الثلاثاء، 10 يوليو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2604 du 10.07.2007
 archives : www.tunisnews.net
 

 


 

ا

لجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: تدهور محير في أوضاع اﻹعتقال داخل العديد من السجون لجنة عائلات ضحايا قانون الإرهاب: بلاغ سليم بوخذير :شرطة الأنترنت تستولي على مدوّنة « القلم الحرّ » و تُتلف ملفاتها معز الجماعي :قابس: مواد كيمائية تتسبب في أمراض جلدية معز الجماعي :مواطن لم يتسلم جواز سفره منذ أكثر من خمسة أشهر سليم بن حميدان: أما آن للحقد أن ينتهي – تضامنا مع عبد الكريم الهاروني رويترز: الإعلان في الرباط عن إنشاء مرصد عربي لحرية الصحافة والإعلام يو بي أي: تونس تنقذ 12 جزائريا من الموت غرقا قبالة سواحلها الصباح: الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في حديث لـ الصباح: تونس مؤهّلة للعب دور حاسم في بناء الاتحاد المتوسّطي القدس العربي: جولة ساركوزي المغاربية تثير ضجيجا استباقيا علي الموضوعات المتوقع بحثها الموقف: رئيس فرع العفو الدولية.. بمنطقة الأمن بتونس مواطنون: الافتتاحية مواطنون: ندوة حرية الضمير و المعتقد محمود قويعة:تمهلي يا سيدة سلوى .. محمد المنصف قاره: تصحيح حول مقالة الصباح التونسية: (تونسي يحيل زوجين على الإنعاش بسبب الضجيج) مصطفى عبدالله الونيسي: نظام  الحكم  في   الإسلام نشأة  و  صيرورة د. محمد الهاشمي الحامدي:مواقف عمرية عبد الجليل التميمي: دعوة قناة المستقلة وإجراء ثلاث حلقات تلفزية بلندن د. سلوى الشرفي: عن الرقابة، إذ تصبح ذاتية، « فعلا حرا »… احميده النيفر: إضاءات مغاربية على مسألة التجديد الإسلامي في معناها وسياقاتها كراس « الشيـــوعـي »: اليسار الماركسي اللينيني ومقاومة الامبريالية في الظرف الراهن د. عبدالوهاب الأفندي: عن الخطأ والخطيئة في الحرب علي عقول وقلوب الإرهابيين القدس: الجنرال عسكري يكشف النقاب عن الأسرار النووية الإيرانية


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


 الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تونس في 10 جويلية 2007 بــــــلاغ

تدهور محير في أوضاع اﻹعتقال داخل العديد من السجون

تشهد أوضاع السجون في الغترة اﻷخيرة تدهورا خطيرا في ظروف إقامة المعتقلين داخلها. فمع حلول فصل الصيف و ارتفاع درجات الحرارة في حالة اﻹكتضاض الغالبة و غياب التهوئة اللازمة و شروط النظافة و الرعاية الصحية الأساسية تزداد أوضاع الإعتقال سوءا بالنسبة للمساجين بشكل عام وللمساجين السياسيين بشكل خاص. و قد ﻻحظت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين من خلال جملة المعطيات الواردة عليها تدهورا ﻻفتا  لأوضاع المساجين السياسيين داخل عديد السجون انعكس في تنوع و تعدد أشكال احتجاجاتهم و حيرة و نداءات عائلاتهم. إن السجن حرمان من الحرية و ليس انتهاكا للكرامة البشرية و تشفيا و امتهانا للذات اﻹنسانية و ممارسة لأبشع أنواع الحيف إلى حد التجويع و منع الرعاية الصحية و الغطرسة في تطبيق القانون بالتقتير في ما يسمح به للعائلات من مواد و ما يسمح به للمساجين من مراسلات وزيارات. و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تحمل إدارات السجون و القائمين عليها مسؤولية عواقب كل التجاوزات التي بلغت لها و تطالب اللجنة الدولية للصليب اﻷحمر الدولي بتونس بالتدخل العاجل و إجراء المعاينات و تلقي الشهادات التي يخولها لها مركزها. و تلفت الجمعية النظر إلى وضعية السجين السياسي رضا البوكادي و هو مصاب بمرض مزمن في الكلاء و يخضع إلى نظام تغذية خاص حرم منه وقد انهكته اﻹضرابات المتكررة عن الطعام للمطالبة بحقوقه و يلاقي اﻷمرين من استفزازات أعوان السجن التي بلغت حد إفساد و تلويث الطعام الذي تجلبه له عائلته أسبوعيا. كما تلفت النظر إلى وضعية السجين السياسي عبد الكريم الهاروني بسجن المرناقية و الذي دخل في إضراب عن الطعام يوم أمس بسبب المعاملة الغير قانونيّة و اللاانسانيّة الّتي تمارسها عليه الادارة العامّة للسّجون و كذلك ادارة السّجن و التي وصلت حد التضييق عليه في الطعام حسب تأكيده ويترك  المساجين بحلة تضور ويحكم عليهم بالجوع المتواصل بما يشكل فضيحة و معرة في هذا العصر. و تنبه كذلك إلى وضعية السجين  فيصل بن الشاذلي بن سعيد المعتقل ببرج العامري و الذي منعت الزيارة عن عائلته و حرم من القفة منذ 22 جوان الماضي بعد أن اشتكى لعائلته من سوء المعاملة وسوء الرعاية الصحية و كان خضع لعملية جراحية دقيقة مما روع والده المسن على مصيره. و يتعرض كذلك السجين هشام السعدي بسجن المرناقية إلى التهديد بالشلل في مستوى اليد بسبب اﻹعتراض على المتابعة الصحية اللازمة له من طرف إدارة السجن حيث بقيت بها ثلاثة مسامير لم يقع إزالتها منذ أربعة أشهر بعد كسر تعرض له اثناء البحث. كما يشتكي السجين أنيس الهذلي بسجن قرمبالية من سوء التغذية و حالة اﻹكتضاض مع 140 سجينا في غرفة اعتقال واحدة و كذلك السجين عبد الحميد الجلاصي الذي أصبح هدفا للعقوبات المتكررة بسبب استمرار سوء المعاملة و احتجاجه على ظروف اﻹقامة. إن الجمعية الدولية لمساندة المساجسن السياسيين إذ تنبه لهذه العينة من الوضعيات تطالب السلطة ذات النظر السهر على أوضاع المساجين طبق ما يفرضه عليها القانون و عدم ترركهم ﻹهمال و تشفي ومماطلة إدارات السجون. عن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين المنسق : المختار اليحياوي


لجنة عائلات ضحايا قانون الإرهاب تونس في 10/07/2007 بلاغ
تعلم لجنة عائلات ضحايا قانون الإرهاب بأنه تم نقل السجين السياسي السيد ماهر بزيوش يوم الأحد 8 جويلية 2007  من سجن المرناقية إلى سجن حربوب بمدنين في إطار نقلة عقابية بعدما أصر هو و من معه على أداء الصلاة في جماعة علما بأن صلاة الجماعة ممنوعة في السجون التونسية ليس بمقتضى القانون و إنما بفعل التراتيب الإدارية غير القانونية و المخالفة للدستور.و للتذكير فإن عائلة السجين السياسي السيد ماهر بزيوش تقطن بتونس العاصمة و سيكلفها التنقل لزيارة ابنها في الجنوب التونسي أموالا طائلة و مشقة لا حدود لها خصوصا و نحن في فصل الصيف كما أن السجين السياسي السيد ماهر بزيوش ما يزال على ذمة محكمة الاستئناف بتونس التي أجلت في جلستها التي انعقدت صباح هذا اليوم النظر في قضيته هو و من معه إلى يوم 28 سبتمبر 2007 المقبل. ·        تهنىء لجنة عائلات ضحايا قانون الإرهاب السيدة سامية حمودة زوجة السجين السياسي السيد محمد عبو على حصولها على الإجازة في الحقوق متمنين لها كل التوفيق و أن يكلل نجاحها بإطلاق سراح زوجها الأسير حتى ينعم بالحرية. لجنة ضحايا قانون الارهاب


شرطة الأنترنت تستولي على مدوّنة « القلم الحرّ » و تُتلف ملفاتها

 
أجهزت الأيادي النّزقة لشرطة الأنترنت في تونس على كلّ محتويات مدوّنتي « القلم الحرّ » و أتلفت كلّ ملفاتها  بعد أن إستولت  بألاعبيها الشيطانية على كلمة المرور لها ضمن الموزّع « مكتوب » تماما كما حصل سابقا مع مواقع تونسية أخرى و إستبدلتها بكلمة أخرى مجهولة  ، بحيث صرت تفتح المدوّنة لتُطالعها فلا تجد فيها غير إدراج واحد به صورة ترمز إلى الموت لست أدري ماذا يعني بها واضعوها لا سيما و أنّهم تركوا على يسارها صورتي الشخصيّة .  فرحمك الله يا مدوّنة « القلم الحرّ » ، و رزق صاحبك و قرّاءك جميل الصبر و السلوان و عزاؤنا في فقدانك أنّ شبكة الأنترنت تُتيح للمرء فتح مدوّنات جديدة متى و كيف نشاء . . و لا سمح الله بن علي المُعادي بشدّة لحرية التعبير و لإنتقال المعلومات هو و شرطته المزروعة في كلّ مكان حتى في العالم الإفتراضي لتقصف عمر أي كلمة حرّة فور خروجها إلى النور . .   * القلم الحرّ سليم بوخذير
 


قابس :مواد كيمائية تتسبب في أمراض جلدية

 
اتصل عدد من مساكني حي بدورة التابع لمعتمديه قابس الغربية بجامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي يعلمونها أنهم يتعرضون لهجوم غير مسبوق للناموس تتسبب لسعاته بإعراض غريبة علي أجسامهم تشبه الحر وقات .و تعهدت جامعة قابس بالتحري عن الموضوع وكلف الرفيق عبد الوهاب العمري كاتب عام الجامعة عدد من أعضائها بذلك. رغم شحاحة المعلومات و التكتم الذي يحوم حول الموضوع تمكنت الجامعة  من معرفة بعض التفاصيل التي تفيد أن القاعدة البرية بقابس التابعة للجيش الوطني ألقت سوائل غريبة  تشبه البنزين في الوادي القريب من الحي المذكور و بركودها تغير لونها و انبعثت منها روائح مخنقة ساهمت في تجمع الناموس والحشرات حولها. ان جامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي تطالب السلط  المعنية بفتح تحقيق جدي في الموضوع و تؤكد علي ضرورة وضع حل نهائي لمسالة الفضلات و الناموس و كل ما يتعلق بنظافة المدينة. قابس :معز الجماعي


مواطن لم يتسلم جواز سفره منذ أكثر من خمسة أشهر

 
اتصل بجامعة قابس للحزب الديمقراطي التقدمي المواطن محمد الرصافي المقداد المولود في 23اوت 1953 بقبلي صاحب بطاقة تعريف وطنية عدد01456754 يعلمها بأنه لم يتسلم جواز سفره رغم  انه تقدم بمطلب في تجديده إلي إدارة إقليم الأمن الوطني بقابس  منذ أكثر من خمسة أشهر و يؤكد السيد محمد المقداد أن حرمانه من جواز السفر علي خلفية انتمائه العقائدي و يذكر انه من رموز الشيعة في تونس .كما أكد انه راسل وزير الداخلية عبر رسالة مضمونة الوصول و ر كذلك رئيس الجمهورية عبر الفاكس في ثلاثة مناسبات آخرها بتاريخ 4جويلية 2007 . السيد محمد الرصافي المقداد يهيب بكل القوي الديمقراطية و المنظمات الحقوقية الوطنية و العالمية بالتدخل لإنهاء هذه المشكلة خاصة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي لعبت دورا هام في حصوله علي جواز سفره سنة 2002 . لمساندة السيد محمد الرصافي المقداد : البريد الالكتروني chiite1@yahoo.fr الهاتف 0021623201047 قابس : معز الجماعي

أما آن للحقد أن ينتهي   تضامنا مع عبد الكريم الهاروني

سليم بن حميدان     عبد الكريم الهاروني هو أحد كبار النقابيين الطلابيين الذين شهدت لهم الجامعة التونسية والإعلام الرسمي نفسه بالاعتدال والكياسة وعرفه الطلبة خلال عقد الثمانينات خطيبا مفوها ومثقفا محنكا ونقابيا بارعا لا يؤمن بغير التفاوض والعمل السلمي سبيلا للدفاع عن حقوق الطلاب وحرياتهم. لقد كان نقده للنظام الحاكم يتوسل اللهجة التونسية البسيطة والنكتة الساخرة أسلوبا ديمقراطيا وحضاريا يحرك المشاعر ويوقظ الضمائر ويرسم الابتسامة على شفاه الغاضبين. باختصار، كان عبد الكريم الهاروني وسيبقى اسما شامخا وعلما لا يمحى من ذاكرة آلاف التونسيين الذين ارتادوا الجامعة التونسية خلال عقد كامل من الزمن.   يتم اليوم استهدافه في حياته وإهانته والتضييق عليه في سجنه بأساليب تنم عن حقد دفين ونية مبيتة في التشفي والانتقام بعيدا عن منطق القانون وطباع أهل الحضر من التونسيين المسالمين. لم تكتف السلطة بعقد من السجن والتعذيب كعقوبة لعقد من النقد الساخر، هي « الجريمة » الوحيدة الثابتة في حق الهاروني، بل إنها تريد على ما يبدو مضاعفة العقاب ورد الصاع صاعين أو أكثر.   إنها تؤكد بذلك براعته وبراءته وتثبت إدانتها وعنجهيتها ومجافاتها لقيم العدالة والمروءة.   لا نعتقد أن ثمة من يبرر معاناة الهاروني بانتمائه السياسي لحركة النهضة لأن مثل هذا التبرير يسقط إذا علمنا بأن كبار قادتها مثل الناطق الرسمي علي العريض أو رئيسها السابق الحبيب اللوز قد تم تسريحهم. إن المعاملة الدنيئة واللاإنسانية التي يتعرض لها المناضل السياسي والنقابي عبد الكريم الهاروني هي وصمة عار في جبين كل مناضل تونسي إذا ما سكت عنها ولم يرفضها بشكل علني وصريح لأن السكوت في معرض الكلام كلام.   لذلك نحمل المسؤولية كاملة للسلطة التونسية عن التضييقات التي يتعرض لها ونطالبها بأن ترفع يد البطش عن هذا المناضل الشريف، وأن تضع حدا لسياسة الحقد وتكبح غريزة الانتقام فباحترام الكرامة يحترم الإنسان وبالعدل وحده تبنى الأوطان.   هذا نداء عاجل يتوجه به كاتب السطور إلى الأحزاب السياسية والنقابات الطلابية والمهنية والجمعيات الحقوقية وجماهير الطلبة الذين عرفوا عبد الكريم الهاروني وإلى كل الأقلام الحرة والمسؤولة، أحبة كانوا أم خصوما، لكي يتضامنوا معه في محنته ويتحركوا من أجل إطلاق سراحه وباقي المساجين السياسيين.


 

الإعلان في الرباط عن إنشاء مرصد عربي لحرية الصحافة والإعلام

 
الرباط (رويترز) – اعلن مساء يوم الاثنين بالرباط عن افتتاح المرصد العربي لحرية الصحافة والاعلام لدعم حرية الصحافة في العالم العربي و »فضح الخروقات ». واعتبر اعلاميون مشاركون في ندوة « حرية الصحافة والاعلام في العالم العربي » التي بدأت يوم الاثنين ان المرصد « أداة من أدوات لجنة حماية الحريات » وهو مؤسسة تابعة للاتحاد العام للصحفيين العرب ويقوم بمهمة « رصد الخروقات الحاصلة في ممارسة حرية الصحافة والاعلام في العالم العربي. » وقال يونس مجاهد الكاتب العام لنقابة الصحافة المغربية في الندوة ان « المرصد سيكون اداة لرصد الممارسات المنافية لحرية الصحافة ولتقييم الاوضاع في مختلف البلدان العربية والوقوف على جوانب الخلل وفضح الاجراءات والتدابير القمعية التي تطال الصحفيين. » واضاف ان « الهدف الرئيسي من وراء اقامة هذا المرصد هو ان يتوفر الاتحاد على ذراع طويلة تمتد في كل ارجاء الوطن العربي. » وقال الاعلاميون ان المرصد سيوفر المعطيات والتحاليل التي تساعد الاتحاد على وضوح الرؤيا وعلى تطوير تدخلاته لحماية الصحفيين. ويعتمد المرصد على « ما نشر في وسائل الاعلام ويقارن المعطيات ومختلف المقاربات ويهيئ تقريرا يتوخى الموضوعية والنزاهة. » واعتبر جيم بوملحة رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين ان الاعلام في بعض دول الشرق الاوسط يشهد « تغيرات مثيرة للاهتمام توفر امكانيات هامة للصحافة كي تقوم بالمساهمة الحقيقية في التغيير. »  وقال ان بعض القنوات العربية الفضائية « نجحت في اعادة تشكيل المشهد الاعلامي بمنطقة الشرق الاوسط وذلك بفضل خطها التحريري المتحرر من قيود الرقابة. » (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 9 جويلية 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)


 

تونس تنقذ 12 جزائريا من الموت غرقا قبالة سواحلها

 
تونس ـ يو بي أي: أنقذت وحدة تابعة للبحرية التونسية 12 مهاجرا سريا جزائريا من الموت غرقا بعدما تاهوا في البحر أثناء محاولتهم التّسلل خلسة الي منطقة بانتلاريا الايطالية. وقالت مصادر تونسية امس الاثنين ان هؤلاء المهاجرين أبحروا علي متن زورق صغير من احدي الشواطئ الجزائرية باتجاه السواحل الايطالية، غير أنهم تاهوا في عرض البحر في منطقة تقع غير بعيد عن جزيرة جالطا التابعة لمحافظة بنزرت التي تبعد نحو 70 كيلومترا شمال تونس العاصمة. وأشارت الي أن محرك زورق هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين تعطل داخل المياه الاقليمية التونسية،فتقاذفته الأمواج العاتية، وكاد يغرق لولا تدخل وحدة من البحرية التونسية التي تمكنت من انقاذ من كان علي متنه . وأضافت أن هؤلاء الحالمين بالهجرة، اعترفوا أثناء التحقيق معهم بمحاولتهم التسلل خلسة الي السواحل الايطالية،حيث سجلت أقوالهم بانتظار ترحيلهم الي الجزائر. وهذه المرة الثالثة التي تعتقل فيها السلطات الأمنية التونسية مهاجرين جزائريين غير شـرعيين أثناء محاولتهم التسلل خلسة باتجاه السواحل الايطالية في غضون أقل من شهر. وكانت البحرية التونسية أعلنت في وقت سابق اعتقال وانقاذ خمسة جزائريين وأنقذتهم من موت محقق بعدما جرف التيار قاربهم الصغير أثناء محاولتهم التسلل خلسة الي جزيرة لامبيدوزا الايطالية. يشار الي أن تونس تبذل جهودا مكثفة للحد من محاولات الهجرة غير الشرعية باتجاه السواحل الاٍيطالية انطلاقا من شواطئها، التي يبلغ طولها 1300 كيلومتر. ولا تخفي السلطات التونسية تنسيقها مع دول الجوار،وخصوصا ايطاليا للتصدي لهذه الظاهرة التي باتت تؤرق دول جنوب وشمال البحر الأبيض المتوسط. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 10 جويلية 2007)


جولة ساركوزي المغاربية تثير ضجيجا استباقيا علي الموضوعات المتوقع بحثها

 
تونس ـ يو بي أي: يبدأ الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي اليوم الثلاثاء جولة، هي الأولي له خارج أوروبا منذ انتخابه رئيسا لفرنسا في ايار (مايو) الماضي، يزور خلالها الجزائر وتونس، مستثنيا المغرب الذي اعتذرت عن استقباله. وكان يمكن لهذه الجولة أن تكون عادية وبروتوكولية، غير ان الجدل الواسع الذي أحاط بها، جعلها تتحول الي ما يشبه الحدث البارز الذي قد تتوقف علي نتائجه الكثير من المسائل الإقليمية والدولية المرتبطة بمستقبل المنطقة المتوسطية، والتنافس الامريكي ـ الاوروبي ـ الصيني علي القارة الأفريقية. ويرجح أن يتواصل هذا الجدل الذي تحوّل بسرعة الي ضجيج سياسي وإعلامي لاعتبارات متصلة بالقضايا التي سيطرحها ساركوزي خلال هذه الجولة، وبتداعيات الإعلان، في آخر لحظة، عن إلغاء زيارته للمغرب ضمن جولة ساركوزي في منطقة المغرب العربي. ففي خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات المغربية ـ الفرنسية، طلبت الرباط من باريس الغاء زيارة الرئيس الفرنسي اليها في الموعد الذي أعلنه قصر الإليزيه في وقت سابق، لتقتصر بذلك الجولة علي الجزائر وتونس فقط. ولئن بررت الرباط هذا الموقف بالتزامات العاهل المغربي، فإن هذا السلوك أثار دهشة المراقبين الذين تباينت قراءتهم لهذه الخطوة، اذ ربطها البعض بالوضع الأمني الذي تمر به المغرب حاليا، فيما ذهب البعض الآخر الي وصفه بأنه تعبير عن انزعاج الرباط من اختيار ساركوزي الجزائر كمحطة اولي له في هذه الجولة. ويخشي المغرب الذي يعتبر أهم حلفاء فرنسا في المنطقة أن يكون هذا الاختيار بمثابة المؤشر بشأن تغيير في الموقف السياسي الفرنسي تجاه المسائل التي تهم المنطقة، وبخاصة منها ازمة الصحراء الغربية السبب الرئيسي للخلاف بين المغرب والجزائر. وتزايدت هذه الخشية بعد تقارير فرنسية تقول إن ساركوزي سيبحث هذه المسألة مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وأن المصالح الفرنسية، ولاسيما تلك المرتبطة بالطاقة والتبادل التجاري، تستدعي من ساركوزي ايلاء المزيد من الاهتمام بالجزائر. وبين هذا القراءة وتلك، لا يبدو ان الضجيج السياسي الذي أثارته هذه الجولة سيتوقف عند هذا الحد، حيث سارعت تركيا الي التعبير عن غضبها بمجرد الإعلان عن ان ساركوزي سيسعي خلال هذه الجولة الي تمرير مبادرته المثيرة للجدل حول إنشاء اتحاد لدول المتوسط. واعتبرت تركيا ان المقصود من هذه المبادرة اغلاق الباب نهائيا أمام انضمامها للإتحاد الأوروبي، وذهبت علي حد اتهام ساركوزي بعرقلة جهودها في هذا الاتجاه، بينما لم تتردد المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل في تحذير فرنسا من ان هذه المبادرة قد تقوض مسيرة الاتحاد الأوروبي. وكان المتحدث باسم الإليزيه دافيد مارتينو مارتينو أشار في وقت سابق الي ان ساركوزي سيعرض علي دول شمال افريقيا فكرته لإنشاء اتحاد لدول البحر المتوسط يضم الدول الأوروبية المتوسطية ودول جنوب المتوسط. ويريد ساركوزي اقامة شراكة رسمية تضم دول جنوب أوروبا (فرنسا وإسبانيا واليونان وإيطاليا والبرتغال)، وجيرانها في شمال أفريقيا (تونس و الجزائر والمغرب وليبيا ومصر)، وألمح الي أنه يريد استقطاب تركيا للانضمام لهذه الشراكة، بدلا من ان تصبح عضوا في الإتحاد الأوروبي. وكان ساركوزي تعهد في خطابه الذي استهل به ولايته الرئاسية خلفا لسلفه جاك شيراك، بالعمل من أجل تنفيذها، عندما قال سأعمل علي إنشاء اتحاد متوسطي وفقا لنموذج الاتحاد الأوروبي،لان فرنسا ان أدارت ظهرها للمتوسط، فهي تدير ظهرها لماضيها وبالتالي لمستقبلها . ولم ينتظر الطاقم الإداري الذي اختاره ساركوزي طويلا للبدء في محاولة تسويق هذه المبادرة، حيث سارع وزير الشؤون الأوروبية في حكومته جون بيير جويي الي عرضها علي وزراء خارجية دول المنتدي المتوسطي في جزيرة كريت اليونانية في الثاني من حزيران (يونيو) الجاري. ويري مراقبون ان اهتمام ساركوزي المتزايد بهذه المبادرة يعود الي رغبة جدية ليدخل التاريخ كرئيس استطاع أن يعيد الي فرنسا مكانتها في منطقة نفوذها الإستراتيجي التقليدي، وبالتالي التصدي للنفوذ الأمريكي المتزايد في شمال افريقيا، والتوغل الصيني في عمق القارة الأفريقية. وتبدو هذه الرغبة مشروعة، ومبررة بالنظر الي رئيس يسعي لاستعادة امجاد بلاده، والحفاظ علي مصالحها الإستراتيجية، غير ان الضجيج المتزايد حول المبادرة، وحجم المشاريع المطروحة والعراقيل والتحديات الماثلة وغيرها من العوامل الأخري، لا تدفع الي التفاؤل بإمكانية نجاحها. (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 10 جويلية 2007)


الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في حديث لـ الصباح

تونس مؤهّلة للعب دور حاسم في بناء الاتحاد المتوسّطي

 
تونس – الصباح خصّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي «الصباح» بحديث بمناسبة زيارة صداقة وعمل لتونس يومي 10 و11 جويلية الجاري. وقد تفضّل الرئيس الفرنسي مشكورا بالإجابة عن عدد من الأسئلة التي توجّهت بها «الصباح» والتي تناولت العلاقات الثّنائية بين تونس وفرنسا وكذلك العلاقات بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط وخصوصا مشروع تأسيس اتحاد متوسطي يجمع بلدان المنطقة إضافة إلى ملامح سياسة الهجرة في فرنسا والسياسة الخارجية الفرنسية على صعيد العالم العربي والحرب على الإرهاب والحوار بين الحضارات والأديان. وفيما يلي نصّ حديث الرئيس نيكولا ساركوزي: * بعد انتخابكم مباشرة تطرّقتم في رسالة إلى نظيركم الرئيس زين العابدين بن علي، إلى مشروع تأسيس اتحاد متوسّطي يجمع بلدان المنطقة. هل يمكنكم أن توضحوا لنا الخطوط العريضة لهذا المشروع وعلاقاته المحتملة مع الشراكة الأوروبية المتوسطية القائمة حالياً؟ وكيف ترون دور تونس في مثل هذه المجموعة؟ – لطالما اعتقدت أنه من الضروري جعل المتوسّط فضاء تعاون. لقد سنحت لي الفرصة لأقول في أكثر من مناسبة إن أوروبا عندما أدارت ظهرها للمتوسّط اعتَقَدَت أنها تدير ظهرها لماضيها، وهي في الواقع إنما أدارت ظهرها لمستقبلها. أنا واثق أن مستقبل أوروبا وفرنسا يرتسم أيضاً، لا بل أولاً، في المتوسّط. لقد لقي مشروع الاتحاد المتوسّطي وافر الترحيب لدى شركائنا المتوسّطيين داخل الاتحاد كما لدى بلدان جنوب المتوسّط. لذلك يسرّني أن يكون الرئيس بن علي قد أبدى بدوره اهتماماً خاصاً بهذا المشروع. إن تونس بحكم الموقع المركزي الذي تحتلّه في المتوسّط عند ملتقى حوضي بحرنا المشترك، ولكونها أيضاً شاركت دائماً بنشاط كبير في الهيئات المتوسّطية، مؤهّلة لأن تلعب دوراً حاسماً في بناء هذا الاتحاد. وإني لا أشكّ في أنها ستلعب هذا الدور. يهدف هذا الاتحاد إلى جعل المتوسّط فضاءَ تعاون وتضامن. فرنسا وتونس تتقاسمان الطموح نفسه، لِبحرٍ متوسّط يوحّد بدل أن يقسّم، ويشجّع التقاسم بدل أن يعمق الهوة بين الأغنياء والفقراء. نحن جميعاً نلاحظ أن المؤسسات الحالية لم تكن بمستوى هذا الطموح، ولو أنها أتاحت تحقيق بعض التقدّم. يجب الحفاظ على التقدم الذي تم إحرازه. لكن الاتحاد المتوسّطي يجب أن يتيح لنا تخطي ذلك. فيما يتعلق بالأسلوب أنا مقتنع أن هذا الاتحاد يجب أن يُبنى على أوجه تضامن ملموسة كما حصل في أوروبا. علينا أن نطوّر مشاريع ملموسة في المجالات التي يمكن أن نصل إلى اتفاق سريعاً فيها، التنمية المستديمة أو التكامل على مستوى الطاقة على سبيل المثال. يمكننا أن نحرز بسرعة تقدّماً ملموساً حول هذه الرهانات الجماعية الكبيرة. إلى جانب تونس في «المعركة من أجل الذّكاء» * أقامت تونس وفرنسا علاقات وثيقة جعلت منهما شريكين مميّزين. كيف ترون آفاق هذا التعاون؟ – إن تعميق الشراكة بين بلدينا من أولوياتي. هناك بين فرنسا وتونس صداقة قوية قوامها الاحترام والثقة المتبادلة، ولا بدّ من صونها وتطويرها. على فرنسا، أكثر من أيّ وقت مضى، أن تكون بجانب تونس في «المعركة من أجل الذكاء». هذه المعركة تدور أولاً في مجال التعليم العالي. لقد أدركت السلطات التونسية ذلك وهي تسعى جاهدة في آن واحد لتأمين استقبال أعداد متزايدة من الطلاب والحفاظ على مستوى نوعي أثبت جدواه. انظروا مثلاً إلى التكوين الممتاز للإطارات العليا في الصفوف التحضيرية ومعاهد الهندسة. إن إضفاء المهنية على التكوين العالي سيكون من الأولويات الجديدة لتعاوننا، وهذا يعني تنويع متزايد للمواد والبحث عن مجالات توظيف جديدة وكذلك تطوير التعليم التكنولوجي والإجازات المهنية. «معركة الذكاء» تعني أيضاً تعزيز القدرات العلمية للباحثين التونسيين من خلال شراكة مُهيكلة بين فرقنا ومؤسساتنا في المجالات الواعدة مثل تكنولوجيات الإعلام والاتصال أو البيوتكنولوجيا. يتعيّن كذلك إعطاء دفع جديد للتعاون في مجال البحث والتجديد حول مشاريع تُعنى على نحو أساسي بقطاعات الطاقة والزراعات الغذائية والنسيج والكيمياء. من هذا المنطلق وقعت تونس وفرنسا على اتفاقات شراكة لإيجاد أقطاب تنافسية. ترمي عمليات التحديث وإقامة الشبكات هذه إلى تأمين بناء تدريجي لمجال أوروبي متوسّطي حقيقي للتعليم العالي والبحث، يجب أن تلعب فيه العلاقة الفرنسية التونسية دوراً محرّكاً. لهذا السبب، يكتسي مشروع الجامعة الفرنسية التونسية الذي سيقوم مع جامعة باريس دوفين أهمية كبرى بنظري. فمن شأن هذا المشروع أن يزيد من إشعاع تونس الإقليمي. أتمنى أخيراً أن تعزّز فرنسا مساهمتها في برنامج تحديث الإدارة العامة التونسية الذي سيسمح باعتماد طرق إدارة حديثة وفعّالة واستغلال التقنيات الجديدة المرتبطة بالوسائل الإلكترونية. حسن اندماج الجالية التونسية في المجتمع الفرنسي * يبدي بعض المهاجرين من أصل مغاربي وعربي تخوّفهم من احتمال تشديد سياسة الهجرة في فرنسا. فهل هذا التخوّف في محلّه؟ – تعدّ الجالية التونسية في فرنسا حوالي 600000 شخص، وهي من أهمّ الجاليات الأجنبية. ثلثا هؤلاء يحملون الجنسيّتين وهذا يدلّ على حسن اندماجهم في المجتمع الفرنسي. الأمثلة عن نجاح التونسيين في فرنسا عديدة في مجالات الثقافة والنظام الجامعي والبحث والأعمال أو الأزياء الفاخرة. لقد دلّ اقتراع الفرنسيين أنهم يرغبون في اختيار أفضل ومراقبة أدق للأشخاص المرشحين للإقامة على أراضيهم. هذا باعتقادي شرط لاندماج أفضل لهؤلاء الرجال والنساء في الأمّة الفرنسية، وكذلك لاحترام أكبر لكرامتهم. جملة من المبادئ القوية بخصوص  الشرق الأوسط * تميّزت فرنسا في العقود الماضية بسياسة نشطة في علاقاتها مع العالم العربي. هل يمكن توقّع الاستمرارية في السياسة الخارجية الفرنسية على هذا الصعيد، ولا سيّما فيما يتعلّق بالمسألة الفلسطينية وبالوضع في العراق ولبنان ؟ ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه كلّ من فرنسا وتونس من أجل حلّ عادل ودائم للنزاعات في الشرق الأوسط وفي العالم؟ – بالنسبة لأزمات الشرق الأوسـط، طورت فرنسـا وتونـس رؤى متقاربة جداً قائمة على عدد من المبادئ القويّـــة : أمن إسرائيـل وحق الفلسطينيين في وطن والمصالحة الوطنية في العــراق والحوار بين جميع الأطراف في لبنان. نعرف أننا نستطيع الاعتماد على أصدقائنا التونسيين الذين لا يدخرون جهداً على الصعيد الثنائي كما في المحافل المتوسّطية وداخل جامعة الدول العربية. تشجيع المعرفة والتفهم والاحترام المتبادل * أثارت الحرب ضدّ الإرهاب في الغرب موجة من عدم الفهم إن لم يكن من اللاتسامح إزاء المسلمين، وهذا ما جعل الحوار الضروري بين الحضارات والأديان صعباً. كيف ترون مستقبل هذا الحوار؟ وإلى أي مدى يمكن تفادي تلك الانعكاسات السيّئة لمكافحة الإرهاب والتطرّف الذي يغذّيه؟ – تمرّ مكافحة الإرهاب بالتأكيد عبر نشاط الأجهـزة التي تؤمّـن أمن أوطاننا، والعلاقات التي تربطها هي على هذا الصعيـد أساسية، لأن الخطر مشترك ويلقي بظلاله على كلّ مجتمعاتنا. غير أن القمع وحده لا يكفي. فغالباً ما يشجّع الجهل وعدم معرفة الآخر التصرّفات المتطرّفة. وإضافة إلى العمل الذي تقوم به الحكومات، أعتبر أنه يتعيّن على كلّ فرد، ولا سيّما الإعلام، أن يضطلع بمسؤولياته في هذا المجال ويشجع المعرفة والتفهّم والاحترام المتبادل التي بدونها لا وجود للحوار الحقيقي. إن تونس بحكم ثقافتها وتاريخها وموقعها الجغرافي هي بامتياز أرض التسامح. لقد ساعدها هذا التراث بالتأكيد على فهم الضرورة الملحة لحوار الثقافات في سياق إقليمي ودولي يتميّز بأوجه العنف وعدم التفهّم. لهذا السبب تتبع تونس سياسة إراديّة في هذا المجـال وهي استضافت العديد من الندوات اللافتة للنظر حول هذا الموضوع، جمعت ممثلين عن جميع بلدان المنطقة ومن جميع الديانـات. * المصدر صحيفة » الصباح  » (يومية تونسية) بتاريخ 10 جويلية 2007 .

 


 

رئيس فرع العفو الدولية.. بمنطقة الأمن بتونس

 
محمد الحمروني منعت السلطات التونسية ندوة صحفية دعت لها منظمة العفو الدولية بالاشتراك مع عدد من المنظمات الحقوقية المعترف بها من بينها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية والنساء الديمقراطيات. وأكّد الأستاذ الحبيب مرسيط  رئيس فرع العفو الدولية بتونس نبأ استدعائه من طرف منطقة الأمن بتونس العاصمة وإبلاغه رفض السلطات قيام هذا الائتلاف لأنه غير قانوني. وأعلم السيد مرسيط أن هذا التجمع يشكل إئتلافا غير معترفا به وبالتالي فهو مخالف للقانون التونسي بالإضافة إلى مخالفته للمبادئ التي تأسست عليها العفو الدولية والمتمثلة في مبدإ عدم خوض أي فرع في القضايا الخاصة بالبلد الذي يوجد فيه. وشدد مرسيط في رده على ما وُجّه له على أن الائتلاف المناهض للتعذيب ليس فيه مخالفة للقانون لأنه يتكون من مجموعة من المنظمات المعترف بها. وعن الاتفاق الخاص بعدم خوض الفروع في قضايا البلدان التي توجد فيها أكد على: 1 – أن الحملة من اجل مناهضة عقوبة الإعدام ليست خاصة بتونس وأنها حملة تتبناها « مركزية » المنظمة في جميع أنحاء العالم. 2 – أن مبدأ عدم خوض الفروع في قضايا البلدان التي توجد فيها تمت مراجعته على مستوى المركزي ونفس الأمر يجري بالنسبة للفروع. وكانت مجموعة من أعوان الأمن من منطقة تونس داهمت بيت السيد مرسيط  في غيابه وقامت ببحث جزئي في بيته بحجة البحث عنه، وهو ما استدعى رد فعل غاضب من رئيس الفرع ومن عدد من المنظمات الحقوقية التونسية. وبخصوص الجلسة العامة القادمة شدد مرسيط على أنها ستعقد يومي 30 جوان و1 جويلية بقاعة بورصة الشغل وليس بقاعة الحمراء كما تردد بعض الصحف. وأكد مرسيط أن عددا من الوفود من لبنان وفرنسا وعدد آخر من البلدان ستكون حاضرة في هذه الجلسة العامة التي لن تكون انتخابية، موضحا أنها ستتناول جملة من الملفات خصصت لبحثها مجموعة من الورشات. (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 412 بتاريخ 6 جويلية 2007)

 

 


 

لافتة وقراءة

في مفترق الطرقات الرابطة بين وسط مدينة القيروان وحي التبان وحي الشباب ,وفي النقطة الوسط بين مدخل كل من المستشفى الجهوي ومقر الصندوق القومي للضمان الاجتماعي والمدرسة  الإعدادية شارع فاس ,أي في نقطة عبور حيوية تمر منها مختلف الشرائح الاجتماعية رفعت لنا بلدية القيروان هذه اللافتة دعما منها لحرية التعبير  أما أهل القيروان فقد فهموا معناها الحقيقي وصاروا يتندرون بها  ويقرؤونها « سكر فمك تعيش « ولهم الحق في ذلك فهي لا يمكن أن تفهم إلا كذلك و لا يمكن وضعها في إطار الحكمة أو الموعظة أو النصيحة لسببين

الأول أن النص ورد بصيغة الأمر والأمر لا يستعمل في النصيحة أو الحكمة أو الموعظة إلا إذا ارتبط بفاء النصيحة كما يرد عادة في شعر الحكمة إذ قال علي بن أبي طالب مثلا وفي نفس الموضوع

ولسانك فاحفظه من الأذى                      فكلك عورات وللناس ألسن

والثاني لأنها كتبت باللون البنفسجي بما يعنيه من سلطة مما يجعله داعما للأمر فيكون لللافتة معنى آخر ……………و »الفاهم يفهم.

 

الاعتداء على لطفي حجي و حمة الهمامي:

تداولت وسائل إعلام كثيرة نبأ اعتداء الأمن التونسي على مراسل قناة الجزيرة الإلكترونية بتونس الصحفي لطفي حجي وعلى السيد حمه الهمامي الناطق باسم حزب العمال الشيوعي التونسي وذلك أثناء منع السيد لطفي حجي من حضور ندوة حول حرية الضمير والمعتقد التي نظمها التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات والحزب الديمقراطي التقدمي بمقر التكتل.

 

المحامون التونسيون يستضيفون الشاعر أحمد فؤاد نجم:

استضافت الهيئة الوطنية للمحامين الشاعر العربي أحمد فؤاد نجم بتونس وذلك يوم السبت  30 جوان المنقضي بنزل أفريكا بالعاصمة.

وأحيا رائد القصيدة العربية الملتزمة أول أمسية شعرية له بتونس بعد أن منعه نظام بورقيبة سنة 1984 من الدخول  إلى التراب التونسي في إطار محاصرته للفن الملتزم. وكان نجم عبر عن سعادته الكبيرة وهو يلتقي جمهور الأغنية الملتزمة الذي حضر بكثافة خصوصا وأن العرض كان مجانيا ومفتوحا للعموم.

 

تركيا تفتح تحقيقا حول ارتداء الحجاب:

يجري منذ أيام التحقيق مع  » جامعة بيلنكلت  » من طرف مجلس التعليم العالي وذلك على خلفية قبول إدارة هذه الكلية لابنة وزير الخارجية التركي عبد الله غول بحضور حفل تخرجها مرتدية للحجاب. ويتهم مجلس التعليم العالي الجامعة المذكورة بمخالفة القوانين الدستورية.

 

السلطة التونسية تحتجز رواتب 6 آلاف موظف:

في إطار المزيد من التضييق على المواطنين وتحصيل الأموال بشتى الطرق قامت السلطة التونسية باحتجاز ما يقارب 6 ألاف راتب شهري ابتداء من شهر جويلية الجاري وذلك بغرض استرجاع القروض الجامعية التي تسلمها هؤلاء أيام الدراسة. واعتمدت السلطات التونسية ممثلة في  » أمين المال العام  » بوزارة المالية في القيام بعملية الحجز على آلية الاعتراض الإداري. هذا ولم يصدر أمر قضائي يسمح للسلطات التونسية بالقيام بهذه العملية بالإضافة إلى أننا نتساءل لماذا لم يتم حجز ممتلكات الأفراد الذين تحصلوا على قروض بأرقام مهولة من البنك المركزي دون ضمان ولم يلتزموا بتسديدها.

 

محامون يمنعون بالقوة من الدفاع عن موكليهم:

 أمر قاضي الدائرة الجنائية الثانية بتعليق مرافعات عدد من المحامين الأسبوع الماضي وكلف القوى العامة بإخراجهم من القاعة فيما كان هؤلاء يقومون بمهمتهم في المرافعة والدفاع عن موكليهم الذين يخضعون للمحاكمة وفقا للقانون المتعلق بمعاضدة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب. وأكد العميد عبد الستار بن موسى أن هذه الممارسات تمثل اعتداء صارخا على حق رجال الدفاع وخرقا واضحا للاتفاقيات الدولية وللدستور ولأحكام المرافعات الجزائية طالما وانه يهدف على منع الدفاع من استكمال واجبه. وقالت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين في بلاغها الصادر يوم الجمعة 29 جوان المنقضي أن المحامي نور الدين البحيري منع من إتمام مرافعته عنوة عندما أشار إلى غياب ركن التوصيف القانوني للوقائع مما يبطل التهمة على موكليه إلا أن رئيس الجلسة قام بمنعه من مواصلة التعرض لقرار دائرة الاتهام وقرار ختم البحث ثم أمر أعوان الأمن في سابقة خطيرة بإخراجه بالقوة من قاعة المحكمة وهو ما جعل بقية المحامين يمتنعون عن الترافع إلى أن يتمكن زميلهم من إتمام مهمته. وقد عمد رئيس الجلسة إلى التصرف في محضر الجلسة بشكل غير قانوني عندما صرح بأن المتهمين امتنعوا عن الاعتذار وهو ما يتم فعله ثم حجز القضية للتصريح بالحكم. وقد أشار بلاغ الجمعية إلى خطورة هذا النوع من المحاكمات الفاقد لأبسط مقومات المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع بالنسبة لهؤلاء المتهمين المحالين بمقتضى هذا القانون الخارق للدستور.

 

المجلس الوطني للحريات يفتح أبوابه من جديد:

 

تمكن أعضاء المجلس الوطني للحريات يوم الاثنين المنقضي من الدخول إلى مقرّهم صحبة ضيوف أجانب وممثلين لمنظمات وجمعيات وطنية وإقليمية ودولية. فيما اكتفى العشرات من أعوان البوليس بالمراقبة بعد أن كانوا طيلة شهر ونصف كاملين يحتلّون البهو المؤدي إلى المقرّ. ولم نعرف بعد هل أن الأمر بإغلاق المجلس كان وقتيا وتم التراجع عنه أم أن البوليس التونسي وجد نفسه مضطرا للسماح بأعضاء المجلس بالدخول خوفا من مزيد افتضاح سلوكه أمام الضيوف الأجانب، علما وأن العديد من المنظمات الدولية والوطنية عبّرت عن مساندتها للمجلس الوطني للحريات وعن استيائها لسلوك السلطات التونسية غير القانوني وغير المبرّر.   

وكانت قوات البوليس السياسي قد أقفلت مقر المجلس الوطني للحريات منذ يوم 18 ماي الماضي ورفضت السماح لأعضائه بالدخول إليه تحت التهديد بالعنف والسجن. هذا ولم تستظهر أي جهة أمنية رسمية بما يثبت أن أمرا قضائيا أو قانونيا يدفعها إلى إغلاق المجلس.

 

إعتداء بالعنف على طالب سجين :

تعرض السجين علي بوزوزية منذ أيام إلى اعتداء بالعنف الشديد من قبل أعوان السجن المدني بالمرناقية. وأفادنا شقيق السجين الذي زاره الأسبوع الماضي أنه لاحظ أثار عنف على وجه شقيقه وعندما استفسر عن السبب أعلمه بأنه تعرض إلى الاعتداء من طرف الأعوان داخل السجن. هذا وتجدر الإشارة إلى أن هذا السجين هو طالب بالسنة الثالثة في اختصاص الإعلامية بكلية العلوم ببنزرت ويقضي فترة حكم بالسجن لمدة 6 أشهر بتهمة سرقة كتاب من المعرض الدولي للكتاب بتونس أواخر شهر أفريل الماضي.

وقد قضت المحكمة الابتدائية بتونس بسجنه فيما طالب أحد المحامين الحكم بعدم سماع الدعوى نظرا إلى طبيعة المسروق والغرض من عملية السرقة، علما وأن الكتاب الذي استولى عليه المتهم هو بعنوان « بؤس الفلسفة  » لكارل ماركس. كما أن تحديد موعد لجلسة الاستئناف في هذه القضية لم يتم بعد رغم أن مطلب الاستئناف تجاوز الشهر وتجدر الإشارة إلى أن رجال الأمن تعاملوا بقسوة وبمنطق كيدي مع هذا الطالب نظرا إلى نشاطه النقابي في صفوف الاتحاد العام لطلبة تونس.

 

(المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 26 بتاريخ 4 جويلية 2007)

 

 


 

الافتتاحية

بقلم المولدي الرياحي

بقدر ما يمعن خطاب السلطة في استخدام معجم حقوق الإنسان ومقومات دولة القانون والمؤسسات ومبادئ النظام الجمهوري يبدو واضحا للعيان أن ذلك مجرّد توظيف للدّوالّ والمدلولات سعيا للإيهام ـ في الداخل كما في الخارج ـ بأن العمل يوميّ ومستمرّ من اجل التغيير في العمق وإقامة أركان الدولة الديمقراطية الحديثة …

أما الواقع فيجري بما يقوّض الدال والمدلول معا ويؤكد أن عقلية الهيمنة على المجتمع هي التي تبقى سائدة بين الأمس واليوم وأن الهاجس الأساسيّ للسلطة يبقى العمل على مزيد كبح مكوّنات المجتمع المدنيّ… حتى لا يتغير أبدا شيء في العمق ويتواصل الاستفراد بالسلطة.

هذا الكبح يتواصل منذ سنوات على مستوى النسيج الجمعياتي الذي تبقى مكوناته ثابتة في الدفاع عن استقلاليتها وحرّية قرارها، بدءا بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي شلّ نشاطها منذ انعقاد مؤتمرها السادس في سبتمبر 2005، ومرورا بمنع عديد الجمعيات من أن ترى النور ـ على مختلف ميادين نشاطها وحتى عندما يكون ذلك النشاط علميّا محضا ـ ووصولا إلى منع انعقاد الندوة الفكرية التي كانت جمعية النساء الديمقراطيات تعتزم تنظيمها بطبرقة والتي كان من المفروض أن تنطلق أشغالها يوم 26 جوان الماضي.

على أن اللافت للنظر في الآونة الخيرة هو تصاعد ممارسات المحاصرة والعرقلة على أنشطة حزبي التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحرّيات والديمقراطي التقدّمي بدعوى أنها أنشطة تساهم فيها وتدعى إليها أطراف من أحزاب غير معترف بها وتتحرّك مع الحزبين المذكورين في إطار هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات، هكذا ـ وللمرّة الثانية ـ تصدّت قوّات الأمن بأعداد غفيرة للمدعوّين للمشاركة في ندوة فكريّة حول موضوع  » حرّية الضمير والمعتقد  » والتي نظمها الحزبان يوم الجمعة 29 جوان 2007، وواجهت العديد منهم باستعمال العنف المادّي واللفظيّ واقتادت بعضهم قسرا لإبعادهم عن مقرّ التكتل الديمقراطي مكان انعقاد الندوة.

إن السلطة بهذه الحلقة التي تنضاف على الحلقات السابقة والمتواصلة في تعسّفها على الأحزاب المعترف بها وضرب حقّها الطبيعي والقانونيّ في تنظيم تظاهرات فكريّة وسياسيّة عاديّة وحقّها المشروع في دعوة من تشاء لحضورها والمشاركة فيها لتكشف مرّة أخرى عن قبضتها الحديديّة التي تُحكمُها منذ سنوات على أنشطة مكوّنات المجتمع المدنيّ غير الموالية لها والمتمسّكة باستقلاليّتها، وهي بذلك تضرب في الصميم قيام أي حوار بنّاء في صلب المجتمع وتحول دون حقّ المواطنين المشروع في المشاركة في الحياة العامة والإسهام في الحوارات الوطنية، مما يؤكّد مرّة أخرى مدى انغلاقها عن المجتمع وحيويّته الطبيعية ويحمّلها أكبر المسؤوليات في سدّ الآفاق السياسية بالبلاد وتنامي مشاعر الإحباط لدى المواطنين وما ينذر به ذلك من عواقب، فكيف تراجعنا إلى هذا الحدّ عن مقولة  » إن الشعب التونسي جدير بحياة سياسية متطوّرة « ؟!

ومع ذلك يبقى على الأحزاب المؤمنة بالديمقراطية والحرّية أن تواصل اضطلاعها بدورها التأطيريّ والحضاري والتنمويّ إزاء المجتمع والمضيّ قدما في إرساء تقاليد الحوار الوطني .. فمن أجل ذلك وُجدَتْ وبذلك تَبْقَى. 

 

 (المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 26 بتاريخ 4 جويلية 2007)

 


 

ندوة حرية الضمير و المعتقد

 

نظم التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات و الحزب الديمقراطي التقدمي عشية الجمعة 29 جوان الماضي ندوة فكرية حول « حرية الضمير و المعتقد » قدم لها الأستاذ الدكتورعبد المجيد الشرفي و احتضنها المقر المركزي للتكتل.

ورغم إعلام الحزبين المسبق للسلطات المعنية بانعقاد الندوة فقد استعدت قوات كبيرة من الأمن بالزي المدني لإفشالها بأن حاصرت المقر المركزي للتكتل و سدت المنافذ المؤدية إليه وشكلت طوقا من حوله لمنع بعض الضيوف و المشاركين من الحضور.وأمام ثبات العديد من هؤلاء و تمسكهم بحقهم في المشاركة في الندوة واجهتهم قوات الأمن باستعمال العنف اللفظي والمادي وأبعدت بعضهم قسرا عن مقر انعقاد الندوة.

شارك في الندوة الأستاذ عبد المجيد الشرفي الذي قدم محاضرة في الموضوع تلتها مداخلات للأستاذ أحمد نجيب الشابي و السيد علي العريض والدكتور مصطفى بن جعفر. و كانت هذه المداخلات مشفوعة بنقاشات و تساؤلات قدمها مشاركون ممن سمح لهم بحضور الندوة.

  • الأستاذ عبد المجيد الشرفي:الإقرار بحرية الدين و المعتقد لا معنى له إذا كانت حدوده الحد من حرية الغير

في مستهل مداخلته أبرز الأستاذ عبد المجيد الشرفي أسباب طرح قضية حرية الضمير والمعتقد في تونس اليوم وأشار إلى القضية لا تثير اليوم اعتراضا لدى الإسلاميين في تونس الذين يؤمنون بهذه الحرية رغم أن مسالة حرية الضمير و المعتقد تعتبر من المسائل غير المحسومة لدى العديد من الأطراف الإسلامية في مختلف أقطار العالم .

وبين الأستاذ الشرفي بأن هذه المسالة تندرج ضمن صيرورة تاريخية لا يمكن أن نتجاهلها وأضاف بان الإسلاميين في تونس لديهم اعتراف واضح بهذا المبدأ إلا انه يوجد إشكال قائم لا يتعلق بالمبدأ في حد ذاته وإنما مرتبط أساسا بالاستتباعات الضرورية له.ويمكن الإقرار بان الإسلاميين في تونس قد قطعوا نصف الطريق إلا انه توجد عوائق وحواجز فكرية تمنعهم من مواصلته ،حواجز تتمثل بالأساس في نقطتين اثنتين: أولاهما الجهل وثانيهما الانتقاء.

  أما الجهل فهو واقع الأغلبية المطلقة من المثقفين الذين لا يعرفون من التاريخ الإسلامي سوى  بعض الجوانب مع تغييب أخرى.وأضاف الأستاذ الشرفي بان المشكلة بالنسبة للفكر الإسلامي المعاصر أنه مازال يخشى من كل جديد غير مسبوق و هو ما جعل المجتمعات الإسلامية المعاصرة تصاب بنوع من الانفصام وجعلها تعيش عوائق في مواجهة عديد الإشكاليات وأكد بان الذين يخشون من كل جديد هم لا يربطون بين الظروف إلا انه من الضروري أن يربط كل موقف فكري بظروف إنشائه وبالرهانات التي حفت به، والواقع أن العديد من هؤلاء الأشخاص مازالوا يتشبثون بالمرجعية العربية الإسلامية وكأن هذه الحضارة مازلت قائمة، فالحضارة التي نعيشها اليوم هي حضارة كونية و إن كانت  ذات مرجعية غربية.و أكد بان مسألة الضمير والمعتقد تبقى مسألة شخصية وخيارا فرديا  واستدل الأستاذ الشرفي عن ذلك ببعض الأحاديث و الآيات التي فيها إقرار بحرية المعتقد « من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ».

و بخصوص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال المحاضر أن المسالة مرت بمراحل عديدة في التاريخ الإسلامي إذ لها بعد سياسي في المرتبة الأولى، حيث رفضت الدولة الإسلامية أن تكون مسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اختصاص المسلمين عموما وتم تشكيل جهاز سمي ب »مؤسسة الحسبة « وكلف » المحتسب » بمهمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.وببسطه لبعض الأمثلة عن هذه المسالة، استخلص الأستاذ الشرفي أن مسالة حرية الضمير والمعتقد ليست مسالة مقبولة بصفة مطلقة.

في ختام مداخلته بين الأستاذ عبد المجيد الشرفي بأنه كلما تدخل شخص باسم الدين كي يفرض مسلّمة أو ثابتة فهو يحد من حرية الضمير و المعتقد وبأن الإقرار بهذه الحرية لا معنى له إذا كانت حدوده الحد من حرية الغير ولا يجب أن يتدخل أي شخص باسم الدين دون قراءة صحيحة للنصوص والتاريخ ولان النصوص وخاصة عند المتشددين بحرفية النص يؤدي مع الانتقاء إلى وضع محرج غير مريح وأضاف بان حرية الضمير والمعتقد مطلب نبيل ولكن تحقيقه لا يتم إلا عبر الإقرار بحرية التعبير غير المقيدة والتي تكسر حواجز فرضها فكر سلفي لا يؤمن بالعقل ولا بالتقدم.

