نداء عاجل من والد السّيّد عبد الكريم الهاروني السّجين السّياسي التّونسي
السّلام عليكم
نداء عاجل من والد السّيّد عبد الكريم الهاروني السّجين السّياسي التّونسي و الأمين العام سابقا للاتّحاد العام التّونسي للطّلبة و القيادي في حركة النّهضة بسم الله الرّحمن الرّحيم و الصّلاة و السّلام على النّبيّ الكريم نداء عاجل الى جميع المنظّمات الانسانيّة و الجمعيّات و الهيئات و الرّابطات الحقوقيّة االتّونسيّة و العالميّة و المجتمع المدني ووسائل الاعلام و الأحزاب و الشّخصيّات و الى كلّ الضّمائر الحرّة في العالم انّ ابننا في خطر مضرّ بصحّته و بحياته في السّجن المدني بالمرناقيّة بتونس جرّاء المعاملة الغير قانونيّة و اللاانسانيّة الّتي تمارسها عليه الادارة العامّة للسّجون و كذلك ادارة السّجن و قد دخل ابتداء من هذا اليوم أي الاثنين 9 جويلية في اضراب عن الطّعام و هو يعيش في حالة جوع منذ مدّة : رفض قبول قفّة الطّعام ثمّ أنّ الأكل في السّجن دون المستوى المتوسّط الحارّ و أكّد الى أنّه لن يقبلها الى أن يقع ادخالها له في ظروف انسانيّة و قانونيّة اضافة الى الطّقس كما أنّه يشكو من المعاملة الّتي يصفها بالمعيبة حتّى أنّني في اضراب عن الطّعام هذا اليوم مساندة لابني عبد الكريم في محنته ونحن كلّنا في العائلة نعيش هذه الأيّام ألما شديدا بسبب التّضييق الشّديد الّذي يمارس عليه منذ أشهر و الّذي يستهدف حياته لم يحصل أيّ شئ ايجابيّ كما ذكر لنا ابننا في زيارة يوم السّبت 07.07.2007 و قد أبرقنا الى رئيس الجمهوريّة و وزير العدل و حقوق الانسان و المدير العام للسّجون و الاصلاح و رئيس الهيئة العليا للحرّيّات الأساسيّة في اليوم نفسه في الوقت الّذي ننتظر اطلاق سراحه ورجوعه الينا سالما و حرّا محفوظ الكرامة و مسترجعا لحقوقه كاملة دون نقصان المدنيّة منها و السّياسيّة و غيرها، بعد 17 سنة سجنا فقط لأنّه أراد أن يعيش حرّا في شعب حرّ و في وطن حرّ اخيرا أتقدّم لكم بالشّكر الجزيل باسمي و باسم ابننا السّيّد المهندس الأوّل عبد الكريم الهاروني و باسم أبنائي و بناتي الى كلّ مستمع مصغي الى هذا النّداء و مساند لنا جميعا في هذه المحنة و مدافع عن الكرامة الانسانيّة أينما كانت نتقدّم اليكم جميعا بأسمى عبارات الشّكر و التّقدير و السّلام عليكم و رحمة الله و بركاته عمر الهاروني و الد السّجين السّياسي السّيّد عبد الكريم الهاروني و العائلة الكرم الغربي- تونس الهاتف: 21671971180
نداء من أجل كونفدراليّة عامّة للتربية و التعليم
يمرّ قطاع التعليم الأساسي بمنعطف خطير تتهدّد فيه جدّيا أهمّ مكتسباته التي تحققت عبر نضالات و تضحيات جسيمة خاضتها أجيال المعلّمات و المعلّمين بكلّ صبر و تصميم و تأطّرت تحت راية النقابة العامة للتعليم الأساسي أعرق نقابات الاتحاد العام التونسي للشغل و أكثرها انضباطا و مسؤولية, و يشهد كل تاريخ الاتحاد أنّ للمعلّمين بصمتهم الواضحة في بناء هذا الصرح الوطني و تمتين أسس استقلاليته ووحدته و بلورة خلفياته الاجتماعيّة. و قد كان قطاع التعليم الأساسي و لا يزال من أكثر القطاعات تمسّكا بالشرعيّة النقابيّة و احتراما لأصول العمل النقابي مضحيا في إطار الوحدة النقابيّة بسقف مطالبه المشروعة خدمة للاستراتيجيات العامة للاتحاد و تصوّرات قياداته المتعاقبة للسلم الاجتماعية مما جعله محل تقدير و اقتداء من كل القطاعات و الهياكل النقابية و غير النقابيّة. غير أنّ هذا القطاع بات اليوم و أكثر من أيّ وقت مضى محلّ استهداف و تحجيم حيث ترى فيه السلطة محرّكا للزخم المطلبي داخل الاتحاد و خصوصا بين قطاعات الوظيفة العمومية و تتقبّل احتياجاته و استحقاقاته كتحدّ متجدّد لسياسات تجميد الأجور المتستّرة وراء الزيادات الدوريّة عديمة الجدوى, كما تراه المركزيّة النقابية الحاليّة إلى جانب قطاعات أخرى كعناصر تمرّد على سياسات » ضبط النفس » التي تتواخاها لحسابات تحدّدها ضغوطات السلطة من ناحية و القوانين الدّاخليّة و تقاليد العمل البالية و المعرقلة لطاقات القطاع النضالية التي أثبتت فاعليتها في نسب الاضرابات المنجزة من ناحية ثانية. و قد برزت النوايا التصفوية لحركيّة القطاع و لدوره بكل سفور في وقائع و حيثيات معركة الدفاع عن مكسب حركات نقل المعلّمين و ذلك من خلال: 1/ عزل القطاع نضاليا بعد أن تمكّن من خلق جبهة تحرّك مشترك مع قطاعي التعليم الثانوي و الإرشاد و التأطير التربوي بما أمضي معهما من اتفاقيات هزيلة و مخيّبة للآمال كانت لأصابع المركزية دور هام في صياغتها و تمريرها. 2/ الإمعان في التشويه الإعلامي لتحرّكات القطاع و قياداته و اتهامهم بالتسيّس و التطرّف . 3/ عدم تفاعل المكتب التنفيذي مع طبيعة المرحلة و خطورتها على القطاع بما يتناسب مع ذلك رغم ما صدر عن الهيئة الإداريّة الوطنيّة المنعقدة يومي 14 و 15 ماي 2007 و المعبّرة عن مؤازرة مختلف القطاعات لنضالات المعلمين المشروعة و طبيعتها الدفاعية عن المظالم و الانتهاكات السافرة التي لم تعد الإضرابات مجدية في صدّها. 4/ تلاعب المكتب التنفيذي و استهتاره بممثلي القطاع في تراجعه عن الهيئة الإدارية المقرّرة ليوم 08/06/2007 بل و ممارسته شتى أنواع الضغط و الترهيب لحمل القطاع على قبول الطروحات المذلّة للوزارة بل و تبنيه لوجهة نظرها و كأن نقابتنا العامة هي المعتدية. و أمام هذا الوضع الغريب و الشاذ و الباعث على الإحباط لم يبق أمام المعلّمين إلاّ أن يفكّروا في أطر جديدة أكثر غيرة على مكاسبهم و أكثر تقدير لريادتهم و أكثر حرص على تحقيق طموحاتهم و آن الأوان كي يسهموا في تأسيس تحالفهم القطاعي الطبيعي ضمن كونفدراليّة عامة للتربية و التعليم تضمّ قطاعات التعليم العالي و التعليم الثانوي و الإرشاد و التأطير التربوي و عملة التربية, تحالف تفرضه القواعد المخذولة لتفلت من خلاله من قبضة البيروقراطيّة النقابيّة المتواطئة و لتقف به في مواجهة السلطة المتوحّشة في هجمتها على قطاعات التربية و التعليم بتوصيات من الدوائر المالية الإمبريالية و هو التحالف الذي سيحدث الزلزال المناسب في صلب الاتحاد العام التونسي للشغل ليعلن خطورة الخيارات التي تتبناها القيادة الحالية و تبعات خضوعها و خنوعها أمام السياسات الكارثيّة للسلطة مما جعل المنظمة تضيق أمام استحقاقات قطاعاتنا المناضلة و لم تعد الأداة الفعّالة للصمود في وجه نيّة السلطة ضرب قطاعنا و تصفيته. هل يعني هذا التخلّي عن الاتحاد العام التونسي للشغل كمكسب وطني و كإرث تاريخي تعتز به القوى العاملة في بلادنا؟ و الإجابة قطعا لا لأنّ فرز القوى النقابية على أسس الولاء لمصالح القواعد و طموحاتها يجعل من الاتحاد برمزيته أداة لا استغناء عنها لكن الوضع المأساوي الذي انتهى إليه بما تفشى فيه من شخصنة و تناحر على المواقع و استغلال للنفوذ و تمعّش من عرق الشغالين و إثراء من خزينة المنخرطين و نزوع مقرف نحو الجهويات الضيقة هو ما يحتّم إعادة التنظم على أسس جديدة لا تمنع من العودة إلى هذه المنظمة حالما تدرك قيادتها الحالية الأمور التالية: 1/ أن الشغالين قد سئموا من مركزية نقابية تعيق نضالاتهم بقوانين داخلية مفرطة في الضبط و بارعة في المخاتلة . 2/ أن الشغالين قد سئموا من مراكز القوى داخل الاتحاد و من استغلال النفوذ و الإثراء على حساب ما يقتطعونه من لحومهم . 3/ أن الشغالين قد سئموا من مباركة الاتحاد لخيارات السلطة الاقتصادية خصوصا في مجال الأسعار عبر سيطرته على طاقات الشغالين و إخمادها. 4/أنّ عقد الاتحاد سينفرط لصالح السلطة و سينتهي أهم مكسب للشغالين بالفكر و الساعد و هو ما لا تقبل به القواعد لأن الاتحاد هو منظمتها و ملاذها و قد آن الأوان لسيطرة القواعد على منظمتهم عبر تصفيتها من الانتهازيين و السماسرة. الإمضاء مجموعة من نقابيي التعليم الأساسي بجهة توزر
في سابقة تعد الأولى من نوعها
صحفي يشتكي من منعه من الكتابة
تونس سفيان الشورابي
تقدّم الصحفي محمود الذوادي، ممثل نقابة الصحفيين التونسيين بقضية عرفية إلى المحكمة الابتدائية بالعاصمة يتّهم فيها إدارة تحرير جريدة لابراس الحكومية بمصادرة مقالاته و منعه من الكتابة. و صرّح لنا السيد الذوادي أن رئاسة تحرير الجريدة المذكورة تحرمه من العمل الصحفي و تصنصر جميع مقالاته و ذلك منذ سنة 2004. ويُعيد أسباب هذا المنع إلى نشاطه الكثيف في صلب نقابة الصحفيين. و يشغل السيد محمود الذوادي مركز رئيس تحرير مساعد بجريدة لابراس، ويُتيح له هذا المنصب الحصول على جملة من الحقوق المادية، إضافة إلى حقّه في الكتابة بصورة مستمرّة. و في ردّه على مثل هذه الممارسات، اشتكى السيد الذوادي إلى القضاء مطالبا بتنفيذ بنود الاتفاقية المشتركة. وقامت، على إثرها، السلطة القضائية باستدعاء ممثل قانوني عن هيئة تحرير الجريدة في جلسة أولى، برّر فيها التعامل بهذه الطريقة بكون ذلك يمثل « عقوبة من مشمولات رئيس التحرير وحده »! و ترافع عن الزميل الذوادي أثناء تلك الجلسة، كل من الأساتذة عبد الرؤوف العيادي، و محمد النوري، و شوقي الطبيب، و العياشي الهمامي. و منذ ذاك التاريخ، ترفض إدارة الجريدة حضور بقية الجلسات، و من المنتظر أن تفعل نفس ذلك الشيء في جلسة الغد، 11 جويلية المقبل.
موقع أخبار مكتوب بتاريخ 9 جويلية 2007
الرئيس الفرنسي في زيارة صداقة وعمل لتونس يومي 10 و11 جويلية
قرطاج 9 جويلية 2007 (وات) اعلن الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية انه بدعوة من الرئيس زين العابدين بن علي ودعما لعلاقات الصداقة والتعاون القائمة بين الجمهورية التونسية والجمهورية الفرنسية يؤدى فخامة الرئيس نيكولا ساركوزى رئيس الجمهورية الفرنسية زيارة صداقة وعمل لتونس يومي 10 و11 جويلية 2007. (المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (وات – رسمية) بتاريخ 9 جويلية 2007)
رئيس الدولة يستقبل مبعوثا خاصا للقائد معمر القذافي : بحث فكرة الرئيس الفرنسي بشأن الاتحاد المتوسطي والتأكيد على ضرورة تنشيط الاتحاد المغاربي
قرطاج 9 جويلية 2007 (وات) كانت العلاقات التونسية الليبية والتطورات على مختلف الاصعدة الثنائية والاقليمية والدولية محاور استقبال الرئيس زين العابدين بن علي يوم الاثنين للسيد عبد الرحمان شلقم أمين اللجنة الشعبية العامة للاتصال الخارجي والتعاون الدولي المبعوث الخاص للقائد معمر القذافي قائد ثورة الفاتح من سبتمبر العظيم الى سيادة الرئيس. وعبر المبعوث الخاص الليبي عن سعادته بلقاء رئيس الدولة قائلا /ان هذا اللقاء يندرج في اطار التنسيق والتشاور بين قائد الثورة وسيادة الرئيس بحكم العلاقة الممتازة والنوعية التي تجمعهما./ وأفاد في هذا الاطار أنه أبلغ الرئيس زين العابدين بن علي تحيات أخيه القائد معمر القذافي مبرزا العلاقة الممتازة بين تونس والجماهيرية الليبية والتي وصفها بأنها نموذج للعلاقات الثنائية والعربية وكذلك على مستوى القارة الافريقية. وبين السيد عبد الرحمان شلقم أن المحادثة تناولت نتائج القمة الافريقية الاخيرة وما صدر عنها من تشكيل لجنة رئاسية لتحقيق حكومة الاتحاد وخارطة عمل للغرض الى جانب التطورات في العالم سواء تعلق الامر بالاتحاد الاوروبي أو بخصوص فكرة الرئيس الفرنسي بشأن الاتحاد المتوسطي علاوة على ما يجري في العالم العربي. كما تناولت ضرورة تنشيط الاتحاد المغاربي لدعم التنمية والتعاون في ظل سائر هذه التطورات والتي تستوجب مزيد التنسيق والتعاون على الصعيد المغاربي. وذكر المبعوث الخاص الليبي أن الرئيس زين العابدين بن علي حمله تحياته لأخيه قائد الثورة وتأكيده على تعميق العلاقات بين تونس وليبيا مشيرا في هذا الخصوص الى العمل المستمر بين الاجهزة التنفيذية في البلدين والى الاتفاقيات المبرمة والمتعلقة بالخصوص بالاستثمارات وتحرك المواطنين وحرية التعامل بالعملة في البلدين. وجرى اللقاء بحضور وزير الدولة المستشار الخاص لدى رئيس الجمهورية الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ووزير الشؤون الخارجية والمندوب العام للجماهيرية الليبية بتونس. (المصدر: وكالة تونس افريقيا للأنباء (وات – رسمية) بتاريخ 9 جويلية 2007)
تونس.. مسجد العابدين حصريا للمسئولين
حسين الأصمعي
تونس – في حي قرطاج التاريخي الهادئ شمالي العاصمة تونس يقع مسجد العابدين الذي تم افتتاحه في صيف 2004، ويعتبره الكثير من التونسيين مسجدًا استثنائيًّا.
ويعتبر هذا المسجد هو الأبرز في الحي الذي يُعَدّ مقرًّا لمهرجان قرطاج، أحد أهم المهرجانات السينمائية والفنية في العالم العربي، كما أنه أكثر أحياء العاصمة جذبًا للجاليات والسفارات الأجنبية، باعتباره الأكثر رقيًّا وتحصينًا جراء قربه من مقر رئاسة الجمهورية.
فالمسجد يبعد أمتارًا من قصر الرئاسة الذي شيده أول رئيس عقب الاستقلال، الحبيب بورقيبة عام 1957، وبعد تنحيته وسيطرة الرئيس زين العابدين بن علي على السلطة، فيما عرف بتغير 7-11-1987، أبقاه مقرًّا للحكم.
ولهذا القرب بين قصر الرئاسة والمسجد فالصلاة في « العابدين » غير متاحة بسهولة أمام عامة المواطنين أو عابري السبيل كبقية المساجد في سائر أرجاء المعمورة؛ وهو ما دفع الكثير من التونسيين إلى تسميته بـ »مسجد السلطة »، باعتباره مسجد المناسبات الرسمية.
فالمصلون فيه هم جزء من السلطة بدءًا من رئيس الجمهورية، وانتهاء برؤساء الهيئات والمصالح الحكومية.
مغلق أمام الصلاة
الزائر لتونس، وبالتحديد لقرطاج، يلفت نظره فخامة مباني المسجد ذات الطراز الحديث، ونظافة البقعة المحيطة به، وقلة كثافتها السكانية. فالمسجد مشيد فوق هضبة مرتفعة خالية من المباني، وتحيطه الخضرة، خاصة أزهار البنفسج، ذات الألوان المفضلة لدى زين العابدين.
لكن المشهد اللافت أكثر للزائر الغريب هو إغلاق المسجد في أغلب الأيام أمام المواطنين، باستثناء مسئولي إقامة الشعائر؛ إذ يدخلون بانتظام إلى مواقعهم، ويرفعون الأذان، ويقيمون الصلاة، ثم يغادرون المسجد في هدوء.
وكأن هناك أوامر غير معلنة بعدم السماح للمارة أو العامة بالصلاة في المسجد أو حتى الاقتراب منه.
ودون عناء يلاحظ الزائر لقرطاج خضوع « العابدين » بشكل دائم لحراسة مسلحة من الداخل، أما محيطه الخارجي فيخضع لنفس الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها قوات الحرس الوطني التي تحرس قصر الرئاسة.
حاولت التوجه للمسجد بصحبة مرافقي التونسي، وما إن اقتربت سيارتنا من محيط « العابدين » حتى ظهر رجل أمن مسلح أشار من بعيد بعدم التوقف عند المسجد، ثم بدأ في الاقتراب منا تمهيدًا للاطلاع على هويات من تجرأ على الاقتراب من المسجد.
بسرعة قرر مرافقي التحرك مبتعدًا عن المسجد، معتذرًا لرجل الأمن؛ فالمعروف عن هذه المنطقة خلوّها من دور العبادة بشكل عام، وإن كان بها هذا المسجد.
مهمة رسمية
عدم فتح المسجد أمام العامة للصلاة علَّق عليه أحد العلماء التونسيين بأن « هذا المسجد له مهمة سياسية تنشط في المناسبات الدينية المعروفة، منها صلاة الجمعة والاحتفال بحلول شهر رمضان والمولد النبوي الشريف والاحتفال برأس السنة الهجرية، حيث تحرص القيادة السياسية على الظهور عبر وسائل الإعلام المحلية من داخل هذا المسجد؛ لإضفاء لمسة دينية وصبغة إسلامية على نظام الحكم« .
وأردف العالم الذي فضل عدم ذكره اسمه لدواع أمنية، يقول: « إنه في أحيان كثيرة يظهر رئيس الجمهورية وهو يؤدي الصلاة وسط أعضاء حكومته من داخل مسجد العابدين، ويتم نشر هذه الصور بالصحف المحلية؛ لتهدئة الرأي العام التونسي الذي يتضاعف غضبه من محاربة الحكومة لكافة مظاهر التدين في المجتمع التونسي المسلم« .
وأوضح أن « الشعب التونسي هو من بنى هذا المسجد بأمواله من خلال نشر الحكومة العشرات من رجالها لجمع التبرعات من المواطنين عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع، حيث تبرع المواطنون بأموال ضخمة على مدار الأعوام الماضية، ثم فوجئوا بأن العابدين ربما يكون المسجد الوحيد الذي بُنِي في الأعوام الأربعة الأخيرة« .
وحول القيود الصارمة المفروضة على بناء المساجد بتونس يقول العالم: « لا يوجد تشريع يمنع بناء المساجد، لكن الحكومة لا تشجع على ذلك، فلا تمنح أراضي الدولة مجانًا لهذا الغرض، ولا تمول بناء المساجد؛ لذلك فالمساجد لا يتزايد عددها منذ عهد بورقيبة إلا بنسب محدودة للغاية، رغم استعداد المواطنين للتبرع لبنائها في أي وقت« .
وحول تسمية المسجد بالعابدين أوضح أن « المسئولين الحكوميين، أصحاب فكرة بناء هذا المسجد، هم من أطلقوا عليه اسم العابدين، وهو لقب رئيس الجمهورية؛ ليضربوا بذلك عصفورين بحجر واحد، فمن ناحية يتقربون من الرئيس، ومن ناحية أخرى يحقق بن علي نوعًا من التقرب إلى الشعب التونسي« .
