TUNISNEWS
6 ème année, N° 2011 du 22.11.2005
الحياة: تونس: بن علي يقرر محاورة معارضيه والقنزوعي يعود وزيراً للأمن سويس إنفو: رئيس تونس يسعى لتدعيم انفتاح حكومته على المعارضة قدس برس: فشل الوفد الإسرائيلي في قمة المعلومات في إجراء لقاءات صحفية مع تونسيين سويس إنفو: برلسكوني يزور تونس لبحث التعاون التجاري والارهاب الهادي بريك: حركة 18 أكتوبر بتونس : دروس وعبر
حسين المحمدي: الانتخابات المصرية والإخوان المسلمون وحزب شارون الجديد وتونس؟
ود الريّس: القادة والمراقبون الصحافيون
طالب: أين هم التونسيون؟
خالد القابسي: نموذج لا يفكر…توفيق المديني: إيديولوجية « الفوضى البناءة » و إعادة إحتلال الشرق الأوسط د. الضاوي خوالدية: رسالة الي السيد جاك شيراك
المنصف بن فرج: الوطن … والمواطن !!!
الشاذلي بن رحومة: المحامون.. القضاة ووزارة العدل :المستجدات والمواقف الاخيرة رضا الملولي: في منتدى المستقبل بالبحرين: «الموازي يبحث عن التوازي!!»
الشروق: ماذا فعلوا بالملايين… وكيف تصرفوا مع « المعجبات والمعجبين »؟ الجزيرة.نت : بوش خطط لقصف مقر قناة الجزيرة
بي بي سي : لبنان على قمة مؤشر الديموقراطية العربية وليبيا في القاع
سويس إنفو: مكاسب الاسلاميين في مصر تجعل واشنطن تعيد التفكير في موقفهافهمي هويدي: أمل الإصلاح على المحك
|
L’émission sera reprise sur TV5, les
mercredi 23 novembre à 21h TV5 France-Suisse-Belgique
et jeudi 24 novembre à 10h TV5 Afrique.
تونس: بن علي يقرر محاورة معارضيه والقنزوعي يعود وزيراً للأمن
تونس – الحياة
في خطوة فاجأت المراقبين بعد الاحتقان الذي رافق القمة العالمية لمجتمع المعلومات، قرر الرئيس زين العابدين بن علي أمس فتح قناة حوار مباشرة مع معارضيه وكلف الوزير السابق زكريا بن مصطفى رئيس «الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات» التابعة لرئاسة الجمهورية الاستماع لـ «تطلعات الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني وغيرها»، وهي صيغة فهم منها أنها تشمل الأحزاب والجمعيات غير المرخصة.
وأوضح بيان لوكالة الأنباء الرسمية التونسية ان بن علي الذي استقبل أمس بن مصطفى طلب منه رفع تقرير عن «مشاغل» الأحزاب والجمعيات الأهلية من دون تحديد ميقات لذلك. وأتى الإجراء في أعقاب إضراب عن الطعام استمر اثنين وثلاثين يوماً شنه ثمانية من رموز الأحزاب المعارضة والمجتمع المدني لطلب سن عفو اشتراعي عام والترخيص للأحزاب والجمعيات غير المجازة وتحرير قطاع الإعلام من سيطرة الدولة.
وفي ردود فعل أولية على الخطوة أبدت وجوه من المعارضة نوعاً من البرود إزاءها كون بن مصطفى «لا ينتمي الى دائرة صناع القرار» على ما أكد أحدهم، فيما أشار آخرون الى أن سلفه السفير رشيد ادريس أدار حوارات مماثلة مع الأحزاب في التسعينات «لكنها لم تسفر عن أي نتيجة».
وكانت الولايات المتحدة وبلدان أوروبية شريكة لتونس حضت في مواقف على هامش القمة العالمية للمعلومات على تكريس انفتاح سياسي وإعلامي وأبدت «خيبة أملها» من عدم استثمار تونس فرصة استضافة القمة لتحقيق خطوات جديدة على طريق «الإصلاح السياسي وتوسعة دائرة الحريات».
وفي سياق متصل أعلن في تونس أمس عن تعيين محمد علي القنزوعي مجدداً في منصب وزير دولة للأمن الوطني بعدما عُزل منه مع وزير الداخلية السابق عبدالله الكعبي (وزير الرياضة الحالي)، في أعقاب حادثة تفجير شاحنة أمام كنيس «الغريبة» في جزيرة جربة السنة 2003، كان يقودها الانتحاري التونسي نزار نوار والتي تبناها تنظيم «القاعدة».
وكان القنزوعي عُين سفيراً في سورية قبل أن يعود الى تونس وينضم للقطاع الخاص رئيساً لشركة مقاولات عقارية. ولم يعين مسؤول جديد في منصب وزير الدولة للأمن منذ ذلك التاريخ اذ اقتصرت ادارة الجهاز على المدير العام للأمن الوطني الجنرال المتقاعد محمد الهادي بن حسين.
وأتت إعادة القنزوعي للمنصب السابق في أعقاب احتكاكات بين قوات الأمن ونشطاء تونسيين وأجانب على هامش القمة العالمية للمعلومات، بالاضافة لحادثة الاعتداء بالعنف على موفد صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية كريستوف بولتنسكي التي ما زالت في طور التحقيق.
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 22 نوفمبر 2005)
رئيس تونس يسعى لتدعيم انفتاح حكومته على المعارضة
تونس (رويترز) – عبر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عن رغبته في تدعيم انفتاح حكومته على المعارضة بتكليفه شخصية حقوقية معروفة في البلاد بربط قنوات الاتصال مع منظمات المجتمع المدني والاحزاب المعارضة في البلاد.
وقالت صحيفة الحرية الناطقة بلسان حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم يوم الثلاثاء ان بن علي كلف زكرياء بن مصطفى رئيس الهئية العليا لحقوق الانسان والحريات الاساسية بمهمة ربط الاتصالات مع الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والتباحث معها بشأن مشاغلها وتطلعاتها.
وتأتي هذه الخطوة الجديدة بعد ايام من انتهاء قمة عالمية للمعلوماتية دعت خلالها الولايات المتحدة وفرنسا وسويسرا وعدد من المنظمات الدولية الحكومة التونسية الى اجراء مزيد من الاصلاحات السياسية والتعهد باحترام حقوق الانسان.
وشهدت الفترة المنقضية صراعا غير خفي بين الحكومة ومعارضين تونسيين بدأت بدخول ثمانية حقوقيين منذ اكثر من شهر اضرابا عن الطعام وزادت حدته ايام قمة المعلومات التي طغت فيها المسائل الحقوقية في البلاد على القمة في حد ذاتها قبل ان يقطع المضربون تحركهم في اشارة لانفراج نسبي للازمة بين الطرفين.
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 22 نوفمبر 2005 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
فشل الوفد الإسرائيلي في قمة المعلومات في إجراء لقاءات صحفية مع تونسيين
تونس – خدمة قدس برس
الوفد الإسرائيلي الضخم بقيادة سلفان شالوم، الذي شارك في أشغال قمة المعلومات، التي انتظمت في تونس بين 16 و18 تشرين ثاني (نوفمبر) الجاري، في إجراء مقابلات صحفية مع صحفيين تونسيين، رغم المجهودات الكبيرة الذي بذلها.
وقال صحفيون من وسائل إعلام تونسية إنهم تلقوا إشارات أو دعوات مباشرة مع إغراءات مادية لإجراء حوارات مع سياسيين وخبراء إسرائيليين في مجال المعلومات. ولم يظهر أي تصريح صحفي لأي من أعضاء الوفد الإسرائيلي في أي من وسائل الإعلام التونسية.
وأكد صحفيون تابعوا أشغال القمة لوكالة « قدس برس » أن الوفد الإسرائيلي « لم يجد أي مساحة للتعبير في إعلامنا، لأن ذلك يعتبر خطا أحمر »، حسب تعبيرهم.
وتجاهل أغلب الإعلاميين العرب وجود وزير الخارجية الإسرائيلي في القمّة، بل إن خروجه من قاعة الاجتماعات كان يواجه ببرود تام من قبل المصورين والصحفيين، عكس الوفود الأخرى المشاركة.
ونددت العديد من الهيئات والأحزاب التونسية بمشاركة الوفد الإسرائيلي في قمة المعلومات، التي عقدت بتونس، كما أضرب المدرسون ليوم كامل، وطالبت نقابة المحامين ونقابات أخرى بإيقاف كل أشكال التطبيع السري والعلني مع الدولة العبرية.
كما قامت أعداد من الطلبة والنشطاء السياسيين بالتظاهر في العاصمة ومدينة قابس ( 370 كلم جنوب العاصمة)، التي زارها شالوم، باعتبارها مسقط رأسه، رافعين شعارات ترفض التطبيع مع إسرائيل، من قبيل « تونس دولة عربية لا تطبيع مع الصهيونية ».
وأعطت الحكومة التونسية عطلة لمدة أسبوع للمدارس والجامعات، تزامنت مع أعمال القمة، كما أغلقت المحاكم والإدارات العمومية أبوابها تجنبا لمزيد من الاحتجاجات، التي ينفذها الطلاب والمهنيون، احتجاجا على استضافة وفد إسرائيلي.
(المصدر: وكالة قدس برس إنترناشيونال بتاريخ 21 نوفمبر 2005)
برلسكوني يزور تونس لبحث التعاون التجاري والارهاب
تونس (رويترز) – بدأ رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني يوم الثلاثاء زيارة عمل الى تونس لدفع التعاون التجاري وتنسيق الجهود في مجال مكافحة الارهاب بين البلدين.
وقالت مصادر ايطالية لرويترز ان برلسكوني سيجري خلال زيارته التي لن تتجاوز بضع ساعات محادثات مع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي حول عدد من المسائل الاقتصادية ابرزها مشروع انابيب الغاز الطبيعي بين ايطاليا والجزائر والذي يمر عبر تونس.
وايطاليا ثاني شريك تجاري لتونس بعد فرنسا باستثمارات تتجاوز 950 مليون دينار (695 مليون دولار) وبأكثر من 600 مؤسسة استثمارية في البلاد توفر ما يزيد على 45 ألف فرصة عمل.
واضافت المصادر ان مسالة التنسيق في مجال مكافحة الارهاب بين تونس وروما ودول البحر المتوسط عموما ستكون ضمن ابرز المواضيع التي سيتطرق اليها رئيس الوزراء الايطالي مع الرئيس التونسي.
وينتظر ان يبحث برلسكوني ايضا مع بن علي مسألة الحد من تدفق المهاجرين السريين المغاربة والافارقة لاوروبا عبر السواحل التونسية المتاخمة لايطاليا انطلاقا من السواحل الليبية حيث تنطلق اغلب قوارب المهاجرين.
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 22 نوفمبر 2005 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
بعد القمة
الآن وقد انتهت القمة.. بعد أن أسفرت عن نتائج جد مهمة..
وعاد ضيوفنا الى بلدانهم فرحين مسرورين.. بعد أن أقاموا بيننا مكرمين مبجلين.
الآن وقد أنهينا قمة معلوماتنا.. ها قد قرب العيد، فلنعد إلى شويهاتنا!
محمد قلبي
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 22 نوفمبر 2005)
انتخاب تونسي عضوا في الأكاديمية الطبية بفرنسا
تونس ـ الصباح
انتخب الاستاذ الدكتور الهادي بن معيز عضوا جديدا في الأكاديمية الطبية الفرنسية تقديرا لخبرته العلمية والطبية الطويلة في اختصاص مرض الكلى ولأبحاثة العلمية الغزيرة والوفيرة وما نشره من دراسات في مجلات علمية مختصة كثيرة..
وتجمع الاكاديمية الطبية الفرنسية نخبة من كبار الأطباء الجامعيين والباحثين المختصين في الطب جلهم من فرنسا مع تخصيص مقاعد لأطباء من خارج فرنسا.. ويقع الترشح لعضوية الاكاديمية الطبية بباريس عبرملف علمي طبي يتضمن بالخصوص قائمة آخر الابحاث العلمية والدراسات الطبية.. ثم يتم اختيار اثنين من المترشحين..تنظم حولهما عملية اختيار ثانية عبر التصويت.. وقد تم اختيار الدكتور الهادي بن معيز مع زميلين له من سويسرا..وفي المرحلة الثانية تم ترجيح كفة الدكتور بن معيز..
وكان الاستاذ الدكتور الهادي بن معيز خصص مسيرته العلمية والطبية لطلبة كلية الطب بتونس..وتفرغ للعمل في قسم الكلى بمستشفى شارنيكول طبيبا ثم رئيسا للقسم..
كمــــــال
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 22 نوفمبر 2005)
قائمة المترشحين لعضوية المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين
الاسم واللقب
1 -عبد الرزاق بن منا
2 – خالد عباس
3 -طارق ابراهم
4 -شكري بن صالح
5 -رياض الغربي
6 -حسين الحاج مسعود
7 -سمير حميد
8 -المختار المؤدب
9 -الطاهر بن تركية
10 -ايناس معطر
11-خديجة المزوغي
12 -الحبيب غربي
13 -عدنان الهاني
14 -لطفي زيد
15 -رياض اللواتي
16 -منير الحفصي
17 -منير وردليتو
18 -محمد عادل بن اسماعيل
19 -خالد المبروك
20 -فوزي ساسي
21 -فتحي الاسكندراني
22 -عماد بوخريص
23 -محمدالرمضاني
24 -الشاذلي والي
25 -رمزي الجوة
26 -مراد بولعراس
27 -محمد صالح الزيدي
28 -منير رحراح
29 -شكري الماجري
30 -محمد المسعي
31 -فتحي المطيراوي
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1038 بتاريخ 17 نوفمبر 2005)
حركة 18 أكتوبر بتونس : دروس وعبر
الدرس الاول : عنوان الحرية كفيل بجمع كل الناس بكل إختلافاتهم .
بلى يجدر بكل واحد منا إقناع نفسه من الداخل قبل إقناع غيره بأن عنوان الحرية الكاملة لكل الناس مطلقا بكل إختلافاتهم مهما تشعبت وتباعدت لكفيل بتجاوز حالة الاحباط النفسي التي تطحن الناس وحالة التفتت الفئوي والحزبي التي تجعل من عصابة النهب والسلب والتصهين في تونس سيدا مطاعا آمنا . لو قام فينا طبيب يداوي علل المجتمعات وأسقام الشعوب لما وصف لنا جميعا سوى بلسم الحرية الكاملة لكل الناس مطلقا دواء شافيا كافيا . يبدو أن المشكلة ليست دوما في الطبيب ولا في وصفة الطبيب بل كثيرا ما تكون في المريض الذي يتأبىعلى تناول الدواء شأنه شأن كل أرمد ينكر ضوء الشمس المتسلل بأشعته الذهبية . حري بنا جميعا تعبئة أنفسنا قبل تعبئة غيرنا بأن » الحرية هي الحل » وليس وراء ذلك من حل وحري بنا أن نصبر ونصابر طويلا متململين فوق نيران الاضطهاد لعلنا ندرك قيمة الحرية وكرامة الانسان وقدسية الحق وعلوان العدل يوم نتسلم قيادة البلاد . أنا كثير الخشية حقا على مصير الحرية يوم يكون فرسانها الاشاوس فوق صولجانات الحكم . ربما يكون الاسلاميون في تونس وخارجها أولى الناس بتدبر هذا مليا وهم يتأهلون لتوديع مرحلة وإستقبال أخرى .
الدرس الثاني : طريق الكفاح على درب التحرر أطول طريق في هذه الدنيا .
يظن بعض الناس بأن مجرد تبدل الاوضاع كفيل بالقطع مع المعاناة أو أن حركة إحتجاجية ما بإمكانها دك صروح عصابة طاغية فاسدة وما أيسر على النفس أن تعاود أحلامها بدولة وطنية أو إسلامية . يصدق ذلك في عالم الاحلام والاماني أما في عالم الحقيقة فإن الانسان في حال كدح دائم ومجاهدة للعقبات لا تلين فلا يحمل تبدل الاوضاع سوى تغيرا في عنوان الابتلاء ولا يحتاج الانسان إلى إيمان بالاديان حتى يدرك تلك الحقيقة فهي ليست حقيقة دينية بل هي حقيقة نفسية وإجتماعية . لا ينعم الانسان فوق الارض برغد عيش حتى يدع سبيل الجهاد لتحرير نفسه وغيره من الحيف والذل وكثيرا ما يزهد أخيار الناس في تذكر تلك الحقيقة أو العمل بمقتضاها فيسرعون إلى إضافة نجاحات أعمالهم إليهم فيبور كل شئ ويحبط ويستبدلون بغيرهم فيتحولون من رجال تحرير مكرمين معزرين إلى طواغيت يجاهدون بحد السيف تلعنهم الارض ومن فيها مع مطلع كل شمس ومغربها . لا يساق ذلك لتيئيس الناس من بركة الجهاد في سبيل الحرية ولكن لتعديل ميزان جهادهم فتخلص أركانه وتستقيم أطواده ويقفون أنفسهم بالكلية أحباسا على ذمة الحرية سواء تبدلت الاوضاع أم إزدادت أفونا ووحلا . حري بمن يضيق بمراغم الجهاد من أجل ا لحرية مهما إدلهمت خطوبها أن يدع السبيل واسعا لعصبة من الرجال والنساء ولدت حرة وإختارت طريق الحرية بحرية وظلت حرة دوما وصممت على الموت حرة . أولئك وإن يكونوا قلة سيما عند ما تنقلب لهم ظهور المجنات وتتنكر لهم الارض يتهافتون على لظى ضرائب التحرر بأشد ما يتهافت أهل الذلة على موائد السلطان الجائر .