 

  • الأستاذ احمد نجيب الشابي :حرية المعتقد هي الحق في الاعتقاد أو عدم الاعتقاد والحق في تبني دين من الأديان أو الخروج منه

 الأستاذ احمد نجيب الشابي استهل مداخلته حول تبيئة مبدأ حرية الضمير والمعتقد في الحضارة الإسلامية واعتبره مبعثا على القلق باعتبار انتماء هذه الحضارة إلى التاريخ وهو تبويب يضعنا في مواجهة مع النصوص ويبعث على عدم الارتياح وتكاتف الغموض الذي من شانه أن يولد تداعيات.

وفي رد على قاله الأستاذ الشرفي « بان الحضارة العربية الإسلامية ولت وهي تنتمي إلى التاريخ . »بين الأستاذ الشابي مخالفته لهذا الرأي وذكر بان الحضارة وهي نتاج ثقافي ومادي ولئن كانت الحضارة الكونية غربية المصدر وقدمت الكثير، فإن الحضارة الشرقية تعيش حالة استفاقة تدريجية .وأضاف الأستاذ الشابي أن الحضارة الإسلامية تأسست على عقيدة الإسلام أدت إلى نتاج ثقافي روحي ومادي عبر قرون طويلة فالثقافة هي التي تؤسس سلوك البشر وأكد بان قضية حرية الضمير والمعتقد يجب أن ننظر إليها بشكل خصوصي .

وعن دواعي طرح مسالة حرية الضمير والمعتقد في بلادنا اليوم ،أفاد الأستاذ الشابي بان هذه المسالة لم يسبق وان تعرض اليها احد منذ عقود طويلة وتحديدا منذ حادثة التجنيس التي جدت في ثلاثينات القرن الماضي ،ولعل نص الدستور التونسي في فصله الأول على أن »تونس دولة حرة مستقلة دينها الإسلام ولغتها العربية »وما جاء في الفصل الخامس من ان »الجمهورية التونسية تضمن حرية الفرد وحرية المعتقد وتحمي حرية القيام بالشعائر الدينية ما لم تخل بالنظام العام »،جعل الحياة الاجتماعية في بلادنا تسير على تلك السنة التحررية منذ ما يزيد عن نصف قرن دون مشاكل تذكر وأضاف المتدخل بان ظهور تيارات الإسلام السياسي في بلادنا والمنطقة العربية والإسلامية أثارت منذ مطلع السبعينات وفي الأوساط العلمانية واليسارية مخاوف من أن تحمل الدعوة إلى أسلمة المجتمع و الدولة مشروعا يصادر الحريات الأساسية وفي مقدمتها حرية الضمير والمعتقد.ولقد أثرت هذه المخاوف على العلاقة بين القوى السياسية المعارضة واستغلها الحكم ليبرر استئثاره بالسلطة وليعمق الشرخ وباتت تشكل عقبة في وجه توحيد الجهود من اجل إحلال بديل ديمقراطي تعددي عن نظام الاستبداد.

وأضاف الأستاذ الشابي بان بعض الظواهر التي ظهرت في المنطقة العربية وامتدت إلى الساحة التونسية غذت المخاوف وبررت طرح مسالة حرية الضمير والمعتقد وذكر من أهمها تنامي ظاهرة السلفية الجهادية التي برزت تجلياتها المسلحة نهاية السنة الفارطة في الضاحية الجنوبية للبلاد،كذلك مشاريع التنقيحات التي قدمها العديد من الأشخاص لتعديل بعض المواد القانونية كتعديل المادة 160من قانون العقوبات المصري المتعلق « بجريمة الردة « والذي جاء فيه »يعاقب بالإعدام شنقا من يرتد عن دين الإسلام بعد أن يستتاب ثلاثة أيام والمرتدة تستتاب فان تابت وإلا تنفى حتى تتوب ».كما رتبت المادة 186 من مشروع مدونة قانون العقوبات الكويتي « حد الردة بالقتل ».

وذكر الأستاذ الشابي بان إقرار هذه المشاريع لا يعد مهما بقدر ما يمثله وجودها من تهديد خطير لحرية الضمير والمعتقد في الفضاء الإسلامي.

وعن حكم الردة في الفكر الإسلامي الحديث بين الأستاذ نجيب الشابي بأنه وعلى الرغم من أن القران الكريم قد خلا من ذكر أي حد أو عقوبة   دنيوية جزاء الارتداد عن الإسلام وتركوا حساب الردة إلى الآخرة،فان الفقهاء من جميع المذاهب قد اجمعوا قديما على أن الردة حكمها القتل واستندوا في ذلك على ثلاث أو أربع أحاديث  دنيوية غير أن بعض المحدثين و منهم جمال البنا ومحمد سليم العوا وراشد الغنوشي لا يسايرون هذا الرأي ويؤكدون أن حكم الردة تأسس على أحاديث لم تبح الدم لمجرد تبديل الدين وإنما لاقترانه بجرائم أخرى كالقتل وان السنة النبوية لم يرد عنها قتل الرسول لمرتد واحد في حياته.

وفي ختام مداخلته ابرز الاستاذ احمد نجيب الشابي انه يجب أن نحدد معنى حرية المعتقد في عصرنا الحديث وهي كما توافقت الشرائع على تحديدها ،الحق في الاعتقاد أو عدم الاعتقاد والحق في تبني دين من الأديان أو الخروج منه والحق في الدعوة لعقيدته وفي إقامة شعائره كل ذلك في تساو مطلق مع الآخرين دون أن يؤسس ذلك أدنى تمييز في الحقوق والواجبات ودون المساس بالنظام العام للمجتمعات والتي تعد الحرية المكون الرئيس من مكوناته إلى جانب الأمن ،أمن المواطنين على حياتهم وأموالهم وأعراضهم.

 

  • الاستاذ علي العريض:تطور الشعب التونسي لا ينفصل عن مرجعيته الضارية العربية الاسلامية

مداخلة الأستاذ علي العريض حول موضوع حرية الضمير و المعتقد ألقاها عوضا عنه السيد محمد الحمروني نظرا لمنعه من حضور الندوة.وقد اعتبر السيد العريض أن مسالة حرية الضمير والمعتقد تعتبر قناعة خاصة ومظهر من مظاهر حرية الإنسان في اختياره لمعتقده.

وقد اعتبر الأستاذ العريض بان حرية الضمير والمعتقد تتنزل أساسا ضمن اختيار الإنسان كخليفة الله في الأرض وتكليفه أمانة السير على مناهج الهدى وتحميله مسؤولية اختياراته وقد أضاف بان حرية الضمير والمعتقد  ترفض مشروعية أي إكراه إذ قرر الوحي بخطاب صريح إن « لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي  » لما يعنيه ذلك من بطلان الإكراه على الدين بسائر أنواعه والاعتماد على التمكن والاختيار . و إضافة إلى رفضه الاكراه والسيطرة والفتنة فقد رفض الإسلام أيضا التقليد والانسياق الاتباعي واللاواعي.

وقد شملت المداخلة بعض ما ورد في المواثيق الدولية حول حرية الضمير والمعتقد كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة الثامنة منه و العهد الدولي الخاصة بالحقوق المدنية و السياسية (المادة 18) وإعلان الأمم المتحدة في 25جويلية 1981 (المادتان الأولى والثانية ) والميثاق العربي لحقوق الإنسان (المادتان 26 و27) والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981 (المادة 8) وإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام لسنة1990 (المادة الأولى).

أما الدستور التونسي فان الفصل الخامس منه فقد ضمن الحريات الأساسية في كونيتها و شموليتها وتكاملها وترابطها والجمهورية التونسية تضمن حرمة الفرد وحرية المعتقد وتحمي القيام بالشعائر الدينية ما لم تخل بالأمن العام . ورغم ذلك فان المنشور 108 مازال ساري المفعول رغم انه مناقض للدستور وللمواثيق الدولية وقد قضت المحكمة الإدارية بلا دستورية .

وذكر الأستاذ بان المسائل المتعلقة بالخيارات الفكرية والمعرفية والثقافية والأذواق مجالها الحراك الطوعي للمجتمع والتدافع الثقافي والفكري بين مكوناته نخبا وأحزابا وجمعيات وهيئات وليس مجالها تدخل السلطة والقانون,فالديمقراطية تقتضي اقل ما يمكن من التحكم من قبل الدولة والحرية هي التي تضمن للإفراد اختيار ما يرونه معبرا عن ذواتهم من عقائدهم وقيم وتضمن حق المجتمع في إدارة الحوار بين مكوناته مهما اختلفت فليس من مهام السلطة التدخل لفرض تصورات واجتهادات على الناس وإنما مهمتها تدبير الشأن العام في إطار احترام القيم العامة للمجتمع واحترام عقيدة مواطنيها .

وفي ختام مداخلته أكد الأستاذ علي العريض على اعتبار حقوق الإنسان الأساسية الفردية والجماعية ومنها حرية العقيدة والضمير لا وطن لها وإنما وطنها العالم كله واعتبر أن الانتماء للوطن هو الأساس الذي تقام عليه الحقوق والواجبات على اعتبار أن الجميع مشارك في بنائه وحمايته واعتبر أن تطور الشعب التونسي لا ينفصل عن مرجعيته الحضارية العربية الإسلامية وكل إصلاح ينبغي أن يأخذ هذه الحقيقة التاريخية في مضمونه ونسقه وأكد على أن الديمقراطية مسار لا كينونة وإن الشعب لا يحكم إلا بما يرتضيه وذلك جوهر الديمقراطية.

  • الدكتور مصطفى بن جعفر: الحرية الدينية حق من حقوق الإنسان الذي يقوم على مبدأ الاحترام.

اعتبر الدكتور بن جعفر حرية الضمير والمعتقد من المسائل التي تندرج ضمن الحريات الأساسية وهي من المبادئ العامة الضامنة لحقوق الأفراد وأكد أنه لا يكفي التذكير بهذه الحرية كمبدأ عام بل يجب تسجيلها في نص قانوني تشريعي ويبين بأن أسلوب المراوغة الذي لجأ إليه الذين صاغوا الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذين أكدوا في الفصل 12 على أنّ حرية المعتقد والفكر والتعبير مضمونة في إطار القانون إلا أنه وعلى مستوى التطبيق تنتفي هذه الحريات وأضاف الدكتور بن جعفر أنّه برزت من خلال ممارسات عديدة تناقض واضح بين ما حاول البعض فرضه على الآخرين بدعوى أنّه الإسلام أو أنّه من الإسلام وكثيرا ما جرّمت حرية الضمير والمعتقد ووجهت إلى المصرّيين على ممارستها تهمة  » الزندقة  » و  » الإلحاد  » والخروج عن طاعة أولي الأمر وبث الفتنة إلى ذلك من نعوت تكفيرية لا هدف منها غالبا إلاّ إسكات الصوت المخالف وإخضاع الرأي الحرّ.

وبين الدكتور أوجه الاختلاف بين حرية الضمير والمعتقد ومسالة التسامح الذي يعد فخا ومعضلة بما أنه ينطوي على عدم تساو بين مجموعات بشرية بحيث يكون في شكل تنازل أو هبة تمنحها مجموعة مسيطرة لأخرى تمثل أقلية. في حين أن الحرية الدينية حق من حقوق الإنسان يقوم على مبدأ الاحترام وهو حق يفترض المساواة الكاملة والمطلقة بين الأفراد وهو الذي يضمن الكرامة للجميع دون استثناء. وقد اعتبر الدكتور بن جعفر حرية الضمير والمعتقد تندرج ضمن منظومة متناسقة تميز بين ما يتعلق بالعقيدة وما يتعلق بتسيير الشأن العام ويكون ضمان هذه الحرية ضمانا لعدم اعتماد ديني أو إيديولوجي في ضبط العلاقات العامة بين أفراد المجموعة وفي ختام مداخلته اعتبر المتدخل بأن الغاية هي تجاوز الوضعية الدونية التي عاشها الإنسان طيلة قرون والقائمة على مبدأ الطاعة دون تفكير إزاء النظام السياسي أو السلطة الدينية أو العسكرية .

هذا وقد تخللت الجلسة عديد المداخلات والتساؤلات من  قبل المشاركين في هذه الندوة.

إيمان المدّاحي

    

(المصدر: صحيفة « مواطنون » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 26 بتاريخ 4 جويلية 2007)

 

تمهلي يا سيدة سلوى ..

 
محمود قويعة نشرت اليومية الالكترونية تونس نيوز على صفحاتها يوم 04 جويلية 2007 التكذيب التالي للسيدة سلوى الشرفي : « أعتقد أن المناوشات بيني و بين صابر التونسي قد أخذت حقها لذلك لن أعود إليها. و إنما استرعى انتباهي الرواية التي أوردها بخصوص الأستاذ محمد الشرفي حين كان وزيرا. و لمعرفتي بالرجل وبأخلاقه العالية و طريقة تعامله المتحضرة حتى مع خصومه استغربت أن يصدر منه ما روي عنه. واتصلت به لأستوضح الأمر فكذب تكذيبا قطعيا و جملة و تفصيلا الحادثتين، غير أنه لا يرى جدوى للدخول في نقاش حول هذا الموضوع مع أشخاص لهم القدرة على خلق وقائع من عدم. » وذلك في سياق ردها على الفقرة التالية للأخ صابر التونسي : المقصود تصريحا وليس تلميحا هو السيد محمد الشرفي « المناضل الحقوقي » المعروف والوزير السابق وليس لي مشكلة شخصية معه أو مع غيره وإنما مشكلتي أنه تنكر لذاته (المناضل الحقوقي) وبرر القمع والإستبداد ومارسه لتصفية خصومه السياسيين والإيديولوجيين وقد وافق هواه هوى من نصبه على الوزارة فكانت حرب الإستئصال التي كانت ضحيتها الأولى تونس بكل ألوانها ومجالاتها، وأكتفي بذكر نموذجين الأول يرويه الأستاذ محمود قويعة عضو المكتب التنفيذي السابق للإتحاد العام التونسي للطلبة في حواره مع الحوار نت لما سئل عما يعنيه له اسم محمد الشرفي : »علمت أن الرجل مريض ولا يسعني إلا أن أرجو له الشفاء والعافية ..وحين يتعافى قد تتوفر لنا فرص للحديث خاصة عن جلسة جمعت مكتبنا التنفيذي للاتحاد بالوزير الشرفي يوم 15 جانفي 1991 تصدر فيها سيادته المجلس مبررا اغتيال الطالب الشهيد صلاح الدين باباي رحمه الله ومدافعا عن قرار تجنيد الطلبة كعقاب ضد من يتجاوز القانون – حسب تعبيره – ». وأما الحادثة الثانية فمفادها أن أستاذا قبض عليه في قضايا النهضة ووجهت له تهمة الإنتماء ولكن المحكمة برأته ورغم ذلك ظل مطرودا من عمله ولما تظلم وتمكن من مقابلة السيد الوزير محمد الشرفي ليرفع عنه المظلمة قال له بأن هناك مجرمين محترفين يرتكبون الجرم ولا يتركون أثرا للقضاء ولكن « المسألة ما تتعداش علينا » ردّ الأستاذ المطرود من عمله على السيد الوزير مستغربا منه ذلك الموقف ومذكرا له بنضاله الحقوقي فما كان من السيد الوزير إلا أن اكتفي بالضغط على زرّ ليخرج له ثلاثة من حراسه « الجهامات » فيأمرهم بإلقاء الأستاذ خارج مكتبه… ليعمل فيما بعد حمالا عند بائع سمك وهو شيخ نحيف وهزيل!! وقبل الرد على تكذيب السيدة الشرفي أحب أن ألفت نظر سيادتها للملاحظة التالية : لقد أسأت يا سيدة سلوى للسيد محمد الشرفي إساءة كبيرة فقد أخرجت الرجل من صمت ربما يكون حميدا .. فحين لا يمتلك الانسان شجاعة الاعتراف بأخطائه وخطاياه يكون أضعف الايمان أن يلزم الصمت ويتوارى عن الناس والأضواء خجلا مما اقترفت يداه .. وكان ظني أن السيد الشرفي وقد خانته شجاعته فلم يقر بخطاياه فضلا عن الإعتذار لضحاياه فاختار في صحوة من عقل وضمير أن يصمت ويتحاشى الخوض في سيرة أيام الصولة والوزارة .. ولكنك يا سيدة سلوى خيبت ظني وأسقطت آخر أوراق التوت عن عورات السيد الوزير السابق … إليك النموذج الناصع التالي : كان السيد محمد بن ابراهيم – رحمه الله تعالى – ( إمام الجمعة – قبل وفاته – بجامع الفتح بالعاصمة ) أول مدير للمعهد الأعلى للحضارة الإسلامية بجامعة الزيتونة بعد ما سمي بإعادة الإعتبار لها وكنت كاتبا عاما لهيئة مؤسسة الاتحاد العام التونسي للطلبة بجامعة الزيتونة واتسمت علاقتي بالرجل في أغلب فترة إدارته بالتوتر والتصادم .. وبعد إعفائه من الإدارة شاءت قدرة الله تعالى أن ألتقي الرجل بدون سابق ميعاد قرب جامع سيدي البشير بباب الفلة واستوقفني الشيخ الفاضل وحياني بألطف التحايا وفاجأني بإعتذاره عن طريقة إدارته للمعهد وأثنى على نضالات طلبة الزيتونة وأسر لي ببعض ما تفطن إليه من مؤامرات تحاك ضد الزيتونة وهويتها الإسلامية ورسالتها العلمية والحضارية وقال لي أنكم – يقصد طلبة الزيتونة – أكثر وعي وبصيرة بما يدور حولكم أما نحن فـــ ( طلعنا طيبين وعلى نياتنا ومانا فاهمين شيء ) … الإقرار بالخطأ والإعتذار يزيد الرجال رفعة وسموا .. والعكس صحيح يا سيدة سلوى … اختارت السيدة سلوى الشرفي عنوانا مستفزا يفتقد اللياقة والأدب فاتهمتني وأخي صابر برذيلة الكذب .. ولو فعلت ذلك بعد التحقيق والتحري لهان الخطب ولكن السيدة سلوى التي تدرس طلبتنا علوم الإخبار والصحافة قرأت رد الأخ العزيز صابر فاتصلت بالصادق الصدوق الوزير السابق فسارعت إلى صفحات تونس نيوز لتعلن بثقة ويقين اننا كاذبون بل أننا بارعون – كما صرح سي محمد – في خلق الوقائع من عدم … رويدك أيتها السيدة .. وبدون إطالة أنصحك بالعودة للوزير السابق واسأليه : ما الذي يكذبه سيادته تكذيبا قطعيا وجملة وتفصيلا في الخبر الذي أورده السيد صابر التونسي على لساني عن الجلسة التي جمعت المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للطلبة يوم 15 جانفي 1991 بالسيد الوزير السابق؟؟ هل ينفي سيادته جملة وتفصيلا اجتماعه بأعضاء المكتب ( 13 عضو وكلهم أحياء والحمد لله) في ذلك اليوم ؟؟ هل ينفي معاليه أن طالبا تونسيا مرسما بكلية العلوم بصفاقس اسمه صلاح الدين باباي عرف بتميزه وتفوقه الدراسي قتل رحمه الله تعالى بدم بارد برصاصة في رأسه ؟؟ هل ينفي سيادته أن عشرات من طلبة الجامعة التونسية في ظل وزارته السنية عوقبوا بالتجنيد في صحاري البلاد بعد أحداث فيفري 1990 ؟؟ هل يريد معاليه أن يقنعنا أنه لم يبرر قتل شاب تونسي لأنه خرج مع اخوانه لمساندة أهلنا في العراق ابان حرب الخليج الثانية ؟؟ أو ربما يفاجئنا بأنه احتج على تلك الجريمة وطالب الحكومة التي هو عضو فيها بفتح تحقيق وبمحاسبة الجناة ؟؟ أو ربما يعلمنا اليوم أن سيادته استقال من تلك الحكومة احتجاجا على تلك الجريمة وعلى جريمة تجنيد طلبته في صحاري الجنوب وأن الذين لهم القدرة على خلق الوقائع من عدم نجحوا في إخفاء هذه الحقيقة عن الرأي العام طوال هذه السنين ليشوهوا صورة المناضل الحقوقي الأشم السيد محمد الشرفي ؟؟ أو لعله يفيدنا اليوم أنه وحده من أقنع الرئيس فأمر بتسريح كل الطلبة المجندين في لقائه بأميننا العام عبد اللطيف المكي بقصر الرئاسة في ربيع عام 90 ؟؟ يا سيدة سلوى .. والدي رحمه الله تعالى علمني مثلا شعبيا بليغا ( إذا المتكلم مهبول السامع يلزمو يكون عاقل ) فأين عقلك وأين عقلانيتك ؟؟ ثقي أيتها السيدة وليثق القراء الكرام أن السيد محمد الشرفي لم يصدقك القول عندما نفى نفيا قاطعا ما ورد في مقالة لأخي صابر التونسي .. وإذا أردنا أن نحسن الظن بالرجل نقول أن ذاكرته في مثل سنه ربما لم تسعفه بتذكر مثل تلك التفاصيل فنفاها !!! ولتنشيط ذاكرة السيد الشرفي أذكره بالكلمات التالية:  » نحن نعمل كحكومة متضامنة ووزارة الداخلية معي .. وأرجو أن لا يتكرر هجوم الطلبة على الشرطة  » !! … ذاك بعض ما ورد على لسانك تبريرا لقتل الشهيد صلاح الدين باباي رحمه الله تعالى .. هل تذكرت ؟؟ وإذا طلبت المزيد زدناك .. وللسيدة الشرفي في الأخير أقول : أيتها السيدة الموضوع يتصل بدماء سفكت وأعراض انتهكت وحقوق ديست ولا يتحمل منك ولا من سواك كل هذا النزق والخفة فانتبهي ولا تقبلي لنفسك دور محامي الشيطان … وللسيد الشرفي أهمس : والدي رحمه الله تعالى أخبرني أن ولدا سأل أباه ( وقتاش نوليو شرفا ؟؟ ) فأجابه والده : ( وقتلي يموت كبار الحومة ) … محمود قويعة

تصحيح حول مقالة الصباح التونسية: تونسي يحيل زوجين على الإنعاش بسبب الضجيج

هكذا تحولت العاصمة السويسرية من بارن إلى جينيف بفضل تحول 07 11 1987 {تاريخ الإنقلاب الذي حصل من الرئيس الحالي ليحمل مشعل محاربة الإسلام من سابقه} ورد في جريدتكم بتاريخ يوم 10 07 2007 ما يلي : « جدت وقائع هذه القضية بالعاصمة السويسرية جينيف  » إن عاصمة سويسرا هي بـــــــــــــــــارن ويطلق على جينيف مجازا العاصمة السياسية وعلى مدينة زوريخ العاصمة الإقتصادية، لكن العاصمة هي بـــــــارن كنت أستحي من نفسي لِما قد يصدر مني من أخطاء عند كتابتي لبعض المواضيع رغم أنني لم أتخرج من كلية صحافة ولا علوم أخبار زدت يقينا أن جيل الصحفيين في تونس الذين تلمع مقالاتهم في أعمدة الصحف هناك في ظل النظام الحالي هم من يتوشحون الوشاح الأحــــــمر {أنصار الحزب الحاكم في تونس} دون الإلتفات لمستواهم الثقافي، أما الصحافيون مثل الأستاذ عبد الله الزواري فهم مهمشون ملاحقون، ولم يسلم من ذلك حتى من لم ترتبط أسماءهم بتيارات إسلامية مثل الأستاذ عبو محمد المنصف قاره زوريخ في 25 جمادى الثانية 1428 الموافق 10 07 2007م —————————– ولقد تلقت جريدة الصباح في تونس نسخة مما نشر أعلاه عن طريق الفاكس ——— ملاحظة: ما بين { } لم تتضمنه النسخة المرسلة لصحيفة الصباح التونسية بل وقع إضافة ذلك للتوضيح لغير التونسيين.

 

بسم االله الرحمن الرحيم

البحث الأول :نظام  الحكم في الإسلام نشأة و صيرورة

 

 

الفصل الأول:  محمد رسول  الله صلى الله عليه و سلم المؤسس الأول للدولة الإسلامية :

الحلقة  الأولى : الإطار العام للموضوع :

 

تقديم  :  عرف   النظام    السياسي   للحكم  في الإسلام  بنظام   الخلافة , و هو  نظام  يؤمن  بالسيادة العليا لله و رسوله  التشريعية والقانونية .   فالخلافة  نائبة عن  الحاكم  الحقيقي الذّي هو الله   سبحانه , و سلطاتها   محدودة  بتلك الحدود و الأحكام   التّي  حددها الشارع الحكيم  صاحب السلطة الحقيقية  سواء كانت هذه السلطة  تشريعية   أو  قضائية  أو تنفيذية  .  فالله   خالق  هذا الكون و خالق الإنسان و سائر المخلوقات  التي سخرها لخدمة  هذا  الكائن المتميز  الإنسان  الذي كرمه الله و أراده   أن يكون خليفته في هذا العالم  المشهود  [ وعد الله الذّين آمنوا  منكم  و عملوا الصالحات  ليستخلفنهم  في الأرض كما استخلف الذّين من قبلهم   و  ليمكّننّ  لهم دينهم الذّي ارتضى لهم     و ليبد لنّهم من بعد  خوفهم  أمنا     يعبدونني لا يشركون  بي    شيئا   و من كفر  بعد   ذلك  فأولئك  هم الفاسقون ] 1 .     إن   صفات   الحاكمية  وما  ينتج عنها من سلطات  هي مجتمعة  في يديه  سبحانه    و ليس في هذا  الوجود  من قوة  مهما علا شأنها  قادرة أو مؤهلة  لا  من  قريب  ولا    من  بعيد  لتحمل هذه الصفات  أو تنالها  مجتمعة أو متفرقة .   فهو وحده  قاهر لكل شئ , و مسيطر على كل شئ ,  و عليم بكل شئ , منزه عن  الخظإ   و النسيان و العيوب  …………, لا معقب لحكمه  و لا يسأل عما يفعل  , و ما   عداه ، كلهم ، سيسألون  عما يفعلون و يصنعون.     يقول الله عز و جلّ:[  و هو القاهر فوق عباده وهوالحكيم الخبير] 2 و يقول سبحانه:[ هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء و الأرض ]3 ‘ و غير ذلك من الآيات   البيّنات  المحكمات  التّي تبيّن   بكل وضوح أنّ الما لك الحقيقي  هو الله  و أنّه  وحده  صاحب السلطة الحقيقية  و لا ينكر  ذلك إلا مكابر جاهل و عنيد كفّار. و نتيجة لهذا التصور و بناء عليه ‘ فإنّ الطاعة الدينيّة و القانونية لا تكون أصالة إلاّ لله  وحده خالصة  له دون سواه‘ و لا يحق للإنسان ‘عبدالله‘ أن يترك هذا القانون ‘ليتبع قوانين  وضعية ناقصة بطبعها أو يتبع شرعة ذاته و ميولاته. يقول الله تعالى:[ ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فآتبعها و لا تتبع أهواء  الذّين لا يعلمون ] 4 و يقول سبحانه:[ و تلك حدود الله و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه] 5 ‘ و غير ذلك من الآيات  التي تفيد بأنّ الطاعة لا تكون أصالة إلاّ لله و رسوله.  يقول العلاّمة ابن خلدون في تعريف نظام الخلافة 🙁 …فهي في الحقيقة  خلافة عن صاحب  الشّرع في حراسة الدّين و سياسية الدّنيا به…..) 5

ولقد أجمع جمهور العلماء قديما على أنّه لا بدّ من إمام يقيم الجمع و ينظم الجماعات ،و ينفذ الحدود ، و يجمع الزّكوات من الأغنياء ليردها على الفقراء، و يحمي الثغور،و يفصل بين الناس في الخصومات بالقضاة الذين يعينهم ، و يوحد الكلمة،و ينفذ أحكام الشرع  ويلم الشعث ويجمع المتفرق ،ويوحد الكلمة،و يقيم المدينة الفاضلة التي حثّ الإسلام على إقامتها  .

