TUNISNEWS
7 ème année, N° 2325 du 03.10.2006
وكيل الجمهوريّة يستمع الى أقوال الأستاذ أحمد نجيب الشابّي الحبيب غربــال: فتاة تتعرّض إلى تحرش من طرف عون أمن سليم بوخذير: بعد تكرر مصادرة القدس العربي: حرية الصحافة في تونس.. الي أين؟ رامي عبد الوهاب: الإسلاميّون و » حركة 18 أكتوبر » محمد الصالح فليس: لماذا أصبح شعب تونس الباسم …متجهما؟ د.أحمد القديدي: الوفاق ليس النفاق بل محاولة بناء جسر مرسل الكسيبي: من أجل حوار هادئ وبناء يفتح أبواب المصالحة الوطنية محمد العروسي الهاني: الإعلام المنشود في بلادنا و الإصلاحات المطلوبة في مجاله من اوكد الضروريات عبد الوهاب الهمامي: انطباعات حول كتاب حفريات في ذاكرة الزمن لمؤلفه الطاهر العبيدي سارة دودش: المرأة التونسية متقدمة في الحركة متأخرة في التركة برهـان بسيــس: الخطاب الديني في تونس حياة السايب: تيجانية بزاوية سيدي أحمد الباهي:تنوع التراث التقليدي التونسي وانسجامه مع العصر راشد الغنوشي: انتصار المقاومة في لبنان كيف يترجم؟ محسن المزليني: من العلمانية إلى الحاكميّة د خالد شوكات: مواقف علماء الشريعة من الإسلام السياسي عادل الحامدي: الحرب على الإرهاب وسؤال الهوية العربية محمّد الحدّاد: مبادرة فرنسيّة لحوار الأديان والحضارات الحياة: غسان بن جدو ضيفاً على نيشان: الراديكاليون الثلاثة د. عبدالوهاب الافندي: علي سنة بلاد الرافدين وضع العراق عن كاهلهم
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )
To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »
حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:
مراسلة خاصّة بموقع الحزب الديمقراطي الديمقراطي:
وكيل الجمهوريّة يستمع الى أقوال الأستاذ أحمد نجيب الشابّي
مثَل اليوم الإثنين 2 أكتوبر 2006 على الساعة 12 ظهرًا، الأستاذ أحمد نجيب الشابّي أمين عام الحزب الديمقراطي التقدّمي والمدير المسؤول عن جريدة الموقف أمام وكيل الجمهوريّة بقصر العدالة بالعاصمة، للإدلاء باقواله فيما يخصّ المخالفة المُدَّعَاة على جريدة الموقف والمتمثّلة في « تغيير المطبعة التي تتولّى سحب الجريدة دون اعلام السُلط » حسب الفصل 14 مكرّر من قانون الصحافة. وقد رافق الأخ الأمين العامّ ثلّة من قيادات وكوادر وأصدقاء الحزب الديمقراطي التقدّمي ، كما حضر معه عدد من المحامين منهم: الأستاذ (العميد السابق) البشير الصيد، الأستاذ العيّاشي الهمّامي، الأستاذة راضية النصراوي، الأستاذ عبد الرؤوف العيّادي، الأستاذ عبد الرزّاق الكيلاني..، كما استمع وكيل الجمهوريّة الى افادة الأستاذ رشيد خشانة رئيس تحرير جريدة الموقف وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدّمي.
وفي اجابة على سؤال لمراسل موقع الحزب الديمقراطي التقدّمي حول : »قراءته لهذا الإستدعاء في هذا التوقيت بالذات »، أجاب الأستاذ أحمد نجيب الشابي بما يلي:
» أنا حقيقة أستغرب هذا الإستدعاء الذي ليس له ما يبرّره من الناحية القانونيّة ، خاصّة وانّ ادارة تحرير الموقف لم تغيّر المطبعة وانّما اضطرّت الى القيام ببعض الأعمال الجزئيّة ( معالجة نصوص وتركيب) لدى شخص أخر قبل ان تعيد المسوّدة الى نفس المطبعة التّي قامت بعملها كالمعتاد، وهو ما يوحي بأنّ الأمر يتعلّق بضغوط سياسيّة وماليّة تُمَارس على جريدة الموقف منذ زمن ، والهدف منها هو خنق هذه الجريدة ومنعها من القيام بواجبها الإعلامي والنضالي ، كما يدّل على ضيق صدر الحكومة بالرأي المخالف ولو كان في كنف القانون والإحترام والمهنيّة ، كما انّي لا استبعد ان تكون هناك علاقة ما بين هذا الإ ستدعاء في هذا التوقيت بالذات ومشاركتنا بمعيّة قيادات سياسيّة وحقوقيّة تونسيّة أخرى في لقاء مع أعضاء البرلمان الأروبي بسترازبورغ .. لكن الأكيد انّ ذلك وغيره لن يثنينا عن المُضيّ قُدُمًا في القيام بواجبنا الإعلامي والسياسي الوطني من أجل مصلحة تونس ومستقبل أبنائها ».
(المصدر: موقع pdpinfo.org بتاريخ 2 أكتوبر 2006)
فــتــاة تــتــعــرّض إلى تحرش من طـــرف عـــون أمـــــن
أنا مواطــن تونسي من جهة صفاقس أرفع إلى الرأي العام والى رئاسة الجمهورية المظلمة التي تعرضت إليها ابنتي من طرف عون أمن في الطريق العام :
يوم الجمعة 29 سبتمبر 2006 الموافق ل 6 رمضان وأمام التقاطع المؤدي إلى ملعب الطيب المهيري بصفاقس وعلى الساعة الثامنة و عشر دقائق صباحا إلى إيقاف من طرف رجل يقول انه عون شرطة لا يرتدي زي الشرطة طـالبا منها نزع الفولارة التونسية التي ترتديها قائلا لها أنت من جـماعة بن لادن ومنعها من مواصلـة الطـريق ثم طـلب منها اسمها واسم أبيها وأمـها و لما أصر على طـلبـه وشعرت بالرعب امتثلت لطـلبـه فقال لهـا (( محـلا شعراتـك ,,,, سماح برشـا ,,,,, علاش ما تعريهش ديما )) وأخذ ينظــر إليها بطريقة غير عاديــة أحست بالحــرج ونهته عن ذلك وطلبت منه إخلاء سبيلها أجــابها مجددا ((لماذا لا تريديـن من ينظـر إلى شعرك وهو جميل ؟)).
وأنا أتساءل كـيف يتصرف أعوان الأمن وهم لا يحملون الزي الأمني ؟ فإما أن يكـونوا ليسوا بأعوان أمــن وهنا أقول للسلطــة كيف يحدث هذا وعدد أعوان الأمن لا يحصى ولا يعد للتصدي لذلك. وإما أن يكونوا فعلا رجال أمن وتلك الطــامــة الكـبرى لأنه (هذا العون) أصبــح عون ………..
فمتى سيلتمس المواطـن التونســي و أبنائـه الأمن من رجال الأمن؟؟؟؟؟؟؟
الحبيب غربــال – صفاقس
السلام عليكم أخي الطالب أختي الطالبة، على اثر العملية الجبانة التي قام بها مجرمو الأنترنات و ذلك بحجب موقعنا من داخل تونس، نعلمكم انه بأمكانكم تصفح موقع طلبة تونس على العنوان الجديد http://talabatounes.ifrance.com/ و ذلك بدون اضافة www كما نعتذر لوجود لافتات اشهارية نظرا لمجانية الموقع و نفيدكم انه سيقع تغير المكان كلما وقع حجبه علنا نمكنكم من الاستفادة من هذا الإنجاز الطلابي. و الله ولي التوفيق
المشرف على الموقع
مشاركة
تلقى السيد أحمد الرحموني الرئيس الشرعي لجمعية القضاة التونسيين والسيدات وسيلة الكعبي وكلثوم كنو وروضة القرافي أعضاء المكتب التنفيذي الشرعي للجمعية دعوات شخصية لحضور آلمؤتمر السنوي 49 للاتحاد العالمي للقضاة الذي سينعقد بمدينة سيوفوك بالمجر جنوب غربي العاصمة بودابست من 28 سبتمبر الجاري إلى3 أكتوبر القادم وهو تجديد الاعتراف بالهياكل الشرعية ومساندة لها. وقد تقدم السادة القضاة بمطالب لدى وزارة العدل مضمونة الوصول وعن طريق التسلسل الإداري للاسترخاص بمغادرة التراب للمشاركة في فعاليات هذا المؤتمر العالمي فتم رفض ذلك .
وفـد تحول يوم الاربعاء27 سبتمبر الجاري وفد من قيادات الأحزاب والمنظمات الاهلية إلى ستراسبورغ تلبية لدعوة من المجموعة الاشتراكية في البرلمان الأوروبي .ويتكون الوفد من السادة أحمد نجيب الشابي الأمين العام للديمقراطي التقدمي و خميس الشماري عضو هيأة 18 أكتوبر ومصطفى بن جعفر الأمين العام للتكتل الديمقراطي ومختار الطريفي رئيس رابطة حقوق الإنسان وخديجة الشريف رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ولطفي حجي رئيس نقابة الصحفيين .وستكون للوفد لقاءات مع رؤساء كتل في البرلمان الأوروبي كما يشارك في ندوة ستقيمها في باريس اللجنة من أجل الحريات في تونس التي يترأسها السيد كمال الجندوبي.
سفراء بعد الشغور الحاصل في سفارة ببروكسيل على اثر تقاعد السفير محرز بالرحومة يرجح أن يعين كاتب الدولة للشؤون الاوروبية السيد حاتم بن سالم سفيرا جديدا لدى بلجيكا. كما يتوقع تعيين السيد صلاح الدين الجمالي كاتب الدولة للشؤون المغاربية والافريقية سفيرا في الأردن فيما يرجح أن يسمى السفير الحالي في عمان السيد عبد الرؤوف الباسطي كاتب دولة لدى وزير الخارجية . وفي نفس السياق يتردد أن كاتبة الدولة سيدة الشتيوي ستعين سفيرة لدى ألمانيا فيما دعي سفير تونس لدى الكويت السيد محمد الحصايري للعودة إلى الوطن رغم قصر المدة التي قضاها هناك بسبب خلاف مع الوزير.
ضغوط تكثفت اجراءات المراقبة الجبائية المسلطة على رموز حركة 18اكتوبر وتم اخضاع نشاط العديد منهم لخطايا مالية ثقيلة بشكل ملفت للانتباه يدل على رغبة في استخدام سلاح المراقبة للضغط عليهم .وشملت هذه الاجراءات الأساتذة العياشي الهمامي (الذي تم الاضراب في مكتبه ) ومحمد النوري وعبد الرؤوف العيادي .كما سلطت ضغوط على الأستاذ العيادي أدت إلى إجباره على الخروج من مكتبه والانتقال إلى مكتب آخر، علما أنه كان يتقاسم المكتب مع المحامي السجين محمد عبو.
تجدد محنة الطالبات المحجبات
تجددت مشكلة الطالبات المحجبات في مطلع السنة الجامعية الجديدة بسبب تطبيق المنشور 108 الذي يمنعهن من ارتداء الحجاب في المعاهد والجامعات . فقد منعت ادارة المعهد العالي للدراسات التكنولوجية برداس الاسبوع الماضي الطالبات المحجبات من دخول المعهد. وأحالت الطالب بشير الغريسي على مجلس التأديب ومنعته من مواصلة دراسته بسبب دفاعا عن حق زميلاته في دخول المعهد ومواصلة دراستهن . كما منع الكاتب العام للمعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجية بماطر الطالبات من دخول المعهد وطالبهن بنزع حجابهن او الحرمان من الدراسة . وانتقدت عدة منظمات حقوقية عودة هذه الممارسات ومن بينها رابطة حقوق الإنسان والحملة الدولية من اجل حقوق الانسان في تونس .
تقترض لتسديد ديونها
ذكر مراسل صحيفة ’ القدس العربي في ابو ظبي جمال المجايدة أن مجموعة » دبي القابضة » أعلنت عن إنجاز إجراءات للحصول على قرض مجمع بقيمة 2.25 مليار دولار أمريكي (حوالي 3مليارات دينار) لتمويل شراء حصتها في مؤسسة « اتصالات تونس » البالغة %35 من إجمالي أسهم المؤسسة . وستتيح هذه الخطوة لتحالف تيكوم . مجموعة دبي للاستثمار،العضوين في « دبي القابضة » استكمال استثمارهما في مؤسسة » اتصالات تونس » وانجاز كافة عمليات التملك.
هذا وقد تم إقفال عمليات المساهمة في القرض المجمع ، الذي سيتم سداده على 18 شهرا، في شهر جويلية الماضي، بعد أن حقق زيادة في الاكتتاب بلغت الضعف ، حيث شارك أكثر من 45 بنكا في عمليات الإقراض ، نصف هذه البنوك من منطقة الشرق الأوسط ، أما النصف الثاني فمن آسيا و أرووبا.
وأفادت الصحيفة أن عمليات تجميع القرض قد بدأت في أعقاب فوز عرض تحالف تيكوم – مجموعة دبي للاستثمار في شهر مارس الماضي بالعطاء الذي طرحته « اتصالات تونس » لبيع 35% من أسهمها. ويمثل استثمار « دبي القابضة » في » اتصالات تونس » جزءا من إستراتيجيتها العامة لعقد صفقات مهمة ضمن قطاع الاتصالات في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط .
تعليق العمل بخدمة « مضاعف 2 »
أصدر الديوان الوطني للبريد منشورا من الرئيس المدير العام يخص خدمة « مضاعف 2 » بتاريخ 11جويلية 2006 يعلق فيا إيقاف العمل بهذا المنتوج الذي يبقى اختياريا وعلى أساس مطلب يقوم الحريف بتقديما وعلى هذا الأساس تم ارجاع المبلغ المالي الذي وقع خصما من حسابات المدخرين وحث المنشور السادة المديرين الجهويين ورؤساء مكاتب البريد على تطبيق المنشور بكل دقة بداية من 12/7/2006 وسارعت إدارة البريد إلى إلغاء المنشور عدد 35 المؤرخ في 29 مارس 2006 بعد تجربة فاشلة دامت شهرا خصوصا بعد الاحتجاجات التي صدرت من قبل المدخرين وذلك بسحب أموالهم وغلق حساباتهم المالية . وكان يمكن أن ينهار نظام الإدخار البريدي بسبب خدمة لم يستشر فيها الحرفاء حيث وقم الاعتداء على حقوقهم وخصم مبالغ قد تبدو ضعيفة في الظرف الراهن لكنها في المستقبل قد تتضاعف ،فالثقة فقدت وعلى الديوان أن يبادر بتقديم اعتذاره لعموم المدخرين وإسناد حوافز جديدة للتشجيع على الإدخار وعودة المنسحبين لأن المنافسة لا ترحم.
تطورات في ملف التأمين
أقام الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس ندوة جهوية حول آخر تطورات ملف التأمين على المرض يوم السبت الماضي باشراف السيد محمد شعبان الكاتب العام والسيد رضا بوزريبة عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام المسؤول عن قسم التغطية الاجتماعية والصحة والسلامة المهنية ،وقدم خلالها السيد فتحي العياري مداخلة حول « نظام التأمين على المرض بين مراحل التطبيق والعوائق » والسيد رضا بوزريبة حول آخر تطورات ملف التأمين على المرض والمفاوضات الجارية مع الإدارة . أما النقاط التي تناولها المشاركون فهي تمويل الصندوق والحفاظ على الحقوق المكتسبة وتأهيل القطاع العمومي والتنافس بين القطاع العام والخاص واسترجاع المصاريف وتراجع نسبة مساهمة الدولة في الصناديق الاجتماعية وارتفاع مساهمة الأجراء. وانتقد المشاركون التفاف السلط على الاتفاقات المبرمة وأكدوا استعدادهم للدخول في إضرابات احتجاجية في كل القطاعات إذا تم تطبيق المشروع من جانب واحد.وتم الإعلان عن القيام بسلسلة من التجمعات والاجتماعات للإعلام والتوعية والاحتجاج مع بداية شهر أكتوبر القادم .
محكمة وانتخابات للمرة الأولى في تاريخ الطعون قبلت المحكمة الإدارية شكلا الطعن الذي تقدمت به قائمة الوفاق الديمقراطي ببلدية زرمدين ضد والي المنستير في القضية المتعلقة بالانتخابات البلدية لسنة . 2005 ووجهت المحكمة دعوة للسيد محمد نجيب الحداد رئيس القائمة وكاتب عام جامعة الديمقراطي التقدمي بالمنستير لحضور الجلسة المقررة ليوم الجمعة 13 أكتوبر.
عائدون يستضيف منتدى الجاحظ مساء الجمعة 29 سبتمبر الجاري في مسامرة رمضانية الشخصيات العائدة من لبنان للإدلاء بشهاداتها على اثر الحرب العدوانية الاخيرة .
اعتصام قام 150 طالبا بالمبيت الجامعي بمنوبة باعتصام اعتبارا من الاربعا ء27 سبتمبر الجاري للاحتجاج على أوضاعهم السكنية .
تحرّك من أجل التشغيل
قام يوم الأربعاء 20سبتمبر الجاري أصحاب الشهائد العليا » المعطّلون عن العمل » بتحرك احتجاجي جديد بشارع الحبيب بورقيبة ، اذ تجمّعوا أمام نزل » الهناء الدولي » ورفعوا شعارات منادية بتشغيلهم قبل تدخل قوات الأمن بالزيّ المدني التي اعتقلت 24 منهم وأطلقتهم بعد ساعات .
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن العدد 375 من « الموقف » بتاريخ 29 سبتمبر 2006)
دراسة علمية حول اشكاليات التنمية
تولى الاتحاد العام التونسي للشغل اعداد دراسة علمية حول اشكاليات التنمية بولاية الكافة وتولى الاشراف على هذا العمل عدد من المختصين في العلوم الاجتماعية والاقتصادية نذكر من بينهم الأستاذة درة محفوظ وسامي العوادي وعبد الستارالسحباني.
وشهد فضاء الاتحاد الجهوي للشغل بالكاف مؤخرا عرضا لأهم نتائج هذه الدراسة التي وقع اعدادها انطلاقا من أرقام ومعطيات وفرها المعهد الوطني للإحصاء والدوائر الإدارية وهو ما يؤكد مصداقيتها. وخلصت الدراسة إلى التأكيد على أن ضعف الاستثمار العمومي ومحدودية الاستثمارالخاص مع تنامي ظاهرة غلق المؤسسات قد خلقت وضعية ركود في سوق الشغل .
وأبرز الأستاذ عبدالستارالسحباني أن هشاشة البنية التحتية تسببت في عزل الجهة عن بقية جهات الجمهورية وتسبب عدم استقرارغالبية كبارمالكي الأراضي الفلاحية في فشل عديد المشاريع الاقتصادية .
وتوقفت الدراسة عند محدودية دور ما يسمى بالتنمية التلقائية وهي عباراة عن جملة من المشاريع الصغيرة ذات التمويلات المحدودة والتي لاتخضع إلى أية هيكلة وتدخل في إطار النشاط العائلي، إلا أنها توفر دخلا ولومحدودا يساهم في تنمية موارد العائلة وعلاوة على ذلك تطورت التجارة الموازية وتجارة التهريب .
وتنفرد ولاية الكاف مع ولاية سليانة في ظاهرة النمو الديمغرافي السلبي.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن العدد 375 من « الموقف » بتاريخ 29 سبتمبر 2006)
بعد تكرر مصادرة القدس العربي:
حرية الصحافة في تونس.. الي أين؟
سليم بوخذير (*)
عاد الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين السيد آيدن وايت من زيارته الأخيرة الي تونس، بأسف شديد علي حالة الصحافة والصحافيين في البلد.
ولم تنجح كل اللقاءات التي عقدها أمين عام أهم هيئة عالمية للصحافيين، سواء مع مسؤولين حكوميين أو مع ممثلين لجمعيات قريبة من حكومة الرئيس بن علي، في أن تغير ولو قليلا، من الاستياء الذي خرج به الرجل بعد اتصالاته المباشرة بالاعلاميين، من حالة الانسداد التي تعرفها مسألة حرية التعبير في صحافة تونس وحالة لا صوت يعلو فوق صوت الحكومة التي يقول المنتقدون انها سائدة في مختلف ملامح قطاع الاعلام منذ سنوات.
وفي الواقع، الاتحاد الدولي لفرسان صاحبة الجلالة هو ليس أول الهيئات التي تُعبر عن قلقها من مشكلة ما يُوصف بـ الحصار المضروب علي حرية الصحافة في تونس.
فقبله حبرت الشبكة العالمية لحرية التعبير ايفيكس تقارير عن هذا المشكل، وتنافست معها في هذا منظمة مراسلون بلا حدود و هيومان رايتس ووتش والفيدرالية الدولية للدفاع عن حقوق الانسان وغيرها من الهيئات الأممية الكبري، كما وقف الأمين العام للأمم المتحدة بنفسه في مؤتمر صحافي ضمن القمة العالمية لمجتمع المعلومات في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لينتقد هذه التجاوزات ويطالب الرئيس التونسي باطلاق حرية التعبير.
ولا تتركز الانتقادات المُوجهة الي الحكومة التونسية في هذا المضمار، علي الاعلام التلفزيوني المحلي الذي تقول التقارير انه مثل عديد البلدان العربية لا يُسمح الا للمُوالين للحكومة بالتحدث فيه، وانما تنسحب علي كل أشكال الاعلام ، ذلك أن الصلاحيات الوافرة التي منحها قانون الصحافة التونسي لوزير الداخلية في الاشراف علي القطاع، جعلت ـ فيما جعلت ـ تراخيص الصحف في القطاع الخاص لا تمنح الا للسائرين في ركاب الحكومة مما جعل المعلقين يشيرون الي أنه لا يمكن لملاحظ عادي يتصفح صحف تونس، أن يعثر علي أي فرق في المحتوي بين الصحافة الرسمية وصحافة القطاع الخاص بالبلد من حيث الولاء المطلق للرأي الحكومي والخبر الحكومي. وقد ظل الاستثناء الوحيد هو صحيفة الموقف الناطقة باسم حزب معـــــارض، فهي ذات محتـــوي مختلف تماما ونعثر في صفحاتها علي الرأي المخالف وحتي علي الانتقاد الجريء، ولكن هذه الصحيفة ما فتئـــت تعاني من سلاح المصادرة المتكررة بـــين اليوم والآخر، فضــــلا عن مُحاصرتها ماليا وكونها شبه ممنوعة في الأسواق التونسية، حـــتي أنك اذا ما تحصلت ـ وبعد جهد جهيد ـ علي نسخة منها وأطلــــعت عليها مواطنا تونسيا سيحســـب منذ الوهلة الأولي أنها تصــــدر بالخــــارج من فرط حالة شــــبه منعها في الأكشــــاك واخفائها عن الناس.
