريكية وسياستُها الخطيرة الخرقاء، فهي لا تمثّل الغرب ولا الحضارة الغَربية التي هي اليوم جزء هامّ من الحضارة الكونية في زمن العولمة. ويَكفي التذكير بأنّ أكثر من ثلاثة أرباع الرأي العام الغربي قد عارضت سياسة المغامرة والحرب اللاّشرعية في العراق. وقد تمّ تمرير القرارات السيئة بالخبث والزور والكذب واستغلال مشاعر الخوف والشكّ اثر الحادي عشر من سبتمبر، للتراجع في بعض المكاسب الغربية في مجال حقوق الانسان. لكنّ حبل الكذب قصير، ولا يمكن للانتكاس أن يكون الا ظرفيّا مؤقّتا. ولا يستبعد أن ينقلب السحر على الساحر..

 

ومهما يكن من أمر فانّ شعار حقوق الانسان من حيث هو حقّ قد يرادُ به باطل ليس ظاهرة  جديدة، فقد استعملته الادارات الأمريكية ضدّ خصومها وتجاهلته مع المُوالين لها بصفة انتهازية لا مبدئية، وهذا أمر معروف مفضوح. كما أنّ هذا الشعار لا يكون له عند بعض الغربيين المعنى ذاتُه اذا تعلّق الأمر بمواطن غربي أو بمواطن من عالم آخر..

 

والخطير في هذا السلوك المتناقض هو أنّه يُعطي حجّة لكلّ نظام مستبدّ لمزيد تكريس الاستبداد، بغياب المرجع الأخلاقي والقدوة الحسنة والقوة الرادعة ولو أدبيّا.. لكن الموضوعية تقتضي منّا الاعتراف بأنّ مثل هذه السياسة الفاسدة تجد أيضا ما يغذّيها في التعصّب والفكر الأصولي المنغلق، بما في ذلك في العالم العربي والاسلامي. فالأصولية الصليبية وأصولية حرب الثقافات من جهة والأصولية الجهادية التكفيرية من جهة أخرى، تغذي كلّ واحدة الأخرى وتدعَمُها وتُعمِّقُها، لأنّ وجود واحدة لا يكون الاّ بوجود الأخرى. فاذا ما تحوّل الصراع الفكري الى الصّدام والحرب، تحوّل الوضع من الاختلاف الثري البنّاء الى الخلاف القاتل الهدّام…

 

نحـو عـلاقـة جـديـدة

 

* في ضوء الجدل الدائر حاليا في العالم العربي حول التحوّل الديمقراطي.. الى أيّ مدى يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورا باتجاه هذا التحوّل؟

 

ــ يمكن للمجتمع المدني في البلاد العربية أن يضطلع بدور فعّال اذا توفّرت جملة من الأسباب والشروط لا تبدو لي اليوم ناضجة بما فيه الكفاية. من أهمّها في نظري بناء علاقة تكامل بين أجهزة الدولة وأجهزة المجتمع المدني، بعيدا عن الهيمنة والاحتواء من جانب الدولة وعن الرفض المطلق من الجانب الآخر. فالقطيعة تُؤدي الى الانغلاق والتحجر الذي يرى في كلّ نقد عداء. أمّا الحوار المتواصل فيساهم، رغم الاختلاف، بل بفضله أيضا، في تطوّر العقليات وبلورة القاسم المشترك وهو المصلحة الوطنية والشعبيّة، المتمثّلة أساسا في السعي الى تحقيق التنمية الشاملة المستدامة.

 

المجتمع المدني في حاجة الى سلطة تتفهّم مشاغلهُ وتتعامل معه بذكاء. والسلطة تبحث في المجتمع المدني عمّا يبعث فيها الشعور بالاطمئنان، ولكنّها لا تستطيع تحقيق ذلك مع الرغبة في الهيمنة والتماهي القاتل لروح المبادرة والطامس للفكر النقدي، وهما من المقوّمات الأساسية للخلق والابداع…

 

أولويات التحول الديمقراطي

 

* من خلال تجربتكم السياسية والنقابية والحقوقية، ما هي أولويات  التحوّل الديمقراطي في العالم العربي – في تقديركم؟

 

ــ الحديث عن الأولويات لا يخلو من المزالق. والتأمل في تجارب الأمم يبيّن أنّ الذين راهنوا مثلا على تنمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على حساب الحقوق المدنية والسياسية، والعكس صحيح، قد وجدوا أنفسهم أحيانا في طريق مسدودة واضطرّوا الى القيام بمراجعات أليمة..

 

أظنّ أنّ جميع مقوّمات التنمية الديمقراطية يجب أخذُها بعين الاعتبار في الوقت ذاته دون مفاضلة، لأنّ بعضَها يُنمِّي ويَدعَمُ بعضَها الآخر بصفة متوازية. لنضرب لذلك مثلا بكيفية نشر الثقافة الديمقراطية، التي هي شرط الممارسة الديمقراطية في عملية التنمية الديمقراطية.

 

انّ نشر التعليم والتربية على حقوق الانسان مثلا من شروط الثقافة الديمقراطية. ولكن تحقيق النتائج المرجوّة منها يقتضي المراوحة بين التعلّم والممارسة، من خلال العملية الانتخابية مثلا، حتى لا يشعرَ المواطن بالتناقض بين المعرفة النظرية والتطبيق على أرض الواقع. فالتناقض قد يؤدي الى التشكيك في القيم ذاتها. وفقدانُ الثقة في القيم خطير جدّا على صحّة المواطن النفسية لأنّه يصيب مقتلا في روح المواطنة ذاتها.

 

وهنا أيضا يمكن للمجتمع المدني أن يساهم بفاعلية. فاذا مارست الأحزابُ والجمعياتُ المستقلّة والنقابات المستقلّة الديمقراطيةَ في صلبها، فانّها تكون قد ساهمت في التربية الديمقراطية ونشر ثقافتها. أمّا اذا كانت تكتفي بنقد استبداد السلطة والأحزاب الحاكمة وتعيد هي بدورها انتاج طبائع الاستبداد في ممارستها الذاتية فانّها تفقد المصداقية وتتسبّب في نفور الشباب من العمل المدني والسياسي، فيفرَغُ المجال للانتهازية والتصرّفات الأنانية المنافية للقيم الوطنية…

 

«حماس» وعملية السلام

 

* ما هو موقفكم من صعود حركة «حماس» للسلطة ؟ وكيف تنظرون الى عملية السلام في ضوء هذا التطوّر في المشهد الشرق أوسطي؟

 

ــ ما يَلفت الانتباه هو أنّ مجموع الأصوات التي لصالح «فتح» أكثر نسبيا من مجموع الأصوات التي لـ«حماس». الاّ أنّ تفرّق أصوات الناخبين على المتنافسين من «فتح» جعلها تخسر لفائدة «حماس» التي تميزت قيادتها بالانسجام فانضبط أتباعها، كما استفادت «حماس» من عقاب جزء من الناخبين لــ«فتح» نتيجة تناقص المصداقية والثقة في قيادتها لأسباب عديدة..

 

أمّا تأثير صعود «حماس» للسلطة على عملية السلام، فلا أظنّ أنّه يُغيّر كثيرا من المشهد لأنّ القيادة الاسرائيلية الحالية لا تريد السلام وانّما تسعى الى فرض الاستسلام بالقوة وفرض الحلّ الذي تريد من جانب واحد مطمئنة الى الدعم الأمريكي المطلق والى تآكل الجبهة العربية..

 

والمتأمل في تصرّفات «حماس» منذ أوسلو الى الانتخابات الأخيرة يلاحظ أنّها لم تدّخر جهدا لافشال المفاوضات والاتفاقيات بين السلطة الفلسطينية واسرائيل تماما كما أنّ حكام اسرائيل لم يفوّتوا أية فرصة لنسف الحلول السلمية، فخدموا «حماس» سياسيّا عن وعي أو عن غير وعي، واستغلّوا مقاومتها لمزيد التصلّب والرفض وممارسة ارهاب الدولة على مرأى ومسمع من الرأي العام العالمي العاجز ومن العالم العربي والاسلامي المغلوب على أمره..