(المصدر: موقع إسلام أونلاين.نت (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 9 جويلية 2007)
حصاد الأسبوع 09/07/2007
بقلم: المنفي في وطنه عبد الله الزواري
1- علمت: 1- في مثل هذا اليوم من سنة 1992 شرعت المحكمة العسكرية اللادستورية في استنطاق الموقوفين في قضية حركة النهضة بعد ما يقارب عشرين شهرا من إيقاف البعض منهم.. 2- تكونت هيئة المحكمة العسكرية في القضية عدد 76110 أو ما يعرف بقضية بوشوشة من البشير كدوس (رئيس) و إبراهيم بودبوس و عبد الرزاق بوعتور و المنجي العياري و ميلود شتايتية أعضاء .. أما هيئة المحكمة العسكرية في القضية عدد 76111 أو ما تعرف بقضية باب سعدون فتكونت من محمد الحبيب بن يوسف ( رئيس) و محمد شاكر الراشدي و عبد العزيز العيادي و منصف الدين الجازي و آمال الجو يلي… و كان يمثل النيابة العمومية في بوشوشة محمد قزقز و في باب سعدون محمد بن عبد الله.. و لا يجوز أن ننسى هنا حاكمي التحقيق في القضيتين و هما عياد بالقايد و مروان بوقرة في الثانية…. 3- رأى السيد عبدالكريم الهاروني السجين السياسي و المناضل النقابي إحياء هذه المناسبة بالدخول في إضراب عن الطعام تذكيرا للمنشغلين بحقوق الإنسان بأن هناك مظلمة مستمرة في تونس تستوجب متابعة دائمة و إشارة إلى كل من سار على الدرب معه أنه من غير اللائق بهم نسيان تلك البدايات و الانشغال ب »خويصة » النفس و الانكفاء إلى الدنيا و قريب منه بسط اليد إلى الظلمة و المستبدين صفحا عما ارتكبوا… و احتجاجا منه على الممارسات المتخلفة التي ما فتئت الإدارة تمارسها على المساجين السياسيين من مثل البطء الشديد في إيصال الرسائل إلى أصحابها ( رسالة من عبدالكريم إلى أبيه مؤرخة ب7 جانفي 2007 لم تصل بعد إلى صاحبها) و عدم الاستجابة لمطلب زيارة مباشرة وقع تقديمه مند 11 شهرا.. و في العموم أسباب الاحتجاج و دواعيه في السجون التونسية أكثر من أن تحصى… 4- السيد عمر الهاروني والد السيد عبدالكريم الهاروني و البالغ من العمر 75 سنة و الذي واكب جلسات المحكمة العسكرية رأى إحياء هذه المناسبة بالإضراب عن الطعام ليس من باب المساندة لابنه فهذا أمر مفروغ منه بل من باب استنهاض الهمم و تحفيز للأنفس و التذكير بالواجب السياسي والأخلاقي نحو المساجين 2- تدبرت: « القضاة ثلاث: قاضيان في النار و قاض في الجنة….. » 3- سمعت: 1 – أخيرا و بعد 11 شهرا استجابت الإدارة لمطلب زيارة مباشرة تقدم به عبدالكريم الهاروني علما بأن هذا النوع من المطالب يستجاب له في العادة في ظرف ثلاثة أشهر.. كان ذلك يوم 7 جويلية 2007، و للمرء أن يتساءل أمن الصدفة أن تستجيب الإدارة لمطلبه بعد أن أعلم عائلته بدخوله في إضراب عن الطعام يوم 9 جويلية 2007… 2- السجين السياسي السيد رضا البوكادي في إضراب عن الطعام منذ يوم 6 جويلية 2007 و كان قراره هذا إثر تلويث الأطعمة التي قدمتها إليه أخته يوم زيارته الخميس الماضي.. 3- السجين السياسي فرج الجامي لا يزال ينتظر وفاء الإدارة بما تعهدت به عند إضرابه عن الطعام من عرضه على الطبيب المختص و قد مر على ذلك الآن أكثر من شهر ونصف دون تطور يذكر.. 4- رأيت: العاقل و السفيه سياسة تنتهجها بعض الإدارات في الأنظمة الاستبدادية… و إن كان العاقل يطنب في الحديث عن حقوق الإنسان مثلا فإن قرارات السفيه تنفذ فورا دون أي اعتبار لما يقوله « العاقل » و يتغنى به من شعارات… و ليس للعاقل أي قدرة على تنفيذ ما يحسن الحديث عنه من شعارات وليس لأي كان أن يحاسب السفيه على ما يقوم به من تجاوزات… 5 – قرأت العرب سجانون بالوكالة بروفيسور عبد الستار قاسم بلا خجل أو وجل، وبدون استحياء وتعذر، وافق النظام الأردني على أن يستكمل مجاهدون أردنيون بعض محكوميتهم الصهيونية في السجون الأردنية. بدل أن يصر النظام الأردني على تسريح المعتقلين، وبدل أن يعمل بوسائل مختلفة على تحريرهم، ارتضى أن يكون سجانا بالوكالة عن الصهيونية وإسرائيل، تماما كما ارتضت السلطة الفلسطينية لنفسها ذات الشيء. هذا هو مستوى الأنظمة العربية في فهم الصراع العربي-الإسرائيلي، وفي دفاعهم عن حقوق الأمة في الأرض والمقدسات. ما الذي يضير إسرائيل إذا خفضت الأردن مدد محكومية هؤلاء المجاهدين إذا كان الثمن هو أن يصبح العربي سجانا بالوكالة، وأن تكتسب المحاكم الإجرامية الصهيونية شرعية لدى الأنظمة العربية، وأن يوافق العرب على أن الإرهابي بأعين الصهاينة هو إرهابي بأعين العرب؟ يهون التطبيع أمام هذا التصرف من قبل النظام الأردني، إنه تصرف ما فوق التطبيع وما بعده. إنه تحويل العرب المجاهدين إلى مجرمين يواجهون عدوا واحدا وهو الصهيونية وخدامها من العرب. طبعا لن يتقبل النظام الأردني هذا الكلام، وستنشط أجهزة مخابراته في الرد والدفاع والتشويه، وسيتفذلك علينا هو وأعوانه من المنافقين والماسونييين والأُجراء من رجال المخابرات بأن نقل المعتقلين إلى الأردن يخفف من معاناتهم الإنسانية ويمكن أهاليهم من زيارتهم. يحاول النظام استخدام البعد الإنساني والرحمة والشفقة لتبرير الخطوات السياسية. المسألة مسألة مبدأ، وهي أكبر بكثير من مسألة زيارة المعتقلين ومن صحن طبيخ. إنها مسألة متعلقة بالكرامة العربية والعزة والإباء، وبحقوق العرب والمسلمين، وبمتطلبات الصراع العربي-الصهيوني. المسألة أكبر بكثير من أن تُقزم بمسائل فرعية على الرغم من أهميتها لعائلات المعتقلين. لقد جربت أنا الكاتب الاعتقال لدى الصهاينة ولدى السلطة الفلسطينية، ولاحظت أن ظروف الاعتقال المادية لدى السلطة الفلسطينية أخف وطأة من ظروف الاعتقال في المعتقلات الصهيونية، لكن وطأة الاعتقال وتأثيره النفسي في المعتقلات الفلسطينية أشد وأقسى وأمر وأصعب منهما في السجون الصهيونية. في المعتقل الفلسطيني، تصحو كل صباح مغمورا بالخزي والعار والشعور بالذل والهوان، لكنك تفيق صباحا في المعتقلات الصهيونية وأنت تختزن العزة والإباء وتفيض بالإصرار على مواجهة هذا العدو حتى انتزاع كامل الحقوق. صحيح ان عائلتي كانت تأتيني بطبخة طازجة لذيذة من الدجاج المشوي والمحشي والكباب، لكن مصائر الأوطان أعظم بكثير من كرشة محشية تفوح منها رائحة السم والإذلال. عرب وعلى رأسهم فلسطينيون يقزمون القضية الفلسطينية ويحولونها إلى شوال من الطحين، وهم يدوسون على كل القيم والمبادئ، ولا يفتقرون للتبريرات التي تقطر استسلاما وانحناء وسجودا عند أقدام العدو. لقد ملأتم يا حكام العرب صدورنا غيظا وقهرا، لكن التاريخ لا يقف عندكم، ولن تكونوا أبدا المخلدين. 6- نقلت: من مقال للكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري بعنوان: Le gros mot …………………………. ما هي الكلمة التي لم نسمعها طيلة هذا الحديث الطويل؟؟ إنها كلمة احتلال. الاحتلال؟؟ أي احتلال؟؟ احتلال أين؟؟ هل رأى أحد احتلالا؟؟ لم يكن الاحتلال على جدول أعمال هذه القمة الكئيبة..لم يكن القادة العرب المشاركون في هذه القمة يحلمون بأكثر من » تخفيف المضايقات »..تخفيف معاناة سكان في وضع كارثي..تسليم الفلسطينيين ضرائبهم القمرقية( وهو ما يعني أن إسرائيل تستطيع إعادة بعض الأموال التي احتجزتها). إعادة تموضع بعض الحواجز التي تحول بين السكان من الانتقال من قرية إلى أخرى( و هذا ما وقع الوعد به في مناسبات كثيرة قبل ذلك و لن يتحقق كذلك هذه المرة لأن الجيش و الشين بت يعارضان ذلك و قد أعلن أولمرت أن ذلك غير ممكن لأسباب أمنية).. و على شاكلة أمير يلقي بعض القطع النقدية للفقراء في الشارع اعلن أولمرت أنه يعتزم أطلاق سراح بعض مساجين فتح، 250 قطعة نقدية، 250 سجينا، هذه « الهبة السخية » التي ستجعل الفلسطينيين يقفزون فرحا و تدعم عباس و تعطي نفسا جديدا لما تبقى من منظمته… إن لم يكن أولمرت جالسا بعيدا عن عباس لأمكن له أن يبصق على وجه عباس.. أولا فالرقم قليل و تافه و اليوم يوجد في السجون الإسرائيلية حوالي 10000 سجين أمني فلسطيني، و في كل ليلة يقع اختطاف حوالي عشرة فلسطينيين إضافيين.. و نظرا لاكتظاظ السجون الإسرائيلية فإن الحراس هناك سيفرحون بالتخلص من بعض المساجين.. و في مناسبات سابقة في هذا الإطار أطلقت إسرائيل بعض المساجين في غالبهم من سارقي السيارات و في نهاية محكومياتهم على كل حال… ثانيا:تسود حالة من التآخي بين مساجين فتح و مساجين حماس داخل السجون الإسرائيلية. و الصراع العنيف في غزة لم تكن له انعكاسات في السجون..و وثيقة الأسرى الشهيرة التي كانت منطلق حكومة الوحدة الوطنية(في ذمة الله الآن) حررها مساجين فتح و حماس معا.. إن إعلان أولمرت استعداده لإطلاق سراح مساجين من فتح- و من فتح فقط- يندرج في إطار ضرب هذه الوحدة.. و يمكن أن تشير إلى كون رجال فتح بكونهم متعاونين مع الاحتلال و إلى عباس على كونه رئيسا لا يهتم إلا بأعضاء منظمته معرضا عن الآخرين… إذن ما هي نتيجة هذه القمة؟؟البعض يقول زائد صفر و آخرون يقولون ناقص صفر.. و ليس من الغريب أن يكون القادة العرب المساهمون في القمة في منتهى السوداوية.. أي شيء ايجابي فيها؟؟ عباس في حاجة إلى الدعم بعد أن فقد غزة، و قد وعد أولمرت الأمريكان بفعل ذلك، لكن بعد القمة يستطيع أولمرت استعمال الجملة التي يستعملها القادة الإسرائيليون الذين يزورون العائلات المعوزة: »أتيت لمساعدتكم.. » إن الرابح الوحيد هو أولمرت وقد أظهرت القمة أن تأثير مبارك و عبدالله تساوي صفرا و أن عباس في موضع أسوأ.. و لتأكيد ذلك أرسل أولمرت جيشه إلى القصبة في نابلس( في قلب المملكة الافتراضية لعباس) لإيقاف قادة الجناح المسلح لفتح، وقد تصدوا هؤلاء تصديا بطوليا للجيش الإسرائيلي و جرحوا بعض الجنود، و فقد ملازم إسرائيلي في هذه المعركة يدا و ساقا.. …………………………………… www.mondialisation.ca/index.php?context=viewArticle&code=AVN20070701&articleId=6208 7) دعــــــــــاء « اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علما تنفعنا به » عبدالله الـــزواري abzouari@hotmail.com (المصدر: المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت (ألمانيا) بتاريخ 9 جويلية 2007)
رسالة اللقــاء رقم (20) إعلان تونس.. المعارضة والبحث عن الكلمات المتقاطعة
د.خــالد الطراولي* ktraouli@yahoo.fr لا يشك طرف منصف بأن المعارضة التونسية لا تنفك تحاول بكل ما سمحت لها ظروفها الموضوعية والذاتية وفهمها لآليات العمل المعارض من التثبت بوجودها ورفع صوتها وإثبات تواجدها في مشهد سياسي محدود ومحدد. لا نشك أن هناك مسارا معارضا صاعدا انطلق من الهمس والحديث البسيط والمشي حذو الحائط، إلى ميدان الكلمة الجريئة والفعل الشجاع والموقف الحازم، وليست مبادرة 18 أكتوبر إلا العينة الكبرى لهذا التململ الساعي إلى الفعل الجاد و البروز والتحدي والبناء. وفي هذا الإطار الباحث على الحراك والحياة والتجاوز جاء ماصطلح على تسميته بإعلان تونس بمثابة رفع الغشاوة عن محاولة ضمنية لتطور المعارضة نحو البحث عن إطار وفعل وبرنامج عمل مشترك وفاعل. لا يجب أن نقف مترددين أو منهذلين أو حتى صامتين لهذا الإعلان، لا يجب استصغار الحدث وتهميش عواقبه وتحقير نتائجه، ولا النفخ في أرجائه واعتباره اكتشاف العصر ومهديه المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا وصفاء، ولكن يجب استجلاء مواعيده وكنه أحواله وفهم آماله ومطالبه، ومعرفة حدوده وآفاقه، وتبين مجالات القصور والتحدي في ثناياه وأطرافه. لن ندلف من باب التغني على الأطلال والوقوف جامدين في صومعتنا، و لكن اعتبار أن ما حدث نقلة نوعية في تعامل المعارضة مع واقعها إذ تبين لنا أن قصورا قد حدث منذ زمان في تفاعل المعارضة مع واقعها، في بقاءها على الربوة أحيانا، ترتقب وتأمل وتنتظر، بعضه إحباط وبعضه يأس وضعف أمل، أو دخولها من الباب الخلفي في التقرب إلى السلطة واندماج بعضها في خطابها ومسارها حتى أصبحت جزء من الديكور المحيط بصولات النظام وجولاته، أو قفز البعض الآخر من سماء عالية على أرض جدباء، صحراء قاحلة لم يطلها تحضير لتربتها ولا استقراء لماضيها ولا استشفاف واع بمستقبلها، فلم تنفتح المظلة الأساسية ولا مظلة النجاة فكان السقوط أليما ومعيقا، وانتهى الحلم إلى كابوس وسواد وإحباط! نعم يمكن أن نرى في إعلان تونس بداية يقظة المعارضة على أنها مجموعة تشقها الاختلافات الأيديولوجية، والمرجعيات والأطروحات السياسية المتباينة ولا شك، وهذا من بديهيات المشاهد السياسية والحراك الفكري، ولكنها يقظة تكريس الوعي الذي بدأت نسج خيوطه ولو على حياء مبادرة 18 أكتوبر، في اعتبار أن العمل المعارض الفاعل في هذه المرحلة والذي تأخر الوعي بها، هو في وحدتها أولا وفي التقاء أطرافها على مجموعة مطالب جامعة وتشكيل نواة جبهة معارضة متناسقة. لقد كانت مقولة « أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض » صائبة في حال المعارضة وتعاملها مع بعضها، فكانت الرهانات المغلوطة والحسابات السياسية المغشوشة والنرجسية المفرطة والطموحات الشخصية المرتفعة، قد هيمنت على خطاب المعارضة وفعلها السياسي في حقبة طويلة، فظن البعض أنه مدعو إلى الوليمة، لكن لم يتفطن إلا متأخرا أنه كان جزء من ثريدها ومرقها. وظن البعض الآخر بمثالية مفرطة ومراهقة سياسية بادية أن لا يظن إلا خيرا شاملا جامعا بالضفة المقابلة، ونسي أن للسياسة كرها وفرها وحساباتها الضيقة والموسعة، ومصالحها الخاصة والعامة، ومطالبها الداخلية والخارجية. ولم يفقه البعض الآخر أن المشهد السياسي ليس قرآنا منزلا وواقعا جامدا ولكن السياسة إجمالا تقف على رمال متحركة، ولم تحمل الضفتان سوادا شاملا أو بياضا ناصعا، فغابت النسبية في الرأي، واختلطت المرونة بالتسيب والشدة مع الحزم، فوقف حيث وجبت الهرولة وأسرع حيث وجب التأني وعدم العجلة. أزمة المعارضة التونسية ليست جديدة، ومأزقها التاريخي لم يعد خافيا، والعديد من أسباب ضمورها وضعفها قد لاكته الألسن حد القرف أحيانا، حتى أنك لا تجد في كتابات المعارضة في بعض ثناياها وهي تحاول تحليل وفهم حالتها، إلا تكرارا لاعترافات سابقة تحدد مجددا نقاط ضعفها وأبواب خلاصها، ولذلك لم يعد مجديا في بعض الأحوال الحديث عن هذه التضاريس إلا من باب التذكير حتى لا يمل المتابع والملاحظ وينتفي النفع والإفادة. إعلان تونس ومجالات التفعيل لقد عقلت المعارضة أن ضعفها وهامشيتها يعود أساسا إلى ذاتها، وحتى لا نبخس الناس أشياءهم لن نهون من الواقع الموضوعي الرافض والمستبد المحيط بفعلها، غير أننا نرى ولا نزال أن قوة الضفة الأخرى ليس هيكليا ونابعا ذاتيا ولكنه يعود في الكثير منه إلى ضعف المعارضة وتشتت جمعها، ومن هذا الباب كانت الاستفاقة الأولى عبر مبادرة 18 أكتوبر، رغم وقوف التواصل أو تعثره، في محاولة تجسير هذه الهوة التي تفرق أطراف المعارضة. غير أن هناك نوافذ أخرى متعددة لهذا الضعف لا تزال مغلقة وتشكل حسب ظني إحدى مداخل الريح والعواصف التي ساهمت في اجتثاث فعلها أو تهميشه، نذكر منها مسالة الزعامة والطموحات الشخصية، والخلط المتواصل بين السياسي والفكري، وعدم بلورة الوحدة المرجوة إلى برنامج وأسماء وجبهة سياسية موحدة. لا نريد جميعا أن يكون هذا الإعلان حبرا على ورق، حتى وإن كان الورق سميكا والحبر غير سري، لا نريد أن يضاف هذا الإعلان إلى أكداس العرائض والبيانات والنداءات التي ملتها رفوفنا قبل أن تضيق منها صدورنا، لا نبغي أن تكون الجدران التي رسم هذا الاعلان داخلها مسقط رأسها ومقبرة فعلها، ومن بين الشعاب التي نرى لها دورا مهما في الخلوص بهذا النداء إلى ميدان الفعل والخلاص والتغيير وإعطاء دور حقيقي وجاد للمعارضة، يمكن إدراج هذه العناوين : 1 / يمثل التركيز على باب المطالب والدعوات الجانب الأوفى من هذا الإعلان، وهو باب لا نخاله خائبا، ولكنه كثيرا ما يضفي طابع السكون والانتظار والتعويل على الآخر في الاستجابة والتفعيل، وهذا ينبع من طابع عدم التوازن بين الضفتين. لذلك فإن حسم القوة التفاوضية لصالح المعارضة يجب أن يكون أوليا وحاسما، ومن بين ركائز هذا الحسم وحدتها السليمة والحاسمة والتي لا تشوبها نقاط استفهام أو خفايا أو مبطنات. فسياسة المطالب، حتى وإن كانت من أبجديات العمل السياسي المعارض ومن طبيعياته، فالسلطة تبقى الماسكة بناصية المشهد وناصية الحراك، ولكنه لا يجب أن ينسينا واقعنا الداخلي ومحاولة بنائه وتأطيره، حتى ننطلق من إطار مطلبي يوحي بعدم التوازن إلى إطار تفاوضي يسعى إلى تثبيت التوازن ويدعمه، وهذا يستلزم بناء داخليا سليما وجريئا ، وثقة صلبة في النفس وتكريس عقلية الندية في البرامج والمواقف، دون السقوط في منهجية رفع السقوف واللعب في الهامش والتعويل على غير المعقول وغير الممكن سياسيا. 