ومن المُؤسف أن هذه الممارسات شملت أيضا الصحف الواردة من الخارج، وخير مثال علي ذلك مصادرة صحيفة القـــــدس العربي عديد المرات في الشهر الواحد، وأحيانا بسبب نشرها لأخبار أو آراء عن شؤون دولية أو عربية لا تهم مباشرة السياسة التونسية، وكان من نتائج فيتو المصادرة المرفوع بين اليوم والآخر في وجه القدس العربي في تونس وما يكلفه ذلك من اثقال لكاهــــل الصحيفة بخســائر مالية فادحة، أن اضطرت الي خفـــض كمية نسخها اليومية التي ترسلها الي تونس من 3 آلاف الي 500 نسخة فقط!
وفي نفس سياق علاقة الحكومة التونسية بالاعلام الخارجي، قد لا تكون مُصادفة البتة، أن تونس هي واحدة من البلدان القليلة جدا في العالم التي منعت بقوة قناة الجزيرة في أن تنقل مراسلات من تونس وكذا حصل لقناة العربية وغيرها من قنوات الأخبار.
و وصل ما يصفه المنتقــــدون بـ العســـف في هذا المضمار الي حد أن صادرت الحكومة البطاقة الصحافية لمراسل الجزيرة في تونس لطفي حجي كما عاني من الحجز مرارا وتكرارا في مخافر البوليس، لمجرد أنه اكتفي بنشر تقارير محايدة عن البلد الجزيرة نت وأخبار قصيرة غير مصورة بالقناة، بعد منعه من تصوير مراسلات.
وانسحبت المضايقات الأمنية والحرمان من البطاقة الصحافية علي عديد المراسلين المستقلين الآخرين من ذلك مراسل وكالة قدس براس و العربية نت وغيرهما.
هذه التجاوزات الحاصلة في مجال حرية الصحافة في تونس، تجرنا الي التساؤل: من المُتضرر من كل هذا؟
والاجابة واضحة، فالمُتضرر هم الصحافيون وأيضا جمهور الصحافة علي حد السواء، ولكن ليس هؤلاء وحدهم هم المتضررون برأيي، فالحكومة أيضا لم تنعم بـ الراحة جراء مسؤوليتها عن هذه التجاوزات، فقد تصاعدت الانتقادات لها من كل جانب بشأن هذا المشكل في الفترة الماضية ووصل الأمر بالاتحاد الأوروبي المرتبطة به تونس باتفاقية شراكة، الي حد تلويحه بامكانية التراجع عن الاتفاقية بسبب ما وصفه بعدم احترام الطرف التونسي لمقتضيات البند الثاني منها والذي ينص علي احترام حرية التعبير والصحافة وحقوق الانسان.
كما هذه سياسة مُصادرة الصحف المخالفة وحجب مواقع عديد وسائل الاعلام العربية والعالمــــية علي الأنترنت، لم تمنع من وصول المعلومة أو الرأي الذي ترغب الحــــكومة في عدم وصوله الي الناس، وذلك اما عن طـــريق الفضائيات أو عن طريق الأنترنت نفسه بعد انتشار ظاهرة البروكسي الذي نشره قراصنة الانترنت في البلد ليتسني للجميع فتح أي موقع محجوب.
وفي اعتقادنا آن الأوان لكي تُفكر الحكومة التونسية جديا في مسألة أنها أول المتضررين من غياب تعددية اعلامية في البلد فعلي الأقل هي أفقدت أي مصداقية لوسائل الاعلام الموالية لها من فرط تعود الناس علي الصوت الواحد بها، ولا شك أنها ستكون مُستفيدة لو أنها سمحت بهذه التعددية المنشودة لأنها وقتها لن تجنب نفسها الانتقادات من هنا وهناك، وأنما أيضا سيمكن لها أن تعزز نسبة المصداقية للخطاب الرسمي في ظل سماحه بالنقاش مع الــرأي المخالف له دون وجل أو مصادرة ..
(*) كاتب وصحافي تونسي
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 3 أكتوبر 2006)
الإسلاميّون و » حركة 18 أكتوبر «
رامي عبد الوهاب
هل يمكن إطلاق صفة » حركة » على ما وقع في 18 أكتوبر من إضراب عن الطّعام لنخبة من السّياسيين و الحقوقيين التّونسيين البارزين و ما تلاه من حالة مساندة عامّة في كلّ الولايات لفتت انتباه العالم و أحرجت السّلطة في ظرف كانت تستعدّ فيه لجني ثمار ترؤّسها لقمّة المعلومات ؟؟؟
هي قطعا حركة احتجاج نوعيّة و متقدّمة في تاريخ النّضال السّياسي المدني في تونس أعادت خلط الأوراق السّياسيّة من جديد و ذلك بكسر الاستقطاب التّقليدي » السّلطة / الإسلاميّون « ، » التيّار الإسلامي / الحركة الدّيمقراطيّة « … ذلك الاستقطاب الذي كرّسته السّلة لتمرير سياسة القمع و المحاصرة الأمنيّة للمجتمع المدني و فرض رقابة شاملة على فعاليّاته بدعوى التّصدّي لخطر التّطرّف الدّيني والظّلاميّة بينما راحت تدعم بكلّ قوّة أشدّ التيّارات الإسلاميّة انغلاقا و تشدّدا… كما انساقت بعض الفصائل اليسرويّة والنّخب العلمانيّة المتطرّفة في هذا التّوجّه معتبرة أنّ المواجهة الحقيقية ذات الأولويّة القصوى ليست بين السّلطة و المجتمع و لكن بين الحركة التّقدّميّة و المشروع السّلفي و المقصود به حركة النّهضة …
في المقابل كرّست حركة 18 أكتوبر الاحتجاجيّة تصوّرا آخر عن طبيعة الحراك السّياسي المدني في تونس و القائم على التّدافع بين مشروع الاستبداد السّياسي المدعوم أمنيّا و تمثّله السّلطة بكلّ أجهزتها مسنودة بالحزب الحاكم و أحزاب الموالاة و في الطّرف المقابل مشروع الحريّات الذي يضمّ كلّ الفصائل و النّخب المؤمنة بأولويّة النّضال من أجل الحريّات العامّة و الأساسيّة لتوفير المناخات السّليمة للتّنافس السّلمي بين المشاريع المجتمعيّة و البرامج السّياسيّة لاحقا … لذلك لم تقفز حركة 18 أكتوبر على الاختلافات السّياسيّة و النّظريّة بين مكوّناتها ولكن اعتبرت أنّ المواجهة الحقيقيّة ذات الأولويّة القصوى هي ضدّ الاستبداد القائم فعليّا والذي يسمّم الحياة السّياسية و يقطع على المجتمع المدني سبل التّدافع السّلمي والجدل السّياسي و النّظري بين مكوّنات السّاحة السّياسيّة …
لقد نجحت حركة 18 أكتوبر في تمرير هذا الخيار الصّعب على السّاحة السّياسيّة التّونسيّة المشحونة إيديولوجيا بمسلّمات سياسيّة عقائديّة تماميّة … و لكن ماذا بعد النّجاح اللاّفت للتّحرّك المباشر ؟؟؟ ما هي الآفاق السّياسيّة لما سمّي بحركة 18 أكتوبر في ظلّ تباين وجهات النّظر بين مكوّناتها و محاولات التّهميش التي تتعرّض لها من قبل السّلطة أو الاحتواء و التّوجيه من قبل الخصوم السّياسيين للمشروع ؟؟؟ و ما هو موقع الإسلاميين في هذه التّجربة و ما يمكن أن تكون خياراتهم ؟؟؟
إنّ نقد تجربة 18 أكتوبر و الأداء السّياسي لمكوّناتها لا يعني بأيّ حال من الأحوال وضع نوايا المنضوين تحتها و صدقيّتهم محلّ نظر و درس فهم جميعا عندنا وبدون استثناء مخلصون في ما أقدموا عليه من تحرّك صادقون في ما صرّحوا به من أهداف سياسيّة و طموحات وطنيّة رغم الحسابات الخاصّة و الدّاخليّة المشروعة لكلّ طرف … إنّ نقد التّجربة يهدف بالأساس إلى تفعيلها لتتحوّل فعلا من حركة احتجاجيّة محدودة الزّمان و المكان إلى حركة مجتمعيّة سياسيّة تمهّد لتنقية الحركة السّياسيّة التّونسيّة من الشّوائب التي علقت بها من دون نظيراتها في المنطقة وتؤهّلها لتحمّل مسؤوليّتها التّاريخيّة في تحرير المجتمع من الهيمنة و التّصدّي للاستبداد…
إنّ أوّل ما نلاحظه أنّ هذه الحركة الاحتجاجيّة كان القصد منها بالأساس لفت أنظار العالم ( و خاصّة دوائر الضّغط المدني و مواقع القرار الرّسمي في الغرب ) للمظلمة التّونسيّة التي تكاد تبلغ العقدين من الزّمان ، لذلك اختار المنظّمون توقيتا تتوجّه فيه أنظار العالم و كاميرات الصّحفيين لتونس. و قد تحقّقت الأهداف المرسومة لذلك التّحرّك من تسليط الأضواء الكاشفة على وضع الحرّيات في تونس و فضح الازدواج في سياسة السّلطة بين الخطاب و الممارسة.
إنّ هذا التّوجّه في النّضال السّياسي ( المراهنة على النّسيج الجمعيّاتي للمجتمع المدني الغربي ومواقع القرار الرّسمي في ما يسمّى بالعالم الحرّ ) و إن كان جديدا في تاريخ حركات التّحرّر الوطني التي كانت تراهن بالأساس على العمق الشّعبي وقوى الإسناد الجماهيري و الشّروط الذّاتيّة للتّحرر ، إلاّ أنّ له ما يبرّره في مستجدّات النّضال السّياسي الرّاهن في المنطقة و التي نجملها في :
ــ انخراط العديد من الأنظمة العربيّة بما فيها النّظام التّونسي في اتّفاقيّات دوليّة وشراكات إقليمية و معاهدات أمميّة باسم الشّعب لها تبعاتها و استحقاقاتها، ممّا يشرّع للمجتمعات و فعاليّتها المدنيّة و السّياسيّة المطالبة بتلك الاستحقاقات والضّغط من أجل الوفاء بها و مطالبة الشّركاء و القائمين على تلك الاتّفاقيّات بالكفّ عن دعم نظام لا يفي باستحقاقاته الوطنيّة
ــ إنّ المراهنة على تناقضات السّياسة الدّوليّة كان توجّها مثمرا نسبيّا أيّام الحرب الباردة و الاستقطاب الثّنائي و لكنّه اليوم محفوف بمخاطر الاحتواء و خدمة أجندات أجنبيّة استعماريّة، و لكن مع ذلك تستفيد العديد من الفعاليّات السّياسيّة والنّخب الوطنيّة بشكل مباشر أو غير مباشر من الهامش الذي توفّره تعقيدات الوضع الدّولي الرّاهن خاصّة و أنّ التّمايز المطلق و الواضح في السّياسة الرّسميّة الغربيّة بين مؤسّسات رسميّة و أخرى مدنيّة مستقلّة يبدو أمرا لا يخلو من النّظر ممّا يوفّر هامش المناورة و الاستثمار
إنّ المعطيات التي قدّرناها تخفي الوجه المعتّم للنّضال السّياسي في تونس ، فهو نضال نخبوي مقطوع عن جذوره الشّعبيّة يراهن على الدّولة التي ستغيّر وضع المجتمع عوضا عن المجتمع الذي سيغيّر سياسات الدّولة، و تتعلّل المعارضة الوطنيّة بأنّ سياسة القمع و المراقبة و المعاقبة التي تستهدف حريّة الإعلام والتّنظّم فضلا عن التّحكّم في أرزاق النّاس… تقطع الطّريق أمام أي انفتاح على عموم الشّعب وتشلّ الحراك السّياسي المدني المحاصر في مقرّات الأحزاب والجمعيّات…
إنّ هذا الوضع الذي يكاد يكون تونسيّا يستدعي حسب تقديرنا النّظر الجدّي من طرف مكوّنات 18 أكتوبر في الأسباب الحقيقيّة و سبل التّجاوز الذي نجح فيه غيرنا حتّى تتحوّل من حركة احتجاج محدودة قصارى جهدها أن تلفت انتباه الصّحافة أو تقنع » العالم الحرّ » بأنّ هناك البديل…
هذا التّوجّه حسب تقديرنا يعبّر عن نّفس قصير و مجهود أدنى و حرق مراحل وقفز في الهواء لا يمكن أن يؤدّي إلى بناء أسس مشروع نضالي سياسي تحرّري يقيم دولة الحرّيّات و العدل و المساواة، هذا المشروع يتطلّب نفسا أطول ومجهودا أكبر و تضحيات أجسم لإخراج المجتمع من بيت الطّاعة الذي فرضته عليه السّلطة.
و إذا أصبح « العالم الحرّ » في هذا الزّمن التّونسي العقيم فرس رهان لدعم النّضال الوطني فأحرى بنا استنفار كلّ المهارات السّياسية و الذّكاء الإيديولوجي و الطّاقات الوطنيّة ووسائل الضّغط المدني لجرّ النّظام القائم إلى المنازلة السّياسيّة السّلميّة الشّريفة أو الحوار المتكافئ المثمر، ليس المهمّ تحقيق كلّ الأهداف و لكن الأهمّ هو وضع قطار النّضال الوطني على السكّة الآمنة الضّامنة للاستمرار و الفاعليّة و النّجاعة و الاستقلاليّة.
سيكون الوضع السّياسي التّونسي أسوأ لو انخرط التيّار الإسلامي ( الذي كان يراهن دائما على عمقه الشّعبي و توجّهه الإصلاحي) في متاهات المعارضة التّونسيّة و رهاناتها النّخبويّة » النّوويّة » الضيّقة خاصّة و أنّ السّاحة الإسلاميّة الشّعبيّة أصبحت ملغومة بتنويعات مذهبيّة و سياسيّة تخفي الكثير من المفاجآت والمفارقات. فهل ينخرط الإسلاميّون بكلّ شجاعة و حكمة و مسؤولية في خيارهم الوطني الشّعبي المدني، أم يقتصر دورهم على اللّهاث المحموم لإقناع نظرائهم السّياسيين بصفتهم المدنيّة و إيمانهم بالدّيمقراطيّة و دعمهم لحقوق المرأة ورفضهم لتعدّد الزّوجات و تطبيق الحدود … و ذلك لاقتلاع صكّ الغفران السّياسي والبراءة من تهمة العداء للحريّة ؟؟؟ كم سيستغرق من الوقت و الجهد و المناورة إقناع النّخب السّياسيّة التّونسيّة بذلك إن كان يمكن أن يحصل أصلا ؟؟؟
لقد كانت حركة 18 أكتوبر على درجة من النّضج السّياسي و البراجماتيّة التي خوّلت لها القبول بالإسلاميين شريكا في حدث سياسيّ كان محطّة هامّة في تاريخ النّضال السّياسي المعاصر في تونس، و رغم ضغوطات الخصوم و مناورات المناوئين استطاعت هذه الحركة امتصاص الحضور الإسلامي باعتباره طرفا فاعلا وأساسيّا لا مساندا فقط .
و الآن و بعد مرور ما يقارب السّنة ما هي آفاق هذه الشّراكة ؟؟؟
بعد التّقييمات و التّحاليل التي انخرط فيها مساندو حركة 18 أكتوبر و خصومها ومن يقفون منها مسافة حياد يحاول الكثيرون ترسيخ حكم مفاده أنّ أكبر مستفيد إن لم يكن الوحيد من هذا الحدث السّياسي هم الإسلاميّون و يتّهم هؤلاء فعاليّات 18 أكتوبر بتدجين السّاحة الدّيمقراطيّة و التّقدّميّة و تهيئتها للقبول بالإسلاميين ( أعداء الدّيمقراطيّة وأصحاب المشروع الثّييوقراطي ) شريكا في النّضال الدّيمقراطي و ربّما حليفا و هي نقطة الخلاف التي جعلت مشاركة البعض في الحركة مشروطة بإقصاء الإسلاميين.
إنّ وضوح الرؤية لدى أصحاب مشروع 18 أكتوبر منذ البداية و تصريحهم بكلّ مسؤوليّة أنّ الالتقاء مع الإسلاميين في تحرّك يهدف إلى الضّغط من أجل إيقاف سياسة القمع التي تستهدف الجميع و خاصّة الإسلاميين لا ينهي التّدافع السّياسي و الفكري القائم بينهم و بين فرقائهم … إنّ كلّ ذلك على أهمّيته لا يخفي حسب تقديرنا الرّغبة الجامحة لدى الفاعلين في 18 أكتوبر في محاولة التّوفيق بين مسانديها و مناوئيها في هذه النّقطة الخلافيّة بالذّات وذلك لضمان اتّساع الحركة و انفتاحها أو على الأقلّ نفي الاتّهامات والتّقليص من شعور الآخرين بالغبن نتيجة ما يفترض أنّه نصر حقّقه الإسلاميّون من وراء مشاركتهم في 18 أكتوبر …
لذلك بادروا بفتح منتدى 18 أكتوبر للمطارحة الفكرية ليس بقصد إحراج الإسلاميين و وضعهم في الزّاوية أو إرباكهم سياسيّا أو الكشف عن ثغرات مشروعهم الفكري كما أراد البعض، و لكن لجملة من الأسباب نجملها في التّالي:
ــ أوّلا ترك الإسلاميين يخوضون مهمّة عرض أطروحاتهم و الدّفاع عنها بأنفسهم أمام الجميع و ذلك لإقامة الحجّة لهم « أي على خصومهم » أو عليهم « أي لخصومهم » و بذلك يكون الشقّ المتّهم بموالاة الظلاميين في حلّ من هذه التّهمة لو أحسن الإسلاميّون إدارة الحوار بنجاح و كفاءة ، كما يكون الشقّ المتّهم بالمعاداة المجانيّة للإسلاميين في حلّ من هذا الاتّهام لو فشل الإسلاميّون في إدارة الحوار وانكشف خطابهم عن تناقضات و انزلاقات أو زلاّت لسان سيتلقّفها المتلقّفون
ــ ثانيا و هو الأهمّ و الأخطر، محاولة جرّ الإسلاميين إلى مواقف فكريّة و سياسيّة قد لا يكون لديهم الاستعداد النّظري الكافي و وضوح الرّؤية الذي يخوّل الاطمئنان لأيّ تصوّر اجتهادي تجديدي، و فرض أجندة تفكير و نقاش أولويّاتها محدّدة سلفا حسب مقتضيات الجدل السّياسي التّقليدي و من ثمّ محاولة استصدار وثيقة جماعيّة ملزمة أشبه بالميثاق الوطني للمجتمع المدني !
رغم أنّ التّفكير في ميثاق وطني للمجتمع المدني ينظم العلاقة بين مكوّناته نقلة ايجابيّة في الوعي السّياسي للمعارضة التّونسيّة ، إلاّ أنّ اختيار الجدل الفكري في قضايا خلافيّة معقّدة سبيلا لاستصدار ميثاق يجمع و لا يفرّق، فيه الكثير من التّسرّع خاصّة في مناخ سياسي يتّسم بالتّضييق على الآلاف من الإسلاميين ومنعهم من تحصيل القوت اليومي و مصادرة حقّهم في التّنقّل والتّعليم و التّعبير … إنّ هذا الوضع و إن كان لا يمنع من حوار جدّي بين بعض النّخب الإسلاميّة وغيرها فإنّه لا يشرّع بأيّ حال من الأحوال النّيابة عن المجتمع (والإسلاميّون أحد مكوّناته ) و الأجيال القادمة في تحديد ضوابط تتعلّق بهويّة البلد و دستوره وقوانينه و نظام حكمه …!
إنّ الإسلاميين حسب تقديرنا مطالبون بالمشاركة الفاعلة في أي حوار فكريّ داخل مندى 18 أكتوبر أو خارجه لا لدفع تهمة أو التّبشير بأطروحة لم تنضج و لكن لإنجاح التوجّه الحواري و الحراك الفكري الذي يمكّن من إحداث التّراكم النّوعي الذي تتطوّر معه أطروحات الإسلاميّين و غيرهم بشكل متوازي و متناسق قد يؤدّي إلى الالتقاء الموضوعي التّلقائي، خاصّة و أنّ جميع العائلات الفكريّة و السّياسيّة مطالبة بتقديم الضّمانات النّظريّة لقيام تجربة ديمقراطيّة حقيقيّة.
إنّ محاولات النّخب العلمانيّة و اليساريّة إثقال كاهل الإسلاميين التّونسيين بأسئلة كبرى تفوق حجمهم النّظري و عمق تجربتهم الفكريّة و السّياسيّة في وقت لا يزال كاهلهم ينوء تحت وطأة معاناة السّجون المتكرّرة و سياسة القمع و التّجويع لن يزيد الإسلاميين إلاّ إصرارا على المضيّ قدما في سبيل التّجديد الفكري المسؤول وخيار الإصلاح الدّيني الرّصين و الاجتهاد غير المتهافت دون الإخلال بواجب المساهمة في مشروع النضال الوطني من أجل الحريّة و الكرامة و الحوار الوطني البنّاء.