الدرس الثالث : عنوان مدرسة التحرر هو الميدان والشارع والمعاناة .
لكم نسيئ لانفسنا ولكثير من القيم وكمالات الحياة وجمالات الانسان حين نعمل مباضعنا في قيمة الجهاد فنبتر منها بعضا نسميه تربية وآخر نسميه حركة وثالثا نسميه فكرا ثم نزيد الطين بلة حين نجعل لكل من ذلك مرحلة زمنية وموضعا مكانيا. بلى نسيئ إلى أنفسنا كثيرا بذلك لان ذلك هو عين جعل القرآن عضين وعين الايمان بقيمة والكفر بأختها وتلك هي العقلية التجزيئية التي تصلح في منهاج المعلم وهو يشرح لاطفاله الصغار مم يتكون هذا الشئ وذاك الامر أما الكبار فلا يليق بهم إستصحاب ذلك المنهج لان الحياة وحدة واحدة تماما كما هو الانسان الذي نقسمه إلى عقل وعاطفة وروح وجسم وذوق وفرد وجماعة ثم نظل ثابتين على ذلك التقسيم جامدين عليه فيخرج الانسان من مدرستنا كافرا بعضه ببعض عنوانه التذبذب فأنى لنموذج عاطل مثل هذا أن يكون موحدا لربه موحدا لنفسه موحدا للناس موحدا للحياة؟ الجهاد من أجل التحرر لو جئت تقرؤه للناس لما إحتجت إلى دقائق معدودات لانه فطرة مركوزة فيهم تنبجس نبضا لاول نبشة أو نفخة أما لو جئت تحض الناس على الانخراط فيه ميدانيا لاحتجت إلى عقود طويلة ثم لن تظفر بغير قلة قليلة لو صبرت على ذلك لرأت عجبا هو أقرب إلى السحر من الحقيقة لو لم نكن نؤمن بأن عمل الانسان القوي المتوكل هو السحر الحقيقي . لن تزال معاني التربية عندنا لا تتجاوز الجانب النظري ضمن مشهد مألوف معروف معين فيه ما فيه من الطقوس المنفرة والمراسم التي يحتاجها غلاة الصوفية والحلقات المتقدمة في المحافل الماسونية ولن يتبادر إلى ذهنك بأن التربية على قيمة التحرر إنما مضربها الميدان وساحتها الشارع وضريبتها السجن والدم والتغريب وغير ذلك. كثيرا ما نخلط بين العلم وبين التربية فالعلم محاضنه تكون داخلية في الاعم الاغلب سوى ما يشفعه من تربصات تحضيرية عملية أما التربية فمحضنها الاول ومرتعها الاكبر هو الميدان سواء كانت تربية سياسية أو ثقافية أو إجتماعية أو إغاثية أو إقتصادية بل حتى التربية الروحية القحة فمضربها الاول هو الميدان أي مجال الصلاة بالليل والصيام والقيام والتلاوة وما يصحب ذلك من عمل ميداني بعيد عن التلقين والتعليم كما يتبادر إلى أذهاننا دوما .
الدرس الرابع : الجسد عند فرسان الحرية سلاح كيمياوي متطور
الوجود والكون بكل ما فيه مما علمنا وما لم نعلم هو هدية بالمجان من ولي النعمة وكل قيمة فيه لا تكتسب مشروعية كمالها وجمالها سوى من منهج إستخدام الانسان لها لذلك يكون الانسان سيد الكون بإمتياز ولكنه سيد مملوك لمالك واهب إذ يظل عمله هو من يخلع على جسده مثلا صفة التبذل والبهيمية والانحطاط أو صفة الرفعة والعلوان والطهر . أليست معجزة أن يكون جسد الانسان آلة محايدة تصلح لان تكون ماعون خراب وفساد بمثل ما يفعل الجلادون وبائعات الهوى الرخيص كما تصلح لان تكون ماعون عمارة وتحرر وعدل بمثل ما يفعل المضربون عن الطعام أو المقاومون بأنفسهم وطوابير الاستشهاديين الذين دوخو أكبر إمبراطورية معاصرة مدججة بأعتى وأشد أنواع الاسلحة المتطورة ؟ أقوى الناس هو من يجعل من ضعفه الذي يحمله في جسمه وماله ونفسه وعشيرته ونصرته وزمانه ومكانه وحاله قوة وأضعف الناس هو من يجعل من قوة بدنه وماله وما أوتي من ذلك ضعفا . ذلك هو مصداق قولنا بأن الانسان هو سيد الكون والوجود طرا تحت لواء المالك المدبر طبعا إذ لو كان ذلك دون ذلك لما إحتاج إلى ضعف يجعل منه قوة ولما خانته قوته فتحولت في غفلة منه إلى ضعف . الدرس هنا هو أن صاحب الحق دوما قوي سواء كان قويا أم ضعيفا وأن صاحب الباطل أي الظالم الباغي على حقوق غيره دائما ضعيف فالقوة إذن تتعلق بالنفس وليس بالبدن والمال والعشيرة وملء السجون وتكثير سواد العسس والحرس . لقد كان واضحا جليا في حركة 18 أكتوبر بتونس بأن ثمانية أجسام نحيفة جاوز أصحابها مناطق الشيخوخة خطفت الاضواء كما قال أصحاب القلم من أكبر حدث دولي بمناسبة مؤتمر الاعلامية بتونس .
الدرس الخامس : طريق الحرية يمر حتما وضرورة عبر التضييق على التطبيع .
لاشك أن كثيرا من الناس تساءل بحق : ما هو السر وراء عصابة النهب في تونس التي صمدت في وجه موجات دولية وعربية ومحلية عاتية بمناسبة مؤتمر الاعلامية وحركة 18 أكتوبر فلم تتنازل عن سجين واحد ؟ سؤال مشروع وصحيح . ولعل أيسر الاجوبة إلى التصديق والقبول هو كون تلك العصابة تأوي إلى ركن شديد متقوية بسلاح التطبيع متوكلة في يقين لا يخالطه ريب ولا يداخله شك على الصهيونية ولا أجازف حين أقول بأن توكل تلك العصابة على الصهيونية ويقينها فيها يساوي ألف ألف مرة توكل كثير من المؤمنين اليوم على ربهم الحق ويقينهم فيه . لا أجد تفسيرا مقنعا لكون تلك العصابة تصمد رغم جبال من الحصار وأطواد من الامواج العاتية المتلاطمة كادت تقتلع أس عرشها الخاوي سوى أن مصلحة الصهيونية فيها اليوم بأن تكون جسرا مريحا إلى التطبيع يطبخ على أرضها أكلاته تقتضي بأن تكون مسنودة من جانبه بالكامل سيما أن يده الطولى لا يعجزها أن تتحرك في باريس في ذات الوقت الذي تتحرك فيه في واشنطن وعواصم أخرى كثيرة . كل نظام يختار منابع قوته التي تحفظ بقاءه وعصابة تونس إختارت الصهيونية والتطبيع ركنا ركينا يعصمها من الماء إلى حين يهب فجر يوم لا عاصم فيه منه. الدرس من ذلك أن مقاومة التطبيع في البلدان العربية والاسلامية ومساندة المقاومة في الارض المحتلة هما الطريقان الرافدان لحركة التحرر وليس ذلك من شطحات فكر معاصر ولا من إجتهادات دهاقنة نظر وبحث بل هي الحقيقة القصصية القرآنية التي ربطت الظاهرة الاسرائيلية بالفساد في الارض وقطع سبل الحرية . تحرير تونس إذن يمر حتما عبر تحرر الارض المحتلة وعبر قطع دابر التطبيع فيها وفي غيرها أما تجزئة الجهاد وتمزيق الحياة وجعل الانسان عضين فهي عقلية إسرائيلية .
الدرس السادس : لبنة 18 أكتوبر وجبة قوية دسمة تحتاج إلى مراكمة وإستثمار
ولى عصر الانتصار بالضربة القاضية على الدكتاتوريات العربية بحكم عوامل دولية كبيرة وكثيرة وهل عصر تسجيل الانتصارات ضربة بضربة ولبنة بلبنة عقدا بعد عقد من الزمن فذلك هو قدرنا وحظنا من الحياة وهو خير لنا لكي لا ننسب لانفسنا فضلا فنسجن فرسان الحرية في ذات السجون التي لبثنا فيها عقودا نئن . تحركات 18 أكتوبر فتحت الباب على مصراعيه مفعما بالامل في أن كل الناس ظمأى إلى نداء الحرية لا ينقصها سوى رائد لا يكذب أهله فهذا زمن الرواحل التي يعز الظفر بها تجلب إلى الخير معها ملايين مملينة . يطلب بعض الناس من كل حركة مهما كانت محدودة في الزمان والمكان أو توسع أثرها نصرا عاجلا وربحا ثمينا باهظا وخلق الانسان عجولا جدولا . إذا ما غرك كثرة المتجاوبين مع تلك الحركة الكريمة الكبيرة فلا تحجب عن نفسك عقودا طويلة من العسف والكبت وأجل العصابة المفسدة له كتاب لما تتوفر كل شروطه ومنها تحويل حركة 18 أكتوبر إلى حركة دائبة لها ذكراها السنوية ومحطاتها المعلومة وأشكالها المرتوبة وإرثها الخالد وأسواق إستثمار . إحذر على نفسك أن تصدق الشيطان الانسي الذي يقول لك » ها قد حل المضربون عملهم دون أن يتحقق لهم شئ » . تذكر دوما أن السياسة هي فن الممكن وأن تشييد البنيان لا يتم سوى لبنة لبنة » إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه « . الدروس كثيرة والعبر أكثر والله أكبر ونعمه أكثر. والسلام الهادي بريك / ألمانيا
الانتخابات المصرية والإخوان المسلمون وحزب شارون الجديد وتونس؟
قرأت اليوم ما ورد من أخبار في تونس نيوز ليوم 22 نوفمبر فوجدت مقالين لفتا انتباهي. مقال للشيخ راشد الغنوشى ومقال لعمر صحابو(صحافي) وصاحبا المقالان توصلا إلى نفس الاستنتاجات حول قمة مجتمع المعلومات. والسؤال الذي تبادر إلى ذهني هو ما العنصر المشترك بين الرجلين ليكتبا بمثل هذا التطابق؟ الأول رئيس حزب والثاني صحافي؟ فرجعت إلى لفظة قائد في اللغة العربية فوجدت:
القَوْدُ: نقيض السَّوْق، يَقُودُ الدابَّة من أَمامِها ويَسُوقُها من خَلْفِها، فالقَوْدُ من أَمام والسَّوْقُ من خَلْف. قُدْتُ الفرس وغيره أَقُودهُ قَوْداً ومَقادَة وقَيْدُودة، وقاد البعيرَ واقْتادَه: معناه جَرَّه خلفه. وأَقادَ: تقدَّم. ويقال: قاد فلانٌ فلاناً فوَجَّه أَي انقاد واتّبع. وكل من قاد الجَمَل فإِنه يرى من كل مكان. (لسان العرب)
كنت أنتظر من رئيس حزب أن يقول ما هي الخطوات القادمة التي يريد طرحها على المعارضة؟ ماهو موقف حزبه من تصلب النظام؟ ما هو موقف حزبه مما يدعى إليه من وحدة المعارضة؟ من تكوين جبهة وطنية؟ من تكوين حكومة مجتمع مدني؟ ما هو موقف حزبه من الإشارات المرسلة حول موضوع تحسين أوضاع المعارضة؟ لكن لم أجد شيئا من هذا القبيل ووجدت في آخر المقال أن الرجل يتساءل ولا أدري ممن يطلب الجواب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ يتساءل الشيخ:
فأين سيتجه كل من السلطة والمعارضة في ضوء نتائج مؤتمر انعقد في تونس فتحولت موضوعا لها؟
لقد تابعت مقالات الشيخ الغنوشي فوجدته يكتب عن الانقلاب في موريتانيا وعن رسالة عيد الفطر وتعازي بالجملة. أما عن إضراب الجوع فبيانات مساندة كأي لجنة مساندة تشكلت في تونس أو في البلدان الأوروبية. وأما المشاركة فقد كانت ثلاثة أيام قبل المؤتمر. ومقال يعرّف فيه بشخصيات الإضراب في تونس. يقول الشيخ: « …والأستاذ سمير ديلو سجين سابق وقيادي نهضوي » ولا ندري أهو قيادي نهضوي سابق أم حالي؟ إذا كان حالي فلله الحمد مع أننا لم نسمع أنه يمثل النهضة ولا ينطق باسمها ولا يفعل تنفيذا لقراراتها وإن كان سابق فهذا يعكس اللحظة التاريخي التي تغرق فيها النهضة.
لقد تحول فعل حركة النهضة في المهجر محصورا في الإسناد والإنقاذ بمعنى التظلم والحد من الخسائر وساعدها وجودها في الغرب واكتشافها انفتاحه الجمعياتي على استثمار أدواته الإعلامية والقانونية لإنجاز دور احتجاجي. في حين أنه لم يبقى من سجناء النهضة إلا 300 شخص تقريبا. ونحن نتساءل هل برامج الأحزاب تعد لثلاث مائة شخص أم لشعب؟؟؟
نعم فُضح النظام في تونس وعرف ذلك كل العالم. لكن ماذا بعد 18 أكتوبر؟ ما جدوى هذه الإدانات؟ وماذا حققت للشعب التونسي؟ إن شباب التدين في تونس اليوم يرى ما أحدثته التفجيرات في مدريد ولندن وما تحدثه المقاومة في العراق ورأى ما أحدثته ثورة المهمشين في فرنسا من اللعب بطموحات الطامحين وما أحدثته من اعتدال في خطاب الدول المجارة حتى راحوا يعدون الميزانية العظيمة للاندماج ويتساءل عن جدوى العمل السياسي والوسائل السلمية؟؟؟
إن أمام المعارضة اليوم تساؤلات أخرى غير الحرية. ما رؤية المعارضة لتضخم اليد العاملة، والنسوية بالذات، في النسيج والسياحة؟ ما هي حلول المعارضة للبطالة؟ ما هي توقعات المعارضة لما بعد 2008 وما ينتظر من تحول استثمارات النسيج إلى شرق آسيا؟ كيف ستتعامل المعارضة مع رجال الأعمال والمستثمرين في ما يخص مشاركتهم في صياغة القرار الاقتصادي والسياسي قي ضل تحول جزء من القرار لأيديهم؟
لقد أنجزت حركة الاتجاه الإسلامي مشروع الأولويات وجزء من قيادتها في السجن وهذا يجعلنا نطرح السؤال: ما جدوى كل أدبيات وبرامج وسياسات الاستثناء؟ ومن ناحية أخرى هل غياب 15 سنة عن تونس يسمح لقيادة حزبية أن تخطط لتونس؟ هذا هي المعادلة المحرجة لحركة النهضة.
أين هم التونسيون؟
نموذج لا يفكر…
خالد القابسي
عندما يتطلع – أبن تونس- من حوله ليتأمل.. ليستكشف.. ليفكر.. ويتفكر.. قبل أن يحاور ذاته ويسأل نفسه عن الأسباب والمسببات التي خلفت مستنقع الجمود من حوله وقد وطن واستوطن سنين طويلة يجر أذيال الخيبة والذل والحاشية عصابة جاثمة على صدورنا تعزف سنفونية الزعيم المنقذ و المصلح الملهم فتكلست العقول وتبلدت الأذهان لهذا الجمود المقيت وقد بات سمة تنشد الإستمرار والإستقرار يخامرها الطمع في أن تصبح ميزة و صفة تحاكي خصائص الأشياء وجواهرها الأصيلة الثابتة حتى يصبح الحديث عن إزالة هذا الجليد ضرب من الترف والهذيان
الذي لا يصغي إليه الإنسان بكبير إهتمام ولكن تستبطنه وتخشاه الحاشية بمختلف عناصرها وأجزائها فترتعد أوصالها ويشتد صراخها كلما أحست أن أحدا يهمس بأن مكروها أصابه بسببها رغم أن سمة أبن آدم الحركة والحيوية والتحرر فالخضوع يورث الموت والركود ينفي الطهر والنقاء ويجلب الأورام والمرض :
إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سال طاب وإن لم يجري لم يطب
لذلك أصبح أبن تونس يعاني ويلات إنتكاس و إرتداد سلبه كل مكاسبه فتساقطت تباعا ألوية الحرية والنقد وإبداء الرأي وتهاوت على إثرها قلاع القيم والحرمات ولم يعد الإنسان إنسانا لآدميته وإنما هو كذلك بولائه وخضوعه لسيد نموذجنا الذي أقسم للأبد أن لا يفكر فسكن وتجمد وضاقت أفق الإدراك لديه حتى غابت عنه بالكلية آفاق المعاني وأبعاد المضامين وثراء المفهوم والمصطلح على إتساعها ورحابة أفقها حتى أرهق أهل الضفة الأخرى من تكرار التحذير تلو التحذير ثم الإتصال والتذكير إلى أن أعجزهم التلميح والتصريح … فالكل ضاع في مهب الريح.
عندها حانت لحظة الحكم أو الإحتكام للزمن ليبدد وحشة ليل مظلم تحت أنظار الحرس والعسس فزمن سيدكم قد شارف على الإنتهاء لأن هناك إمكان آخر للإنبعاث والحدوث في إتجاه مغاير فتصدعت طبقات الجليد وتزحزحت الثقة في صلابتها وتكالب عليها الضيوف المبجلون ففضحوا عيوبها ومساوئها وبشروا بهشاشتها واقتراب زمن ذوبانها وتحللها.