2 / تفعيل مباشر لهذا الإعلان عبر بلورة سريعة لهذا اللقاء وهذا النداء إلى جبهة سياسية واضحة المعالم والأفق والقيادة. حيث لا يجب الركون إلى الراحة بعد هذه القفزة النوعية واعتبارها شفاء للصدور ونهاية مسار وتطمينا مغشوشا للفعل والنوايا. كنت أنتظر في الحقيقة أن يكون هذا اللقاء أكثر جرأة في تأكيد المسار الجديد للمعارضة بتركيز هذه الجبهة السياسية الحاملة للواء التغيير، ولا يقع انتظار محفل آخر وموعد جديد للم الشمل وإعلان جديد. كان يجب اغتنام هذه الفرصة « غير الطبيعية » من السلطة بعد المضايقات والمنع لكل اجتماع ولقاء، في المرور إلى ما هو أبعد من هذا الإعلان الذي ركز في النهاية على مطالب ودعوات شبه قديمة، فكان الأجدر والأسلم إعلانا نوعيا يؤكد إنشاء هذه الجبهة الفاعلة. 3 / الحسم الواضح والنهائي في عدم الخلط بين اللقاء السياسي واللقاء الفكري، فلقاءنا سياسي بحت، ولا يعني هذا اللقاء أبدا أن نخفي في جعابنا تبايننا الفكري والمرجعياتي، ولا أن نجعله مطية عند البعض للتشتت والفراق وإشهار سهام التنابز والإقصاء والتخوين، ولا أن نبتسم على مضض ونكشر الأسنان وراء الظهور. ولذلك لا أرى شخصيا ولا « اللقاء الإصلاحي الديمقراطي » الذي أنتمي إليه داع وجدوى إلى حوارات فكرية بين أطراف المعارضة لتقريب وجهات نظر حول مسائل يُعَدُّ التباين فيها وليد اختلاف المرجعيات وليس منبثقا من قراءة واقع معين. وقد أثبت مجرد ملامسة بعض هذه القضايا الحساسة سبيلا إلى التشتت والإضمار والتوجس المتبادل، قد يساهم في إسقاط كل البناء، فلا التقارب الفكري حصل ولا العمل السياسي المشترك المنشود يمكن أن يثبت أمام هذه العواصف الفكرية المغلوطة. فجدوى الحوارات الفكرية حاصل، ولكن خارج الإطار السياسي حتى لا يفقد موضوعيته ويتلبس الصراع الفكري السليم بالصراع السياسي المتلبد غالبا بغيوم اللحظة والحسابات الضيقة والمعقدة. 4 / العمل السياسي عمل جماهيري وليس نخبوي، وإن كان دور النخبة مصيريا في الإنشاء والدفع، فإن للجماهير الدور النهائي والأساسي في نجاح مسعى مدني وحضاري للتغيير. ووجود الجماهير لا يجب أن يختفي في محطات المسار كلها، ولا يجب أن يخفى عن النخبة أن هذا التغيير المرجو هو من أجل الجماهير ومع الجماهير وفي ظل الجماهير. والمتابع للعمل المعارض في تونس ولعله في بقاع أخرى شبيهة، يلاحظ أن المعارضة قد فشلت في كسب تدافع الجماهير نحو مطالبها والالتزام بصفها، حتى لو اعتبرنا أن هناك تململا أو عدم إفصاح وخوف من الجماهير تجاه تبني مطالبها بكل جرأة وشجاعة، فإن الحاصل أن المعارضة قد فقدت هذه الجولة في صراعها المصيري للتغيير. وبقي الصراع بين نخبة معارضة من جهة، وطبقة حاكمة من جهة أخرى، في ظل شراكة صمت أو حياد من طرف الجماهير. وهذه الحيادية التي تلتزم بها هذه القاعدة الصامتة، حتى وإن كان هناك نارا خافتة تحت الرماد، تعتبر فشلا للمعارضة، وهزيمة لمنهج وخطاب أثبتا عدم جدواه وفعاليته. وحتى لا يبقى الإعلان حبيس الجدران التي انطلق من داخلها، كان الأسلم والأجدى على المعارضة أن تطرح هذا السؤال الجوهري في مسارها : « أين الجماهير التونسية؟ » قبل أن تبث في منهج وخطاب للتغيير وتخط مساره. وسأعود لاحقا في كتابات أخرى إلى مزيد التعمق في هذه الزاوية الخطيرة والمصيرية لانطلاق مسار التغيير ونحاحه، في غياب الجماهير و عدم تبنيها الواضح والملتزم لمطالب المعارضة وعدم استعدادها لمرافقتها العلنية في كل مراحل التغيير المنشود. 08 / 07 / 2007 المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net
في الذكرى الخامسة عشر لإنتصاب المحكمة العسكرية في تونس تصفية لحركة النهضة التونسية
( 9.7.1992 ــ 9.7.2007 )
في مثل هذا اليوم : التاسع من يوليو تموز قبل خمسة عشر عاما كاملة إنتصبت المحكمة العسكرية ( محكمة إستثنائية لا دستورية ) لمقاضاة 253 رجلا من أبناء وقيادات حركة النهضة التونسية منهم رئيسها الدكتور الصادق شورو وأمينها العام المهندس حمادي الجبالي والناطق الرسمي بالنيابة المهندس علي لعريض والأمين العام السابق والأسبق للإتحاد العام التونسي للطلبة المهندس كريم الهاروني والدكتور عبد اللطيف المكي. نشأت الحركة الإسلامية في تونس في أواخر ستينيات القرن المنصرم كما تنشأ أي صحوة إسلامية في بلاد عربية في إثر عجز الدولة العربية الحديثة ( دولة التجزئة فيما بعد الإستقلال ) على حماية الهوية العربية والإسلامية للشعب ثقافة وتعليما وتربية وإقتصادا وعلاقات سياسية داخلية وخارجية ولم تكن نكبة 1967 ضمن سياق الهزيمة حدثا عابرا بل سوء خاتمة لخيار علماني إشتراكي تارة ورأسمالي تارة أخرى داس على أقدس مقدسات الهوية العربية الإسلامية : كرامة الإنسان فخر بالضربة شبه القاضية. إضافة إلى ذلك تميزت تونس بمعطيين أخريين كبيرين : أولهما بلوغ آخر حلقة من حلقات المشروع التغريبي البورقيبي أقصى مداها في التنكر للعروبة والإسلام وثانيهما إحتضان البلاد لأول معلم ديني تعبدي علمي ثقافي بعد الحرم الثلاثة ( مكة والمدينة والقدس ) فلم يكن جامع الزيتونة بالنسبة لتونس سوى هبة : ( تونس هبة الزيتونة كما أن مصر هبة النيل كما يقول هردوت ). المفارقة في تونس هي أن الحركة الإسلامية نشأت دعوية تبليغية سلمية سرعان ما تطورت لتصبح حركة سياسية في سابقة هي الأولى من نوعها في الوطن العربي حيث تختار الحركة حرة غير مكرهة ولا مضطرة المنهج السلمي الديمقراطي أسلوبا للتغيير ولكن رغم ذلك جوبه إعتدالها المبكر بحملة إستئصال قاسية عام 1981 فما زادها ذلك إلا صمودا على نهجها السلمي ومنذ ذلك التاريخ ظلت تتعرض لحملات شنيعة ومحاكمات ضارية على مدى السنوات التالية حتى كانت الحملة الأشد عام 1987 في محاولة لتصفية وجودها عبر محكمة إستثنائية غير دستورية هي محكمة أمن الدولة فلما أزيح بورقيبة بتدبير أمريكي أروبي جيء بالجنرال بن علي وزود من أشهر محفل ماسوني أمريكي بخطة تجفيف منابع التدين التي أقام عليها مشروعية حكمه فأحكم قبضته العسكرية على البلاد وبدأ بمفاتيح التغيير في البلاد فحل الإتحاد العام التونسي للطلبة وأجبر الزعيم النقابي الحبيب عاشور عليه رحمة الله سبحانه على التخلي عن مهامه ليسهل تدجين أكبر وأعرق منظمة إفريقية وعربية عمالية ثم إشتبك مع رابطة حقوق الإنسان التي نشأت منذ البداية ليبرالية شابة عن طوق الحزب الحاكم وإلتجأ إلى المحكمة العسكرية لتصفية ا لوجود المادي للحركة الإسلامية ثم إنثنى على ما بقي من المعارضة الوطنية الجادة لتكميم أفواهها مغتنما سقوط الدب الروسي في أواخر ثمانينيات القرن المنصرم وأحداث دولية أخرى تجري لصالح خيار الأمركة المفروضة من مثل حرب البلقان ودق الحرب ضد ما أسمته أمريكا التطرف والإرهاب ودوس دبابات العسكر في الجزائر لصناديق الإقتراع التي جاءت بالإسلاميين. أما في الشرق ـ منبت الأمة بالرسالات الإسلامية ـ فإن تونس إستخدمت من لدن الصهيونية محضنا لإستقبال الفارين من مواجهة بيروت (1982) ثم مطبخا لمؤامرات مدريد (1991) وما تلاها أي أوسلو (1993 ) ووادي عربة (1994). ألم يكن الشقي دحلان تونسي الهوى وهو في ريعان شبابه؟ رغم كل ذلك ظلت أقدار كبيرة معتبرة من المناعة الذاتية تحفظ على المجتمع التونسي إنتماءه العروبي الإسلامي خلال عشرية كاملة تعرضت فيها مائة ألف عائلة تونسية إلى إهدار الكرامة إما بسبب سجن أحد أبنائها أو فراره إلى الإختفاء أو إلى خارج البلاد أو وجود علاقة قرابة أو شراكة مالية أو مصاهرة مع أحد المحاكمين أو المبحوث عنهم أو إصراره على مزاولة حقه الطبيعي والدستوري والشرعي في تدينه سيما فيما يتعلق بزي المرأة الذي يحظره القانون منذ عام 1981 وتصب عليه السلطة جام غضبها في حالة هستيرية غير معهودة على الأرض. لم يثبت من المعارضة خلال تلك العشرية الكالحة إلا قليل جدا من مثل الحزب الديمقراطي التقدمي بزعيمه الكبير الأستاذ أحمد نجيب الشابي والمعارض فوق العادة الدكتور المنصف المرزوقي وحزب العمال الشيوعي بزعيمه حمه الهمامي وشخصيات وطنية وإسلامية أخرى بينت لها التجربة القمعية لسلطة الجنرال بن علي بأن المشروع التحرري الديمقراطي في تونس لا يبنى أبدا إلا بشراكة مع الإسلاميين وهو الأمر الذي أثمر بعد حصاد مر مرير حركة 18 أكتوبر قبل عامين تقريبا ( 2005 ). أما السجن الذي يدفن تحت أقبيته رفات نيف وخمسين رجلا منذ 1990 ( من أصل عشرة آلاف سجين ) فإنه شهد حلقات تنكيل مروعة خضع لها مساجين حركة النهضة بدأت بفرض العزلة الإنفرادية لسنوات طويلة تصل حد ثماني سنوات متتالية لعدد من قيادات الحركة ( الشيخ العكروت مثلا ) ثم بركل المصحف الشريف بأقدام السجانين والجلادين تشفيا من المساجين الإسلاميين ( سجلت حادثتان مشهورتان : حادثة مع السجين نبيل الواعر وحادثة مع الشيخ العكروت ) ومن ذلك أيضا تواصل التحقيقات البوليسية في السجن بعد المحاكمة وتعرض المساجين للضرب والتعذيب والإجبار على الزحف عراة أمام طابور مساجين الحق العام والإجبار في أثناء ذلك على تقليد أصوات حيوانات معروفة كنباح الكلاب ونهيق الأحمرة فضلا عن تحديهم بسب الجلالة والكلام المقذع بذاءة ومن ذلك أيضا التضييق في الزيارات وحق السجين في الأكلة العائلية والعقوبة على جريمة إقامة الصلاة قبل بزوغ الشمس ولو فرادى أما صلاة الجماعة فهي ممنوعة بالكامل وسرعان ما ظهرت الأمراض الخطيرة والأوبئة القاتلة على المساجين بسبب تردي الأوضاع المعيشية وآثار التعذيب البدني والحرمان من التداوي حتى مات منهم خمسون ونيفا على مدى سبعة عشر عاما أغلبهم تحت التعذيب أو بسبب الأمراض والحرمان من التداوي. شن المساجين عشرات من الإضرابات الجماعية والفردية عن الطعام حتى غدا بعضهم هياكل عظمية لا أثر للحياة فيها أملا في تحسين أوضاعهم وتأسست جمعيات دولية وتونسية كثيرة تدافع عنهم وتطالب بإطلاق سراحهم ولكن ظلت المأساة التونسية صامتة مسكوتا عنها لا يبكيها سوى أهلها المشردين داخل وطنهم أو خارجه وما إن فتحت أبواب الفضائيات والإعلام الإلكتروني حتى هرعت أيادي الأحرار تطرق أبواب السجن وتنبش القبور التي دفن فيها أصحابها ليلا ولكن ظل الباب موصدا بمباركة أمريكية أوروبية. ومما يذكر هنا أيضا أن البرلمان الأوروبي أصدر إنذارين شديدين في مناسبتين لتونس بسبب تجاوزها كل الحدود المعقولة والمفهومة للعدوان على كرامة الإنسان كما أن الإتحاد الدولي للصحفيين طرد في منتصف التسعينيات تونس لفرط عدوانها على حرية الصحافة. وألف الإمام القرضاوي كتابا خاصا بطلب من مجمع الفقه الإسلامي بالعربية السعودية حول التطرف العلماني جاعلا من تونس وتركيا نموذجين فضلا عن تناول الحالة التونسية كحالة تحالف إستبدادي علماني متطرف غير معهودة في عدد من كتبه. بادر المساجين منذ الشهور الأوائل لطرق باب المصالحة مع السلطة فأوصدت دونهم الأبواب وبمثل ذلك فعلت قيادة الحركة المهجرة بمؤسساتها لأول مرة في تاريخ الحركة ولكن إستتباب الأمن في البلاد بقوة البطش والإرهاب الحكومي المنظم أغرى السلطة بمزيد من إحكام القبضة حتى تحولت البلاد إلى ثكنة عسكرية صارمة لخنق أي نفس تحرري سيما مع توطيد علاقة التطبيع الصهيوني بأوثق العرى حتى غدا الأستاذ المحامي محمد عبو أخطر سجين في تونس منذ عامين ونيف بسبب رفضه في مقال صحفي لزيارة شارون إلى تونس ولم تفلح كل المحاولات من كل صوب وحدب أن تفرج عنه وهو اليوم يعاقب عقوبة من جنى الخيانة الوطنية العظمى. ورغم أن أكثر المساجين السياسيين اليوم مسرحون ( إلا 55 سجينا منذ 1990 ) فإنه لم يتمتع أي واحد منهم بأي حق من حقوقه المدنية من مثل الرجوع إلى عمله السابق بل تواصلت التضييقات المشددة عليهم إما بفرض عقوبة الإقامة الجبرية عليهم تنكيلا وتشفيا ( حالة عبد الله الزواري منذ خمس سنوات كاملة ونيف ) وإما بالمنع من ممارسة أي عمل إبتغاء التكسب المعيشي وفرض حالة من الحصار الشعبي عليهم فلا يقترب منهم بقصد التعامل المالي أو العائلي إلا متهور يعرض نفسه للإنتقام والسجن ومعلوم أن السلطة فرضت على بعضهم ( عشرة على الأقل فيما علمنا ) التطليق القسري كما أنه معلوم أن عددا من النساء من قيادات وبنات حركة النهضة سجن بسبب إنتمائهن أو بسبب قيامهن على أعمال إغاثية لبعض عائلات المساجين. أما الحديث عن تمتع المسرحين بالحقوق السياسية فلا معنى له إذ لا يتمتع مواطن تونسي من غير ميليشيات الحزب الحاكم بحقه السياسي حتى أن من يتحصل على جواز سفر من المعارضين وخاصة الإسلاميين يكاد يطير فرحا. لم تكن تلك العشرية من تاريخ تونس الحديث سوى عشرية جحيم وأيام جمر لاظية على الشعب التونسي بأكمله ويكفي دليلا على ذلك التذكير بظاهرة قوارب الموت التي يمتطيها الشباب التونسي ذكرانا وإناثا بعد بيع أملاكه لدفع رشاوى لأسلاك من الشرطة والحرس التونسي تتاجر في ذلك تحت غض الطرف من لدن الدولة التي يرجع لبعض أهلها شيء من ذلك. قوارب الموت كانت طيلة تلك العشرية الكالحة تؤدي يوميا بمعدل عشرة من خير شباب تونس طعما لقروش المتوسط أملا في عيش كريم أو شبه كريم في الضفة الشمالية للمتوسط. ومن لعنات تلك العشرية العجفاء كذلك : ظاهرة الأمهات العزباوات التي تلتقي مع ظاهرة تفشي حالات الطلاق لتقذف في مهاوي الضياع والفساد والجريمة مع مطلع كل شمس بمعدل ست عائلات تونسية وغير ذلك من الظواهر الإجتماعية التي تفتك بالمجتمع التونسي فتكا حقيقيا بأتم معاني كلمة الفتك ولعل أشدها بلاء بحق : حملة الإنقراض التي يتعرض لها ذلك المجتمع بسبب تدني نسبة الإنجاب إلى واحد وإثنين من عشرة وهو معدل لم تصل له مجتمعات أوروبية كثيرة تقوم فلسفتها الوجودية على ذلك الضرب من الإنقراض الإختياري وهو ما أدى لأول مرة في تاريخ تونس الحديث ( نصف القرن المنصرم ) إلى إغلاق مدارس إبتدائية ( أساسية ) أبوابها في بعض جهات الشمال الغربي بسبب عدم وجود من يؤمها من اليافعة. حالة تونسية غير قابلة للفهم : في الجزائر حركة وئام وطني على رداءتها جمعت فوق أرض الجزائر والحوار بين » المجاهدين » بالسلاح الناري من فوق الجبال وبين الدولة وفي ليبيا يخرج من قبورها المظلمة بعد ثلاثة عقود كاملة رجال الحركة الإسلامية وينشأ ما يمكن أن يرتقي إلى مصالحة وطنية بدائية وفي مصر تخرج أفواج في إثر أفواج من جماعات العنف المتورطة في دماء المصريين والأجانب بعد مراجعات فكرية قاسية وفي المغرب تجربة ديمقراطية تستوعب الإسلاميين الديمقراطيين وتسمح بهامش نشاط دعوي وثقافي لجماعة العدل والإحسان وفي موريطانيا قريبا يسمح بحزب إسلامي قانوني ولن تجد بقعة على الأرض بديار » حربها » وديار سلمها إلا وهي تعترف بالنشاط الإسلامي إما حزبا أو حرية أو مشاركة حتى في الأرض المحتلة من الصهاينة وفي الأرض المحتلة من الأمريكان .. إلا في تونس : القمع الأعمى وليس سوى القمع الأعمى للإسلاميين المعتدلين خاصة وللوطنيين والأحرار عامة. لو عرضت ذلك على علماء الإجتماع لن يفتوك إلا بشيء واحد لا يغرنك تأخره فلكل أجل كتاب ألا وهو : السلطة التونسية تجر البلاد نحو مصير واحد هو : الإنفجار. أجل. إنه الإنفجار المرقوب لا يرجوه تونسي لتونسه العزيزة ولكن لا مناص منه ولا بد مما ليس منه بد وما كان ربك بظلام للعبيد. هي سنن إجتماعية لا تجامل مؤمنا لإيمانه ولا تعاقب كافرا لكفره وتعبد الله كرها. أجل. إنه الإنفجار الذي يخرق صمت الأمن المستتب إستقرارا مغشوشا خادعا. الهادي بريك ـ ألمانيا.