لماذا أصبح شعب تونس الباسم …متجهما؟
محمد الصالح فليس
رغم أن شعب تونس شعب يحبّ الغناء و يتلذّذ السهر ويقبل على « اللّمات » ويعشق الاجتماع حول الأكل والشرب ويهوى تبادل النكت ،فقليلا ما أصبحنا نعثرعلى تونسي متفائل ضاحك مقبل على الحياة بنهم وشراهة ،لقد تحول المواطنون في بلادنا إلى مهمومين ،متجهمين جانحين للصمت علنا ومقبلين على الكلام الناقد الجارح والقاطع سرا وشبه علانية … ما أن تسأل الواحد عن أحواله حتى يسيل على مسامعك سيولا من التذمرات والتظلمات ومعاني الحيرة والخوف من المستقبل وعلامات الهلع والتبرّم من الحاضر، مستندا إلى ما يتداوله الشارع القومي الذي سيطرعلى الحياة العامة في مواجهة للحاكمين الذين ماتزال قاطرتهم الإعلامية تسير بفحم حجري لانتمائها لماض حضاري سحيق أصبح مجالا للتندّر والسخرية.
وأينما وليت وجهك قابلتك المشاكل ، وهي طبيعية بما هي جزء لايتجزأ من الحياة ، بل هي جوهرها ووقودها، لكن الأمر المفزع في بلادنا اليوم هو الغياب الفادح للحلول أيا كانت ، فآلية اتخاذ القرارات تبدو معطلة ومصابة بزكام حاد أفقدها عن التعبير عن نفسها في أرييحيّة وشفافية ، فنتج عن ذلك تراكم المشاكل التي حولتها غياب الجرأة في المعالجة الملائمة والتفاعل المواكب إلى مصائب وعاهات أخذت تنخر منجزات البلاد الهشة على محدوديتها فتآكلتها وتبخّرت ريحها. ولم يستطع نهج التعتيم واللعب بعواطف الناس ، وهو جوهر الخطاب الرسمي، تعويض الحلول أوإلهاء الناس عن حقيقة مشاكلهم وعمق جراحاتهم .
والمفارقة الكبرى التي تعيشها البلاد أن الاختيارات المقدمة للبعد الأمني كسبيل لمعالجة الشأن العام بكل أبعاده في صدارة أولوياتها قد بلغت درجة من المحدودية والعجز عن اختزال الحلول بشهادة أهل البيت ذاتهم ،لاسيما وأن السلطة الحالمة تملك أوضح صورة لما يعتمل في احشاء المجتمع بكل فئاته ، وأدق مشهد لجوهر المعوقات التي تقف حجرعثرة في وجه التنمية الإنسانية في تونس وأمام نمائها الاقتصادي والسياسي.
وعلى قدروضوح الصورة تصر لسلطة على المضي قدما في انتهاج أسلوب حكم يقوم على القطيعة التنافرية الصارخة بين خطاب رسمي يتبنّى – كلاما – مما ناضلت من أجله مجمل أطياف الحركة الديمقراطية والوطنية والتقدمية بالأساس على إنكار حقها في ممارسة الاختلاف والمعارضة وحقها في التعبير عن ذلك في كل الفضاءات العامة والأطر الوطنية بواسطة نهج يعتمد الأمن وسيلة للردّ على التغيرات السياسية للنخب ولفئات شعبية واسعة .
وبهذاالنهج أغلقت السلطة كل مجالات المحاسبة والمراقبة المواطنية على أصحاب السلطة الحقيقية في البلاد الذين أنابوها لمدّة محدّدة تحولت بفعل ثقافة سياسية هجينة إلى احتكارفعلي وحصري للسلطة ، والى رفض عدائي لمبدإ التداول الحتامي سلميا ومدنيا على السلطة ، وهوما أدى في أكثرمن تجربة إلى تحنيط هذه الأخيرة وشخصنة تفاعلاتها وأفقدها بالتعبيّة مقومات أدائها لوظائفها في تناغم حتمي مع أداء الحركة السياسية المعارضة والجمعياتية المستقلة لوظائفها الضرورية .
إن الشعب المكتئب على الدوام يختزن ألما جراء تدهورأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية ونتيجة أسلوب الحكم البالي الذي تواجها به السلطة ، فيصاب بالإحباط المقعد عن الحركة والإبداع والتألق ، والمغذّي لنعرات هجر البلاد بكل الوسائل للعيش خارجها وتأمين حياة اقتصادية وسياسية وفكرية متحررة من تبعات الأمني الخانق ، ومنطق الحزب الواحد المهيمن عمليا، المالك وحده لكل الحقائق ولكل الحلول ! واذا كانت السلطة قد نجحت في ظرف نصف قرن في إطفاء كل الجذوة الوطنية لدى ناشئتنا بالخصوص من خلال مجمل سياساتها الرافضة لكل انصات لنبض الشارع وتعبيراته المعارضة ، فإنها لم تفلح رغم كل ما أتته في وأد تشبث حركة ديمقراطية وطنية متأصلة بقيم المواطنة والمشاركة السياسية في أطرها المدنية المنظمة والأصرار النضالي على إعادة الابتسامة ومعاني الفرح وحب الحياة لكل تونس :
« ثم يمرّ ليلنا الكئيب ويشرق النهار باعثا من الممات جذور فرحنا الجديبّ »
صلاح عبدالصبور
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن العدد 375 من « الموقف » بتاريخ 29 سبتمبر 2006)
الوفاق ليس النفاق بل محاولة بناء جسر
د.أحمد القديدي أحترم اراء الاخوة الكرام الذين لا يرون فائدة من الأيدي الممدودة للمصافحة و الذين يبررون مواقفهم باخفاق التجارب الماضية بين السلطة و مخالفيها، لكن السياسة تتغير بتغير الظروف المحيطة بالوطن و في صلب الوطن، فليس من المنطقي تأبيد و تحنيط العلاقات بين السلطة و أطياف المجتمع المدني في مرحلة تاريخية بعينها دون أن تعتريها عوامل داخلية و خارجية تدفعها للتغيير و اعادة الصياغة. فنحن لا بد أن نتكيف مع هذه المتغيرات و لا نقنط من تغليب العقل على العواطف ولو كانت شرعية و جياشة، في مرحلة نراها جديدة من تاريخ بلادنا، بفضل المراجعات الضرورية و الحكيمة في الضفتين و اعادة النظر في نتائج المواقف هنا و هناك. فالسياسة كما يقول أحد زعماء فرنسا هي النتائج الى جانب كونها هي المبادىء. و أنا أتساءل عما يمكن أن نحرك به السواكن، دون أن يفقد أحد ماء الوجه أو يتخلى عن ثوابته، لأننا بالسعي الى المصالحة الممكنة نتخذ من الشعب شاهد حق، فهو المؤهل وحده لأداء الشهادة أمام التاريخ، في معزل عن الايديولوجيات الجامدة والحسابات الشخصية و تراكمات الماضي الثقيلة. أما اذا استعرضنا التضحيات التي تحملها هذا أو ذاك من النشطاء و أصحاب الرأي فاننا لا نرى في المزايدة على بعضنا البعض الا اهدارا للحوار الأمين و مضيعة للوقت الثمين، لأن كل الفرقاء لهم رصيد من التضحية متواز بشكل أو باخر، و جميعهم من ذوي الوطنية والمبادىء العليا و محبة تونس، و اذا ما اختلفنا حول الطرق و المناهج فنحن من أبناء الوطن الواحد الذي سيبقى بعدنا لأطفالنا. و يعلم الله أني بحكم السن و التركيبة الفكرية ومعابر الحياة كنت شديد الصلة بشخصيات من داخل النظام أعتبرهم قمما في الاستقامة والايمان و الوطنية، كما أني أيضا و في ظروف أخرى من حياتي كنت وثيق الصلة بشخصيات مختلفة مع السلطة و لكنها قمم في علو الأخلاق و رفعة الهمة و أمانة الضمير. و طالما قلت لنفسي من باب الأمانة الفكرية أيضا: يا لها من مكاسب غالية و من منجزات رائدة ستحققها تونس لو توفقنا الى كسر حواجز الخوف و سوء التفاهم بين هؤلاء و أولئك، قاطعين مسالك النميمة و الأحقاد الدفينة و رهن مصير الوطن في المواقف المتشنجة، فاتحين بعض أبواب الحوار الموصدة منذ ربع قرن. ان غايتنا هي رفض منطق الأبيض و الأسود في تصنيف التونسيين، وهو المنطق الذي أسميه منطق الفسطاطين، وهو المنطق الذي يجعل الناس على ضفتي نهر من الماء الطامي كل ضفة تلوح بأنها تمسك بالحقيقة و تتهم الضفة الأخرى بالضلال، مع أن العقل يقتضي محاولة مد جسر على نهر الوطن. فمن يلومنا على محاولة مد جسر على النهر، داعين الناس في الضفتين للعبور و اللقاء على الجسر لو توفرت نوايا الخير و وضع حد و لو تدريجيا للفرقة و الشقاق و القطيعة. ثم ان الأيام القريبة القادمة هي التي ستحكم لنا أو علينا، و الصبر الجميل صفة من صفات المسلم و من صفات الوطني المخلص. فلماذا التنابز بألقاب لا تخدم مصلحة بلادنا ؟
(المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » الألكترونية بتاريخ 3 أكتوبر 2006)
من أجل حوار هادئ وبناء يفتح أبواب المصالحة الوطنية
مرسل الكسيبي (*)
كاتبني الد.منصف المرزوقي الكاتب والطبيب التونسي ورئيس المؤتمر من أجل الجمهورية منذ يوم فقط في سياق التأكيد على رأي له معلوم بخصوص حديث أثرناه حول ضرورات المصالحة الوطنية الجادة بساحتنا التونسية,ولعله يكون ضمن نفس السياق قد أبدى شيئا من الانزعاج والقلق تجاه نغمة الخطاب الهادئة التي استعملناها في اطار مخاطبتنا للقائمين رسميا على شأن البلاد.
لم تزعجني اراء الد.المرزوقي قط فلقد خاطبني في رسالته قطعا في كنف الأدب والاحترام ,ولكن ثمة مسافات في تنزيل الرأي وتحقيق مناطه تبقى مساحة حرة ومقدرة بحسب اجتهادات الأشخاص ورؤيتهم للأمور,وهو مايتيح لنا مسافة في التمايز والاختلاف لكن في كنف التعايش والتعاون وربما حتى الائتلاف.
لم تكن المرة الأولى التي دعوت فيها الى المصالحة الوطنية الجادة والشاملة من خلال ما كتبت في بحر أسبوع خلى,بل انني سبق وأن أثرت هذا الموضوع على الشبكة العنكبوتية وفي حوارات حزبية داخلية قبل أن أتخذ قرارا بتجميد عضويتي في المنتظم الحزبي الذي ناضلت فيه على مدار حوالي عقدين كاملين.
اليوم قررت العودة الى هذا الموضوع بعد أن جمعت من المعطيات السياسية الداخلية والخارجية ماجعلني أقتنع بأن المطروح ليس تغييرا كليا للنظام بقدر ماهو اصلاحات سياسية تخرج تونس من حالة الجمود السياسي والانغلاق في الفضاء العام وتجنب البلاد هزات للاستقرار والأمن العام.
كتبت عن الموضوع بلهجة سياسية فاجأت الكثيرين بقدرتها الفائقة على البراغماتية والمرونة السياسية,وساندني في ذلك أستاذنا الفاضل والمحترم السياسي المخضرم الد.أحمد القديدي الذي تشرف على عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة بعضوية البرلمان والنطق رسميا باسم البرلمانيين العرب في المحافل الأوربية وكذلكم تمثيل تونس رسميا في المحافل الدولية برفقة رئيس وزراء تونس الأسبق السيد محمد مزالي الى حدود سنة 1986.
وقف الى جانبي أيضا في هذا الخطاب السياسي المرن والمحافظ على الثوابت الأستاذ والصديق العزيز الحبيب أبو الوليد المكني ,الذي تشرفت بمعرفته وصداقته عن قرب منذ سنوات طويلة ,فكان أن اكتشفت فيه رجلا راسخ المراس وعميق النظر في استشرافه للامور وتقديره لافاق الحاضر والمستقبل.
ومنذ يومين فقط تشرفنا على صحيفة الوسط التونسية الغراء والمثابرة على متابعة الحدث التونسي والعربي والدولي في تألق,تشرفنا بنشر حوار جميل وعميق وهادئ مع القيادي الاسلامي البارز زياد الدولاتي والذي نقلنا فيه نص حوار اجراه معه الزميل الاعلامي المناضل محمد الفوراتي لفائدة جريدة الموقف التونسية.
لقد كان الأستاذ الدولاتي واضحا في حديثه عن المصالحة الوطنية التي لاتقصي احدا ,وقد كان كلامه محملا بهموم النخبة والمجتمع ولكن في اطار من التوازن والاعتدال المسؤول في الطرح بما يحفظ لجميع مكونات الطيف السياسي حقه في مناخ سياسي تنافسي حر ومسؤول ومراع لمصالح الدولة والمجتمع.
لم يكن مطلب المصالحة في خطاب من ذكرت مبتورا أو مشلولا بل كان في جوهره حيا ومحملا بمطالب أساسية تناضل من أجلها النخبة والطبقة السياسية.
وربما كان وجه الاختلاف مع البعض في أن البعض يتحرج من ذكر الهيئات والأشخاص بمسمياتهم الحقيقية ,ولقد كنت في هذا الاتجاه بصحبة الأساتذة والأصدقاء الأعزاء الد.القديدي والأستاذ المكني رافعين لاوجه الحرج عندما خاطبنا رئيس الجمهورية التونسية بلفظ السيادة محترمين في ذلك تقاليد معروفة في المخاطبة السياسية والديبلوماسية المعتدلة والمسؤولة.
ندرك جيدا مواقف البعض من مثل هذه القضايا وحرص البعض الاخر على اثارة قضايا الشرعية من منطلق تقويمات حزبية او سياسية لانملك تجاهها الا الاحترام والاختلاف المسؤول,غير اننا نرفض المزايدة علينا من قبل البعض في قضايا الوطنية او القدرة على الفهم والتحليل الناضج والاستنتاج مثلما حصل هذا اليوم في مقال نشرناه على صحيفة الوسط التونسية ايمانا منا بحق الاخرين في التعبير والاختلاف ولقد حمل هذا المقال المذكور عنوان « ومن المصالحة ماقتل! »…
وعودة الى سياق الحديث عن المصالحة الوطنية,فان الخيار المذكور طرحناه وسنظل نطرحه من باب الحرص على اخماد نار الفتنة المشتعلة بين أطراف المجتمع السياسي وليس من باب الضعف او السذاجة أو قلة الفهم او سوء التقدير,وأؤكد في هذا الاطار أن رؤيتنا للموضوع تأتي متساوقة مع مايطرح من حلول سياسية في اطار دولي للمنطقة العربية والمغاربية حيث انه ليس من المقبول احداث الثورات او الاتاحة بأنظمة الحكم القائمة,هذا علاوة على أن الوضع الاقليمي في دول الجوار بات متحفزا الى هذا المسار التاريخي عبر طي صفحات الصراع الأليم في المغرب الاقصى على حقبة سنوات الرصاص أو عبر الجنوح للوئام والمصالحة الوطنية في القطر الجزائري منذ اعتلاء الرئيس المناضل عبد العزيز بوتفليقة لسدة الحكم,يضاف الى كل هذا ماتحن له السياسة الليبية من محاولات متكررة للمصالحة مع الذات بايعاز واشراف من سيف الاسلام القذافي وشرائح شبابية واسعة وكثير من التكنوقراط الذين سئموا نهج اللجان الثورية.
أما في موريتانيا فان الوضع الانتقالي الذي تعيشه البلاد في ظل عهد الرئيس اعلى ولد الفال,قد يحمل معه هو الاخر مبشرات التصالح مع الذات برغم الكثير من العقبات الداخلية والخارجية. فلست أدري حينئذ مالمقصود من لغة السخرية عندما يعنون البعض مقاله ب « ومن المصالحة ماقتل ! » في اطار لايخرج في تقديري عن الكلاملوجيا السياسية التي لن تساعد قطعا على اندمال الجرح او ايقاف نزيف السنوات العجاف في اطار الحديث عن محصلاتها السياسية.
لا أكون حييا وخجولا عندما أعترف للدولة التونسية بمنجزاتها فهذا النهج هو عين مايأمرنا به الوحي والقران الكريم في معرض قوله تعالى « ولايجرمنكم شنان قوم على ألا تعدلوا,اعدلوا هو أقرب للتقوى », بل اني سأحمل كل الأرقام التي تقدمها المنظمات العالمية المتخصصة في قطاع المال والأعمال والشؤون المصرفية والاقتصادية على محمل الجد والتصديق والاعتقاد حتى يأتي مايخالف ذلك من نفس هذه المؤسسات أو من رجال متخصصين يشهد لهم العالم والأكاديميون بالخبرة في هذه المجالات. لقد كنت فيما كتبت أمينا الى أقصى حد ولقد طرحت مشاكل المجتمع والنخبة والفاعلين السياسيين في مئات المقالات المنشورة لي على الصحف والدوريات العربية والفضاء العنكبوتي,ولم أمارس في ماصرحت به أو كتبت دورا تجميليا بقدر ماأنني سعيت الى التوازن في الطرح كما الأخذ بسنن التدرج في المطلبية والهدوء في الطرح.
ان التدرج في التغيير والاعتراف بشرعية الدولة والجهات الرسمية في مقابل ما ستحققه من اصلاحات منتظرة لابد أن نناضل من أجلها بكثير من الاكراهات السلمية والمدنية,جاء على اثر تجربة مريرة من النضال السياسي والحقوقي قادتني في سن مبكر الى عالم المنفى لأعيش حالة من التأمل المستمر فيما الت اليه تجارب نهج المغالبة بمنطقتنا العربية عموما وتونس خصوصا,ولذلك استقر لدي الرأي بأن الخطاب الثوري يتحول في أحيان كثيرة الى لون من الديماغوجيا والكلاملوجيا السياسية التي لا تقدم حلولا فعلية للبلاد والعباد وانما تظهر اصحابها بمظهر البطولة ورباطة الجيش دون ان تحقق لمجتمعاتنا وشعوبنا ماتطمح له من مأسسة وتشذيب لتغول الدولة على حساب سلطان المجتمع.
(المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » الألكترونية بتاريخ 3 أكتوبر 2006)
انطباعات حول كتاب حفريات في ذاكرة الزمن
لمؤلفه الطاهر العبيدي
عبد الوهاب الهمامي/ سيدي بوزبد / الجمهورية التونسية
في ستة فصول، جاءت « حفريات في ذاكرة الزمن « ترانيم صدّاحة بائحة، بما يختلج في وجدان الكاتب والصحفي الطاهر العبيدي من معاناة وبوح هادئ حينا ثائرا حينا آخر. كتاب « حفريات في ذاكرة الزمن »، هو باكورة إنتاجه الذي جمعه ممّا نشره في الصحف والمجلات العربية، وما حوته مذكراته الشخصية، ولعل كل قارئ لهذه النصوص سيلحظ ولا شك حضور الوطن في ذاكرة ووجدان الكاتب، هذا الوطن الذي غادره مكرها هروبا من جحيم حصار الكلمة…فأصبح يعيش على ذكراه، هذا الوطن الذي نكتشف منذ الفصول الأولى أنه صار معتقلا كبيرا تصادر فيه الحريات « فالوطن أخي الكريم شيء جميل أفظع منه وطنا ذلك الذي تعدم فيه الحرية وتغتال فيه حتى الأحلام « ص 10)).
لعل القارئ لهذا الكتاب سيلحظ حضور الوطن في ذهن الكاتب من خلال النصوص التي تناولته، سواء لاستحضار الماضي أو لوصف واقعه الأليم، بعدما صودرت الحريات وانعدمت فيه فضاءات الحوار…لقد رسم لنا الكاتب صورة مأساوية عن هذا الوطن الذي انقلبت فيه المفاهيم، وخفتت فيه أصوات الحرية، وضاعت الأسس والمبادئ، وانتشرت فيه ثقافة هز البطون واللغة الخشبية، فقد بدا من خلال الصور الشعرية أو المقالات الصحفية، أن الكاتب كان واعيا جدا بحال الوطن، يحسّ معاناة شعبه الذي مل الوعود والخطب الرنانة، وأنه آن الأوان لتتغير الصورة وتعود للوطن طيوره المهاجرة، فقد صوّر لنا حال المغتربين الذين أكرهوا على مغادرة الوطن هروبا من ظلم الحاكم، في صورة الطيور المهاجرة العاجزة عن العودة إلى أوكارها، خوفا من مصادرة أفكارها والزجّ بها في أقفاص السجن، كما نادى بطرق مختلفة بضرورة إطلاق سراح المساجين السياسيين، بل لعله يكون من السبّاقين في هذا المجال من خلال نصوص توثيقية وجداول تحوي أسماء بعض المساجين السياسيين…
وهو لعمري نقطة قوّة لهذا الأثر الذي راوح بين النص والمقال الصحفي وأدب الترسل، فنحن لو تساءلنا عن الجنس الأدبي لهذا الكتاب لاختلطت علينا الأمور، وعجزنا عن تصنيفه لأي جنس ينتمي، وهو ما أشار إليه الكاتب في مقدمته « ومساهمتي هذه هي عصارة ألم وأمل …تترجم تموجات مكلومة…« ص (9) .