 

لذا لا أرى أيّة بادرة تفاؤل من المنظور القريب بالنسبة الى القضية الفلسطينية مادام الوضع العربي والدولي على ما هو عليه…

 

حول الاسلام السياسي

 

* الحديث عن «حماس» يجرّنا في الواقع لطرح سؤال حول مستقبل «الاسلام السياسي» في الحياة السياسية العربية. ما هي مقاربتكم لهذا الموضوع؟

 

ــ لا أميل شخصيا الى استعمال هذا المركّب المصطلح. فالاسلام دين لا يستقيم وصفُه بالسياسي. وكلّ ما في الأمر أنّ بعض الحركات السياسية تسعى الى احتكار الدين واستعماله سلاحا في الصراع السياسي من أجل الحكم. وهي مسألة خلافية وستبقى كذلك على الدوام لأنّها قائمة على مفارقة جوهرية تتمثل في الخلط بين مفهومين متقابلين، مفهوم السياسة التي تعالج قضايا مادية أرضية وهي مصالح البشر وعلاقاتهم ومعاملاتهم الدنيوية اليومية، القابلة للتطوّر والتغيّر في كلّ حين، ومفهوم الدين الذي يعالج قضايا روحيّة سماوية وهي علاقة البشر بالخالق.

 

انّ تاريخ الأمم يدلّ على أنّ هذا الخلط كان دوما مفسدة للدّين وللسياسة معا، وسببا هامّا في استفحال عوامل الحروب والفتن التي تستشري اذا لبست عمامة الدين..

 

ولنا في التاريخ الاسلامي وفي الفتنة الكبرى التي زُرعت بذورها الأولى منذ اللحظة التي تَوَفَّى اللهُ فيها رسولَه لعبرة، هذا فضلا عن الفتن العديدة الكبرى في المسيحية وفي الحروب الصليبية وغيرها كثير.. هذا الرأي الذي عبّرتُ عنه في عديد المناسبات منذ ربع قرن، لم أرَ بعدُ ما يحملني على تغييره.

 

على أني أريد أن أستثني حركات المقاومة للاحتلال، لأنّ المشاعر الدينية عامل هامّ من عوامل الصمود في وجه الغاصب المحتل ومعاضدة المشاعر الوطنية والقومية.. ذلك أنّ البعد السياسي في المقاومة مختلف عن السياسة السياسوية.

 

حــــــــــاوره صالـــــــــــح عطيــــــــــة

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 24 مارس 2006)


 

تناقضات في الفكر العربي اليوم:

مثقفون عرب يقفون إلى جانب المحافظين الجدد ويلتقون مع اليمين الغربي المتطرّف

بقلم: محمد بن رجب

يبدو أنّ بعض المثقفين العرب، وقف بهم قطار الرحلة في أعماق الثقافة العالمية، وبالتحديد الثقافة الغربية في محطة السبعينات، ذلك أنهم اليوم يتحدّثون عن الغرب من خارج العولمة، ويتناولون في تحاليلهم الفكرية مواضيع ومناهج تجاوزتها الأحداث ولم يعد يقرّها المنطق المعاصر ولا تستجيب لها المعطيات المتولّدة عن العولمة التي نشأت في الولايات المتحدة وأحدثت متغيّرات عميقة في الثقافة الغربيّة وأجرت الكثير من التحوّلات في الفكر العربي وفي الثقافة الإسلامية.

أولئك المثقفين الذين تشرّبوا بالثقافة الغربيّة وذابوا فيها، تخصّصوا في نقد الفكر العربي وفي الثقافة الإسلامية مؤكّدين أن هذا الفكر… وهذه الثقافة يقفان وراء تخلّف البلاد العربية والإسلامية وتسبّبا بما لا يدع مجالا للشكّ في انغلاق العقل فيها، وتقوقع الانسان العربي المسلم على نفسه وهو ينظر إلى تقدّم الفكر الغربي الذي تمكن من أن يكون فكرا إنسانيا دون أن يقدر على تغيير ما بنفسه.

وقد اتّفق المثقفون العرب من اليساريين والليبيراليين!!؟ على أنه لا مجال للوطن العربي إذا رام الخروج من تخلفه أن يحقّق خطوة إلى الأمام إذا لم يقتحم الثقافة الغربيّة ويتسلّح بها ويتحلّى بخصوصياتها ويتبنّى مناهجها الحديثة ومستحدثاتها النقديّة، ثم يثور على العقل العربي ويدعو إلى تحديث المجتمع العربي في كل مجالاته.

كان ذلك رائعا منهم لولا هوسهم المرضيّ الطافح بنبرة ساخرة من العرب ومن تاريخهم الطويل وحضارتهم العريقة.. ورفضهم الكلّي  لكل ما هو إيجابي في هذا التاريخ… وفي هذه الحضارة.

لقد تعلّقنا بهؤلاء المثقفين العرب وأحببناهم رغم ما ترشح به كتاباتهم ودروسهم في الجامعة من جلد فظيع ومؤلم للذات.

إنهم مثقفون بحقّ.. وتعلمنا منهم ما يجب أن نتعلّمه لدعم ثقافتنا والوعي بالعالم الحديث، ومساعدة أنفسهم على الفعل المبدع وعلى المساهمة كلّ من موقعه في النهوض بالفكر العربي وبالإبداع العربي لأنّنا كنّا فعلا نرى الغرب شُعْلة من الإبداع… ومنارة للحرّيات والديموقراطية وجدارا صلبا من أجل حماية حقوق الإنسان وفضاء خصبا للإنتاج الثقافي الحرّ…

فلا يمكن الاختلاف حول عظمة الثقافة الغربيّة… ولا يمكن الاختلاف حول قدرة هذه الثقافة والفكر الذي تُشيعه على التغيير المتواصل وعلى التعلق بالحرّيات واحترام دولة المؤسّسات والتمسّك بالقانون، وبتشرّب الحداثة من معينها الأصيل ومن عمقها التقدّمي.

نقول ذلك رغم أنّنا كنّا واعين بما يخطّط له الغرب الأوروبي خاصّة لضرب الثقافات الأخرى ومنها الثقافة العربيّة على أساس رؤية الغرب إلى ثقافتهم باعتبارها ثقافة إنسانية لذا جعلها الغرب مركزيّة فلا مجال للتقدّم بدونها وعلى الجميع أن يركعوا، وعلى كل الثقافات أن تستسلم لسحرها.

ورغم أنّنا نعتبر أنّ هذا التخطيط ليس في صالح الأمّة العربيّة.. وليس في صالح الحضارة العربية الإسلامية إلاّ أنّنا وجدنا لما يقوم به الغرب المبرّرات والتّفسيرات، فإمّا أن نقتنع بهذه المركزية أو نرفضها… لكنّنا أبدا لا يمكن أن نرفض الفكر الغربي، ولا يمكن الاستهانة بالعقل الغربي، ولا يمكن لنا إلاّ الأخذ منه وتطعيم ثقافتنا وتثوير عقلنا.

ولذلك كنّا نحترم المثقفين العرب الذين آمنوا بالثقافة الغربيّة التي كانت فعلا عالميّة ولها خصوصيّات الانسانيّة وهي نموذج حقيقي للحريّة والديموقراطية واحترام حقوق الانسان وفي مقدمتها حريّة التعبير.

 

لكن…

لكن ثقافة الغرب اليوم لم تعد مهيمنة فقد غيّرتها العولمة… وحقنتها بروح يأباها العقل ويرفضها المنطق الانساني، فلم تعد الحريّات في العولمة محترمة ولا مقدّسة ولم يعد الانسان في العولمة غير بضاعة رخيصة لخدمة القوّة  العسكرية. ونحن نشهد اليوم أنّ العولمة التي بشرت بالحريّة ضربتها.. وأن العولمة التي بشرت بالتبادل التجاري الحرّ لم تحترم قواعد اللعبة فما ان اقترب عربي من الموانئ الأمريكية بأمواله الخاصة واشتراها وفق القوانين الأمريكية حتى انتفضت المؤسسات في الولايات المتحدة صارخة برفض وجود العرب في الموانئ الأمريكية لأسباب أمنيّة.

نشهد اليوم صعود اليمين المتطرّف في الكثير من البلدان الغربيّة إلى سدّة الحكم وإلى مقاعد البرلمانات المؤثّرة… ونشهد انتصار المحافظين الجدد الذين لا يؤمنون إلاّ بجيوبهم… وهم يحترمون عمل المافيا ولا يحترمون الفكر الإنساني الغربي الذي وصفه رامسفيلد مرّة بأنّه فكر كلاسيكي وثقافة قديمة وشتم أوروبا بكونها قارّة عجوز… أي غير قادرة على الفعل..