في ضوء الاتصالات الاخيرة للرويسي السلـطة تجـرب المــناورة
محمد الحمروني توالت الإنباء في الآونة الأخيرة عن اللقاءات التي يقوم بها السيد منصر الرويسي رئيس الهيئة العليا للحريات وحقوق الإنسان بعدد من المنظمات الحقوقية التونسية. وبعد جمعية النساء الديمقراطيات تداولت الأوساط الحقوقية أنباء عن اللقاء الذي جمع الرويسي بكل من السادة الحبيب مرسيط رئيس فرع تونس لمنظمة العفو الدولية ومختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. ونتج عن تلك اللقاءات جملة من الإجراءات وهو ما يفتح الباب لجملة من التساؤلات منها ما يتعلق بالإطار الذي تتنزل فيه هذه المبادرة إن صحت العبارة: هل هي محاولة لتنقية الأجواء بعد ما ساد الحياة السياسية من توتر في الفترة الأخيرة؟ أم أنها مجرد مناورة سياسية الهدف منها إحداث اختراق لصفوف منظمات المجتمع المدني التي شكلت في الفترة الأخيرة حزاما مساندا لقوى المعارضة؟ منح.. ورسائل وقبل الإجابة على ما سبق وغيره من الأسئلة التي تطرحها مبادرة الرويسي لا بد من استعراض، ولو سريع، لمجمل الحراك الذي رافقها والوقوف على أهم النتائج التي تمخضت عنها. أول تلك اللقاءات كان مع جمعية النساء الديمقراطيات، وبدا من خلال ما راج في عدد من وسائل الإعلام وخاصة منها جريدة « الموقف » -التي أجرت حوارا مستفيضا مع رئيسة الجمعية السيدة خديجة الشريف – أن الحوار كان بناء ووديا بشكل كبير. وذهبت بعض التقديرات إلى اعتباره ناجحا بالنظر على الأقل إلى ما تمخض عنه من نتائج. فالسلطة قدمت للجمعية هبة بخمسين ألف دينار ورفعت الحظر عن الأموال المرصودة لها من قبل الاتحاد الاوروبي. وفي المقابل اعتبرت رئيسة الجمعية أن ما حصل » خطوة في الاتجاه الصحيح » وتمنت أن تشمل تلك الخطوة بقية المنظمات والجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان وخاصة منها الرابطة، واعتبرت أن الأهداف التي تعمل من اجلها الجمعية لا تختلف كثيرا عن برنامج السلطة. وبعد أيام عن هذا اللقاء أعلنت وسائل الإعلام نبأ اجتماع الرويسي بالسيد الحبيب مرسيط رئيس فرع تونس للعفو الدولية. وتناول اللقاء المستجدات الأخيرة المتعلقة بالفرع ومن بينها الجلسة الوطنية التي رفضت عديد النزل استقبالها. كما تناول اللقاء المضايقات التي يتعرض لها الفرع ورئيسه من منع للندوة الصحفية المشتركة حول عقوبة الإعدام، إضافة إلى اقتحام منزل رئيس الفرع وتفتيشه بشكل جزئي من قبل أعوان الأمن. وكانت نتيجة جيّدة إذ وافقت السلطة على منح الفرع قاعة بورصة الشغل لعقد جلسته الوطنية كما تم الاتفاق على وضع كل نقاط الخلاف بين الطرفين على بساط البحث والحوار السياسي. أما اللقاء الثالث فجمع السيد الرويسي بالأستاذ الطريفي رئيس الرابطة. وإن لم تتوفر معطيات عن هذا الاجتماع بحكم عدم إصدار الرابطة أي بيان بخصوص اللقاء، فإن ما تسرب عن هذا الاجتماع يؤكد أن السيد الرويسي عبر عن رغبة السلطة في حل ملف الرابطة، وانه طلب من رئيس الرابطة توجيه رسالة إلى أعلى هرم السلطة يدعوه فيها إلى التدخل من أجل حل هذا الملف. وكانت نتيجة تلك اللقاءات: 1 – نجاح السيد الرويسي في حل الخلاف القائم بين السلطة وجمعية النساء الديمقراطيات، كما يبدو على الأقل من خلال التصريحات الأخيرة لرئيسة الجمعية. 2 – نجاح الاجتماع الذي عقد مع العفو الدولية إذ تم حل بعض الإشكالات الظرفية القائمة مثل مكان عقد المؤتمر وغيرها. وينتظر أن يتواصل التعاطي فيما يخص بقية الملفات بين السلطة والفرع بنفس الروح الايجابية . 3 – أما بخصوص ملف الرابطة، وهو الأكثر تعقيدا بين هذه الملفات الثلاثة، فيبدو انه يتجه هو أيضا إلى نوع من الحلحلة عن طريق حلول وسط قد يكون من بينها قيام الهيئة المديرة ببعض التراجع في القضايا التي كانت سبب الخلاف، والإقرار ربما بأنها لم تكن موفقة في القرارات التي اتخذتها وخاصة ما تعلق منها بقضية الهيكلة. وهذا على كل حال ما يطالب به بعض الرابطيين من خلال ورقة داخلية يبدو انه تقرر أن تعرض على النقاش الداخلي في قادم الأيام. إشارات متناقضة تلك هي مجمل اللقاءات التي يبدو أنها ستتواصل مع جمعيات ومنظمات أخرى والسؤال الذي يطرحه المراقبون هو هل أن الهدف من خلال تسوية بعض الملفات الشائكة امتصاص الاحتقان الداخلي واحتواء الضغوط الخارجية؟ أم أنها تبحث فعلا عن تنقية الأجواء من خلال حلحلة بعض الملفات استعدادا ربما للاحتفال بالذكرى العشرين للتغيير وتمهيدا لما يمكن أن يتخذ خلاله من إجراءات؟ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال على الأقل في الوقت الحاضر، ذلك أن ما ترسل به السلطة من إشارات هي من التناقض بحيث يصعب رصد الاتجاهات التي يمكن أن تصب فيها. فمن جهة يبدو من خلال ما يقوم به الرويسي من اتصالات واجتماعات وما ينتج عنها من قرارات أن هناك نية لدى جهة ما في السلطة لإيجاد حل لبعض المشاكل وتنقية الأجواء. وفي المقابل تفرض السلطة حصارا مشددا على مختلف مكونات المجتمع المدني والسياسي فتمنع الاجتماعات وتغلق المدن ويمنع الناشطون حتى من مغادرة بيوتهم. وأخيرا تم منع دورة تدريبية لشابات النساء الديمقراطيات في طبرقة. كل ذلك يجعل الإشارات التي ترسل بها السلطة متناقضة إلى درجة تدفع إلى البحث عن خلفيات أخرى لتحركات السيد الرويسي تكون ابعد من مجرد تنقية الأجواء. ومعلوم أن الرويسي لعب خلال النصف الثاني من حقبة الثمانينات دورا مهما في حل العديد من الملفات الشائكة وتمكن، بفضل العلاقات المتميزة التي تجمعه بالعديد من المنظمات والجمعيات الحقوقية من « تنقية » الأجواء بينها وبين السلطة. وساهمت هذه العملية في تشكيل أحزمة مساندة للحكم خاصة خلال فترة الاستقطاب الثنائي التي عرفتها نهاية الثمانينات وبداية التسعينات. كما ساهمت هذه العملية في عزل ومحاصرة حركة النهضة من جهة وإضعاف ما تبقى من معارضة باستمالة الأحزمة الداعمة لها أو تحييدها. فهل نحن أمام عملية من نفس النوع وترمى إلى نفس الهدف؟ وجهتا نظر الآراء منقسمة حول هذه النقطة بين من يرى أن الهدف هو فعلا استعادة أوضاع الاستقطاب واستعادة نفس الصورة، أو بعض ملامحها، التي كان عليها المجتمع قبيل حقبة التسعينات تمهيدا لإضعاف التيار الديني بالبلاد الذي عاد للبروز من جديد. وحسب هذا الرأي فان السلطة تعمل على استغلال حالة الخوف المتصاعد في صفوف التيارات العلمانية واللائكية المتشددة من عودة هذه الظاهرة، و المنتشرة في النسيج الجمعياتي والحقوقي على وجه الخصوص، وهو نفس ما وقع تقريبا اثر سنة 1987. فيما يرى قسم ثان أن الإسلاميين لم يعودوا يشكلون قوة يمكن أن تزعج النظام ولا أن تخيف بقية مكونات المجتمع المدني وبالتالي فان الهدف من محاولة إحداث اختراق لبعض مكونات المجتمع المدني الهدف منه محاصرة 18 أكتوبر الطرف الوحيد الذي يمكن أن يلعب دورا في المحطات السياسية القادمة وعلى رأسها انتخابات العام 2009. وتبقى كل هذه التساؤلات مشروعة وكل هذه الاحتمالات قائمة وستكشف لنا الأسابيع والأشهر القادمة تفاصيل ما بدا الآن غامضا فنحن في بداية سلسلة الاتصالات وقديما قيل: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا …. ويأتيك بالأخبار من لم تزود. (المصدر: صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 412 بتاريخ 6 جويلية 2007)
الهجرة الى الموت
صــابر – سويسر ا الهجرة إلى أوروبا أصبحت هي الحلم المغرى للشباب التونسي ( وأبناء دول الجنوب عموما ) الطامح إلى الهروب من الوضع الإقتصادي والإجتماعي والسياسي الصعب وفي سبيل هذا الهدف يركب الشاب قوارب الموت ويبحر إلى المجهول وكله أمل في الوصول إلى الضفة الأخرى والإفلات من عيون البوليس الذى يحرس الضفتين وعرض البحر أيضا هذه الرحلة أو المغامرة المحسومة في ذهن الشاب – والغير محسوبة في ذهنه تماما لأن القدر وحده يعلم ما ستؤول إليه الأمور – هي رحلة العمر ومشروع الحياة لتحسين الوضع المادي له ولأسرته , قد لا تنتهي في أحيان كثيرة بالعبور إلى بر الأمان والمال وإنما بالموت بعد أن يلفظ البحر جثة المهاجر الضحية إلى الضفة التى كان يريد الوصول إليها حيا ولكن الموت يعاجله قبل أن يصل إلى مراده ومنهم من يبتلعه البحر فيلتقمه الحوت ويسجل في دفاتر المجهول ومنهم لا يُعرف مصيره وهناك عوائل إلى اليوم لا تعرف مصائر أبناءها وهي تبحث عن إجابة شافية لا تعرف من أي جهة تستقيها , والإحصائيات الرسمية تتحدث عن آلاف الضحايا الذين يسقطون سنويا في عرض المتوسط , أما من يصل منهم إلى الضفة الأخرى فقد يكون مصيرهم السجن في » قوانتنامو » في جزيرة لمبادوزا الإطالية كما يسميه » الطليان » وهو المعسكر الذى أنشأته السلطات الإيطالية لتحتجز فيه المهاجرين السريين , أما من يعبر وينجو من كل هذه المطبات فليس بالضرورة أن يكون أكثر حظا ذلك أن متاعب أخرى تبدأ وهي البحث عن الإستقرار و الإقامة والعمل , خاصة أن في السنوات الأخيرة أصبحت هذه المهمة صعبة مأساة » الحرقة » تتكرر كل يوم والضحايا يسقطون في كل عبور ولكن الرحلة إلى الشمال على كف العفريت لم تتوقف بالرغم من أن المهاجرين السريين يعلمون تماما ما ينتظرهم ولكنهم يفضلون أن يرموا بأنفسهم إلى المجهول بدل البقاء في بلدانهم على المجهول , ومن المواقف الذى تسجل على المهاجرين السريين أن أحدهم سأل أحد الذين رشح نفسه للهجرة السرية بالقول : ألا تخشى أن يأكلك الحوت في عرض البحر ؟ فرد بالقول : أفضل أن يأكلني الحوت في البحر بدل أن يأكلني الدود في الوطن . وقد عبر المهاجرون الأفارقة خاصة على تصميم لا يلين بأن الوصول إلى أوروبا سيبقى هو الحلم الذى لا يمكن التنازل عليه مهما كانت التضحيات بالرغم أن منهم من فشل في الوصول ثلاث أو أربع مرات وإضطر إلى العودة أدراجه في رحلة قسرية بعد أن إنكشف أمره في منتصف الطريق مخلفا وراء الحسرة على الفشل وبعض رفاق السفر الذين لفظوا أنفاسهم , ومنهم من يكون ضحية تحايل المهربين الذين عقدوا معهم صفقة العبور إلى أوروبا . هذه الرحلة مكلفة ماديا أيضا قد يضطر معها المهاجر السري إلى الإدخار لسنوات أو بيع بعض أغراض بيت الأسرة أو للتداين لقد أصبحت هذه القضية مأساة متكررة لم تعالج إلا بالحراسة الأمنية على كلى الضفتين والتنسيق الأمنى بين الجانبين ودفع الأوروبيين لمساعات مالية وتقنية لدول العبور والهجرة كي تقف بلدان الجنوب ومن بينهم تونس حارسة لأوروبا التى أصبحت تتحول إلى قلعة بفعل الإجراءات الأمنية المشددة وترسانة القوانين التى تستهدف الهجرة والمهاجرين إن الأسباب التى تدفع بالشباب إلى الهجرة كثيرة ولكن الأسباب العامة للهجرة السرية هي الظروف الصعبة التى يعيشها الشاب في بلاده وإنعدام الأفاق التى تلبى الطموح الذى يسكن هذه الفئة العمرية وتغذى كل ذلك الروايات الجاهزة عن أوروبا ونعيمها ورخاءها . ولا يعلم هؤلاء الشباب أن بعض من بلغ مراده ندم على الهجرة بعد أن تقطعت به السبل ومرت عليه سنوات قضاها متنقلا من دولة أوروبية إلى أخرى دون أن يحقق حتى مجرد الإستقرار النفسي ولعل ما يعيشه بعض شباب الهجرة في بعض الدول الأوروبية قد لا يصدقه البعض والذى يصل حد الجوع ناهيك عن المبيت في العراء والتشرد والخوف من الوقوع في أيدي البوليس إن القضاء على الهجرة السرية أمر غير ممكن بل مستحيل أن يتحقق وقد حاولت الدول المعنية بهذه الظاهرة معالجتها بأساليب بدائية فيها الكثير من الأنانية وصلت حد الإنتقام من المهاجرين وإغراقهم في عرض البحر في جريمة لا تغتفر , والحل في ما يبدو ليس بفرض الرقابة على حدود القارة العجوز ولا تقديم مساعدات مالية للحكومات فقط وإنما لا بد من التفكير في علاجات ناجعة تخفف من هذه الظاهرة ومن ذلك التعاون بجدية مع حكومات الجنوب على تحقيق تنمية مستديمة تستوعب نسب عالية من الشباب العاطل عن العمل وأن لا تكون المساعدات في شكل قروض أو هبات مالية تحول إلى حسابات قد لا يصرف جلها في الغرض الذى رصدت له , وأيضا محاربة الفساد المالى والسياسى الذى تعرفه دول الجنوب ليتحقق في تلك الدول بعض الرخاء المالى والإستقرار السياسى التى تعيشه الدول الأوروبية , ومن الأفكار التى يمكن أن تعتمد عمليا هي إنشاء مصانع وورشات ومشاريع إقتصادية في دول المهاجرين السريين ترتبط بسوق الشغل وتكون منتجاتها بمواصفات أوروبية وتتكفل الدولة الأوروبية بتسويق تلك المنتجات فيحقق الطرفين مكاسب ربحية فوق القضاء على البطالة , وهناك أفكار كثيرة يمكن من خلالها تحقيق بعض طموح الشباب في دول الجنوب كي يتخلى الكثير منهم عن الهجرة وإن كان البعض لن يتخلى عن ذلك لقد إستفادت أوروبا من المهاجرين على مدى تاريخ طويل حين كانت تلك القارة في حاجة إلى اليد العاملة إلى أن ظهرت أعراض جانبية للهجرة وهي أعراض طبيعية لكل ظاهرة أخرى وقد نفخ اليمين المتشدد خاصة في أوروبا في هذه الظواهر السلبية فحول الهجرة والمهاجرين إلى شر كله بالرغم من الحاجة الملحة للمهاجرين سواءا في سوق العمل أو في التوازن السكانى ولكن يبدو أن التدفق الهائل لأعداد المهاجرين السريين أحدث نوعا من الخلل جعل بعض الدول تشعر بأنها عرضة لهجوم كاسح لموجات من الهجرة التى لا يمكن إستيعابها تبقى مسؤولية معالجة هذه الظاهرة بدل مكافحتها هي الفكرة الأسلم , وعلى حكومات الدول التى تشكل مصدر المهاجرين يقع عبىء كبير تجاه مواطنيها المغادرين أوطانهم تحت ضغوط الظروف الإقتصادية والسياسية والإجتماعية المحلية الصعبة والتى وصلت أوضاع مزرية في بعضها وهذا ما يدعو إلى أن التغيير هو الشرط المطلوب وعلى تلك الحكومات أن تقيم تجاربها في الحكم بشكل جدى بعد أن إستقرت على كراسي الحكم عقود طويلة يجعلها ملزمة بتحقيق مكاسب حقيقية لمواطنيها أو الرحيل بدل إستثمار الحكم للثراء والتحكم في الشعوب وتأبيد مشاكلها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.
إلى الهاشمي الحامدي في مواقفه العمرية
و نعم المواقف فعلا
سلوى الشرفي
أشكرك على ما أتحفتنا به في « المواقف العمرية » و أعتقد أن أغلبية الناس، باستثناء الشيعة مع الأسف، يكنون الاحترام و التبجيل للخليفة عمر ابن الخطاب صاحب المقولة الأشهر « متى استعبدتم الناس » و غيرها من الأقوال و الممارسات التي تعتبر نموذجا يحتذي به العقل الحديث. و لبقية الخلفاء أيضا مواقف نعتز بها، هذا إلى جانب كل ما ورد في القرآن الكريم من معاني نبيلة و إنسانية و عقلانية لو ركزنا عليها في تعاملنا مع بعض و مع الآخرين لكنا في مقدمة الأمم مثلما كنا زمان.
و لكن دعني أسألك، بما أنك توجهت إلى، ما الذي يجعلك تعتقد أنني بحاجة إلى التصالح مع الإسلام؟
أعتقد أن الإشكال القائم بين الإسلاميين و بقية المسلمين هو اعتقاد الكثير منهم بأن التنديد بالرديء مما جاء في بعض الفتاوى قديما و حديثا، و إيراد الجوانب الإيجابية في الإسلام و المطالبة بالاجتهاد في ما أصبح يسيء إلى الإسلام و إلى المسلمين، هو طريقة للإساءة إلى الإسلام عندما يرد من غير الإسلاميين.
إن الإسلام و الثقافة الإسلامية التي ما زالت سائدة و حاكمة في قوانيننا و في حياتنا اليومية ليست حكرا على الإسلاميين كما إنها ليست حكرا على السلفيين الجهاديين الذين شوهوا صورتنا و جعلونا عرضة للاستهزاء و التنكيل في مطارات الغرب و مدنه و في مطارات العرب أيضا، لمجرد انتمائنا إلى الإسلام. و كأن ما يقوم به الجهاديون يمثل الإسلام فعلا.
دعني أوضح اهتمام غير الإسلاميين بالإسلام، و إن كان هذا من حقهم دون ريب.
سألتني مرة مناضلة نسوية أمريكية إذا كان لنا الحق كمسلمات في رفع دعوى قضائية ضد أزواجنا إذا قاموا بضربنا.
و كنت وقتها لا أعرف من الإسلام أكثر مما تعرفه جدتي، فاستهجنت السؤال و رحت أعاتبها على تبنيها لأفكار خاطئة و لتصورات سلبية عن المسلمين، غير أنها أجابتني بما صدمني و أفحمني عندما قدمت لي ملفا حول العنف العائلي المسلط على نساء في السودان و في مصر و إيران يتضمن شكاوي من نساء تعرضن للعنف و رفضت الشرطة الاستماع إليهن بحجة حق الزوج المسلم في تأديب زوجته و عدم حق الحاكم في التدخل في هذا الأمر. و قد اطلعت على آية الضرب لأول مرة في حياتي في هذا الملف المشؤوم.
أسوق هذه الحادثة كمثال على عديد المواقف المخجلة التي يتعرض إليها المسلمون في الندوات العلمية العالمية و في وسائل الإعلام الغربية حول ممارسات سلبية لم يعد من الممكن قبولها باسم ما ورد في النص أو في الحديث و السنة أو في الإجماع، مثلما لم يعد ممكنا قبول مؤسسة العبودية في وقت ما من تاريخنا. أسوقه أيضا كرد على من ادعى أن مسائل مثل تعدد الزوجات و ختان البنات و غيرها ليست من أولويات التونسيين. ربما يكون في قوله بعض الصواب و لكننا عندما نغادر البلد نحاسب كمسلمين وليس كتونسيين فقط. و العديد لا يعرف أن بناتنا لا يختن و أن تعدد الزوجات ممنوع في تونس. ثم إنه يتم دعوتنا للمشاركة في ندوات تخص انتهاك حقوق المسلمين عامة، كما لا يخفى عليكم ما يمكن أن يدخل تونس من أحكام و ممارسات غريبة عن ثقافتنا و عن الإسلام ذاته من جراء عولمة الإعلام. فنحن أصبحنا نتعايش مع المنقبات و مع تكفير البعض لمن يحتفلون بالمولد النبوي على الطريقة التونسية متجاوزين الإسلام ذاته الذي كان يقبل بالعرف إذا لم يصدم مقصدا من مقاصد الدين.
و إذا كان من الممكن لنا معارضة الممارسات التاريخية البائسة أو تلك الجارية حاليا و التي لا تعتمد على مصادر شرعية مثل نقاب طالبان و ختان البنات أو جرائم الشرف و منع المسلمة من الزواج بالكتابي، فإننا نعجز على تكذيب الأحكام التمييزية ضد المرأة و أهل الذمة و العامة و العقوبات الجسدية، التي جاءت في نصوص واضحة و موجبة للتطبيق. و الأدهى أنني لم أكن أعثر على اجتهادات عصرية تمكنني من دحض هذه الصورة المشينة للمسلمين، بل كنت أجد تأكيدا لها في مصادر معاصرة مثل تبرير الغنوشي إقصاء غير المسلمين في كتابه « حقوق المواطنة »
هذه المواقف و غيرها من الأدبيات هي التي دفعتني للنبش في التراث علني أجد ما يقوض هذه المظالم.
و وجدت فعلا الكثير يمكنك الإطلاع عليها في كتابي « المرأة و الإسلام و العنف » و سأسوق منه مثالا يدحض حق الرجل في تعدد الزوجات.
يروي البخاري (كتاب النكاح باب ذب الرجل عن ابنته و كذلك مسلم باب فضائل فاطمة) أن الرسول قال و هو على المنبر: »إن بني هاشم ابن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم عليا ابن أبي طالب فلا آذن، ثم لا آذن ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي و ينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها و يؤذيني ما أذاها »
فلو كان التعدد يدخل في فضائل الإسلام لما استاء منه الرسول إلى هذه الدرجة، رغم وروده في نص صريح، وهو القائل « و الله لو سرقت ابنتي فاطمة لقطعت يدها »
و لم أعثر إلى يومنا هذا عن رأي مماثل من طرف الإسلاميين الذين يواصلون تبرير التعدد بالاستثناءات، و رفض ما قام به يورقيبة الذي قضى بان يطلق الزوج » ابنة الناس » إذا أراد أن يتزوج غيرها، تماما مثلما جاء في الحديث المذكور.
إن ما أكتبه شخصيا و ما يكتبه غيري في هذا الاتجاه، و ما أوردته أنت في « مواقف عمرية » لا يعدو أن يكون سوى طريقة للمساهمة في دفع المختصين إلى قراءة النصوص بطريقة تجعلها تستجيب للتوجه الإنساني العصري و تدفع عن الإسلام تهمة التخلف التي يحاول البعض عن قصد إلصاقها به.
لذلك استغربت من الهجمة الشرسة التي شنها البعض على كل من ندد بالفتاوى المخجلة التي توفر للعدو مزيدا من الحجج للخطاب المعادي للإسلام و للمسلمين.
فهل أن التنديد بمثل هذه الفتاوى هو حكر لمن يعلن أنه إسلامي، أم هو حق لكل شخص نزيه، إسلاميا كان أو مسلما أو حتى غير مسلم ؟
و قد قذفني أحدهم بأبشع النعوت لمجرد أنني أوردت موقف عمر ابن الخطاب من الحجاب، و هو أمر لم أخلقه بل هو مثبت في كتب التاريخ. و إذا كان الموضوع يتعلق بالأسلوب فإنني أكتب في الموضوع بأساليب مختلفة، و ألجأ في الأغلب إلى الأسلوب الجاد، و ذلك حسب ما تتطلبه الوقائع.
ألم يكن من المضحك المبكي أن يتطوع أحد الإسلاميين في كندا في التأكيد على حق الزوج في ضرب زوجته و في تفسير ذلك بالحركة و الصورة، في حين كنت قبلها بقليل أدفع التهمة عن الإسلام بربط الحكم بسياقه و الحديث عن رفض الرسول ضرب النساء و ذلك طوال المدة التي سبقت نزول الآية، أي ما يقارب الثلاث سنوات، حيث كان يقضي بالقصاص كلما رفعت إليه قضية من هذا القبيل. و لم ينج من هذا القصاص حتى علية القوم و منهم أبو هريرة؟
أشركك على هذه المعلومات و أطلب المزيد لأنني شخصيا أبحث فيها و أستغلها في بحوثي و مقالاتي.