في لحظة كالتي نحن بصددها لا شيئ أولى من التفكير والتدبر والتشاور … ولكن الحاشية تتمادى في التزييف والتلفيق والكذب بشراسة وجشع وتوق متزايد للإنتقام من كل مخالف بعد أن يصنف مسبقا كعنصر منحرف أو عميل بدل التواصل مع النمط الفكري الآخر معتادا كان أو مبتكرا بما هو نموذج يفتح آفاقا مغايرة ويرسي أسسا جديدة في التعامل تستند إلى مبادئ المساوات النسبية والتعدد … ونستبدل التحنيط والخضوع والتعصب .. بالإجتهاد والتدبرو الحوار .
بهذا يمكن أن نفتح لذواتنا أوسع مجال لإستثمار طاقة العقل تلك الطاقة التي ميز الله بها إبن آدم عما سواه من الكائنات ونتخلص إلى الأبد من إحراجات النفاق والتشنج والتلفيق والكذب ….
وتتاح لعقولنا فرصا إضافية لأقتحام أفق نظرية وسلوكية جديدة تتسع لتستوعب الإبتكار والتواصل والتغيير والإختلاف ونؤسس لأخلاق حميدة قوامها الصدق والود والثقة فيسود الوآم والتفاهم بيننا ونفرض بالتأكيد إحترام الآخر لنا.
فلا أظن أن المرء يحتاج حينئذ إلى قطع إرساله أو قص أشرطة بثه أو الغضب من تصريحات ضيوفه … كما أنه من غيرالممكن أيضا أن يعجز الأدمي على إبلاغ صوته بالحسنى دون الإلتجاء إلى الجوع أو التنازل حتى على الغريزي البيولوجي الذي يعد ضروري للحفاض على حياته.
أما الآخر سواء كان صديقا أو عدوا فلا يجرؤ على مهاجمتنا في عقر دارنا وإتهامنا في حضورنا وتثبيت الحجة علينا فتشيع التهم وترتقي إلى فضائح تحبرها التقارير وتتداولها اللوائح لتمزق حجب نموذجنا البالي الذي بات مجرد وهم بائس محتقر ومثلا لهلامات هشة تقود أصحابها لتخريب بيوتهم بأيديهم.
كان ذلك صدمة قوية جاءت لتلامس جوهر وعينا رشحها الزمن لدعم وإسناد من يتوق منا لأن يفكر فيجتهد ويبتكر ويبث بين أوصال حراكنا الفكري و الإجتماعي وازع الإبداع والتغيير وازع التحسين والتطوير … بهدف بث روح جديدة متعددة الدلالات والإمكانات لترسي قواعد الإختلاف المرتقب فيولد الحوار والتواصل وبالتالي مشاركة الكل وحضور الأخر المتنوع والقبول به وهو المختلف عن سيدنا )ولكنه بميزان العقل والطبع مساوي له( بعد أن إفتضح أمر نموذجنا الهلامي المزيف وما كان يدعيه من تفوق و أفضلية مطلقة.
كل ما حدث يعد شرط أساسي لتأسيس نموذج بديل يفسح المجال للمشاركة وتبادل الخبرات وإحتضان مختلف النخب والجماعات لضمان التنوع والثراء في الأفكار والتداول على المواقع والمهام بعد أن تتيح لنا الأقدار فرصة لنفكر وتجبر الأخر أن ينحني إحتراما لنا تقديرا لأفكارنا وسلامة نموذجنا حين تتلاشى الفوارق بينه وبيننا وتغلق أمامه سبل الإدانة لنا بعد أن أمكن للأفكارأن تنشر وتتداول في محيطنا وتنقدها العقول أو تعدلها لتنضج وتتطور وترسي نمطا متوازن بين نخبنا يِؤطر تصوراتنا وأجتهاداتنا وقواعد معاملاتنا فترفرف رايات التعايش والمشاركة والمساوات على روابي خضرائنا .
سويسرا : 20 نوفمبر 2005
رسالة الي السيد جاك شيراك
د. الضاوي خوالدية
قفصة ـ تونس
رأيت نفسي مدفوعا، في هذه الظروف العصيبة التي نعيشها نحن العرب، الي مخاطبتكم لا لتهبوا الي مساعدتنا للخروج من المأزق التاريخي الذي نتخبط فيه علي ان ذلك، كما تعلمون، احد واجباتكم المنصوص عليها في مبادئ ثورتكم واحدي نتائج سياسة فرنسا الاستعمارية و غير الاستعمارية في شطر كبير من بلادنا، وانما لأبين لكم ان العرب عامة ـ باستثناء الانظمة السياسية التي وضعتها فرنسا او ساهمت في وضعها والطبقات الملتصقة بها ـ واعون عميق الوعي ان ما يميز سياستكم في الشرق الاوسط عن السياستين الامريكية والبريطانية، غلافها الشفاف المنسوج بأسمال مبادئ الثورة الفرنسية والملونة ببعض التصريحات والمواقف الآنية البراقة، اما الجوهر فواحد.
ولعل في تاريخكم معنا ما يؤكد ما ذهبت اليه فبعد عشرة اعوام تقريبا من اندلاع الثورة الفرنسية والاعلان عن مبادئها التنويرية (الاخوة والحرية والعدالة والمساواة..) ذات الابعاد الانسانية الكونية غزت فرنسا مصر وبعد ذلك بأقل من ثلاثة عقود اجتاحت الجزائر ثم القسم الاكبر من افريقيا وبعض مناطق آسيوية وامريكية جنوبية رافعة شعار الحرية والتحديث وحقوق الانسان والتحضر.
وقد تكون الفترة التي اوهمت الشعب العربي بأن فرنسا تنحو نحو موقف فيه قدر من التوازن، رغم سياسة الارض المحروقة والانفس المزهوقة في الجزائر وتثبت الكيان الصهيوني في فلسطين ودعم بورقيبة علي حساب صالح بن يوسف واغتيال بن بركة، مواقفها الاخيرة من حرب 1967 و1973 والقضية الفلسطينية وحـــــروب الخليج وتدمير العراق لكن الوهم سرعان ما انقشع وتــــــراءت فرنسا بوجهها الكالح الاستعماري تساند بكل ما لديها من قوة الوحش الامريكي والبريطاني في قمع المقاومة العراقية وضرب حركة ايران العلمية ومحاصرة سورية والتمسيح علي وجه الصهاينة والامعان في التضييق علي الجالية المغاربية التي اسهمت في تحرير فرنسا وبنتها بعيد الحرب العالمية الثانية.
ان رددتم، السيد الرئيس، ان مصالحكم قد اقتضت ذلك اقول لكم: لا تغتروا بالمصالح الآنية الخالية من المبادئ الاخلاقية لان اعتماد المبادئ قد يعرض اصحابها لاتعاب وقتية لكن المصالح المقترنة بالمبادئ اهم وادوم، واليكم السيد الرئيس ملامح من اخطاء سياستكم المشار الي بعضها اعلاه التي لو اصلحتموها لافدتم واستفدتم استفادة تحسدكم عليها امريكا ودول اوروبا الاخري دون ان تقدر علي حرمانكم منها، انكم تعرفون ان العرب لا يضعونكم، رغم كل شيء، في نفس السلة التي يضعون فيها امريكا وبريطانيا لان هم الدولتين المذكورتين مصالحهما فقط دون الالتفات الي شيء غيرها ومن كان هذا ديدنه لا مستقبل له وان طال الزمن لذا المطلوب من فرنسا عربيا اذا كانت تريد ان تكون لها مصالح مضمونة مستمرة ببلادنا ان تتميز ولو جزئيا علي الاقل عن الآخرين وذلك بايلاء عناية صادقة النية بنية العمل بحقوق الشعب العربي صاحب الثروات والمستقبل.
السيد الرئيس: شيئان لا نجاح لمن استخف بهما ولم يعرهما اهتماما كبيرا: الشعوب والمبادئ.
والسلام
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 22 نوفمبر 2005)
إيديولوجية « الفوضى البناءة » و إعادة إحتلال الشرق الأوسط
توفيق المديني
تمثل الحرب الأمريكية غير الشرعية على العر اق منعطفا في التاريخ الإستراتيجي ، أولا ، و تجسيدا لإيديولوجية « الفوضى البناءة »التي تتبناها السلطة الإمبريالية الأمريكية الفائقة القوةالتي تراهن وفق طريقة كلاوزفيتز على إستقلالية الهدف العسكري بالنسبة إلى الغرض السياسي أي السيطرة على النفط و إعادة إستعمار الشرق الأوسط ثانيا.فالحرب على الإرهاب التي أعلنتها إدارة بوش هي حرب بلا نهاية. و هي حرب من دون نصر، و من دون سلام ، ومن دون إعمار. إنها حرب تنشر » الفوضى البناءة »، و ترتب الأمور بحيث يتحول التدمير جراء إنزال العقاب النموذجي الأمريكي الموجه للعرب و المسلمين كما الإعمار مصادر للربح تحققه الشركات الإحتكارية الرأسمالية العملاقة ، بعد أن ألغت إدارة بوش أي إمكان للوفاق الدولي الذي كان سائدا إبان الحرب الباردة.
1-من مرحلة مابعد الحرب الباردةالى تضخم الإرهاب
يعود مصطلح « الحرب الباردة » إلى الوجود في جزء منه إلى مرحلة الصراع بين المسيحية و الاسلام في اسبانيا, و ذلك في كتابات المؤلف القشتالي دون خوان مانويل (1282 – 1348 )(1 ). غير أن استخدام العلوم السياسية الحديثة للمصطلح تقصد به المرحلة التي أعقبت عصر الاستعمار الاوروبي القديم, الذي يمتد تقريبا من 1830 إلى 1945 , أي مرحلة الحرب الباردة ( 1945 –1991) .و تعتبر الولايات المتحدة الاميركية المسؤولة عن الحرب الباردة , خاصة بعد أن ارتكبت جريمة حرب فظيعة , حين قصفت مدينتي هيروشيما و ناغازاكي اليابانيتين بالاسلحة النووية .
وبذلك أطلق الرئيس ترومان الذي تولى الرئاسة في الولايات المتحدة في 12 نيسان /ابريل 1945 , نظرية الحرب الباردة. و كان امتلاك السلاح النووي من جانب الولايات المتحدة الاميركية , يمنحها التفوق العسكري على الجميع , كما كان ينيطها بتفوق علمي , يمكن تحويله إلى سبق تكنولوجي حاسم, و قادر على تشكيل سلاح اقتصادي كبير.و من المؤكد أن القنابل الذرية فوق اليابان أدت وظيفتين: الفرض على كل عدو محتمل شبح دماره الشامل, و توليد فكرة التهديد للاوروبيين الذين لا تحميهم سوى المظلة الاميركية. في هذا الاطار, كان لابد من الحرب الباردة(2 ).
و سعت الولايات المتحدة الاميركية بغية مواجهة الاتحاد السوفياتي , الهاجس الرئيس للآدارات الاميركية المتعاقبة على البيت الابيض , إلى استخدام بعبع « الخطر الذي كان يمثله التوسع الشيوعي بالنسبة إلى الديمقراطيات », واصفة اياه بالامبريالية السوفياتية في العالم , و بنحو خاص في منطقة الشرق الاوسط. ففي نظر الولايات المتحدة يمثل الشرق الاوسط الرهان الاساس للنفط. ولهذا رمت الامبريالية الاميركية بكل ثقلها لانتهاج استراتيجية الهيمنة , طارحة نفسها نقيضا للنموذج الاستعماري الاوروبي , و مقدمة نفسها داعية لحقوق الانسان , التي تتداخل مع الصراعات التي شهدتها مرحلة الحرب الباردة, خصوصا لجهة فضح « انتهاكات » الانظمة الشيوعية.و قد سمحت استراتيجية الحرب الباردة هذه للولايات المتحدة أن تفرض اقامة تحالف دولي كبير من النخب المحترفة لمكافحة الشيوعية,و الداعمة للديكتاتوريات تحت ستار مكافحة الشيوعية.وهذا ما جعل الفيلسوف الفرنسي الراحل جان بول سارتريكتب في مقالة نشرها بجريدة ليبراسيون الفرنسية في عام 1953 , تحت عنوان » الحيوانات المريضة بالكلب »: » انتبهوا أميركا مصابة بمرض الكلب, اقطعوا جميع العلاقات التي تربطنا بها و الا سنكون بدورنا عرضة للفتك و الاصابة بداء الكلب ».
و أسهمت استراتيجية الحرب الباردة العالمية التي اعتمدتها الولايات المتحدة الاميركية في اشعال فتيل الازمات الإقليمية في العديد من بلدان العالم الثالث, ولعل أبرزها الازمة الافغانية , التي تعتبر بحق من افرازات هذه الحرب الباردة و مخلفاتها. و الحق , أن الحرب الباردة أسهمت بقسطها في هذه الازمة الافغانية , خصوصا عندما شجعت الولايات المتحدة و حلفاؤها في المنطقة الحركات الاسلامية الاصولية على محاربة الغزو السوفياتي لافغانستان في حقبة الحرب الباردة ,و قدمت لها كل الدعم المالي و العسكري في اشاعة تلك الانماط من الإرهاب ذي الاستقلال الذاتي الذي تكلل بحركة طالبان » و تنظيم « القاعدة ».
ومنذ انهيار جدار برلين عام 1989 , تشكل عالم جديد , حيث تسود فيه سوق معولمة, تتوحد سياسيا حول ما اشتهرت تسميته دائما, عناصر السيادة:السلطات العسكرية , و النقدية, و الثقافية,و اللغوية, و الاتصالات. إنه عالم جديد حيث السيادة فيه تلبس لبوسا جديدا,فالسلطة العسكرية فيه تقتضي أن تمتلك قوة واحدة كل مجموع الاسلحة, بمافيها النووية,و السلطة النقدية تتعلق بوجود عملة واحدة مهيمنة , حيث يكون كل العالم المالي المتنوع تابعا لها, و سلطة الاتصال تترجم عبر انتصار نموذج ثقافي واحد, لا بل هيمنة لغة واحدة كونية.هذا التشكل للنظام العالمي الجديد آثر المؤلفان انطونيو نيغري و مايكل هاردت تسميته » الإمبراطورية »باستعادة اسم قديم لواقع جديد(3).
ليس من شك في أن الولايات المتحدة انتصرت في الحرب الباردة , لكن زهوة النصر هذه جعلتها لا تفهم حقيقة و طبيعة العلاقات الدولية المستجدة و لا التفاوت الجذري بين نظرة الاكتفاء إلى ذاتها و نظرة بقية الامم و الشعوب في العالم اليها.فالولايات المتحدة رفضت أن تبلور مواقفها بما يتلاءم و حقائق مرحلة مابعد الحرب الباردة, فبدلا من أن تفكك , بنيتها الإمبراطورية الفائقة , بعد انهيار الاتحاد السوفياتي, استمرت الولايات المتحدة في انتهاج سياسة خوض الحروب لتركيع الدول التي تعارض سياستها. و تجلى ذلك على الصعيد العسكري في الحرب الاميركية ضمن اطار التحالف الدولي التي شنتهاالولايات المتحدة ضد العراق عام 1991 . فقد رفضت الادارة الاميركية تغيير موقفها و تحويل دفة سياستها باتجاه آخر. فكان قرار نشر و تمركز نصف مليون جندي أميركي في منطقة الخليج العربي عام 1991. اذ اثار هذا الوجود العسكري المكثف للجيش الاميركي فوق الاراضي العربية في بلدان الخليج , خاصة السعودية ,استياء كبيرا لدى شعوب المنطقة , التي تبدي حساسية شديدة تجاه الصفاء الديني , و الاماكن المقدسة, و الثقافة الاسلامية , و السيادة الوطنية.
و فضلا عن ذلك , فأن أزمة كوسوفو(1991 – 1999 ) التي شهدت عقدا من التقابلات و الفوضى في مجال السياسة الدولية, انتهت بخوض حلف شمال الاطلسي الحرب ضد يوغوسلافيا, و التي دشنت مرحلة جديدة في العلاقات الدولية, وأسست لقيام نظام شمولي جديد بزعامة الولايات المتحدة الاميركية. ذالك أن العولمة الرأسمالية التي تشكل الدينا مية الطاغية على عصرنا تحتاج لتكملة, لجهة ايجاد استراتيجية شمولية على الصعيد الامني و العسكري.فما كان من الولايات المتحدة الاميركية الا أن تحمي نفسها باقتناء أسلحة و أنظمة استخبارات أكثر فأكثر تعقيدا و كلفة.وواصل البنتاغون الكذب حول طبيعة التهديدات كي يبرر ابقاء البنى العسكريةو اشكال التنظيم, و الانفاقات على السباق المستجد إلى التسلح في الفضاء, و مشروع الدفاع ضد الصواريخ الباليستية , حتى أنه شرع في مشروع نشر أسلحة في الفضاء « حرب النجوم » موجهة ضد عدو حتى هذه اللحظة غير موجود, يشكل حسب ادعاءات واشنطن, تهديدا للولايات المتحدة بصواريخه الباليستية.
و يتجلى قانون الإمبراطورية الاميركية في حرص الولايات المتحدة على بناء نظام عالمي جديد مبني على اللعبة الأحادية للعلاقات بين القوى, و خيار ملاحقة أهداف الثروة و القوة يتقرر من خلال المصلحة الضيقة و الانانية لاميركا.