 

و هذا القانون ‘ أو هذه الشريعة التّي  أمر الله النّاس بآتباعها  ليس هناك  من وسيلة لفهمها و تبليغها للعالمين و نشرها بينهم  و خاصة عند البعثة سوى رسول الله صلى الله عليه و سلّم ‘فهو وحده المؤهل لتبليغ أحكام الله و شرائعه إلى النّاس كافة على

الوجه الصحيح و المطلوب كما نزلت و كما أرادها الله بلا تحريف و لا تأويل فاسد.

فالصحابة ‘كانوا ‘ يستفيدون أحكام  الشرع  من القرآن الذّي يتلقونه عن الرسول (ص) ‘وكثيرا ما كانت تنزل آيات القرآن مجملة غير مفصلة ‘أو مطلقة غير مقيدة‘ كالأمر بالصلاة ‘جاء مجملا لم يبين القرآن عدد ركعاتها و لا هيئتها و لا أوقاتها‘و كالأمر بالزكاة ‘ جاء مطلقا  لم  يقيد بالحد الأدنى الذي تجب فيه الزكاة‘ و كذلك كثير من الأحكام التّي لا يمكن تنفيذها دون الوقوف على شرح ما يتصل  بها من شروط و أركان و مفسدات‘ فكان لا بد من الرّجوع  إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم  لمعرفة الأحكام معرفة  تفصيلية  وعملية . فالرسول هو المبلغ عن ربه ‘وأدرى الخلق بمقاصد شريعة الله و حدودها و نهجها و مراميها .7   يقول الله تعالى :[و أنزلنا إليك الذكر لتبين للنّاس ما نزل إليهم من ربهم   ولعلهم يتفكرون ]8 .  وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أوتي القرآن و الحكمة ليعلم النّاس أحكام دينهم .  قال الله تعالى [ لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم  يتلو عليهم آياته و يزكيهم و يعلّمهم  الكتاب و الحكمة  و إن كانوا من قبل لفي ضلال مبين]9  .   و قد ذهب العلماء إلى أنّ الحكمة هي  شئ  آخر غير القرآن  ‘ و قالوا هي السنة . و قد روى أبو داود عن المقدام بن معد يكرم عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قوله 🙁 ألا إني أوتيت  الكتاب و مثله معه). فالرسول صلى الله عليه و سلم   هو الممثل  لحاكمية  الله في حياة الناس ‘ و طاعته من طاعة الله [ و من يطع الرّسول فقد أطاع الله]10 ] يقول سبحانه :[فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم  حرجا مما قضيت و يسلموا تسليما ]11  و يقول :[وما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا]12

فالصورة المثلى  و الشكل المناسب لحكومة البشر في التصور القرآني هو أن تسلّم الدّولة بسيادة الله و رسوله القانونية و الدّينية ‘فتكون حقيقة  الخلافة ‘كنظام سياسي ‘هي خلافة بالوكالة عن المالك الحقيقي ‘لأن كل ما يناله الإنسان في حياته من خيرات  و قدرات  و طاقات  أنّما هي هبات ‘ و عطايا من عند الله تكرّم  بها  المولى

 على  عباده لينظر ماذا هم فاعلون فيها ‘ و ذلك لأن الإنسان مهما ملك ‘فإنما هو مالك على سبيل المجاز و بالوكالة ليس إلاّ. يقول الله تعالى :[ و إذ قال ربك للملائكة  إنّي جاعل في الأرض خليفة…]13 و يقول عزّ من قائل:[و لقد مكّنّاكم في الأرض و جعلنا لكم فيها معايش…]  14

و نظام الخلافة ‘هذا‘  لا يمكن أن  يعدّ  خلافة شرعية صحيحة  إذا لم يتبع أحكام  المالك الحقيقي ‘ الذّي هو الله‘و يلتزم بآتباع  أوامره و باجتناب نواهيه و الوقوف عند  حدوده . أمّا نظام الحكم الذّي  يعرض عن طاعة الله و الإلتزام  بشرائعه  فهو  ليس نظاما إسلاميا ،بالمفهوم السياسي، و إنّما هو نظام  في  جوهره تمرد    و انقلاب  على صاحب السلطان الحقيقي‘ يقول الله تعالى [ هو الذّي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره و لا يزيد الكافرين  كفرهم   عند ربهم  إلاّ  مقتا  و لا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلاّ خسارا]15.            ّ

و إذا كانت هذه إجمالا حقيقة   النظام الإسلامي، أو ما عُرف تاريخيا بنظام الخلافة ‘ فما هي طبيعتة و خصائصه  التي أرسى دعائمها الأولى محمد بن عبدالله ‘عبدالله  و رسوله ‘ صلى الله عليه و سلم ؟

 

 مصطفى عبدالله الونيسي

باريس/فرنسا

  

المراجع:

1)سورة النّور:آية 55

2)سورة الأنعام : آية 18

3)سورة فاطر: آية  3

4)سورة البقرة:آية229

5)سورة الطلاق:آية 1

6)مقدمة ابن خلدون ص      دار إحياء التراث العربي /بيروت.لبنان /الطبعة الرابعة

7)د.الشيخ مصطفى  السباعي/السنّة و مكانتها في التشريع الإسلامي ص53/المكتب الإسلامي /بيروت /ط4/1985

8)سورة النحل: آية44

9)آل عمران:آية164

10)النساء:آية 80

11)النساء:آية65

12) الحشر :آية7

13) البقرة :آية 30

14) الأعراف : آية10 

15)فاطر آية 39

 


بسم الله الرحمن الرحيم

مواقف عمرية (5)

 
د. محمد الهاشمي الحامدي إلى الدكتورة سلوى الشرفي، تقديرا لردها الكريم، وتفاعلا مع ما طرحته من أسئلة وأفكار. * * * قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: « لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني! وقد علم إن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة. وإن الله تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض، وتلا قول الله تعالى: « فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله كثيرا واذكروا الله لعلكم تفلحون ». وهذه فائدة عظيمة لشبابنا الباحث عن وظيفة وعمل ومصدر رزق. لا تقعدوا عاجزين في انتظار وظيفة في مؤسسة حكومية، فإن أغنى الدول في العالم لم تعد قادرة على توظيف خريجيها. ولا يكن أيسر ما تفكرون فيه ركوب البحر والأمواج العاتية للوصول إلى سواحل أوروبا. ولكن فكروا في كل مصدر آخر من مصادر الرزق الحلال. غامروا بتأسيس مشروع صغير. جربوا العمل في التجارة. ولا تيأسوا أبدا. إن بعد العسر يسرا. وكلما ضاقت فرجت بعون الله. * * * بعد عرض الموقف العمري الخامس، أرغب أن أقول الآتي: ليس في الإسلام مواقف مخجلة أبدا. صدقيني يا دكتورة سلوى. أما سلوك مسلمي هذا العصر، فنقاط الضعف الكبيرة الرئيسة فيه ليست تعدد الزوجات ولا ختان الإناث ولا العنف العائلي. إنها في المقام الأول: الإستبداد السياسي. ثم: الإستبداد السياسي وغياب الديمقراطية. ثم: الإستبداد السياسي وغياب الديمقراطية. ثم: الإستبداد السياسي وغياب الديمقراطية. ثم: الإستبداد السياسي وغياب الديمقراطية. ثم عدم بذل المال والجهد اللازمين لاكتساب ناصية العلوم المعاصرة. د. سلوى: أرجوك أن تتكرمي بالبحث في نسب العنف ضد المرأة في المجتمعات غير العربية، وستجدين أنها أعلى بكثير. وانظري أيضا في أشكال الإستغلال الجنسي للمرأة والمتاجرة بها جسدا بحتا يثير الشهوة والغريزة. ستجدين هذا السلوك متفشيا في المجتمعات غير العربية أضعافا مضاعفة. ابحثي في الانترنت، رجاء، عن نسب تفشي العنصرية وكراهية الأجانب ومعاداة السامية. ستجدين هذه الظواهر متشرة أضعافا مضاعفة في المجتمعات غير العربية. أرجوك أن تتعاملي مع أسئلة الأجانب بهذا الأسلوب مرة واحدة، ولو على سبيل الإختبار الإفتراضي. اسئلي من سألتك عن عنف النساء، عن الموضوعات التي أشرت لها آنفا، ثم اسأليها أيضا عن كل هذه الظواهر التي حدثت في القرن العشرين: 1 ـ في أية حضارة، وفي أية مجتمعات، قتل ستة ملايين يهودي لأنهم مخالفون في الدين؟ هل حصل ذلك في تونس، أو مصر، أو أفغانستان، أو إيران، أو السعودية؟ أم في مجتمعات أخرى يريد بعض أفرادها أن يشعروك بالخجل من دينك وحضارتك أيها المربية الفاضلة المبجلة؟ 2 ـ في أية حضارة، وفي أية مجتمعات، لقي السود أشد العناء، وألوان التمييز العنصري المنظم المعترف به قانونا، وكانت المطاعم تقفل أبوابها في وجوههم هم واليهود؟ هل حصل ذلك في تونس، أو مصر، أو أفغانستان، أو إيران، أو السعودية؟ أم في مجتمعات أخرى يريد بعض أفرادها أن يشعروك بالخجل من دينك وحضارتك أيها المربية الفاضلة المبجلة؟ 3 ـ في أية حضارة، وفي أي مجتمعات، لقي نظام التمييز العنصري المتسلط في جنوب أفريقيا الدعم السياسي والمالي والأخلاقي؟ وفي أي حضارة، وأية مجتمعات، اعتبر الزعيم نيلسون مانديلا إرهابيا يستحق العزل والمقاطعة هو وأنصاره؟ هل حصل ذلك في تونس، أو مصر، أو أفغانستان، أو إيران، أو السعودية؟ أم في مجتمعات أخرى يريد بعض أفرادها أن يشعروك بالخجل من دينك وحضارتك أيها المربية الفاضلة المبجلة؟ 4 ـ في أية حضارة، وفي أية مجتمعات، اعتبر نضال الشعب الجزائري من أجل الأستقلال إرهابا؟ وأية قيم حضارية وفلسفية جعلت تكلفة الحرية للجزائريين مليونا ونصف مليون من الشهداء؟ من كبت أشواق الجزائريين للحرية يا دكتورة سلوى؟ هل هي تونس، أو مصر، أو أفغانستان، أو إيران، أو السعودية؟ أم هي دول أخرى يريد بعض مواطنيها أن يشعروك بالخجل من دينك وحضارتك أيها المربية الفاضلة المبجلة؟ 5 ـ من هي الدولة التي اعترف زعيمها قبل ثلاث سنوات، في خطاب علني نقلته وسائل الإعلام العالمية كلها، أن سياستها على مدى الأعوام الستين الماضية بنيت على مبدأ دعم الديكتاتورية الإستبداد في الدول العربية والإسلامية؟ هل تعرف المناضلة النسوية التي سألتك عن العنف ضد النساء جواب هذا السؤال؟ وهل تدرك صديقتك هذه الفرق بين تجاوزات اجتماعية يعالجها القانون وتنشر تفاصيلها صفحات المحاكم والحوادث في الجرائد، وبين العنف المتعمد بحق ملايين الناس من أجل أن يبقوا عبيدا خاضعين للبطش والإستبداد؟ 6 ـ د. سلوي: هل تعرفين من هي الدول والمجتمعات التي تمتنع عن القيام بالحد الأدنى من الإجراءات لحماية البيئة، دفاعا عن مصالح شركاتها، وغير عابئة بالأخطار الهائلة التي تهدد مئات الملايين من الناس بالفقر والجوع والموت؟ هل هي تونس، أو مصر، أو أفغانستان، أو إيران، أو السعودية؟ أم هي دول أخرى يريد بعض مواطنيها أن يشعروك بالخجل من دينك وحضارتك أيها المربية الفاضلة المبجلة؟ الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، من عند الله الواحد الأحد، يمنع مجتمعاتنا العربية والإسلامية من التورط في جرائم العنصرية، والإبادة الجماعية، والكراهية ومعاداة السامية، وتقديم الكسب المادي على سلامة الكرة الأرضية، ودعم الإستبداد وسياسات إذلال الشعوب من أجل مصالح أمنية وظرفية. هذه هي كبائر عصرنا يا دكتورة سلوى الشرفي. وضحاياها من البشر يعدون قريبا من مائة مليون بشر. والإستعمار لم ينته. والعنصرية لم تنته. ومعاداة السامية لم تنته. وسياسات تخريب البيئة لم تنته. وسياسات دعم الحكومات المستبدة لم تنته. أين من هذه الكبائر صغائر الخلاف حول تعدد الزوجات وختان البنات؟ علما أن تعدد الزوجات يعتبر في الواقع خيارا استثنائيا قليل الإنتشار حتى في الدول التي تسمح بتعدد الزوجات، أما ختان البنات فعادة فرعونية أدانها مفتي مصر وحرمها. د. سلوى: الحقَّ الحقَّ أقول لك، إن من حقك وحقي وحق كل مسلم أن يرفع رأسه مفتخرا بأن دينه، دين العدل والمساواة والحرية، صانه وصان شعوب الإسلام على مدار الزمان من أن تتورط في أي من الأعمال الشنيعة التي أشرت إليها في هذا المقال. لذلك آمل أن تتخلي نهائيا عن لغة القلق والحرج بالمسلمين وتراث الإسلام. العالم كله في حاجة لقيم دينك يا دكتورة سلوى، من أجل كسب المعركة ضد العنصرية، وضد كراهية الآخر، وضد معاداة السامية، وضد الإستبداد واضطهاد الشعوب، وضد الجشع الرأسمالي الذي يهدد بتخريب البيئة وتدمير الكرة الأرضية. بين يديك القرآن الكريم. نور أضاء قلوب الملايين وأركان الدنيا. يهدي للتي هي أقوم. تطمئن به قلوب الباحثين عن الحق والسعادة. فابذلي بعض جهدك، بعض وقتك، في نشر أنواره لطلابك، وقرائك في تونس وفي العالم. وليس ذلك بغريب على من تربت في بيت من بيوت النضال الوطني التونسي، وعلى قريبة لزعيم من زعماء الكفاح الوطني، أولئك الذين قدموا أعمارهم رخيصة من أجل أن تبقى تونس حرة عربية مسلمة أبد الدهر. والسلام عليك دوما، ورحمة الله وبركاته.

دعوة قناة المستقلة وإجراء ثلاث حلقات تلفزية بلندن

 
بقلم: الدكتور عبد الجليل التميمي منذ أكثر من ثلاثين سنة, تبنينا استراتيجية بحثية قضت بتفعيل حركة البحث العلمي لعديد التخصصات في العلوم الإنسانية والاجتماعية. وقد وفقنا تماما في منهجنا العلمي بحيث أصبحت مؤسستنا أولى المختبرات العلمية لكل ما يتعلق بالدراسات العثمانية عن الإيالات العربية في العالم العثماني, ثم هي تعد من أهم المختبرات عن الدراسات الموريسكية الأندلسية عبر العالم أيضا. كما قامت المؤسسة بإنشاء قاعدة معلومات وبيانات سمعية بصرية عن الذاكرة الجماعية الوطنية, عندما دعونا أهم الشخصيات السياسية والنقابية والثقافية وكل التيارات الفكرية اليسارية منها والعروبية والبعثية وغيرها. كما بادرنا بتنظيم سيمنارات حول دور المناطق والجهات في الحركة الوطنية والتي تنوسيت تماما, ولم يقع الاهتمام بها حتى اليوم. كما قامت مؤسستنا أيضا بتنظيم عشرات المؤتمرات حول إشكاليات تعد حتى اليوم, من المحرمات المطلقة والتي لا تجرؤ المؤسسات الرسمية على معالجتها وحتى إثارتها في النقاش مثل ملف الرقابة, وهو ما يعد علامة بارزة على استقلالنا العلمي والإداري والبحثي. كذلك توج هذا النشاط بنشر 158 عنوانا بعدة لغات و3 دوريات أكاديمية, أقدمها على الصعيد المغاربي هي المجلة التاريخية المغاربية التي أطفأت شمعتها 34. فأين هي المؤسسات الحكومية وحتى الخاصة التي نجحت في تسجيل مثل هاته الإنجازات العلمية الأساسية ؟ وهذا هو السبب الذي كان وراء قيام  د. الهاشمي الحامدي صاحب القناة التلفزية « المستقلة » بدعوتي إلى لندن وتسجيل ثلاث حصص حول التخصصات الثلاثة التالية : الدراسات العثمانية ثم الموريسكية وتاريخ الحركة الوطنية. وقد سعيت بكل أمانة أن أقف عند هاته المحطات الثلاث, وأدلى بأهم النتائج التي توصلنا إليها منذ أكثر من 30 سنة من العمل الدؤوب. وكانت ردود الفعل من خلال المكالمات التي أجريت يومها, عندما تم التنويه بهاته الإنجازات البحثية, ولشد ما كنت متأثرا جدا بمكالمة الإخوة الأفاضل د. محمد عبد الله آل زلفة (من المملكة العربية السعودية) ود. فاضل بيات (من العراق والمقيم بعمان) ود. أحمد القديدي (من تونس والمقيم بباريس) وبرهان بسيس من تونس, هذا فضلا عن أخ يمني أخذ الكلمة لينوه عاليا بما حققته المؤسسة للعلم العربي, والجميع يعتبرون إنجازات المؤسسة, مكسبا عربيا بامتياز. وأحب بهاته المناسبة أن أشكر الأخ الفاضل د. الهاشمي الحامدي الذي أخذ هاته المبادرة الجريئة والتي لم يسبقه لها أحد حتى اليوم, للتنويه بمؤسستنا الأكاديمية التي شرفت الأمة العربية, دون دعم فاعل من المؤسسات أو المراكز أو الشخصيات العربية أو الأجنبية, في حين تخصص الميزانيات الخيالية من الأموال العربية لبعض المؤسسات والمراكز الدولية والأمريكية والبريطانية بصفة خاصة, ولا نود أن نثير تداعيات ذلك على أمتنا. كلمة أخيرة نوجهها إلى وسائل الإعلام السمعية البصرية التونسية وحتى العربية, والتي تتغافل وتتجاهل هاته الأنشطة العلمية التي أنجزتها مؤسستنا, وهو موقف بائس ومشين ولا يشرفها على الإطلاق. شيء من النزاهة يا أيها القائمون على القنوات السمعية البصرية ووزارة الثقافة وكذا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي, في الوطن العربي, وهي المتغافلة عما أنجزته هاته المؤسسة الأكاديمية الخاصة لإشعاع البلاد العربية وموقعتها موقعا متقدما جدا على صعيد الخريطة الدولية ! ـ المصدر: نشرية البحث العلمي في العلوم الإنسانية، العدد 41، جوليلة 2007
 

عن الرقابة، إذ تصبح ذاتية، « فعلا حرا »…

    

 
  د. سلوى الشرفي     في قديم الزمان، و حتى إلى سنوات قريبة، كان السلطان أو رئيس الدولة يأمر بقطع لسان كل من يتجرأ على التطاول على شخصه ونقد أفعاله. أما اليوم، ومع التطور الذي عرفه علم النفس، تجاوز السلاطين هذه الطريقة الوحشية المفضوحة وعوضوها بطريقة أقل بربرية وأكثر فعالية تتمثل في قطع الألسن رمزيا، وذلك تارة عن طريق إصدار قوانين جائرة وطورا عبر الترهيب وفبركة الملفات الأخلاقية والسياسية. بل ذهب بعضهم حد منع الحق في الصمت، وهو يدخل ضمن الحق في التعبير، وذلك بإجبار المواطنين على التصويت في الانتخابات والاستفتاءات. وقد عايش الإنسان هذه الظاهرة منذ بدء الخليقة. وما قصة خروج آدم من الجنة سوى تعبير رمزي على ما يمكن أن يتعرض له الإنسان المتمرد على قرارات قوة عظمى. وبعد قصة آدم عرفت الإنسانية واقعتي قتل الفيلسوف الإغريقي سقراط وإخماد صوت العالم الإيطالي غاليليو بتهمة مخالفتهما للمعتقد السائد. و يمكن اعتبار تراجع غاليليو أمام المحكمة ممارسة للرقابة الذاتية بهدف الدفاع عن النفس. و يعبر القول الطريف والبليغ ، للكاتب الفرنسي « بومارشيه » في مسرحيته الشهيرة « عرس فيغارو »، والتي يعود إلى أكثر من قرنين، عن ظاهرة الرقابة والرقابة الذاتية بدقة. يقول كاتبنا:  » قيل لي أنه تم وضع نظام في مدريد يسمح بحرية بيع المنتوجات، بما فيها تلك المتعلقة بالإنتاج الصحفي. وأنني إذا ما تفاديت الحديث في السلطة والدين والسياسة و الأخلاق والماسكين بالسلطة والسفراء والأوبرا وبقية الحفلات وأي كان يهتم بأي شيء، يمكن لي طباعة كل ما أريد وبحرية تامة، تحت نظر اثنين أو ثلاثة مراقبين ». وهكذا حيث ما وجد السلطان، سياسيا كان أم ماليا أو دينيا، وحيث ما وجدت الامتيازات والمصالح الكبرى، وجدت الرقابة وبالتالي الرقابة الذاتية. ويصعب على أي كان الإدعاء بأنه لم يخضع لممارسة الرقابة الذاتية. كما لا توجد إلى اليوم دولة أو مجتمع يقر بحرية مطلقة للتعبير، فجل الحكومات في العالم تلجأ إلى هذا السم الناعم لإخماد صوت المعارضين والفنانين والصحافيين. ويكفي إلقاء نظرة على قوانين المطبوعات أو القانون الجنائي في دول العالم الثالث أو « البتريوتيك أكت » الصادر في الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر، للتأكد من أنه لا يمكن الجزم بوجود شعب يتمتع بحرية الفكر والتعبير كما حددتها مختلف مواثيق حقوق الإنسان. ففي بلاد ديغول الذي كان يستنكر تلجيم المثقفين ويقول: « هل يعقل وضع فولتير في السجن ؟ »، حكم سنة 1991 بالسجن على مثقفين معارضين لمشاركة بلادهم في الحرب على العراق. كما يمنع القانون الفرنسي تكذيب « حقيقة جرائم الإبادة الجماعية ضد اليهود من قبل النازيين » ويمنع القانون الأساسي الألماني استعمال الرموز النازية مثل الصليب المعقوف. وتمنع العديد من الدول الأوروبية نشر أفكار الكراهية بسبب الميول الجنسية للفرد. وفي بولنده تعتبر الإساءة إلى الكنيسة الكاثوليكية جريمة يعاقب عليها القانون. أما في الولايات المتحدة الأميركية فقد تم إخماد صوت السفير « ولسن »، الذي كذب سنة 2003 معلومة استيراد العراق لمادة اليورانيوم النيجري، بتسريب معلومات للصحافة تفضح هوية زوجته التي تعمل في المخابرات (سي آ إيه) و هو فعل يسقط تحت طائلة القانون. فالرقابة، هي إذن في حدّها الأدنى، فعلُ إعاقة لحرية التعبير، وفي حدّها الأقصى فعلُ تعطيل تام لهذه الحرية، وهي في الممارسة العملية، حق تصرّف في حق طبيعي من حقوق الإنسان تمنحه سلطة ما لنفسها أو لمن يمثلها. كما تختلف حدود حرية الرأي والتعبير من بلد إلى آخر. و هو ما يفسر اختلاف المقاربات الصحفية والفكرية لمواضيع تعتبر حلالا هنا وحراما هناك. ويفسر هذا الاختلاف، خاصة مع عولمة الإعلام، تعدد الصدامات بين الشعوب حول مفهوم حرية التعبير. لغة التقية أو اللغة التي تقول و لا تقول و في ما يتعلق بممارسة الرقابة الذاتية، و هي الوجه الآخر للرقابة، فمن خاصياتها أنها تحوّل منحى تدخل الرقابة من شكله السلبي الموجّه ضد حرية التعبير إلى شكل ايجابي متسقٍ مع هذه الحرية. أما المؤشر الأساسي للرقابة الذاتية فيتمثل في السكوت عما يجب قوله. المسكوت عنه فمنذ ثلاث سنوات كان المشهد الأخير من أوبرا  » إيدوميني » أو » أوبرا موزارت » التي قدمت على ركح أوبرا مدينة برلين، يتضمن إخراج ثلاث رؤوس من كيس يقطر دما. و كانت هذه الرؤوس تمثل كلا من بوذا و المسيح و الرسول محمد. لكن في شهر نوفمبر2006 تم إلغاء عرض المسرحية برمتها خوفا من ردة فعل عنيفة من طرف المسلمين، مشابهة لتلك التي حصلت بعد حادثة نشر صور كاريكاتورية للرسول محمد من طرف صحيفة دانمركية. و في شهر أكتوبر2006 امتنع أهالي قريتين إسبانيتين عن تمزيق مجسمات عملاقة تمثل الرسول محمد، كما كانوا يفعلون سنويا خلال الاحتفال التقليدي بعيد « العرب والمسحيين ». و قد أكد الأهالي أنهم تخلوا عن هذه العادة طوعا بعد الذي حصل في الدانمرك. و خلال الانتخابات الرئيسية الفرنسية لسنة 2007، وتحديدا في الدورة الثانية ، لم تقم زوجة « نيكولا سركوزي » الرئيس الحالي، بواجبها الانتخابي، وصمت الإعلام الفرنسي عن الحادثة. و هو أمر مختلف عن صمت الإعلام الفرنسي عن معلومة تتعلق بالحياة الخاصة للرئيس الفرنسي الأسبق « فرانسوا ميتران » التي تتمثل في إنجابه لطفلة خارج العلاقة الزوجية. فحين يصمت الصحفي عن خبر يهم عموم الناس، يكون قد لبس من تلقاء نفسه كمامة الرقابة الذاتية. وحين يمتنع الناس عن القيام بعمل لا يمنعه القانون يكونون قد استبطنوا فعل التحريم المفروض بالترهيب. فقسوة العقاب المسلط على كل من يتجرأ على مخالفة السلطان، سياسيا كان أم اجتماعيا، تجعل الناس يستبطنون هذا المنع حد الاقتناع به أحيانا وإعادة إنتاجه دون تدخل مباشر من السلاطين. و أعترف أنني أقوم، و بكامل إرادتي ووعيي، في هذه المقالة التي تتحدث عن الرقابة و الرقابة الذاتية، بمراقبة لساني. أعترف بهذا التقصير استباقا لما يمكن أن يوجه إلي من لوم تجاه صمتي على بعض حالات الرقابة. يعتبر الصمت إذن المؤشر الأساسي على ممارسة الرقابة الذاتية. غير أن المسكوت عنه ليس أخرس. فالقارئ الفطن يمكنه اكتشاف البياض الموجود في النص، وذلك عبر الربط بين المعلومات المقدمة حول موضوع ما والمعلومات السابقة التي بحوزته. واليوم، و بفعل الفضائيات وتعدد مصادر المعلومات، أصبح من اليسير اكتشاف ما يتم السكوت عنه. ولا تقتصر ظواهر الرقابة الذاتية عن المسكوت عنه، بل تتجلى كذلك في تقنيات قولية أخرى يمكن أن نجملها تحت تسمية لغة التقية. ويكفي للتأكد من ذلك القيام بمقارنة ما يكتبه الصحفيون بما يقولونه في مجالسهم الخاصة أو ما ينشره غيرهم في وسائل إعلام أخرى. و تتمثل الأساليب الأخرى للغة التقية في:
اللغة الخشبية وهي لغة تتستر بعموم اللفظ، من خلال استعمال عبارات من مثل « البعض » و « أولئك اللذين » و « بعض الأفعال » أو « في مكان ما » و « لا نعرف السبب » و أيضا « لا نملك معلومات عن كيفية حصول الأمر »… و كلها تقنيات قولية تسمح بتفادي تسمية الأشياء بأسمائها عندما تكون ممنوعة. و يحد هذا الأسلوب الأجوف من دقة الخبر ووضوحه إن لم يفقده معناه. فمقومات الخبر تفرض الإجابة على أربعة أسئلة على أقل تقدير، تتعلق بالفعل والفاعل وبالمكان والزمان وكذلك بالسبب والكيفية إذا رمنا مزيدا من الدقة. التلطيف و يتمثل على سبيل المثال في تسمية الفيضانات غيثا نافعا والإصابات البليغة جروحا، و السلب والقتل أعمال شغب. الأسلوب الساخر و المعروف أن الصحيفة الساخرة الفرنسية « الكنار أنشينيه » اختارت هذا الأسلوب كطريقة للإفلات من الرقابة. كما رأينا كيف تمكن الكاتب الفرنسي الساخر « بومارشيه » من التنديد بالرقابة دون أن يسقط تحت طائلة القانون. غير أن هذا الأسلوب لا يسمح في كل الحالات باستجلاء المعنى. فهو يتطلب درجة معينة من الذكاء لدى المتلقي لكي لا يقرأه في مستواه الأول فيأخذه مأخذ الجد وينقلب بذلك المعنى تماما. التضمين وهو فعل قول غير مباشر يتمثل في وجود الفكرة من خلال التعبير عنها بطريقة غير قولية. وهو غير المسكوت عنه المتمثل في البياض التام. و تتجلى تقنية التضمين في الحركات ونبرة الصوت والصور والأمثولة والأمثلة والإيحاء. و أتذكر أننا كنا نندد، في مقالاتنا، بغياب الديمقراطية في تونس، من خلال التنويه أو حتى مجرد الإعلام عن ممارسات ديمقراطية في بلدان أخرى، خاصة من العالم الثالث (تخلي سنغور عن الرئاسة في السنغال مثلا حبر فيها الصحافيون ما حبروا في صيغة التلميح) ويمكن حوصلة هذه الأساليب في أنها تنتج لغة تقول ولا تقول. وهي طريقة تتضمن قدرا من النفاق يمكن أن يقضي على مصداقية المتكلم في حالة المبالغة في استعملها. ثم إن التبليغ بهذه الوسائل يعوق، في كل الحالات، عملية التواصل ويجعله منقوصا. ولا تسمح هذه الممارسات في تأسيس أكثر من مجرد علاقة لا ترقى إلى مستوى التواصل السليم. فالتواصل لا يبنى بمجرد إنشاء علاقة عمودية بين الباث والمتلقي من خلال الاقتصار بمده بالمعلومات، فما بالك إذا كانت هذه المعلومات غير سليمة أصلا. فحتى الناس الذين يتبادلون الشتائم يتبادلون معلومات. وفي عملية تبادل المعلومات تكون المعلومة أهم من الإنسان أما في عملية التواصل فيكون الإنسان أهم من المعلومة. يتطلب التواصل إذن احترام ذكاء المشارك في عملية الاتصال. كما يمكن لهذه الظاهرة إنتاج أشخاص غير أسوياء نفسانيا، لأن الإنسان الذي يخضع للرقابة الذاتية يرفض عادة الاعتراف بذلك ويدعي أنه يقوم به بمحض إرادته وبهدف حماية المجتمع، بل حدث أن أكد العديد « أنهم لم يعرفوا » بوقوع بعض الجرائم أو التجاوزات، وهو ما يسمى، في علم النفس، بالإنكار حيث يرفض عقل الإنسان قبول حقيقة فظيعة. و هو ما حصل مع الشعب الألماني خلال الحكم النازي، وهو ما يحدث لبعض مدمني الكحول الذين ينكرون إدمانهم بشدة ويرفضون الخضوع للعلاج. ويصف فرويد، المريض بالنكران بكونه إنسانا منقسما إلى شقين. فجزء منه ينكر الحقيقة والجزء الثاني بعترف بها. إنه شكل من أشكال الرقابة الذاتية التي لا تتحرر سوى في الأحلام أو تظهر في شكل كسل ذهني وعجز عن الإبداع أي عن الاستثمار في التفكير. فالإنكار يعد من أخطر انعكاسات الرقابة، إذ يحوّل منحى تدخل الرقابة من شكله السلبي الموجّه ضد حرية التعبير إلى شكل ايجابي متسقٍ مع هذه الحرية. ومصدر هذا المظهر المتوافق مع الحرية، أن الرقابة في هذه الحالة لا تصدر عن هيئة منظّمة أو زاجرة خارجية، وإنما عن « أنا » الكاتب العليا؛ فكأن الكاتب يمارسها « بكامل حريته ». كما تساهم الرقابة الذاتية في القضاء على التعددية الفكرية وبالتالي على حرية الرأي والتعبير. فهي تنتج وسائل إعلام متشابهة في محتواها إلى حد كبير. وعادة ما يكون المجتمع شاهدا على واقعة أو حقيقة تسكت عنها وسائل الإعلام فيؤدي تكرار هذه الممارسة إلى شعور المظلوم بالضيم وشعور المواطن بهضم حقه في الإعلام ويؤدي التراكم إلى الانفجار في شكل عنيف. و قد أشارت « سيمون فيل » إلى خطورة الأمراض الناتجة عن كبت الأصوات والمعلومات، منذ عام 1942 حين كانت بصدد الاشتغال على مشروع الدستور الفرنسي لما بعد الحرب، وعبرت عن ذلك بالقول: » تعد الحرية المطلقة للتعبير حاجة أساسية للذكاء البشري. كما أنها حاجة نفسية. لأن وجع الذكاء يولّد وجع الروح ». (المصدر: موقع الأوان، منبر العقلانيين العرب، تصفح يوم 9 جويلية 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=1030&Itemid=25