إهداء إلى صاحب « المواقف العمرية »
ابو العلاء المعري
لن اتكلم باسم الذين اهديتهم تلك المواقف لاني ببساطة لست منهم …. ولكن سارد على مواقفك لاني لم اجد احدا من هؤلاء اجابك بما يلزم …. لن استرسل كثيرا في الرد لان مجال نقد تجربة الخلفاء « الراشدين » الاربعة واسع جدا …ولكن ساحصر ردي في موقف العطاء هذا فهل لك ان تخبر شيوعيينا و لائكيينا كيف ان عمر كان يفرق فى العطاء بين القرشي و غيره و بين العربي و غيره حتى انه كان يفرق بين زوجات الرسول نفسه ( لا اعرف اين ضاعت هنا قضية المفاضلة بالتقوى ) و بهذا اسس للبرجوازية الاولى في الإسلام التي ادت لبقية الكوارث ( و هذا تحليلي الخاص لست مطالبا بتبنيه و لكن عليك الرد عليه بتحليل مماثل ) ……… إن اردت الإسترسال في هذه الطريقة في الطرح فسوف استمر انا ايضا في إظهار المواقف المناقضة لقيم الإسلام الاولى كالحرية و المساواة و الشورى التي قام بها الخلفاء « الراشدون » الاربعة بلا استثناء و التي تجعل الدول الغربية على علاتها اكثر إنصافا للإنسان من خلافتك الراشدة … لست هنا في مجال تحقير حضارتنا الإسلامية و لكني مع الاعتراف بمنجزات كل حضاراة دون تضخيم او تعمية للمثالب … اخيرا أتمنى عليك ان لا تدخل طاغوت تونس في نقاشنا كما فعلت مع « الاستاذة »….
بسم الله الرحمن الرحيم مواقف عمرية (4)
إهداء خاص إلى الأستاذ حمة الهمامي
د. محمد الهاشمي الحامدي
ماركس رجل مشهور في التاريخ الإنساني المعاصر. ومن المشهور أيضا أن الماركسية فشلت في خدمة الشعوب التي تبنتها، لأنها عاندت سنن الله في خلقه وفي الكون. أما عمر بن الخطاب فصنع بالإسلام تاريخا مشرقا يشهد له وللإسلام إلى يوم القيامة. وإذا تفرغ الشيوعيون التونسيون قليلا لدراسة تراث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنهم سيجدون البديل الكامل فيه عن أوهام الماركسية. أية أوهام أكبر من إنكار وجود الله تعالى؟ وأية أوهام أكبر من تقديم وسائل الإنتاج والمعطيات الطبقية على العقائد والأفكار العظيمة التي غيرت وجه التاريخ؟ وحتى متى إضاعة الوقت في التمسك بهذه الأوهام؟ هذا موقف عمري جديد يبين بالممارسة العملية أن الحاكم في الإسلام خادم للأمة وليس سيدا متسلطا عليها. وألفت نظر الرفاق التونسيين، إخوتي وبني وطني، أن تراث عمر بن الخطاب رضي الله عنهم هو تراثهم هم كما هو تراث الإسلاميين والدستوريين والقومييين والعلمانيين وسائر التونسيين. هل يعقل أن يتخلى تونسي عن تراث مجيد شهد له الخصوم قبل الأصدقاء؟ * * * في خدمة امرأة تمخض * * * بينما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس ذات ليلة، إذ مر برحبة من رحاب المدينة، فإذا هو ببيت شعر لم يكن بالأمس، فدنا منه، فسمع أنين امرأة، ورأى رجلا قاعدا. دنا الخليفة من الرجل وسلم عليه ثم سأله: ـ من أنت؟ ـ قال: رجل من أهل البادية جئت إلى أمير المؤمنين أصيب من فضله. ـ قال الخليفة: ما هذا الصوت الذي أسمعه في البيت؟ ـ قال الرجل: رحمك الله امض لحاجتك. ـ أصر الخليفة على معرفة الجواب قائلا: عليّ ذاك. ما هو؟ ـ قال الرجل: امرأة تمخض، أي في حالة مخاض. ـ قال الخليفة: هل عندها أحد؟ ـ قال الرجل: لا. فانطلق أمير المؤمنين، زعيم أهم دولة على وجه الأرض في تلك الفترة، حتى أتي منزله، فقال لزوجته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنها وعن أبيها: ـ هل لك في أجر ساقه الله إليك؟ ـ قالت: وما هو؟ ـ قال الخليفة: امرأة غريبة تمخض ليس عندها أحد. ـ قالت: نعم إن شئت. ـ قال الخليفة: فخذي معك ما يصلح المرأة لولادتها من الخرق والدهن، وجيئي ببرمة وشحم وحبوب. أعدت زوجة أمير المؤمنين عمر، بنت أمير المؤمنين على، رضي الله عنهم جميعا، كل اللازم المطلوبة، وحمل الخليفة البرمة، واتجها معا إلى البيت. هناك، دخلت أم كلثوم إلى المرأة تولّدها، وانشغل الخليفة بالطبخ لها من بعد أن أوقد له الرجل نارا يطبخ عليها. ثم ولدت المرأة، فهتفت أم كلثوم من داخل الخيمة: ـ يا أمير المؤمنين بشر صاحبك بغلام. سمع الأعرابي عبارة أمير المؤمنين فهاب الخليفة وجعل يتنحى عنه، فأصر أمير المؤمنين عليه ألا يبتعد، وحمل البرمة بنفسه، فوضعها على الباب وقال لزوجته لأم كلثوم: أشبعيها. وبعد قليل، أخرجت أم كلثوم البرمة ووضعتها على الباب، فقام الخليفة فأخذها ووضعها بين يدي الرجل وقال له: ـ كل، ويحك، فإنك قد سهرت من الليل. وبعد أن أتمت أم كلثوم مهمتها بنجاح، واستعدت للمغادرة مع زوجها، قال أمير المؤمنين للرجل: ـ إذا كان غدا فائتنا نأمر لك بما يصلحك. فلما أصبح أتاه، فأجرى لابنه عطاءه المستحق لكل مولود من مواليد الدولة الإسلامية، وأعطى الرجل أيضا مساعدة مالية من بيت مال المسلمين.
الـمُـفـاجــأة
عبد اللطيف الفراتي (*) كانت الأوساط السياسية الحكومية والقريبة من الحكومية في تونس تعتقد منذ مدة طويلة أن انتخابات عمادة المحامين (نقابة المحامين) أواخر الأسبوع الماضي ستسفر عن نجاح المرشح القريب من حزب الدستور الحاكم شرف الدين الظريف، وبذلك تكسب ولاء هذه النقابة، المهمة جدا على الساحة السياسية والقانونية والعدلية في البلاد. غير أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن حيث فاز بلقب العميد (النقيب)، المحامي البشير الصيد وهو قومي عربي قريب من ليبيا ومن العقيد القذافي وكذلك قريب من اليسار ومن أوساط المعارضات الراديكالية بكل أطيافها، أو هذا ما تعتقده أوساط السلطة وليس دائماً عن خطأ. وليست هذه أول مرة ينجح فيها البشير الصيد في منصب العميد، فقد تولى العمادة من قبل للولاية الممتدة بين 2001 و2004، وقد جاء انتخابه آنذاك بعد العميد المحسوب على السلطة بوراوي المقرب من أقطاب في الحكم، وقالت جهات متعددة أن العميد بوراوي لم يستطع حل مشاكل المحاماة الكثيرة، وبالتالي اتجهت جماهير المحامين الذين يتجاوز عددهم 5 آلاف، ويعيش الكثير منهم أوضاعا مادية سيئة، إلى شخصية معلنة معارضتها للحكم، وفي الفترة بين 2004 و2007 تولت العمادة شخصية مشهود لها بأنها هادئة ومعتدلة متمثلة في المحامي عبدالستار موسى، غير أن ولايته لم تكن لتأتي بنتائج ينتظرها المحامون، ومن هنا جاء رد الفعل على ما يبدو في اختيار عميد جديد قديم تعتبره السلطة مناوئا لها، ولا يمكن أن تقوم خطوط اتصال بينها وبينه. ورغم ذلك فإن السلطة عبأت وجندت أنصارها من المحامين من مناضلي التجمع الدستوري الحاكم لهذه الدورة الانتخابية ووفرت لهم كل التسهيلات للقدوم من أطراف البلاد كما تجند غيرهم ممن يعتبرون أنفسهم معتدلين «لا يريدون الزج بمهنتهم النبيلة في الصراعات السياسية»، ورغم الشعور الطاغي بالنجاح في صد البشير الصيد وتحقيق انتصار شرف الدين الظريف الذي كاد يكون متأكدا من الغلبة، فقد جاءت النتيجة على ما لا يشتهي ولا تشتهي السلطة، واندحر بفارق غير كبير نسبيا في دورة ثانية انتصر فيها الصيد بفارق مائة صوت، بالرغم من أن نتائج الدورة الأولى التي شارك فيها 10 من المترشحين لم تكن تنبئ بهذا الانتصار الذي اعتبر مفاجئا. وتحليل الأصوات التي حصل عليها المترشحون في الدورة الأولى تنبئ بأن الغلبة كان يمكن أن تكون للمقربين من السلطة لولا عنصرين اثنين تدخلا وفقا لتقدير المراقبين والمحللين: أولهما يتمثل في انسحاب عدد وفير من المصوتين في الدورة الأولى خلال فعاليات الدورة الثانية خاصة المحامين الذين جاؤوا من داخل البلاد، والمضطرين للعودة إلى مدنهم قبل انقضاء النهار، خصوصا وأن اليوم الموالي هو يوم عمل في مهنة لا يحسن للعاملين فيها التغيب باعتبار مصالح موكليهم. أما العنصر الثاني فتمثل في قلة انضباط واضحة بين الذين صوتوا لمرشحين مقربين إن كثيرا أو قليلا للسلطة وحزب الدستور الحاكم في الدورة الأولى ولم يصوتوا للمرشح الأكثر نيلا للتأييد من جانب السلطة بعد سقوط مرشحهم المفضل بل خيروا نقل أصواتهم إلى المرشح الذي تعتبره السلطة مناوئا لها أو انسحبوا مرة واحدة. ولعل ما أسقط مرشح السلطة المفضل لعمادة المحامين هو انعدام التخطيط من جهة، والثقة غير المحدودة في الانتصار، ما أدى إلى انفراط في الصف حيث كان الاعتقاد السائد إلى آخر لحظة هو أن الانتصار في الجيب، فيما واصل الطرف المقابل التجند بشكل كبير، الشأن في ذلك هو كما هو الأمر دوما بين الذين يعتبرون أنفسهم عن حق أو باطل مضطهدين، وبالتالي فعليهم رص صفوفهم والتعبئة الكاملة طيلة الوقت. وبعكس كل النقابات والاتحادات المهنية وما يسمى العمادات، فإن عمادة المحامين تعتبر دوما مشاكسة على الأقل من وجهة نظر السلطة، ففي فترة حكم الرئيس السابق بورقيبة لم تهدأ العمادة إلا في فترات قليلة، بقيت فيها في ظل الحكم، وغالبا ما كانت على العكس بأيد لا تحبذها السلطة ولكن تتعامل معها، حتى في فترات لم يكن يسمع فيها صوت آخر معارض في البلاد، أما في الفترة الأخيرة فإنها كانت غالبا بأيدي معارضين للحكم، ويفسر البعض ذلك بطبيعة تسييس المهنة، ووجود مدافعين في صفوفها عن معارضين يقفون أمام المحاكم، وهو ما قد لا تستسيغه السلطة كثيرا. ومهما يكن من أمر فلعل الولاية الجديدة والثانية للبشير الصيد تكون أكثر هدوء من ولاية أولى كانت متشنجة وعلى علاقة سيئة بالسلطة، وذلك بحكم التجربة من مدة ولايته الأولى من جهة حيث دخل تلك الفترة في مجابهة مع السلطة، بينما تأتي تأكيدات كثيرة من أوساط معروفة باطلاعها بأن الأمر لن يكون كذلك هذه المرة. كما إن هناك من يعتقد بأن قدوم البشير الصيد، وإن لم يرض السلطة فإنه أخف مما لو نجح مرشحون آخرون سقطوا من الدورة الأولى وكانوا أكثر معاداة وأكثر حدة من العميد الجديد القديم، الذي لم ينس أحد أنه بدأ حياته المهنية كقاض قبل أن يتحول إلى المحاماة منذ ثلاثة عقود. (*) كاتب تونسي (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 9 جويلية 2007)
الإفساد بين الجهل و العجز
صالح التقاز – فرنسا لا أقصد بالإفساد العمليات التي تنفذها المقاومة المشروعة ضد الاحتلال الذي احتل الأرض و عاث فيها إفسادا و مضى يقتّل و ينكّل و يشرّد و يستبيح الأرض و العرض و الحرث و النسل ذلك أنّ كل الشرائع و التوجهات الوطنية المحلية منها و العالمية أقرت مشروعية المقاومة و أساليبها التي تمليها ظروف المعركة و الإمكانيات المتاحة للقيام بالذب عن الوطن المغتصب. إني أقصد بالإفساد تلكم العمليات الإجرامية التي ترتكب ضد أناس آمنين داخل أوطانهم أزهقت أرواحهم و سفكت دمائهم بغير حق ظلما و عدوانا و بدون أي مسوغ إلا أن يكون جهلا بالغاية الأساسية للمسلم : الدعوة لما يحي الناس{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ [1]} أو عجزا عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بالحكمة و الموعظة الحسنة { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [2]}و في كلتا الحالتين، أجهل كان أم عجز، فالفعل بغي لا تقره شرعة و لا تبرره حالة اجتماعية و لا سياسية و لا ثقافية كما لا يقبله إنسان متوازن التركيب العقلي و النفسي و الوجداني. عرّف ابن منظور صاحب لسان العرب الفساد بقوله:{فسد = الفساد نقيض الصلاح- فسد يفسد و يفسد و فسد فسادا و فسودا فهو فاسد و فسيد فيهما… وقوله تعالى » و يسعون في الأرض فسادا » نصب فسادا لأنه مفعول له أراد يسعون في الأرض للفساد. و المفسدة خلاف المصلحة و الاستفساد خلاف الاستصلاح[3]}. فالفساد هو نقيض الإصلاح و الإصلاح هو باختصار شديد الحياة ذلك أن إصلاح الشيء يعني مده بالقوة الأساسية حتى يستمر في الحياة و من هنا احسب انه لا يختلف مسلمان، فضلا عن كل ذي حكمة و رأي رشيد، أن الله تعالى قد خلق الإنسان لأجل الصلاح و الإصلاح متحملا بذلك-أي الإنسان- مهمة جللا تتمثل في الاستخلاف بمعنى استمرار الحياة. في ما قص علينا القرآن الكريم من قصة خلق آدم أب البشر عليه السلام أن الملائكة الكرام أبدوا لربهم، وهو يخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة، تخوفهم من إفساد هذا الخليفة في الأرض {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [4]} فقد خص الملائكة بالذكر سفك الدماء أي القتل و إنهاء الحياة كإفساد عظيم بدا لهم غير متناسق مع غاية الخلق و ماهية الخلافة و حقيقة الإشهاد الحضاري المتمثل في الإصلاح كوظيفة مركزية لمن سيكون خليفة إذ لا يمكن للملائكة أن يتصوروا خليفة غير مصلح ذلك أن المستخِلف هو الصلاح المطلق. ذكر العلامة الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره « التحرير و التنوير » مفسرا هذه الآية[5]: « و قولهم « أتجعل فيها من يفسد فيها » دليل على أنهم علموا أن مراد الله من خلق الأرض هو صلاحها و انتظام أمرها و إلا ما كان للاستفهام المشوب بالتعجب موقع، و هُمْ علِموا مراد الله ذلك من تلقّيهم عنه سبحانه أو من مقتضى حقيقة الخلافة أو من قرائن أحوال الاعتناء بخلق الأرض و ما عليها على نظم تقتضي إرادة بقائها إلى الأمد، و قد دلت آيات كثيرة على أن إصلاح العالم مقصد للشارع قال تعالى » فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّه [6]ُ » « وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [7] » فلا يمكن إذا أن يجتمع الإفساد مع الإصلاح في الوظيفة الإستخلافية للإنسان المعضودة بالرسالة الإشهادية الحضارية للمسلم الذي لا يمكن أن يكون إلا محسنا على غرار إحسان الله تعالى إليه {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [8]} إذ شرفه بالانتماء إلى امة الرحمة المهداة محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم الذي ما كان قط فضا غليظ القلب { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [9]}. إنه لمن أعظم الخطايا أن يقتل الإنسان أخاه الإنسان فالله تعالى لم يخلق الإنسان ليقتل بل خلقه للحياة التي تتمثل في تواصل متناسق غايته العدل و القسط و التعايش رغم التنوع العرقي و البيئي و الاجتماعي و الديني { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [10]} فالأصل هو التنوع أما همّة الإنسان و كرامته ففي سعيه و ارتقائه نحو الأفضل عبر التعارف بمعنى التواصل. إن التعرض للنفس البشرية بالأذى و القتل هو انتهاك خطير لحرمات الله و هو ظلم عظيم لا ينبغي لمسلم أن يجد له مسوغا أو تبريرا. {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا [11]} قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور: « و هذا بيان أن قتل النفس بغير حقّ جرم فظيع كفظاعة قتل الناس كلهم…و معنى التشبيه في قوله [فكأنما قتل الناس جميعا] حثّ جميع الأمة على تعقب قاتل النفس و أخذه أينما ثقف و الامتناع من إيوائه أو التستر عليه, كل مخاطب على حسب مقدرته و بقدر بسطة يده في الأرض، من ولاة الأمور إلى عامة الناس. فالمقصود من ذلك التشبيه تهويل القتل و ليس المقصود أنه قد قتل الناس جميعا…[12] ». و يركز العلامة بن عاشور في تفسير هذه الآية على الجانب النفسي و الرمزي للجرم و لأسلوب المجتمع المسلم في التعامل معه و التصدي له ذلك أن العلامة بن عاشور يعتبر أن في إشعار القاتل أنه على باطل و أن كل مسلم مكلف بتعقبه و عدم التستر عليه و استنكار فعله و تجريمه وقاية ذلك أن نفسه، أي المفسد، لن تسوّغ له ارتكاب تلك الجريمة البشعة المخالفة تماما لعقيدة المسلم و شرعته و أخلاقه فشعور المفسد بشذوذ عمله و عدم قبوله من طرف عامة المسلمين و أن كل مسلم سوف لن يتستر عليه يضعه في حالة نفسية مضطربة لا تساعده على ارتكاب جريمته. « و معنى [من أحياها ] من استنقذها من الموت لظهور أن الإحياء بعد الموت ليس من مقدور الناس، أي و من اهتم باستنقاذها و الذبّ عنها فكأنما أحيا الناس جميعا بذلك التوجه الذي بيناه آنفا[13] » فالإحياء هو بالحيلولة دون الفعل بكل الطرق الممكنة بما فيها اللجوء إلى ولي الأمر حتى لا يشعر المفسد انه في مأمن لا وازع مادي أو معنوي يثنيه عن الإفساد و الظلم . إذا كان الإفساد نقيض الإصلاح، الهدف الأساسي للدين الإسلامي فهل هنالك لبس في مفاهيم بعض المسلمين و الحركات الإسلامية بالخصوص حتى يتبنى بعض المنتسبين هذا الأسلوب في الحوار و إدارة الصراع ؟ إنّ الإصلاح من أهم مبررات انبعاث الحركات الإسلامية في شتى بقاع العالم، منذ جمال الدين الأفغاني و محمد عبده و رشيد رضا مرورا بحسن البنا وصولا عند الخميني و راشد الغنوشي. فكل هذه المراجع التي ساهمت و لا تزال في بعث فكر و فعل إصلاحيان يتخذا من الإسلام المرتكز العقدي للفعل قد حصرت مشاريعها في إعادة الحياة ليس في جسم الأمة الذي أنهكته العلل جراء التخلف و الاستعمار ثم الاستبداد و حسب بل كذلك في جسم الإنسانية الذي أصابه التآكل و التداعي بسبب ما آل إليه الجسم الاجتماعي نتيجة الإدمان على المادية المفرطة على حساب التوازن الطبيعي للإنسان و من جراء الخيارات الدروينية الاجتماعية التي آثرت القوة كسبب للبقاء ، قوة المادة لا قوة الإنسان، في مختلف أبعاده الحضارية و الثقافية و المعنوية و المادية ناهيك عن أن أغلب الحركات التغييرية التي حاولت تغيير الأوضاع في العالم العربي بالقوة، لاسيما العسكرية منها كانت منطلقاتها الإيديولوجية بعيدة كل البعد عن الإسلام إن لم تكن معادية له. إن انبعاث الحركات الإسلامية ضمن حركة الإصلاح عموما جاء للمساهمة في بعث الحياة و ليس لحجبها, جاء ليحيي و ليس ليميت. إن المشروع الإسلامي نسق بناء هدفه الإنسان بكل أطيافه، أساسه التوحيد الذي يجعل المسلم راغبا إلى ربه بالتقوى و قوامه العمل الصالح في إطار عقيدة تحرم انتهاك حرمة الإنسان المعنوية و المادية [حرمة الدين و النفس و العقل و العرض و المال] استشعارا لإحسان الخالق الذي كرمه و حمله في البر و البحر و رزقه من الطيبات و فظله على كثير ممن خلق {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [14]} على عكس ما تروج له نظريات الاستعلاء الثقافي و العرقي و الحضاري التي تؤثر الصراع و « التوما هوك » على الاحترام المتبادل و قبول الآخر بتنوعه و اختلافه شكلا أو مضمونا أو كلاهما و التي لم تجد أي وازع لا أخلاقي و لا مادي في القضاء على الآخر المختلف عرقيا أو عقائديا عبر المحارق و القنابل النووية المدمرة و القصف العشوائي الذي لم يتوانى في تدمير مدن بكاملها. إن المشروع الإسلامي مشروع حياة لا مشروع إبادة و هذه الحياة هي حق لكل من خلق البارئ عز و جل ذلك أن مصدر كرامة المخلوق هي الخالق فلا يحق لمسلم الاستهتار بحياة وهبها الله تعالى . من هذا المعنى أرى أن لجوء من ينتسب إلى الإسلام للقتل و الدمار و استهداف أناس آمنين بمختلف عقائدهم و أصولهم يعد جهلا بالإسلام و بدعوته للحياة. فإذا أضفنا أن هؤلاء المستهدفين هم ممن وقف شامخا أمام من دعا إلى صراع الحضارات عبر « التوما هوك » خلصنا للقول أن الجهل مضاعف إذ يشمل جهلا بالواقع و بالمصالح أما إذا ما اشرنا إلى وجود آلاف المسلمين المطاردين الذين وجدوا الأمان عند هؤلاء فأين نحن من الإسلام و مما يحث عليه من أمانة و مراعاة للعهد و للوعد ؟ فهل بعد هذا الجهل من جهل ؟؟ قد يكون المحرك للجناة بعضا ممن لا يصح فيهم وصف الجهل ذلك أنهم اختاروا هذا النهج عن قناعة و توجه واع معتمدين الرؤية الثنائية التي تتلخص كالآتي : إذا كنت أنا على حق و انك لا تعتقد ما اعتقد فانك إذا على خطأ أو إذا كانت وجهة نظري صحيحة و انك لا تفكر مثلي فان تفكيرك خاطئ شانهم في ذلك شان الطرف المقابل الذي أرسل ألب 252 و الف 16 تحاور عنه حضارة اختزلها في الإرهاب و الإرهابيين. يبدو في هذه الحالة أن هؤلاء الناس يعيشون حالة من العجز الذي يؤدي للأسف إلى اليأس. إنه العجز عن عدم إدراك سنن الكون في التنوع و في التدافع السلمي الذي يقيم الحجة بالحكمة و الموعظة الحسنة. إني أتصور أن هؤلاء لم يجهلوا القرآن و لكن للأسف فهموه فهما حماريا{ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [15]} فهم ينتسبون إلى كتاب يدع إلى الحوار و مقارعة الحجة بالحجة ، أثنى على اللين و الرحمة بل و حكا عن أب الأنبياء إبراهيم عليه السلام و هو يحاور ربه في قضايا تتعلق بالعقيدة { وَإِذْقَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [16] } كما حكا كذلك عن تلك الصحابية التي تجادل رسول الله صلى الله عليه و سلم { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [17]}. انه العجز بعينه الذي يدفع نحو اليأس فيتحول إلى قوة تدمير عمياء لا تعي واقعا و لا مصلحة و لا ذمة همها الانتقام للذات قبل أي شيء آخر . إن اليأس إذا تملك الإنسان يتحول إلى قوة شر و إفساد لا يمكن أن تجتمع في نفس الوقت مع حب الخير و الإصلاح في قلب المسلم إذ لا مجال للتناقضات في قلب عمره الإيمان بالله. يثوب الإفساد و الجهل و العجز ما يحدث من اعمال إجرامية تنسب إلى الإسلام و أهله جاعلة بذلك من الإسلام و المسلمين الضحية الأولى ماديا و معنويا فهل من وثبة للمصلحين الواعين المقتدرين من هذه الأمة تحدث الفارق و تصحح المسار ؟؟؟؟؟ { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِن الْمُسْلِمِين وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [18]} في تفسير الجلالين فسر السيوطي قوله تعالى « أحسن » » كالغضب بالصبر و الجهل بالحلم و الإساءة بالعفو » و ورد في « في ظلال القرآن » تفسيرا لهذه الآيات الكريمة [« ولا تستوي الحسنة ولا السيئة » وليسله أن يرد بالسيئة , فإن الحسنة لا يستوي أثرها – كما لا تستوي قيمتها – مع والصبر والتسامح , والاستعلاء على رغبة النفس في مقابلة الشر بالشر , يرد الجامحة إلى الهدوء والثقة , فتنقلب من الخصومة إلى الولاء , ومن الجماح إلى اللين : « ادفع بالتي هي أحسن , فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم » وتصدق هذه القاعدة في الغالبية الغالبة من الحالات، وينقلب الهياج إلى وداعة ،والغضب إلى سكينة ، والتبجح إلى حياء ، على كلمة طيبة ، ونبرة هادئة ، في وجه هائج غاضب متبجح مفلوت الزمام ![19]] (*) كاتب وباحث تونسي مقيم في فرنسا [1] سورة الأنفال آية 24 [2] سورة النحل آية 125 [3] لسان العرب [4] سورة البقرة آية 30 [5] التحرير و التنوير المجلد الأول صفحة 403 طبعة دار سحنون للنشر و التوزيع [6] سورة محمد آيات 22/23 [7] سورة البقرة آية 205 [8] سورة القصص آية 77 [9] سورة آل عمران آية 159 [10] سورة الحجرات آية 13 [11] سورة المائدة آية 32 [12] التحرير و التنوير/نفس المصدر [13] التحرير و التنوير/نفس المصدر [14] سورة الإسراء آية 70 [15] سورة الجمعة آية 5 [16] سورة البقرة آية 260 [17] سورة المجادلة آية 1 [18] سورة فصلت آيات 33-35 [19] في ظلال القرآن سيد قطب مجلد 5 طبعة دار الشروق (المصدر: المنتدى الكتابي لموقع الحوار.نت بتاريخ 4 جويلية 2007)
نحن شركاء فرنسا و أوروبا و لسنا رعاياهما !