2-النظام الرأسمالي العالمي يضرب في الصميم
يشكل يوم الثلاثاء الأسود 11 أيلول/سبتمبر2001 الذي شهدته الولايات المتحدة الأمريكية قطيعة بين مرحلتين في الوضع العالمي ، تتداخل و تتشابك عناصر الاتصال بينهما مع عناصر القطيعة. . مرحلة بدأت مع نهاية الحرب الباردة و انهيار الاتحاد السوفيتي ، حيث شهد العالم تحولات كونية كبرى ، و أصبحت فيه الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة المعتمدة لقيادة النظام الدولي الجديد ذي القطب الواحد ، التي تخوض حربا تجند و تعبأ فيها شعوبا و امما لكي تقف في خطوط استراتيجية لحاقها و اتباعها بالغرب الرأسمالي أمنيا ، و سياسيا ، و اقتصاديا ، كما التزمت معظم الدول العربية بمنطق السلام الأميركي الصهيوني الذي يتم ارتباطه ايضا بسياسة االنظام الدولي الجديد، اذ تريد الولايات المتحدة وضع و فرض سقف معين لتسوية الصراع االعربي الصهيوني على النحو الذي يرضي تحقيق أهداف الكيان الصهيوني في مجال توسيع المفهوم الأمني الصهيوني لكي يشمل كل الوطن العربي .
و مرحلة جديدة يشهد فيها العالم اهتزازا في مركز القيادة الأول في النظام العالمي ، مع تعاظم قوة الصين ، و سباق التسلح النووي و التقليدي ، و عودة روسيا الىلعب دورها التقليدي على المسرح الدولي ،و مطالبة كل من فرنسا و روسيا و الصين ببناء نظام عالمي متعدد االأقطاب ، و اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الباسلة لتجد نفسها مباشرة في شباك المخططات االجهنمية للإدارة الجديدة العليا للنظام الرأسمالي العالمي، التي تقدم الدعم اللامحدود للكيان الصهيوني عامة ، و لحكومة السفاح شارون على وجه الخصوص ، اذ إن هذا الدعم يعتبر إعلانا صريحا عن إدارة الرئيس بوش في أن لا تقوم قا ئمة للامة العربية .
و لم تكن أحداث 11 أيلول/سبتمبر,مجرد عملية ارهابية عادية, بل انها شكلت نقلة نوعية بالغة الاهمية في أشكال و آليات الصراع الدولي, و تسببت في اعادة تشكيل السياسات الخارجية للدول الكبرى, بما يتضمنه ذلك من اعادة تعريف دور أدوات هذه السياسات , و لاسيما الاداة العسكرية, وبالذات الولايات المتحدة.و كان من ابرز نتائج هذه التطورات أنها دفعت الادارة الاميركية إلى وضع هدف مكافحة الإرهاب و معاقبة الدول التي ترعاه باعتباره الهدف الرئيسي للسيا سة الخارجية الأمريكية . و هذه هي المرة الاولى منذ نهاية الحرب الباردة التي تضع الولايات المتحدة لنفسها هدفا محددا يكون محور التركيز الكامل لسياستها الخارجية, حيث كان التركيز الرئيسي للسياسة الخارجية و سياسة الامن القومي للولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة ينصب على محاربة الشيوعية و ردع الاتحاد السوفياتي السابق, ممايعني أن الادارة الأمريكية وضعت هدف الحرب ضد الإرهاب في نفس المكانة التي كان يحتلها هدف محاربة الشيوعية في فترة الحرب الباردة(4).
وجا ء ت أحداث 11 أيلول/سبتمبر2001 لتختتم مرحلة كانت الولايات المتحدة فيهاقد انجزت مقاربتها مبدأها »الحرب دون أي قتيل », ممنية نفسها بالحد قدر الامكان من خسارة في الارواح الاميركية في الحروب المستقبلية, مكبدة في الوقت نفسه الاعداء العدد الاكبر من الخسائر. و قد اضطر الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش الى اعلان « الحرب » قبل أن يعرف ضد من يعلنها, فهذه المرة, وبعكس الخصوم في القرن المنصرم, لايمكن تحديد العدو الا على انه ليس ب »دولة ». فالعدو الجديد متنقل و عابر الحدود أو مادون الوطني. و قد نجح الارهابيون في ضربتهم دون أن يخلفوا وراءهم أي عنوان, و طبعا تحوم الشبهات بقوة حول بعضهم ,لكن هؤلاء لا يشعرون أنهم ملتزمون لا بشرعة حقوق الانسان و لا بأي سلطة أخرى قائمة على الارض. و لذلك جاء الحدث فاتحة لعصر جديد من الحروب , هو عصر الحروب اللامتساوقة
(5).
إن انفراد الإدارة الأميركية اليوم في مواجهة الأمم جميعا ليس في صالحها أبدا . و لقد ألمح الصهيوني البارز هنري كيسنجرالى خطورة وضع الولايات المتحدة الجديد الذي يجعلها تظهر متفردة علنا في الحياة الدولية . و هذا السلوك الأميركي ، هو سلوك كل رئيس أميركي ، و كل رئيس دولة إمبريالية لأنه يعبر عن سياسة رأسمالية كاملة .
إن حكومة الولايات المتحدة الأميركية و حكومة الكيان الصهيوني ، متفقتان على تفتيت العالم العربي ، و إخضاع كل القوى فيه . أما ما سر الحملة الأوروبية – الأميركية – الصهيونية الشرسة على العرب و المسلمين و اتهامهم بممارسة الإرهاب، فان هذه الحملة جزء من المعركة السياسية – العسكرية التي تخوضها الحكومات الصهيونية و الأميركية . و هدف هذه الحملة أن تترسخ صورة العربي و المسلم إرهابيا في كل أوساط الرأي العام العا لمي ، ليكون مبررا للقيام بغزوات و هجمات ، كالغارات الأميركية على ليبيا و السودان ، و أفغانستان ، و الغارات الصهيونية على لبنان، و حرب الإبادة الصهيونية التي يشنها السفاح شارون ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، و احتمالات القيام بمعارك جديدة أوسع و أشرس ضد العرب . وتخدم هذه الحملة الكيان الصهيوني و الإمبريالية الأميركية ، لأنها تضعف مواقف المتعاطفين مع العرب في أوروبا و الولايات المتحدة و العالم .
وبعيداً عن المؤتمرات الصحافية أو المواقف المعلنة لأركان الحكومة الأميركية ، أو من خلال التسربل بلباس الشرعية الدولية أو الدفاع عن حقوق الإنسان التي أشهرتها واشنطن في وجه المجتمعات التي أولت الحقوق الاجتماعية اهتماماً أكبر ، في كثير من الأحيان على حساب الحقوق الفردية ، وغير ذلك من الشعارات التي يوظفها السياسيون لتبرير مواقفهم ولاخفاء أهدافهم الحقيقية ، فان الحرب الأميركية الجديدة ضد العراق تدخل في نطاق استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية الكونية التي اتيحت لها الفرصة في ازمة الخليج الثانية ، احتلال منابع النفط العربي ، حماية لصناعتها ,خاصة الحربية منها، التي بدأت تواجه كساد عقب انتهاء الحرب الباردة ، وانقاذاً لمكانتها الاقتصادية المهددة من قبل اليابان الصناعي وأوربا الموحدة.
3-مرتكزات الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط
وتشتمل استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية على المرتكزات التالية : حماية المصالح الاقتصادية وفي القلب منها النفط ، والمرتكز الثاني : التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية و الكيان الصهيوني ، وضمان تفوقه العسكري والتكنولوجي على الدول العربية مجتمعة ، والمرتكز الثالث : هيكل أمني اقليمي تقوم الولايات المتحدة الأميركية بالدور الرئيسي فيه ، والمرتكز الرابع : العمل على منع انتشار أسلحة الدمار الشاملة ، والمرتكز الخامس هو هزم العراق واحتلاله واقامة سلطة دولية على أراضيه .
أولا:المصالح الاقتصادية الاستراتيجية
منذ ان بدأ انتاج النفط بالطرق العصرية ، وتغلب النفط على الفحم الحجري ، كمصدر للطاقة ، اصبح العالم الصناعي الرأسمالي في حاجة ماسة إلى هذه الطاقة . وكانت مصالح الولايات المتحدة الأميركية في الخليج استراتيجية اقتصادية ، لهذا عمل الأميركيون على استبعاد القوى الغربية الأخرى المنافسة ، من أجل ان يضمنوا حصة الأسد من نفط الخليج ، وامتدادات النفط الخام ، واسواق التصدير المتنامية ، والعوائد المستثمرة . ومع ازدياد الاعتماد الاستراتيجي اللاحق لمجمل الاقتصاد الرأسمالي العالمي على نفط الخليج ، وبالتأكيد فان مثل هذا الاعتماد ، جعل الشركات الاحتكارية النفطية الكبرى تخوض صراعاً تنافسياً للسيطرة على الخليج ، وهكذا أصبحت قضية النفط تحتل موضوع الصدارة في الصراع الإقليمي والدولي في منطقة الشرق الأوسط ، وازداد التصميم الأميركي قوة ونشاطاً من اجل احكام القبضة على الخليج .
وارتبط تاريخ الصراعات من اجل السيطرة على نفط الخليج ، بتاريخ الصراعات في الشرق الأوسط بأجمعه ، نظراً للموقع الاستراتيجي المهم الذي يحتله الخليج باعتباره المتحكم في بوابة المشرق العربي ، ومفتاح طريق الهند ، والمسيطر على مضيق هرمز وبحر العرب والمحيط الهندي ، والقريب من باب المندب . ولهذا فان الأطماع والمرتكزات التالية للسياسة الأميركية في الخليج ، تدخل في إطار الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ، بوصفه مفهوما استراتيجيا ، وواقعا جغرافيا اقتصاديا ومسرحا استراتيجيا بالضرورة من المواجهة مع القوى المناوئة للسياسة الأميركية .
وهنا لا بد من توضيح المسائل التالية :
1 – ان استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية في منطقة الخليج قائمة على أساس ضمان تدفق النفط إلى الغرب الرأسمالي عن طريق مضيق هرمز الذي ما زال يشكل شرايين الدم في الاقتصاد العالمي ، وضمان حرية الملاحة في الخليج ، وتأمين استمرار تدفق الأرباح الخيالية التي تفوق أي تصور والتي تجنيها الاحتكارات الرأسمالية الأميركية . وكانت حرب الخليج الثانية تدخل في قلب هذه الاستراتيجية . من هنا كان الموقف الأميركي ولا يزال متشددا في إستمرار إحتلال العراق عندما قام هذا الأخير بغزو الكويت لتحسين موقفه في السلسلة الإمبريالية ، وجعل بقية دول الخليج النفطية في متناول يده ، وقد اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية ما قام به الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين تهديدا مباشراً لمرتكز من مرتكزات الاستراتيجية الكونية . لهذا قامت حكومة الولايات المتحدة الأميركية برئاسة بوش الاب وأتباعها الدوليون بأكبر عملية حشد جيوش منذ الحرب الكورية عام 1951 ، وحرب فيتنام ، وخاضت الحرب المدمرة ضد العراق . وما حركها ليس احتلال دولة لأخرى ، وليست دوافع انسانية ، أو تعاطف مع شعب الكويت ، ولكنه اجتراء دولة إقليمية على تهديد الهيمنة الأميركية على نفط المنطقة ، خصوصاً ان هذا التهديد جاء من دولة – العراق – المعروفة تاريخيا بنزعتها القومية الراديكالية .
2 – أن منطقة الخليج الغنية بالنفط تعتبر أهم السواق العالمية لاستيراد السلاح . ولما كانت الولايات المتحدة الأميركية تقف على راس الدول المصدرة للسلاح ، فانها بحاجة إلى خلق توترات وحالة من عدم الاستقرار في المنطقة ، واشعار الدول الفقيرة والغنية بأنها مهددة ، من قبل الجيران الاقليميين ( العراق ، ايران ) ، لكي تؤمن بيع كميات هائلة من السلاح ، وتكديسه ، وتوقيع اتفاقيات أمنية معها ، علما ان بنية الدول الخليجية لا تستطيع استيعاب أو توظيف هذا الكم من الأسلحة .
3 – تشجيع التطور الرأسمالي الطفيلي على عدة مستويات ، والسيطرة على هذه السوق الاستهلاكية الواسعة والهائلة التي تستوعب منتجات آلة الصناعة الرأسمالية الغربية ، خاصة الأسلحة ، الأمر الذي يعود على شركات المركب الصناعي الحربي الأميركي بعائدات مالية كبيرة ، نظراً للقدرة الشرائية التي تتمتع بها بلدان الخليج جراء العائدات المالية الكبرى من تسويق النفط ، وان كان العصر الذهبي للنفط قد ولى بسبب تدهور اسعاره في اتجاه تنازلي منذ أزمة الخليج الثانية .
4 – ولما كان النفط العراقي خارج السيطرة الأميركية ، فان الادارة الأميركية لم تخرجه عن سياستها الخارجية ، لأن السيطرة على النفط العراقي يعتبر القضية المركزية في السياسة الأميركية ازاء العراق حالياً ومستقبلياً ، تراقب من خلاله الادارة الأميركية العراق . فالنفط ما زالت تعتبره الولايات المتحدة الأميركية أيضا عاملا مهما لضمان استقرار النظام الرأسمال العالمي ، طالما ظلت الشركات الاحتكارية النفطية الأميركية هي المتحكمة في عمليات انتاج وتسويق هذه المادة الخام ، والطاقة وأسعارها ، وفي اخضاعه لآلية اعادة انتاج العلاقات الانتاجية الرأسمالية على الصعيد الدولي ، وفقا لما تقتضيه عملية التراكم الرأسمالي على مستو عالمي ، واستقرار الأسواق ، واتساعها ، ولجهة استغلاله في اطار حربها التجارية والنقدية المتزايدة ضد أوروبا واليابان ودول جنوب شرق آسيا ، من أجل إخضاعها وإيقاعها هي الأخرى تحت سيطرتها .
ثانياً : التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الأميركية و « إسرائيل »
يشكل التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية ، أحد العناصر الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية . وكانت الادارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض تعتبر ان دعم « إسرائيل » والحفاظ على تفوقها العسكري والتكنولوجي ثابت من ثوابت الاستراتيجية الأميركية . والحال هذه فان الولايات المتحدة الأميركية ملتزمة بأمن الكيان الصهيوني ، وبمنع أية تحولات عربية أو لإقليمية ، تقلب ميزان القوى الراهن . وهذا يعني ان النظرة الأميركية متطابقة مع النظرة الإسرائيلية ، التي تعتبر ان مصادر التهديد ، في الوقت الحالي ، وفي المستقبل ، يكمن في القدرة العسكرية العراقية والايرانية .
وعلى الرغم من هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية ،و إحتلاله لاحقا ، مما أدى إلى إزالة التهديد الاستراتيجي التي كانت القوة العسكرية العراقية كفيلة بتشكيله على » إسرائيل » في حال استكمالها ، إلا ان الكيان الصهيوني ظل ينظر إلى المحيط الاستراتيجي الاقليمي ( سوريا وايران والعراق ) على انه مفعما بمصادر التهديد ، بسبب ر فض ايران مسيرة السلام الأميركية – الصهيونية ، وعدم توصل سوريا إلى ابرام اتفاق مع » إسرائيل « ، على غرار مصر والاردن والسلطة الفلسطينية ، وخروج العراق عن هذه الدائرة كلها .
و « إسرائيل » ما زالت متحكمة فيها عقدة سبي اليهود من قبل الملك العراقي القديم نبوخذ نصر ، قبل عدة قرون من بداية الميلاد ، فكان لا بد من وجهة النظر الصهيونية و الأميركية ليس فقط تدمير القوة العسكرية العراقية بل تدمير البنية التحتية المادية والبشرية للشعب العراقي حتى لا يتمكن لأجيال قادمة من إعادة بناء ذاته . وليكن ما يجري للعراق اليوم درسا لمن يفكر من شعوب المنطقة التمرد على الارادة الأميركية ، أو المس بمصالحها أو التعرض لأمن » إسرائيل » . ولهذا ، كانت هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية ، قد أطلقت العنان لمسيرة السلام في الشرق الأوسط ، فهذه المسيرة لم تنطلق من أجل احقاق الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ، بل لاجبار الدول العربية على توقيع اتفاقات مع الكيان الصهيوني باشراف أميركي .
والحال هذه ، فان العدوان الأميركي – البريطاني المستمر على العراق ، يدخل في نطاق الترتيبات الأميركية في المنطقة ، من أجل ضمان استمرار تفوق الكيان الصهيوني عسكريا وتقنيا على الدول العربية مجتمعة ، وفرادى ، وتوقيع معاهدة سلام بين حكومة عراقية تابعة أميركيا و الكيان الصهيوني .