ومع ذلك فإنّ السادة المثقفين عندنا مازالوا يعتبرون العولمة فكرا نيّرا… ومازالوا يعتبرون الولايات المتحدة دولة للتحرير والحرية والديموقراطية، بل هم اليوم يتحدّثون عن ضرورة الاستقواء بها ويكتبون بشكل مباشر وغير مباشر المقالات والدراسات الداعية في وضوح كامل الى الإيمان بأنّ التقدّم لن يحدث إلاّ إذا ما تقدّمت الجيوش المحتلة نحو البلدان المتخلفة الرافضة للحداثة.

وقد تأكد أن الكثير من مثقفينا لا يرون التقدّم إلاّ على الطريقة العقلانية الغربيّة.. وهم لا يرون حقيقة هذا الغرب.. ويعتبرون أنّه مازال نموذجا وهم لا يرون ما يفعله الغرب ضدّ الإنسانية اليوم رغم أن أمامهم المثال الحيّ ألا وهو العراق وما يجري في العراق. إنّ السادة المثقفين العرب الذين نقصدهم وبعضهم تكلموا بصوت عال في المدّة الأخيرة هنا وفي أماكن أخرى بما يؤكّد أنهم مازالوا يعيشون في السبعينات وأنهم يضعون على أعينهم «ضمادات سوداء» حتى لا يرون الحقيقة.

وبعض هؤلاء السادة صنعوا لنا أساتذة مثلهم.. يؤمنون بهم.. وهؤلاء «الجدد» تجاوزوا أساتذتهم وأصبحوا يدافعون عن تحرير العراق بالشكل الذي حدث ويساهمون بقدر مستطاعهم في المحاصرة الفكريّة والسياسية لبعض البلدان العربيّة بدعوى أنّها ديكتاتوريّة… وبعضهم الآخر لبس قناعا «مكشوفا» للدعاية إلى الفكر الإنساني في إسرائيل وإلى أهمية الأدب الإسرائيلي القادر على تهذيب الأدب العربي وتطويره… وهناك من أخفى رأسه في الرّمل ليقول لنا بأنّ إسرائيل لا يمكن أن نغلبها مادمنا لا نرى فيها الجوانب الايجابية والإنسانية.

والغريب أنّ بعض الشعراء والقصاصين الذين من المفروض أنّهم يحسّون أكثر بما يعانيه الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 53 سنة، أصبحوا ينادون بالإسرائيليات الجديدة… ويساهمون في الداخل وفي الخارج  في الأمسيات والندوات التي تبدو أنها للحوار الثقافي وهي في الواقع تسخر بوضوح كامل من العرب وتؤكد أن لا حلّ للعرب الا للانتظام لقلب الحكّام بالحديد والنار وهم يصرّون على ذلك رغم أن ما حدث في العراق هو كارثة تاريخية ووصمة عار على جبين الانسانية الجديدة التي تصنعها عولمة النفط.

كيف يمكن للسادة المثقفين الذين يٌُصفّقون للعولمة وللفكر الغربي دون النظر إلى الواقع العالمي أن يتمسّكوا بمناهج وأساليب وطرائق الستينات والسبعينات الضاربة في فكر ناهض في الغرب منذ بداية القرن التاسع عشر في حين أن الدنيا تغيرت والحكام تغيروا في الغرب أحدهم… وهو أقواهم لا يسانده أكثر من 25% من الشعب وتقوم مظاهرات عارمة في جل البلدان الغربية لفضح المحافظين الجدد.

كيف لمثقفينا الذين كنا نعتبرهم يساريين تقدميين وليبيراليين ديموقراطيين يساندون المحافظين الجدد… ثمّ يتحدّثون عن الحداثة والتقدّم ولا يرون الدم الذي يجري ظلما وعدوانا.. وينسون القضية العربية الأم، القضية الفلسطينية ولا يرون الا ما يقال عن المقاومة بكونها ارهابيّة وهي تعطل عملية السّلام.

فهل يمكن لهذا الفكر العربي المتناقض مع نفسه وتاريخه أنّ يساهم في نهضة الأمّة العربيّة ويقيننا أن الفكر الذي يقدر على مساعدة الوطن العربي هو الفكر الذي يكون قادرا على التخلّي عن جلد الذّات ويكون موضوعيّا في قراءته للفكر الغَربيّ هذا اليوم من خلال ما يصنعه الحكام وحتى المجتمع المدني الذي في جوانب كثيرة يتحرّك اليوم ضدّ العرب ويروّجون ضدّهم كل ما يمكن به اذلالهم وتركيعهم.

على السادة المثقفين العرب الذين نقصدهم أن يعلموا أن مفكرين أحرارا في الغرب يوجدون اليوم في السّجون أو أن أعمالهم الفكرية غير  رائجة بسبب حصار الصهيونية المسلط عليهم لا لشيء إلاّ لأنّهم قالوا بعض الحقائق، وهذا لم يكن يحدث في الستينات أو السبعينات في الغرب وقد قال ديغول «إنّ فرنسا لا تسجن عقلها» أمّا اليوم فإن مفكرا مثل شومسكي (وهو يهودي) لا يجد حظ الوجود القوي في فرنسا لأنّ الصهيونية تحاصره.. ولا أحد يستمع إلى تحاليله الرّائعة في أمريكا لأنّ المحافظين الجدد يحاصرونه من كلّ جانب.

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 24 مارس 2006)


نظـــــام «رخصــــــــــــة مبــــــــــــــدع»:
خطـوة مشرقـة نحـو ثقافـة التقــدم
بقلم: آمال موسى

في أغلب مشاركاتي الأوروبية في المهرجانات الشعرية، كانت دائما تحز في نفسي مسألتان إثنتان: الأولى تتمثّل في القيمة الحقيقية للمبدع هناك، فهي قيمة متجذرة في الذهنية الثقافية والاجتماعية والسياسية بشكل ثابت ومؤسّس له تاريخيا وإبداعيا. قيمة غير قابلة للاختزال ولا للمحو ولا حتى للتطاول المجاني.

ورغم أنّ الثقافة الأوروبية كأهم مصادر الثقافة المعاصرة، تتغذّى من الجدل الساخن والتراشق غير المشروط، فإنّ للمبدع مكانة خاصة وهو أمر منطقي ومعقول لأنّ صانعي ثقافة الأنوار هم أدباء وفلاسفة. لذلك فإن فضلهم على مجتمعاتهم بوأهم موقعا أبديا لا يتأثر بكافة أنواع المتغيرات.

أما المسألة الثانية، فهي أنّ تمتع المبدع في فرنسا تحديدا وبشكل آخر في ألمانيا بمنحة تفرغ للإبداع، تجعله ينكب على تجربته الابداعية دونما أن يبدد طاقته وتفكيره في ثمن الخبز والماء ومعلوم الايجار والكهرباء!

وفي تونس، كثيرا ما عبر بعض المبدعين عن حاجتهم للتفرغ ظرفيا للإبداع وعانوا من خنق الوظيفة ووقوفها ضد فعلهم الابداعي ومنعه من تحقيق التراكم ومن التوغل في مشروعهم أكثر.

ولكن ها أنّ القرار الرئاسي الذي أعلن عنه الرئيس بن علي في خطابه بمناسبة إحياء الذكرى الخمسين للاستقلال، قد جاء ليخلق فرحة حقيقية لدى المبدع التونسي من خلال إرساء نظام جديد تحت عنوان «رخصة مبدع»، وهو قرار يهدف إلى تمكين المبدعين والمثقفين الأجراء في القطاع العمومي والمنتجين لأعمال فنية في مختلف المجالات من رخصة خالصة الأجر، للتفرغ لنشاطهم الإبداعي لمدة ستة أشهر، يمكن تجديدها شريطة وجود انتاجهم الإبداعي وتواصله.

ولعل مثل هذا القرار لا يستطيع أن يختلف فيه مختلفان لدودان!

لذلك من باب الصدق مع النفس والموضوعية وكمنتمية لحقلي الإبداع الشعري والثقافي، أعتبر أنّ نظام «رخصة مبدع»، أجمل هدية يتلقاها المبدع التونسي المكتوي بثقل الوظيفة في ذكرى خمسينية الاستقلال.