فالكاتب في ظل وضعيته النفسية المراوحة بين الحنين للوطن وبين تجربته المريرة في السجن والإيقاف، أراد أن يعبّر من خلال نصوصه عن هذه الظروف والمعاناة التي يعيشها …وهو المحروم من وطنه رغم أنفه، وهو المطارد في بلده، بعد أن صادروا أوراقه وكتبه كناية عن مصادرة أفكاره وحريته، حيث لم يتأخر في التعبير عن مظلومي بلده، وهو الذي لم ينس أهله وأصدقاؤه وقريته تراهم حاضرين بين النصوص ….مبثوثين بين الكلمات، حيث انتزع منهم انتزاعا، كيف لا وقد أجبر على فراقهم رغما عنه، فأيّ شيء أقسى من أن تفرض عليك رحلة لم تستعدّ لها، ويحرمونك وطنك ليصرخ صرخة مكلومة كلها مرارة « هل نحن مالكو وطن أم لاجئون على أبواب الوطن …« ص (18)، لتظل أسئلة كثيرة في ذهن الكاتب لا يجد لها جوابا، ويظل ملامسة الوطن حلما لكنه قابلا للتحقيق، فقد لمسنا بين النصوص رغم ذلك أملا في الغد، وتسلحا بعزيمة لا تفل وصبرا عن فراق الوطن، مع أمل لا يخبو رغم سنوات الغربة الطويلة، « إن الليل مهما طال فلا بد أم تبزغ شمس النهار ….ومهما طالت عواصف الشتاء فقد يأتي يوما تغيب فيه الغيوم وتحلق الطيور في الفضاء…« ص (27) ، هكذا يصرخ الكاتب رغم سنوات العذاب والبعد، ويبقى يرنو إلى يوم جديد تعمّ فيه الحرية أرجاء الوطن، وتعود الطيور المهاجرة إلى وكناتها ولعل ذلك عزاؤه، وزاده في سنوات الغربة والصقيع التي يعيشها … »تعابير مالحة ملوحة الظلم وغياب الحرية « هل نحن مالكو وطن أم متسوّلو وطن؟…« ص (18) لتظل أسئلة كثيرة في ذهن الكاتب لا يجد لها جوابا، محروما من دفء أحضان أمه وأبيه بعيدا، عن مراتع طفولته وصباه، يحن إلى الأرض التي نشأ وترعرع فيها، يصرخ قائلا « أرجوك أماه أجيبيني ولا تراوغيني الكلام إلى متى سنظل غرباء، إلى متى سنظل بلا تاريخ، إلى متى سنظل بلا بطاقات، إلى متى سنظل مهاجرين« ص (48)، ليفتح بذلك نافدة على الواقع المرير، الذي يعيشه أبناء وطنه المقيمين بصفة غير شرعية في أوربا …
إن نصوص الطاهر العبيدي قد تقع أحيانا في بعض السطحية والكلام العامّي، وكأننا به أراد أن يبلغ صوتا مكتوما، ويصيح عاليا ليصف حالة القهر والحزن التي عليها، متجاوزا أحيانا قانون النص وأسلوبه، همّه إفراغ الذات من إرهاصاتها ومعاناتها، وهو ما يقرّ به في بعض الممرّات مثل قوله « …مواطن يخنقه الجوع وتدوسه نشرات الأخبار…« ص (70)، لكن الظاهر أن الكاتب قد اعتمد أساليب عدة، من الروائي إلى التوثيقي إلى غيرها من الأساليب الفنية….فقد غلب عليه حال الوطن وأهله، الواقع تحت هيمنة الحاكم وحاشية لا تهمّها سوى مصالحها، وقد تحاشى الكاتب الحديث عن المعارضة ودورها في هذا الوطن السجين، ليشكل بذاته صوتا حرّا بمنأى عن كل المذاهب والتيارات السياسية، ولعل ذلك ما سمح له بمساحة من الحرية، ليظل صوته صدّاحا حرا، يبوح باختلاجات نفسه، ذائدا عن كرامة شعب مهدورة، متحدثا عن أبناء وطنه القابعين في عمق ريفه وفي البوادي والأحياء الشعبية المهمّشة…
نصوص الطاهر العبيدي تمس وجدان القارئ، لأنها تتناول قضية أساسية هي الحرية، قد يكون نجح في بعضها وأخفق في نصوص أخرى، لكنها تظل نصوصا جديرة بالقراءة والتمعّن، كتبت بإحساس رهيف، ووجدان كاتب اكتوى بنار القمع والترهيب، لا شك أنها ستظل لا فقط في ذاكرة الزمن، بل في تاريخ هذا الكاتب، الذي يظل شهادة على فراغ سياسي رهيب، وغياب للحرية، في وطن ينوء تحت حمل ثقيل من القمع والترهيب لكل صوت حر…
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين تونس في 03 أكتوبر 2006
بقلم محمد العروسي الهاني مناضل دستوري
الحلقة الثالثة و الأخيرة
الرسالة 136 على موقع تونس نيوز
ذكرى نقلة الزعيم الحبيب بورقيبة و رفيقه المناضل الزعيم الطاهر صفر من قبلي إلى برج البوف يوم 3 أكتوبر 1934.
الإعلام المنشود في بلادنا و الإصلاحات المطلوبة في مجاله من اوكد الضروريات
أواصل على بركة الله الكتابة حول الإعلام الذي هو مربط الفرس و إذا صلح الإعلام صلح كل شىء و إذا تطور الإعلام تطورت كل الأجهزة و الهياكل بإعتبار أنّ الإعلام مفتاح التقدم و التطور و الازدهار و المناعة و تحرير العقول و إذا تحررت العقول و أبتعد شبح الخوف و الريبة و الخشية و ثقافة الخوف السائدة التي عششت منذ زمان و قد خصصت 3 مقالات السنة المنصرمة لهذا الموضوع ثقافة الخوف و الوهم و السراب و أحيانا مبالغ فيها حتى أنّ بعضهم إلى اليوم عندما تبادر بكتابة موضوع هام بشجاعة و جرأة و تتقدم بإقترحات عملية جريئة يبادر صديق قديم أو رفيق في النضال الوطني أو زميل دراسة أو إبن المدينة و الجار المخلص و يصارحك بعد اطلاعه على المقال المنشور بموقع الأنترنات تونس نيوز و يقول لك بشىء من الاحترام و الحياء و الحشمة هل مرّ المقال بسلام دون قلق او إحراج أو إزعاج و كثيرا ما ابتسم ابتسامة المناضل الوطني و أقول له بكل لطف و اخلاق عالية الحمد لله كل شىء على أحسن ما يرام لا خوف يا أخي فالكلمة الحرة الهادفة النزيهة الصادقة لا يخشى صاحبها و كاتبها من ردود الفعل أن وجدت… و تكرر السؤال مرارا و في مناسبة و أمام 5 من اعز الاصدقاء قلت لهم بحب مفعم و تقدير كبير و الله أقدر مشاعركم نحوي و لكن اقول لكم انّ ثقافة الخوف 90 بالمائة منها مبنية على الوهم و الوسوسة و الخوف حتى من الخيال و السراب لكنّ الواقع منذ اكثر من سنة أكتب في هذا المنبر الإعلامي الحرّ الممتاز لم أتعرض قطّ إلى أيّ إحراج أو سؤال مزعج أو تصور من التصورات و الإحتمالات و الفرضيات… أولا لأنّ 90 بالمائة من الخوف هو من محض الخيال و ثقافة الخوف ثانيا أنّ الكتابة تندرج ضمن قناعات نزيهة هادفة ثالثا لا تحمل إساءة أو تحامل على أحد و لا تمس بكرامة الآخرين رجما بالغيب بل هي تندرج ضمن مفهوم حرية الرأي و التعبير صحيح أنّ المنهجية و الاسلوب المتوخى صريح و فيه جرأة غير معتادة في بلادنا و لكن المحتوى و المضمون من الواقع المعاش و المناضل الوطني الذي تربى منذ نشأته على الصراحة و الوضوح يصدع بكلمته الحرة و قد تعلمت الصراحة و حرية التعبير داخل شعبتي الدستورية منذ عام 1954 أول إنخراطي في الشبيبة الدستورية يوم 27/04/1954 بمنطقتي و بقيت على العهد صريحا في تدخلاتي و في منابر الحوار و في الصحافة و اليوم على موقع الانترنات أقول كلمتي بحرية و صراحة و جرأة و في الحق لا اخشى لومة لائم تلك هي أصول الشهامة و الكرامة و الشجاعة
وقد كانت مدرسة الحزب الحر الدستوري التونسي هي الاساس في صقل هذه الخصال المميزة حتى أنّ بعضهم قديما و حديثا عندما يصغي لتدخلاتي في منابر الحوار يعتقد بعضهم أنّها لهجة معارض أو مشاكس لكن الأغلبية يعرفونها أنها لغة الدستوري الاصيل الذي تربى على الوضوح و الشفافية.
و لن ننسى فضل المدرسة الوطنية و مدرسة تكوين الإطارات الدستورية التي كان أستاذها الأول
المرحوم الزعيم الطيب المهيري رحمه الله
الذي ألقى أول محاضرة على منبر المدرسة بعنوان صفاة المناضل الدستوري
و عدّد خصال المناضل الذي وصفه كالشمعة تظىء على البيت و تحترق و في وصف آخر المناضلون المعذبون في الأرض هذه المحاضرة القيمة رسخت في العقول و القلوب و نمت وأثمرت وأنتجت جيل من المناضلين الاحرار الذين يقولون كلمتهم بكل حرية و كانت منابر مؤتمرات الشعب الدستورية و مؤتمرات لجان التنسيق الحزبي خير منابر للحوار و أتذكر أنّ المهرجانات الحزبية عند انعقاد مؤتمرات الشعب التي يقع الإعداد إليها إعدادا كبيرا و يبقى الحوار و النقاش إلى ساعة متأخرة من الليل و لم يترك شاردة و لا واردة و الحساب شديد و في مؤتمر شعبة مساكن المركزية في أواخر الستينات 1969 أشرف مدير الحزب على المؤتمر الهام و المصيري و تدخل فلاح كبير من مساكن إسمه الحاج محمد قراع هذا الفلاح وقع الزج به في السجن ايام التعاضد لأنه عارض إدماج الأراضي و الزياتين في الساحل ثم وقع إطلاق سراحه بإذن من بورقيبة كما أمر الرئيس الحبيب بورقيبة بإعادة حيازته غابة الزيتون و في لغة الصفاقسية حيازة الزيتون.. قلت أخذ الكلمة في المؤتمر و اشار إلى المظلمة و قال لماذا عندما يقع الإذن بالسجن لم تنتظروا الصباح و يتم القبض ليلا بسرعة أما عندما يأذن أعلى هرم الدولة و رمز البلاد بإعادة حيازتي أبقى أنتظر شهورا فضحك المؤتمرون و فهم اللغز الأخ مدير الحزب و أجابه مبتسما دائما النفس الأمارة بالسوء يتغلب عليها الفجور على التقوى و الشرّ أحيانا يسبق الخير و لكن كن مطمئنا غدا تعود إليك حيازتك و فعلا بعد مقابلة الزعيم بورقيبة تم الاتصال بالوالي و تحققت رغبة المناضل الحاج محمد القراع و استرجع حقه و بقيت كلمته شائعة إلى اليوم و كل من يتعرض إلى إزعاج يتذكر تدخل أخونا الحاج تلك هي الاجواء التي كانت تسود مهرجانات الشعب مع الحرية المطلقة في الحوار و التعبير
تلك المدرسة البورقيبية الوطنية التي علمتنا الصراحة
و هذا الذي دفعني يوم 6 أفريل 2001 بمناسبة إحياء الذكرى الأولى لوفاة الزعيم الراحل الحبيب بورقية الذي نظمها التجمع بدار الحزب تكلمت بلغة الصراحة و الحرية لوضع حدّ لإساءة إحدى الوزراء القدامى للزعيم و لكن مع الاسف دفعت الضريبة ووقع إقصائي و شطب على اسمي من حضور منابر الحوار و المنتديات السياسية نتيجة هذا التدخل و لرفع الإلتباس فإنّ المسؤولية محدودة في شخص للتاريخ كما وقع في مناسبة أخرى كتبت فيها مقال بجريدة أخبار الجمهورية 2003 لم يرق لهذا المسؤول.الوطني سامحه الله بإجتهاد شخصي منه و كما أكدت مرارا في المقالات السابقة بعنوان ثقافة الخوف . أكدت أنّ رمز البلاد سيادة الرئيس لا يعلم بهذه التصرفات و أجدد التأكيد أنّ رئيس الدولة لا علم له بذلك و لم يعطي تعليمات للحدّ من حرية الرأي و لكن هناك مسؤولين يتصرفون من تلقاء أنفسهم قلت بعد المقال الذي نشرته بأخبار الجمهورية ووقعت دعوتي لمقابلة مساعد المسؤول في أكتوبر 2003 و قدم لي توصيات المسؤول و عدم مواصلة الكتابة في هذا الموضوع و بدون تعليق.
و بدون تعليق قلت كلاما يومها للتاريخ سجل بأحرف ذهبية و كان المسؤول الذي قابلته على غاية من اللطف و التربية و الرصانة و فهم ملاحظاتي و عباراتي و قال لي يا مناضل تعرف أني مكلف بإبلاغ توصية فقط.. و بدون تعليق…و في مناسبة ثالثة و أخيرة عام 2003 نشرت مقالا طويلا يتضمن مقترحات جريئة لمؤتمر الطموح وقع نشر الجزء الأول منه في جويلية 2003 بمجلة حقائق و جاءت التعليمات بعدم مواصلة النشر و لم يرى الجزء الثاني النور إلى اليوم نتيجة التعليمات حتى جاء نصر الله و جاء موقع تونس نيوز و الحمد لله أصبح كل شىء مسموح بنشره بحرية و مسؤولية.
المقترحات العملية
نرجوا فتح الحوار في التلفزة للجميع و مشاركة الإطارات و المناضلين في ملفات حوارية بحرية و توسيع مجال الملفات ذات الطابع الحواري و حرية الرأي و الراي الآخر بحرية على غرار ما تقوم به كل الفضائيات و خاصة قناة الجزية قناة الحرية على الإطلاق.. و كذلك قناة العربية و فتح أعمدة الصحافة للكلمة الحرة و إقرار أركان حوارية بأكثر حرية و بدون خوف و لا حسابات و الابتعاد على الإقصاء و التهميش الاسلوب العقيم الذي ولد أشياء كثير و تسبب في الفراغ الإعلامي نتيجة تصرفات بعضهم بصفة فردية لا علاقة لها بقرارات من فوق…
كما أكدّ الرئيس يوم 3 ماي 2000 في عيد الصحافة العالمي قال أطلب و ألحّ على كل المسؤولين و السادة الوزراء أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة في نطاق تجسيم المبادرة و أنّ يسهروا على إتخاذ القرارات و لا يتهربون من المسؤولية و أشار إلى أنّ بعضهم يقول عندما تريد بعث إذاعة أو تلفزة أو صحيفة المسؤولية و القرار ليس عندي و يشير إلى الأعلى اي صورة الرئيس وقد تفطن سيادته إلى هذا الأمر و اشار إليه بوضوح يوم 3 ماي 2000 في عيد الصحافة العالمي لكن هل تغيّر شىء الإعلام مازال على حالته و دار لقمان على عادتها رغم أنّ الرئيس قال الكرة اليوم في ملعب رجال الإعلام فبادروا لكن لحدّ الآن و بعد 6 أعوام الإعلام هو هو بل زاد في التراجع
قال الله تعالى: إنّ الله لا يغير بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم صدق الله العظيم
****
تحية إكبار و تقدير و إعجاب لقناة الجزيرة و اسلوب الإعلام المتطور و البرامج الهادفة للرأي العام العربي و الإسلامي في الدوحة عاصمة قطر
وإنّ المتتبع هذه الايام لبرنامج قناة الجزيرة الفضائية العربية المتطورة يدرك بكل معاني الإدراك و الحس الصادق و الشعور الوطني و الوعي الإعلامي و النضج الفكري العربي أنّ قناة الجزيرة أصبحت بكل المقاييس القناة التي تجلب إهتمام المشاهدين في العالم العربي و الإسلامي و حتى الغربي فقد تطورت حلقات الحوار إلى أكثر من 10 برامج حيّة متطورة تستجيب إلى طموحات الشعوب العربية و الإسلامية بالإضافة إلى برامج الإتجاه المعاكس للدكتور فيصل القاسم الرائع و الرأي و الرأي الآخر للأخ سامي حداد زاده الشيب و قارا و إحتراما و بلا حدود للصحفي القدير أحمد منصور و شاهد على العصر لنفس الصحفي و لقاء اليوم .
هناك برنامج جديد جاء مؤخرا لتعزيز الساحة الإعلامية و دعم الحوار برنامج ما وراء الخبر و هو برنامج هادف و رائع يسلط الاضواء على الحدث و يغور في عمق الحدث و يكشف كل النقاط بوضوح ثم يفتح الحوار الديمقراطي لثلاثة عناصر هامة سياسية و إعلامية و دولية و هذا مفيد للغاية إلى جانب معالجة القضية بأسلوب رائع و هادف و مقنع شكرا لإدارة قناة الجزيرة و مديرها و ألف شكر لفرسانها و إطاراتها و للصحفيين الممتازين على كل الاصعدة و لا ننسى برنامج سري للغاية الذي له أكثر من معنى و هدف و صاحبه على مستوى رفيع من الشجاعة و الإقدام…و كذلك برنامج حوار مفتوح للصحفي التونسي القدير غسان بن جدو الذي يتابعه ملايين من البشر و برنامج مراسلون هو الآخر ممتاز و جميل يكشف ما يحصل في العالم و يعرض بصدق و أمانة حقا إنها برامج مفيدة هامة و رائعة نرجوا لها الدعم و الإشعاع و الدوام و هي مفخرة لأمتنا العربية و الإسلامية أقلقت بعض أعداء الحرية و الديمقراطية في الغرب و لكن الجزيرة غير عابئة بهذا القلق و الضجيج المقصود منه إخفاء الحقيقة و خدمة أغراض مشبوهة و لكنّ قناة الجزيرة رفضت وواصلت المشوار بقوة و اقتدار و نتمنى لها مزيد النجاح و التوفيق و التألق في مجال الإعلام و فعلا هي أصبحت القناة الأولى بدون شك و لا كلام و من سر نجاحها بالتمام إختيارها للفرسان من أهل الإعلام أمثال محمد كريشان و غسان و بسام و الغريبي من تونس الخضراء بلد الفرسان و علي و خديجة من الجزائر بلد الاستشهاد و الإيمان و لن ننسى عباس ناصر و إلياس كرم و جمال و ريان وكاتن ناصر و فيروز و عبد الصمد ناصر صاحب برنامج الشريعة و الحياة و كذلك شيرين بو عقلة و حياة الشايب و الشيخ جميل عازر و أتمنى لهم جميعا مزيدا من الإشعاع الإعلامي و التألق وأقول لهم جميعا أنتم أسود في عيون العرب و إن شاء الله شهر رمضان مبروك عليكم يا اهل الفخر و النسب و كل عام و أنتم بخير في قطر التي اصبحت محطة أنظار العرب و اخيرا أنوّه بموقف رائع جدير بالتقدير و الإكبار لبلدي صاحب الدار أخذ في وقت دقيق و حاسم لأمة الإسلام أخذت أعظم قرار لمنع صحيفة من الانتشار في بلد جامع الزيتونة و ديار الاحرار هذه الصحيفة الفرنسية المعادية للإسلام نشرت أخبار زائفة مناسبة لتصريحات البابا و مجارية لبوش و أعداء الإسلام.وقفت وقفة الأحرار و منعت الجريدة من الإنتشار و العالم العربي و الإسلامي نوّها بهذا القرار الحكيم الصادر من أعلى سلطة النظام و هذا يزيدنا فخرا و نخوة على مرّ الزمان و هو قرار يصب في الوجدان في الوقت المناسب للغضب ضد الطغيان.
ألف شكر لتطور الإعلام و هل من مزيد في هذا المضمار لتوحيد مناهج و مسالك الإعلام و كل عام و الأمة العربية و الإسلامية بخير وأمن و سلام قال الله تعالى : و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولائك هم المفلحون صدق الله العظيم
المرأة التونسية متقدمة في الحركة متأخرة في التركة (*)
سارة دودش- الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، سوسة
بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين لصدور مجلة الأحوال الشخصية دعت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات و جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية إلى ندوة صحفية يوم 11 أوت تم الإعلان فيها على إطلاق حملة وطنية من أجل المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل في تونس. و كانت الهيئات القيادية للجمعيتين اجتمعت قبل ذلك مع مناضلين من الحزب الديمقراطي التقدمي و من حركة التجديد في إطار برنامج لقاءات تزمع الجمعيتان عقدها مع عديد الفعاليات السياسية في البلاد لشرح وجهة نظرها حول هذا الموضوع. و كانت الندوة الصحفية فرصة لتقديم دراسة قيمة أصدرتها الجمعيتان في نسخة أنيقة باللغتين العربية و الفرنسية بعنوان 15 برهانا من أجل المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل.
و استعرضت الدراسة في جزئها الأول البراهين الاقتصادية و الاجتماعية مشيرة إلى أن الأسرة الزوجية التي أصبحت تمثل ما يقارب 70 بالمائة في بلادنا عوضت تدريجيا العائلة الأبوية التقليدية. و ساهم هذا التحول في إرساء علاقات جديدة بين النساء و الرجال من شأنها أن تساعد على تحرر الفرد من القيود التقليدية البالية و تساهم في إحلال المساواة بين المرأة و الرجل. كما أن اقتحام النساء عالم العمل أدى إلى المساهمة بأجورهن في تغطية تكاليف الحياة الأسرية و تكوين الذمة العقارية و تحسين و تطوير الوضع المادي و الاعتباري للعائلة بصورة عامة.
من جهة أخرى فإن مجتمعنا أثبت قدرته على تجاوز القواعد التمييزية الواردة بالقانون من خلال استغلال الثغرات التي يتيحها و ابتدع إجراءات للمساواة في الإرث بين الابن و البنت مثل الهبات بالتساوي و الوصية أو البيع. فلماذا إذا لا يقع إكساب المساهمة الاقتصادية للنساء في ميزانية الأسرة مزيدا من التوازن بإرساء المساواة في الإرث؟ أفليس من الإنصاف المساواة في الإرث بقدر المساواة في الالتزامات؟
وخلال استعراضها للبراهين القانونية اعتبرت الدراسة أن التمييز في الإرث يتناقض و المبدأ الدستوري للمساواة بين المواطنين و ضمان حقوق الإنسان و الحريات الأساسية المنصوص عليه بالفصل الخامس و الفصل السادس من دستور الجمهورية التونسية. كما يتنافى مع المقاييس الإنسانية المعترف بها و المعاهدات الدولية التي صادقت عليها بلادنا مثل الميثاق الدولي حول الحقوق المدنية و السياسية الذي صادقت عليه بلادنا سنة 1968 و الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة التي صادقت عليها بتحفظات. علاوة على ذلك يبدو التمييز في الإرث غير متناسق مع التوجه العام للروح التحررية للمشرع التونسي و خاصة تلك التي وردت بمجلة الأحوال الشخصية مثل تحريم تعدد الزوجات و إلغاء قانون الجبر و الوصاية الزوجية و إقرار الطلاق القضائي و إلغاء التطليق و الاعتراف بالتبني و إلغاء واجب الطاعة….