ثالثاً : الهيكل الأمني الإقليمي
اتخذت الولايات المتحدة الأميركية جملة من الإجراءات السياسية والأمنية و العسكرية عقب إحتلال العراق ، وفي ضوء الضعف الحاصل في خصمها التقليدي روسيا ، والشتات والهوان الواقعين في العالم العربي ، حيث تستهدف هذه الإجراءات المحافظة بل توسيع رقابة وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على المنطقة العربية ، خاصة بعد ان ترسخت مواقعها في العالم نتيجة نهاية الحرب الباردة وتداعياتها ، واضطلاعها بالدور الريادي في ظل النظام الدولي الجديد . وعن الترتيبات الأمنية : يتمثل العامل الأساسي في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي في هيكل أمني اقليمي يرتكز اليه ، من خلال برنامج تمرينات قوى متعددة الأطراف ، إذ أن الأمن الإقليمي يجب ان تنجزه دورها كإحدى الدول التي تنعقد لها زعامة العالم ، وتقبل الالتزامات التي تعهد بها في كل أنحاء العالم ، وهي تنوي الابقاء على روابط وطيدة مع دول الخليج ، وتعمل على بناء هيكل أمن جمعي بأمل أن يساهم بدوره في تحقيق سلام دائم .
وترتكز الأهداف الأميركية على ابقاء المساعدات العسكرية ل »اسرائيل » ، والمحافظة على التفوق التقاني ( التكنولوجي ) والمتطور « لإسرائيل » ، فيما في ذلك قيام ترتيبات أمنية ملموسة ، واتصالات بين العسكريين ، ومناورات مشتركة ، والمحافظة على وجود عسكري أميركي قوي في المنقطة ، والعمل مع إسرائيل على منع انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية .
4-التلازم بين العدوان الأمريكي و عجز النظام الرسمي العربي
بعد مؤتمر مدريد لما يسمى السلام ، دخلت الأمة العربية في أوضاع أسوأ ، تمثلت في » اتفاق أوسلو ) أيلول 1993 ، واتفاقية ( وادي عربة ) 1994 ، وما عنته هاتان الاتفاقيتان من خلل استراتيجي متزايد في التوازنات العربية مع الطرف الصهيوني ، إذ زحف الاستيطان الصهيوني من غير توقف ، واقتلع معالم الحياة العربية من الأرض في القدس وما حولها من فلسطين امتداداً إلى الجولان ، وأصبح الوجود العربي كله مستباحاً بنفطه ومواقعه الاستراتيجية ، وأسواقه ، وخلجانه ، وشطآنه ، بسبب عجز الحكومات العربية عن فعل أي شيء ضد العدو الصهيوني ، سواء استمر احتلاله ، أم ضم الأراضي إليه ، أم استأنف المشروع الصهيوني لتهويد فلسطين ، هذا من جهة ، وبسبب أيضاً النظام العربي الرسمي عن مراضاة أميركا والتزلف لها ، واعتبارها شريكاً محايداً ، و » طرفا نزيهاً « متناسياً ، أنها خططت مع الكيان الصهيوني لاحتلال الأراضي العربية عام 1967 ، وأنها هي التي مكنته من الاحتفاظ بها محتلة طوال فترة صراعها مع القومية العربية ، ثم جرته إلى التسوية ، عندما أيقنت أن العرب قد دخلوا في زمن استعماري جديد ، من جهة ثانية .
إنه كلما أصبحت سياسة الكيان الصهيوني أكثر تطرفاً ، تزايد احتمال تأييد الولايات المتحدة الأميركية له ، مخاطبة العرب أن من يريد دخول التسوية أو من دخلها ، عليه أن يعبر تلك البوابة وفق إيقاع التصور « الإسرائيلي » لما يسمى بـ » عملية السلام » وليس بشيء آخر . وحقق الكيان الصهيوني مكاسب مهمة لجهة فرض الشروط الصهيونية للتسوية الاستسلامية على العرب ، بقدر ما خسرت القضية الفلسطينية .
فالمخطط الأميركي – الصهيوني يريد أن يفرض شرطاً على العراق يتمثل في انضمام هذا الأخير لمجموعة الدول العربية المستعدة للعيش بسلام مع دولة الكيان الصهيوني ، وأن يكون مستعداً للتفاوض على معاهدة سلام في النهاية ، ويرمي هذا الشرط إلى استدراج العراق للقبول بالمشروع القديم الذي عرضه بن غوريون على الفرنسيين والبريطانيين يوم التفاوض على ساعة الصفر لحرب السويس عام 1956 . وجاء في المشروع ما خلاصته أن العراق يجب أن يلوم باستقبال مليوني لاجئ فلسطيني يصار إلى نقلهم من لبنان سورية والأردن إلى وسط العراق . وقال بن غوريون ، حسبما يروي موشيه دايان في مذكراته ، الصفحة 267 ، لرئيس وزراء فرنسا غي موليه أن العراق قادر على استيعاب أعداد كبيرة من الفلسطينيين الذين لا يشعرون بالغربة فوق أرضه ، والذين يتم إقصاؤهم عن حدود الكيان الصهيوني .
والآن ، فإن الخيار الوحيد المطروح ، هو دفع الحكومة العراقية الموالية لأمريكا للقبول بمفاوضات السلام مع الكيان الصهيوني ، والتزام العراق باستقبال ثلاثة ملايين لاجئ فلسطيني – يشكلون الآن قنبلة بشرية موقوتة للعدو الصهيوني – إنه الخيار المطروح أمام الحكومة العراقية للإسهام في حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين التي تمثل أعقد مشكلات المرحلة الأخيرة من المفاوضات .
وترى سوريا أن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ومعها الكيان الصهيوني تستهدف الأمة العربية باستهدافها العراق ، لأن الذي يحتل العراق يخضع الجزيرة العربية والخليج والشام كلها ، ويطرق أبواب مصر كما تقول الجغرافية التاريخية . وهكذا ، فإن العدوان الأميركي – البريطاني ، ومن وراءه الكيان الصهيوني يجب أن يعني كل العرب جميعاً حكومات وشعوباً ، لأن غزو القوات الأميركية واحتلالها العراق ، باعتباره خياراً رئيسياً طرحته عملية » ثعلب الصحراء « هو احتلال لأراضي عربية ، وأن تغيير النظام بواسطة القوى الخارجية الغازية لن تقف عن حدود العراق ، بل أنه سيعيد المنطقة العربية إلى المرحلة الاستعمارية، لتصبح منطقتنا الوحيدة في العامل المسموح فيها ، أو المقبول فيها ، تغيير الحكومات والأنظمة علانية وبضغوط واعتداءات الإمبريالية الأميركية و الصهيونية العالمية .
إن خطة احتلال العراق والضغط الأمريكي -الصهيوني على لبنان ، يستهدفان سوريا وابتزازها ، وبإعادة ترتيب الوضع في المنطقة لمصلحة المخطط الأميركي – الصهيوني ، حيث وصلت دمشق إلى قناعة مفادها ، أنه بعد إحتلال العراق ، حان الوقت ليبدل » ثعلب الصحراء « قناعه ويخرج بوجه جديد ربما » إسرائيلي « حتى يكمل المشروع الصهيوني من خلال حكومات لبنان أو عبر سوريا مباشرة ، وبعدها إلى باقي الدول العربية . الكل يعلم في الشرق الأوسط أن إدارة الرئيس بوش تريد أن تستخدم لبنان كمدخل لتغيير النظام في سوريا لأنه يشكل شرطا ضروريا لنجاح مشروع الشرق الاوسط الكبير الذي عاد بوش وأعلنه رسميا،في فبراير/شباط ،2004. فمساحة سورية أكبر من مساحة لبنان بحوالي عشرين مرة، و عدد سكانها يتجاوز عدد سكان لبنان (5 ملايين نسمة) أربعة أضعاف، و تمتد حدودها مع العراق المحتل منذ سنتين إلى 620 كيلومتر، حيث تعيش قبائل سنية كبيرة على جانبي الحدود المشتركة بين البلدين. و كان المحافظون الجدد الذين تربطهم صلات حميمة جداً مع مجموعات الضغط الصهيونية ،وبحركة الاستيطان الصهيونية ، لا يزالون يتهمون سورية بأنها لا تفعل الكثير إزاء منع المقاومين المعادين للإحتلال الأمريكي من التسلل عبر أراضيها ، واعتقال العراقيين الذين يعيشون في سورية، حيث تشتبه واشنطن في أنهم يموّلون المقاومة العراقية التي اشتد عودها واستفحل توسعهابصورة متسارعة.
لقد ظلت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية و سورية، على مدى العقود الماضية ، علاقات معقدة. فسورية هي الدولة الوحيدة التي حددتها واشنطن كدولة راعية للإرهاب ومع ذلك ظلت ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية عادية.
وعلى الرغم من أن سورية تعاونت مع الولايات المتحدة الأمريكية في الحملة على الارهاب منذ أحداث 11 سبتمبر 2001،ولم تعمد إلى وضع العراقيل الجدية ، و أكدت مرارا أنها تريد التفاهم و الحوار لا المجابهة مع واشنطن ،إلا إن هؤلاء الصقور الذين تتمركز معاقلهم بصورة أساسية في القيادة المدنية للبنتاجون، وفي مكتب ديك تشيني، ظلوا يتهمون سورية بأنها تطور برنامج أسلحة الدمار الشامل، و ترفض طرد الفصائل الفلسطينية المقاومة و إغلاق مكاتبها في دمشق، و يثيرون مسألة إخفاق سورية المزعوم في التعاون الكامل مع الاحتلال ليبرروا بذلك انتهاج سياسة « تغيير النظام » في دمشق .على أية حال، هم يقولون على سورية أن تختار بين خيارين: الأول خيار القذافي الذي يعني الخضوع الكامل. والثاني خيار صدام حسين الذي يعني الإنتحار السياسي .
بيد أن تعاون سورية ضد تنظيم القاعدة الذي جاء في إطار مكافحة الإرهاب- و هو تعاون تقدره الولايات المتحدة الأمريكية عاليا- لم يعوض عن دعمها للمنظمات الجهادية المقاومة مثل حزب الله و حماس والجهاد الإسلامي ، و هي الحركات التي تعتبرها أمريكا أهدافا ذات اولوية عالية، في حركتها ضد الإرهاب.فالولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تقبل بأنصاف الحلول مع سورية. و كان من نتائج سقوط نظام البعث في العراق في أبريل عام 2003 تزايد الصغوط على سورية التي تسارعت بعد إغتيال الرئيس رفيق الحريري.فهذا الإغتيال وحد عدة أطراف دولية و إقليمية و محلية لبنانية ، كالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وأوروبا والمعارضة اللبنانية، التي باتت تطالب سورية بتنفيذ مطالب عديدة، أهمها إنسحاب القوات العسكرية ولإستخباراتية السورية من لبنان طبقا للقرار الدولي 1559 ، ومعرفة الحقيقة، أي معرفة من اغتال رفيق لحريري.
وكتب وليم كريستول، محرر « ستاندرد »، وهو من المحافظين الجدد: « يمكننا أن نقصف المرافق والمنشآت العسكرية السورية بغارات جوية أو بالصواريخ. كما بوسعنا أن نعبر الحدود بقواتنا لإيقاف الاختراق. ونستطيع احتلال مدينة أبوكمال شرقي سوريا التي لا تبعد عن الحدود سوى بضعة أميال، والتي تبدو مركز التخطيط والتنظيم للنشاطات السورية، ويمكننا أن ندعم المعارضة السورية سراً وعلانية ».
وتزامنت هذه الحملة، حسب روايات صحافية، مع تقديم قائمة خيارات لبوش اشتملت على فرض عقوبات اقتصادية أشد، وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي وتقليص عدد الدبلوماسيين، وتقديم دعم أكبر وأكثر فاعلية للأجنحة المعادية لسوريا في لبنان، واحتمال القيام بضرب سورية عسكرياً وقصف معسكرات تدريب مزعومة « للارهابيين » في سورية .على أية حال، لم يتم إقرار أي من تلك الاجراءات آنذاك، مع أنها جميعها، ولربما أكثر منها حالياً بعد اغتيال الحريري، تظل مطروحة على الطاولة.
وجاء الإنسحاب السوري من لبنان وسط تصاعد لهجة التهديدات العسكرية الأمريكية – الصهيونية على الوجود السوري العسكري و الأمني وضرورة إقتلاعه بعد حملة إعلامية مضخمة. و هذه التحولات في السياسة الأمريكية لم تعد تدخل في خانة التهويل الذي حفلت به السنوات الماضية، بل هي تحولات ترتكز إلى مواقف جدية تجلت بالتالي: إن التهديد الأمريكي ضد سورية انتقل من الكلام إلى الفعل.ثم إن الإستعدادات العسكرية الأمريكية الصهيونية جدية ، و التحرك العسكري الأمريكي ضد سوريا لا يتطلب كما أثبت العدوان على العراق، الكثير من الوقت.
و غني عن القول أن هذه التطورات المتسارعة أتت نتيجة طبيعية للتطورات التي حدثت في الوضع العربي لمصلحة الإمبريالية الأمريكية ، ما بعد حرب الخليج الثانية و احتلال العراق، و التقدم الذي حدث باتجاه التصفية للقضية الفلسطينية.
الهوامش:
(1)- مناقشة الحرب الباردة ترد في عمله Libro de estadosالذي يقدم فيه رجل حكيم نصيحة أخلاقية إلى أمير شاب عن خوض الحرب ضد عدو مسلم . Escritores en Prosa Anteriores al Siglo Xv (Biblioteca de Autores Espanoles de Rivadeneira:
(2)-ميشال بوغنون – موردان – أميركا التوتاليتارية – الولايات المتحدة و العالم : إلى أين ؟. قدم له بيار سالينجر – عربه خليل أحمد خليل – دار الساقي – الطبعة الأولى 2002 (ص 113 ).
(3)-مايكل هاردت و أنطونيو نيغري – تعريب : فاضل جتكز و مراجعة د.رضوان السيد . الناشر : مكتبة العبيكان – الرياض – الطبعة الأولى 2002 (ص )
(4) – James Steinberg , in Brooking s Forum on , America s New war ag ainst terrorism :the Impact on u.s .foreign policy The economy and theway we live (
(5)- مروان بشارة –عصر الحروب اللامتساوقة – جريدة لوموند ديبلوماتيك الشهرية – النسخة العربية الصادرة عن المؤسسة الصحفية الأردنية الرأي – تشرين الأول 2001 .
الوطن … والمواطن !!!
المنصف بن فرج
سواكن عديدة تتحرك لحظة التأهب للإحتفال بذكرى حدث جليل في تاريخنا، ومشاعر مختلفة تستيقظ، فتوقظ معها ألف صورة وصورة، وألف مشهد، وألف واقعة، وألف نموذج حي يلخص السر الذي من أجله أنزلنا من أنفسنا تلك الذكرى منزلة رفيعة، وأضفينا عليها من الإجلال والحفاوة ما جعل يومها بارزا، متميزا عن غيره من سائر الأيام . مثل تلك المشاعر تتحفز فتحتل كل مساحة الوعي فينا ونحن نستعد للإحتفال بالذكرى الثامنة عشرة للتحول . ذلك لأن هذا التاريخ الذي تفوق على غيره من التواريخ والمناسبات هو عنوان على شريط من زمن عظيم تلاحقت فيه أحداث هامة، وسادت قيم نبيلة ومثل عليا كان لها الأمر والنهي في توجيه الأشخاص، وفي صنع القرارات، وتحقيق الأهداف . وما حدث في ذلك الفصل الزمني العظيم سيظل جديرا بالإهتمام، غنيا بالدرس والدلالة مهما بعد ما بينه وبين حاضرنا ومستقبلنا، وبعد التعرف على من تنطبق عليهم وصفة الوطني من المزيف. وفي فترات الكف عن استخدام تلك »الحقيقة » تختلط الأوراق، فيتساوى الخيط الأبيض والأسود في مدرج الألوان، ويصبح العنوان الخاص عنوانا عاما يتسربل به كل شارد ووارد، ويندس تحته كل من هب ودب من الأنام والأنعام، الصالح والطالح، بين الصحيح والسقيم، بين الحقيقي وبين المزيف، بين الوطنية والمواطنة.
هذا الفرق النوعي بين الوطني، وبين المواطن هو جوهر القضية، بل حجر الزاوية في تشييد المجتمع الحر السعيد، وفي انتصار كل ما هو جيد وقيم ويفضل على كل ما هو رديء وسلبي وهدام . وفي غياب هذا الوازع أو بضعفه، تتحول هذه الملايين من الناس الذين تضمهم أرض واحدة وتظللهم سماء مشتركة وتربط بينهم وشائج متعددة، إلى مجرد ز كثرة » بلا ز بركة ». شواهد عديدة في حياتنا اليومية يتعذر سردها، ويصعب حصرها، تؤكد بأن كثيرا من عباد الله عندنا مجرد »منتمين» إلى هذه الأرض وسمائها، متعاملين معها بالحد الأدنى من الولاء وبالقليل جدا من الوفاء، فالوطن لديهم شهادة ميلاد وورقة جنسية، ومقام آمن ومصدر رزق ليس إلا . والوطن لديهم بقرة حلوب يمتصون ضرعها دون أن تتلقى من أيديهم علفا ثم تساق إلى المسلخ في النهاية . كما يتعاملون مع الوطن كل ساعة يعتبرونه مجرد مرفأ دائم الحركة والعطاء والرخاء، يتاجرون في رحابه، ويأخذون من خيرات بواخره ما غلا ثمنه وحلا مذاقه، وليبتلع البحر بعد ذلك المرفأ والبواخر على السواء !. ملايين المواطنين ورثوا أثمن ما يخلفه السلف الخير الراحل، للخلف الواصل ألا وهو هذا الوطن الرحب، الغني، الجميل .. هذا الوطن الحر، ولكن القليل القليل جدا .. أولئك الذين وقفوا عند أبواب دائن هذا الوطن الطيب يذودون عنه، ويحمون دياره ويحتضنون مسيرته الثقافية والإقتصادية والإجتماعية في طريقها نحو الغد الأفضل . شتان ما بين المواطنة والوطنية. !