أهمية القرار
أعتقد أن إقرار نظام «رخصة مبدع» مهم من ثلاث جهات:

1 – إن البلدان التي تطبق مثل هذا النظام الخاص بالمبدع هي بلدان متقدمة وتعي أهمية الابداع ودوره في تحقيق التقدم والعمل على مزيد تراكمه. أي أنه علامة من علامات التقدم والانخراط في جوهر ثقافة التقدم وقيمها. ذلك أن البلدان المتقدمة والتي تولي العناية الكبيرة للصناعة وللتكنولوجيا، لم تنس في كل مخططاتها التنموية أهمية رعاية الفعل الإبداعي.

ولعل فرنسا بلد شعار «الاستثناء الثقافي» والبلد الأوروبي الوحيد الذي يطبق بشكل كامل ومتنوع نظام رخص للمبدعين، أكثر بلد راهن على  أهمية الثقافة ووضعها في ميزان دولي. لذلك فإن اعتماد تونس في مستهل الخمسينية الثانية نظام «رخصة مبدع» يعكس أننا فعلا بصدد قطع خطوات هادفة في مجال التقدم الثقافي، دون أن ننسى علاقته بمنظومة التقدم الشاملة ومدى قدرته على التأثير في بقية مجالات التقدم المرجوة.

2 – بالنسبة إلى المبدع بوصفه الفاعل الأساسي في الفعل الابداعي، فإن نظام «رخصة مبدع»، سيخفف من حدة التوترات، التي يعيشها وسيشعره بأنه ينتمي إلى وطن يعترف له بخصوصيته وبخصوصية الدور الذي يلعبه ومستلزماته.

ذلك أنّ هذا النظام يُمكّن المبدع من إعادة النظر في علاقته بالعملية الابداعية وإخراجها من الطور العابر والارتجالي والظرفي، إلى طور آخر يصبح فيه المبدع صاحب مشروع له الظروف الواقعية الملائمة، التي تُمكّنه من تحقيقه، دون أن تستعبده لقمة العيش واللهث وراءها.

3  – يعتبر نظام «رخصة مبدع» رافدا من روافد انتعاشة الابداع التونسي وتوفير سبل تراكمه النوعي.

فالذي يبقى من المجتمعات وما تورثه الأجيال للأجيال التي تليها هي الكتب واللوحات والأفلام والأغاني. ذلك هو الإرث الأكثر خلودا وقيمة.

رخصة «منفتحة»
إن هذا القرار الذي أسعد كل المبدعين الحقيقيين، من المهم جدا أن لا تُلحق به أيّة خيبة ما.

لذلك، فإنه يجب أن يكون حقّ لكلّ مبدع صاحب انتاج لافت وواعد ومساهم في إشعاع الإبداع التونسي، بلفت النظر عن خلفية ذلك المبدع ومواقفه.

فالقرار الذي يحمل علامة التقدم لا بد من أن يوازيه تفتح في التعاطي مع المبدعين بمختلف ألوانهم.

ونعتقد أنّ تناول الخطاب لقرار نظام «رخصة مبدع»، قد ورد بصورة شافية ضافية وحاملة بشكل صريح للشروط الواجب توفّرها في المبدع الذي من حقه التمتع بهذا المكسب.

من جهة أخرى، نعتقد أنه من الضروري ولفائدة الإبداع التونسي أن يتبنى القطاع الخاص مثل هذا النظام، كمساهمة منه في ترسيخ قيم التقدم بشكل عملي وإجرائي.

 

(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 24 مارس 2006)

 


حفاوة نقدية وإقبال كثيف من الجمهور

عروض المسرح التونسي في بيروت عمرها نصف قرن

بيروت: حسين بن حمزة

في كل سنة يتجدد موعد الجمهور اللبناني مع المسرح التونسي. وقد شهد الأسبوع الماضي عرضين مسرحيين للمخرج المعروف توفيق الجبالي، الأول قدم على «مسرح مونو» بعنوان «هنا تونس»، والثاني بعنوان «كلام الليل يسطو عليه لصوص بغداد» على مسرح «دوار الشمس» حيث يعيد العمل على مسرحيته الشهيرة «كلام الليل» التي سبق له أن قدمها بنسخ مختلفة، والعرض الذي قدم في بيروت هو النسخة الحادية عشرة لهذا العمل.

 

للمسرح التونسي سمعة عطرة في لبنان، والمسرحيون التوانسة يأتون إلى بيروت، وهم يعرفون مسبقاً أن هناك جمهوراً بانتظارهم. وهو جمهور يضم شرائح مختلفة ومن بينهم ، بالطبع، ممثلون ومخرجون ونقاد. ويبدي النقد، ومعه الصحافة والتلفزة عموماً ، حفاوة بالغة بكل ما قدمه ويقدمه المسرحيون التوانسة في بيروت.

 

لقد حدث ذلك منذ أن جاء رائد حداثة المسرح التونسي المخرج علي بن عياد وقدم مسرحية «يرما» في «مهرجانات بعلبك الدولية» نهاية الستينات، وانتهاء بعملي الجبالي الأخيرين، وبينهما جاء محمد ادريس والمنصف السويسي وفاضل الجعايبي وجليلة بكار وسواهم.

 

ولكن ما سر تعلق الجمهور اللبناني وإعجابه بالمسرح التونسي؟

 

الأرجح أن الأمر ليس سراً بل هو اختبار لحالة مسرحية متنوعة الأساليب والتجارب، تتطور باستمرار. ومن الطبيعي أن يجد ممثلوها ومخرجوها تقديراً واستحساناً وإعجاباً، ليس فقط في بيروت بل في أي مكان يؤمن فرجة حقيقية وتفاعلاً حيوياً بين عرض تونسي وجمهوره، وهو ما يحدث في دمشق والقاهرة وعواصم عربية وأوروبية أخرى، ولكن بيروت تشكل حالة شديدة الخصوصية .

 

عن الحفاوة التي يستقبل بها المشاهد اللبناني العروض التونسية. يقول الناقد نزيه خاطر: أن هناك نوعاً من التبادل الخفي القائم على التشابه بين المسرحين اللبناني والتونسي، وأن هناك صدفة تاريخية جعلت حداثة المسرح التونسي تنطلق بالتزامن مع حداثة المسرح اللبناني تقريباً. ويضيف: انه مع دخول مسرح الستينات اللبناني في أزمة طويلة برز المسرح التونسي إلى الواجهة حاملاً المفاتيح النهضوية نفسها تقريباً التي حملها المسرح اللبناني، وكأن هناك مسرحاً يكمل مسرحاً آخر. ويرى خاطر أن هذا التماهي بين العناصر الفاعلة والمخصّبة تنبّه له مسرحيو البلدين مما أسس نوعاً من التواطؤ بين العاملين في المسرحين والجمهورين أيضاً. ولهذا، يضيف خاطر، من الطبيعي أن يجد الجمهور اللبناني الذاهب إلى مهرجانات قرطاج اهتماماً تونسياً لافتاً، يقابل ذلك دعوات متواصلة لكبار المسرحيين التوانسة لعرض أعمالهم في بيروت. وهكذا من الطبيعي أن يأتي توفيق الجبالي اليوم، وأن يستقبل «مهرجان قرطاج» الأخير عملين لبنانيين لعصام بو خالد وعايدة صبرا.

 

وبدوره يؤكد الناقد بيار أبي صعب هذا الرأي، ويقول ان تونس الثمانينات ورثت الكثير من بيروت السبعينات على صعيد المسرح. في تونس قدمت أعمال واقتراحات مسرحية كان يمكن أن يقدمها في لبنان ريمون جبارة أو انطون ملتقى أو شكيب خوري. ويضيف أبي صعب ان تونس، ولأسباب عديدة، احتفظت بالمختبر المسرحي على علاّته، فما زلنا نجد فيه بذور التجريب والمسرح الطليعي والأفكار المتجددة على صعيد النصوص والأداء والاخراج وأولوية البناء المشهدي وعدم إثقال النص بالايدولوجيا. وهي عناصر يبحث عنها المشاهد اللبناني ويكنّ لها تقديراً خاصاً، وتوفيق الجبالي هو أكثر من يمثل هذه الأفكار، ويمكن الحديث عن قرابة فنية بينه وبين تجربة المخرج اللبناني ريمون جبارة.