 

إضاءات مغاربية على مسألة التجديد الإسلامي في معناها وسياقاتها

احميده النيفر   ظلّ مفهوم «التجديد» في الأدبيات العربيّة المعاصرة من المفاهيم «القَلِقَة» سواء أُضيف إلى الإسلام أو إلى الفكر الديني. اتضح ذلك منذ أن ظهر في الثلث الأوّل من القرن العشرين ما عُرف في المشرق بالمعركة بين القديم والجديد التي أُصيب جراءها المفهوم بوصمة استهجان ورفض. كان الرافعي من أشهر الفاعلين في حملة تنديديّة تعمل على «إسقاط البدعة الجديدة التي يريد دعاتها تجديد الدين واللغة والشمس والقمر». لم تُفلح محاولة البعض، بعد ذلك، في إعادة الاعتبار إلى مفهوم التجديد بربطه بعبارات أكثر استساغة مثل «الإصلاح» و «الاجتهاد». لقد بقي التجديد هامشيّاً لا يفارقه الغموض المفاهيمي وذلك لعوامل عدة من أهمّها: – شبهة الترابط بين التجديد والابتداع الذي وقعت مقاومته قديماً وحديثاً. – اقتران المفهوم بالتحديث الأتاتوركي في معاداته الإسلام عقيدةً وحضارة. – إعراض المؤسسات التعليمية الإسلامية عن أيّ تجديد مفاهيمي أو تراكم معرفي. أدّى هذا الوضع إلى ضرب من الاتفاق على أن «الإسلام لا يُجدَّدُ ولا يتجدد لأنه ليس فكرة إنسانية بل هو منهج إلهي». في الفضاء المغاربي الحديث عرف التجديد مسيرة مختلفة عمّا عرفه في المشرق لحرص عدد من المفكّرين المغاربة على تقليص مساحة الالتباس التي اكتنفته في محنة تيهٍ مفاهيمي شأنَ مفاهيم أخرى كـ « التقدّم» و «الحداثة» و «العَلمانيّة». لتفسير هذه الخصوصيّة المغاربيّة ينبغي التذكير بأن الموقع الجغرافي – الثقافي لهذه المنطقة كان ذا أثر في الفكر قديماً وحديثاً. ظلّ المغرب – كالأطراف الأخرى للعالم الإسلامي – في بُعده عن «المركز» بكلّ رمزيته وقدسية معالمه وزخمه الحضاري متأرجحاً بين إعادة إنتاج المركز في معارفه ونُظمه ومعاييره وبين محاولة التفرّد والحرص على التميّز. تأكّدت هذه الخصوصيّة في العصر الحديث مع نخب مغاربية كانت في احتكاكها بالحضور الأوروبي تتدرّج في وعيها نحو تصوّر جديد للعالم. بدأ ذلك مع المغاربة الذين شدّوا الرِحال إلى ما وراء البحار ليعودوا وقد ألحّت عليهم مشاهداتهم تطالب بمراجعة التقسيم القديم للعالَم إلى دارَيْن متدابرتين. تحقّق ذلك مع بيرم الخامس التونسي في «صفوة الاعتبار» الذي أثبت فيه أنّ السفر إلى أوروبا « لا يخدش من عدالة المسلم أو يسقطها». تواصل الأمر مع الإصلاحيين المغاربة نهايةَ القرن التاسع عشر وبداية العشرين فكانوا في إدراكهم للمساعي التوسّعية الأوروبية موقِنين أنَّ العالَم قد انخرط في سياق جديد الفيصلُ فيه رهانٌ على قيم التمدّن والمعرفة. من الإقرار بتفـوّق «الآخر» الأوروبـي الحـديث كان الإصلاحيون المغاربة لا يـتـرددون في تجـذيـر مقـولة الارتــفـاع من درجة المدنيّـة الدنـيـا إلى الدرجـة العـليـا والتي لا تـتـحقّق إلاّ بالارتـفـاع العام للمجتمع في شكل يبلّغه مستوى الحضارة الكونية. هذا الاعتراف بالآخر قاسمٌ مشترك لرجال الإصلاح المغاربة على رغم الصراع السياسي ومخاطر الاستلاب الثقافي. كانوا في ذلك ينجزون قطيعة كاملة مع جهود الحركة السلفية المشرقيّة في معالجتها الداخلية لانحطاط المسلمين. في هذا نقرأ لـ «سالم بوحاجب» التونسي قولَه: «إني بعد أن تأملت تأملاً طويلاً في أسباب تقدم الأمم وتأخرها جيلاً بعد جيل بما تصفحته من التواريخ الإسلامية والإفرنجية… التجأت إلى الجزم بما لا أظن عاقلاً من رجال الإسلام يناقضه من أَنَّا إذا اعتبرنا تسابقَ الأمم في ميادين التمدّن وتحزّب عزائمهم على فعل ما هو أعوَدُ نفعاً لا يتهيأ لنا أن نميّز ما يليق بنا إلا بمعرفة أحوال من ليس من حزبنا… فإن الأمر إن كان صادراً من غيرنا وكان صواباً موافقاً للأدلة… فلا وجه لإنكاره وإهماله». ذات التوجّه نجده عند ابن باديس في مقال بعنوان: أيها المسلم الجزائري: «هاك وصايا نافعة، … احذر من التوحّش فإن المتوحّش في عصر المدنيّة محكوم عليه بالتناقض ثم الفناء والاضمحلال كما فنيت جميع الأمم المتباعدة عن التمدّن والرقيّ… وكن عصرياً في فكرك وفي عملك». أما علاّل الفاسي فيذهب في فصل من كتابه «النقد الذاتي» إلى: «أن الذي غمر غالبية الناس هو انقسام المجتمع إلى فريقين: واحد يرى أن كل ما فعله القدماء أو فكّروا فيه هو الصحيح الذي يجب أن يُشايَع ولذلك فهو يفقد الثقة في كل ما لم تأت به الأوائل… وآخرون طغت عليهم رغبتهم في الجِدّة والابتكار فأصبحوا يؤمنون بأن كل ما نُقل من الماضي يجب أن ينقرض… أساسُ الغلط هو الخلط بين العصرية أي البحث عن الجديد والمعاصرة وهي إدراك المُجدي في الجديد والقديم… يجب أن نمضي قُدماً مستنيرين بعقولنا التي لم تقيّدها أسباب القلق المعاصرة لندرس كل ما في الغرب مقتبسين ما هو صالح لانبعاثنا». ثم كان استقلال الأقطار المغاربية منتصفَ القرن العشرين إعلاناً عن مشروع حداثي لا يختلف عمّا اعتمده الإصلاحيون في القول بـ «وحدة التاريخ» التي تلتقي فيها مختلف الشعوب من حيث قدرتها على تمثّل حركة التقدّم الإنساني. بهذا الحرص على مواجهة الإخفاق التاريخي الكبير للمسلمين تأكّد القول إن العناصر الذاتية لم تعد مؤهّلة وحدَها للإجابة عن الأسئلة الجديدة. لكن هذا الطور أفرز تياراً فكريّاً سياسيّاً تحديثيّاً مُلِحاً على قطيعة تاريخية بين النخب ومجتمعاتها ومع الداعين إلى تحصين الهوية الثقافيّة. نتيجة لهذا، جاء التجديديون المغاربة يتجاوزون تلك العقلانيّة الجامحة المقتصرة على نقل الحضارة دون الاقتدار على المساهمة في صنعها بالعمل على إعادة بناء قيم الثقافة الحديثة من دون قطيعة بين النخب وتاريخها. ذلك ما سمّاه هشام جعيط: «ثورةً على العقلانية البدائية والذهنية المعادية للدين بصورة نسقية». إنّها نهاية رحلة شكّ النخب المغاربية في موروثها الثقافي. بهذه المرحلة الثالثة المفصلية اكتسب «التجديد» دقّة مفاهيمية يمكن تحديدها بأنّه: – القطع مع الطرح السلفي ووعيه المتماهي مع ذاته بالانفتاح على «الآخر» المختلف سياسياً وحضارياً ودينيّاً باعتماد الأثر المعرفي للعنصر الخارجي. – التخلي عن فكرة توقّف مصير مجتمع على نظام اجتماعي وسياسي تاريخيّ بما يعني أنّ الأزمة ليست في الواقع فقط بل في فكر ذلك الشعب أيضاً. – التأسيس لوعي بديل يتجاوز منهج الوصف بما يكشف العلل التي حكمت مؤسسات الماضي وفكرَه معرّياً القوانين التي صاغت الظواهر والوقائع السالفة. بهذه العناصر أضحت إشكالية التجديد مُثَنّاة: هي تمثّلٌ لتاريخية التراث وقراءته من الخارج ثم العَوْدُ إليه من الداخل قصد إحداث تغييرات فكرية وواقعية. تلك هي المثاقفة التي تستوعب معارف ومنظومات وقيم جديدة لمزيد التفرّس في الذات والتعمّق في خصائصها. بذلك اتضح التجديد الإسلامي بدلالته الجدلية المزدوجة: رفض التقليد بنوعيه التحديثي والتراثي وما ينجم عنهما من قطيعة وإنتاج للمعرفة نفسها. عندئذ أمكنت إعادة الاعتبار إلى مفهوم التجديد بفضل جهود نخب مغاربية معاصرة كان أبرز من مثّلها: مالك بن نبي ثم محمد عزيز الحبابي في المغرب الأقصى وأخيراً مع هشام جعيط في تونس. – حرص بن نبيّ على التواصل مع الفكر الحضاري ونظرية الدورة الحضارية الخلدونية من دون تردد في الانفتاح على فلاسفة غربيين محدثين كانت لهم مقولات مهمّة في فلسفة الحضارة. – أمّا الحبابي فقد اعتبر أن العقل النقدي للحداثة في حال أزمة وأنّ هذه حال عامة تتطلّب انعتاقاً من الركود في الحقل الأهلي ومن أزمة العدمية في الحقل الغربي. إنّها «تشيئة الشعوب والأجيال بحضارة التصنيع ومواكبة فلسفات ترسّخ شعوراً باليأس أو تتبنّى توجّهاً ذرائعياً يزيد الفوارق الاجتماعية عمقاً». من ثَم برزت عنده مقولة «النموذج الشخصاني»: المجاور لمجال «جاذبية الخط الديني المتعالي لأجل المصالحة بين المتدين وغير المتديّن». – يكمّل جعيط هذه الرؤية حين يعلن أن تجديد الشخصية العربية ينبغي اعتماد عَلمانية غير معادية للإسلام، ذلك أنّ الإسلام «هو الذي أنار طفولتنا وكان أوّل دليل لنا على الخير واكتشاف المطلق». ما يعنيه بالعَلمانيّة ليس تلاعباً «بالإسلام والتستّر بقناع الإصلاح إنما هي وضع حدود يقع فيها الاعتراف بالعلاقة الجوهرية بين الدولة وعناصر السلوك الأخلاقي والاجتماعي وبنية الشخصية الجماعية والعقيدة الإسلامية». التجديد عنده لا يمكن أن يتمّ «على حساب الدين إنّما يقع في الوقت نفسه بواسطة الدين وفي الدين ومستقلاً عنه». ما تلا ذلك من مراجعات في الفضاء المغاربي مع الجابري وأومليل ويفوت وطه عبدالرحمن وأركون والطالبي والمرزوقي والإسلاميين التقدميين وألفة يوسف وغيرهم اعتمد إرساء علاقة مع التراث بمناهج معاصرة. هذه الجهود على اختلافها مدينةٌ لما شرع فيه محمد إقبال أوّلُ المجددين في الطرف الآخر من العالم الإسلامي: حين عمل على إعادة تركيب الفكر الديني بما يفضي إلى تقديم تفسير جديد غير إيديولوجي لمقولة «الإسلام صالح لكل زمان ومكان». إنّه الوعي ضمن وحدة الزمن التاريخي بما يتيح للنخب العربية والمسلمة أن تبحث ضمن الدائرة الفكرية العالمية عقائدَها وخطوطَها الفكرية فتجعلها نتاجاً إنسانيّاً ومفاهيمَ عالمية. باحث تونسي
 
(المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 7 جويلية 2007)


اليسار الماركسي اللينيني ومقاومة الامبريالية في الظرف الراهن

 

نص مداخلة الرفيق حمه الهمامي الناطق الرسمي باسم حزب العمال في الندوة التي نظمها حزب « النهج الديمقراطي » المغربي يومي 30 و31 مارس 2007.

 

1- في مطلع التسعينات عندما انهار الاتحاد السوفياتي وسائر بلدان الكتلة الشرقية، وفي غمرة احتفاء القوى الرأسمالية والامبريالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الحدث الهائل، تمّ الإعلان أن « نظاما عالميا جديدا » سيحلّ محل « النظام القديم« ، نظام القطبين المتصارعين على الهيمنة على العالم وأن الأزمات الاقتصادية والصراعات الطبقية وسباق التسلّح وكذلك الثورات والحروب لن يكون لها مكان في « النظام العالمي الجديد » الذي سيكون « واحة سلام وحريّة وديمقراطية وانسجام » يسود داخلها « النمو والازدهار والتوزيع العادل للثروات« . وسرعان ما ظهرت في هذه الأجواء بعض النظريات معلنة « نهاية التاريخ » ومعها « الانتصار النهائي » للنظام الرأسمالي الليبرالي الذي سيكون « آخر نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي تعرفه البشرية في تاريخها » لأنه « الأنسب لها » و » الأقدر على إشباع حاجات الأفراد الماديّة والمعنويّة » بين ما اعتبرت الاشتراكية « قوسا » أغلق أو « انحرافا » في مسار التاريخ قوّم.

لكن خمس عشرة سنة من عمر هذا النظام العالمي الجديد كانت كفيلة لإبراز زيف تلك الادعاءات فقد تبيّن للعمال والشعوب في كافة أنحاء العالم بما في ذلك في البلدان الرأسمالية المتقدمة أو الكبرى أن « النظام العالمي الجديد » بمحتواه المتمثل في « النيوليبرالية المعولمة » لا يعني شيئا غير اشتداد قبضة الاحتكارات الكبرى متعددة الجنسيات والطغم المالية ومن ثمّة حفنة من البلدان الرأسمالية والمؤسسات الدولية الخاضعة لها (البنك العالمي، صندوق النقد الدولي، المنظمة العالمية للتجارة…) على مصائر العالم. وقد زادها انهيار الاتحاد السوفياتي صلفا وغطرسة وأطلق مخالبها في كل الاتجاهات، وهو ما تولد عنه تكثيف غير مسبوق لوتائر الاعتداء على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للعمال والكادحين ونهب البلدان التابعة وإخضاعها وإثارة للحروب والنزاعات العرقية والطائفيّة وتطور قوى اليمين المتطرّف المعادي للحريات والديمقراطية والعنصري وعودة إلى الحروب الاستعمارية على الشاكلة القديمة وتدمير الثقافات المحليّة والطبيعة والمحيط وتهديد مصير الأجيال القادمة من الإنسانية.

2- كان من نتائج النظام العالمي الجديد أن تعمّقت الهوّة على الصعيد الدولي بين قطبي الثروة والفقر ناهيك أن الـ20% من الناس الأكثر غنى في العالم استأثروا بـ86% من الناتج العالمي الخام عام 1998 بينما لم يتجاوز نصيب الـ20% الأكثر فقرا الـ1%. وفي نفس السياق انتقل الفارق في المداخيل على المستوى العالمي من 1 إلى 30 سنة 1960 إلى 1 إلى 60 سنة 1990 ثمّ إلى 1 إلى 74 سنة 1997. ومن المؤكد أن كل هذه النسب قد تفاقمت خلال العشرية الأخيرة باعتبار أنه لم يطرأ أي جديد لمواجهة الاختلالات الحاصلة والحدّ منها. ولا يمكن أن تكتمل الصورة إلاّ إذا أضفنا بعض الأرقام الأخرى. من ذلك مثلا أن نصيب بلدان « الجنوب » (أي البلدان التابعة) من الثروة العالمية نزل في ما بين 1980 و1989 من 29% إلى 24.4% رغم أن عدد سكان تلك البلدان زاد ملياري نسمة خلال هذه الفترة، كما أن 54% من سكان العالم يعيشون بأقل من دولارين في اليوم الواحد و22% منهم بدولار واحد وهو الحد الأدنى المطلق للفقر، هذا دون ذكر معدلات الأميّة والبطالة المفزعة. أخيرا وليس آخرا لا بد من الإشارة إلى أن الإنتاج السنوي للمجموعة البشرية أصبح منذ سنوات عديدة يغطّي 110% من حاجات سكان المعمورة أي ما يكفي وزيادة لسدّ حاجات الإنسانية جمعاء. وهو ما يعني أن الفقر والجوع في العالم ليس سببه نقص الإنتاج ولكن سيطرة حفنة من الأثرياء على ثمرة مجهودات المليارات من البشر لأن هذه الحفنة تتحكم في وسائل الإنتاج الرئيسية وبالتالي في توزيع تلك الثمرة.

3- إن اشتداد احتكار الثروة في « النظام العالمي الجديد » مرتبط أشدّ الارتباط باشتداد سيطرة الاحتكارات الرأسمالية على الاقتصاد العالمي. ففي منتصف التسعينات من القرن العشرين مثلا، أي بضع سنوات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كانت 4 آلاف من الاحتكارات ذات الأنشطة العالمية و250 ألف فرعا من فروعها، علما وأن 1% فقط من الاحتكارات يسيطر على 30% من الإنتاج العالمي، كما أن 5 احتكارات فقط لها أنشطة صناعيّة تستأثر بما بين 50% و70% من السوق العالمية في مجال نشاطها (محروقات، صناعة الصلب، إلكترونيك، طيران، وسائل اتصال…). ومن المعلوم أن عمليات « الاندماج » (fusions) والشراء (acquisitions) فاقمت ظاهرة الاحتكار وهو ما أدى إلى أن حفنة من مجموعات رأس المال أصبحت تجلس على قمّة الاقتصاد في البلدان الرأسمالية المتقدّمة وبالتالي في العالم.

إنّ اشتداد قبضة الاحتكارات على الاقتصاد العالمي ليس فيه أي منفعة لا لهذا الاقتصاد بشكل عام ولا حتّى لاقتصاديات البلدان الصناعية المتطورة التي تعاني من الركود ومن الأزمات. إن الاحتكارات محكومة بالبحث عن الرّبح الأقصى وهي لا تحقق ذلك باستثمارات جديدة منتجة، بل تفضّل كسب الأرباح بكل الوسائل حتّى عن طريق تدمير القوى المنتجة كما بيّنت ذلك الأزمات التي ضربت خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة كلاًّ من روسيا والمكسيك والأرجنتين وعدد من بلدان جنوب آسيا، أو عن طريق المضاربات المالية، ناهيك أن كل دولار يوظّف في الإنتاج أصبح يقابله ما بين 20 و50 دولارا توظف في تلك المضاربات، أو عن طريق تكثيف وتائر استغلال العمال والشعوب وتوسيع حركة نقلا لثروات من « الطبقات السفلى » إلى « الطبقات  » العليا » في نفس البلد ومن البلدان التابعة إلى البلدان المتطورة وأخيرا عن طريق ابتلاع المؤسسات الصناعية والفلاحيّة والتجارية والمالية صغيرة كانت أو كبيرة ومزيد مركزة الاحتكار.

وبعبارة أخرى فإنّ اشتداد سيطرة الاحتكارات لم تفد الاقتصاد العالمي وهو ما يجعل الوضع بعيدا كل البعد عن الأماني التي أطلقها قادة البلدان الامبريالية إثر سقوط الاتحاد السوفياتي وتوابعه.

4- على صعيد آخر لا ينبغي الاعتقاد أن سيطرة الاحتكارات على الاقتصاد العالمي تتمّ في جوّ من « الوئام » و« الانسجام » و »التفاهم »، فخلافا للتصريحات والإعلانات المضلّلة، فإن انهيار الكتلة الشرقية، كان من نتائجه المباشرة دخول الاحتكارات الرأسمالية والبلدان الامبريالية في صراع قويّ من أجل إعادة اقتسام الأسواق ومناطق النفوذ في العالم. وقد جرى هذا الصراع وما زال يجري في اتجاهين اثنين، فهو من جهة صراع بين الشركات والمجموعات الاحتكاريّة الرأسمالية لإزاحة بعضها البعض من تلك الأسواق والمناطق، وهو من جهة أخرى صراع بين البلدان الامبريالية من أجل الحصول على مركز القوّة المهيمنة في العالم.

ولا يعني هذا الصراع بين الاحتكارات الرأسمالية والبلدان الامبريالية بلدان شرق أوروبا سابقا فحسب بل إن الأمر يهمّ مجالا أوسع بكثير من هذه البلدان. لقد امتد الصراع إلى كافة المناطق « الجالبة للاهتمام« أي التي تكتسي أهميّة اقتصاديّة أو إستراتيجية راهنا ومستقبلا (الشرق الأوسط، آسيا الوسطى، بلاد البلقان، جنوب شرق أوروبا، إفريقيا الوسطى والشماليّة…).

ومن الملاحظ أن كل قوّة من القوى الامبريالية المعنيّة لا تعمل على حماية أسواقها ومناطق نفوذها التقليديّة فحسب بل تعمل أيضا على دخول « بيوت » القوى الأخرى و »حدائقها الخلفيّة » (دخول الولايات المتحدة الأمريكية إلى البلدان الأوروبية ومناطق نفوذها في إفريقيا، دخول ألمانيا بشيء من الكثافة إلى بلدان أمريكا اللاتينية وتدعميم استثماراتها في الولايات المتّحدة، دخول الصين بقوّة في الفترة الأخيرة حلبة الصراع من أجل الأسواق ومناطق النفوذ في إفريقيا وبعض البلدان الشرق أوسطيّة، الخ.)