و لم تغفل الدراسة أهمية المسائل الثقافية في الدفاع عن المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل إذ أن المساواة في الإرث تتعارض و النص القرآني و هو ما يدفع العديد من الأطراف للتمسك بهذا التمييز سواء كانت أطرافا سلفية إسلامية أو حتى بعض الأطراف المصنفة نفسها ضمن التقدمية أو حتى في صفوف الحزب الحاكم الذي يدعي الحداثة. لقد انطلقت في بداية القرن الماضي حركة واسعة للإصلاح الديني كان من ابرز رموزها في بلادنا الطاهر الحداد و التي كانت رائدة بصورة مبكرة في الدفاع عن المساواة بين المرأة و الرجل. إلا أن جذوة هذا التيار التجديدي و التحديثي سرعان ما انطفأت لتفسح المجال للتيار الديني السلفي الذي يتمسك بتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية دون اجتهاد مما يشكل عامل ضغط لتأبيد الأوضاع الدونية للمرأة. إن على التقدميين و الديمقراطيين أن يناضلوا بدون كلل من أجل تحديث المفاهيم الثقافية لمجتمعنا حتى تصبح منسجمة مع القيم الإنسانية الكونية في تحقيق المساواة بين بني الإنسان مهما كان جنسهم أو لونهم في كل الميادين بما في ذلك المساواة في الإرث بين المرأة و الرجل
(*) شعار للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن العدد 375 من « الموقف » بتاريخ 29 سبتمبر 2006)
بقلم: برهـان بسيــس
أعتقد ان قضايا عديدة مهمة متصلة بالأسئلة الدينية تفرض نفسها اليوم على مجتمعنا في ظل واقع معقّد تتقاذفه مصادر تأثير مختلفة ومتنوعة ومتباينة.
أسئلة الهوية المرتبطة مباشرة بالانشغال الديني ما فتئت تتوسع وتتجذّر بموازاة أسئلة التنمية والتحرر وهموم الجموع التي تعاين بتوجس وارتباك واقعا مركبا، متشنجا تخترقه التناقضات الحارقة متدحرجة ككرة ثلج نارية من قمة تناقضات السياسة الدولية ومظالمها الصارخة الى قاعدة مصاعب الحياة اليومية الكادحة من أجل الشغل وتوفير لقمة العيش وبينهما مصادر تأثير اعلامي ينسج بقوة سطوته عالم الحقيقة في الأذهان كما يريدها أصحاب المصلحة والتخطيط والتمويل لتتحول خياطة هذه الحقيقة الى مقدس لا يرتقي اليه الشك في نظر وعي جماهيري عام انتكست لديه قدرة الادراك النقدي لفائدة استعداد تلقائي للتسليم والتصديق في ظل انحدار وخفوت وانهيار كل بذور للمقاومة النقدية.
في بلادنا تجري بعض المحاولات الخجولة لاقتحام عالم هذه الاسئلة ولكنها ظلت حبيسة المحدودية والتوجس غير المفهوم. فالخطاب الديني السائد عبر المؤسسات الرسمية لم يتخلص من طابعه التقليدي الباهت المتحرك في دائرة عموميات تحولت لفرط برودها الى شعارات باهتة صالحة لكل زمان ومكان محلقة في كوكب سرمدي سعيد لا تعنيها من اشكالات المرحلة سوى قضايا على شاكلة علاقة الاسلام بالنظافة او علاقة الاسلام بالاستهلاك او علاقة الاسلام بالبيئة او ترشيد استهلاك الطاقة وترشيد استهلاك اللحوم وترشيد استهلاك البطاطا والروح الرياضية والاخوة والتعاون والترفيه والتصرف في اوقات الفراغ والصداقة والسرور ولِمَ لا صيد الفراشات وجمع الطوابع البريدية.
اما اذا تغيرت مواضيع المعالجة في اتجاه مقاربات اكثر جدية والتصاق بأسئلة المرحلة فان التناول غالبا ما يكون عاما فضفاضا حذرا الى درجة الخوف والارتباك مكتفيا في الغالب بالتذكير الباهت ـ المكتوب سلفا على ورقة في شكل خطاب رسمي ـ بقيم الاعتدال والوسطية ونبذ التطرف والغُلُوّ وبأن الاسلام دين عدل ومساواة وتسامح ويسر ومجادلة بالكلمة الحسنة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لا أعتقد ان خطابا بهذا النسق والمضمون قادر على الاقناع او قادر على مغالبة السيل الجارف لافكار الدعاة المنتشرة بقوة عبر الفضائيات بحظوظ وواقع تأثير كاسح على عقول الناس ومنهم نسبة مهمة من التونسيين.
أسماء من كل حدب وصوب، من مدارس دينية متنوعة ومختلفة وعبر آلية تسويق اعلامي مبهر وخطاب جريء وسلس وممتع تدخل بيوتنا دون استئذان وتجد من العيون والآذان والعقول والأرواح استجابة كبيرة في اوساط شبابنا ونساءنا ورجالنا في ظل انعدام مادة وطنية بديلة ترتقي لمستوى شد الانتباه والاهتمام والاجابة عن الاسئلة الحيوية.
من المحزن حقا ان الخطاب الديني في تونس بلد الزيتونة والقيروان وارث الاصلاح والاجتهاد المتجذر، بلد المقاربة الوسطية المعتدلة التي تقدم فرص التجديد والانفتاح كمنهج لصيانة عقيدتنا الاسلامية والدفاع عنها، من المحزن حقا ان يضع هذا الخطاب نفسه في دائرة معزولة ضامرة وخافتة فاسحا المجال امام خطاب التطرف والتشويه ليبدو خطابا جذّابا، شرعيا ومتماسكا.
ولنكن أكثر وضوحا من خلال بعض الامثلة الحية: لماذا يسكت الخطاب الديني الرسمي عن الخوض في قضية تستأثر الاهتمام الشعبي والنخبوي هذه الايام في تونس وهي قضية الحجاب؟!!
لماذا تترك الساحة لدعوات التكفير والتشنيع الصادرة في حقنا في ارتباط بقضية منع ارتداء الزي الطائفي؟!
اين هي المقاربة الوسطية التي تستأنس باعتدالها ورؤيتها التجديدية لتبين الرأي وتأويلاته الشرعية في هذه المسألة؟!
هل قضية الحجاب في تونس اختصاص أمني واداري أم اختصاص المؤسسات الدينية الرسمية مثل وزارة الشؤون الدينية او المجلس الاسلامي الاعلى، او هو ـ كما اعتقد شخصيا ـ موضوع من الضروري فتحه للنقاش الاعلامي والتواصل مع مرتدياته (بالطريقة المتسوردة) عبر الحوار والاقناع والمجادلة والمحاججة المثمرة عوض التشنج المحبط؟!! نحن فعلا امام وضعية معقدة علينا ان نجيب على اسئلتها مهما بدت محرجة.
بعض بناتنا التونسيات يرتدين الحجاب بالطريقة المستوردة ذات الملمح الطائفي السياسي وهنّ تعتقدن فعلا انهم يطبقن امرا الاهيا شرعيا لا يستقيم اسلامهن دون تطبيقه، كيف نستطيع اقناعهن في ظل تعدد مصادر التأثير والتوجيه ان الاسلام اكبر من زي مقدس وان توصية الشرع في الغرض هي الحاح على لباس الستر والحشمة لا على قالب جاهز بتفاصيل مقدسة تمثل في الحقيقة تقاليد مجتمعات اخرى برزت في بلادنا مع بروز تيار سياسي متستر بالدين لخدمة اغراضه السياسية؟!
كيف نستطيع اقناعهن ان رؤيتنا الاجتهادية التي اقتضت منعنا لظاهرة تعدد الزوجات خدمة لكرامة المرأة وتوازن الاسرة رغم الحاح فقهاء النكوص والتحجّر على رفض منع ما أحله الله هي ذاتها الرؤية الاجتهادية التي ترفض فيها اختزال اسلام المرأة في زي بمقاييس يريد البعض (خدمة لمصالحهم) تحويلها من عرف الى فرض بنفس الروح الرافضة للاجتهاد والتجديد التي لو كان الأمر بيدها لفرضت العودة الى العبودية وسوق العبيد والمتاجرة في الرقيق باسم ان الاسلام لم يحرم بنص صريح العبودية والرق!!
هل يلوم علينا احد باننا اذ حرّمنا العبودية في تونس منذ قرون خلت قبل ان تحرمها حتى الولايات المتحدة الامريكية نكون قد حرّمنا ما أحلّه الله؟!!
أعتقد انه حان الوقت ليساهم الجميع في هذا النقاش وأن نتحمّل مسؤوليتنا كاعلاميين ومؤسسات مجتمع مدني ومثقفين ورجال دين ومؤسسات رسمية لنخوض هذه الاسئلة الحيوية بعيدا عن التشنج والمغالاة في ردود الافعال ولكن دون مهادنة أو خوف أو عقدة في مواجهة خطاب التطرف وفقهاء النكوص الذين حولوا الدين الى تجارة رابحة.
ترشيد الخطاب الديني في تونس مهم لكن تنشيطه يبدو لي اكثر أهمية!!!
(المصدر: ركن « البعد الآخـر بجريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 3 أكتوبر 2006)
تيجانية بزاوية سيدي أحمد الباهي:
تنوع التراث التقليدي التونسي وانسجامه مع العصر
ان كانت «الزاوية» في بلادنا تعني قبل كل شيء مكانا للتبرك والتقرب من الولي الصالح الذي يرقد بها، أملا في تسهيل قضاء الشؤون أو لمصلحة ما، فهي قد تطورت مع مرور الزمن لتتحول الى مؤسسة ثقافية واجتماعية لا تخلو من أهمية. لم تضمحل «الزوي» جمع «زاوية» بفعل تطور الحياة العصرية، بل هي تأقلمت معها وجعلت دورها ينسجم مع مايناسب المجتمع اليوم. وما اهتمام الباحثين بموضوع «الزوي» وتأثيرها على روادها وأدوارها المختلفة إلا دليل على أنها ظاهرة تحتاج الى التوقف عندها والتأمل خاصة في المكانة التي تحظى بها لدى الرواد أو الزوار.
وتزخر بلادنا بجمع هام من «الزوي» وقد خصها الأستاذ محمد العزيز بن عاشور وزير الثقافة والمحافظة على التراث بكتاب (مدر سنة 2004) استعرض فيه تاريخ «الزوي» والجمعيات الدينية وتوقف عند وظائفها المختلفة.
العاصمة بصفة خاصة والمدينة العتيقة تحديدا تضم عددا كبيرا من «الزوي» تحمل كل واحدة من بينها اسم «ولي صالح»، ومن بينهم من يتمتع بشهرة عالية..
رواد وفئات اجتماعية مختلفة
وتأكيدا لقول الأستاذ محمد العزيز بن عاشور في كتابه المذكور بأنه إن كان التردد على هذه المزارات هو في الأساس ظاهرة شعبية فإن هذه الأماكن بطقوسها المختلفة تجلب مختلف الفئات الاجتماعية تأكيدا لذلك يستطيع الملاحظ أن يؤكد أهمية حضور الأجيال الشابة بهذه الأماكن.
البعض منهم طبعا بشكل تلقائي في حين يكون حضور الآخرين استجابة لحرص العائلات من نسل الولي الصالح على تخليد ذكراه والطقوس التي تمارس من حوله.
ويفخر أحفاد سيد أحمد الباهي وأبناء أحفاده بزاويتهم المنتصبة بقلب العاصمة ليس بعيدا عن باب العسل وباب سويقة الحلفاوين.
الحضور يصبح هاما خلال شهر رمضان… حيث تعرف الزاوية حركية خاصة ونشاطا في إطار البرنامج الخاص بهذا الشهر..
لا ننسى أيضا أن الزاوية تشرف عليها مؤسسة ثقافية تحمل اسم «مؤسسة أحمد الباهي الثقافية» وترأسها السيدة جليلة الباهي وهي متعددة النشاطات فالى جانب الجامع مثلا نجد مكتبة مفتوحة للزوار.
عادة تكون السهرات عبارة عن لقاء بين أفراد العائلة الموسعة والأصدقاء دون أن ننسى جيران الزاوية، إذ توزع الحلويات لكن البرنامج يكون متنوعا حيث سهرات الذكر والانشاد ولكن أيضا محاضرات حول مسائل حضارية وطبية إلخ… ولعل زوار زاوية سيد أحمد الباهي يذكرون مع شيء من الحزن هذه الأيام الطبيب اللامع هشام البحري الذي توفي في رمضان منذ عامين بصفة مفاجئة وهو الذي كان يقدم في هذه الزاوية سنويا محاضرات قيمة في العلاقة بين الطب والقرآن بالخصوص.
إذن بعد الزيارة التقليدية للمقام، يحضر الرواد السهرة التي تقام في ساحة الزاوية.
سهرة السبت الفارط كانت مع مجموعة «تيجانية» وهي المجموعة التي قال عنها الأستاذ محمد العزيز بن عاشور في كتابه أنها احدى «الطرق الدينية» التي تمكنت من البقاء مستفيدة بذلك حسب قوله من الحرص الذي أظهرته الدولة منذ بداية التسعينات للتراث التقليدي الوطني.
«التيجانية» وهي طريقة دينية تقر بالولاية للولي الصالح سيد أحمد التيجاني تتكون من مجموعة نسائية مختصة في الذكر والمدح لكل من الولي المذكور والرسول محمد صلّى اللّّ عليه وسلّم.
للمجموعة زاويتها الخاصة بباب منارة بالعاصمة وفي العادة، فإنها تقدم عرضها في اطار نسوي بحث، فللرجال «تيجانيتهم» حسب تأكيد رئيسة المجموعة المعروفة باسم تاجة… العرض يقدم جلوسا وتجتمع النساء (كانوا أربعة ليلتها) حول آلة نقر تسمى «الطبلة» هي دائرية الشكل، توضع على الارض وتقرع عليها أكثر من واحدة في الآن نفسه..
المبرات
«كانت هناك عدة مجموعات، ثم اضمحلت ولم تبق إلا هذه المجموعة» هكذا أوضحت لنا رئيسة الفرقة التي استغربت من السؤال في البداية حول معنى «تيجابية» لأنها حسب اعتقادها فإن «تيجانية» مصطلح لا يحتاج الى تعريف بما أنها معروفة جدا بالعاصمة.
قالت: «نقيم عرضا لنا أسبوعيا بزاوية باب منارة، كما أننا نلبي دعوات الأعراس (ليلة الحناء بالخصوص)..
في العادة لا تقيم السيدة «تاجة» وجماعتها عروضا بـ«زوي أخرى» وقد أوضحت أنها قبل هذه السهرة لم تكن قد زارت زاوية سيد أحمد الباهي من قبل وتتكون المجموعة من منشدات من أفراد العائلة وهي تتوارت المدائح والأذكار، دون أن تدخل عليها أي تغيير.
ولا تخفي السيدة «تاجة» التي أكدت أنها ورثت «الفرقة» عن والدتها التي ورثتها بدورها عن جدتها، لا تخفي خوفها من اضمحلال الطريقة التيجانية لذلك ها أنها تسعى لتوريث ابنتها الشابة هاجر التي كانت ترافقها «التيجانية».
على مستوى فحوى العرض
لا يمكن أن نتوسع في الحديث، فمفهوم الذكر والمدح واضح، فهو تغن بخصال الطرف المذكور ودعوة للاتعاظ، الأمر يتم وفق المتعارف عليه حول ايقاعات الطرق الدينية الى أن تستسيغ العرض أم لا، كل حسب استعداده وذوقه.
بالنسبة للسيدة جليلة الباهي رئيسة مؤسسة أحمد الباهي الثقافية ان دعوة التيجانية هي محاولة لاحياء تراث قديم والتعريف به. ولعله يجدر التذكير أن السيدة جليلة الباهي هي دارسة لعلم الاجتماع وقد أصدرت بالخصوص كتابا حول المرأة والاسلام.
«التيجانية» وكما سبق وذكرنا، كانت تقدم أمام جمهور يتكون من النساء فقط، في سهرة السبت بزاوية سيد أحمد الباهي، كان الحضور مختلطا ولم نشعر بأن المنشدات كن منزعجات من ذلك… طبيعة تطور العصر تقتضي ذلك بالتأكيد.
حياة السايب
(المصدر: ركن « البعد الآخـر بجريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 3 أكتوبر 2006)
انتصار المقاومة في لبنان كيف يترجم؟
راشد الغنوشي
كثيرا ما كانت الحرب المحرك الأعظم للسياسة وللتاريخ عامة، من هنا جاء اهتمام الدول وحرصها على تعظيم قوتها الردعية وجاءت مكانة الجهاد وإعداد القوة في الإسلام للتحقق من قوة الردع « نصرت بالرعب ». في هذا السياق يمكن أن نفهم ما يجري على قدم وساق هذه الأيام -على أثر الحرب الصهيونية الأميركية على لبنان- من مخاض سياسي واصطراع، من أجل ترجمة نتائج الحرب سياسيا من طرف القوى السياسية الأساسية المؤثرة في الساحة، بعد أن فشل الطرف الذي شن الحرب وخسرها (إسرائيل وأميركا) ومن كان في تأييدهما، (قوى لبنانية، وأوروبية وعربية). فشل هذا الطرف إذن في تحقيق أهدافه المعلنة: العارضة، التي اتخذت ذريعة وهي استعادة الجنديين أم الحقيقية التي تم الاتفاق عليها في أعلى مستويات القيادة الأميركية الصهيونية (سيمور هرش. مجلة نيوركر 14-8-06) والمتمثلة في التدمير الكامل للقوة العسكرية التي يمثلها حزب الله باعتبارها شوكة تقض المضجع الأميركي الصهيوني، تحد من عربدة قوتهما وأطماعهما في فرض السيطرة الكاملة على المنطقة، بما يخضع سوريا وإيران أو يدمرهما ويفرض حل القضية الفلسطينية وفق الإرادة الصهيونية ويكبح جماح الحركة الإسلامية باعتبارها مدا « أصوليا متطرفا » يهدد المصالح الصهيونية الأميركية والتابعين لهما. بينما احتفل بالنصر في هذه الحرب حزب الله وجملة قوى المقاومة في المنطقة: حركات ودول (حزب الله وحماس، والجهاد، وإيران، وسوريا، والحركة الإسلامية والقومية واليسار الوطني)، كلهم اعتبروا أنفسهم منتصرين بمجرد فشل المعتدي في تحقيق أهدافه بعد حرب الـ33 يوما المجيدة. وتكفي إطلالة واحدة على مرآة الرأي العام في الكيان الصهيوني -أعني الصحافة- لمشاهدة آثار الهزيمة المدوية التي لحقت بالكيان الصهيوني: عزل قادة عسكريين، ولجان تحقيق، وتقاذف للمسؤولية، لأول مرة نشعر أنهم يألمون كما نألم، لكننا نرجو ما لا يرجون. ألا يكفي دليلا قاطعا على تلك الهزيمة أن سلاح حزب الله المستهدف ظل يصب حممه على الكيان المغتصب لآخر لحظة في الحرب، وظل أبطاله أبدا في الحرب مرابطين في مواقعهم في القرى الحدودية، وأن الجنديين الأسيرين لم يظهر لهما أثر. وانحنت إسرائيل أخيرا راغمة لإرادة حزب الله المعلنة منذ اليوم الأول أن التفاوض والتبادل هما الطريق الوحيد لتخليصهما، ألم يبلغ الكمد بالذئب الجريح حد الإعلان أن هذه الحرب ليست السادسة وإنما الأولى؟ سكنت إلى حين الصواريخ والطائرات والبوارج تاركة المجال للصراع السياسي المحتدم لترجمة نتائج هذه الحرب سياسيا، وهو ما يجري اليوم على قدم وساق على الصعيد المحلي اللبناني وعلى صعيد الإقليم وعلى الساحة العالمية، في تصميم على أن يوظف العدو تحالفاته الدولية ونقاط الضعف في المنطقة للنكوص عن دفع ثمن الخسارة سياسيا أو تقليل الثمن. بل ربما يوظفها ليجني على طاولة التفاوض ما فشل في تحقيقه في الميدان، لاسيما وأن المعركة هنا تجري في قلب العالم، فكل صراع فيه سرعان ما يطفو على السطح ويحتل الصدارة، فإلى أين يتجه الصراع على غنائم الحرب؟
1- على الصعيد اللبناني: حتى قبل أن تجف دماء الضحايا وتلتقط بقية الأشلاء لتوارى في مثواها، وقبل أن يظفر آلاف المشردين بمأوى يحميهم من شتاء على الأبواب، أخذ التماسك حول حزب الله الذي فرضته آلة الحرب الصهيونية المدمرة على كل القوى المناوئة لحزب الله ولسوريا، أخذ ينحل إلى عناصره الأصلية، لدرجة انبعاث خطاب بشير جميل من قبره يعلن أنها ليست حرب لبنان ولا انتصار لبنان، بل حرب إيران وانتصار إيران. مقابل ذلك لم يملك حزب الله الاستمرار في كظم غيظه مما تعرض له من كيد وخذلان، بينما هو عائد إلى قومه بأعظم تاج، لم تحلم بمثله دول وشعوب مركزية في المنطقة: تمريغ أنف الصهيوني -الذي أذل جيوش المنطقة- في الأوحال. ما يبدو هو أن هدم البنيان الذي حصل في لبنان سيستقر بعده بنيان سياسي أخذت أساسيات فيه تتداعى، وذلك رغم الجهود المشرفة التي قام بها الثنائي السنيورة-بري في إنقاذ ماء الوجه اللبناني الرسمي خلال الحرب. ولكن ذلك لم يخف ما يبيت لحزب الله من استغلال محلي للمخطط الدولي في تحييده وتجريده من سلاحه وإبعاده على الأقل نهائيا عن حدود الكيان الصهيوني، تأمينا لحدود هذا الأخير من كل ما يمكن أن يقوم به حزب الله من فعل ردا على عدوان صهيوني على لبنان أو فلسطين أو سوريا أو إيران. ولكن الزلزال الذي تم في لبنان من وراء انتصار حزب الله منتظر ولو بعد حين أن يقلب الموازين في جملة المنطقة فضلا عن الداخل اللبناني إقامة لرافعة سياسية تشد أزر المقاومة، قد تتشكل من قوى مسيحية (التيار الوطني الحر: ميشيل عون) وأخرى إسلامية شيعية (حزب الله وأمل)، وسنية (الجماعة الإسلامية، سليم الحص..) تترجم الانتصار العسكري سياسيا.