 

أما الممثلة عايدة صبرا العائدة لتوها من تونس حيث عرضت مسرحيتها الأخيرة «خدلك كدشة» فتقول: إنها بسبب متابعتها لعدد من العروض التونسية في بيروت، وفي عدد من المهرجانات المسرحية عرفت كيف تقدّر الجهد الذي يبذله المسرحيون التوانسة في التمارين والبحث عن مقترحات جديدة، وترى المسرح التونسي يعدنا دوماً بما هو متطور وجريء حتى على صعيد أعمال المخرج الواحد، كما في أعمال محمد ادريس والجعايبي والجبالي… هناك جرأة في الطرح وابتكارات ينتظرها المشاهد بلهفة. المسرح التونسي، تضيف صبرا، «يشكل حافزاً لنا. هم أيضاً يتابعون أعمالنا ويقدرونها، لا أعرف تماماً وجهات نظرهم ولكننا نلمس رغبة واضحة لمشاهدة أعمال لبنانية في تونس».

 

(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 22 مارس 2006)

 


الموسيقي التونسي أنور إبراهم:

كل الناس سفراء في هذه الأيام

 

تبدو إبتسامة متعددة المعاني على وجه أنور ابراهم عندما يذكر أنّه لا يعرف سبب اعتقاد الكثيرين بأنّه يعيش في مدينة باريس. فهو يقيم في تونس منذ ولادته. ولكن لهذا الأمر جوانب إيجابية، فهكذا ينجو من التبعات المرهقة لنجاحه، كما يقول. رالف دومبروفسكي التقاه وتحدث معه عن أعماله.

 

ابراهيم يحب الخلوة إلى النفس، فهي تكوِّن أحد شروط ابداعه الفني، إذ تحتاج موسيقاه للنفسٍ الطويل حتى تختمر وتنضج. لذا تصمد أنغامه في وجه وساوس الحاضر المتسارع لصالح مقدرة داخلية تلهم الشعور بالقوة والانفتاح.

 

كل الناس سفراء في هذه الأيام. إنه عصر الخبراء الحقيقيين أو المُدّعين، حيث الفضائيات وشاشات التلفزة تحمل آراءهم إلى حجرات الجلوس في هذا العالم. لا يرضى أنور ابراهم بهذا الشكل التسطيحي ما بعد الحداثي، لا سيما عندما يعتمد الفن مرجعًا له. يقول ابراهم: « لا يُلِمُّ أحدٌ بالموسيقى العربية في الغرب »، ويسارع ليضيف: « وبالكاد تجد من يُلِمُّ بها عندنا أيضًا ».

 

الموسيقى نبتة تنمو ببطء

 

ومن ثم ينتقل ليتحدث عن الصيغ النمطية والآراء المسبقة، وعن الظواهر الكثيرة التي يتم تناولها دون تباين أو تمييز فيما بينها، وعن حقيقة احتياج المرء لحياة بأكملها للتوصل إلى تصورٍ تقريبيٍ عن غنى تراث النغم العربي. تنطوي هذه الرؤية على صورة تصنيفية بالطبع، لكنها ذات مغزى عميق بالنسبة لابراهم. فالموسيقى بحاجة إلى وقت. هي نبتة نفيسة تنمو ببطء وهو البستاني القادر على رعايتها كي تنمو وتزهر يومًا ما.

 

يقتضي هذا الرويّة والحكمة. حيث تمر فترات زمنية لا يلمس فيها ابراهم عوده لأسابيع عديدة وأحيانًا لأشهر. فهو بحاجةٍ لهذه الاستراحات كي يستعيد أنفاسه بعد الحفلات الموسيقية الكثيرة التي يقدمها، هذا الموسيقار المتمكن من آلته، المرموق في كل أنحاء العالم.

 

ترتسم على وجهه تعابير متعددة المعاني من جديد عندما يشرح الأمر: « لا أود أن أُفهم بشكل خاطئ، لكنني أكون سعيدًا عندما لا يتوجب عليَّ الوقوف على خشبة المسرح »، ويؤكد ثانيةً على الملاذ الذي يمنحه إياه الانطواء. وبالمناسبة ليس هناك وصفة تنضج وِفقها تأليفاته الموسيقية. فعلى سبيل المثال وضع ألبوم “Le Pas Du Chat Noir” (2003) بدايةً على البيانو، كانعكاسٍ للفترة الزمنية الكثيفة، المفعمة بالانطباعات الجديدة المؤثرة، خلال الجولة الموسيقية التي قام بها مع « ديف هولاند » عازف الكونترباص و »جون سورمان » عازف الكلارينيت، والتي تبعت نشر البوم “Thimar” (1998).

 

موسيقيون جدد في كل مشروع جديد

 

لم يدخل العودُ المشروعَ إلا في مرحلةٍ متأخرةٍ، وكذلك الأكورديون، الذي أضفى على الألبوم لونًا مميزًا. أما في حالة الألبوم “Le Voyage de Sahar” فقد اختار ابراهم طريقًا مغايرًا ويقول بهذا الصدد: « أميل في الواقع الى اختيار موسيقيين جدد في كل مشروعٍ جديد. عندما ينتهي تسجيل مشروع ما يكون العمل مع هؤلاء الموسيقيين قد انتهى أيضًا.

 

لذلك كتبت القطع الموسيقية لألبوم“Le Voyage de Sahar” لآلة العود بشكل منفرد في البدء، دون أن يكون لدي تصور دقيق عن القوام الموسيقي النهائي. لكن أثناء التمرين مع فرانسوا وجان لويس وتجريبنا لعزف عدة مؤلفاتٍ جديدةٍ مع بعضنا البعض، تبين لنا أن آلتي البيانو والأكورديون لا يزالان يحتفظان بدورهما المثير في القطع الجديدة. وبالتالي خالفت ما عزمت عليه وذهبنا معًا إلى الاستوديو من جديد ».

 

كان القرار صائبًا. و بإمكان المرء سماع التغييرات الواضحة على البوم“Le Pas Du Chat Noir” التي حصلت بفعل الاشتراك بعددٍ وافرٍ من الحفلات الموسيقية. يتواءم ابراهيم في غضون ذلك مع كلا العازفين فرانسوا كوتورير على الكونترباص وجان لويس ماتينيير على الأكورديون بطريقةٍ تضفي على الموسيقى عفويةً غير معهودة وأناةً ملفوفةً بمسحةٍ من الحزن. بينما يستقي البوم “Le Voyage de Sahar” مزاجه بوضوح أكبر من عوالم الخبرات الفردية للموسيقيين المشترِكين من جهة أخرى.

 

تلتحم موسيقى جنوب فرنسا الفلكلورية التي يعزفها « ماتينيير »، وحداثة أنغام بيانو « كلود ديبوسي » التي يعزفها « كوتورير » مع نمط الموسيقى العربية الأندلسية وغنى التنويعات في قطع ابراهيم الموسيقية لتنتج مزيجًا من الأنغام المتوسطية، ينجح في استنباط الأثر الشاعري المشترك الراقي، عبر التساوي النديّ للأصوات المشاركة.

 

هكذا تجمع موسيقى ابراهم الهدوء والتدفق، التنوع والكثافة، الالتزام بالتقاليد والانفتاح، في نفس الآن. إنها فنٌ يحتذي مثلاً أعلى، لكنها لا تحتاج لتعصبٍ مذهبي، وبذلك تشكل هذه الموسيقى احدى المقاربات الممكنة من مفهوم ابراهم للتسامح الثقافي.

 

رالف دومبروفسكي

ترجمة يوسف حجازي

حقوق الطبع قنطرة 2006

 

موقع أنور أبراهم: http://www.anouarbrahem.com/

 

(المصدر: موقع قنطرة الألماني بتاريخ 21 مارس 2006)

وصلة الموضوع: http://qantara.de/webcom/show_article.php?wc_c=367&wc_id=248


 

 

 

بلاغ المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول ندوة حقوق الإنسان بالبلدان المغاربية وحول الملتقى التأسيسي للتنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان

 

تنظم الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أيام 29 و 30 و 31 مارس 2006 بفندق « نادي الياسمين » بالهرهورة ندوة حول حقوق الإنسان بالبلدان المغاربية يشارك فيها 11 تنظيميا وحقوقيا من موريطانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا و3 تنظيمات حقوقية مغاربية من فرنسا بالإضافة إلى 6 تنظيمات غير حكومية دولية وجهوية لحقوق الإنسان.