ولقد استخدمنا جميعا »أوراق» الأولى، فأنفقنا ذلك الميراث العظيم الذي ورثناه عن السلف، وطالبنا ملحين بكل ما تنص عليه تلك الأوراق من امتيازات ! وتنادينا شرقا وغربا، شمالا وجنوبا لنتلاقى على أبواب الأسواق والمتاجر حتى يأخذ كل منا أكثر مما هو في حاجة إليه!! من المنتوج المحلي ومن المستورد! ولكن القليل منا من يعبر المسافة بين المستويين، فيسجل تلك النقلة النوعية من المواطنة إلى الوطنية، ويستظهر »أوراق» الواجبات والإلتزامات، والخصائص التي تفجر من ذلك الإنتماء »الرسمي» مشاعر الإحتواء الحقيقي، والوحدة الكاملة بين الوطن والمواطن، فيتسع هذا الأخير قلبا وفكرا وضميرا وإرادة عمل، لكل ما يشير إليه الوطن أرضا وتاريخا.. شعبا وحضارة.. حاضرا ومستقبلا.. واجبات وتضحيات، فتتفوق فيه الوطنية على مجرد المواطنة الرسمية والشكلية، والإستغلالية .
نحن بحاجة إلى ايقاظ روح الوطنية وإذكاء مشاعرها فينا حتى يكون لهذا الوطن بكل مقوماته وخصائصه ومتطلباته امتدادا حيا رائعا بنا ومن خلالنا، وحتى لا نكون مجرد عابري سبيل! أو مجرد »ضيوف» غير أوفياء، ولا مقدرين حتى كرم الضيافة واعتبارات الإيواء! فالوطنية درجة عالية وضرورية، بعد المواطنة، وهي البذرة الحية الولود.. تترعرع فتلد كل القيم النبيلة وتتحقق بفضلها الأبعاد الإنسانية والتقدمية والعالمية في الفرد.
مجرد الإنخراط في »سجل المواطنة »وحده هو ضرب من احتكار المغانم ومن الأنانية، ومن المضاربة، والعديد من الناس اليوم ساروا على هذا المنوال، وراحوا ينفقون جهدهم وأيامهم على ما يعود عليهم بالنفع في الحين، ولسان حالهم يقول : »فرصة العمر وفرصة لا تعوض» فإن لهذا الوطن ربا يحميه، وقائدا فذا يقود سفينته نحو السلام، ويجهل هذا الصنف من المواطنين أن المنفعة الشخصية ذاتها مهددة هي الأخرى على المدى القريب والبعيد إذا ما هددت مصلحة الوطن لأن الأولى لن تتحقق إلا بتحقق الثانية، وبالحرص عليها أولا قبل أي أمر آخر . والوطني هو ذلك المواطن الذي يثمن شرف الإنتماء ويستحق بعمله وتضحياته، وتخلصه من الحدود الضيقة، واسهامه الواسع في ازدهار الوطن وسام الوطنية. والوطني يتأذى ويبتئس، حين يرى بعينيه الكثير من أبناء وطنه. في الإدارة، وفي المعمل، وفي المدرسة وفي الحافلة، يتصرفون مع الأشياء والأدوات والإنتاج وكأن ليس بينهم وبين هذا الوطن سوى مضمون ولادة وشهادة جنسية ودفتر عائلي، ويبتئس الوطني حين يصغي للإنتقاد وهو يأتي من عابري السبيل هؤلاء.. وهم »يأكلون الغلة ويسبون الملة» يذمون ويشكون، وهم أولى بالذم ومنهم تحق الشكوى والتشكيك.
نعود فنقول: مثل هذه التواريخ العظيمة التي نحيي ذكراها، ينبغي أن تكون حافزا للفرز، واستعمال تلك المسطرة العادلة حتى لا يحسب على الوطن من لا يستظهر لهذا الوطن إلا بطاقة التعريف الوطنية وحساب جاري بالبنك. إن هذا الوطن في حاجة ملحة وأكيدة إلى اختيار الأقدر على تحمل المسؤولية والأكثر استعدادا للبذل والتضحية في سبيله.
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1038 بتاريخ 17 نوفمبر 2005)
المحامون.. القضاة ووزارة العدل :
المستجدات والمواقف الاخيرة
الشاذلي بن رحومة
مستجدات المؤتمر الاستثنائي القادم لجمعية القضاة المقرر ليوم 4 من الشهر القادم وقائمة المترشحين لهذا الموعد.. واشواط الحوار بين سلطة الاشراف وهياكل المحامين حول عدد من القضايا في مقدمتها التغطية الاجتماعية.. كلها مسائل نبحثها بمناسبة عقد السيد بشير التكاري وزير العدل وحقوق الانسان يوم السبت الفارط ندوة صحفية تزامنا مع انطلاق السنة القضائية الجديدة، والتي كانت مناسبة تطرق خلالها لعدد من هذه القضايا التي لم تخفت التفاعلات بشأنها.
تتوجه انظار القضاة الى مؤتمرهم الاستثنائي الذي حددت فترته بسنة فقط وسط ردود فعل تجاوزت فضاء القضاة الى حلبة الفضاءات السياسية وغيرها.
وفي الوقت الذي مازال فيه رئيس الجمعية السابق احمد الرحموني ورفاقه يعارضون كما جاء في آخر بيان لهم هذا المؤتمر الاستثنائي تواصل اللجنة المؤقتة لادارة جمعية القضاة الدفع بالأمور. وتبدو خطوتها القادمة هي الحسم في الترشحات المتقدمة بعد انتهاء الآجال لذلك. وكما كان منتظرا ان تجاوزت الترشحات الثلاثين ترشحا كما اشارت مصادرنا إذ هناك 31 مترشحا في الوقت الحاضر يبدو من ابرزها اعضاء من المكتب التنفيذي السابق ـ الشق المعارض للرئيس السابق ـ وفي مقدمتهم حسين بلحاج مسعود المتحصل على اعلى الاصوات خلال المؤتمر الفارط واول المستقيلين، وشكري بن صالح ومحمد العادل بن اسماعيل ورياض الغربي (انظر القائمة).
المؤتمر الاستثنائي القادم الذي يتردّد صداه داخل القضاة وغيرهم عكس موقف وزارة الاشراف. فالسيد بشير التكاري تحدث عن ملف جمعية القضاة مجددا تأكيده بأن هذه الجمعية لها قانون اساسي وتخضع لقانون الجمعيات، مذكرا بالخلاف الحاصل في صلبها وما نجم عن ذلك من سحب الثقة من المكتب التنفيذي وتكليف هيئة مؤقتة للاعداد لهذا المؤتمر الاستثنائي. وشدد الوزير على ان الاعداد للمؤتمر الاستثنائي متواصل واننا »نحترم الادارة العامة للقضاة اذ احترمت القانون الاساسي وقانون الجمعيات »مؤكدا على ان الوزارة ستتعامل مع من سيفرزه المؤتمر». لكن السؤال: هل ينعقد المؤتمر الاستثنائي القادم بلا مفاجآت انتخابية خاصة بعد ترشح وجوه اختبرت المسار الانتخابي وتمرست عليه؟ وهل يضمن القضاة سيرا عاديا لجلستهم الانتخابية وهم الذين جسدت مؤتمراتهم احتكاما واحتراما للصندوق الانتخابي وتطبيقا للقانون أي بدون ان تخيم الخلافات القديمة في حياة الجمعية على التوجه الجديد لانجاح المؤتمر؟
ذكر السيد بشير التكاري خلال الندوة الصحفية بجملة الاصلاحات الرئاسية العميقة والمتعددة التي شهدها قطاع المحاماة ولم تفته الاشارة وهو يتحدث عن صيغة ذلك الحوار ومناحيه وحرص الوزارة على تجسيده، ان بعض المحامين يدّعون بأنه ليس هناك تقدم في الحوار، مشددا ان من يدعي ذلك اما يريد غياب الحوار حتى يتعلل بذلك لابقاء مشاغل المحامين معلقة وراهنة واما انه يريد ان تبقى هذه المشاغل على حالها من أجل توظيفها لاغراض سياسوية. لكن هل يعكس هذا الموقف خلافا عميقا تبررها الاحاديث التي تتداول باختلاف بين المحامين في تعاطيهم الحوار مع وزارة العدل وحقوق الانسان؟
هذا السؤال عكسته اجابة الوزير حينما تعرض للاصلاحات الرئاسية ومختلف الاجراءات، حيث ذكر السيد بشير التكاري ان النقطة الخلافية الوحيدة التي لم يتم حولها التوافق هي التغطية الاجتماعية، ملاحظا ان الخلاف موجود بين المحامين انفسهم وان الهيئة لم تحسم موقفها بخصوص ذلك بوجود موقفين. وشدد الوزير في انتظار ان توافيها الهيئة برأيها ذلك انه الى حد مساء السبت الفارط لم تتوصل الوزارة الى موقف محدد من الهيئة بخصوص هذا الملف، ملاحظا ان سلطة الاشراف مع الحوار والاستشارة وبعد ذلك يكون الحسم. لكن في اوساط المحامين يبدو اهل المهنة متفقين على مبدإ التغطية الاجتماعية لكن الخلاف بينهم هو حول صندوق خاص او صندوق عمومي.
المحاماة والسياسة
وبعيدا عن شواغل اصلاح المهنة وتجسيدها، يجد القطاع نفسه مجددا في عمق التجاذب السياسي، وقد يكون مجلس الهيئة نفذ الاضراب الذي دعا له يوم الاربعاء الفارط بعد ان وجه اعلاما بالغرض يوم الاثنين الفارط الى وزارة العدل وحقوق الانسان والى رؤساء المحاكم والدوائر. ويبدو ان الاضراب الذي دعت له ندوة الفروع في بيانها ليوم 12 من الشهر الجاري على خلفية رفض حضور الوفد الاسرائيلي في قمة المعلومات، ضمّن بغلاف مهني بعد ان بات عنوانه الرئيسي مهنيا. وهو ما دفع بعض المحامين الذين التقيناهم الى الاقرار بأن في الامر مساسا بالشفافية. وغير مستبعد ان يؤثر هذا الامر على حصول الاجماع حول هذا الاضراب كما جرى في مناسبات سابقة. وفسرت مصادرنا حصول هذا التوجه الجديد في مغزى ودلالة الاضراب الى حسابات تفرضها علاقات الهيئة مع هيئات اوروبية سيلتقي بها مجلس الهيئة قريبا. لكن مهما كانت دلالات هذا الاضراب يبدو القطاع مستقرا لكن تبدو بعض الاطراف متحمسة لان يعرف القطاع توثبه خاصة وان مؤتمر جمعية المحامين الشبان على الابواب باعتباره موعدا يعيد رسم التحالفات ويفرض تأثيره على التحركات رغم غياب الوهج المعتاد في انتخابات هذه الجمعية التي ظلت محرار التنافس الانتخابي.
المحامون والرابطة
ولايبدو ان بعض المحامين الذين حركتهم قضايا الجمعيات الحقوقية في منأى عما يدور حول الرابطة التي كما سبق ان اشارت »حقائق» منذ ايام الى وجود اتصالات ومساعي من اجل تطويق الازمة فهذا الهيكل الذي يتواجد عدد مهم بين المحامين في صلبه كان مثار الاهتمام لاهل المهنة او بالاحرى لعدد منهم. فالذين تقدموا يشكوى قضائية في اعتراض على التوحيد والهيكلة بات عدد منهم مصمما على موقفه في حين ان آخرين تقدموا بمطلب طرح القضية التي رفعوها. ومرة اخرى كان موضوع الرابطة واحدا من المواضيع التي اجاب عنها السيد بشير التكاري حيث اكد انها مكسب وطني وهي كذات قانونية يمكن ان تحدث فيها خلافات، وانه في كل بلد منظم يتم اللجوء الى القضاء لفصلها وهو ما حصل في شأن فض الخلاف الذي تم بين رابطيين ضد رابطيين آخرين، مؤكدا ان تطورات القضية هي من مشمولات القضاء واطراف النزاع وحدهم. وكان بيان صادر عن الفروع التي طعنت لدى القضاء في مشروعية الهيئة المديرة للرابطة مؤكدا على ان خطوتهم تأتي استجابة للنداءات المتعددة لاصلاح ذات البين درءا لكل التأويلات التي حامت حول المبادرة التي كانت قد اتخذتها من خلال الطعن في مشروعية الهيئة المديرة الحالية. كما جاء في البيان تأكيد الاطراف الموقعة على استعدادها الكامل للتحاور مع الهيئة الحالية وايجاد الحلول الملائمة للخروج من الازمة الراهنة دون اقصاء او ضغط او تهميش مع احترام التراتيب المنظمة لعلم الرابطة وقوانين البلاد. لكنه قبل الحديث عن تفاعل ايجابي مع المختار الطريفي ورفاقه، يبدو أن الموقف غير متجانس بين الطاعنين لدى القضاء حيث يتردد أن الاستاذ الشاذلي بن يونس مازال مصرّا على موقفه وهو ما فسح المجال لتأويلات عديدة.
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1038 بتاريخ 17 نوفمبر 2005)
في منتدى المستقبل بالبحرين:
«الموازي يبحث عن التوازي!!»
رضا الملولي
حضرت الأسبوع المنقضي وقائع اشغال المؤتمر الموازي الثاني لمنتدى المستقبل الذي انعقد بعاصمة مملكة البحرين، المنامة يومي 7 و8 نوفمبر الماضيين.
وهذا المؤتمر الموازي يلتئم للمرة الثانية قبل التئام المؤتمر الرسمي الذي يبدو أنه فشل هذه المرة في بلوغ اهدافه. ومن خلال التعريف بطبيعة المؤتمر الموازي الذي تشارك فيه المنظمات غير الحكومية فقط، فانه يدرس ويناقش كل المحاور المطروحة في المنتدى الرسمي ضمن منهجية تستند الى التكامل بغية الوصول الى صيغة وفاقية حول التوصيات التي ترفع الى المنتدى الرسمي الحكومي.وبالرغم مما يقال حول نجاح المؤتمر الموازي الاول الذي انعقد بالمملكة المغربية في ديسمبر 2004 فان التأكيد من قبل عديد المشاركين على ان (الموازي) يمثل تطلعات الشعوب مقابل غطرسة الحكومات التي يمثلها المنتدى الرسمي يبقى في حاجة الى تعديلات كبيرة..
وعلينا ان نستحضر باستمرار ان الدول المصنعة الثمانية التي تبنت تصور الشرق الاوسط الكبير وشمال افريقيا هي ذاتها التي تبنت منتدى المستقبل ودعمته منذ نسخته الاولى بالرباط وعلينا ان نستحضر كذلك ان مكونات عديدة من المجتمع المدني الاهلي العربي منخرطة بالكامل في هذا المشروع الامريكي، صراحة او ضمنيا وهذا ما عايناه بالبحرين عند الاستماع لمداخلات عديدة خصوصا في الورشة الثانية المتصلة بالاصلاح والديمقراطية وحقوق الانسان التي شاركت في اشغالها.
اللجنة التحضيرية التي اعدت مؤتمر البحرين كانت بحرينية ومنسقها الناشط البحريني ـ عبد النبي العكري ـ الذي قضى سنوات طويلة منفيا بين بيروت واوربا واليمن وقد حرصت هذه اللجنةعلى اغضاب الجمعيات والاطياف السياسية البحرينية. برفض اعتمادها في المؤتمر الموازي والاكتفاء ـ كما يصرّح المنظمون بالمنظمات الاهلية المهتمة بالتنمية وحقوق الانسان والمرأة والمهاجرين والبيئة ـ اضافة الى منتديات بدول غرب آسيا وجمعيات اوروبية وامريكية منغمسة في قضايا التنمية والديمقراطية.
والسؤال المطروح: هل نجح المؤتمر الموازي في ان يحقق التوازي المطلوب مع منتدى المستقبل الرسمي؟!!
لقد اكد عديد المشاركين على حتمية ان يضطلع المؤتمر بدور مستقل فعليا عن منتدى المستقبل الذي يحرص الامريكان والانقليز على دعمه وحضور اشغاله بتمثيل لا يقلّ عن وزير للخارجيّة، وقد حرص الطرفان على عدم اشاعة مسودة البيان الختامي لمنتدى المستقبل وبقي الديبلوماسيون بالمنامة في التسلل الى حين حضور وزرائهم في اليوم الموعود! من جهة اخرى، لا يمكن لمن حضر المؤتمر الموازي بالبحرين اذ لا يلاحظ الارتباك البادي في توزيع الورشات والخوف غير المبرر من الحكومات والحال ان وزارة الخارجية البحرينية موّلت هذا المؤتمر غير الحكومي بآلاف الدولارات، وهذا يندرج في باب الاخبار المشاعة التي تداولتها صحف المنامة.
كما لاحظنا الحضور المكثف لهيئات ومنظمات بحرينية جاءت للتعبير عن مشاغلها بخصوص المساجين والمعذبين والفاقدين للجنسية، ، اضافة الى المدافعين عن قانون الاسرة (شبيه بالاحوال الشخصية عندنا) الذي قسم المجتمع البحريني ذي الاغلبية الشيعية الى مؤيدين ومعارضين للقانون المذكور وبالمقابل تم تغييب مشاكل مجتمعية عديدة في نقاط اخرى من العالمين العربي والاسلامي حتى المساهمات التي استمعنا الى جلها يغلب عليها »التأسلم» المؤدي حتما الى التحجّر والانغلاق الفكريّين.