2- على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي: منذ الأيام الأولى من توقف الحرب بدأت أصوات في الدولة العبرية تتناغم معها أصوات في البيت الأبيض وفي أوروبا وفي العالم العربي أي المعسكر المهزوم: أ- توفيرا لفترة راحة واستشفاء للذئب الإسرائيلي الجريح حتى يعيد ترتيب أوضاعه، وفي هذا السياق تزحف حشود عسكرية على لبنان لمنع حزب الله من تعويض سلاحه ولحماية حدود الكيان الصهيوني ولتحقيق فصل نهائي بين لبنان وفلسطين المحتلة أي بين المقاومة في البلدين. ب- تفكيكا للجبهة الفلسطينية خشية أن تتماسك حول المقاومة. ومن هنا جاء تراجع فتح عن خيار حكومة وطنية وجاء الاحتفاء برئيس السلطة الفلسطينية من قبل سيد البيت الأبيض والثناء عليه بأنه رجل السلام، كما جاء قبول مؤسسة الأمن الدولي بالاجتماع تباحثا حول مشروع للسلام في المنطقة منعا للقوى « المتطرفة » من أن تفيد من انتصار حزب الله في الانتصار للمقاومة خيارا وحيدا في مواجهة الكيان الصهيوني.. المواجهة التي قد تغري نهاية بمواجهة الأنظمة المتحالفة معه سرا أو جهرا. ج- لقد فتحت صواريخ حزب الله التي ضربت لأول مرة العمق الإسرائيلي بشدة حتى فرضت حصارا على ثلث الكيان المحتل ثغرة هائلة هزت قوة الردع الإسرائيلي، بما كشف فجاجة إستراتيجية حماية الكيان عبر بناء الجدران العازلة والانسحاب المنفرد والانطواء، بزعم انعدام الشريك الفلسطيني. ما جرى في الجنوب اللبناني يمكن أن يتكرر في غزة وفي الضفة، بما فرض مجددا الالتفات الإسرائيلي والأميركي إلى الشريك الفلسطيني الذي طالما كانوا فيه من الزاهدين. اليوم هناك سعي من كل الأطراف الخاسرة في الحرب (آنفة الذكر) إلى تحريك عملية السلام وإعادة الاعتبار إلى أبي مازن وفتح وإكسابهما مصداقية عبر الإذن للخليج بضخ الأموال للخروج بالفلسطينيين من الضائقة -إساغة لمر السلام عبر حلوان الرواتب- بما يفرض على حماس ما كانت ترفضه دائما، اعترافا صريحا بإسرائيل، من خلال قبولها بحكومة وحدة وطنية تتسلم فيها فتح المهام السيادية مثل التفاوض أو الإطاحة بها. النظام العربي المتأمرك بقيادة مصر وحلفائها متهالك على هذا السلام ومستعد لتمويله، للحد من انعكاسات الزلزال اللبناني الذي ضرب المنطقة في وقت يتداعى فيه بنيانها للسقوط. 3- كان مفهوما أن تحتفي سوريا وإيران بالنصر، إذ تنفست الأولى الصعداء وقد مرت عليها سنة تزيد من الاختناق العصيب. لقد تأكدت أنها مستهدفة وأن خيار مقاومة المشروع الأميركي في المنطقة أقل كلفة من مسايرته، فأقدمت على فك تحالفاتها الإقليمية لصالح الرهان على قوى المقاومة والممانعة. وكان يمكن لهذا الخيار الذي أثبت نجاحه أن يمثل منعطفا كبيرا لو واكبته إجراءات تصالحية على الصعيد الداخلي، تعزز الصمود ولا تضيره، فلم التوجس من الإصلاح بعد هذا النصر؟
4- أما إيران فقد جاءت نتائج الحرب شهادة أخرى تعزز دورها الإقليمي المتصاعد وتضع في يدها مزيدا من الأسلحة في صراعها مع الولايات المتحدة وحليفاتها من أجل تجريدها مما هي مصممة عليه من حق امتلاك التقنية النووية دفاعا عن أمنها وتعزيزا لدورها قوة إقليمية عظمى، تمنع الكيان الصهيوني من الانفراد بهذه الصفة. كان من الطبيعي بعد هذا الانتصار أن يتصلب الموقف الإيراني دفاعا عن حقه وأن تتخلخل الجبهة المقابلة، بما فجر الغضب الأميركي للحد الذي أدى بأميركا للتهديد بفرض حصار منفرد على إيران لحملها على التنازل عن مشروعها النووي سلما أو حربا. وكان ذلك هدفا صهيونيا أميركيا أوروبيا وعربيا من أهداف الحرب على حزب الله لتفكيك حلقة مهمة مما سمي بالهلال الشيعي، إخفاء لوجهه الآخر: هلال المقاومة، الذي كان على العرب أن لا يتجاهلوه ولا يتآمروا عليه، بل يتحالفوا معه لإيجاد توازن في المنطقة مع الكيان الصهيوني المدعوم بلا حدود من الدولة الأعظم، بل هو ذراعها الطويلة الباطشة، وذلك بدل النظر إليه على أنه تهديد وخطر (أنظر سيد سعيد. الحياة 21-9-2006).
5- تشجيع عوامل التفكك في المنطقة تخذيلا لقوى المقاومة بتأجيج نيران الفتنة الطائفية سنية شيعية، عربية كردية، مسيحية إسلامية. وما يحصل في العراق نموذج، وربما يكون تصريح بابا الفاتيكان المستفز مندرجا في هذا السياق.
6- ما الذي يجب على قوى المقاومة والممانعة فعله إزاء بدايات انطلاق هجمة سياسية أميركية صهيونية بدأت خيوطها تتجمع إثر تعثر وتدهور الهجوم العسكري وتراكم إخفاقاته: لبنان، والعراق وأفغانستان وفلسطين والصومال؟ أ- دعم جبهة المقاومة ومنع العدو من استغلال عوامل النزاع الثانوية -طائفية كانت أم عرقية أم سياسية- في تفتيت قوى المقاومة والممانعة أو على الأقل تأجيل تفجير هذه النزاعات. ب- يقتضي ذلك مبادرات لتبريد النيران المتأججة في معسكر المقاومة، على صعيد العراق وعلى كل الصعد. ج- واضح اشتداد الصراع على الساحة العراقية بين القوى المرتبطة بالخيار الأميركي -ولو موضوعيا- التي تعطي الأولوية للحرب مع الداخل -وهي في المحصلة قوى تخريب- وبين القوى المقاومة للاحتلال. وواضح أيضا بداية فرز جديد على الساحة دفعت جماعة الصدر إلى الاشتباك مع الاحتلال، إذ قد لا تكون إيران بعيدة عن ذلك، بما يؤكد أن إيران متعددة ومتداخلة الأبعاد: بعد طائفي وآخر إسلامي وثالث قومي ورابع -وهو الأهم- أنها دولة تتصارع فيها قوى ومصالح كثيرة وتسعى لتأمين نفسها. إن الدور الإيراني -في نظر الكثير من جماهير السنة- بقدر ما هو إسلامي في فلسطين ولبنان ويصب في خانة مصلحة الأمة ووحدتها وصمودها في فلسطين ولبنان، بقدر ما اتسم بالطائفية والسلب في العراق ويغذي الطائفية والتمزق. ولأن السياسة في إيران كما هي في كل مكان متحركة لا يبعد أن تكون بصدد الإقدام على تعديلات مهمة في اتجاه المراجعة والتصحيح، إدراكا أن جماهير السنة التي تخطت البعد الطائفي ووقفت بلا حدود مع حزب الله لن تجد عنها إيران بديلا في مواجهة الأخطار التي تتربص بها. غير أن تلك الجماهير تشعر بخيبة أمل مريرة من السياسات الإيرانية في العراق، كاستضعاف السنة وتشجيع عوامل التفكك والفدراليات، مما سيكون نموذجا لتفكيك المنطقة برمتها، وقد لا تنجو منه إيران ذاتها. د- في الأخير أمام الحركة الإسلامية وقوى المقاومة في المنطقة وفي العالم فرصة كبيرة لتوظيف النصر المبين الذي تحقق لمصلحة الأمة ولقوى التحرر إذا هي أحسنت رؤية الأمور على حقيقتها وأقدمت بشجاعة على القيام بما يجب القيام به من أجل ذلك. أما إذا تركت الأعداء يمضون إلى مخططاتهم بحرية فنجحوا في تفجير عوامل التفكك في المنطقة وانفردوا بهذا واحتووا ذاك ودمروا الثالث فستعود بنا الذاكرة إلى النتائج الكارثية لحرب رمضان رغم النصر. إن المنطقة تستقبل مرحلة غاية في الخطورة تفرض أعلى درجات الانتباه والتضامن والعقلانية والتوكل. « والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ». ________________ كاتب تونسي
(المصدر: موقع الجزيرة نت3 أكتوبر 2006)
من العلمانية إلى الحاكميّة
نقد التراث تحول إلى محاكمة له تمهيدا لهدمه
محسن المزليني (*)
يحيل الحديث عن تحرير المجال السياسي على حفريات نقد التراث أو مذبحة التراث إذا استعرنا عبارة جورج طرابيشي. لقد سادهذا النقد ومنذ فترة ليست بالقصيرة منطلقا من خلفيّة « الاستبداد الشرقي » حيث تسود الدغمائية الدينية وبراديغمات الطاعة والولاء وعقلية القطيع. ببساطة ترجع مجمل هذه المقاربات كل المآسي والمآزق النظرية والعملية إلى جمود الموروث وتحكم « الأموات بالأحياء ». إن نقد التراث كثيرا ما تحول إلى محاكمة له ، حتى غدا المجتمع العربي الإسلامي وكأنه كارثة طبيعية ، لاحظّ في تغييره إلاّ بهدمه من القواعد وهو دور الفكر الطليعي والحزب القائد و الايديولوجيا المنقذة. غير أن الواقع كثيرا ما يكذب الأمبراطوريات الفكرية ، فكان أن خرجنا من كل هذه المعارك النظرية والممارسة التي أنبنت عليها بعودة القديم وتهديده دائما بالظهور وبأشكال عديدة .
ليست المشكلة في تقديرنا في القديم بحد ذاته و إنما في الحاضر الذي يستدعي القديم و يثمّن الطلب الاجتماعي عليه ،وهو ما ينقلنا من محاكمة التراث إلى محاسبة الممارسة الراهنة. لذلك آثرنا في المقالين السابقين في جريدة « الموقف » التركيز على النقد « العقل الحزبي » الذي ينعكس في الاستراتيجيات السياسية والتي أبدت هيمنة الدولة وتلاعبها بمصائر الشعوب من خلال احتكارها للمجال السياسي. وبعد أن حاولنا تفكيك الرؤية من الإسلام في المقال الأول (العدد364) ومن الدولة في المقال الثاني(العدد366) فإننا نسعى إلى أن نقارب أثر الرؤى المتصارعة على « المجال السياسي » تحريرا أو تقييدا.
إن مجال السياسية هو الحقل الذي ترسم فيه ومن خلاله الاستراتيجيات ، والمكان الذي يخلق ديناميكية الاجتماع ويضمن حيويته باعتباره « المجال الاجتماعي الفكري » الذي يمارس الناس فيا « الحرب » بواسطة السياسة أي بواسطة الحوار والنقد والاعتراض و الأخذ والعطاء، والتعايش بالتالي في إطار من السلم القائم على الحلول الوسطى المتنامية، كما كتب عابد الجابري. فما الذي منع تأسيس المجال السياسي أو تحريره ليؤدي هذه الوظيفة ؟ ننطلق من فرضية أن الرؤيتين المتصارعتين » العلمانية » و »الإسلامية » هي التي ساهمت بعقلها السجالي في القضاء على حيوية هذا المجال وتركت للدولة أن تحضن فيه بيضة الاستبداد وتفرخ . العلمانية في التحرير إلى القداسة
مثلت العلمانية آلية اجتماعية هي إجابة المجتمع الأوروبي عن سؤال زمنه حيث بلغ فيه الكهنوت أعلى مراحله فأصبح عائقا أمام حيوية المجتمع وديناميكيّته. في الواقع ، أنبنت العلمانية على جملة من المسلمات النظرية والتي عمادها قدرة العقل البشري بما هو إشراك كل الناس في مبادئ واحدة للنظر،مما يمكن كل بشر من فهم أي من القضايا بنفس الشكل مهما كان جنسه أو وضعه .وكان هذا المبدأ ردا على الرؤية الكهفوتية التي تدعي احتكار المعرفة وتراتيبية العقل والقدرة على التفسير وبالتالي تراتيبية المناصب والقدرة على إدارة الشأن الروحي والدنيوي السياسي.
كانت هذه الخطوة ضرورية لانتزاع المعرفة من يدفئة محدودة تدعي العصمة و اعادة توزيعها مشاعة بين الناس أو « الشعب » بالمقدار نفسه وذلك بواسطة نظام التعليم المجاني و الشعبي.ومثل هذا المبدأ حجر الزاوية لخلق مفهوم « الشعب » بديلا لمفهوم « الرعيّة » حيث أصبح للناس قدرات مشتركة في الوعي والإدراك وبالتالي في المشاركة في الحياة العامة الثقافية والسياسية . وبناء على هذه الواقعة أمكن توليد الدولة من سيطرة الكهنوت و افتكاك شرعية وجودها المستقل وتأسيس مجال السياسة كمجال زمني غير مقدس وتحويله إلى مصدر للحرية والعقلانية والصراع السلمي والتسويات العقلية بما يمكن من إدارة الشأن الاجتماعي ضمن قاعدة الفاعلية و المردودية .
لقد كان الرد التاريخي للمجتمع الأوروبية هو تقسيم العمل وتحديد الوظائف لكل من الشأن الديني والشأن السياسي وفك الاشتباك بينهما بترك إدارة المؤمنين بما هم موضوع روحي للكنيسة ، تراقب التجربة الإيمانية لكل فرد وتيسّر مراكمة الفعل الديني بتحريره من المجال الزمني، مجال السياسية والذي صار حقل التسويات والإبداع الحضاري وتوليد قيم المساواة والحرية وادارة الشأن العام للناس بماهم مواطنون بعد أن نزعت عنه صفة القداسة كرشط كاف لبناء مشروعيته .
إن جوهر العلمانية إذن هو نزع القداسة عن ممارسة الشأن السياسي، قداسة ارتبطت في أوروبا الوسيطة بسيطرة الدين غير أنها ليست مرتبطة به وجوديا لذلك كتب الباحث الأمريكي هوارد بيكر في الموسوعة البريطانية في تفريقه بين كلمتي مقدس وعلماني أنهما لا تعنيان معنى « دين » كما تشير إليه كلمة مقدس ، ولا معنى « غير دين » كما تشير إليه كلمة علمانية . فكلمة « مقدس » تستخدم بمعنى أوسع. إنها تعني » كل ما هو محمي من التغيير و التبديل « . فلماذا فشلت العلماينة العربية في توليد هذه القيم؟ ولماذا كفت هذه الآلية المبدعة عن آداء مثل هذه الوظيفة ؟ تشكو آلية العلمانية من خللين بنيويين جعلا النتيجة عكسية :
أولا: محاولة استنساخها دون إدراك الأرضية العقدية التي تتعامل معها وهي هنا المجتمع العربي والإسلامي وتجربته التاريخية المختلفة بالضرورة عن المجتمع الغربي الحامل الاجتماعي لهذا المفهوم ، وهو ما يشير إلى أن المفاهيم في العلوم الاجتماعية ليست جواهر نظرية و إنما فرضيات تتعامل مع بيئتها وتتلون بها، » فبسبب الافتراض الأول الذي تقوم عليه (العلمانية ) ومفاده أن فساد السياسة نابع من مصادرة السلطة الدينية للسلطة السياسية وهضمها لاختصاصاتها وحريتها، ما كان بإمكان النظرية العلمانية أن تقدم عونا كبيرا لفهم فساد السياسية العربية فهي غير قادرة على بناء النموذج التحليلي اللازم لتفكيك عمل السلطة الأوتوقراطية (الفردية الاستبدادية ) القائمة على مصادرة الدولة للفكرة الدينية ، أو على التسييس الرسمي للدين الذي مارسته الدولة العربية الحديثة وسعيها لاحتكار التفسير الديني وجعله عنصرا أساسيا من عناصر ترسانتها المعنوية ، تماما كما يشكل احتكار ما يسميه عالم الاجتماع الألماني فيبر « العنف الشرعي » عنصرا أساسيا من ترسانتها السياسية والقانونية، كما كتب الباحث السوري برهان فليون .
ثانيا: تحول آلية العلمانية بسبب عدم إدراك هذا الخلل الابستمولوجي والتاريخي الثاوي في الفرضية الأساسية من آلية لنزع القداسة عن الفكر السياسي والممارسة إلى عقيدة جديدة للدولة الناشئة والحلف الاجتماعي الذي أقامته مع الفئة الثقافية الجديدة الساعية إلى التماهي مع مشروع الدولة في التقدم والتنمية انطلاقا من رؤية إرادوية تعتقد بأسبقية الدولة الطليعية على المجتمع الراكد وتجعل الشأن السياسي مقدسا جديدا وحكرا على هذه الفئة المستميتة في الدفاع عن مكانتها وامتيازاتها وهو ما أشار إليه غوستان لوبون في كتابه « سيكولوجية الجماهير » بقوله « حتى لو كانت علمانية تبقى لها ردود فعل دينية تفضي بها إلى عبادة الزعيم ،والى الخوف من بأسه والى الإذعان الأعمى لمشيئته فيصبح كلامه دوغما لا تناقش وتنشأ الرغبة في تعميم هذه الدوغما. أما الذين لا يشاطرون الجماهير اعجابها بكلام الزعيم فيصبحون هم الأعداء ».
(*) باحث في علم الاجتماع
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن العدد 375 من « الموقف » بتاريخ 29 سبتمبر 2006)
مواقف علماء الشريعة من الإسلام السياسي
د خالد شوكات (*)
لم يكن الشيخ حسن البنا مؤسس أول حركة إسلامية في العالم العربي، فقيها دينيا أو عالما من علماء الشريعة الإسلامية، بل كان معلما خريج دار العلوم القاهرية، وكذلك كان الأمر بالنسبة لخليفته المستشار حسن الهضيبي، الذي كان قاضيا، ولسيد قطب المنظر الكبير للحركة الإخوانية، الذي كان معلما وأديبا وشاعرا، واستمر الأمر تباعا، حيث خلى مكتب إرشاد الجماعة إلى اليوم من فقهاء وعلماء الشريعة، وكذا كان المرشد العام إلى يوم محمد المهدي عاكف هذا، رجلا من خريجي المدارس والمعاهد والجامعات المدنية.
وإذا ما نظر في سيرة الحركات الإسلامية في عموم البلاد المحيطة بمصر، فإن الملاحظة نفسها تظل ذات مصداقية، فرائد الحركة الإسلامية في السودان الدكتور حسن الترابي خريج جامعة الخرطوم في الحقوق، وحائز على الدكتوراه من جامعة السربون الباريسية، ولا يختلف الأمر بالنسبة لمريديه أو المنشقين عنه، فجميعهم تقريبا من الذين تابعوا تعليما مدنيا، وليس في قائمتهم من عرف بانتسابه لشريحة علماء الشريعة أو فقهاء الدين.
وفي بلدان المغرب العربي، الذي ظهرت فيه جماعات إسلامية ابتداء من أواخر ستينيات القرن العشرين، لم يسجل انتماء فقيه أو عالم دين بارز لقيادة هذه الجماعات، فراشد الغنوشي مؤسس الحركة الإسلامية في تونس، خريج جامعة دمشق في الفلسفة، وقد مارس مهنة تدريس هذه المادة في بعض الثانويات التونسية، وهو شأن رفاقه في قيادة الجماعة الإسلامية التونسية، الذين تخرجوا من كليات الطب والهندسة والعلوم الإنسانية، ولم يكن من ضمنهم من عرف بكونه فقيها أو عالما شرعيا من خريجي الجامعة الزيتونية أو غيرها من الجامعات الإسلامية المرموقة.
وفي الجزائر، لم يختلف الشأن، فأسماء مثل محفوظ النحناح – رحمه الله- أو عباسي مدني أو علي بلحاج أو رابح كبير أو عبد الله جاب الله أو غيرهم من قيادات الجماعات الإسلامية المعروفة، لم تكن إلا أسماء لشخصيات مدنية درست وتخرجت من مدارس وجامعات علمانية، و اختارت تخصصات عادية متعددة غير دينية، ولم تعرف بفقه أو علم شرعي، ومارست مهنا وأعمالا لا صلة لها بالفتوى الدينية أو التعليم الشرعي.
أما في المغرب، فقد كان عبد السلام ياسين مسؤولا في وزارة التربية والتعليم، ومدرسا في المدارس الثانوية الحكومية، تماما كما هي سيرة قادة حركات وجماعات إسلامية مغربية أخرى، من بينها حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الطبيب النفسي الدكتور سعد الدين العثماني، ومن قادته أيضا عبد الإله بنكيران وعبد الله بها والمقرئ الإدريسي أبو زيد، وجميعهم مارسوا أو يمارسون مهنا مدنية، وتكوينهم التعليمي لم يكن تكوينا شرعيا أو فقهيا.