 

وتهدف هذه الندوة إلى تقريب وجهات نظر التنظيمات الحقوقية المغاربية بشأن وضعية وآفاق حقوق الإنسان بالمغرب الكبير وإلى وضع الأسس الفكرية لعمل مشترك بين الحقوقيين المغاربيين.

 

وتتجسد المحاور الأساسية لبرنامج الندوة في:

 

ــ عروض حول أوضاع وآفاق حقوق الإنسان بالبلدان المغاربية.

ــ الإشكالية الدستورية والديموقراطية في المغرب الكبير.

ــ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالمغرب الكبير: الأوضاع والآفاق.

ــ أي مقاربات لمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة بالبلدان المغاربية؟

 

وعلى هامش هذه الندوة المغاربية سينعقد يوم الخميس 30 مارس بعد الزوال الملتقى التأسيسي للتنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان المكونة من التنظيمات الحقوقية الكبرى بالبلدان المغاربية والتي تهدف إلى تنسيق العمل الحقوقي بالبلدان المغاربية.

 

كما تعمل هذه التنسيقية في أفق بناء الاتحاد المغاربي لحقوق الإنسان وتسعى إلى المساهمة في بناء وتفعيل المنتدى الاجتماعي المغاربي وبناء الوحدة المغاربية على أسس ديموقراطية تضمن احترام كافة حقوق الإنسان للجميع

وسينعقد الملتقى التأسيسي للتنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان تحت شعار:

 » من أجل اتحاد مغاربي تصان فيه كافة حقوق الإنسان للجميع »

المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان

الرباط في 23 مارس 2006

 

الجمعية المغربية لحقوق الإنسان

 منظمة غير حكومية تأسست في 24 يونيو 1979،  لها صفة المنفعة العامة    

شارع علال بن عبد الله ممر  كراكشو. مدخل « ب » الطابق الرابع،الشقة 29، الرباط، المغرب.

ص. ب. 1740 ب.م.

الهاتف: 61 09 73 37 212  الفاكس: 51 88 73 37 212

Email: amdh_site@yahoo.fr


 

 

مسؤول: أمريكا غير مستعدة لحذف اسم ليبيا من قائمة الارهاب

 

بوجوتا (رويترز) – قال مسؤول امريكي كبير ان الولايات المتحدة ستبقي ليبيا ضمن قائمتها للدول التي ترعى الارهاب حتى على الرغم من ان ليبيا اصبحت شريكا جيدا في المسائل الامنية.

وقال هنري كرومبتون منسق وزارة الخارجية الامريكية لشؤون مكافحة الارهاب لرويترز اثناء وجوده في كولومبيا لحضور مؤتمر امني اقليمي ان ليبيا ستبقى ضمن القائمة في الشهر المقبل عندما تنشر وزارة الخارجية تقريرها السنوي عن انماط الارهاب العالمي.

واضاف ان السودان المدرج ايضا ضمن هذه القائمة الى جانب كوبا وسوريا وكوريا الشمالية وايران سيبقي في القائمة ايضا هذا العام على الرغم من بعض التقدم في التعاون في مجال مكافحة الارهاب. وقال انه لن تتم اضافة دول جديدة.

ووجود اسم الدولة ضمن هذه القائمة يحرمها من الحصول على اسلحة امريكية ويفرض قيودا على مبيعات السلع ذات الاستخدام العسكري والمدني لها ويحد من المساعدات الامريكية لها ويفرض ان تصوت واشنطن ضد منحها قروضا من المؤسسات المالية الدولية.

وسئل عما اذا كان اسم ليبيا سيحذف من القائمة في تقرير ابريل نيسان فقال كرومبتون « الاجابة هي لا . ولكن ليبيا احرزت تقدما كبيرا في العامين الاخيرين ونأمل ان نستطيع في مرحلة ما معالجة هذا الامر. »

وليبيا التي اعتبرتها واشنطن لفترة طويلة دولة منبوذة قررت في عام 2003 التخلي عن الاسلحة النووية وتحملت المسؤولية عن اسقاط طائرة ركاب فوق مدينة لوكربي الاسكتلندية عام 1988 .

وقال كرومبتون « انها مسألة ثقة ووقت .

 » على الرغم من ذلك على ان أشدد ان ليبيا شريك جيد فيما يتعلق بالتعاون في مجال المخابرات وفيما يتعلق بالتأثير العملي على العدو.

وقال مسؤول ليبي كبير في يناير كانون الثاني ان بلاده تتوقع استبعادها من قائمة الارهاب قريبا وتزايدت التكهنات خلال العام المنصرم بشأن احتمال ان تحقق ليبيا رغبتها في الاعتراف بتقدمها في مجال مكافحة الارهاب ومع نمو العلاقات الثنائية الدبلوماسية والاقتصادية.

وفي وقت سابق يوم الجمعة ألقى الزعيم الليبي معمر القذافي محاضرة بشأن الديمقراطية من خلال دائرة تلفزيونية مغلقة لتجمع لم يسبق له مثيل لاكاديميين امريكيين وليبيين في نيويورك.

ووصف القذافي النظام السياسي في ليبيا بأنه متفوق على الديمقراطيات البرلمانية والنيابية « الهزلية » و »الزائفة » في الغرب.

وسيتم إبقاء السودان الذي كان في الماضي مقرا لأسامة بن لادن زعيم القاعدة ضمن القائمة لان القلق بشأن حقوق الانسان يؤثر على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.

وقال كرومبتون « لقد حققوا بعض التقدم في بعض المجالات ولكن دارفور مأساة مفجعة.

وفي دارفور بغرب السودان حيث مازال القتال محتدما على الرغم من وقف لاطلاق النار تقول الامم المتحدة ان الدولة تدعم ميليشيات عربية تقوم بعمليات تطهير عرقي.

وقال كرومبتون »تحدثت بشكل مباشر مع السودانيين عن ذلك وابلغناهم انه حتى مع الاخذ في الاعتبار المؤشرات الاخرى التي حددناها لا يمكنكم تجاهل دارفور وسياساتهم هناك. »

وسئل عما اذا كانت اي دولة جديدة ستضاف الى القائمة قال كرومبتون « ليس لدينا احد سيتم ترشيحه خلال الاسابيع القليلة المقبلة. »

ورفع اسم العراق من القائمة في اكتوبر تشرين الاول عام 2004 بعد الغزو الامريكي له في عام 2003 والذي ادى الى إسقاط الرئيس صدام حسين.

ويقول محللون انه من غير المحتمل ان تكون اي من الدول المدرجة على القائمة مرشحة لاستبعادها من القائمة في اي وقت قريب.

من هيج برونستين

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 24 مارس 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


 

الاسلاميون في المغرب يركزون على القضايا الاساسية وليس الدين

 

الرباط (رويترز) – قال زعيم حزب العدالة والتنمية الاسلامي المغربي الذي تشير استطلاعات الرأي الى أنه سيفوز بالانتخابات البرلمانية المقررة العام المقبل ان الحزب سيصب اهتمامه على مكافحة الفساد والفقر وليس على الدفع ببرنامج عمل أصولي.

وقال سعد الدين العثماني الامين العام لحزب العدالة والتنمية والذي قد يصبح أول رئيس وزراء اسلامي للمغرب ان حزبه المعتدل يمكن مقارنته بالاحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا.

واضاف في مقابلة مع رويترز ان حزب العدالة والتنمية حزب سياسي ذو مرجعيات اسلامية.

وحزب العدالة والتنمية هو ثالث كتلة في البرلمان المغربي المكون من 325 مقعدا حيث يأتي مباشرة خلف حزب (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) الذي يهيمن على ائتلاف وسطي حاكم مع حزب (الاستقلال) القومي.

غير أن استطلاعا للرأي أجراه المعهد الجمهوري الدولي ومقرة الولايات المتحدة أظهر أن حزب العدالة والتنمية قد يكتسح حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال ويفوز بنحو 47 في المئة من الاصوات مقابل 29 في المئة للحزبين الحاكمين.

وقلل العثماني من أهمية الاستطلاع والتوقعات بفوز حزب العدالة والتنمية والتي قد تثير القلق بين النخبة العلمانية بالمغرب.