ورغم جميع قرارات « العولمة » والمزاعم التي يُروّج لها « النظام العالمي الجديد » مثل « التجارة الحرّة » و »التنافس السلمي » و« التنمية في إطار الاندماج والتقاسم » فإن الدول والحكومات تحشر أنفها في الصراع القائم وتستخدم وسائل غير اقتصادية وغير شرعيّة لدعم شركاتها الاحتكارية (تدبير انقلابات عسكريّة، ضغط على حكومات للحصول على عقود وامتيازات…). كما أن هذه الدول والحكومات لا تتوانى عن اتخاذ إجراءات حمائية، وهي منشغلة أكثر فأكثر بمصالح بلدانها وكيفية الحفاظ عليها في وجه البلدان الأخرى أي أنها، رغم كثرة الحديث عن « إلغاء الحدود » في وجه الرساميل والسلع، ظلّت تعمل من أجل مصالحها وأهدافها القوميّة وهو ما أدى إلى انشِقاقات في صلبها وخلق أرضيّة مناسبة لظهور بوادر استقطاب في صفوفها.

5- إن « النظام العالمي الجديد »، رغم أنه تشكل باعتباره النظام الموحّد لرأس المال، الذي فرضته طبقات رأس المال والبلدان الامبريالية على الطبقات الكادحة والشعوب، فإن الامبريالية الأمريكية المعتدّة بدورها الهام في سقوط الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية إثر صراع امبريالي ضار من أجل مناطق النفوذ دام عدة عقود وبقوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية تعتبر النظام الجديد بمثابة نظام « الامبراطورية الأمريكية » التي يطرح على القوى الأخرى أن تذعن لها. لذلك فإنها الولايات المتحدة ما انفكت تسعى إلى الانفراد بالهيمنة وبسلطة القرار في شؤون العالم، واتخذت من أجل ذلك، وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 التي وفرت لها ذريعة لتنفيذ مخططاتها الهيمنية بأكثر صلفا وعدوانية، الخطوات التي تكفل لها « حرية التحرك » مثل الإعلان عن الحق في «  الحرب الوقائية » والحق في « السبق إلى استخدام القوة النووية »، ولم تول أي اعتبار لمعارضة الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم للحرب على العراق.

كما أن الولايات المتحدة لم تكتف باحتلال أفغانستان والعراق، بل إنها فتحت قواعد عسكرية في كافة مناطق العالم الاستراتيجية (132 قاعدة) بهدف مراقبة المناطق الغنية بالمواد الأولية والطاقة (الشرق الأوسط، آسيا الوسطى، المحيط الهادي…) ووضعها تحت إشرافها كي تتحكم لاحقا في الأسعار والتجارة. وبدا واضحا أن الامبريالية الأمريكية تتحرك وفق خطة تتمثل في مضاعفة الضغوط على البلدان التابعة من جهة وعزل البلدان المنافسة عن المناطق الهامة جدا في العالم من جهة ثانية وامتلاك السبق في الهجوم عند الاقتضاء من جهة ثالثة. وهو ما يؤكد الطابع الديماغوجي والشكلي لواشنطن في « التفاهم » و »التشاور » مع البلدان الامبريالية الأخرى وهو ما يفسر كونها لم تكتف في السنوات الأخيرة بإعادة نشر قواتها في كافة أنحاء العالم بل رفعت من ميزانيتها العسكرية كي تبلغ حوالي 450 مليار دولار وهي ميزانية تفوق ما تخصصه كافة الدول الكبرى الأخرى لميزانيتها العسكرية. كما أنها مركزت مؤسساتها التكنولوجية لتكون أكثر جدوى وفاعلية.

6- إن سلوك الولايات المتحدة الأمريكية هذا غذى التنافضات بينها وبين القوى الكبرى الأخرى. وتجلى ذلك على مستوى الاتحاد الأوروبي الذي يمثل القوة الاقتصادية الكبرى في وجهها. فألمانيا وفرنسا اللتان تمسكان بزمام الأمور في هذا الاتحاد تعملان على تحقيق مشروع « الجيش المستقل للاتحاد الأوروبي » كما أنهما أعلنتا عن إقامة برنامج فضائي بالتحالف مع الصين، وكانتا، كما هو معلوم، عارضتا حرب العراق، وهما لا يتوانيان، كلما اختلفتا مع إدارة بوش في الاقتراب من روسيا. وليس خافيا أن ألمانيا وفرنسا تحدوهما نية الهيمنة على الاتحاد الأوروبي وإقامة قواعد عسكرية في الأماكن الاستراتيجية في العالم، رغم ما يشق هذا الاتحاد من تناقضات، إذ لا ينبغي نسيان أن للولايات المتحدة مواطئ قدم في الاتحاد الأوروبي تمثلها بالخصوص أنجلترا وبعض بلدان أوروبا الشرقية الملتحقة حديثا بالاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى فإن اليابان التي تمثل القوة الاقتصادية الكبرى الأخرى، لا يخفى تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية في الساحة الدولية، ولكن اهتمامها بما يجري بعيدا عن حدودها (الشرق الأوسط خصوصا) ما انفك يتنامى. كما أنها أصبحت لا تخفي رغبتها في تطوير قدراتها العسكرية، وفي التخلص من القيود التي فرضت عليها إثر الحرب العالمية الثانية وهو ما يفسر سعيها إلى مراجعة بعض بنود دستورها. وإلى ذلك فإن روسيا ما انفكت تعمل على أكثر من واجهة، من جهة، إصلاح أوضاعها الاقتصادية، ومن جهة أخرى تعصير قوتها العسكرية. أما الصين فهي تصارع من أجل التخلص من النهب الذي تتعرض لها من الشركات والدول الرأسمالية الصناعية وتعمل جاهدة، كقوة رأسمالية صاعدة، على التسلل إلى مناطق النفوذ في العالم وتطوير قدراتا العسكرية ناهيك أنها رفعت هذه السنة من ميزانيتها العسكرية بنسبة هامة أقلقت منافسيها في المنطقة وأثارت انتقادات واشنطن.

إن ما نريد تأكيده عبر استعراض أوضاع مختلف القوى الامبريالية الكبرى وخصوصا استمرارها في سباق التسلح وتعصير الجيوش وإعادة نشرها في مختلف المناطق، هو أن العالم ليس في وضع أفضل مما كان عليه في مطلع التسعينات. فالقوى الامبريالية الحاضرة في الساحة الدولية، لئن هي لم تبلغ مرحلة متقدمة من الصراع في ما بينها، فإنها على الأقل، وهو أمر ليس في مصلحة أي طرف منها اليوم، تباعدت كثيرا مقارنة مع الوضع الذي كان قائما عند إعلان قيام « النظام العالمي الجديد »، ولا نخالها إلا ستتباعد أكثر مع تطور علاقات القوى التي تدفع في اتجاهه طبقات رأس المال دفاعا عن مصالحها الخاصة.

7- إن تاريخ البلدان الامبريالية وواقعها الحالي يثبتان أنها لا تقنع بـ »الوفاق »، بل على العكس من ذلك تنزع نحو تشكيل أقطاب متنافسة. ولا يمكن الاغترار اليوم بالاصطفاف الظاهر وراء الولايات المتحدة، فكل طرف مصطف اليوم وراءها يعمل بكل الوسائل على « تحسين وضعه » وكسب الأدوات التي تخول له الخروج على الصف في يوم من الأيام. وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه اليوم من تنافس ونزاعات فإن مآل « النظام العالمي الجديد » لن يكون إلا التفكك، كما أن المؤسسات الدولية التي نراها قائمة اليوم، والتي تضم داخلها أكبر القوى الامبريالية (البنك العالمي، صندوق النقد الدولي، المنظمة العالمية للتجارة، الاتحاد الأوروبي، الحلف الأطلسي…) ستنهار في لحظة من اللحظات أمام استقطابات جديدة تكون نتيجة لسلسلة من النزاعات والصراعات والحروب المحلية. إن المصالح المتعارضة للدول الرأسمالية الكبيرة ستدفع بها حتما، رغم تواصل العولمة، نحو تشكيل أقطاب متعارضة من شأنها أن تسرّع بوتيرة التنافس والصراعات التي تقابل بعضها ببعض. وإذا كانت هذه الأقطاب لم تتشكل اليوم فذلك ليس بالأمر الغريب، فالدول الصناعية الكبرى لم تعزز قواها بما فيه الكفاية، والنزاعات بين المجموعات الاحتكارية لم تبلغ بعد درجة عدوانية. ولكن تسارع وتيرة التطور اللامتكافئ الذي يحكم سير تلك الدول، من شأنه أن يعجل حتما بمسار تشكّل كتل متعادية من بينها. وبالطبع فإنه من السابق لأوانه بل من الخطأ الادعاء بأن الاستقطابات السياسية العسكرية الجارية اليوم هي استقطابات الغد. ولئن كان أيضا من الصعب إن لم نقل من المستحيل توقع كيفية تطور تلك الاستقطابات، فإن الأكيد أن الأمور تتطور باتجاع القضاء على نظام القطب الواحد وتشكيل كتل امبريالية متعارضة وهذا ما يعني أن القوى الرأسمالية الكبرى تخوض صراعا من أجل إعادة اقتسام العالم وأن تهديد حرب شاملة يتنامى، فتاريخ البلدان الامبريالية كان دائما تاريخ الصراع من أجل الأسواق ومناطق النفوذ كما كان تاريخ الحروب المدمرة لمحاولة حسم ذلك الصراع في مرحلة محددة من مراحل تطوره.

8- إن ما ميز الخمس عشرة سنة الأخيرة، إلى جانب معاودة القوى الرأسمالية الكبرى الصراع حول الأسواق ومناطق النفوذ هو هجوم رأس المال على الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة. فقد عرفت الطبقة البورجوازية والحكومات التي تصرف شؤونها في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان كيف تستعمل الظروف الناجمة عن سقوط المعسكر الشرقي، وخصوصا تراجع الحركة العمالية وحركة الشعوب التحررية. ولا بد لنا من أن نلاحظ أن الثقل الأساسي لذلك الهجوم المنسق عالميا يتم فرضه على البلدان التابعة وعمالها وشعوبها. فقد كان ميزان القوى مائلا بالكامل وبصورة غير مسبوقة لصالح الاحتكارات والبلدان الرأسمالية المتطورة، لذلك فإن ما كان مطلوبا من البلدان التابعة هو أن تقبل بأن تصبح مجرد مستعمرات اقتصادية ومالية فيقع نهب كامل ثرواتها. وهذا ليس من المبالغة في شيء، فهذه البلدان تتعرض لعملية استعباد مطلق. فجميعها تقريبا فقد خلال الخمس عشرة أو العشرين سنة الأخيرة على الأقل، معظم مؤسساته الاقتصادية العمومية، التي كانت ترمز إلى وجوده الوطني. ولا تتوانى البلدان الرأسمالية الكبرى بزعامة الولايات المتحدة عن استعمال شتى الطرق لإخضاع البلدان التابعة للنهب وكسر مقاومتها. فبالإضافة إلى الضغوط المالية والاقتصادية المباشرة أو عبر المؤسسات المالية النهابة، تستعمل تلك البلدان الحصار الاقتصادي والعقوبات والانقلابات بل إنها لا تتورع عن شن حروب مدمرة لفرض سيطرتها على مصائر الشعوب كما حصل في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق. وهي لا تتوانى أيضا عن إثارة الفتن الداخلية وتغذيتها كما هو الحال في السودان والصومال. وهي تتحرش ببلدان أخرى استعدادا للاعتداء عليها كما هو الحال بالنسبة إلى إيران وسوريا. وليس خافيا أن النفط وراء معظم الاعتداءات والتهديدات.

9- من ناحية أخرى يعيش عمال البلدان التابعة أوضاعا لا تختلف كثيرا عن أوضاع بلدانهم. فالحقوق الاجتماعية وتكاليف قوة العمل والأجور هناك هي أدنى بكثير من نظيرتها في البلدان المتطورة، ومع ذلك فقد فرضت البورجوازية العالمية على تلك البلدان، وخصوصا البلدان التي حققت فيها الشغيلة بعض المكاسب سواء كانت مكاسب أممية للطبقة العاملة أو مكاسب نضال شعوب تلك البلدان، أن تطوّع تشريعاتها كي تنسجم في ذلك مع البلدان الأكثر تخلفا.

على أن الهجوم لم يستهدف شعوب البلدان التابعة وعمالها فحسب، بل استهدف أيضا عمال البلدان المتطورة، على نحو واسع. فمنذ ما يزيد عن العشر سنوات والبورجوازية تفرض على العمال تصفية الحق في الشغل، وتفرض مرونة توقيت العمل ونظام التأجير وتصفية أنظمة الضمان الاجتماعي بما يجعلها قابلة لكي تفتح أمام الأسواق وتفرض التطويل المطلق لساعات العمل والتخفيض الأقصى لمنح البطالة وتأخر سن التقاعد وتقنين أشكال الشغل الهشة (التشغيل بعقود…) وأخيرا تخفيض تكاليف قوة العمل.

إن هذا الهجوم يمثل تصفية معممة للمكاسب الطبقية أو الوطنية في نضال العمال ضد رأس المال منذ حوالي قرن ونصف ونضال الشعوب ضد الامبريالية منذ حوالي قرن، بما يعني العودة بالعمال إلى الظروف الوحشية التي عاشوها في ظل رأسمالية القرن التاسع عشر وبالشعوب إلى ظروف الاستعمار المباشر. وإذا لم يقع التصدي لهذا الواقع لإعاقة رأس المال والامبريالية فإنها يُخشى أن يتزايد هذا الهجوم بصورة غير محدودة.

10- حين تـَعمّمَ هجوم رأس المال في مطلع تسعينات القرن الماضي، كانت الطبقة العاملة في كل بلد أو على الصعيد العالمي، تعيش أدنى مستوياتها المعنوية والتنظيمية. أما شعوب البلدان التابعة وبصرف النظر عن بعض الاستثناءات، كانت واقعة تحت جاذبية مغالطات « العولمة » و »النظام العالمي الجديد »، التي زرعت فيها أوهاما. ولكن كادحي جميع البلدان، بدءا بالطبقة العاملة، لم يبقوا طويلا دون رد فعل خصوصا وأن الآمال التي حركتها « العولمة » كانت تتبخر كي تترك مكانها تدريجيا للخيبة.

ويمثل عام 1995 منعرجا في نضال الطبقة العاملة العالمية والشعوب. فقد أحيت هبة عمال فرنسا في تلك السنة الثقة الطبقية في نفوس العمال، كما أنها شكلت إلى جانب تمرد « شياباس » في المكسيك بديلا أمميا لمشاعر الإحباط المتفشية في أوساط المثقفين، ومنذ ذلك الوقت تطورت مظاهر المقاومة في كافة البلدان الأوروبية والولايات المتحدة واليابان، لتشكل عوامل أولى لصد هجمات رأس المال والحد منها.

أما في ما يخص البلدان التابعة فإن حركة العمال ظهرت بصورة مبكرة مقارنة بنظيرتها بالبلدان المتطورة، بالنظر إلى ظروف الحياة الصعبة. فمنذ 1989 شهدت العديد من البلدان التابعة (البرازيل، الهند، أندونيسيا، تركيا، ألإكوادور، البنين، بوركينا فاسو…) نضالات عمالية وشعبية واسعة. وقد أخذت بعض تلك النضالات طابعا سياسيا واضحا أدى إلى إسقاط حكومات ودكتاتوريات في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا

ولم تقتصر نضالات شعوب البلدان التابعة على الإضرابات والمظاهرات والاعتصامات الضخمة، بل تعدتها إلى أشكال المقاومة المسلحة. فقد انطلقت في خريف سنة 2000 الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وثار سكان فنزويلا عام 2002 ضد الانقلاب الذي دبرته الولايات المتحدة ضد الرئيس المنتخب « شافيز » ورفع الشعب العراقي السلاح في وجه الاحتلال الأمريكي الأنجليزي، واستعادت المقاومة الأفغانية ضد الاحتلال الأطلسي نشاطها، وانتصرت المقاومة اللبنانية على الوحش الصهيوني في صائفة 2006 وواصل التامول في النيبال والأكراد في تركيا المقاومة ضد مضطهديهم. وبصورة عامة فإن كافة النضالات الجارية في البلدان التابعة ضد التدخلات والاضطهادات التي يعمد إليها الامبرياليون تمثل دون أدنى شك نضالات في غاية من الأهمية. كما أن النضال ضد النزعة العسكرية والتدخل المسلح والاحتلال الذي يجمع ملايين العمال في البلدان الرأسمالية المتطورة هو نضال هام يسجله التاريخ لما يتميز به من خصائص سياسية وأممية.

وخلاصة القول يمكن رصد الاتجاهات الكبرى التالية لنضالات العمال والشعوب المضطهدة في الوقت الراهن:

أولا: حركات مقاومة مسلحة تخوضها شعوب أو اقليات في البلدان الرازحة تحت الاحتلال المباشر للبلدان الامبريالية أو الكيان الصهيوني أو تحت هيمنة أنظمة رجعية تكرس هيمنة أكثريات قومية أو دينية أو ثقافية.

ثانيا: حركات شعبية واسعة مناهضة للامبريالية وعملائها عبرت عن نفسها من خلال العمليات الانتخابية (أمريكا اللاتينية خاصة) التي أوصلت إلى السلطة حكومات وطنية تسعى إلى حماية مصالح بلدانها وشعوبها.

ثالثا: حركات جماهيرية وإضرابية واسعة في البلدان المتطورة والبلدان التابعة على حد السواء من أجل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات الديمقراطية، وقد نجحت هذه الحركات أحيانا في إسقاط حكومات، وتبلورت في علاقة بها منتديات اجتماعية قارية وعالمية ونشطت منظمات حقوق الإنسان والجمعيات والهيئات النسائية والثقافية.

رابعا: مظاهرات جماهيرية مناهضة للعسكريتارية والحرب خصوصا في البلدان المتطورة. وقد أحيت هذه التحركات الحركة من أجل السلم وغيرها من المنظمات والحركات المناهضة للحرب.

11- إن من أهم المميزات التي طبعت سلوك الاحتكارات والبلدان الامبريالية خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة اقتران دخولها في صراع من أجل إعادة اقتسام الأسواق ومناطق النفوذ وهجومها الاقتصادي والاجتماعي على الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة بتفاقم طابعها الرجعي في المجال السياسي. وهذا أمر مفهوم، فالاحتكارات والبلدان الامبريالية كان من الضروري لها، من أجل أن تنجح في تحقيق أهدافها، أن تدوس مبادئ « الحرية » و »الديمقراطية » و »السلم ». كما كان من الضروري لها أن تشدد الاضطهاد وتحوله إلى « خبز يومي » للأفراد والجماعات والطبقات الكادحة والشعوب المضطهدة، وإلا استحال عليها إخضاعهم لمخططاتها وغاياتها الرجعية. وقد استغلت الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة أحداث سبتمبر 2001 لتعميم هذا الاضطهاد وتعميقه على مستوى المعمورة.

وتجلى اشتداد الطابع الرجعي للامبريالية على الصعيد السياسي في مظهرين أساسيين، الأول يتمثل في المكانة التي أصبح يحتلها العنف في تحقيق أهداف الاحتكارات والبلدان الامبريالية وهو جلي من خلال تفاقم النزعة العسكريتارية وتواتر الحروب العدوانية ناهيك أن الولايات المتحدة خاضت خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة أكثر من 10 حروب في مختلف أنحاء العالم لعل أفظعها وأوحشها الحرب الجارية حاليا على الشعب العراقي. وهو جلي أيضا في خضوع العلاقات الدولية أكثر فأكثر لمنطق التهديد والعنف وإرهاب الدولة وسيادة قانون الغاب وعدم الالتزام بأبسط القوانين والقيم الأخلاقية وفي تغذية النزاعات العرقية والطائفية والقومية والتحريض على جرائم الإبادة الجماعية أو المشاركة المباشرة فيها.

أما المظهر الثاني فيتمثل في الدوس على الحرية وعلى الديمقراطية الذي ما انفك يتفاقم. فمظاهر غطرسة الاحتكارات والبلدان الامبريالية ليست مقتصرة على الخارج وإنما هي تكرس داخل البلدان الامبريالية ذاتها من خلال الهجوم المستمر على الحقوق المدنية والسياسية للأفراد والجماعات والأقليات واستصدار قوانين قمعية جديدة تحت غطاء مقاومة الإرهاب واشتدادد الطابع البوليسي للدولة بل وتحوّل الدولة البوليسية إلى نموذج، وتحويل البرلمانات الليبرالية إلى أوكار تعشش فيها التيارات الفاشية والعنصرية وتنتعش. وبشكل عام فقد ظل الفارق بين الحكومات الاشتراكية الديمقراطية واليمينية الليبرالية واليمينية المتطرفة يتقلص باستمرار. وهو نفس ما يمكن قوله بالنسبة إلى الفارق بين أنظمة الاستبداد في البلدان التابعة وبين الأنظمة الليبرالية في البلدان المتطورة وهو ما أسعد أنظمة الاستبداد وأثبتها في مراكزها. إن لينين كان على صواب حين أكد أن الامبريالية هي الرجعية على طول الخط في المجال السياسي.

إن تعمق الطابع الرجعي للرأسمالية والامبريالية يتضح في مجال آخر أيضا وهو المجال الإيديولوجي. فالنظريات التفوقية والعنصرية التي تحتقر عرق الآخر وثقافته ودينه أصبحت هي السائدة رغم كل المساحيق التي مازالت الاحتكارات والبلدان الامبريالية تزين بها النظام البورجوازي. وتمثل نظرية « صدام الحضارات » التي تؤكد تفوق الحضارة المسيحية على بقية الحضارات وتحدد الإسلام والمسلمين عدوا مباشرا نموذجا لتلك النظريات. كما أن الظلامية أصبحت هي الأخرى من أهم المميزات الإيديولوجية للرأسمالية والامبريالية اليوم، فقادة أكبر دولة امبريالية في التاريخ على الإطلاق، وهي الولايات المتحدة الأمريكية يخوض رئيسها وقادتها حربا على الشعوب المضطهدة باسم « رسالة ربانية » مزعومة وهم يقسّمون العالم إلى « عالم الخير » و »عالم الشر ».

وأخيرا وليس آخرا فإن هذا الطابع الرجعي يتجلى في معاداة الاحتكارات والبلدان الامبريالية للثقافة، وعملهما الدائم على التدمير المعنوي للعمال والشعوب، على تحويل الجماهير التي تتحرك في إطار أمة أو شعب أو طبقة إلى جمهور فاقد لأي مرجعية قيمية عن طريق كوسموبوليتية متفسخة تهدف إلى تحويل الإنسان إلى « مجرد حيوان مستهلك ».

12- إن كل ما ذكرناه من احتدام الصراع بين الاحتكارات والبلدان الامبريالية وهجوم على العمال والشعوب المضطهدة وتفاقم الفجوة بين قطبي الثروة والفقر في البلد الواحد وعلى الصعيد العالمي وتكاثر مؤشرات التأزم وعجز الاحتكارات على حل مشكلات النظام الرأسمالي وتطوير القوى المنتجة وتفاقم سباق التسلح والنزعة العسكرية وتواتر الاعتداءات والحروب واشتداد قمع الحريات ودوس الديمقراطية وفي الآن ذاته نهضة الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة من جديد للدفاع عن حقوقها والتعبير عن طموحاتها بأشكال مختلفة تتراوح بين المقاومة المسلحة والهبّات الجماهيرية، مرورا بالمعارك الانتخابية، كل هذا يدحض كل ما رُوّج ويروّج عن « النظام العالمي الجديد » وعن « العولمة الرأسمالية » فلا الازدهار تحقق ولا الصراعات الطبقية انتهت ولا الحروب وضعت أوزارها ولا المساواة بين الشعوب والأمم تمّت ولا الديمقراطية تعمّمت، ولا السلم ساد العالم، بل العكس هو الذي حصل على كل الأصعدة.

إن مجرى الأحداث يبين أن « النظام العالمي الجديد  » منظور إليه من زاوية منطلقاته وأهدافه والوسائل والأساليب المتبعة لتحقيق هذه الأهداف، إنما هو صيغة جديدة من صيغ هيمنة الامبريالية في مرحلة تعفنها القصوى المصحوبة بتراجع الحركة العمالية وحركة الشعوب التحررية مما يجعلها، أي الامبريالية، أكثر بربرية وأكثر وحشية وعدوانية. ومن البديهي أن هذا لا يوفر للإنسانية مناخا للتقدم والرقيّ والتعاون والسلم، بل إنه يوتـّر مختلف التناقضات الأساسية لعصرنا بدءا بالتناقض بين رأس المال والعمل الذي يمثل التناقض الجوهري للعصر ووصولا إلى التناقض بين الاحتكارات والبلدان الامبريالية من جهة والشعوب المضطهدة من جهة ثانية والتناقض بين المجموعات الاحتكارية والبلدان الامبريالية ذاتها، والتي تبين مرة أخرى أنها، على عكس كل المزاعم البورجوازية والانتهازية، ما تزال هي التي تحكم سير الرأسمالية والامبريالية التي تبقى عاجزة عن السيطرة عليها أو الخروج منها، كما أنه يفتح الطريق أمام المزيد من الهزات والاضطرابات والمخاطر على الإنسانية.

إن هذا يدل على أنه لا مجال لمرحلة جديدة أو مرحلة ثالثة بعد الامبريالية كما يدعي إيديولوجيو رأس المال، فالامبريالية هي الكلمة الأخيرة للرأسمالية. كما يدل على أن الامبريالية لا تعني نهاية التاريخ والتقدم ولكن نهاية رأس المال والرأسمالية اللذين لم يعد لهما ما يقدمان للإنسانية غير المزيد من المعاناة والمآسي، نهاية الحضارة البورجوازية التي تفسخت وأصبحت تعوق التقدم البشري وتستدعي تعويضها بحضارة جديدة لا نراها إلا اشتراكية، تحل تناقضات الرأسمالية والامبريالية المستعصية وتفتح آفاق أرحب للإنسانية. وأخيرا وليس آخرا فإن ما ذكرنا يدل على عجز البورجوازية عن تخطي إطار الأوطان والقوميات الذي خلقته وعدم ملاءمة طبيعتها مع العولمة إذ لا معنى للعولمة عندها سوى سيطرة احتكار أو أقلية قليلة من الاحتكارات أو بلد أو عدد قليل من البلدان الامبريالية على مصائر العالم، وهو ما يؤكد مرة أخرى أن تجاوز الأوطان وتحقيق عولمة إنسانية لا يتمان إلا على أنقاض الرأسمالية والامبريالية.

ولكن كل هذا لن يتحقق بصورة عفوية كما يبين ذلك التاريخ. فمهما اشتدت أزمات الرأسمالية والامبريالية، فإنها ستكون قادرة على تخطيها حتى بأشنع الوسائل، إن لم تجد في طريقها من يصدها ويهزمها ويبعثها إلى مزبلة التاريخ. وهنا يطرح السؤال الأهمّ: هل أن الطبقة العاملة وشعوب البلدان التابعة ستنجح هذه المرة في مهمتها مستغلة إمكانياتها وطاقاتها والتجارب التي راكمتها أم أنها سيظل محكوما عليها بالفشل رغم كل تضحياتها؟

إن الجواب على هذا السؤال يدفعنا إلى النظر في دور اليسار الماركسي اللينيني اليوم في مقاومة الامبريالية وتعبيد الطريق نحو الانتصار عليها، باعتبار ذلك الجزء الثاني من هذه المداخلة.