لقد استمعنا الى مداخلات يؤكد اصحابها على وجوب محاسبة الجلادين السابقين وتعويض عائلات المقتولين والمشرّدين ومحاسبة المسؤولين عن التعذيب مع الغاء كل تشريع ينافي اتفاقية مناهضة التعذيب الدولية وهذا يعني حتما تجريم التعذيب. ويعتبر ما سبق هاما جدا بالنسبة الى مناطق لا تؤمن بالحداثة ويندرج ضمن حراك سياسي واجتماعي يبعدها عن العقم والجدب السياسي.
لكن هناك آراء استمعنا اليها وعقبنا على اصحابها لا يمكن ان يحدّها لا التاريخ ولا الجغرافيا، آراء منفلتة من اقبية التاريخ المظلمة، تتحدّث عن الاصول الاولى والحكم الصالح المستند الى الشريعة وهذا دليل اضافي على ان مجتمعات اسلامية عديدة في حاجة الى ثورة ثقافية بأتم معنى الكلمة تدخلها العصر.. ولا يمكن لهذه النماذج ان تمثل ثقلا موازيا لمنتدى المستقبل. وكعادته جمع ـ سعد الدين ابراهيم ـ مدير مركز ابن خلدون بين المساهمة النظرية والتقاط الفرص التمويلية فقد صرح بأنه كتب مقالا بعنوان (رأسمالية بدون مآثر) ناقدا من خلاله اثرياء العرب على عدم تمويلهم للمنظمات المدنية فلقي المقال صدى عند القطريين وتم الاتصال به وعرضوا عليه مبلغ 100 مليون دولار لعرضها على المؤتمرين في الموازي الثاني…
اللهم انعمت فزد، خصوصا ان المال محلي، عربي اسلامي، نرجو ان يساهم في تفعيل المجتمع المدني ويجعله يقنع الحكام ويقنع مكوناته بالتداول السلمي على السلطة. والله اعلم!!! وفي كل الحالات دعا ـ سعد الدين ابراهيم ـ في مداخلته اثرياء العرب الى بناء الوقفيّة (هكذا ) المقترحة من أجل الديمقراطية.. كل ما نتمناه أن لا يصيب الوقفية المؤملة بعض قضايا الحسبة القديمة فتتعطّل امورها وتفرّ الديمقراطية من ربوع المسلمين!
(المصدر: القسم العربي بمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1038 بتاريخ 17 نوفمبر 2005)
راديو موزاييك يحتفي بالفائزين في «دليلك ملك»:
ماذا فعلوا بالملايين… وكيف تصرفوا مع « المعجبات والمعجبين »؟
* تونس ـ الشروق :
استضاف راديو موازييك امس ثلة من الفائزين في برنامج «دليلك ملك» الذين تحدثوا بكل اسهاب عن تجربتهم مع أشهر مسابقة تلفزية في تونس، ومشاعرهم مباشرة بعد فوزهم بمبالغ مالية تراوحت بين 200 و20 ألف دينار.
«الشروق» حضرت اللقاء الاذاعي مع أبطال «دليلك ملك» وسألتهم عن انطباعاتهم وعن مصير الأموال التي فازوا بها في البرنامج.
* ضربة حظ
أول المتحدّثين كان الشاب الطاهر التونكتي الذي أطلق عليه اسم «ريد العش» لصغر سنه، وهو التلميذ الذي بدأ يستعد من الآن لاجتياز امتحان الباكالوريا. وذكر الطاهر ان شقيقه هو من اتصل بالموزع الصوتي، وطلب تسجيل اسمه في البرنامج، وشاء القدر ان يقع اختياره ضمن الفريق الاول المشارك في المسابقة. وأضاف انه سلم كل المبلغ الذي فاز به، وهو 100 ألف دينار أي نصف المبلغ الاصلي الى والده لأنه لا يفكر في استثمار المبلغ حاليا. بل يركز بالأساس على استكمال دراسته ثم ستأتي الافكار والمشاريع لاحقا.
وأشار الطاهر الى أنه تحوّل بفضل المسابقة الى شخص مشهور تتهافت عليه المعجبات الراغبات في التعرف عليه، وربما الارتباط به. وقد يخفي المستقبل كما يقول مفاجآت اكبر وأعمال جديدة سواء في الاشهار او المسلسلات والمنوعات.
* برنامج ألعاب
أما عائشة بودشيش المدعوة بالسنفورة في البرنامج فقد اكتفت بمبلغ 20 ألف دينار ستتقاسمه مع الفائز معها عبر الارساليات القصيرة. كما تحدث بلقاسم القديري (بيل غيتس) عن تجربته مؤكدا أنه لا ينوي استثمار المبلغ الذي فاز به (75 ألف دينار) في الوقت الحاضر، وذلك في انتظار الانتهاء من المرحلة الثالثة في اختصاص الاثار. والمهم عنده أنه كان سببا في بث الفرحة داخل عائلته التي تستحق منه كل الدعم والمساعدة.
وقال السيد صلاح الدين القفال (صلاح الدين) «انتظرت طويلا للظهور في المسابقة مع الفريق الثاني، وأنوي الاستفادة من مبلغي لتغطية بعض الديون ثم تخصيص الباقي للاسراع بانتاج برنامج ألعاب اسمه «المفتاح»، وقد اتصلت فعلا بقناة حنبعل، وأنتظر بفارغ الصبر موافقتها على تنفيذ هذه الفكرة، مع العلم أنني من هواة التنشيط، وعملت سابقا في المجال المسرحي ومستعد للانخراط في اعمال فنية جديدة اذا وجدت من يتبناني، ويقف الى جانبي.
* لست طماعا
ونختم جولتنا بشيخ الحضرة الشاب يوسف الحلاوي الذي اقتلع مبلغا لا يستهان به (170 ألف) وكان على وشك الفوز بأكبر مبلغ ألا وهو 300 ألف دينار. وكشف الفائز انه يدرس في السنة الثالثة طب ولم يفكر اثناء البرنامج في الفوز بمثل هذا المبلغ لأنه ليس طماعا، وعندما اقترح عليه «البنكاجي» 170 ألف دينار خيّر الاكتفاء بذلك رغم انه كان شبه متأكد من الفوز بأكبر مبلغ.
وذكر يوسف انه تلقى الكثير من دعوات التعارف، واللقاء من قبل عدد من الفتيات لكنه لا يفكر في ربط علاقات حاليا، وهمه الوحيد هو مساعدة عائلته، وحسن استثمار ما فاز به.
* أبو نزار
(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 22 نوفمبر 2005)
لبنان على قمة مؤشر الديموقراطية العربية وليبيا في القاع
قالت دراسة أعدتها مؤسسة بحثية رائدة إن هناك طيفا واسعا للعملية الديموقراطية في الشرق الأوسط، وقد شمل التقرير 20 دولة وضعت على 15 مؤشرا للحرية السياسية والمدنية.
وأشارت الدراسة التي أعدها مركز المعلومات التابع لمجلة إيكونوميست إنه على مستوى الحرية السياسية جاءت اسرائيل و لبنان و المغرب والعراق والأراضي الفلسطينيّة كأكثر المناطق ديمقراطيّة في المنطقة.
وجاءت ليبيا في المركز الأخير، بعد سورية والسعودية. مقاومة الاصلاح
ووضع التقرير كل دولة على مقياس من 10 نقاط، وانتهى المحللون إلى أن مظاهر التحول الديمقراطي قليلة في بعض البلدان.
وجاءت ليبيا، التي تعاني سمعة أنها واحدة من أسوأ الدول انتهاكا لحقوق الانسان في العالم، في المركز الأخير. فقد قيدت حكومة العقيد معمر القذافي حرية التعبير و النشاط الحزبي منذ زمن طويل.
وكان أول تعاطي للسعودية مع الديمقراطية في فبراير/شباط 2005 عندما أجريت الانتخابات البلدية، لكن مازالت الملكية المطلقة تقاوم الضغوط من أجل الإصلاح.
ورغم أن سورية مازالت خاضعة لنظام سلطوي إلا هناك درجة من التحرر تحت قيادة الرئيس بشار الأسد.
مؤشر الحرية السياسية
إسرائيل : 8.2
لبنان : 6.55
المغرب : 5.20
العراق :5.05
فلسطين : 5.05
الكويت : 4.90
تونس :4.60
الأردن :4.45
قطر : 4.45
مصر :4.30
السودان : 4.30
اليمن : 4.30
الجزائر : 4.15
عمان : 4.00
البحرين : 3.85
إيران : 3.85
الامارات العربية: 3.70
السعودية : 2.80
سورية : 2.80
ليبيا : 2.05
ورغم أن المفاجآت قليلة بالنسبة للدول التي احتلت قاع الترتيب، إلا أن الوضع في قمة القائمة يثير الدهشة، إذ تضم ثلاثة من أكثر الأجزاء هشاشة في المنطقة وهي لبنان والأراضي الفلسطينيّة والعراق.
ويقول روجر هاردي محلل شؤون الشرق الأوسط في بي بي سي إن هناك بلا ريب مزاج جديد في المنطقة، لكن التقدم جاء متفاوتا.
ويشير إلى أن لبنان أصبح حرا ولم يعد هناك أي احتلال عسكري.
ويقول مراسلنا « لا يتمتع معظم الفلسطينييين بتلك الحرية، ولكنهم شهدوا انتخابات محلية، و يستعدون للانتخابات البرلمانية في يناير/كانون الثاني القادم .
ويقول مراسلنا « وفيما يخص العراق، فقد كان احرازه درجات عالية أمر مثير للدهشة، إذا نظرنا إلى مستوى العنف هناك ».
إن العراقين لا يعيشون الآن في ظل الحكم الديكتاتوري، وهناك كثير من المطبوعات و الأحزاب السياسية التي يمكن للمواطن العراقي أن يفاضل بينها، لكن حرية الحركة مقيدة بسبب التفجيرات الانتحارية وعمليات الخطف.
(المصدر: موقع بي بي سي أون لاين العربي بتاريخ 18 نوفمبر 2005)
وصلة الموضوع:
http://news.bbc.co.uk/go/pr/fr/-/hi/arabic/middle_east_news/newsid_4451000/4451390.stm
بوش خطط لقصف مقر قناة الجزيرة
كشفت مذكرة سرية صادرة عن الحكومة البريطانية أن الرئيس الأميركي جورج بوش خطط لقصف مقر قناة الجزيرة في قطر.
ونقلت صحيفة ديلي ميرور عن مصادر لم تحددها قولها إن محضر حديث جرى بين رئيس الوزراء البريطاني توني بلير وبوش كشف عن أن الرجلين بحثا إمكانية توجيه ضربة عسكرية إلى القناة.
وأضاف المصدر أن بوش عبر عن نيته مهاجمة الجزيرة في قطر وخارجها, لكن بلير حذره من أن مثل تلك الخطوة ستكون لها تداعيات خطيرة, مشيرا إلى أن ما كان بوش يريده لم يكن محل شك, كما أنه من المؤكد أن بلير لم يكن يرى القيام بذلك.
ورغم أن الصحيفة نسبت لمصدر حكومي قوله إن تهديد بوش كان في إطار المزاح، فإنها نقلت عن مصدر آخر قوله إن بوش كان جادا بالفعل, كما أن بلير كان جادا كذلك في تحذيره, مضيفا أن هذا ما يظهر من نوعية العبارات التي استخدمها كل من الرجلين.
ونسبت ديلي ميرور إلى وزير الدفاع البريطاني السابق بيتر كيلفويل طلبه من رئاسة الوزراء البريطانية نشر الوثيقة التي تحتوي على تفاصيل ما دار بين الرجلين في تلك المباحثات, قائلا « إنه من المرعب أن يكون رجل بسلطة ونفوذ بوش قد اقترح بالفعل مثل هذا العمل المتعجرف ».
انزعاج أميركي
وذكرت الصحيفة أن بوش كشف عن خطته بقصف الجزيرة, التي تتمتع بعدد ضخم من المشاهدين في الشرق الأوسط, لبلير خلال لقاء جمعهما في البيت الأبيض يوم 16 إبريل/نيسان 2004 في الوقت الذي كانت فيه القوات الأميركية تشن قصفا على مدينة الفلوجة العراقية.
وعزت الصحيفة سبب غيظ واشنطن ولندن إلى قيام الجزيرة بإرسال تقارير من خلف خطوط المقاتلين تظهر فيها صور الجنود القتلى والمقاولين الأميركيين والضحايا المدنيين من العراقيين.
كما أن القناة التي يشاهدها ملايين الناس أذاعت رسائل لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن يهدد فيها الغرب.
مقر متواضع
وقالت الصحيفة إن مقر الجزيرة متواضع وإن موظفيها ليسوا معروفين بتشددهم الإسلامي, بل إن أغلبهم فنيون وصحفيون على مستوى عال من المهنية.
وأشارت إلى أن قصفهم لن يختلف -لو وقع- عن قصف مقر البي بي سي في لندن وأنه كان سيمثل أكبر كارثة سياسية منذ بدء الحرب على العراق.
وأشارت إلى أن أي قصف كهذا كان سيؤدي إلى مذبحة لأبرياء على أرض بلد حليف, كما أنه كان سيؤدي –بصورة شبه مؤكدة- إلى تأجيج المشاعر في الشرق الأوسط وإلى ردة فعل دامية.
وذكرت أن هذه الوثيقة تبعث على التشكيك من جديد في الرواية الأميركية من أن الهجمات الأميركية السابقة على طواقم الجزيرة في أفغانستان والعراق كانت أخطاء عسكرية.
وقالت الصحيفة إن السلطات الأميركية تتهم الجزيرة بدعم الأعمال المسلحة ضد القوات الأميركية في العراق.
ونسبت ديلي ميرور إلى مصدر لم تذكر اسمه قوله إن هذا التقرير -بعد الكشف عنه- سيكون له وقع الصاعقة على بوش, كما أنه سيسبب له ضررا بالغا.
(المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 22 نوفمبر 2005 نقلا عن الصحافة البريطانية)
مكاسب الاسلاميين في مصر تجعل واشنطن تعيد التفكير في موقفها
القاهرة (رويترز) – قال محللون يوم الثلاثاء ان الولايات المتحدة ساعدت دون قصد الاسلاميين في مصر على تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات هذا الشهر وهي الان تعيد التفكير في حكمة الضغط من اجل اجراء تغييرات ديمقراطية سريعة في بلد عربي رئيسي.
وزادت بالفعل جماعة الاخوان المسلمين التي استفادت تماما من المناخ الاكثر انفتاحا الذي تشجعه واشنطن من قوتها في البرلمان (مجلس الشعب) الى ثلاثة امثال ما كانت عليه الي 47 مقعدا من بين 444 مقعدا يجري شغلها بالانتخاب في الوقت الذي لم يتحدد بعد مصير اكثر من نصف المقاعد.
واتسم اداء الاحزاب العلمانية التي تفضلها واشنطن بالضعف حيث لم تحصل الا عدد من المقاعد لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة وهو ما يقل كثيرا عن حد الخمسة في المئة التي تحتاجها اذا كان لها ان تدفع بمرشح في انتخابات الرئاسة.
ويقول المحللون انه على الرغم من انه لا توجد فرصة امام الاخوان المسلمين لانهاء سيطرة الحكومة على مجلس الشعب فإن هذه النتيجة تجعل واشنطن تتردد كما انها تعزز موقف هؤلاء في واشنطن الذين يثمنون الاستقرار على الديمقراطية.
وقال محمد السيد سعيد وهو محلل سياسي ونائب مدير مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الذي تموله الحكومة ان الامريكيين اعادوا تقييم الموقف وخلصوا الى ان التحول السريع والقوي للديمقراطية في مصر مستحيل وسيعمل بطريقة غير مستحبة.
وعززت الانتخابات المصرية حتى الان وجهة النظر القائلة ان الانتخابات الحرة والنزيهة يمكن ان تمكن الاحزاب الاسلامية المعادية للسياسات الامريكية من اكتساب القوة في عدة دول بالشرق الاوسط.
وقال سعيد ان المطلعين على بواطن الامور في واشنطن ينصحون الان وزارة الخارجية الامريكية بعدم التخلي عن الحكومات العربية دون وجود بدائل واضحة وبدلا من ذلك العمل بشأن اجراء تغييرات هيكيلية بعيدة الامد وسبل التأثير على الرأي العام العربي.
وقال سعيد انه يعتقد انهم نجحوا في تغيير السياسة عندما يتعلق الامر بمصر.
والتغيير في النبرة واضح في التصريحات العلنية الصادرة عن البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية التي صمتت الى حد كبير بشأن مصر بعد تصريحات متكررة بشأن انتخابات الرئاسة في سبتمبر ايلول والتي فاز فيها الرئيس حسني مبارك.
وفي تعليق نادر يوم الاثنين انتقد شين مكورماك المتحدث باسم الخارجية الامريكية اعمال العنف في الانتخابات ولكنه قال انه لديه سبب للاعتقاد بأن الحكومة المصرية تريد ان تكون الانتخابات هادئة.
ويقول مراقبون مستقلون ان معظم اعمال العنف قام بها انصار الحزب الحاكم مع وقوف الشرطة دون تدخل.
وقال جوش ستاتشر وهو محلل مستقل تابع عمليات التصويت التي جرت يوم الاحد في دلتا النيل ان معظم حديث ادارة الرئيس جورج بوش عن ديمقراطية الشرق الاوسط للاستهلاك الداخلي في امريكا.