واضاف خلال المقابلة التي جرت أمس الخميس ان التوقعات لا تصادفها الحقائق والوقائع دائما وأن الافضل التريث وعدم التفكير في الامر قبل فترة طويلة من الانتخابات. وأضاف أن اراء الناخبين يمكن أن تتغير وأن الانتخابات لن تجرى غدا.

وفي حال فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات البرلمانية المقررة في 2007 فسيكون أول فوز لحزب اسلامي في شمال أفريقيا منذ كانت الجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر على وشك الفوز بالانتخابات البرلمانية في عام 1991.

وكانت الجبهة الاسلامية للانقاذ حققت تقدما رائدا عقب المرحلة الاولى من الانتخابات غير أن الجيش الجزائري ألغى الانتخابات قبل الجولة الثانية والنهائية مما أدى الى اشتعال حرب أهلية دامت أكثر من عقد وأسفرت عن سقوط قرابة 200 ألف قتيل.

وادراكا منه للتجربة الدامية في الجزائر يبعث حزب العدالة والتنمية رسائل تشير الى الوسطية في الداخل والخارج.

ومن المتوقع أن يبدأ العثماني ومسؤولون اخرون بالحزب الشهر القادم زيارات الى فرنسا والولايات المتحدة ودول أخرى لحشد الدعم للبرنامج المعتدل للحزب.

وقال العثماني ان واجبهم هو الوصول الى الغرب والاستماع الى ما يقوله. وأضاف أنهم ينبغي أن يكون لهم اتصال مع الغرب وأن يستخدموا السلوك الحميد لكسب القبول والاحترام.

وقال الحزب ان الفساد المتفشي في الجهاز الاداري للحكومة هو العقبة الرئيسية أمام مكافحة الفقر والامية والبطالبة.

وتقر الحكومة بتأثير الفساد في البلاد وتدرس انشاء وكالة لمحاربته.

وتشير الاحصائيات الرسمية الى أن أربعة ملايين شخص يقعون تحت خط الفقر من بين سكان المغرب البالغ عددهم 30 مليونا كما أن 12 مليونا منهم لا يمكنهم القراءة أو الكتابة فيما تزيد نسبة البطالة على 10 في المئة.

وقال العثماني ان المغاربة بحاجة الى استخدام جميع طاقاتهم للتعامل مع مشاكلهم ومواجهة التحديات العديدة التي يواجهونها وأنه لذلك ينبغي على المغاربة تعبئة وحشد جميع قواهم وتجنب الطائفية.

 

من الامين الغانمي

 

(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 24 مارس 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


 

فراغ سياسي في الصومال:

حلّت ساعة الإسلاميين!

 

لم تحقق حكومة الصومال المؤقتة التي اعتمدت دستوريا في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2004 أي نجاح حتى الآن بينما بدأت الجماعات الإسلامية تقوي مركزها. محاكم الشريعة المنتشرة أحسن مثال على ذلك. مقال كتبه مارك انغيلهارت.

 

أخذت المدافع المضادة للطائرات تدوي في نهاية فبراير/شباط في موقاديشو مخترقة تراكم الحطام الذي خلّفته الحرب. وهيمن على الشوارع دوي القنابل المضادة للمدرعات والصواريخ المركبة فوق العربات المستخدمة في الطرق الوعرة.

 

لم يعهد سكان العاصمة الصومالية التي ظلت ابتداء من عام 1991 دونما حكومة مثل هذه المعارك منذ سنوات عديدة انصرمت. مئات منهم عمدوا إلى الفرار من أحيائهم السكنية هربا من الطلقات العشوائية للمليشيات التي يفتقد أغلب أفرادها إلى التدريب العسكري الجيد، ولقي على الأقل 15 شخصا منهم حتفهم.

 

بعد مرور عام على اندلاع المعارك كف المقاتلون عن إطلاق نيران مدافعهم، لكن المعارك في حد ذاتها لم تنته بعد. هناك طرفان متصارعان، الطرف الأول هو كالتالي:

 

تم تشكيل اتحاد يضم كلا السياسيين ورجال الأعمال يسمى « التحالف ضد الإرهاب ومن أجل استعادة السلام ». ويضم التحالف المذكور خمسة وزراء تابعين للحكومة المؤقتة التي اعتمدت دستوريا قبل أكثر من عام. أما في الطرف الآخر فتتواجد مليشيات محاكم الشريعة الإسلامية.

 

محاكم الشريعة تمويه فقط؟

 

يبدو أن هذا النزاع الدائر في الصومال قد أكد على صحة الظن الذي ساور أذهان البعض بكون منطقة القرن الأفريقي بؤرة لتجمع حركات إسلاموية مرتبطة ببعضها البعض عبر شبكات اتصال عالمية. هذا وينظر الكثيرون إلى محاكم الشريعة الإسلامية على أنها ليست إلا غطاء تمويهيا لتلك الجماعات المتطرفة.

 

وإن رأى نيكولاوس غروبيك الذي يبحث في جامعة هارفارد في ملف الأنظمة القانونية لدى الدول التي فشلت في تكريس وجودها بأن الوضع أكثر تعقيدا من ذلك، فهو يقول: « ليست أغلبية محاكم الشريعة في الصومال متسمة بتوجه متطرف، كما أن زعماءها يشددون على نحو صريح بأنهم لا يريدون أبدا أن تكون لهم أية علاقة بالإرهابيين ».

 

يضيف الباحث بأن هذه المحاكم التقليدية التي يترأسها قائد ديني يحمل لقب « الشيخ » قد تم تأسيسها بعد فرار الدكتاتور زياد بري في عام 1991 لتكون ردا على حالة الفوضى وانعدام سلطة القانون. ففي الفترة التي لم تتواجد أثناءها لا حكومة ولا قوانين في الصومال شكّلت تعاليم الشريعة الإسلامية في هذا البلد الذي يتألف مجتمعه بنسبة 100 بالمائة تقريبا من المسلمين القاسم المشترك الوحيد في هذا المجتمع.

 

سرعان ما كرّست هذه المحاكم في أماكن تجمع العشائر والقبائل المختلفة النظام والأمن. لهذا السبب يضمر على وجه خاص أبسط الناس في الصومال مشاعر الاحترام لتلك المحاكم. في أغلب الحالات لم تصدر عن تلك المحاكم أحكام صارمة كقطع اليد في حالة السرقة. في هذا السياق يقول أحد قضاة تلك المحاكم: « إننا في الصومال ندين بنهج إسلامي مبني على التسامح، أما مثل هذه الأحكام (الصارمة) فإنها تتناقض مع روح قوانيننا التقليدية ».

 

لكي يتسنى لمحاكم الشريعة إصدار أحكام في مدينة تتعدد فيها العشائر والقبائل مثل موقاديشو فقد التحمت ببعض عبر شبكات اتصال تتبع إليها إحدى المليشيات المسلحة. بناء على تقديرات « المجموعة المعنية بالأزمات الدولية » يبلغ عدد الجنود التابعين لهذه المليشيا عدة مئات، هذا بالإضافة إلى الجنود التابعين لكل محكمة على حدة.

 

في موقاديشو التي يعتمد فيها الوزن السياسي لمجموعة ما على حجم المليشيا التابعة لها أصبحت محاكم الشريعة بالتالي عامل قوة لا يسع لأحد أن يغفل الاهتمام عنه. وهنا يستنتج غروبيك الذي أجرى لتوه لقاءات مع عدد كبير من القضاة بأن « تزايد نفوذ بعض محاكم الشريعة وخاصة ذات التيار الأكثر محافظة من غيرها قد جعلها تتحرر من الهياكل القبلية لتصبح في هذه الأثناء طرفا من أطراف النزاع قائما بنفسه ».

 

حركة الجهاد في الصومال

 

حسن ظاهر عويس هو من أكثر رؤساء محاكم الشريعة المسيسة نفوذا. إنه يبلغ من العمر 61 عاما وينتمي إلى جيل المؤسسين القدامى داخل الحركة الجهادية ذات الهياكل المرئية المعروفة والتي تعرّف خطابها السياسي بالكفاح ضد كافة الكفار.