د.أحمد القديدي
يؤدي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هذه الأيام زيارات رسمية لكل من الجزائر و تونس، و كان من المقرر أن يزور المملكة المغربية في نفس الاطار و السياق لكن المشاكل التي لم تجد حلولها مغاربيا أدت الى « تأجيل » المرحلة الرباطية الى زمن قادم. و في الحقيقة فان هذا التأجيل المغربي لم تنجح لا باريس و لا الرباط في تبريره بالطرق الدبلوماسية التقليدية التي تعالج بها الدول عادة مشاكلها العميقة بالتسويق الاعلامي الموجه للرأي العام. و أغلب الظن هو أن هذا التأجيل جاء في أوانه ليكشف عن حقائق لا يمكن أن نواصل اخفاءها وراء ستار الكلام الخشبي في باريس والعواصم المغاربية عن العلاقات المتينة و النوايا الحسنة و الثقة المتبادلة والوشائج التاريخية و روح التعاون و المصير المشترك الى اخر قائمة العبارات التشريفاتية العادية التي لم تعد تقنع الناس في عصر انتقال المعلومة و درجة الوعي السياسي العام. لا بد اذن من التفكير في الخلفيات الاستراتيجية لزيارة الرئيس الفرنسي والمراجع الايديولوجية التي أعلنها بصراحة لمشروعه الذي أطلق عليه اسم الاتحاد المتوسطي في خطابه بمدينة طولون في فبراير الماضي و بالتالي قراءة العلاقات الفرنسية-الأوروبية- المغاربية بعيون مفتوحة حتى لا نقع في أزمات لم نتوقعها و في فخاخ لم نحسب لها حسابا لنكتشف بعد فوات الأوان بأن شعوبنا في بلدان المغرب العربي لم تجن من هذا الاتحاد المتوسطي ما يحقق طموحاتها المشروعة و ما يؤهلها لشراكة حقيقية مع جارها الأوروبي.
لنبدأ باستعراض أبرز المراجع التاريخية لما سماه ساركوزي حلم الحضارة في انجاز الاتحاد المتوسطي، حين قال أثناء حملته الانتخابية و في خطاب استلام الرئاسة بأن هذا الاتحاد بين بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط سوف يعيد استنساخ حملة بونابرت على مصر و يردد فضائل نابليون الثالث في الجزائر ويسترجع أمجاد الماريشال ليوتيه في المغرب! وهذه المراجع التاريخية هي مراجع استعمارية و محاولات فاشلة لتنصير الشعوب العربية المغاربية المسلمة و الحاقها بالامبراطورية الفرنسية كما ألحقت شعوب جزر ماوراء البحار في المحيط الهادى، وهي حملات غزو عسكري صليبي متوحش رفعت شعارات التمدين بمباركة الكنيسة و مشاركة المبشرين و المستشرقين و المستوطنين، قابلتها شعوب المغرب العربي المسلم بالمقاومة و التصدي منذ الأمير عبد القادرعام 1830 الى حرب بنزرت عام 1961. و اليوم حين نفتح أرشيف الدولة الفرنسية و نقرأ كتب الغزاة الأوائل نكتشف الحقائق المناقضة للسيناريوهات الرسمية الباريسية المبررة للاستعمار، و ندرك بأن احتلال الجزائر تم بعد عجز باريس عن تسديد ديونها للدولة الجزائرية و مطالبة والي الجزائر حسين داي باسترداد مئات ملايين الفرنكات التي أقرضها هو للحكومة الفرنسية ( نعم كانت دول المغرب العربي هي المانحة و الدول الأوروبية هي المقترضة أيام السلطان العثماني…! ). و جاء احتلال تونس للقضاء على قوة بحرية و تجارية أصبحت تهدد مصالح المستعمرين الجشعين، و كتب أحد الضباط الذين شاركوا في احتلال تونس عام 1881 كتابا نشر في باريس عام 1896 و أملك أنا نسخة نادرة جدا منه بعنوان: مشاهد من الحياة العسكرية بتونس، واسم الضابط هو جورج شوفييه،و قد كتب هذا الشاهد و رسم كذلك ما راه من معالم الحضارة و الرقي في تونس مالم يكن موجودا في بعض الأحيان في فرنسا ذاتها مثل الانارة البلدية للشوارع أو تنظيم الوقف للتعليم أو معمار المدن أو التعاون بين المزارعينأو أمناء الأسواق، كما نقل بأمانة جرائم القتل و التعذيب ضد المقاومين من الثوار الذين هبوا لمحاربة الدخلاء. و نجد في الجزائر و المغرب شهادات مشابهة تنطق بحقيقة الاستعمار الفرنسي البشعة.
و هذا يجعلنا نتساءل عن المراجع الفكرية التي ذكرها الرئيس ساركوزي، فهي مراجع لا تخدم المصير المشترك الذي نسعى اليه بين بلدان الجنوب و بلدان الشمال حول البحر المتوسط. و اذا افترضنا بأن هذه المراجع مجرد سوء تقدير من مستشارين للرئيس الفرنسي لا تتوفر لديهم الثقافة التاريخية الضرورية و نتجاوز عنها، فنحن نصطدم بالاختلاف في التقييم و الممارسة ما بين باريس و برلين. فألمانيا لديها منذ انهيار جدار برلين استراتيجية أكثر ذكاء و بعد نظر في استيعاب بلدان أوروبا الشرقية الفقيرة و التي كانت ترزح تحت نير الشيوعية، فقامت ألمانيا بشجاعة بفتح افاق التعاون و الشراكة مع تلك الشعوب عملا بمبادىء اتفاق هلسنكي و أدمجتها تدريجيا في الاتحاد الأوروبي و انتقلت تلك البلدان من حالة العوز الى حالة الكفاف ثم المناعة. أما باريس فأدارت ظهرها للمغرب العربي مكتفية باعتبار شعوبنا مجرد درع واق لأوروبا من الارهاب و الهجرة السرية دون تصور أي شكل من أشكال التعاون الاقتصادي و الشراكة الحضارية بيننا و بينهم! فالذي نجحت فيه ألمانيا مع المجر و بلغاريا و تشيكيا و رومانيا وبولونيا أخفقت فيه باريس مع تونس و الجزائر و المغرب و موريتانيا.
و ثالثا لا بد هنا من طرح الرؤية الفرنسية الجديدة مع ساركوزي الى ملف تركيا وملف اسرائيل. فالرئيس الفرنسي الجديد أصبح ينفرد دون كل قادة الاتحاد الأوروبي بنظرية ايصاد باب الاتحاد الأوروبي في وجه تركيا و استعمال الاتحاد المتوسطي لدمج تركيا فيه كتعويض عن الضرر! كما أن الرئيس الفرنسي ربما يلتحق بالرأي المحافظ الجديد في واشنطن بشأن الأولوية للتفوق العسكري و التكنولوجي لاسرائيل على حساب الحل العادل و الشامل للقضية الفلسطينية! مما سيورط باريس في معضلة الجور العالمي ضد حقوق شعب عربي وعده المجتمع الدولي بدولة في اتفاق أوسلو و لم يجن سوى الخيبات و الغدر و الابادة. فنحن في المغرب العربي لا بد أن ننظر للمصير العربي المشترك نظرة اعتبار حين نقرر مواقفنا من الاتحاد المتوسطي.
و أنا أعتقد بأن القادة المغاربيين واعون تماما بهذه الخلفيات حين يستقبلون الرئيس الفرنسي هذه الأيام، وهو يعبرون عن ضمائر و مصالح شعوبهم في لحظة تاريخية يقررون فيها نوعية العلاقة و الشراكة بين جنوب و شمال البحر الأبيض المتوسط الذي يحمل منذ فجر التاريخ اسم بحيرة السلام.
alqadidi@hotmail.com
أضواء وتفاعلات : حول حجم وعمق العلاقات التونسية الايرانية …
مرسل الكسيبي*: اطلعت على ماكتبه الأستاذ عبدو مبارك معلقا على نصين أخيرين نشرا لي على صحيفة الوسط التونسية ومجموعة أخرى من الصحف والمواقع العربية , وقد سررت كثيرا لنغمة الاعتدال الذكي الذي تعاطى به كاتب الموضوع مع مانشرته من مواقف أبديت فيها قلقا عميقا من مارب سياسية ومذهبية ضيقة لم تعلنها الجمهورية الاسلامية الايرانية الشقيقة حين قامت بتطبيع علاقاتها مع أنظمة المغرب العربي منذ مقدم الرئيس محمد خاتمي الى سدة الحكم . ليس من الخافي على أحد من المتابعين للشأن السياسي التونسي عن كثب ,بأنني عبرت في نصي السابقين سواء من خلال ماأشرت اليه من مسؤولية أمنية وسياسية رسمية تونسية تجاه محاولات توظيف التشيع كظاهرة مذهبية وافدة من أجل تصفية خصومة سياسية مع حركة النهضة التونسية , أو من خلال سجال دار بيني وبين السيد عماد الدين الحمروني رئيس جمعية أهل البيت الثقافية , ليس من الخافي على المتابع الحصيف بأنني ميزت بين الاعتناق المذهبي التلقائي الذي يحترم عقائد الجمهور الواسع والعريض من أهل السنة في بلاد المغرب العربي وبين المزج بين الانتماء المذهبي والولاء السياسي الذي ينتقل الى طور التوظيف الأمني من أجل خدمة مصالح اقليمية وتوسعية لدولة تجمع بين الطموح القومي والتطلعات الانتشارية الهادفة الى تغيير الخارطة المذهبية لمنطقة عرفت بانسجامها الديني والاجتماعي المعتدل . أجدد التأكيد على حق تونس بلدا وشعبا وحكومة على توثيق علاقاتها مع كل دول العالم باستثناءات قليلة تتعلق بتثبيت الحق العربي والاسلامي في مناطق تقع تحت سلطة الاحتلال , غير أن الحذر يبقى مطلوبا في جانبه الأمني والسياسي والاجتماعي والثقافي حين التأسيس لهذه العلاقات مع الدول ذات الطموحات الاستراتيجية الكبرى والبعيدة عن مجرد تطوير مجالات التعاون التجاري أو الاقتصادي أو السياحي . أؤكد ومن منطلق قانوني وسياسي وديبلوماسي واستراتيجي على حق جمهورية ايران الاسلامية في فك بعض عزلتها الدولية عبر بناء علاقات طبيعية مع العالم ,غير أن هذا التطبيع في العلاقات مع دول المنطقة أو المجتمع الدولي ينبغي أن يكون معزولا عن أجندات طائفية أو سياسية أو امنية أو عسكرية من شأنها أن تهدد الأمن والاستقرار العالميين , أو الأمن والاستقرار في البلاد العربية والاسلامية . وضمن هذا السياق ينبغي استثناء الدعم المعنوي أو السياسي أو الديبلوماسي أو الانساني الشفاف والمشروع من زاوية القانون الدولي والذي تقوم به ايران مع بعض شعوب المشرق العربي من أجل تخفيف وطأة المعاناة التي فرضها واقع الاحتلال . ينبغي التفريق بكل تأكيد بين التعاون غير المشروط بأجندة أمنية أو عسكرية أو سياسية , كما هو الشأن اليوم مع العلاقات الدولية الديبلوماسية الطبيعية , وبين التعاون المالي والاقتصادي المشروط بأجندات انشاء القواعد والمصالح ونقاط الارتكاز الأجنبي , وللتدقيق فان علاقات تونس أو الأنظمة المغاربية أو دول المجموعة العربية والاسلامية ينبغي أن تتحرر من ديبلوماسية الأجندات الخفية أو المعلنة من أجل تعزيز أو استعادة مفهوم السيادة الحقيقية على التراب الوطني . أما بخصوص ماسرده الأستاذ عبدو مبارك في مناقشته لمجموعة من أفكاري المنشورة حول الموضوع ,وتحديدا حول طريقة معاملة السلطات التونسية للعناصر الشيعية من خلال استدعائها لمقرات وزارة الداخلية فان ذلك مما يستحق التمحيص والتحقيق , حيث لم يتسنى لي كاعلامي التأكد الى حد هذه الساعة من هذه المعطيات . وبالنسبة لموضوع حجز الكتب الاسلامية بما في ذلك الشيعية منها من معرض الكتاب بتونس فاننا نحتاج الى تأكيد هذا المعطى في جزئه الثاني من خلال مصادر اعلامية وحقوقية مستقلة , ليتسنى لي بعدها حسن التقييم والتعليق . وبخصوص حجم الانتشار الايراني في تونس , فانني لست جهة مختصة يمكن أن تقدم أرقاما واحصائيات دقيقة جدا حول الموضوع , غير أنه من المؤكد لدي بأن ايران قد استطاعت تحقيق اختراق في منطقة المغرب العربي وفي كثير من البلاد العربية مثل مصر والسودان واليمن والبحرين والكويت والامارات والعراق ولبنان والأراضي المحتلة … , وفي تونس تحديدا فان المملكة العربية السعودية حملت رسالة رسمية عبر الأمير صقر تسلمتها السلطات التونسية قبل أشهر ومفادها أن خلايا تونسية تشتغل لفائدة أجندة خارجية قد باتت تنشط بكثافة من خلال تواجدها في حوزات علمية ايرانية على أراضي الخليج العربي , وهو ماعنى تحذيرا أو تنبيها من توظيف ظاهرة التشيع السياسي أو العقدي لفائدة أجندة تطرح كثيرا من نقاط الاستفهام . وحتى نكون من المنصفين فان مسائل التدافع الفكري والثقافي بين المذاهب الاسلامية تعد ظاهرة طبيعية , بل انني لاأجد حرجا في الانتماء المذهبي المعزول عن ادارة أجنبية أو مايسميه البعض بالعمالة الخارجية , ومن ثمة فانني أؤكد للسادة عماد الدين الحمروني وعبدو مبارك بأنني كمسلم سني أحترم معتنقي المذهب الشيعي مالم يسبوا صحابيا أو يفسقوا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنهم جميعا ومالم يدعوا بوجود مصحف اخر يدعى مصحف فاطمة وهو غير المصحف الذي تواتر على معرفته جمهور وعلماء المسلمين منذ أن نزل الوحي على محمد عليه أزكى الصلاة والتسليم ومنذ أن وقع تدوين القران الكريم . ودون الانزلاق الى نقاشات مذهبية وطائفية لانريدها في هذا المقام , فان الاختلافات المذهبية الطبيعية بين المسلمين لاتحتاج الى مشروع لائكي معتدل أو متطرف من أجل ادارتها سياسيا , بقدر ماأنها تحتاج الى روح تسامحية وتحقيقية تنقي الاسلام من الشحن التاريخي والطائفي المأزوم بصراع سياسي عفى عليه الزمن حين وقع الاختلاف في أهلية الخلافة والامامة بين الجمهور الأول للمسلمين , وهو ماتحول فيما بعد عبر منطق الوضع في الحديث ومنطق الاقتتال بين قادة المسلمين الأوائل الى مذهبية عقدية ودينية انحرفت بالاسلام عن صورته الطهورية المشرقة . هذا ماأردنا اهداءه من جديد من خلاصات وأفكار الى الأخوين الحمروني ومبارك والى كل الغيورين على الوطن والمنطقة والأمة , ومجددا تحية الى السلطات التونسية والى جمهورية ايران الاسلامية والى كل المتجردين من العقد الطائفية اذا كان الهدف من تطوير علاقات بلدينا توثيق عرى التعاون بين الجمهور الواسع للمسلمين بعيدا عن منطق تصفية الحسابات ومنطق تغيير الخرائط المذهبية والأمنية والسياسية لهذا البلد أو ذاك.