وبالعودة إلى بلدان المشرق العربي، فإن قيادات الحركات الإسلامية في فلسطين والأردن والعراق وسوريا ولبنان واليمن ودول الخليج، ليس من بينها تقريبا من عرف بعلم شرعي أو نال مرتبة علمية دينية من جامعة إسلامية معروفة، وقد اشتغل غالبيتهم في قطاعات مهنية عادية متعددة، من بينها الطب والهندسة والتدريس وغيرها.
ومن العلامات الفارقة، أن السمة المشار إليها، تسري بدورها على قادة أكثر الحركات الإسلامية راديكالية وتشددا وسلفية وعنفا، والمقصود بذلك تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، الذي درس الاقتصاد وامتهن لاحقا الأعمال التجارية، و أيمن الظواهري، وهو طبيب بشري، كان صاحب عيادة معروفة في القاهرة، ولا صلة لكليهما بالعلوم الدينية الإسلامية أو المعارف الفقهية والشرعية. وقد اكتسب كثير من قادة الحركات الإسلامية لقب الشيخ بالعادة أو السن أو الرغبة أو الزي واللحية والعمامة، فيما يبدو تصدي هؤلاء القادة للفتوى والرأي الشرعي مسألة ذات اعتراض واحتجاج وامتناع من قبل المؤسسات والهيئات العلمية الإسلامية، فضوابط الإفتاء والاجتهاد في الإسلام، شأنها شأن الضوابط في سائر الأديان السماوية الأخرى، إنما تخضع لمرجعية إكليركية وتراتبية علمية لا يسهل تجاوزها أو الاستهانة بها.
وعلى الرغم من طابعها الشخصي، إلا أن هذه الملاحظة العامة الجامعة بين سير قادة الحركات والجماعات الإسلامية، قد تساعد بشكل كبير على الوقوف عند حقيقة وطبيعة الحركات الإسلامية، فهي حركات سياسية بالدرجة الأولى وليست حركات دينية، وهي حركات عملت على توظيف المرجعيات الدينية لتحقيق أهداف سياسية دنيوية، وليست حركات إصلاحية دينية، كحركة المعتزلة الإسلامية أو حركة الإصلاح اللوثرية في الديانة المسيحية مثلا، تهدف إلى إصلاح الفكر الديني والارتقاء بمكانة الدين في المجتمع.
لقد ظهر زعماء الحركات الإسلامية في العالم العربي طيلة القرن العشرين، في أوساط تعج بعلماء الدين الإسلامي وفقهاء الشريعة، لكنهم فشلوا في غالب الأحيان ومجمل الحالات في استقطاب العلماء والفقهاء إلى جانب دعوتهم، إلا فيما ندر وشذ، وهو ما يعني رفض هؤلاء العلماء والفقهاء الصريح أو الضمني للإسلام السياسي، و تقديرهم أن آلياته تلحق ضررا بمصالح الدين أكثر مما تفيده، وأنها تدفع إلى تحويل الثابت والمجمع عليه إلى موضوع نقاش ومزايدة ومماحكة.
و قد تضررت صورة علماء وفقهاء الشريعة الإسلامية من ثلاثة مداخل تقريبا، أولها مسارعة الجماعات والحركات الإسلامية إلى اتهام كل من لم يؤيد دعواتها إلى كونه من فقهاء وعلماء السلطان، الذين ساروا في ركاب الحكم وباعوا ذممهم للحاكم، وثانيها سعي الأنظمة الحاكمة إلى تهميش دورهم في المجتمع والحط من مكانتهم وقيمتهم الرمزية، وثالثها جنوح غالبية الفقهاء والعلماء أنفسهم إلى الجمود والتقليد والمحافظة، من منطلق إبعاد الدين عن مناطق الصراع أو اتقاء شرور الفتن، وهو سلوك ميز الأوساط الفقهية والشرعية الإسلامية على مدى قرون إلى درجة الهوس.
و الرأي أن تواضع التكوين الفقهي والشرعي لقادة الحركات الإسلامية عادة ما كان وراء تقوية نزوع التشدد والتطرف، إذ البين من التجربة أن الارتقاء في سلم العلوم والمعارف، سواء كانت روحية دينية أو دنيوية، عادة ما يقود إلى الارتقاء في سلم المحبة والتسامح والتعايش، بينما يقود الجهل والقصور العقلي ومحدودية الزاد المعرفي إلى التعصب والانغلاق والعنف.
وقد حذر علماء وفقهاء الشريعة الإسلامية على الدوام، منذ تشكل المدارس الفقهية والمذهبية الكلاسيكية، من هيمنة الغوغاء والدهماء والعامة على مقاليد الأمور والفقه والدين والحكم، بما يفسر سعي غالبية هؤلاء العلماء والفقهاء للنأي بأنفسهم عن الصراعات ذات الخلفية السياسية، وهو أمر أسس له رموز الاجتهاد الإسلامي كمالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل، الذين عاصروا قيام مستبدين وظهور جماعات إسلامية، لكنهم رأوا أن الإسلام الذي يمثلونه لا علاقة له بهذه القضايا ذات الطبيعة الدنيوية الخالصة، حتى وإن رفعت شعارات دينية.
وبالعودة إلى التاريخ المعاصر، سيلاحظ الدارس لسير العلماء والفقهاء المسلمين، أن أسماء بارزة من بينهم واكبت تأسيس حركات وجماعات إسلامية لكنها لم تقرر الانتماء إليها، بل إن علماء مثل محمد الطاهر بن عاشور ومحمد الفاضل بن عاشور فضلوا الانتماء للحركات الوطنية الجامعة على الانتماء لحركات إسلامية مفرقة، وهو تقدير شاطرهم فيه علماء الجزائر الذين أيدوا جبهة التحرير، وعلماء المغرب الذي وقفوا إلى جانب حزب الاستقلال وغيره من الأحزاب الوطنية.
إن المنطق يفترض أن أحرص الناس على الدين هم فقهاؤه وعلماؤه، وإن الجامع لآراء علماء وفقهاء الإسلام سيقف على حقيقة أن غالبيتهم كانت لديهم تحفظات ومواقف رافضة لإقامة أو تأسيس جماعات وأحزاب إسلامية في مجتمعات يشكل المسلمون غالبية عددية فيها، وأن غالبيتهم كان مدركا لأن الحب الزائد كما الكره الزائد للعقائد عادة ما يفضي إلى خلاف المرجو منه، أي إلى خراب هذه العقائد وتضييع جوهرها الإنساني والزج بها في خصومات عقيمة ضارة.
وبالمقابل، فإن الوقوف على حقيقة أن قادة الحركات والجماعات الإسلامية، هم في غالبيتهم من تلك الفئة متوسطة المعرفة والإلمام بالعلوم الفقهية والدينية، سيساعد على فهم أحد مصادر الانحراف والتشويه والضرر، التي جرتها تجارب الإسلام السياسي على الإسلام كدين وعقيدة سماوية عظيمة، لا تختلف في حقيقتها السمحاء والإنسانية والروحية السامية عن أي عقيدة دينية سماوية أخرى، تكره سفك الدماء وتحث البشر على الإخاء وترى مصلحة الشرع متماهية تماما مع مصلحة الناس، فأينما ثمة مصلحة الناس ثمة شرع الله كما قال الفقهاء قديما.
(*) كاتب تونسي.
(المصدر: موقع إيلاف بتاريخ 3 أكتوبر 2006)
الحرب على الإرهاب وسؤال الهوية العربية
3/10/2006م عادل الحامدي
ما الذي وحد بين مختلف الأجهزة الأمنية في العالم كي تقود حرباً ضد شيء لم يحدد معناه ولا اتفق المحاربون على تعريف محدد لـه؟ كيف تحول العالم من شعوب، قبائل يربط بينها المشترك، من طبيعة ابن آدم في العمران إلى قوى تصادمية يتحين بعضها الفرص للنيل من بعضها الآخر؟
ولماذا يصمت حكماء الديانات وعلماؤهم عن كل هذه الانتهاكات لكرامة بني البشر التي تجري على مرأى ومسمع من العالم كله؟ كيف ومتى تحول الإسلام من دين للحوار والتسامح إلى دين يرعى الفاشية وينشئها؟ خمس سنوات منذ انطلقت الحرب الدولية الثأرية على الإرهاب، والحضارة المتقدمة تنتج المعتقلات والسجون السرية وتبدع في اختلاق صور التعذيب لافتكاك المعلومة عنوة وعن سابق إصرار وترصد. من أبو غريب ـ السجن العراقي الديمقراطي الشهير ـ إلى غوانتنامو مروراً بالمعتقلات السرية في أوروبا المتقدمة وبعض الدول العربية الحداثية المتنورة. صور شتى لكومة سلعية تحسبها مواد ميتة لكنك كلما اقتربت منها فاحت منها روائح ابن آدم، حين تنهك قواه ولم يعد يقدر على الحراك إلا بالنظر أو بالأحاسيس أحياناً أخرى. في ظل هذه التحديات المعقدة والمتعددة الأهداف والدلالات يبرز مجدداً سؤال الهوية والانتماء، ما هو المقصود بالهوية؟ ما هي العناصر المحددة أو المكونة لما يمكن أن نسميه هوية: هل هي الثقافة وحدها أم الدين أم الانتماء القطري والقومي أم هي كل ذلك جميعاً؟ قبل أن نبحر في هذا الموضوع لنلتفت قليلاً إلى الوراء، ما هي مكونات الهوية لثلة من العرب في بيوتات أشبه ما تكون بالخيام المتنقلة حول أول بيت وضع للناس بمكة؟ ما هي الهوية التي كانت لديهم؟ وإذا اعتبرنا الإسلام هوية باعتباره ديناً شاملاً ناسخاً عالمياً جاء للناس كافة، بهذا الاعتبار لماذا لا نعتبر ما قبله من حلقات تنزيلية وأعني المرحلتين السابقتين اليهودية والمسيحية: هل هما هويتان أم دينان قوميان؟ أليس هناك ما هو أدق من شعرة معاوية المبسوطة عندما يتعلق الحديث بالفرق بين الهوية والوطنية؟ هل أفقد هويتي بمجرد أن أصبح مواطناً أوربياً؟ إذا كانت الهوية إحدى مكونات الاجتماع البشري أليس تجنياً على الحقيقة أن نخلط بين الهوية والوطنية والانتماء الحضاري والانتماء الديني؟ أمام هذا الخليط من المصطلحات التي لو أبحرنا في معانيها وشعابها لضاعت الحقيقة ولضاعت معها أذهان قراء هذا المقال، وأمام ضربات الواقع وأجراسه الطارقة فإن الحديث عن الهوية هو حديث عن هويات أدناها ما تعارفنا عليه في الماضي من مصطلح الهوية الذي كان جامعاً للدين والانتماء القطري والقومي والوطني والحضاري. وهذا ما يحيلنا قصراً على الحديث عن العولمة التي زحفت على التاريخ وقفزت على الواقع لتفرض نفسها على أعناقنا كارهين، منذرة بأن عصر الهويات، ولا أقول الهوائيات، قد أتت عليه هذه الهوائيات نفسها، فلست أدري ماذا يبقى لذلك الشاب الإفريقي الوثني عندما يفتح بريده الإلكتروني ويجد نفسه أمام ملاك يغني كيوم ولدته أمه، أجمل من بثينة العربية ومن مدونة الإنجليزية تدعوه هيت لك، فما الذي يبقى لـه من هوية وانتماء وقد أصبحت صنمه المتعبد، عليه يقوم وعليه ينام؟ والحال هذه، ألسنا في حاجة إلى إعادة كتابة الواقع بأحرف من العلمنة المتسلطة تملي علينا إعادة النظر في كل شيء ما خلا الله؟ منذ ثلاثينيات القرن الماضي وبعد انهيار الرجل المريض وتهاوي أركان الخلافة العثمانية على عروشها، استفاقت النخب العربية والإسلامية على وقع اتفاقية سايكس بيكو وما خلفته من قوى استعمارية سيطرت على خيرات العرب والمسلمين وأنهكت قواهم في معارك من أجل التحرير لا زال بعضها قائماً حتى الآن، استنهضت من أجل هذه المهمة كل ما لديها من عناصر الانتماء والخصوصية الثقافية التي توحد بين مواطنيها وتجمع بينها تحت شعار التحرر من الاستعمار وبناء الذات وفقاً لمحددات الانتماء الديني والقومي والوطني بل وحتى العرقي. كبر حلم الحرية وتعاظمت أشواق العرب للحياة وهم تحت الاحتلال إلى يوم تشرق فيه شمسهم على أوطان حرة طليقة وقد أعيدت مفاتيح البيوت إلى أهلها. لم يكن سؤال الهوية يرهق عرب ومسلمي عصر التحرير فقد كانت هويتهم واضحة المعالم، هي في أدناها تكوين مختلف عن هذا الغازي وفي أقصاها انتماء ديني إلى أمة عريقة حفظت خصوصيتها رغماً عن التدافع الحضاري وحروب المغالبة التي استهدفتها على مر العصور. لم يكن هاجس الغنيمة الذي تلى معارك التحرير مطروحاً على نخب النهضة العربية الحديثة وقادة معارك حركات التحرير في العالم العربي فأنا وابن عمي على الغريب. هل كان غياب الغنيمة هو الذي وحد العرب والمسلمين خلف حركات التحرير من الاستعمار أم أن الأمر يتعلق بمكونات أخرى أكثر تأثيراً من الغنيمة وإغراءاتها؟ عرفت الشعوب العربية بعد خروج القوى الاستعمارية عنوة أنماطاً متعددة من التجارب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعضها يخلف بعض في غير تراتب ولا تناسق، ليبرالية لم تقدم للشعوب المنتصرة غير دروس التبعية وتكريس التخلف وتشتيت عناصر الهوية، أعقبتها أنظمة عسكرية انتهى أغلبها لصالح أنماط ديكتاتورية لا تعرف للهوية معنى غير العصي ولي الأذرع، فاستبعدت من الإنسان كل شيء وتركته يلهث بدون جدوى عن لقمة عيش عزت، حتى هي، في وقتنا الراهن. ولم تكد تطوى صفحات مرحلة ما بعد الحرب الباردة حتى بات العالم الجديد الذي لم تتشكل تضاريسه السياسية بعد مترقباً ما ستأتي به الأيام الأمريكية إلى منطقة الشرق الأوسط ممرغ الحضارات وبالوعة المدنيات التي لا تستأنس بوافد ولا تنام على ضيم ولو كان من سابع الإمبراطوريات التي يخيل إلي أنها استعجلت قطف ثمار السيادة الكونية واستبدت بالرأي، والعاجز من لا يستبد، خاصة من غير العرب الذين تحولوا منذ قرون من الفعل إلى المفعول به حتى إشعار آخر. سقطت كابول ثم بغداد والعالم الثالث يراقب ويراجع سياساته الداخلية ويعقد المؤتمر الإصلاحي تلو الآخر ومقولة حلق الرؤوس عن طيب خاطر قبل أن تحلق صاغرة تقض مضاجع الحكام وتفسد عليهم حتى نعمة الاستمتاع بحلاوة كراسي الحكم. وغدا التواجد العسكري الأمريكي والأجنبي في بعض دول الشرق الأوسط أمراً اعتيادياً لا بل إنه ضمانة للأمن والاستقرار لدى كثير من دول هذه المنطقة. لكن السنوات الخمس الأولى لم تنجز من وعود الديمقراطية غير الشعارات والخطب السياسية، فالقوات الحكومية الأفغانية مدعومة بالقوات الأمريكية والبريطانية لم تستطع حتى الآن أن تسيطر على الأقاليم الأفغانية ولا أن ترسخ التجربة الديمقراطية، إلا إذا استثنينا تلك الصور النمطية عن السهرات المختلطة في مقاهي العاصمة كابول بعد أن كانت المرأة مطمورة بحكم قانون طالبان. أما العراق فلا تكاد ترى لحكومته المعينة أو المنتخبة أثراً إلا في المنطقة الخضراء أما باقي نواحي العراق فمسرح لحروب بعضها طائفي عرقي مقيت وبعضها الآخر إجرامي ثأري وأغلبها وطني تحرري يأبى أن يكون رقعة أو حجرة في لعبة شطرنج بل يسعى أن يكون لاعباً أساسياً. كان شعار إعادة الاعتبار للذات العربية ولمكوناتها الثقافية الخاصة، كما كانت إشاعة الديمقراطية وإصلاح ما بالأنظمة من دكتاتورية وفساد مطلباً شعبياً داعب أخيلة أغلب الشعوب العربية التي أضناها ظلم القريب والبعيد وحال دون تقدمها التخلف وأقعدها عن الفعل مدافعة الاستبداد وأحادية الرأي عن المساهمة في أن تكون طرفاً فاعلاً في إدارة حوار حضاري فاعل ومتجدد. واقع تلاشت معه معالم الهوية وغدت فيها العودة إلى الطائفة بل والقبيلة أكثر أمنا وقدرة على استنهاض الهمم للدفاع عن الديار. فهل هي مؤامرة الغازي أم أخطاء عربية وإسلامية قاتلة تستوجب اليقظة والانتباه؟.
_ كاتب وإعلامي تونسي يقيم في بريطانيا
مقال صادر بجريدة الثورة السورية اليوم الاثنين 3 أكتوبر
مبادرة فرنسيّة لحوار الأديان والحضارات
محمّد الحدّاد
حضرت في باريس أعمال «المنتدى الثقافي للحوار بين أوروبا والمتوسّط والخليج» الذي دعا اليه الفرنسي جاك شيراك وافتتحه بقصر الإليزيه يوم الأربعاء 13/09/2006 وتواصلت أعماله ثلاثة أيّام. ولقد سعت فرنسا من خلال هذه المبادرة إلى تأكيد حضورها في مجال الحوار بين الأديان والحضارات بخاصة وقد نجحت جارتها إسبانيا في تعميم مفهوم «تحالف الحضارات» وتحويله إلى مدخل من المداخل الرئيسة للحوار في الوقت الراهن، فقد تدرّج هذا المفهوم من مقترح للحزب الإشتراكي الإسباني إلى مقترح حكومي إسباني إلى مقترح إسباني – تركي ثم إلى مقترح أوروبي – إسلامي قبل تبنّيه رسميّا من منظمة الأمم المتّحدة. كان على فرنسا حينئذ أن تطلق بدورها مبادرة مرشّحة أن تبلغ نفس القوّة والحضور وتتوجّه إلى العالم العربي تخصيصاً الذي تفادى المنظمون تسميته بالعربي مفضلين الحديث عن «المتوسط» و «الخليج»، مع إدماج إسرائيل في المتوسّط وتغييب إيران من الخليج، وهي مفارقة كانت محلّ نقاش طويل بين المشاركين والمنظّمين.
ولم يكن الحظّ حليف هذه المبادرة فما أن بدأت معالمها تتضح حتّى قامت الحرب بين إسرائيل و «حزب الله» اللبناني فكادت تعصف بموعد اللقاء، وكان على المنظّمين أن يفكّروا جيّدا قبل أن يتخذوا قرار المحافظة على الموعد المحدّد الذي اختير ليناسب الذكرى الخامسة لحدث 11/09/2001. كان الخطر قائماً أن يتحوّل الحدث إلى مواجهة بين مواقف سياسيّة متباينة فيهتزّ مبدأ الحوار وتتخلخل قيمه. ويبدو أنّ الرئيس شيراك قد أصرّ شخصيّاً على انعقاد المنتدى في موعده بعد أن وضعت الحرب أوزارها، وهو الذي كان افتتح في بداية الصيف متحف الحضارات في قلب العاصمة الفرنسيّة وهو متحف ضخم سينضمّ إلى المعالم الباريسيّة العظمى. وكان الخطاب الافتتاحي الذي ألقاه أمام المشاركين تمريناً سياسيّاً دقيقاً قصد منه توجيه رسالة قويّة للحوار مع تفادي الحساسيّات المفرطة المتراكمة منذ سنوات بسبب أزمات عديدة آخرها الحرب على لبنان.
وذكر الرئيس شيراك في هذا الخطاب الافتتاحي أنّه اقترح في مؤتمر برشلونة التوجّه إلى المثقفين والمبدعين وشخصيات المجتمع المدني لدعوتهم إلى المشاركة في الخروج من عنق الزجاجة ومن «صراع الجهالات» الذي أصبح يهدّد السلام العالمي. وحدّد ثلاثة مخاطر بالقطيعة هي أوّلاً القطيعة بين الإسلام والغرب، وثانياً بين العلمانيّة والتديّن، وثالثاً بين الشمال الغنيّ والجنوب الفقير. فالمطلوب من المنتدى الذي يضمّ حوالى مئتي شخصيّة أكاديميّة وفنيّة وسياسيّة ودينيّة عكس اتجاه التيّار وتقديم مقترحات عمليّة ومبتكرة يستفيد منها الساسة والمشرفون على المنظمات الدوليّة والإقليميّة. واستشهد الرئيس الفرنسي بابن رشد وطوما الإكويني اللذين عملا على تقريب الأفهام في عالم كانت تسوده الحروب الدينيّة. ولم يخل الخطاب من إشارات سياسيّة واضحة مثل التأكيد على أنّ العنف لا يساهم في حلّ المشاكل وأنّ النماذج الحضاريّة التي تفرض بالقوّة لا يمكن أن تدوم. لكنّ التوجّه العام ظلّ في إطار القضيّة الثقافيّة وما يمكن أن تساهم به الثقافة للخروج من المأزق باعتبار المتوسّط ملتقى الشعوب والأمم والثقافات المتنوّعة ومهد الديانات الكتابيّة ومنبع قيم الحريّة والكرامة الإنسانيّة، فهو المؤهّل ليكون ملتقى للتضامن والتآزر والتحاور. وقدّم الرئيس الفرنسي مجموعة من المقترحات العمليّة هي مراجعة الكتب المعتمدة في تدريس التاريخ وتشجيع الإنتاج الإعلامي المشترك بين الشمال والجنوب والتقريب بين المدونات القانونيّة وإقامة «إيراسموس متوسطي» (برنامج تبادل بين طلبة الجامعات) وصوغ ميثاق حوار بين الثقافات يضبط قواعد التعايش في ظلّ العولمة.