 

وقد أسس عويس في بداية التسعينيات بالتعاون مع المحاربين القدماء المتدربين على يد حركة طالبان في أفغانستان الذراع العسكري لمنظمة « الاتحاد الإسلامي » التي كانت الحكومة الأمريكية قد وضعتها بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 في القائمة السوداء المتعلقة بالجماعات الإرهابية الناشطة على مستوى عالمي.

 

عويس نفسه مطلوب للقبض عليه بتهمة الإرهاب. لكن منظمة « الاتحاد الإسلامي » التي بدأت نشاطها كحركة مقاومة موجهة ضد نظام بري المروع لم تلق صدى إيجابيا يستحق الذكر لدى الصوماليين إزاء كفاحها من أجل تأسيس دولة مبنية على أسس الدين الإسلامي. وقد تطلب الأمر من هذه المنظمة نقل مقرها الرئيسي مرارا من موقع إلى آخر نظرا لأن العشائر المجاورة للمقر لم ترغب في تمركز الجهاديين بالقرب منها.

 

وقد أدت الضربات القاتلة التي وجهتها قوات الجيش الأثيوبي ضد معسكرات الاتحاد الإسلامي إلى مقتل العدد الأكبر من أعضائه. ولا يعرف اليوم عما إذا كانت هذه المنظمة ما زالت اليوم في حيز الوجود بعد أم لا. لكن زعماء المنظمة الذين ما زالوا على قيد الحياة كحال عويس لم يعدلوا عن جهودهم الرامية إلى تبوء السلطة.

 

يصف دبلوماسي أمريكي الوضع الراهن في هذا السياق فيقول إن: « الاتحاد تحول من منظمة إلى فكرة ما زالت تشع قوة ». وفي جميع الأحوال فإن عويس نفسه ما زال يعرب عن قناعاته وأفكاره بملء الصراحة فقد قال على سبيل المثال « نحن المسلمين لن ندعم الحكومة العلمانية المؤقتة. فأية حكومة لا تحكم وفقا لكتاب الله تكون غير جديرة بالدعم ».

 

تأسست في العامين الماضيين بجانب تنظيم المحاربين القدماء حركة جديدة تتألف فعالياتها من الجهاديين يتزعمها قائد إحدى مليشيات الشريعة أدين هاشي فرح ايرو الذي لا يتعدى عمره ثلاثين عاما. يعتقد المراقبون بأن عدد أعضاء هذه الحركة ما زال صغيرا حيث لا يتعدى بضع عشرات من الأشخاص، لكنها متورطة في مقتل أربعة أجانب كانوا يعملون في قطاع المساعدات الإنسانية وعشرات من الصوماليين بحجة أنهم كانوا يتعاونون مع مخابرات غربية.

 

يقال إن ايرو الذي ترعرع في ظل عويس وكان قد تم تدريبه على يد حركة طالبان يتمتع بأحسن الاتصالات مع شبكة القاعدة. و بناء على تقييم ماثيو برايدون الذي يعمل لدى المجموعة المعنية بالأزمات الدولية لهذا التطور الجديد فإن « ايرو (يشكل) مزيجا مثيرا للقلق بين الجهاديين ومحاكم الشريعة الإسلامية وحركة الاتحاد الإسلامي ».

 

الكفاح على السلطة في القرن الأفريقي

 

يخالج الجماعات الإسلاموية إزاء الكفاح الدائر آنيا حول السلطة في الصومال إحساسا قويا بالثقة في النفس. هذه من ضمن الأسباب التي تجعل أعضاء الحكومة المؤقتة الرابع عشرة في غضون 15 عاما يأخذون الصراع مع الإسلامويين مأخذ الجد. وقد شن مؤخرا أعضاء مليشيات تابعة لمحاكم الشريعة هجوما على أستوديو تمت فيه دبلجة أفلام هندية.

 

برر فيما بعد رئيس اتحاد محاكم الشريعة الشيخ شريف أحمد ذلك الهجوم بقوله « إن القانون الإسلامي يمنع الأفلام والموسيقى والرقص ». ووقف مئات من الصوماليين يشاهدون الأستوديو بعد تدميره بساعات ومشاعر الذهول تهيمن عليهم، الأمر الذي دل بناء على رؤية برايدون بأن أغلبية الصوماليين تنتابها مشاعر النفور العميق حيال الإسلامويين.

 

يقول برايدون: « الأمر الملفت للاهتمام على نحو خاص كون الحركة الجهادية لم تحظ حتى الآن على تأييد يستحق الذكر،هذا على الرغم من وجود تربة خصبة مبدئيا للإسلامويين إذا أردنا أن ننطلق من قراءة تقليدية في هذا الشأن ». والواقع أن الصوماليين لا ينشدون تأسيس دولة مبنية على الدين بل يطمحون في أن يتم تشكيل حكومة فاعلة من الناحية الوظيفية.

 

ينصح برايدون الغرب بتقديم أكبر درجة ممكنة من الدعم لمنطقة القرن الأفريقي لجعلها قادرة على محاربة التيار الإسلاموي الذي أخذ يتداخل في أطرافها.

 

مارك انغيلهارت

ترجمة عارف حجاج

حقوق الطبع قنطرة 2006

 

(المصدر: موقع قنطرة الألماني بتاريخ 21 مارس 2006)

وصلة الموضوع: http://www.qantara.de/webcom/show_article.php/_c-492/_nr-359/i.html


 أَحْزَانُ قَافِلَتِي

 

صلاح الدين الغزال – بنغازي – ليبيا

 

 قَدْ صَارَ قَلْبِي مُحْبَطـاً

يَذْوِي بِلاَ مَعْنَى

شَيْءٌ يُؤَرِّقُنِي ..

وَيَسْتَشْرِي كَمَا النَّارِ

وَيَقْذِفُنِي اضْطِرَامَا

سَنَابِلِي العَطْشَى

يُمَزِّقُهَا الأُوَامْ

لاَ مَالَ لِي

لاَ لَيْلَ لِي

إِلاَّ مَآسِيَّ العِظَامْ

دَمْعِي تَحَجَّرَ

بَعْدَمَا رَحَلَ الحَبِيبْ

وَبَقِيتُ مُنْتَجِعـاً لَظَايْ

شَمْسِي الَّتِي ..

كَانَتْ مُرَفَّهَةً

تَدَاعَتْ

وَتَسَلَّلَ اللَيْلُ ..

إِلَى أَقْبِيَتِي

حَلَّ الصَّقِيعُ بِمَرْفَئِي

وَتَصَدَّعَ الجَسَدُ النَّحِيلْ

نَحْنُ الحُفَاةُ المُسْنِتُونْ

إِلاَمَ نُصْغِي لِلسُّكُونْ

أَيْنَ المَعَاصِرُ

كَيْفَ لاَ تَطْفُو

عَلَى السَّطْحِ الشُّجُونْ

أَحْزَانُ قَافِلَتِي

يُجَمِّدُهَا الصَّقِيعْ

لاَ ضَرْعَ يَحْلِبُهُ ..

الصِّغَارْ

لاَ حَلْمَةَ اليَوْمَ تَلُوحُ

فِي خِضَمِّ الزَّمْهَرِيرْ

إِلاَّ تَنَسَّمَهَا المَغِيرْ

نَخِيلُنَا الزَّاهِي

طَوَاعِيَةً يُكَبِّلُهُ الرُّكُوعْ

صَدْرِي المُعرَّى لِلرَّصَاصْ

قَدْ صَارَ كَالغِرْبَالِ

لَكِنَّ الحَيَاةْ ..

بِالرَّغْمِ مِمَّا نَابَنِي

مَا فَارَقَتْ جَسَدِي

أَسْمُو إِلَى يَوْمٍ جَدِيدٍ

بَعْدَ طُولِ اليَأْسْ

يُزِيلُ آلاَمِي

وَيُزِيحُ أَحْزَانـاً نَمَتْ ..

مُنْذُ الصِّبَا

بِأَصِيصِ أَيَّامِي

هَمْسِي بِلاَ مَعْنَى

صَمْتِي بِلاَ مَعْنَى

لَكِنَّنِي مَازِلْتُ مُنْتَظِراً

يَوْمـاً يَكُونُ بِهِ

بَعْدَ انْكِسَارَاتِي

وَتَحَطُّمِي ..

مَعْنَى

 

بنغازي 21/11/2000م

 

(المصدر: صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 352 بتاريخ 24 مارس 2006)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.