مهام اليسار الماركسي اللينيني في مقاومة الامبريالية

كان للحركة الشيوعية في مرحلة ازدهارها دور تاريخي عظيم في مواجهة الرأسمالية والامبريالية على المستويين النظري والعملي. فالفضل يرجع إلى كارل ماركس في تحليل النظام الرأسمالي وإبراز خصائصه وتحديد تناقضاته. كما يرجع إليه الفضل في تحديد موقع الطبقة العاملة في هذا النظام والدور التاريخي الموكول إليها في القضاء عليه وبناء نظام جديد، اشتراكي وشيوعي ينهي استغلال الإنسان للإنسان. أما فلاديمير إيليتش لينين، فالفضل يعود إليه، في تحليل الامبريالية وتحديد طبيعتها وخصائصها ومكانتها في تاريخ الرأسمالية وانعكاس ذلك على نضال الطبقة العاملة والشعوب والأمم المضطـَهَدة.

وقد قامت الحركات الشيوعية التي انبنت على مبادئ ماركس ولينين بدور بارز، خصوصا في القرن العشرين في مقاومة الامبريالية. وتعزز هذا الدور بعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا القيصرية التي أصبحت سندا قويا لحركة مقاومة للاستعمار، بل إنها جعلت من هذه الحركة جزءا لا يتجزأ من الثورة العالمية وعكس لينين ذلك في الشعار العام الذي أصبحت ترفعه الحركة الشيوعية العالمية: « يا عمال العالم، ويا شعوب وأمم العالم المضطهدة اتحدوا » وهو شعار يبرز التحالف الاستراتيجي بين حركة الطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية وحركة التحرر الوطني في المستعمرات وشبه المستعمرات.

ففي البلدان الرأسمالية المتطورة أصبحت مقاومة الامبريالية نقطة رئيسية في برامج الأحزاب الشيوعية سواء من حيث ضرورة مقاومة هذه الأحزاب للسياسة الاستعمارية لحكومات بلدانها أو من حيث ضرورة مساندة ودعم حركات التحرر في المستعمرات وشبه المستعمرات بدءا بتلك التي تتبع بلدانها. أما في المستعمرات وشبه المستعمرات فقد تزعمت الأحزاب الماركسية اللينينية في العديد من الأحيان حركة التحرر الوطني ونظمت المقاومة وحققت نجاحات وانتصارات هامة. وبرز دور تلك الأحزاب أيضا خلال الحرب العالمية الثانية في مقاومة الفاشية والنازية البنتين الشرعيتين للرأسمالية في مرحلتها الامبريالية. وتمكنت الأحزاب الشيوعية والعمالية في عديد من البلدان من قيادة حركة المقاومة وتحقيق انتصار ساحق وإقامة أنظمة ديمقراطية شعبية على أنقاض الأنظمة الرجعية والفاشية والعميلة التي كانت تحكمها. كما لعبت الأحزاب الشيوعية والعمالية في العديد من البلدان الأخرى بما فيها بلدان رأسمالية متقدمة دورا حاسما في تحرير بلدانها من النير النازي.

ولكن دور الأحزاب الماركسية اللينينية بدأ يضعف بسبب الانشقاقات الحاصلة في الحركة الشيوعية العالمية إثر التحول الرأسمالي البيروقراطي العميق الحاصل في الاتحاد السوفياتي، منذ مطلع الستينات ودخوله في صراع مع الامبريالية الأمريكية من أجل الهيمنة والسيطرة على العالم واتخاذ تدخلاته في العديد من المناطق والبلدان طابعا امبرياليا اشتراكيا، وهو ما شوّه صورة الاشتراكية التي ظل قادة الاتحاد السوفياتي يتخفون وراءها لمغالطة شعوبهم وشعوب العالم قاطبة.

ومع ذلك ظلت الحركات الماركسية اللينينية والشيوعية في طليعة القوى المناهضة للامبريالية في مختلف أنحاء العالم، وكان الشيوعيون في فيتنام أبرز مثال على ذلك في مقاومتهم وهزمهم لأعتى قوة امبريالية عرفها التاريخ. وكان اليسار الماركسي اللينيني في البلدان الرأسمالية المتطورة على رأس حركة التضامن مع فيتنام ومع ضحايا الامبريالية في كافة مناطق العالم، وساهموا بذلك في إضعافها، والحد من غطرستها.

ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي خسر كما قلنا الصراع مع الكتلة الامبريالية الغربية، من أجل الهيمنة على العالم، حصل التراجع الكبير وبلغ دور الحركة الشيوعية في مقاومة الامبريالية أدنى مستوياته تاركا فراغا كبيرا ملأته قوى طبقية أخرى، بورجوازية وبورجوازية صغيرة، متشكلة في تيارات دينية، إسلاموية، خصوصا مناهضة بهذه الدرجة أو تلك للامبريالية، إن لم تكن مرتبطة بها ومنخرطة في مخططاتها العالمية أو في أحزاب وحركات وحكومات نابعة من الفئات الوسطى كما هو الحال في أمريكا اللاتينية، وقلما توجد حركات علىرأسها قوى تعلن انتماءها للماركسية إذا استثنيناكولومبيا والنيبال والفيلبين…

ويعود هذاالتقهقر إلى أسباب عدة منها، أن انهيار الاتحاد السوفياتي قـُدّم على أنه « تكريس لفشل الاشتراكية والشيوعية » وأُخفي أنه فشل للبرجوازية البيروقراطية وللامبريالية الاشتراكية السوفياتية ومنها أيضا أن العديد من الأحزاب والحركات الماركسية كانت مرتبطة بالاتحاد السوفياتي، وانساقت في مراجعاته للماركسية اللينينية وعششت في صفوفها الانتهازية وتحولت إلى قوى يمينية، مهادنة لرأس المال والرجعية، فلما انهار الاتحاد السوفياتي، انهارت معه وتفككت وتقلص تأثيرها وسارع قادتها أو على الأقل جزء منهم إلى التخلي نهائيا عن الماركسية والانخراط في الموجة الليبرالية.

وقد حصل نفس الشيء مع الصين التي اتجهت مع « تانغ سياو بينغ » بخطى سريعة نحو الرأسمالية وقطعت جذريا مع الاشتراكية وهو ما أربك الحركات والقوى المرتبطة التي ساندتها في صراعها مع التحريفية السوفياتية.

وعلى العموم فإن الإحباط الذي ساد بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أوساط الشغيلة والمثقفين التقدميين كان من العوامل التي أضعفت أيضا الحركة الماركسية. ومما غذى هذا الوضع هو الهجمة الإيديولوجية التي شنتها البورجوازية على الاشتراكية والشيوعية. والتي لم تتوقف عند حد تقديم انهيار الاتحاد السوفياتي على أنه علامة « الفشل التاريخي للاشتراكية » بل تعدته إلى محاولة نفي الأفكار الأساسية التي قامت عليها الحركة الماركسية مثل فكرة الثورة وسلطة الطبقة العاملة والحزب العمالي. ووصلت الأمور في نهاية المطاف إلى حد نفي وجود الطبقة العاملة ذاته بذريعة الثورة العلمية والتقنية ومن ثمة نفي موقعها المحوري في المجتمع الرأسمالي ودورها التاريخي في القضاء على الرأسمالية والامبريالية وتشييد حضارة اشتراكية جديدة. وكان لذلك سيء الأثر في كل أنحاء العالم في نفوس العمال وكذلك في نفوس المثقفين التقدميين، فتفشى الإحباط واليأس وعمّ اعتقاد خاطئ بأن النضال لا جدوى منه، بل مضيعة للوقت والجهد.

ولكن ذلك لا يعني نهاية الحركة الماركسية ولا نهاية مشاركتها في مقاومة الرأسمالية والامبريالية. فقد استمرت الفصائل الماركسية الثورية في النضال حتى وإن كان وزنها ضعيفا وتأثيرها في مجرى الأحداث العالمية محدودا. وبدا هذا الدور يتنامى من جديد بعد مرور لحظة الارتباك الكبرى، واتضاح حقيقة النظام العالمي الجديد التي تولت الحياة كشفها. فنحن نشهد اليوم وجود تجمعات ماركسية كثيرة في العالم: « ندوة الأحزاب والمنظمات الماركسية اللينينية، تجمّع بروكسيل الذي ينظمه سنويا حزب العمل البلجيكي بمناسبة عيد الشغل العالمي، تجمّع لشبونة وأثينا، وأخيرا لقاء الأحزاب والمنظمات والشخصيات الماركسية العربية، علاوة على ندوة الأحزاب والقوى اليسارية الماركسية في أمريكا اللاتينية الذي ينظمه سنويا الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني الأكوادوري تحت عنوان « قضايا الثورة في أمريكا اللاتينية ». وعادت من جديد الاشتراكية تغذي الآمال بل وتصبح، كما هو الحال في أمريكا اللاتينية، وبقطع النظر عن طبيعة هذه الاشتراكية، الشعار الذي ترفعه القوى الوطنية والتقدمية عنوانا لها في حملاتها الانتخابية في مواجهة القوى البورجوازية العميلة للامبريالية الأمريكية. كما عاد ماركس ليكون محور دراسات وأعمال فكرية جديدة ويقع الإقرار براهنية فكره حتى من قبل مثقفين بورجوازيين إلى درجة أن العديد من هؤلاء (أمثال جاك أتالي وغيره) يؤكدون بأن راهنية نظرية ماركس اليوم في أصل العولمة أكثر من راهنيتها في الوقت الذي ظهرت فيه.

لقد آن الأوان لليسار الماركسي اللينيني بأن ينهض من جديد ويستعيد مكانته في ساحات الصراع المحلية والدولية لملء الفراغ الذي تركه خلال العقدين الأخيرين. فمن شأن هذا اليسار، وطالما أننا نتحدث عن مقاومة الامبريالية، أن يكسب هذه المقاومة عمقا فكريا ونظريا هي في أشد الحاجة إليه، ولا يرجى من حركات دينية أو بورجوازية متوسطة أو صغيرة أن توفره، ويسلحها ببرنامج سياسي قادر فعلا على تحقيق التحرر من الهيمنة الامبريالية، الأمر الذي لا تقدر عليه حركات أخرى بنفس التماسك والحزم والثبات، ويفتح لها أفقا من شأنه أن يجنبها الرجوع إلى الوراء ويدفع بالطبقة العالمة والكادحين عموما إلى الانخراط فيها، وهو ما من شأنه أن يضمن لها النجاح لأن الحامل الحقيقي للتحرر التام كان ولا يزال الطبقة العاملة.

ولن يقدر اليسار الماركسي اللينيني على القيام بواجبه إلا إذا تخلص فكريا من كل ألوان الانتهازية، يمينية كانت أو يسراوية، واستوعب المنهج الماركسي المادي الجدلي والمادي التاريخي، الذي نراه رغم كل ما قيل فيه، موضوع إثبات من قبل التطور العلمي والاجتماعي، وقيّم بموضوعية تجارب الطبقة العاملة بما فيها التجربة السوفياتية ووقف عند إيجابياتها وسلبياتها، وتسلح بنظرة ثاقبة لواقع اليوم مدركا أن الماركسية لا تكون ذات فائدة ولن تحافظ على حيويتها إلا بقدر استيعابها للوقائع الجديدة وإجابتها عن الأسئلة الحارقة التي يطرحها نضال العمال والشعوب المضطهدة، فهي كما قال أنجلز « مرشد للعمل » لا تقبل التحنيط والتكلس.

ونودّ التذكير هنا بأن جوهر تحليل ماركس للرأسمالية وتحليل لينين للامبريالية، مازال يكتسي راهنية كبيرة. فالعصر هو عصر الامبريالية، والتناقض الذي يحكمه ويؤطر تطوره هو التناقض بين رأس المال والعمل، والإجابة عن الرأسمالية والامبريالية ما تزال تتمثل في الثورة الاجتماعية، والثورة لا تعني مشاركة في حكومة أو حتى تكوين حكومة دون المساس بمصالح البورجوازية والرجعية وإنما تعني القضاء على الرأسمالية ووصول الطبقة العاملة والكادحين إلى السلطة، وإعادة تنظيم المجتمع على أسس نوعية جديدة. لقد بينت تجربة الأحزاب الإصلاحية التي تخلت عن الثورة بدعوى إمكانية « إصلاح الرأسمالية » مدى خطأ هذا التمشّي الذي لم يحل دون استمرار اشتداد تناقضات المجتمع الرأسمالي وخاصة مركزة الثروة بين أيدي أقلية واشتداد استغلال العمال ونهب الشعوب، بل إن تلك الأحزاب تحولت في نهاية الأمر إلى أحزاب اشتراكية ليبرالية في خدمة الاحتكارات البورجوازية، تعمل على تصريف شؤونها لا على تقديم بدائل عنها.

ليس على اليسار الماركسي اللينيني إلا أن يستوعب خصائص الواقع اليوم ويجـدّ في بلورة البرامج والمقترحات والتكتيكات وينظم الطبقة العاملة والشعوب ويتصدّر نضالاتها ويستلهم من جرأة عمال كمونة باريس وبتروغراد وفرصوفيا وشعب فيتنام، حتى يحقق أهدافه ليس على المستوى الوطني فحسب بل على المستوى العالمي أيضا. فإن كان للعولمة من مزيّة، موضوعية، فهي أنها أكدت أن كل مشاكل العالم تندرج صلب مشكل جوهري واحد، هو مشكل الاستغلال الرأسمالي والامبريالي وبذلك عمّقت العولمة الطابع الأممي لنضال العمال والشعوب المضطهدة وفي نفس الوقت، وبالنظر إلى سهولة الاتصالات وتداول المعلومات، قرّبت المسافات ويسرت التنسيق بين العمال والشعوب.

إن التناقض بين الامبريالية من جهة والشعوب المضطهدة من جهة ثانية، يمثل في واقع اليوم أكثر التناقضات تفجرا سواء بحكم شراسة الهجوم الامبريالي وتركيزه على البلدان التابعة أو بحكم النضالات التي يخوضها عمال هذه البلدان وشعوبها ضد الامبريالية وهي الأكثر حِدّة وجذرية وتوهجا، وهو ما يعطي مسألة النضال ضد الامبريالية أهمية خاصة بالنسبة إلى الماركسيين اللينينيين باعتبارها تمثل في اللحظة التاريخية الراهنة النقطة الأكثر إيلاما وإضعافا للامبريالية. والتي من شأنها أن تؤثر إيجابيا في نضالات عمال البلدان المتطورة ومثقفيها التقدميين.

وفي هذا الصدد فإن من مهام الماركسيين اللينينيين التصدي نظريا لكل الأفكار الخاطئة التي تروّج في البلدان التابعة مثل:

ضرورة التأقلم مع العولمة والعيش في ظلها بدعوى أنها قدر محتوم، وهذه الفكرة مرتبطة بأخرى تحقـّر النضالات التاريخية للشعوب وتزعم أنها ذهبت سدًى بدعوى أنه بعد عقود من الاستقلالات تمت العودة إلى نقطة الصفر، وتنفي أصلا إمكانية التحرر والاستقلال وتزعم أنه أصبح لا معنى له داعية إلى الاندماج في صلب النظام الامبريالي العالمي ولو من موقع التابع، وفي إطار توزيع العمل الذي يسمح به هذا النظام على الصعيد الدولي.

إن هذه الأفكار تتطلب ردًّا ومقاومة. وعلى صعيد آخر فإن ما يميز اليسار الماركسي اللينيني في نظرته للامبريالية هو فهم طبيعتها الطبقية باعتبارها المرحلة العليا للرأسمالية ومن ثمة ارتباط النضال ضد الامبريالية بالنضال ضد الرأسمالية وإلا أصبح محدودا وغير متماسك. ويدرك اليسار الماركسي اللينيني أيضا الطابع العالمي، الأممي للنضال ضد الامبريالية، فهو بعيد عن أن يكون نضالا بين أعراق أو أجناس أو قوميات أو أديان أو حضارات وثقافات ولكنه نضال بين الإنسانية التقدمية جمعاء من جهة وحفنة مصاصي الدماء وعملائهم من مختلف الأعراق والأجناس والقوميات والأديان والثقافات من جهة ثانية.

والنضال ضد الامبريالية يُطرح على السواء في البلدان المتطورة كما في البلدان التابعة بما أن الامبريالية تمارس هيمنتها في مختلف البلدان، وبما أن « أمة تضطهد أمة أخرى ليست حرة »، وإذا كان الهدف واحدا، في كلتا الحالتين، وهو القضاء على الامبريالية، فإن المهام تختلف باختلاف موقع البلد المضطهـِدِ والبلد المضطهَدِ:

1) ففي البلدان المضطهـِدَة، يُطلب اليسار الماركسي اللينيني إيلاء مسألة النضال ضد الامبريالية الأهمية اللازمة وتربية العمال والكادحين على أنه حين يتعلق الأمر بالاضطهاد فإنهم يصبحون « لا وطن لهم » أي أنهم مدعوون إلى معارضة تدخلات حكوماتهم السياسية والديبلوماسية والعسكرية ضد الشعوب الأخرى، ومساندة نضالاتها ضد الغزوات، وضد نهب الاحتكارات لثرواتها ومساعدة/مساندة تلك النضالات على التطور، فليس ماركسيا لينينيا اليوم في العالم من يتلكأ في التنديد بالاحتلال الأمريكي للعراق وفي مساندة مقاومة شعبه بقطع النظر عن طبيعة القيادات التي تقود هذه المقاومة والتي هي نتاج لظروف ذلك البلد ولتطوره التاريخي وواقعه الراهن. وليس ماركسيا اليوم في العالم الغربي أيضا من يتلكأ في إدانة الكيان الصهيوني العنصري، الاستعماري البغيض، وفي مساندة الشعب بالفلسطيني ونضاله البطولي من أجل تحقيق تحرره الوطني واستقلاله على أرضه السليبة وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية التي تتعايش فيها كل الأديان وكل الثقافات.

ومن الضروري أن تترجم هذه الواجبات في النضال اليومي في مطالب محددة كالدفاع عن المطالب الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية للطبقة العاملة والشعب والنضال من أجل أن تصبح المطالب ضد العسكرة والحرب والاحتلال وتدمير الطبيعة والثقافة من المشاغل اليومية للعمال. كما أنه من الضروري بلورة أرضية تتضمن المطالب الملحة المتعلقة بهذه المواضيع وتنخرط فيها المنظمات والهيئات المختلفة، من منظمات النضال من أجل السلم، إلى المنظمات المناهضة للعولمة، إلخ.

2) أما البلدان التابعة فإنها تتميز من جهة بتبعية مالية واقتصادية وتجارية سياسية وعسكرية متزايدة، ومن جهة أخرى بغياب الديمقراطية إذ تسيطر عليها في الغالب أنظمة استبدادية فاسدة. إن الطريق إلى تحقيق التحرر التام من الامبريالية وعملائها يمر حتما عبر تعبئة الطبقة العاملة وكافة فئات الشعب. ويمثل القضاء على الهيمنة الامبريالية في البلدان التابعة مسألة رئيسية تحدد وتوجه حل كل المسائل الأخرى باعتبارها المسألة الأكثر إلحاحا في هذه البلدان.

إن الماركسيين اللينينيين مطالبون ببلورة برامج حد أدنى في إطار النضال ضد الامبريالية، برامج تشمل مطالب ملحة من أجل فرض الحريات والديمقراطية مثلا إلى جانب مطالب اقتصادية واجتماعية وأخرى، ومن ثمة يعملون على توحيد أوسع القوى حولها لتشديد الخناق على عملاء الامبريالية وكنسهم وسد الباب أمام تجدد الهيمنة عبر قوى أخرى متغلفة بالدين وليس لها من أفق غير تكريس مشاريع رأسمالية نيولبرالية بغطاء إسلامي. وعليهم أن يتجاوزوا هنا السلوك الفئوي والنظرة الضيقة، فالمبدأ الذي ينبغي أن يقود هو التالي: تحديد الأرضية أولا ثم تجميع القوى التي ستعمل على أساسها ثانيا وليس العكس.

وتوجد في البلدان التابعة مهام أخرى معادية للامبريالية وهي تتعلق بالأقليات القومية والدينية والثقافية التي ترزح في معظم الأحيان تحت اضطهاد مزدوج: اضطهاد البلد الامبريالي واضطهاد الأغلبية المسيطرة في البلد التابع. إن الماركسيين اللينينيين مطالبون في هذه الحالة بالدفاع عن حقوق هذه الأقليات، وحين يتعلق الأمر بأقلية قومية، بالدفاع حتى عن حقها في الانفصال وتكوين دولة مستقلة.

3) وخلال الخمس عشرة سنة الأخيرة أدى النير الامبريالي المعولم إلى تحركات في صفوف الفئات الوسطى من البورجوازية غير الاحتكارية وتمكن ممثلوها من كسب تأييد شعوبهم والوصول إلى السلطة وهم يتخذون إجراءات معادية لمصالح الامبريالية وعملائها (فينزويلا، بوليفيا، إكوادور…) ومحاولات التحرر هذه تضعف الامبريالية، وعلى القوى الماركسية مساندتها وتشجيعها لتوسيع تأثيرها في الحركة العمالية والشعبية وتعميق وعيها بقضايا التحرر الوطني وربطه بالنضال ضد الرأسمالية وتجذير نضالها من أجل الحرية والديمقراطية وتهيئتها لتجاوز عدم تماسك الفئات الوسطى. لقد حدد لينين كيفية التعامل مع هذه الفئات الوسطى، وبالأحرى الفئات الوطنية من البورجوازية حين تصل إلى السلطة. إن التعامل معها مشروط أولا وقبل كل شيء باحترام حق الشغيلة والكادحين في التنظم المستقل والنشاط الحر. وهو ما يعني الاعتراف بالأحزاب الثورية والتقدمية ومنها الحزب الشيوعي وإقرار حقها في النقد والمعارضة. وعلى الماركسيين اللينينيين في مثل هذه الحالة أن لا يساوموا باستقلاليتهم وأن لا يتخلوا عنها مهما كانت الظروف. ولكنهم مطالبون أيضا بأن لا يسقطوا في مواقف طفولية بأن ينكروا الجانب المعادي للامبريالية عند تلك الأنظمة فيجدون أنفسهم – في حال معارضتها- في نفس الخندق، مع القوى الرجعية العميلة ومع الامبريالية، فيفقدون كل مصداقية في علاقة بالجماهير الشعبية ويوفرون لتلك البورجوازية الإمكانية لعزلهم والقضاء عليهم. وفي كلمة فإنهم من ناحية يدعمون الإجراءات المعادية للامبريالية وعملائها التي تتخذها الأنظمة المعنية (فينزويلا، بوليفيا…)، ومن ناحية أخرى لا يترددون في نقد عدم تماسكها وترددها والتنازلات التي تقدمها لأعداء الشعب، ويعبئون الطبقة العاملة والشعب من أجل توسيع المكاسب المحققة وفتح أفق أرحب للنضال الوطني والاجتماعي حتى إذا تراجعت تلك الفئات الوسطى الحاكمة تحت ضغط الامبريالية وعملائها وهو أمر وارد أو تم الانقلاب عليها، وجد الشعب نفسه في الموقع الذي يخوّل له فرض إرادته حتى بقوة السلاح إن لزم الأمر.

وأخيرا وليس آخرا فإن القوى الماركسية مطالبة بأن لا تبقى مكتوفة الأيدي حين ترى القوى الامبريالية الكبرى تعتدي أو تتحرش على بلدان مثل كوبا، أو كوريا الشمالية أو إيران أو سوريا، مفتعلة ضدها مشاكل لضربها، بدعوى أن أنظمتها غير ديمقراطية أو دكتاتورية، أو إن معارضة التحرّش بها قد تفهم منها مساندتها، وهذا الموقف انتهازي بكل المقاييس، باعتبار أن المحرك الحقيقي للبلدان الامبريالية ليس الغيرة على مصالح شعوب البلدان المعنية، بل مصالحها. ثم، وهذا أمر على غاية من الأهمية، إن كل شعب من الشعوب وباعتبار أن كل شعب مسؤول عن النظام الذي يحكمه وهو الذي يقرر تغييره متى أراد وكيف ما أراد. وليس لأي كان، وخاصة مصاصي الدماء، أن يفرضوا عليه هذا النمط من الحكم أو ذاك.

كل هذه المسائل تجرنا إلى طرح مسألة الجبهة العالمية المعادية للامبريالية التي على الماركسيين اللينينيين أن يعملوا بجد من أجلها حتى تضم العمال والشعوب وكل القوى المناهضة للامبريالية، والعولمة والحرب، الخ.

إن التضامن الأممي هو واحد من المبادئ الأساسية للماركسيين اللينينيين وركن من أركان نشاطهم، نابع من إيمانهم باتحاد مصلحة العمال والشعوب في مقاومة الامبريالية. وقد شكّل منذ أممية ماركس الأولى شعارا مركزيا من شعاراتها: « يا عمال العالم اتحدوا » حوّل لينين هذا الشعار في عصر الامبريالية إلى « يا عمال العالم وشعوب وأمم العالم المضطهدة اتحدوا » وظل التضامن الأممي بارزا في مجرى الأحداث العالمية إلى أن تراجع بتراجع الحركة العمالية والشيوعية. إن اللحظات الكبرى للتضامن الأممي قلّت منذ الستينات وتبقى مساندة الثورة الفيتنامية الباسلة آخر كبريات الحركات التضامنية للعمال والشعوب المعادية للامبريالية. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتوابعه تراجع التضامن الأممي بشكل خطير وسادت المحلية والوطنية الضيقة في الوقت الذي تدعّم فيه تنسيق البورجوازية على مستوى عالمي. ولكن العدوان على العراق عام 2003 حمل مؤشرات لبداية عودة ذلك التضامن من خلال الحركات المناهضة للحرب. وأصبح المجال اليوم أوسع لتطوير التضامن الأممي عبر أطر أخرى. وتمثل النقابات الطبقية أحد أهم هذه الأطر وكذلك الحركات المعادية للعولمة و »التنظيمات غير الحكومية ».

إن ردّ الفعل على هجوم رأس المال بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أدى إلى ظهور تنظيمات جديدة مثل « أتاك » و »المنتديات الاجتماعية » كما سمح لتنظيمات قديمة مثل حركة السلم ومنظمات حقوق الإنسان بالانتعاش ومن واجب الماركسيين اللينينيين الاهتمام بكل هذه الحركات. إن المبدأ هو تشجيع كل حركة أو تنظيم يمكن أن يقدّم النضال ضد الاحتكارات الامبريالية.

وإضافة إلى هذا كله توجد مجالات أخرى توفر إمكانيات كبيرة للنضال على الماركسيين اللينينيين الاهتمام بها وإدراجها ضمن مشاغلهم وبرامج عملهم وهي:

أ النساء:

يمثل النساء أحد أهم ضحايا الهجوم الرأسمالي الامبريالي على النطاق العالمي. فقد تمّ التراجع عن العديد من مكاسبهن في مختلف المجالات والتي كنّ حققنها بنضالاتهن وتضحياتهن منذ ما يزيد عن القرن ونصف، واضحى الضحية المفضلة للبطالة والتهميش والفقر وغلاء المعيشة والجهل والعنف والاغتصاب. وهن يجررن بالملايين في مختلف أنحاء العالم إلى الدعارة ليراكم وحوش « سوق اللذة » الأرباح على حسابهن وعلى حساب كرامتهن، على مرأى ومسمع من حكومات رأس المال. كما أنهن ضحية اساسية للحروب الأهلية والامبريالية والاستعمارية. فهن يشكلن إلى جانب الأطفال النسبة الأكبر من اللاجئين.