حرر بتاريخ 6 جويلية-يوليو 2007 / 21 جمادى الثانية 1428 ه . * *كاتب واعلامي تونسي/رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية : reporteur2005@yahoo.de
كلمات ضد المهزلة ها أنك ترحل
زهير الخويلدي
ها أنك ترحل أيها الجاحظي المعتزلي ها أنك ترحل أيها الكاتب الشقي ها أنك ترحل أيها العربي الأبي حتى لا يكون الجاحظ أمريكي حتى لا يسكر النفط العقل العربي في صمت ترحل في الصباح والعشي في الهزيع الأخير من الليل تقرر المضي ترحل دون أن تبدأ متى تبدأ كيف تبدأ من أين تبدأ مع من تبدأ أيها الضيف الصبي أرض الدنيا لم تسعك والمال الأمريكي لم يشبعك أيها الناكر الفتي تركوك تعبر فلم يعجبك اللحن الطري تركوك تغرد فلم تكن ذاك العصفور الشجي أي شيء تبغي ديقراطيتك في بحر يهوي وديمقراطيتهم تزكية تقتضي فما غرك بما ينبغي وما تنوي غيرك قبلتك حطم الألواح التي تشتهي تزود بالريح القادم من الجبل الأبيض امضي إلى حيث لا تنتهي اسرج فرسك العربي فالفرس مازال عربي
منبر نقاش حول: التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحرب بنزرت على المجتمع التونسي مع شهادات بعض الفاعلين البنزرتيين الفاعلين وغيرهم
يوم السبت 14 جويلية 2007
تونس في 9 جويلية 2007
لا نبالغ الحقيقة أن أكدنا أن حرب بنزرت لم يقع بحثها والتوقف عند نتائجها السلبية مليا, رغم مرور 46 سنة عليها, حيث لم يساهم الفاعلون العسكريون بالإدلاء بشهاداتهم, على الرغم من اتصالنا بهم مرارا ودعوتهم لتعزيز الذاكرة الوطنية. أما السياسيون الملتزمون, فقد اتسمت شهاداتهم بالضبابية والتعتيم وعدم الإدلاء بالحقيقة. وهذا خلافا للاقتصاديين حيث كانت مقارباتهم وتحاليلهم لتداعيات الحرب, دقيقة, وهذا إلى درجة الخطورة, ولكن لا يعلم عنها الرأي العام التونسي شيئا, وبقيت تلك المعلومات حبيسة التقارير السرية الدولية وأرشيفات صدور أصحابها من التونسيين الفاعلين يومئذ. وقد قمنا في الماضي بتخصيص سمينارين اثنين, كان أولها حول حـرب بـنــزرت وثانيهما حول دور بنزرت في الحركة الوطنية. وها نحن اليوم نخصص سمينارا ثالثا حول التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لحرب بنزرت على المجتمع التونسي, وسوف يقوم السيد محمد صالح فليس بتقديم الملف, مانحين لعدد من الفاعلين البنزرتيين وغيرهم لتقديم شهادات حية ومقاربات ومعلومات حول أحداث وإحصائيات للتداعيات المباشرة لمأساة بنزرت على المجتمع التونسي. والدعوة مفتوحة للجميع ليس فقط للحضور ولكن أيضا لإبداء الشهادات أيضا, وهو ملف نفتحه لأول مرة للرأي العام التونسي, داعين الجميع أنى كان موقعهم, المساهمة في إثراء قاعدة البيانات التي أنشأناها لهذا الغرض. يبدأ السمينار على الساعة التاسعة صباحا في مقر المؤسسة المذكور أسفله. الأستاذ عبد الجليل التميمي
«تفنيشات» جماعية بالمدرسة التونسية دون سابق إنذار
الدوحة – الوطن والمواطن تلقت الوطن رسالة من «8» مدرسين يعملون بالمدرسة التونسية بالدوحة يقولون فيها ان ادارة المدرسة انهت عقودهم دون سابق انذار وقالوا في الرسالة ان انهاء العقود وراءه خلفيات كثيرة وتصفية حسابات. وأشار المدرسون في الرسالة الى ان ادارة المدرسة ابلغت بعضهم بالقرار بالهاتف قبل «سويعات» من سفرهم لقضاء الاجازة في بلدهم.
وفيما يلي تنشر الوطن نص شكوى المدرسين التونسيين يشرحون فيها تطور قضيتهم مع المدرسة التونسية: « في سابقة لم تشهدها المدرسة التونسية بالدوحة منذ انشائها قبل عشرين عاما أقدمت ادارتها على انهاء عقود 8 مدرسين دفعة واحدة. هذا الاجراء المفاجئ الذي تم دون سابق انذار ودون ابداء الاسباب والمبررات طال مجموعة من المدرسين من ذوي الشهادات والكفاءة العلمية والخبرة الطويلة التي فاقت العشرين سنة لدى بعضهم. عملية اقصاء المدرسين هذه تزامنت مع بداية العطلة السنوية وجاءت قبل سويعات قليلة من سفر المعنيين بالأمر الى بلدهم لقضاء اجازة نهاية العام الدراسي مع اهلهم وذويهم وبالتالي مخالفا لقوانين العمل بدولة قطر وبطريقة لا انسانية تنم على كثير من التشفي وتصفية الحسابات على خلفية علاقة هؤلاء المدرسين بالهيئة المنتخبة للأولياء التي تشهد علاقتها بالمنسق العام الذي يقوم على ادارة المدرسة توترا على اثر الملاحظات والاستفسارات التي رفعتها هذه الهيئة الممثلة للأولياء الى ادارة المنسق العام حول ما ورد في التقرير المالي الدوري للمدرسة واصرارها على تحقيق رغبة الاولياء في انتخاب مجلس ادارة للمدرسة (كما توضح ذلك العريضة الممضية من اكثر من 120 وليا) كبقية مدارس الجاليات الاخرى ووفق ما تنص عليه قوانين ادارة التعليم الاهلي. الا انه وفي ظل غياب السفارة التونسية بقطر وأمام إلحاح وضغوطات التعليم الاهلي بقطر قام المنسق العام بتنصيب مجلس ادارة المدرسة بنفسه من أشخاص تربطه بأغلب اعضائه علاقات خاصة ليصبح المنسق العام الخصم والحكم والشروع فيما بعد في تنفيذ ما سبق ان توعد به من اجراءات انتقامية. العجيب في الموضوع ان يلجأ المنسق العام للمدرسة التونسية ولتصفية حساباته مع هيئة أولياء التلاميذ استهداف كل من يمتون الى اعضائها بصلة قرابة أو صداقة من بين المدرسين الذين لا علاقة لهم بجوهر الاشكال القائم وليس لهم اي نوع من انواع المشاكل الادارية أو التربوية طيلة مدة عملهم لكن الاعجب من ذلك هو الاسلوب اللا انساني الذي تم به ابلاغ المتضررين حيث تم اعلام البعض منهم عن طريق الهاتف قبل سويعات من مغادرتهم لقطر لقضاء الاجازة السنوية فيما رحل البعض الآخر دون علم بقرار إنهاء عقده كما ان من بين هؤلاء المدرسين من كان يستعد للاحتفال بزواجه بعد أيام قليلة قبل ان يعلمه شقيقه بالقرار الذي أطاح كل برامجه. هذا ولابد من الاشارة الى ان المدرسة التونسية بالدوحة التي تضم قرابة الـ 900 طالب وطالبة في مختلف مراحل الابتدائي والاعدادي والثانوي قد عرفت في غياب السفارة التونسية بالدوحة جملة من المصاعب وحالة من عدم الاستقرار كان لها عظيم التأثير على المناخ التربوي. وأمام هذه الوضعية المفاجأة وفي غياب السفارة التونسية بقطر كان الاتصال بإدارة العمل الملاذ الوحيد لتأمين حقوق المتضررين هو ما تم بالفعل حيث تمت دعوة المنسق العام لتسوية هذه الوضعية بالأساليب القانونية المعمول بها بقطر الا ان اصرار هذا الاخير على التعنت رفضه لتوجيهات الخبير القانوني حتم تحويل القضية الى القضاء القطري للبت فيها. وحتى يتم النظر في هذه القضية التي لم تعهد مثلها المدرسة التونسية بالدوحة من قبل سيظل أمر هؤلاء المدرسين معلقا في وقت دخلت فيه ادارة المدرسة في اجازة الصيف فيما المحاسب مسافر والمنسق العام يوشك على المغادرة تاركا المشاكل بلا حل الا اذا تدخلت الجهات القطرية المعنية بمثل هذه القضايا لإنصاف هؤلاء الضحايا واتخاذ الاجراءات المناسبة لوضع حد لمثل هذه التجاوزات وفرض احترام قوانين العمل بدولة قطر ».
(المصدر: صحيفة « الوطن » (يومية – قطر) الصادرة يوم 8 جويلية 2007) الرابط: http://www.al-watan.com/data/20070708/index.asp?content=local3
كلّما أغلـق بـاب مدرسـة فتح باب سجـن
أثار ما كتبته الاسبوع المنقضي حول ضرورة فتح المؤسسات التربوية صيفا لتكوين ورسكلة التلاميذ ردود فعل متفاوتة فهناك من إتصل بي محتجا على المساس بما سمّاه حقّا مكتسبا لرجال التعليم ألا وهو الخلود للراحة خلال الصيف وهناك من دعانا الى مزيد الالحاح على سلط الاشراف كي تسعى لتجسيم هذه الفكرة التي قال البعض أنها سبق ورأت النور لكنّها لم تعمّر طويلا. إن ما كتبته كان ايمانا مني ان المؤسسة التربوية كالطائرة أو الحافلة أو أية مؤسسة انتاج جعلت لتعمل وكل توقف لنشاطها يعتبر نقصا في الربح manque à gagner.. والنقص في الربح في موضوع الحال هو نقص في تكوّن أجيال الغد.. هو نقص في قدرتهم على المنافسة التي يواجهها من سبقهم اليوم وسيواجهونها هم غدا في سوق الشغل باعتبار ما أصبحت توفره دول عالم ثالث معروفة بفقرها المدقع من كفاءات علمية عالية أهلتها لتصبح مصانع للذكاء في العالم وهنا يكفي أن نسوق مثال الهند. اليوم نشاهد شبابنا وأطفالنا يؤسسون لمجتمع استهلاكي دون تنمية قدراتهم على الاستنباط والتميّز من خلال ثقافة «البلاي ستايشن» وقنوات الموسيقى وألعاب الفيديو وما يصطلح عليه بقنوات الواقع التي لا تمت للواقع بصلة.. مجتمع استهلاكي يمضي شبابه وقتهم في المقاهي يمضغون الاحاديث الجوفاء ويجترون العبارات «البليدة» ويبحثون عن آخر تقليعات الموضة لانها الوحيدة التي تمكنهم من «التميّز» دون بذل جهد غير جهد الانفاق على حساب الغير طبعا ـ لاقتنائها. اليوم نشاهد الذوق العام يتبلّد والمنافسة العلمية تضمحل والكتاب ينام على الرفوف واللغات «تتشفعّ» لخالقها من كثرة ما يلحقها من ايذاء.. نشاهد الشباب والأطفال يملأون الشوارع ويحفظون عن ظهر قلب قصائد هجاء سوقية وأنواع شتى من السباب والشتائم وفنون عدّة للتحيّل والاعتداء على الغير.. نشاهد كيف السجون تفتح لهم أبوابها في حين تغلق أبواب المؤسسات التربوية بتعلّة العطلة الصيفية. في المقابل نجد آلاف مؤلفة من المدرسين لم يؤدوا أية خدمة لهذا الوطن الذي كوّن وأهّل ووفر الشغل ووفرّ المسكن اللائق والطرقات المعبّدة والتغطية الصحية والاجتماعية.. آلاف مؤلفة يجنون الثمار ولا يقدمون شيئا وحتى الضرائب لو لم تقتطع من المصدر لما سددوها.. آلاف مؤلفة غضت الدولة الطرف عند انتدابهم عن شرط أساسي من شروط الانتداب في الوظيفة العمومية ألا وهو أداء الخدمة الوطنية ـ وهي مخطئة في إعتقادي ـ تجدهم اليوم «يمدون أرجلهم» ولا يقدمون أية خدمة تكوينية الا بمقابل ومقابل باهظ بل ويحتجّ بعضهم عندما تتعالى أصوات منادية بمزيد تكوين التلاميذ وتهيئتهم ليكونوا عماد تونس الغد ورافعي رايتها عاليا.. أهكذا يقابل الاحسان بالجحود؟ حافظ الغريبي (المصدر: صحيفة « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 9 جويلية 2007)
قرب جزيرة جالطة الحرس البحري ببنـزرت أنقـذ 12 «حارقا» جزائريا
الأسبوعي- القسم القضائي: علمت «الأسبوعي» أن أعوان وحدة أمنية تابعة للمنطقة البحرية ببنزرت أنقذوا منذ أيام 12 مهاجرا غير شرعي يحملون الجنسية الجزائرية من الغرق والموت قرب جزيرة جالطة بعد تعطب زورق كان يقلهم باتجاه الأراضي الايطالية. وكان الأعوان بصدد القيام بدورية روتينية في منطقة نفوذهم لحراسة المياه الإقليمية التونسية عندما تلقوا إشعارا من مركب صيد من نوع «بلانصي» مفاده مواجهة مجموعة من «الحراقة» لصعوبات قرب جزيرة جالطة بسبب عطب فني أصاب محرّك زورق كانوا يستقلونه فسارعوا بالتوجه الى المكان الذي تم تحديده لهم حيث عثروا على 12 مهاجرا غير شرعي على متن زورق تتقاذفه الامواج فأنقذوهم وأقتادوهم الى جزيرة جالطة حيث أسعفوهم ثم اقتادوهم الى المقر الأمني للتحري معهم فتبين أنهم انطلقوا في عملية اجتياز للحدود خلسة انطلاقا من السواحل الجزائرية باتجاه منطقة «بانتلاريا» الايطالية ولكنهم فوجئوا بتعطب محرك الزورق فبات مصيرهم على كف البحر وصاروا مهددين بالجوع والعطش والغرق والموت. وبعد تسجيل اقوالهم وإشعار بقية السلط تم التنسيق مع السفارة الجزائرية بتونس لإعادتهم الى بلدهم عبر المنطقة الحدودية ساقية سيدي يوسف . يذكر أن أعوان الحرس البحري ببنزرت كانوا أحبطوا منذ مدة عمليتي إبحار أوقفوا إثرهما عشرة «حراقة» جزائريين كانوا مبحرين خلسة باتجاه السواحل الايطالية. ص. م (المصدر: صحيفة « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 9 جويلية 2007)
كنـوز لا وجـود لهــا.. زئبــق أحمــر وأوراق سوداء.. ثروة مات صاحبها وأنت وريثه الوحيد..!!
تونسيون ضحايا التحيّل والطمع كذلك
قال اجدادنا منذ قديم الزمان ان الطمع وقطع الرقبة متحاذيان ولا يفصل بينهما سوى خيط رفيع هذا المثل أو هذه الحكمة تنطبق على الاشخاص الذين تضمنهم هذا التحقيق هؤلاء يقول البعض انهم ضحايا عمليات تحيل.. الا أن البعض يقول ايضا انهم ليسوا ضحايا بل دفعوا بانفسهم الى الوقوع في «المنداف» جراء الطمع والعين التي لا يملؤها سوى التراب. بعضهم «لهفوا» منه مبلغا صغيرا وسرعان ما كبر ونسي.. وبعضهم «تضرب في مبلغ» كبير جدا ومهما كبر فانه لن ينسى.. الطمع هو المحرك الاساسي في كل ما حدث لهؤلاء.. السذاجة ايضا لها دور كبير لانها الاداة التي استعملها المتحيلون للوصول الى اهدافهم المرسومة.. طمـر المائـة الـف دينـار فـي غابة نخيـل بغايـة جلـب كنـز فـذابــت 100 مليون تحت النخيل بدايتنا ستكون مع هذه القصة التي اعتبرها اطرف ما حصل في عالم الطمع والتحيل.. في احدى جهات الجنوب التونسي كان «سي فلان» فلاحا يملك واحة شاسعة من النخيل ثروته كانت هائلة ولم يكن محتاجا لاي شيء.. هذه الثروة أسالت لعاب بعضهم فدبروا له «فيلما» هزليا سرعان ما أوقعه طمعه فيه.. ذات يوم اتصل به شخص من بلد عربي وأعلمه أن بارضه كنزا رهيبا تقدر قيمته بالمليارات وقال له ايضا انه مستعد لمد يد العون له في استخراج الكنز الثمين اذا اراد ذلك، لم يترك له فرصة للتفكير بل ضغط على الاوتار الحساسة وغادره طالبا منه أن يعطيه رأيه النهائي بعد ثلاثة ايام واعلمه بالمكان الذي يمكن ان يجده فيه.. لم يعد الفلاح يعرف النوم وهو يتخيل ان المليارات اصبحت تحت تصرفه ولم تكد الايام الثلاثة تنقضي حتى اتصل بصاحبه واعلمه بالموافقة وطلب منه أن يتحدثا عن التفاصيل.. «الفلوس تجيب الفلوس»! ادرك المتحيل ان صاحبنا «طاب» فقال له: «قبل كل شيء يجب أن نتفق على ان نصيبي من الكنز 25% بعد ذلك يجب ان تعلم ان «الفلوس تجيب الفلوس» ومعنى هذا انه يجب عليك ان تحضر لي 100 الف دينار تضع كل عشرة الاف منها في كيس اسود ثم نتولى دفنها معا تحت بعض النخلات التي سيرشدني اليها ملك الجان.. وعندما يكتمل القمر سنجني معا الثمار.. والثمار كثيرة بكل تأكيد» سال لعاب الفلاح فطلب منه المتحيل ان يستضيفه بالواحة وقام بتخصيص مسكن له.. وفر له كل شيء من اكل وشراب ولباس وحمله الى افخم النزل والمطاعم وانفق عليه بلا حساب وعندما احضر المال ذهب معه الى النخيل فانطلق المتحيل في المشهد الاول: يمشي ويحسب خطواته فكلما بلغ 49 خطوة حفر تحت اقرب نخلة ودفن كيس العشرة الاف دينار.. بعد ذلك ينظر الى السماء ويتمتم ببعض الكلمات المبهمة ثم «يرشم» النخلةبالجير الابيض ويمضي.. وهكذا دواليك حتى دفن المائة مليون وطلب من صاحبه أن ينتظر ليلة اكتمال القمر..! «هذه ليلتي» اكتمل القمر ليلة 14 فجلب المتحيل كيسا كبيرا وقال لصاحبه: «الليلة ليلتي.. عند منتصف الليل و3 دقائق بالضبط سينزل ملك الجان بنفسه ليساعدني على استخراج الكنز.. لذلك أرجوك ان تبقى في المنزل والا تقترب مني أو تكلمني قبل الثانية فجرا والا فان كل شيء سيسقط في الماء.. وحتى اكياس المائة مليون فانها ستذوب وتلتحق بالكنز تحت الارض..» صدق الرجل مرة اخرى ما سمع وظل في المنزل ينتظر بريق الذهب و«اللويز» وهو يكاد يطير فرحا.. وجاءت اللحظة الموعودة فخرج المتحيل يحمل على كتفه الكيس الكبير.. ومر على النخلات «المرشومة» وحفر تحتها ووضع الاكياس في الكيس الكبير واطلق ساقيه للريح..!! اما صاحبنا الفلاح فظل ينتظر.. وينتظر.. جاءت الساعة الثانية.. فالثالثة.. فالرابعة.. ثم اشرقت الشمس وصاحبه لم يعد بعد.. بدأ الشك يسيطر عليه حتى يئس من عودته.. خرج من المنزل وعرج على «النخيلات» ففهم كل شيء وقطع الشك هذه المرة باليقين..!! الصناعي و«مجلس الامن»! القصة الثانية في هذا الملف جدت اطوارها سنة 2006 باحدى مدن الوطن القبلي وقد اشترك في حبك خيوطها حوالي عشرة اشخاص فيهم تونسيون ومشارقة وموريتاني واحد الى درجة ان احد رجال القانون وصفهم بمجلس الامن الدولي نظرا الى اختلاف جنسياتهم و«اجتماعهم» على شخص واحد تحيلوا عليه و«لهفوا» منه اكثر من 200 الف دينار.. المسرحية طويلة جدا اطول من مدرسة المشاغبين… ابطالها مجموعة من الاشخاص وصناعي تونسي.. افراد المجموعة وزعوا الادوار في ما بينهم بحكمة واقنعوا التونسي بان كنزا كبيرا جدا مدفون تحت مصنعه.. زينوا له طريق الثراء الفاحش ولم يبق غير التنفيذ.. طلبوا منه مبلغا اول فدفع.. ثانيا.. وثالثا.. ورابعا.. فكان يدفع و«الحساب يجيب»! وبعد ان بلغ «الضرب» اللحمة الحية وفاق المبلغ 200 الف دينار صار الرجل يطالب بنتائج ملموسة.. ولم يستطع «مجلس الامن» الايفاء بوعده لان الوعد مزيف اصلا.. أما بقية الحكاية فمعروفة: شكوى الى القضاء وموقوفون وجناية.. واحكام قد لا تعيد المبلغ المهدور طمعا.. الافارقة والزئبق الاحمر جاؤوا الى البلاد منذ سنوات للدراسة وبعد مدة طويلة لم يعد بامكانهم أن يوفروا ما يحتاجون من اموال فعقدوا جلسة انتهت بقرار قد يغير حالهم الى الاحسن.. استعانوا بشريك تونسي كانت مهمته التوسط لهم في اصطياد الضحايا.. وسقطت الضحية الاولى.. شخص انعم الله عليه من الباب الواسع لكنه رغب في المزيد.. التفوا حوله في غرفة مظلمة لا يوجد فيها غير نور شمعة.. فتح احدهم حقيبة بها اوراق سوداء ثم سكب عليها سائلا يسمى «الزئبق الاحمر» فزال السواد من الاوراق وصارت نقودا حقيقية!! انطلت الحيلة على الضحية فطلب منه الجماعة مبلغا كبيرا لشراء الزئبق الاحمر من السوق السوداء اذا رغب في كسب المليارات.. ودفع المبلغ المطلوب وظل ينتظر.. وجاء دور شخص آخر.. ثم ثالث.. فرابع.. ودائما نفس السيناريو المحبك تحت ضوء الشمعة العجيبة.. وذات يوم قرأ الضحية الاول مقالا في احدى الصحف التونسية عنوانه «القبض على عصابة افارقة يبيضون الاوراق النقدية بالزئبق الاحمر» أو في هذا المعنى تحديدا فاغمي عليه وعرف انه لم يكن سوى «اكبر «نية» في العالم». اغراءات بالمليارات من الخارج بكل تأكيد توجد مئات القصص التي لا يسع المجال لذكرها الآن وهي تكاد تتشابه كثيرا في تفاصيلها ومجملها يدور حول ايهام بوجود كنز ثم سلب الضحايا مبالغ مالية يشجع الطمع على دفعها الى المتحيلين اما هذه القصة فتختلف تماما لانها نموذج متطور جدا من التحيل.. انت الان جالس في مكتبك أو في منزلك فينزل عليك «MAIL» من مالي، على غرار هذا الذي ترجمنا لكم اهم ماجاء فيه.. صاحب «المايل» لا تعرفه ولا يعرفك لكنه يعرض عليك مساعدته على «تحرير» مبلغ كبير «محجوز» في بنك أو مؤسسة مالية ولا يوجد له اصحاب (أي رزق ميته اما ليه!) ويحدد لك نسبتك في العملية ويطمئنك بانك بعيد عن المشاكل والمساءلة القانونية.. وقبل ان نواصل اليكم أهم ما جاء في هذا المايل الالكتروني: «شريكي (يعني من أول لحظة حطك شريكو!) : انا المسؤول عن ادارة المحاسبة بالبنك الافريقي بباماكو (مالي) اعرف انك ستقرأ هذا المكتوب بشيء من الاستغراب لكن لاشيء يدعو الى ذلك لقد قررت الاتصال بك من اجل عملية تحويل سوف تكون مجدية جدا لنا معا فمن خلال عملية مراقبة عادية اكتشفت ادارتي مبلغا ماليا هاما بالصدفة وهذا المبلغ على ملك اجنبي مات في نوفمبر 2003 في حادث طائرة هذه الاموال تنام الآن في حساب ببنكنا دون أن يطالب بها احد من اقاربه.. وشخصيا احتفظت بهذه المعلومة في السر كي اتمكن من وضع مخطط وافكار قابلة للتنفيذ هذا المبلغ هو مليونان و500 الف دولار واعتقد انه سيثير اهتمامك. لقدحصلت على عنوانك بعد بحث دولي للاعمال عبر الانترنات وحسب رأيي يمكنك أن تنجح في المهمة دون مشاكل وفي الانتظار فقد اعددت لك كل السبل كي تصبح قريبا للمتوفي وكي يتسنى لك تحويل المبلغ على حساب لك في الخارج..» ويمضي المتحدث في مخططه قائلا انه لا يستطيع القيام بالعملية بمفرده نظرا الى وضعه الاجتماعي ومسؤوليته في البنك ويعلمك ايضا بانه يثق فيك وبان العملية ناجحة 100% لانه ناقش الامر مع شركائه وانه سيمدك بكافة الوثائق التي تثبت قرابتك للمتوفي.. ثم يعلمك بكل وضوح بان العملية تعطيك الحق في 20% من المبلغ (اي 600 الف دولار) وانه سيضع 5% من المبلغ الجملي (150 الف دولار) جانبا بعنوان «تعويض عن مصاريف محتملة ستدفعها قبل عملية التحويل» اما الـ 75% فهي «من حقه وحق شركائه» ويضيف المتحيل انه «يراقب الوضع في البنك الى أن يتأكد من ان المبلغ وقع تحويله لفائدتك بالخارج وانك اتصلت به ليلتحق بك لتقاسم المبلغ» ويختم بالقول انه وشركاءه، مستعدون للاستثمار في تونس وفي غيرها ويطلب منك أن تزوده بنصائحك الثمينة في هذا المجال وان تحتفظ بكل ما قاله في كنف السرية التامة!! هذا نموذج آخر للتحيل.. ولن اطيل عليك اكثر فقط اقول: حذار ثم حذار وكونوا على يقين من ان كل مليم تدفعونه لهؤلاء سيذهب في الهواء. تحقيق: جمال المالكي (المصدر: صحيفة « الصباح الأسبوعي » (أسبوعية – تونس) الصادرة يوم 9 جويلية 2007)