وكان الرئيس شيراك محاطاً بمجموعة من الشخصيّات منها وزير الخارجيّة التركي ووزير الخارجيّة الإسباني وشخصيّات عربيّة بارزة تتقدّمها السيّدة سوزان مبارك التي قدّمت كلمة مكثّفة أكدت خلالها أنّ الحوار بين الثقافات ليس معرضاً للمثاليّات لكنّه فرصة تاريخيّة لإنجاح مشروع إنساني يقرّب بين ضفتي المتوسّط. فالحضارة تراكم لمساهمات تقدّمت بها كلّ الشعوب، والثقافة العربيّة تخصيصاً لم تنفكّ تساهم في إثراء صرح الحضارة الإنسانيّة من ابن سينا وابن خلدون إلى جبران خليل جبران ونجيب محفوظ. ورأت في هذا المنتدى فرصة لتحقيق تحالف الحضارات لتتخذ العولمة وجهاً إنسانيّاً وعادلاً، إذ التحالف لا يستهدف شعباً أو مجموعة بشريّة لكنّه يستهدف المخاطر التي تحيق بالبشريّة جمعاء والتي تستدعي تحالف الجميع لدرئها. وحدّدت الأهداف المرجوّة في أربعة هي أوّلاً إيقاف مدّ العنصريّة والعدائيّة بين الأمم والشعوب وثانياً إيجاد آليّة لاستباق الأزمات التي تؤجّج صدام الحضارات وثالثاً ضبط ميثاق شرف إعلامي يوفّق بين حريّة التعبير واحترام الديانات والثقافات ورابعا نشر الوعي بأنّ أسباب الأزمات ليست اختلاف الأديان لكنّها تناقض المصالح.
أمّا السفير هوتزينغر الذي عيّنه شيراك منسّقاً لهذا المنتدى فقد ذكر أنّ المنتدى مرشّح ليضطلع بوظائف ثلاث فهو نوع من «اللوبي» المتوسطي لنشر قيم التسامح والحوار، وهو ملتقى المجتمعات المدنيّة المتوسطيّة لتبليع مقترحاتها ووجهات نظرها إلى الجهات الرسميّة والمنظمات الدوليّة، وهو «صندوق أفكار» (Think Tank) يهيّئ لبعث رؤى جديدة وفتح آفاق مبتكرة تساهم في تحقيق الأهداف المرجوّة.
وتوزّعت أعمال الحاضرين بعد ذلك إلى ستّ ورشات عمل الأولى موضوعها القطائع والذاكرة والتاريخ، والثانية الصورة والمكتوب، والثالثة موضوعها الدين والمجتمع وحوار الأديان، والرابعة موضوعها التحديث الاجتماعي والثقافي، والخامسة التعليم، والسادسة القيم المشتركة والقيم الجماعيّة. وسيتواصل التفكير في هذه المحاور مدّة سنة قبل الخروج بمقترحات عمليّة محدّدة تختتم بها أعمال المنتدى.
وكما اصطدمت هذه المبادرة لحظة إعلانها بآثار الحرب بين إسرائيل و»حزب الله» فقد واجهت أيّام انعقادها حدثين سلبيّين، كان أوّلهما البيان الذي أذاعته إحدى الفضائيّات العربيّة للرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري وفيه تهديد لفرنسا بأن تستهدف مستقبلاً بالعمليّات الإرهابيّة. ولكم كان معبّراً أن رأينا الصحيفة اليوميّة «لوفيغارو» المقرّبة من اليمين الحاكم في فرنسا تنشر على صفحتها الأولى يوم 14/09/2006 صورة ضخمة للظواهري تحت عنوان بارز يعلن قرار تنظيم القاعدة استهداف فرنسا وتحتها صورة صغيرة للرئيس الفرنسي مع عنوان صغير يعلن اعتزامه المناضلة من أجل الحوار بين الثقافات. إنّ هذه التراتبيّة التي اختارتها الصحيفة المشهورة بين حدثين تزامنا في اليوم نفسه تؤكّد إلى أيّ مدى تظلّ المبادرات الرسميّة رهينة أحداث غير متحكّم فيها تخلخل على رغم بساطتها مبادرات تطلّب إعدادها جهوداً وتمويلات ضخمة. ثم ما أن بدأ المشاركون يتناسون الظواهري ويؤكدون عدم الخلط بين الإسلام والإرهاب إذ بالبابا بينديكت السادس عشر يطلع بتصريحه المشؤوم. وكان قد ورد في وثيقة الدعوة إلى المنتدى أنّ المبادرة قصد منها تجاوز الآثار السلبيّة لأزمة الرسوم الكاريكاتوريّة الدنماركيّة وها أنّها تنتهي على وقع أزمة أكثر خطراً لأنّها لا تتعلّق هذه المرّة بإرهابي منبوذ أو رسّام مغمور بل محورها رأس الكنيسة الكاثوليكيّة الغربيّة ومدارها أزمة غير مسبوقة بين الكنيسة والإسلام منذ المجمّع الفاتيكاني الثاني (1965). فهل ينجح مئتان من المثقفين والمبدعين والشخصيات السياسيّة والثقافيّة والدينيّة في أن يقدّموا بعد سنة من العمل المشترك مقترحات مبتكرة لتجاوز دوّامة هذه الأزمات التي أصبحت تتوالى بدوريّة مفزعة ومحبطة؟ ذلك هو السؤال الذي ودّع به المشاركون بعضهم البعض في نهاية الدورة الأولى من المنتدى. وسيكون لنا عودة إلى إحدى القضايا الرئيسة التي طرحت في هذه المناسبة وهي قضيّة العلمانيّة كما ستكون لنا عودة إلى تصريحات البابا بينديكت السادس عشر.
(المصدر: ملحق « تراث » بصحيفة الحياة الصادرة يوم 30 سبتمبر 2006)
غسان بن جدو ضيفاً على نيشان: الراديكاليون الثلاثة
دمشق ـ ابراهيم حاج عبدي
اختلط الأمر، للوهلة الأولى، على المشاهد الذي اعتاد أن يرى الإعلامي التونسي البارز، وأحد أهم الوجوه الحاضرة في قناة الجزيرة، غسان بن جدو محاوراً (بفتح الواو) لا محاوِراً (بكسر الواو)، على قناة «نيو تي في سات» عبر برنامج «مايسترو» للإعلامي نيشان. في هذا اللقاء هجر بن جدو موقعه العتيد، وراح يمارس بحذر وحرص دوراً طارئاً، ومفاجئاً، فكان عليه، هو الذي ينتزع الأجوبة من ضيوفه، أن يجيب على أسئلة نيشان في برنامج تتجاوز مدته ساعتين، وهو زمن طويل قياساً إلى زمن برامج معظم الفضائيات العربية… وإن كان المديح المتبادل بين الضيف والمضيف يشغل جزءاً من ذلك الزمن!
بن جدو بدا هنا هادئاً، مهذباً، بل وخجولاً على عكس صورته التي نراها في برامجه الحوارية ـ السياسية عبر قناة «الجزيرة». فهنا تميز بالجرأة، والنباهة، لكن نيشان سعى الى ان يظهر الصورة الأخرى لضيفه، تلك الصورة التي يفضّل بن جدو عادة إخفاءها، كي يظهر بمظهر الإعلامي المهني والموضوعي. والواقع أن هذا الإعلامي الناجح لم يجد حرجاً في الكشف عن طبيعة علاقته بالنساء في مراحل المراهقة وما تلتها، وعن الصعوبات التي مر بها والمعاناة التي لاقاها في مشواره نحو «الأضواء والنجومية»، وتحدث بنبرة وجدانية صادقة عن ارتباطه بوطنه تونس، وعن علاقته بأسرته وأطفاله وزوجته، لكن الأمر اللافت الذي استفاض بن جدو في الحديث فيه هو إعجابه الشديد بشخصية السيد حسن نصر الله، لدرجة وصفه بـ «رجل القرن» مراهناً على 94 سنة مقبلة!، وإذا كان هذا الإعجاب يقع في باب القناعات الشخصية التي لا يمكن لأحد مصادرتها، كان الغريب أن يضع بن جدو قناة «المنار» التابعة لحزب الله في المرتبة الثالثة بعد «الجزيرة» و«العربية». فهذا التصنيف يثير أسئلة كثيرة لا سيما انه صادر عن إعلامي يتطلع، بحسب حديثه، «نحو إعلام مهني وموضوعي ومحايد» وهذه صفات لا يمكن أن تنطبق على قناة المنار ضمن الشروط التي تعمل فيها. ذلك أن هذه القناة، كما يعلم بن جدو قبل غيره، مؤدلجة وموجهة وتروج لثقافة معينة، وهذا من حقها وليس فيه ما هو مستهجن، لكن الغريب هو أن يصنفها بن جدو في مرتبة متقدمة، فلا يمكن، بأي حال، أن تكون «المنار» نموذجا إعلامياً مثالياً لإعلامي يعتبر نفسه مهنياً وحرفياً!
كان واضحا أن بن جدو، الذي كان يضع ربطة عنق، كعادته، يميل إلى مدح ثقافة المقاومة، ذاكراً ان من الحوارات التي «يعتز بها» ويعتبرها «مهمة في حياته المهنية» حواره مع حسن نصر الله، ومع فيديل كاسترو، ورغبته في إجراء حوار مع الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز. ليكتمل كما يبدو هذا الثلاثي الذي قد يختلف افراده في التفاصيل لكنهم يشتركون في تصوراتهم وحلولهم «الراديكالية» إزاء مشاريع سياسية معينة، ليس هنا مجال بحثها. وكل ذلك يقود إلى وضع إشارات استفهام أمام مدى حيادية مدير مكتب «الجزيرة» في بيروت، الذي يبدو انه لا يستطيع في تقاريره وحواراته أن يفصل بين قناعاته الشخصية الذاتية هذه، وبين ما يتطلبه الأداء الإعلامي الموضوعي.
الكلام لا يراد منه الانتقاص من مكانة هذا الإعلامي الذي اثبت جدارة في مختلف المواضيع التي تصدى لها على شاشة «الجزيرة».
وثمة أمر آخر في شخصية بن جدو، لا بد من تسجيله هنا، وهو انه يكن التقدير والاحترام للفريق الإعلامي الذي يعمل معه، ويعترف بفضل الجميع، من دون أن يبخس أحداً حقه، معلناً انه ينأى بنفسه عن «الأنانية الإعلامية» ـ إذا جاز التعبير ـ، وهو الذي لا يتطلع إلى سبق صحافي بمقدار تطلعه إلى الدقة الصحافية، فإذا كانت هذه المزايا تخوله لأن يكون إعلامياً ناجحاً، ومتزناً ومستقلاً… فإن اندفاعه اللامحدود نحو الانتصار لتوجهات سياسية وأيديولوجية معينة تفقده بعض النجاح وبعض الاتزان، وبعض الاستقلالية، وفي الإعلام ليس هناك متسع لأنصاف الحلول!
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 3 أكتوبر 2006)
دورهم محوري في تجاوز الأزمة:
علي سنة بلاد الرافدين وضع العراق عن كاهلهم
د. عبدالوهاب الافندي (*)
في مطلع ايلول (سبتمبر) الماضي، وعندما قرر رئيس حكومة كردستان العراق انزال العلم العراقي عن المباني الرسمية في الاقليم، أطلق عدد من قادة السنة العرب في العراق تصريحات نارية ضد القرار بلغت عند البعض التهديد باستخدام القوة ضد الأكراد. والمعروف أن في العراق حكومة ورئيس دولة ورئيس وزراء ووزير دفاع وبرلمانا وجيشا، بل وجيوشا، ومؤسسات أخري. هذه الأطراف هي المسؤولة عن الدفاع عن سيادة العراق ووحدته، والمخولة فرض احترام قوانينه التي من ضمنها وجوب رفع العلم العراقي علي المباني الرسمية التابعة للدولة. فلماذا وكيف أصبح الحال بأن جهات غير حكومية وبدون سلطة هي وحدها التي تتصدي للدفاع عن سيادة العراق وقوانينه بدلاً من هذه المؤسسات الرسمية ومن يدعمها من الجهات الدولية؟ هناك اذن خلل كبير في الأوضاع والمفاهيم هو الذي أدي الي هذه المفارقة العجيبة، وهو الخلل الذي لا بد من علاجه لكي يستعيد العراق عافيته.
رئيس الجمهورية العراقي السيد جلال طالباني أيد قرار رئيس حكومة كردستان ومنافسه القديم مسعود البرزاني، ورد علي منتقديه بالتذكير بالقول بأن الاكراد لن يرفعوا علم الشوفينية والارهاب والديكتاتورية علي أرض كردستان ، وطالب البرلمان بالاسراع بتحديد علم جديد لا يرمز الي العهد الصدامي. واتهم طالباني الاعلام بتضخيم المسألة والسياسيين الذين انتقدوا القرار بأنهم يدافعون عن الصداميين والتكفيريين . أي بمعني آخر فان علم الدولة العراقية عند رئيس جمهوريتها هو علم أعداء العراق وليس علم الوطن. أما رئيس الوزراء نوري المالكي فقد طالب برفع العلم دون أن يعلن عن أي اجراءات لفرض الأمر أمام الرفض المستمر من حكومة كردستان ذات الجيش المستقل. وحدها القيادات السنية امتشقت السيوف وتولت التصدي لما وصفته بالاهانة لعلم العراق والتهديد للشرعية والدستور (رغم أن معظم هذه القيادات لا تعترف بهذا الدستور).
هنا نجد اشارة الي أحد أهم جوانب الأزمة في العراق، وهي أن العراق كدولة وكمفهوم وطن لا وجود له الا في مخيلة القطاع الأكبر من القيادات السنية، بينما القيادات في الطوائف الأخري لا تفكر بهذه الطريقة. فالأكراد أصبح لهم اقليمهم الخاص بهم، والشيعة أصبحت لهم حكومتهم، وهناك مقايضة بين الطرفين يتم عبرها تبادل المكاسب الملموسة بعيداً عن الشعارات المجردة مثل الحديث عن السيادة والشرعية والاستقلال ومحاربة الاحتلال. وهذا جعل من القيادات السنية أشبه بمن يعيش في عالم خيالي من نسيج الأوهام، ويقاتل عن مفاهيم مجردة لن تغير من الواقع شيئاً حتي اذا طبقت. فلو أن سيادة العراق تحققت وانسحب الاحتلال فان هذه لن يغير كثيراً من واقع المعادلات والتوازنات والمساومات الواجب القيام بها بين الأطراف الفاعلة.
ويمكن في هذا المجال الاستنارة بتجربة لبنان الذي وقع أسير الاستقطاب الطائفي، فوقعت مفاهيم مثل الوطنية والسيادة (وحتي الاشتراكية) أسيرة هذا الاستقطاب. فكل طرف لبناني يتحدث عن السيادة ثم يسارع بالاستنجاد بطرف أجنبي، قد يكون الأمريكان أو السوريين أو الاسرائيليين أو السعوديين أو العراقيين أو الفلسطينيين أو القوات الدولية. وغالباً ما يكون نفس الطرف هو الذي يستعين بكل هذه الأطراف علي التوالي، ثم يصرخ واسيادتاه حين يختلف مع من جاء بهم لضرب اخوانه في الوطن. وفي هذا الجو فان الجهات التي ارتأت وضع نفسها فوق هذه الاستقطابات (مثل الحزب الشيوعي اللبناني) تجد نفسها اما خارج اللعبة تماماً أو تضطر للانغماس فيها كلية. وليس أدل علي ذلك من وضع الحزب التقدمي الاشتراكي الذي ظل يرفع شعارات القومية والفكر التقدمي ثم انجلي وضعه في نهاية المطاف عن ميليشيا درزية لا أكثر ولا أقل.
القوي السنية العراقية تواجه نفس الاشكال، حيث أنها ترفع شعارات مثل القومية والوطنية والسيادة ولكنها في النهاية اختزلت في ميليشيات سنية، بل وعشائرية في كثير من الأحيان. وكنتيجة لهذا الوضع، أصبح هناك عدم تناسب بين شعارات القوي المساندة للاحتلال وواقعها. فمن جهة أصبح السنة وحدهم هم الذين يحملون عبء مواجهة الاحتلال ويدفعون ثمن ذلك، ويتصدون وحدهم لقضايا الهم العام، مثل السيادة ووحدة البلاد. وبما أن المقاومة هي حتي الآن تتمثل في قوي مشرذمة لا توجد أطر سياسية لها ولا من ينطق باسمها، فان أي مكاسب سياسية تتأتي منها لا بد أن تذهب لآخرين. والنتيجة هي أن الطائفة السنية التي تمثل حاضنة المقاومة تستمر في دفع تكلفة عالية للدفاع عن مبادئ عامة بينما غيرها منشغل بالمكاسب الفئوية، ويحصد فوق ذلك مكاسب اضافية من جني ثمار المقاومة. اذ كلما اشتدت وطأة المقاومة علي المحتل، كلما حصدت الأطراف المشاركة في العملية السياسية من ذلك تنازلات ومكاسب أخري وفق أجندتها.
ويبدو من كل هذا أن الموقف السني هو مفتاح الحل في العراق، وهي نتيجة قادتنا اليها تأملات مطولة نتجت عن حوارات مكثفة حول الشأن العراقي كنا طرفاً فيها في الأشهر القليلة الماضية، وشملت لقاءات مع قيادات وشخصيات بارزة من مختلف ألوان الطيف العراقي، داخل وخارج بريطانيا. وكان أول ما جعلتنا هذه الحوارات ندركه هو أن الوضع في العراق أسوأ بكثير مما كنا نتخيل، خاصة فيما يتعلق بالتصلب وضيق الأفق عند معظم الأطراف العراقية، والتخندق الفئوي والطائفي الضيق والاقصائي.
ولكن من أبرز الحقائق التي تكشفت لنا هي دور تشرذم الموقف السني والتناقضات القائمة داخل هذه الطائفة. فقد توصل الأكراد الي موقف سياسي موحد عبر الاقتتال ثم المساومات، كما توحد الشيعة بفضل نفوذ آية الله علي السيستاني، ودخل الطرفان في مساومات ناجحة مع بعضهما البعض ومع الاحتلال نتج عنها توزيع المكاسب بينهما. أما السنة فقد بقوا بدون قيادة موحدة أو موقف موحد، وخارج العملية السياسية. وهناك رفض واسع للقيادات السنية التي دخلت العملية السياسية، خاصة بسبب ضعف نفوذها داخل الحكم وعدم نجاحها في كف غلواء الاحتلال أو صد الهجمات العسكرية من الاحتلال والحكومة علي مواقع السنة، ناهيك عن تحقيق مكاسب ذات بال للسنة.
ومن أسباب ضعف السنة وتشرذمهم هو موقفهم الملتبس من النظام العراقي السابق الذي لم يحكم باسم السنة، ولكن بعض قطاعات الرأي العام السني تماهت معه بأثر رجعي لأنها تواجه نفس القوي التي كانت تعادي ذلك النظام في السابق، ولأن السنة انحازوا الي المقاومة التي يلعب البعثيون السابقون دوراً مهماً فيها. ولعل أول خطوة عملية لاعادة السنة بفاعلية الي صدارة العملية السياسية هي فك الاشتباك المفتعل بين الطائفة السنية والنظام البعثي السابق والتبرؤ منه ومن نفوذه. فقد كان ذلك النظام عبئاً ثقيلاً علي السنة أيام وجوده مثلما هو اليوم عبء عليهم في غيابه.
ان النظام حزب البعث في العراق لم يكن نظاماً سنياً بأي معني من المعاني، لأنه لم يقم علي أساس طائفي كما هو الحال في لبنان أو ايران مثلاً. ولكن القومية العربية التي كان ينادي بها كانت بالطبع مرفوضة تماماً من قبل الأكراد بينما لم تجد صدي كبيراً بين الشيعة، خاصة بعد اندلاع الثورة الاسلامية في ايران وبداية توجس النظام من تأثير هذه الثورة علي ولاء الشيعة واحتمال قيام ثورة مماثلة في العراق. كل هذا جعل النظام يخوض معركة علي جبهتين ضد الأكراد والشيعة، بينما أصبح السنة هم وقود هذه الحرب. ورغم أن القيادات الاسلامية علي الأقل بين السنة كان محل مطاردة النظام العراقي السابق، فان القيادات السنية اختارت ما أمكن الصمت والحيادية في معارك لم تكن تتعاطف مع أي من أجندة أي من أطرافها، سواءً أجندة الأكراد التي كانت تراها انفصالية، أو أجندة الشيعة التي كانت تراها طائفية أكثر من اللازم وموالية لطهران أكثر مما يجب.
وقد زاد من تدهور الأوضاع دخول الاحتلال كعامل استقطاب جديد، حيث أن العرب السنة في غالبهم وقفوا موقف المعارضة والاعتزال من سلطة الاحتلال، بينما سارعت الطوائف الأخري الي التعامل مع الواقع الجديد فحققت ما حققت من المكاسب. والطريف في الأمر أن الأطراف التي هيمنت علي الدولة العراقية هي التي تقف موقف المتنكر الرافض للدولة ورموزها من علم وغيره، بينما الطرف العربي السني الذي خرج من مولد الدولة بلا حمص هو الذي ينبري للدفاع عنها.
مهما يكن فان الأولوية للسنة العرب في هذا المقام هي، بعد الابتعاد عن مخلفات الماضي يجب أن تتلخص في السعي الي توحيد الصف عبر دخول القيادات السنية في حوار جاد لهذا الهدف وعزل من لا يدخل في هذه الوحدة. ثم بعد ذلك ينبغي أن تدخل القيادة الموحدة للطائفة السنية في حوار آخر مع بقية الأطراف العراقية حول بناء الوطن العراقي المفقود حالياً بين ثنائية الاحتلال والتشرذم الطائفي. حتي يصبح من الممكن بعد ذلك الحديث عن الوطن العراقي وعن سيادته وتحريره. أما الآن فان العراق كوطن لا يعدو أن يكون وهماً في العقول أو، اذا أردنا التفاؤل، أملاً في القلوب، لن يصبح حقيقة الا حين يصل العراقيون الي توافق مفتاحه هو التوافق الداخلي للسنة العرب.
(*) أكاديمي سوداني مقيم في لندن
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 3 أكتوبر 2006)