إن الوقائع تؤكد مرة أخرى أن الرأسمالية تمثل اليوم العائق الرئيسي أمام تحرر النساء. وفي ذلك تأكيد لأهمية تعبئتهن ضد الرأسمالية والامبريالية وأذنابهما في البلدان التابعة. ومن واجب الماركسيين اللينينيين أن يثابروا من أجل تنظيمهن حول أرضيات ملموسة وواضحة لتطوير وعيهن وتنظيمهن في جبهات واسعة من أجل حقوقهن الأساسية وتحررهن الشامل والتام. وتكتسي مسألة النساء في البلدان العربية والإسلامية أهمية خاصة لأن أوضاع النساء في هذه المناطق هي الأكثر تخلفا في العالم على أكثر مستوى. فهي تسجل نسبة أمية وبطالة وتهميش وفقر من أعلى النسب في العالم. كما تسجل وجود أشكال من التمييز والقهر هي من افظع ما يوجد في العالم ونعني هنا تشريع تعدد الزوجات وختان الفتيات (مصر، السودان…) ورمان النساء بشكل عام من أبسط حقوقهن المدنية والسياسية واعتبارهن قاصرات. وتزداد أوضاع النساء العربيات والمسلمات صعوبة وتعقيدا مع تنامي التيارات السلفية واتساع تأثيرها وهي الداعية إلى العودة بالمرأة إلى ظلمات القرون الوسطى. ويلقى على عاتق القوى الثورية والديمقراطية والتقدمية في البلدان المعنية تحمّل مسؤولياتها إزاء نصف المجتمع النسائي والقيام بنشاط حثيث في صفوفه لكسبه لمشروع التغيير.

ب الشباب:

إن الشباب هو الضحية الأساسية الأخرى للرأسمالية والامبريالية اليوم. فقد سدتا أمامه الآفاق وأفقدتاه الرغبة في الحياة والعمل والخلق والإبداع وغذت فيه الياس والإحباط. فالشاب يتعلم إن توفرت له الفرصة طبعا، ولكن بدون أفق، إذ تنتظره في معظم الأحيان البطالة والتهميش. كما أن نمط الحياة البورجوازي وسيطرة العقلية الاستهلاكية وانعدام المرجعية القيمية تدفعه إلى عالم الانحراف والجريمة وتسلط البورجوازية والامبريالية على الشباب قمعا سياسيا وإيديولوجيا فظيعا وهي تعمل بكل الوسائل المادية والمعنوية على منعه من الاهتمام بقضايا مجتمعه المصيرية وتلويث وعيه وتمييعه. وتزداد أوضاع الشباب خطورة في اللدان التابعة حيث معدلات البطالة والأمية في صفوف الشباب مرتفعة، وحيث القمع السياسي وافيديولوجي أشد. وفي البلدان العربية لم تبق اّلأنظمة الحاكمة الاستبدادية والفاسدة للشباب من أفق غير الانخراط في الميوعة والانحلال من جهة أو في أنماط التفكير والممارسة السلفيين من جهة أخرى. ومن واجب اليسار الماركسي اللينيني العناية بالشباب عبر التثقيف والتوعية وفتح الآفاق السياسية على قاعدة برامج ملموسة توجه طاقة الشباب إلى الفعل الإيجابي، إلى مقاومة الاستغلال الرأسمالي والامبريالي والمساهمة في بناء حضارة جديدة لطموحاته وآماله.

د– الثقافة:

إن أحد أهم أهداف البورجوازية الامبريالية اليوم هو القضاء على ثقافات الشعوب وهوياتها وتحويل الإنسان إلى مجرد كائن استهلاكي، بلاروح ولا مشاعر. كما أنها تعمل بكل الوسائل على ترويض المثقفين والمبدعين سواء بشراء ضمائرهم أو بقمعهم حتى لا يؤدوا رسالتهم تجاه مجتمعاتهم ويكونوا ضمائر شعوبهم خصوصا وقد خبرت البورجوازية في أكثر من مناسبة على امتداد القرن العشرين الدور التعبوي العظيم للمثقفين والمبدعين ضد جرائمها.

إن الثقافة تمثل اليوم واجهة أساسية يمكن أن تجمّع المثقفين والمبدعين التقدميين من كل الشعوب والأمم بما في ذلك بالخصوص شعوب البلدان المتطورة التي هي ليست في منأى من « الاعتداء الثقافي » للدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى فرض نمط تفكيرها وعيشها وسلوكها على باقي الشعوب.

ج– البيئة:

لقد بيّن ماركس في تحليله للرأسمالية أنها لا تمثل خطرا على الإنسان فحسب بل كذلك على الطبيعة إذ أنها لا تتستنفد طاقة البشر فحسب لتكديس الأرباح بل كذلك تخرّب الطبيعة، وهي إذ لا تقيم وزنا لصحة الإنسان الجسدية والمعنوية، فهي ايضا لا تقيم وزنا لتوازن البيئة وسلامتها حتى لو كان ذلك في ذل خطر على مستقبل الحياة في الأرض. وليس أدل على ذلك من أن أكبر قوة رأسمالية اليوم، أي الولايات المتحدة الأمريكية، ما تزال ترفض التوقيع على اتفاقية كيتو المتعلقة بالتصدي للارتفاع المتزايد لحرارة الأرض نتيجة لتلوث الصناعي الذي تسهم فيه هذه الامبريالية بدرجة هامة.

وقد أدى تفاقم المشاكل البيئية إلى ظهور أحزاب وحركات « الخضر » خلال العقود الأخيرة. وقد جعلت هذه الأحزاب والحركات من الدفاع عن البيئة أساس برامجها السياسية وحملاتها الانتخابية ولكنها تحولت في معظم الأحيان، على أحزاب وحركات بورجوازية تساهم في حكومات راس المال وتنفذ برامجها المضرة بالإنسان والطبيعة على حد السواء. ويطرح على القوى الماركسية اللينينية اليوم أن تولي هذه المسألة التي تثير مخاوف المليارات من البشر وتهدد مصير الأجيال القادمة من الإنسانية، الأهمية اللازمة وتدمجها ضمن برامجها الاستراتيجية والتكتيكية لأنه لا يمكن الدفاع عن الإنسان، دون الدفاع عن سلامة المحيط الطبيعي الذي يعيش فيه.

إن اليسار الماركسي لن يعيد بناء ذاته إلا بالعمل في صلب العمال والشعوب وتمثّل مطالبهم وطموحاتهم وترجمتها إلى برامج ومقترحات وتحقيقها عبر ممارسة نضالية، يعطي فيها الماركسيون المثل على الكفاحية والجرأة ونكران الذات. وما من شك أن ذلك سيبقى منقوصا إذا لم يولي الماركسيون قضايا التنظيم الأهمية اللازمة. فالثورات تقودها هيئات أركان هي الأحزاب والحركات السياسية المسلحة بفكر وبرامج ثورية وذات التنظيم العالي، والتجربة العمالية والماركسية ثرية بذلك. لذا من واجب القوى الماركسية اللينينية أن تهتم بتنظيم العناصر الواعية صلب الطبقة العاملة والكادحين والمثقفين لتجعل منهم التنظيم الطليعي للعمال والكادحين والشعب.

وُظفت وقائع انهيار الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية لخلق الاعتقاد بأن « النضال لم يصلح لشيء » وأنه « خيض من أجل لا شيء » ولترويج العدمية وروح الارتداد والإحباط. وعلينا أن ندرك أنه لا وجود لنضال بدون جدوى مهما كان حجم الهزائم ومهما كان تأثيرها وأهمية المواقع التي تم خسرانها. إن التجارب المُراكـَمة في النضال تبقى حية في الوعي والضمير، حتى في أحلك الظروف لتنير السبيل. وبالنسبة إلى الطبقة العاملة والشعوب فإن الهزيمة ليست قدرا محتوما. إن التاريخ لا يتوقف، بل يتقدم رغم الهزائم التي لا تغير في شيء من الموقع الموضوعي للطبقة العاملة فإن التاريخ والإنسانية يواصلان تقدمهما وإنْ في بحرٍ من الآلام والمعاناة.

فليتحرّر الماركسيون اللينينيون أولا من الإحباط ولينطلقوا من جديد في اتجاه الطبقة العاملة والشعوب والمؤكد أنهم بتحركهم ذاك سيغيرون من جديد وجه العالم، وقد يكون هذه المرة، إلى الأبد. فلنتغير لنغيّر وجه العالم الذي يدعونا إلى تغييره.

(المصدر: كراس « الشيـــوعـي » الصادرة عن حزب العمال الشيوعي لشهر جوان 2007)

 


عن الخطأ والخطيئة في الحرب علي عقول وقلوب الإرهابيين

 
د. عبدالوهاب الأفندي 10/07/2007  
في الجدال الذي ثار بعد هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) حول مصدر الكراهية ضد الولايات المتحدة، تطوع الأكاديمي الأمريكي اللبناني الأصل فؤاد عجمي بتشخيص للمسألة يعكس رؤية المحافظين الجدد حين قال في محاضرة ألقاها في واشنطون في عام 2004: هناك مدرستان للتفكير حول السؤال المشهور: لماذا يكرهوننا؟ هناك مدرسة تقول: إنهم يكرهوننا ـ ماهي مشكلتنا؟ أما المدرسة الثانية فتقول: إنهم يكرهوننا ـ ماهي مشكلتهم؟ سيداتي سادتي، إنني أنتمي بإصرار إلي المدرسة الثانية، فإنني لا أنفق الكثير من الوقت في التأمل في سبب كراهيتهم لنا وما هو الخلل عندنا . في بريطانيا كان رئيس الوزراء السابق توني بلير أيضاً ينتمي بإصرار إلي المدرسة العجمية في تفسير ظاهرة الإرهاب، حيث كان يكرر باستمرار أن مصدر الظاهرة الإرهابية هو ما يصفه بالعقيدة الإسلامية المنحرفة التي تصرعلي شن الحرب علي الغرب بدون أي مبرر سياسي أو عقلاني. وبحسب هذا الرأي فإن الطريقة الوحيدة لمحاربة الإرهاب تتمثل في استخدام العنف المضاد، وهذا يعني الدخول في حرب طويلة الأمد ضد ما يسمي بقوي التطرف الإسلامي. ولكن هناك اختلافا بين أعضاء هذا التيار حول تحديد الطيف الذي يمكن أن ينطبق عليه وصف التطرف الإسلامي. فالبعض يحدد هذا التيار بأنه تيار الجهاديين الذين يدعون إلي العنف باسم الإسلام، بينما يضيف آخرون إليها التيار السلفي عموماً، أو ما يسمي بالوهابية. وهناك من لا يستثني أيا من التيارات الإسلامية بأطيافها السنية والشيعية. ولا تستنكف طائفة من هؤلاء عن وصف الإسلام نفسه بأنه المشكلة. وغالباً ما ينتهي الأمر بأصحاب هذا التيار إلي التهجم علي الدين عموماً، كما هو حال بول بيرمان، أحد اليساريين السابقين الذين تحولوا بعد أحداث ايلول (سبتمبر) إلي خانة اليمين والتهجم علي التطرف الإسلامي ، قبل أن يصدر حديثاً كتاب عنوانه: الله ليس بعظيم ، يهاجم فيه التدين عموماً. وإذا كان بلير وبعض أقطاب هذا التيار من أمثال دونالد رامسفيلد يتحدثون عن حرب ضد التطرف تستمر أجيالاً، فإن الأكثر صراحة بينهم يتحدثون عن حرب صليببة جديدة تستهدف الدين الإسلامي عموماً، وتستتبع حرباً داخل الإسلام بين المعتدلين والمتطرفين لا بد أن يدعم فيها الغرب التيار المعتدل. الإدارة البريطانية الجديدة بقيادة غوردون براون اختارت بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في لندن وسكوتلاندا أن تباعد بينها وبين هذه الرؤية البليرية، حيث اعتمدت منهجاً وصفه قادة المسلمين في بريطانيا وكثيرون غيرهم بأنه كان موقفاً متوازناً. فالحكومة لم تتحدث كثيراً عن الإرهاب الإسلامي ، كما أن رئيس الوزراء دعا إلي ما سماه حملة كسب العقول والقلوب ولتوحيد كل طوائف المجتمع البريطاني حول حملة التصدي للإرهاب. لأول وهلة يبدو هذا الموقف أقرب إلي الاعتدال والصواب. ولكن نظرة متعمقة للأمر تكشف أن الأمر قد لا يكون بهذا الوضوح. ذلك أن الخلاف الأساسي كما ذكرنا هو بين من يركزون علي العوامل السياسية التي تولد الإرهاب، وبين من يركزون علي ما يصفونه بالناحية المرضية في المجتمعات العربية والإسلامية. وبحسب الموقف الأول فإن علاج المسألة يكون سياسياً، أي عبر الحوار مع المجتمعات المعنية وإزالة المظالم التي تدفع الناس إلي اللجوء إلي العنف. ولعل المفارقة أن هذا هو المنهج الذي اتبعه توني بلير في تعامله مع المشكلة الأيرلندية، حيث خالف موقف أسلافه في رفض الحوار مع إرهابيي الجيش الجمهوري الأيرلندي، وقاد الحوار معهم حتي توصل إلي اتفاق انهي النزاع هناك. أما الجانب الآخر فيدعو إلي حرب لا نهاية لها مع المتطرفين بدون أي مجهود لمناقشة القضايا السياسية، مثل احتلال العراق. ولا يجادل أنصار هذا التيار بأن حرب الأفكار كما يصفونها، أو معركة كسب العقول والقلوب هي أحد أهم مركبات ترسانة الحرب الأبدية ضد الإرهاب. وقد كانت كوندوليزا رايس في منصبها السابق كمستشارة الأمن القومي، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع السابق من أول من رفع هذه الشعارات. وهذا يعني أن حرب الأفكار عند هؤلاء ليست بديلاً للحرب الفعلية، بل من أهم أسلحتها. وبحسب هؤلاء فإن المثال الذي يحتذي هنا هو الدعاية المضادة للشيوعية التي مثلت عصب ما سمي بالحرب الباردة. وكنت قد علقت عندها بأن حديث وزير الدفاع عن حرب أفكار هو اعتراف مبكر بالفشل في مهمته الأساسية، وهي حرب البنادق والقنابل. فالحكومات لا تنشيء وزارات الدفاع وتبني الجيوش لتبادل الأفكار مع الخصوم، وإنما لهزيمتهم وإخضاعهم. وعندما يبدأ وزير الدفاع الحديث عن كسب العقول والقلوب فهذا يعني أنه في الوظيفة الخطأ، لأن هذه هي مهمة الدبلوماسيين ومن في حكمهم، لا مهمة العسكريين. اعتبار حرب الأفكار نوعاً من العمل العسكري، أي عملية هجومية بدلاً من أن تكون حواراً حقيقياً، هو أول خلل في هذه النظرية. وكما هو معروف فإن من تولوا كبر هذه الحرب أرادوا أن يستخدموا أساليب من التضليل والكذب كأدوات في هذه الحرب، إضافة إلي ما علم من دور أجهزة المخابرات في هذه العمليات، خاصة فيما يتعلق بتمويل حملات إعلامية سرية، وحتي دعم تيارات وشخصيات ومدارس دينية مالياً وإعلامياً وسياسياً، وتشجيع الصراع والتقاتل بين المسلمين. ومثل هذه التصرفات لا يمكن أن تخدم التفاهم بين الحضارات، لأنه يمثل أعمالاً عدوانية ضد المجتمعات الإسلامية. إضافة إلي ذلك فإن هذه الحملات تتجنب عمداً الحديث عن أسباب الخلاف الحقيقية، ناهيك عن معالجتها. فدعاة هذا المنهج هم تحديداً أولئك المؤيدون بتطرف لأعمال تتمثل في غزو العراق واستمرار النهج العدواني الإسرائيلي والتحالف مع الأنظمة القمعية في العالم الإسلامي، والدعوة إلي إخضاع العرب والمسلمين للمصالح الغربية. وبالتالي فإنهم من دعاة ما يسبب الخلاف والنزاع، لا ما يؤدي إلي التصالح. ومن هنا فإن هذه الحملات لا يمكن أن تنجح إلا إذا انخدع المسلمون والعرب، أو تم إقناعهم بلا جدوي المقاومة والقبول بالذل والعبودية عن طيب خاطر. من جهة أخري فإن الحديث عن حملة لكسب العقول والقلوب يقوم علي افتراض أن المجتمعات المعنية، سواءً المجتمعات الإسلامية في الغرب، أو شعوب الدول العربية والإسلامية، تؤيد العمليات الإرهابية من نوع تلك التي حاول البعض ارتكابها في بريطانيا الشهر الماضي. ومن هنا فإن الحملة تهدف من هذا المنطلق إلي إقناعهم بالتخلي عن هذا الدعم. ولكن هذا افتراض خاطئ. فالأمر لا يشبه هنا الوضع في أيرلندا الشمالية، ولا حتي في فلسطين والشيشان، حيث تعبر الجماعات المسلحة هناك عن تيار جماهيري واسع يدعمها ويدعم أسلوبها القتالي. ولكن مسلمي الغرب لا يعتبرون جماعات العنف ممثلة لهم، ولا يدعمون أسلوبها في العمل. ومن هنا فإنها مضيعة للوقت أن يحاول المرء إقناعهم بالتخلي عن دعم الإرهاب. ومن جهة أخري فإن محاولة إقناع الجماهير في فلسطين والعراق أو الشيشان بالتخلي عن دعم جماعات المقاومة بالحجة والمنطق دون التعامل مع المظالم التي تسببت في اندلاع المقاومة أساساً، هو أيضاً مضيعة للوقت. وأقل توفيقاً من هذا محاولة إقناع الفلسطيني أو العراقي بحجج دينية وفقهية بخطأ أساليب المقاومة. ذلك أن قطاعاً كبيراً من العرب يدعمون فصائل المقاومة ليس بسبب أيديولوجيتها، بل بالرغم من تلك الأيديولوجيات. فهم دعموا جورج حبش المسيحي الماركسي حين تصدي للمقاومة، رغم أن الغالبية ليست مسيحية ولا تؤمن بالماركسية، وهم يدعمون حماس رغم أن الكثيرين لا يرتضون نهجها الديني، ويدعمون حزب الله رغم أن أكثرهم سنة ومنهم مسيحيون كثر. فالجماهير تؤيد حركات المقاومة لأنها تقود المقاومة، وليس العكس كما يفهم أنصار حرب الأفكار الذي يرون أن الحركات الإسلامية هي التي تقود الناس إلي المقاومة انطلاقاً من فكرها الديني المتعصب . ولو تخلت هذه الحركات عن المقاومة لكانت مذاهبها تحسب عليها لا لها. من هنا فإن عقلية حرب الأفكار تقوم بمجملها علي فهم خاطئ للقضية بمجملها، وبالطبع عند المتطرفين من دعاتها مثل عجمي وشيعته علي سوء نية مبيت. فالعمليات الإرهابية هي حقاً تعبير عن خلل مزدوج: في بنية المجتمعات الإسلامية من جهة، وفي هيكلية الوضع الدولي من جهة أخري. أما الخلل الدولي فهو كثرة المظالم التي يتعرض لها المسلمون، وكثرة الطامعين في أراضيهم وثرواتهم، وعدم وجود آلية عادلة لحسم هذه النزاعات. أما الخلل في الجانب الإسلامي هو عجز المؤسسات المفترض فيها أن تتولي الدفاع عن الشعوب ضد هذه التهديدات، وعلي رأسها الدولة، فشلت في لعب دورها، وتحولت في كثير من الأحيان إلي عدو للشعوب. وهذا الخلل المزدوج فتح الطريق أمام مختلف أصناف متعهدي الحلول، من حركات المقاومة والجماعات السرية والدينية، للبروز ولعب دور ظل في انتظار من يتولاه. من هنا فإن توجيه الدعاية للعرب والمسلمين عبر مؤسسات مثل قناة الحرة، أو شخصيات مستهلكة تدعم أنها قيادات دينية أو ثقافية، لا يمكن أن يجدي شيئاً، مثلما أن الحرب علي المنظمات الإرهابية لن تحل المشكلة. فلو أن كل الإرهابيين الحاليين أبيدوا أو أعلنوا توبتهم إلي الله، فإن جماعات أخري ستنشأ لتلعب هذا الدور ما دام الخلل قائماً. فالأولي هو إصلاح الخلل الأساسي في الوضع الإسلامي، بالسماح بقيام حركات سياسية حقيقية تعكس وتجسد تطلعات الشعوب، وحكومات شرعية لها القدرة علي الدفاع عن مصالح شعوبها والشرعية للتفاوض باسمها، ثم إصلاح النظام الدولي بحيث تتولي مؤسساته الدور التي تضطلع به حركات المقاومة اليوم، مثلما حدث في كوسوفو والبوسنة. فأفضل طريقة للقضاء علي الإرهاب هي إيجاد آليات دولية تتصدي بالقوة للاحتلال الإسرائيلي، وتعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، وتتولي إجلاء الاحتلال من العراق، وفرض حكومة وحدة وطنية هناك تمثل كل أطياف الشعب، وقس علي ذلك. (*) كاتب وأكاديمي سوداني مقيم في بريطانيا (المصدر: صحيفة « القدس العربي » (يومية – لندن) الصادرة يوم 10 جويلية 2007)

 

الجنرال عسكري يكشف النقاب عن الأسرار النووية الإيرانية

 
كشف مصدر أميركي كبير النقاب لصحيفة »يديعوت احرونوت« عن ان الجنرال علي رضا عسكري الذي اختفت آثاره في شهر شباط الماضي بمدينة استنبول التركية، والذي نشرت شائعات كثيرة حول ظروف اختفائه، لاذ بالفرار الى الغرب وتحتجزه الآن الولايات المتحدة في موقع استخباري محصن. وقال المصدر الاميركي ان عسكري القى خلال التحقيقات الكثيرة التي أجريت معه الضوء على سلسلة طويلة من القضايا والموضوعات المتعلقة بالاسرار النووية الايرانية والتي لم تكن تتوفر للاميركيين معلومات مباشرة اوغير مباشرة عنها. وقال المصدر الاميركي بأن هروب الجنرال الذي يعتبر من احد كبار رجال الاستخبارات الايرانية، بل والاكثر بروزا منذ الثورة الايرانية جرت بعد عملية استخبارية معقدة، تم خلالها اجراء اتصالات بينه وبين وكالة المخابرات المركزية (سي، آي، ايه) وارتبط بعد ذلك برجال الاستخبارات الغربيين في استنبول، وتمكن من اخراج عدد من افراد عائلته من ايران ويتواجدون اليوم معه في موقع سري. مسار سري وكما هو معروف فان المعلومات الاكثر اهمية التي سلمها عسكري تتعلق بالمشروع النووي الايراني، وقال بأنه يوجد مسار آخر وسري لا يعرف الغرب عنه ونجح الايرانيون من خلاله باحراز تقدم كبير. عرف حتى الآن بأن الايرانيين يقومون ببناء مفاعلين نوويين في بوشهار وباراك، حيث يقومون بتخصيب اليورانيوم بواسطة طاردات مركزية في مكان يطلق عليه نتناز. وكشف عسكري النقاب عن مسار آخر أحرز فيه العلماء الايرانيون تقدما يرتكز على تكنولوجيا قديمة نسبيا لتخصيب اليورانيوم من خلال استخدام اشعة ليزر، لكنهم أضافوا لهذا الاسلوب تطويرات كيماوية مختلفة، تحول هذه التكنولوجيا الى أكثر تطورا. وعرض الجنرال الايراني سلسلة من الوسائل التي يستخدمها الايرانيون من اجل اخفاء هذا المسار عن عيون أجهزة المخابرات الغربية، وذلك من اجل تمكن ايران من استمرار التطوير في هذا المسار السري لحين بناء القنبلة النووية الشيعية الاولى، في حال تشويش ضغوط دولية او عملية عسكرية على المسارات المعروفة. وخدم عسكري في سلسلة مناصب رفيعة، بالحرس الثوري الايراني، وهذه هي المؤسسة المسؤولة عن أمن وحماية المعلومات الخاصة بالمواقع التابعة للمشروع النووي الايراني، ولهذا تتوفر لدى عسكري معلومات ممتازة عن هذا الموضوع، وتجدر الاشارة ايضا الى انه كان مستشارا للرئيس الايراني السابق خاتمي كما خدم عضوا في المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني. قلق غربي ادت المعلومات المفصلة التي ادلى بها عسكري عن المشروع النووي الايراني وخصوصا عن المسار السري المذكور الى سيادة قلق بالغ في اوساط اصحاب حق القرار بعدة دول غربية وفي اوساط القلائل الذين يتناولون الموضوع الايراني في هذه الدول، والذين اطلعوا على المعلومات الجديدة، لقد أثيرت ومنذ فترة طويلة شكوك، ومخاوف من محاولة ايراني الحصول على قنبلة نووية بسبل اخرى ووصلت شذرات معلومات استخبارية اكدت هذه التقديرات لكن لم يشك احد بأن الحديث يدور عن تقدم كبير يقرب ايران من تصنيع فتيلتها النووية، بصورة أكبر بكثير من التقديرات التي سبقت هروب عسكري. وأعرب المصدر الاميركي عن تقدير كبير للمخابرات الايرانية وقال: »لقد عرفنا في نهاية المطاف واكتشفنا المسار السري في هذا المجال، لكن يجب الاعتراف بقدرات اجهزة الامن الايرانية التي نجحت مرة أخرى بمفاجأتنا، وبعملها لسنوات طويلة على خيار سري لم نعرف عنه شيئا«. خداع المخابرات الاسرائيلية يذكرنا الاكتشاف الجديد بنجاح ايران بخداع المخابرات الاسرائيلية والاميركية طوال سنوات التسعينات بأن المسار المركزي الذي تحاول ايران الحصول من خلاله على المعلومات والمواد المطلوبة لانتاج القنابل النووية هو المسار الروسي، وفقط عام 2002 وفي الدقيقة التسعين وبعد ان اصبحت ايران على وشك البدء بعمليات تخصيب اليورانيوم بواسطة الطاردات المركزية التي تلقتها من باكستان، كشف النقاب عن هذا المسار، واتضح بأن العلاقات مع روسيا استهدفت وبصورة رئيسة ابعاد الانظار عن الامور الحقيقية. ويتضح الآن بأن الصراع الدولي الذي دار في السنوات الثلاث الاخيرة حول موقع الطاردات المركزية في نتناز استخدم للتمويه الجزئي على الأقل على المسار السري الذي تحدث العسكري عنه. تحليل معلومات تعمل الاوساط الاستخبارية الغربية الآن على تحليل المعلومات التي عرضها عسكري، وعلى اعادة تقدير الوقت الذي ستسغرقه ايران للتوصل للقنبلة النووية. وقال المصدر الاميركي ان المعلومات التي عرضها عسكري تقف وراء التصريحات التي ادلت بها كونداليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي والتي اكدت في سياقها الاخطار الايرانية. وأضاف المصدر الاميركي بأن ضرورة تحليل واضافة المعلومات التي قدمها عسكري هي التي تقف وراء قرار عدم نشر معلومات عن تورط ايران في الارهاب الدولي، بما في ذلك بعمليات ضد الولايات المتحدة في لبنان والسعودية. وأضاف المصدر المذكور انه بعد انتهاء تحليل المعلومات التي قدمها عسكري واجراء عدة تحقيقات جديدة معه، من المحتمل استخدام هذه المعلومات في اثبات الاكاذيب الايرانية، وقال المصدر بأن فرضيات العمل الايرانية الآن ترتكز على ادراك ايران بأن عسكري لاذ بالفرار، ولهذا تتخذ خطوات احترازية، بناء على احتمالات ادلائه بمعلومات عن كل ما يعرفه. وعلى كل الاحوال فقد ادت المعلومات لدى عسكري الى تخييب الآمال بأمر واحد، اذ اعتقدت المخابرات الاسرائيلية وطوال سنوات بأن لدى عسكري معلومات تحل احجية اختفاء الطيار الاسرائيلي رون آراد، وقال المصدر الاميركي ان عسكري لم يعرض اي اضواء جديدة حتى الآن على هذه القضية. (المصدر: صحيفة « القدس » (يومية – القدس المحتلة) الصادرة يوم 9 جويلية 2007) الرابط: http://www.alquds.com/inside.php?opt=2&id=44439

 


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

14 avril 2004

Accueil TUNISNEWS   4 ème année, N° 1425 du 14.04.2004  archives : www.tunisnews.net الرّابطة التّونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان: طّرد الرّئيس

+ لمعرفة المزيد

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.