وبدأت هذه الحملة الامريكية بعد ان بدأت مبررات مبكرة لغزو العراق في فقد مصداقيتها.
وقال « اللعبة لم تتغير كثيرا. الولايات المتحدة تدعم الان شكلا من اشكال الحكم الاستبدادي الذي تحركه بدرجة اقل عنف الدولة. ما دام لا ينظر الى الدولة على انها تشتبك مع المواطنين فانهم غير مستعدين لاعلان وجهة نظر قد تكون مثيرة للجدال.
« حقيقة الموقف يشير الى تورط الولايات المتحدة في عملية (تكيف استبدادي).. مغيرة الشكل ولكن ليس الجوهر. »
وتدعم الولايات المتحدة رفض الحكومة المصرية للاعتراف بالإخوان المسلمين كحزب على الرغم من انهم اقوى قوة معارضة في مصر بشكل واضح.
ومثل اجهزة الاعلام الحكومية المصرية نادرا ما يشير المسؤولون الامريكيون الى تلك الجماعة بالاسم.
ولكن الجماعة استفادت من الدعوات الامريكية للتغيير والتي ساعدت على فتح المناقشة في مصر وشجعت جماعات المجتمع المدني على مراقبة الانتخابات عن قرب بشكل اكبر.
وقال سعد الدين ابراهيم وهو استاذ علم اجتماع ونشط من المطالبين بالديمقراطية ان الضغوط الامريكية من اجل الافراج عن السجناء السياسيين ادت في نهاية الامر الى مساعدة الاخوان المسلمين. وقال ان بعض من تم الافراج عنهم كانوا مهمين في حملة الاخوان المسلمين .
وقال ابراهيم الذي له صلات طيبة في واشنطن ان المسؤولين الامريكيين « محبطون جدا » للاداء الانتخابي الضغيف لحزبي الغد والوفد. وهذان الحزبان اكثر الاحزاب تعاطفا مع الديمقراطية الليبرالية ولكنهم يفتقران الى قوة التعبئة والموارد التي يحظى بها الحزب الوطني الحاكم بزعامة مبارك او الاخوان المسلمين.
وخسر ايمن نور زعيم حزب الغد الذي احتل المركز الثاني بعد مبارك في انتخابات الرئاسة مقعده في البرلمان .
وقال سعيد انه يتعين على الامريكيين اعادة تقييم رهاناتهم على تلك القوى والتي اخفقت بشكل واضح في ان تتجسد .
من جوناثان رايت
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 22 نوفمبر 2005 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
أمل الإصلاح على المحك
فهمي هويدي (*)
أخشى ما أخشاه أن يكون الأمل في الإصلاح السياسي هو الخاسر الأكبر في الانتخابات الراهنة في مصر، على الأقل، فذلك انطباع خرجت به من متابعة مشاهد مرحلتها الأولى، وأرجو أن يكذبه الأداء في المرحلتين التاليتين.
(1)
لقد آلمني كثيراً ما قرأته ذات صباح لإحدى الزميلات قولها انه بعد الإعلان في المرحلة الأولى عن فوز قائمة الأسماء المرفوضة شعبياً في الحزب الوطني، فانه يتعين الكف عن الحديث في موضوع الإصلاح السياسي. باعتبار أن تلك الأسماء ارتبطت بممارسات ومرحلة تصور الجميع أننا بصدد تجاوزها، بل إن فكرة الإصلاح السياسي ما طرحت أصلاً إلا استشعاراً لشوق الرأي العام إلى عبور تلك المرحلة وطي صفحتها، بممارساتها وأجوائها ورموزها.
مصدر الألم أن الكلام مسَّ وجيعة عندي، حسبتها في البدء حساسية خاصة، ثم تبينت فيما بعد أنها شائعة في أوساط عدد كبير من المثقفين، لأنني ما التقيت واحداً بعد الإعلان عن تلك النتائج، إلا وجدته يبدي الملاحظة ذاتها، ويصيح مستنكراً: هل هذا معقول؟ – وإزاء تواتر التعقيب، فإنني استغربت افتتاح الانتخابات بهذه الصدمة، وتمنيت على الذين يتولون إدارتها أن يلجأوا إلى أسلوب آخر، اكثر ذكاء، فيؤجلوا إيصالها إلى الناس إلى المرحلة الثانية أو الثالثة، أو يبعثوا برسالتهم تلك إلى الرأي العام على نحو متدرج، يسهل ابتلاعها وهضمها. ولأنني أحد الذين لم يخامرهم الشك في أن الحزب الوطني سيفوز بالأغلبية في الانتخابات للأسباب المفهومة، فان أحلامي تواضعت بمضي الوقت، حتى قلت في لحظة ضعف أنني لست ضد إعادة إنتاج نفس الفيلم، ولكن اعتراضي منصب على طريقة إخراجه!
اعترف بأن النتائج الأولى التي أعلنت أصابتني بخليط من الحيرة وخيبة الأمل. فالذين توقعت لهم – أو تمنيت – أن ينجحوا، حتى من بين أعضاء الحزب الوطني، خسروا، أما الذين تمنيت لهم كما تمنى كثيرون غيري، أن يختفوا ويغادروا الساحة بعد الذي فعلوه بنا، فانهم فازوا بأغلبية جاء بعضها – للدهشة – كاسحاً. ورغم أن المفاجأة من سمات الانتخابات في المجتمعات الديمقراطية، إلا أنها في بلادنا التي ما زالت تنشد التحول الديمقراطي تصبح ذات مدلول مختلف، ليس بريئاً دائماً.
(2)
حين تابعت ما نشرته الصحف المصرية عن وقائع ما جرى في الانتخابات، أدركت أن ما قلته قبل أسبوعين عن التدخل الناعم والخشن، ودعوت فيه إلى احتمال الأول مؤقتاً والاحتشاد لمنع الثاني، هذا الكلام اتسم بالتبسيط الشديد، لان ما جرى تجاوز كل ما تخيلته أو توقعته من صور التدخل، حتى إن بعض الصحف لم تستخدم لفظة «التدخل»، ولكنها تحدثت صراحة عن شيء اسمه «التزوير النزيه» – وهو مصطلح لم افهمه، لأنني في حدود خبرتي المتواضعة لم اعرف أن هناك تزويراً نزيهاً وآخر غير نزيه، ومبلغ علمي أن التزوير إذا دخل من الباب خرجت النزاهة من الشباك. كذلك قرأت لأول مرة عن كشوف الناخبين «المضروبة» التي توزع على مرشحي المعارضة وتتضمن أسماء غير دقيقة، في حين أن ثمة كشوفاً أخرى صحيحة ومنضبطة وزعت على مرشحي الحزب الوطني، وهي مطابقة للكشوف التي سلمت للجان. قرأت أيضاً عن «البطاقة الدوارة» التي يخرج بها أول ناخب من اللجنة بعد أن يضع ورقة بيضاء مكانها، وبعد أن يتقاضى المعلوم. تملأ البطاقة باسم المرشح المطلوب إنجاحه ويدخل بها غيره، ليستلم بطاقته من اللجنة ويضع الأولى مكانها في الصندوق، ثم يخرج بالبطاقة ليقبض الثمن وتملأ باسم المرشح ثم يدخل بها آخر. قرأت كذلك عن «نائب الظرف» الذي يوزع الأموال على الناخبين في مظاريف، بعد تصوير بطاقة كل واحد عن طريق كاميرات المحمول.. الخ.
استوقفتني أيضاً في المشهد مظاهر «الحياد» الذي التزمت به الشرطة، الأمر الذي قد يفسر بأنها ضاقت بكثرة ما وجه إليها من تدخلات في الانتخابات، فقررت هذه المرة أن تنفض يدها من الموضوع مؤقتاً، خصوصاً إزاء عمليات توزيع الرشاوى أو اعتداءات البلطجية. وهو ما انتقده البعض باعتباره حياداً سلبياً، لكني أعتبر المصطلح مخفقاً إلى حد كبير ومؤدياً إلى الالتباس، لأنني لم افهم فكرة أن تكون الشرطة محايدة فيما يقع من حوادث بين البلطجية ومن يستهدفونهم من الناخبين والمرشحين. ولا افهم أن تكون محايدة أمام عمليات توزيع الرشاوى علناً على الناخبين. فتلك كلها جرائم، السكوت عليها من جانب الشرطة يعد تستراً، ولا يمكن أن يوصف بأنه حياد.
لقد فهمنا أن دخول رجال الأعمال إلى عالم السياسة، الذي تصاعدت مؤشراته خلال السنوات الأخيرة، هو الذي رفع اسهم رشاوى الناخبين إلى معدلات غير مسبوقة، غير أن ظهور «البلطجية» كميليشيات تتولى قمع المعارضين في المظاهرات والانتخابات، وتحولهم في نهاية المطاف إلى مجموعات إرهابية لها أركانها وقواعدها وفروعها التي تضم أعداداً من الزعران وأصحاب السوابق من الرجال والنساء، هذا التطور لا يمكن أن يتم بعيداً عن علم أجهزة الأمن. وإذا ما صح ذلك فانه يثير سؤالاً كبيراً حول احتمالات خصخصة القمع في المستقبل!
(3)
رغم أن أي كلام عن النتائج قبل اكتمال المراحل الثلاث يظل استباقاً مجرحاً، إلا أن هناك ظاهرتين تكرر رصدهما في كل الانتخابات التي أجريت في مصر منذ أخذت بنظام التعددية السياسية في عهد الرئيس السادات (منذ اكثر من ربع قرن). وقد برزتا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفي المرحلة الأولى من الانتخابات التشريعية الحالية، وليس هناك ما يبرر اختلاف الوضع بالنسبة لهما في المرحلتين الثانية والثالثة. الظاهرة الأولى تمثلت في انخفاض نسبة المشاركين في الانتخابات، حيث لم تصل النسبة في البيانات الرسمية إلى اكثر من 24%، في حين أن تقديرات المنظمات الأهلية تهبط بها إلى 17% في اغلب الدوائر، كما تكاد تصل النسبة إلى ما بين 7 و 10% في المدن الكبيرة، وهذا التدني في النسبة ليس له سوى تفسير واحد هو انه يعبر عن عزوف الجماهير – في الطبقة الوسطى بدرجة أخص – عن المشاركة في الانتخابات، لأنهم غير واثقين من أن أصواتهم هي التي تحدد مصيرها. (ملحوظة على الهامش: في غياب الطبقة الوسطى فان الطبقات الدنيا أصبحت الأكثر إقبالا على التصويت، وهو ما يفسر تفشي ظاهرة رشوة الناخبين).
الظاهرة الثانية وثيقة الصلة بالأولى، وخلاصتها أن الأحزاب المعترف بها من الدولة تعاني من فقر شديد في جماهيرها، ورغم أن الأرقام المعلنة تستثني الحزب الوطني من المعادلة، فإن الجميع يعلمون أن الارتفاع النسبي في عضوية الحزب وتفوقه على الأحزاب الأخرى في نسبة المصوتين له، ليس راجعاً إلى كونه حزباً وطنياً ديمقراطياً، ولكن لأنه حزب السلطة، التي تؤدي دوراً بالغ الأهمية والحيوية في حياة المجتمع المصري، منذ العصر الفرعوني وحتى الآن. ومع ذلك فالبيانات الرسمية التي أعلنت سجلت تراجع عدد المقاعد التي فاز بها الحزب (خسر في المرحلة الأولى 96 مقعداً، وسجلت صحيفة «الأهرام» الانحسار الشديد لنفوذه في الصعيد).
الوجه الآخر لهذه الحقيقة أن جماعة الإخوان غير المعترف بها من الناحية القانونية، تتمتع بشعبية كبيرة، جعلت منها المنافس الحقيقي للحزب الوطني، ووفرت لها حصة من الأصوات والمقاعد تجاوزت أربعة أضعاف ما حصلت عليه أحزاب المعارضة الاثنى عشر التي خاضت المعركة (الإخوان فازوا في الجولة الأولى بـ 34 مقعداً – يقولون إن 35% من الناخبين صوتوا لصالحهم – وحصدت أحزاب المعارضة الأخرى ثمانية مقاعد).
شواهد الظاهرة الثانية تدل على أن العزوف عن المشاركة في الحياة السياسية نسبي وليس مطلقاً. بمعنى أن استقالة الجماهير ليست كاملة أو نهائية، وإنما هي موجودة في الساحة لم تغادرها. وكل ما هنالك أن الأوعية الحزبية المعروضة عليها لا تتمتع بدرجة كافية من الجاذبية والإقناع بالنسبة لها، في حين أنها تجد ما يجذبها اكثر إلى بعض الأوعية المحجوبة عن الشرعية. وإذا صح هذا التحليل فانه يثير اكثر من سؤال وجيه حول مصدر الشرعية ومعاييرها في الخريطة السياسية المصرية، وما إذا كانت تلك الشرعية تكتسب من رضا السلطة أم من قبول الجماهير ورضاها.
(4)
استفزني ما سمعته في الأسبوع الماضي على لسان أحد رؤساء اللجان الانتخابية، في معرض تفسيره لضعف الإقبال على التصويت، وقال فيه اننا بصدد تجربة ديمقراطية جديدة في مصر، وان الشعب ما زال «يحبو» في ذلك الاتجاه. اعتبرت هذا الكلام نموذجاً للإدراك المشوه المتفشي بين بعض المتعلمين الذين لم يستوعبوا تاريخ التجربة الديمقراطية المصرية. وشاركني الاستغراب الدكتور يونان لبيب رزق، أستاذ التاريخ المرموق، الذي أبدى دهشته عندما أعدت على مسامعه الكلام، وقال ان نسبة إقبال المصريين على الانتخابات في عشرينيات القرن الماضي (بعد صدور دستور عام 1923) كانت في حدود 57%. ووجدت أن الدكتورة عزة وهبي التي أعدت أطروحتها للدكتوراه عن «تجربة الديمقراطية الليبرالية في مصر قبل عام 52» – رجعت إلى مصدرين مهمين في هذه النقطة، أولهما عبد الرحمن الرافعي مؤرخ الحركة الوطنية المصرية، الذي ذكر انه في الانتخابات التشريعية التي أجريت سنة 50 كانت نسبة المشاركين في التصويت 69.66% – الثاني هو الدكتور فتح الله الخطيب أستاذ العلوم السياسية الراحل، الذي احتسب الأصوات بطريقة أخرى، وخلص إلى أن نسبة الإقبال على التصويت كانت 60.62%.
لان الرجلين من الثقاة، فان كلامهما يكذب المقولة التي نقلها التليفزيون المصري على لسان القاضي الشاب، وفي نفس الوقت فانه يدعونا إلى تجاوز الكسل العقلي، والتفكير في سبب آخر لاستقالة المجتمع من السياسة، بما يستصحبه من عزوف عن الانتخابات، وكساد في سوق الأحزاب السياسية.
(5)
من الأمثلة الشائعة عند الأمريكيين انه حين يتكرر الرسوب بنسبة ملحوظة في أحد الفصول الدراسية، فان اللوم ينبغي أن يوجه إلى المدرس وليس التلاميذ، لان ذلك معناه انه فشل في أن يستخلص من الطلاب افضل ما فيهم، وهو مثل يمكن أن نعممه على السياسة أيضاً، لان المجتمعات تربي. فهناك أجواء تستثير همم الناس وتستخرج منهم افضل ما فيهم، وهناك أجواء أخرى تشيع بينهم اليأس والقنوط، فتستخرج منهم أسوأ ما فيهم. بسبب من ذلك فان إحدى النقاط المهمة التي ينبغي أن يدور حولها البحث في محاولة رصد تحولات السلوك السياسي والاجتماعي تتمثل في السؤال التالي: على أي شيء يربى الناس، وما هي طبيعة القيم التي تغرس في نفوسهم؟
في عدد «الأهرام» الصادر في 16/11 الحالي، إجابة نموذجية على السؤال، قدمها زميلنا الأستاذ سيد علي، في تعليق له كان عنوانه: تجفيف منابع المشاركة – تحت العنوان كتب يقول: انظر لما حدث في الانتخابات الطلابية بالجامعات. فقد تم شطب معظم الطلاب من قوائم المرشحين – وتم الإعلان عن موعد الانتخابات في آخر يوم دراسي، ثم فتح باب الترشيح في أول يوم دراسي بعد العيد، وتم إغلاقه في نفس اليوم، ومن تمكن من التقديم حصل على استمارة أو ايصال غير مختوم. اشتكى الطلاب لأولى الأمر وتظاهروا لكن أحداً لم يسمعهم، لان توقيت الانتخابات تزامن مع الانتخابات البرلمانية بصخبها وعبثها. يحدث ذلك في ظل لائحة طلابية تحرم أي طالب من المشاركة، وتفرض الوصاية عليهم من جانب الإدارة والأمن، وكما يتم تعيين العمداء يتم تعيين اتحادات الطلاب، وهكذا يتم القضاء على الحياة السياسية من المنبع وتتخرج أجيال مشوهة ومهزوزة، لا تنتمي ولا تشارك، علماً بأن كل من يحكمون مصر والعالم هم نتاج نشاط طلابي في مراحل التكوين والنشأة. وهؤلاء وحدهم القادرون على الإصلاح والتغيير، ولكننا كالعادة ندمر أحلى ما فينا بحجة أمن الدولة على حساب أمن الوطن!
يتضاعف الوجع حين يقرأ المرء هذا الكلام، حتى يبرز في الأفق السؤال الحائر: هل هذه التربة مواتية لزرع الأمل في الإصلاح السياسي؟
(*) كاتب من مصر
(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادر يوم 22 نوفمبر 2005)