الأردن وليبيا واليمن وتونس والسودان
الدول الخمس المعنية بوقف القروض تُـراجـع مواقـفــهـا المضـادة للكـويت
كتب – منال السمان كشف مصدر ديبلوماسي في وزارة الخارجية لـ «الوسط» ان الدول الخمس التي قصدها نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ الدكتور محمد الصباح في تصريح، له بوقف القروض عنها من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية هي: الأردن وليبيا واليمن وتونس والسودان. وأرجع المصدر سبب وقف التعامل مع هذه الدول الى مواقفها السياسية، مشيرا الى ان تصريح الشيخ محمد رسالة إلى قياداتها لإعادة النظر في حساباتهم في التعامل مع الكويت ومراجعة مواقفهم المضادة لها. وأوضح المصدر ان رسالة الشيخ الدكتور محمد وصلت بالفعل، حيث بدأت بعض تلك الدول تتحرك بسرعة لتحسين مواقفها. وأضاف ان اجتماعا سيعقد في غضون الأسبوع المقبل لرصد المستجدات في مواقف هذه الدول وبحث ما إذا كان هناك تطور يستدعي وقف قرار منع القروض. ويتوجه الشيخ الدكتور محمد الصباح بعد غد الى المنامة لترؤس أعمال اللجنة الكويتية – البحرينية المشتركة، التي كان من المقرر ان تعقد اجتماعاتها الشهر الفائت، لكن الظروف السياسية في المنطقة حالت دون انعقادها. وسيلتقي الشيخ محمد خلال وجوده في البحرين العاهل البحريني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة ويوقع عددا من الاتفاقات. (المصدر: صحيفة « الوسط » (يومية – الكويت) الصادرة يوم 9 جويلية 2007) الرابط: http://www.alwasat.com.kw/Default.aspx?MgDid=11945&pageId=26\
المنافسة في المغرب العربي تختبر دبلوماسية ساركوزي في افريقيا
الجزائر (رويترز) – تمثل المنافسة المغربية الجزائرية اختبارا دبلوماسيا دقيقا للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اثناء زيارة الى شمال افريقيا هذا الاسبوع تهدف الى دعم العلاقات مع منطقة تتزايد اهميتها لامن الطاقة الاوروبي. وستكون الزيارة اول رحلة يقوم بها ساركوزي خارج اوروبا منذ انتخابه في مايو ايار. وادرك الرئيس الفرنسي مدى حساسية مهمته حين اعلن المغرب فجأة الاسبوع الماضي الغاء الجزء المغربي من جولته شاكيا من ان مدة الزيارة البالغة يومين ليست طويلة بما يكفي. وقال دبلوماسيون ان المغرب وهو تقليديا اقوى حلفاء فرنسا في شمال افريقيا اغتاظ لان ساركوزي سيبدأ جولته بزيارة الجزائر المنافس الاقليمي وصاحبة الثقل المتزايد في مجال الطاقة. واثار التصرف المغربي الدهشة في انحاء المنطقة التي تعد ساحة للنفوذ التجاري الفرنسي منذ وقت طويل وجرت العادة ان تكون الوجهة الاولى خارج اوروبا للرؤساء الفرنسيين المنتخبين حديثا. وقال متحدث رئاسي فرنسي ان زيارة الرباط ألغيت في اللحظة الاخيرة بطلب من السلطات المغربية لاسباب لم تحددها ذات صلة « بجدول المواعيد ». وأضاف « لكن تم الاتفاق على أن رئيس الجمهورية سيزور المغرب…في النصف الثاني من أكتوبر. » واعتبر البعض ما حدث خطأ فاضحا من المغرب الذي ارتبط زعماؤه بعلاقات شخصية وثيقة مع جاك شيراك سلف ساركوزي وتمتعوا بدعم شيراك في نزاع الصحراء الغربية السبب الرئيسي للخلاف بين المغرب والجزائر. وقال قادر عبد الرحيم وهو خبير بشؤون المغرب العربي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس « الغاء زيارة رئيس منتخب حديثا قوي جدا وله شعبية… سيكون له بعض الاثر الدبلوماسي. » واضاف « ظن المغاربة انه سيمكنهم جعل علاقتهم مع ساركوزي مثلما كانت مع شيراك. الامر ليس كذلك. انه جيل اخر يتولى السلطة (في باريس). » وتابع « ساركوزي ليس مدينا بشيء.. لا للمغاربة ولا للجزائريين. ومن منظور المصالح الفرنسية يرى ساركوزي ان المهم في المدى المتوسط هو الجزائر كبلد كبير وقوي ومهم. » ويريد ساركوزي تغيير اسلوب السياسة الافريقية لفرنسا والتي قال انها كانت في ظل شيراك شبكة متآلفة من العلاقات الشخصية. وسيسافر ساركوزي الى الجزائر يوم العاشر من يوليو تموز حيث يتناول الغداء مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ثم يتوجه الى تونس للقاء الرئيس زين العابدين بن علي. وكان من المقرر ان يمضي في المغرب الجزء الاطول من رحلته التي تستمر يومين على الاقل. وتعتبر تونس والمغرب اللتان كانتا محميتين فرنسيتين من المقاصد الرئيسية للاستثمار الفرنسي. واما الجزائر التي كانت مستعمرة فرنسية فهي الشريك التجاري الاول لفرنسا في افريقيا. وقال مساعدو ساركوزي انه سيشرح خطته التي ما تزال غامضة لاقامة اتحاد متوسطي كشراكة رسمية بين بلاد حوض البحر المتوسط تضم دول جنوب اوروبا وجيرانهم في شمال افريقيا. وفي الجزائر التي يعتزم ساركوزي العودة اليها في الخريف لمزيد من المحادثات التي تركز على العلاقات التجارية فمن المتوقع ايضا ان يثير امكانية ارتباط بين شركة جاز دو فرانس الفرنسية وشركة الطاقة الجزائرية سوناطراك. لكن معلقين يقولون ان من غير المرجح ان يحقق ساركوزي نجاحا كبيرا في أي مشروع جديد ما لم يمكنه اظهار استعداده لتغيير نهج فرنسا في التعامل مع مسألة الصحراء الغربية. وقدمت فرنسا تحت قيادة شيراك دعما هادئا لكن حازما لاقتراح المغرب بمنح الحكم الذاتي للاقليم الذي يسكنه 260 الف نسمة تحت سيادة مغربية. وتريد جبهة بوليساريو الساعية لاستقلال الاقليم ومقرها الجزائر اجرا ءاستفتاء يتضمن خيار الاستقلال. ويمثل نزاع الصحراء الغربية حاجزا امام التجارة عبر المغرب العربي ولم تفتح الحدود البرية بين المغرب والجزائر منذ اغلاقها عام 1994 وسط توترات امنية. وفي تصريحات لرويترز قال رئيس الوزراء الجزائري السابق رضا مالك الذي تعكس تصريحاته التفكير الرسمي بشأن الصحراء ان الحكم على ساركوزي في الجزائر سيكون على اساس موقفه من النزاع. وأظهر ارجاء المغرب لزيارة ساركوزي دقة مهمته. وقال « المغاربة لم يكونوا سعداء لانه يبدأ بالجزائر. لا يمكن ان يسرهم ذلك. » وتابع « انه احد الاعراض (المغاربية) المألوفة. توجد كثير من الحساسيات وساركوزي سيدرك مدى تعقيد الامور. » ولم يصدر تعليق مغربي رسمي على التأجيل. وقالت صحيفة المساء اليومية ان الرباط تريد ان ترى ساركوزي حين يكون لديه ما يكفي من الوقت لبحث كل الامور ذات الاهتمام المشترك. تحليل إخباري من وليام ماكلين (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 8 جويلية 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
رئيس وزراء سابق: الصحراء الغربية مفتاح العلاقات بين الجزائر وفرنسا
الجزائر (رويترز) – قال رئيس وزراء جزائري سابق يتمتع بنفوذ كبير يوم السبت انه يتعين على الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ان يُغَير أسلوب معالجة فرنسا للنزاع الخاص بالصحراء الغربية وأن يحث المغرب على السماح باجراء تصويت في الاقليم بشأن الاستقلال. وقال رضا مالك قبل زيارة ساركوزي الاولى للمنطقة هذا الاسبوع ان خطة ساركوزي لاقامة شراكة رسمية بين دول جنوب اوروبا وشمال افريقيا لن تكون ممكنة دون إيجاد حل لأقدم نزاع اقليمي في القارة. وسيتطلب هذا تغيير الأُسلوب الذي تنتهجه باريس التي تجاهلت أثناء حكم الرئيس السابق جاك شيراك توصية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للرباط للسماح لسكان الصحراء الغربية بالتصويت في استفتاء بشأن تقرير المصير. وقال مالك لرويترز قبل زيارة ساركوزي يوم الثلاثاء ان فرنسا يجب ان تشجع المغرب على محاولة الالتزام بطريق الأُمم المتحدة حتى تكون هناك سياسة أكثر رشدا لمنطقة المغرب العربي بشأن التكامل الاقليمي. وكان مالك رئيسا للوزراء في الفترة بين عامي 1993 و1994 في أوج حرب أهلية غير مُعلنة بالجزائر بين الحكومة والمتمردين الاسلاميين. كما شارك في حرب التحرير بين عامي 1954 و1962 وساعد في التفاوض بشأن اتفاقات الاستقلال عام 1962 مع فرنسا. ويردد مالك بوصفه وزيرا سابقا للخارجية وسفيرا سابقا لدى فرنسا وجهة نظر الحكومة بشأن قضية الصحراء الغربية. ويقول محللون ان النزاع يقف عائقا امام التجارة في منطقة المغرب العربي التي يقطنها 80 مليون شخص وتمتد من موريتانيا الى ليبيا وان المنطقة لن تحقق هدفها باقامة منطقة للتجارة الحرة بحلول عام 2010 اذا تواصل النزاع. وضم المغرب الصحراء الغربية في عام 1975 في خطوة أثارت غضب جارته الجزائر. وأثار الإجراء المغربي حربا مع جبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال الاقليم. ووعد اتفاق لوقف اطلاق النار توسطت فيه الامم المتحدة عام 1991 باجراء استفتاء حول مصير الاقليم. ولكن الاستفتاء لم يتم قط. وتستبعد الرباط الآن إجراء مثل هذا الاستفتاء وتحظى بتأييد فرنسا لاقتراح مُخفف يتيح لسكان الاقليم البالغ عددهم 260 الف نسمة التمتع بحكم ذاتي تحت السيادة المغربية. وتقول فرنسا انها تقوم بدور محايد في النزاع لكن دبلوماسيين يقولون انها تتعاطف مع الرباط منذ سنوات طويلة. ومن المقرر ان يصل ساركوزي الى الجزائر في العاشر من يوليو تموز للاجتماع مع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ثم يتوجه الى تونس لتناول العشاء مع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. والجزائر مستعمرة فرنسية سابقة وكانت تونس ذات يوم تحت الحماية الفرنسية. وكان من المقرر ان يواصل ساركوزي جولته الى المغرب لكنه لن يقوم بالزيارة بسبب مشكلات في جدول المواعيد. وقال مالك ان احد الاهداف الاساسية لجولة ساركوزي وهو احراز تقدم بشأن ما يسمى بالاتحاد المتوسطي الذي سيفتح الروابط بين الدول الافريقية والاوروبية سيتعذر تحقيقه في ظل الوضع الراهن. وقال ان الجزائر ستحكم على ساركوزي على اساس قضية الصحراء. ووصفها بانها مشكلة واضحة المعالم. وأضاف انه اذا كانت فرنسا تريد اقامة اتحادات كبيرة وتجمعات كبيرة فانها بحاجة الى حل هذه المشكلة وايجاد حل مناسب. لكنه أعرب عن الامل بحدوث تغيير في السياسة الفرنسية وقال ان هناك دلائل على ان ساركوزي ربما يأتي بتغيير حتى ولو في اللهجة. وقال ان ساركوزي سيحاول على ما يبدو ان يكون أكثر هدوءا وأكثر تحفظا وانه سيتحدث بصورة أقل محاباة للمغرب. (المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 8 جويلية 2007 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
صحيفة: أوروبا واسرائيل تحذران المغرب من هجمات إرهابية
الرباط (رويترز) – ذكرت صحيفة يوم الاثنين أن الاتحاد الاوروبي حذر المغرب من أن احتمال وقوع هجمات « إرهابية » في البلد الواقع بشمال أفريقيا بات « شبه مؤكد » ودعا الى تكثيف الاجراءات الامنية في السفارات الغربية والمقاصد السياحية.
وقالت صحيفة الاحداث المغربية اليومية ذات الاطلاع الحسن فيما يتعلق بالامور الامنية الداخلية ان ادارة الامن التابعة للمفوضية الاوروبية أرسلت تقريرا الى الرباط تحذرها فيه من الخطر.
وأضافت الصحيفة التي تصدر باللغة العربية « تقرير المنسقية ( المفوضية) الاوروبية تحدث عن احتمال شبه مؤكد حول امكانية تعرض المغرب لضربات ارهابية وحدد بعض الاماكن التي يمكن أن تكون هدفا من قبل الارهابين وطالب التقرير بتشديد المراقبة باعتبار ما أورده من معلومات لها أهمية وجديرة بالاهتمام. »
وقال متحدث باسم وفد المفوضية الاوروبية في الرباط « ليس لدينا تعليق على هذا التقرير الآن. »
وذكرت الصحيفة ايضا « تؤكد فرنسا أن التحضيرات لتنفيذ هجمات ارهابية في المغرب والجزائر بلغت مستوى متقدما. »
وأشارت الصحيفة الى أن القضية كانت أيضا محور مناقشات بين وزيري خارجية اسرائيل والمغرب ومديري المخابرات في باريس الاسبوع الماضي.
وذكرت أن المغرب تلقى معلومات من المخابرات الاسرائيلية بشأن تحركات جهاديين ومحاولاتهم التسلل الى المغرب من الجزائر وموريتانيا.
ولكن في القدس قال ايدو أهاروني مساعد وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني « لا اعرف ان مثل ذلك التحذير نقل اثناء اجتماع وزيرة الخارجية مع نظيرها المغربي. »
ورفع المغرب من درجة التأهب الامني يوم الجمعة الى أعلى مستوياتها وهي « القصوى » التي تشير الى احتمال وقوع هجوم وشيك. وذكرت وزارة الداخلية المغربية دون الخوض في تفاصيل أنها حصلت على معلومات بشأن التهديد في الايام الاخيرة.
ولم يتسن الاتصال على الفور بمسؤولين في الحكومة المغربية للتعقيب على تقرير اليوم.
ودخلت المنطقة في حالة استنفار منذ هدد تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي المتمركز في الجزائر بتكثيف حملته الجهادية ضد الحكومات » الفاسدة » في المنطقة وحلفائها في الغرب.
وأعلنت القاعدة مسؤوليتها عن هجمات في الجزائر في أبريل نيسان بينها ثلاثة في العاصمة الجزائرية قتل خلالها قرابة 30 شخصا يوم 11 أبريل نيسان.
وبعد ذلك بثلاثة أيام فجر انتحاريان أحزمة ناسفة خارج منشات دبلوماسية أمريكية في الدار البيضاء ولم يقتلا سوى نفسيهما.
لكن حكومة الرباط رفضت انذاك تكهنات وسائل الاعلام المحلية بوجود صلة بين هجمات الجزائر ومقتل الانتحاريين في الدار البيضاء.
وفي الجزائر ذكرت صحيفة المجاهد المملوكة للدولة ان فرانسيز تاونسيند مستشارة الامن الداخلي للرئيس الامريكي جورج بوش ناقشت التعاون في مكافحة الارهاب في اجتماع مع وزير الخارجية مراد مدلسي يوم الاحد اثناء زيارة للبلاد.
من الامين الغانمي
(المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 9 جويلية 2007)
امريكا تسعى لزيادة التعاون مع الجزائر في مكافحة الارهاب
الجزائر (رويترز) – نقلت وكالة الانباء الجزائرية عن فرانسس تاونسند مستشارة الرئيس الامريكي جورج بوش للامن الداخلي قولها بعد محادثات مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم الاثنين ان الولايات المتحدة تريد زيادة التعاون مع الجزائر في مكافحة الارهاب.
ونسبت الوكالة الى تاونسند قولها انها سلمت بوتفليقة رسالة من بوش خلال الاجتماع الذي تناول قضايا من بينها خطر الارهاب على النطاق العالمي وخصوصا في منطقة المغرب العربي.
ولم تكشف تاونسند عن تفاصيل الرسالة لكنها اضافت في تصريحات للوكالة الجزائرية أن واشنطن تقدر كثيرا تعاون الجزائر في مكافحة الارهاب وترغب في تعزيز هذا التعاون.
وكانت تاونسند التي التقت مع وزير الخارجية مراد مدلسي يوم الاحد قد أجرت ايضا محادثات مع بوتفليقة خلال زيارة للجزائر العام الماضي.
وبدأت الدولتان تبادل معلومات المخابرات المتعلقة بالجماعات الاسلامية المسلحة بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول. ويقول دبلوماسيون ان علاقات واشنطن الامنية مع الجزائر اصبحت من بين اوثق العلاقات من نوعها مع الدول الاجنبية.
وكثفت دول المغرب ايضا التعاون الامني فيما بينها بعد سسلة تفجيرات واعتقال متشددين في شتى انحاء شمال افريقيا في اواخر عام 2006 واوائل عام 2007.
ويقول مسؤولون امنيون في المنطقة ان المتشددين الاسلاميين سعوا لشهور لتعزيز شبكة من المؤيدين في الداخل وبين القادمين من شمال افريقيا في اوروبا.
(المصدر: موقع سويس إنفو (سويسرا) بتاريخ 9 جويلية 2007)
فلسطين: لا مفر من الحوار والوحدة
منير شفيق (*) خطان تصاحبا متوازيين، ولم يتفارقا، ولم يلتقيا منذ نشوء القضية الفلسطينية، الاول ما يجري على أرض الواقع من صراعات ومن تأسيس وقائع بهذا الاتجاه وذاك، والثاني ما يطرح من مشاريع حل وسيناريوهات حل او ما يصطلح عليه اليوم «خرائط طريق». فطرح مشاريع الحل سواء اكان مقصودا أم عفويا، بخبث أو بنية صادقة كان ملازماً لما يفرض او ينشأ عن محصلات الصراع من وقائع ونتائج على الأرض. هذا يعني أن الخطين المشار إليهما احدهما يرسم على أرض الواقع ويصنع الوقائع والثاني يكتب على الماء سابحاً في عالم وهمي لا علاقة له بالواقع او صنع الوقائع عدا تعليل النفوس والعقول بسراب خلب، وذلك تسهيلا لما يخرج من قلب الصراع من خريطة للواقع. ومع ذلك وعلى الضد مما يفترضه المنطق، او تحتمه التجربة المريرة استمر خط الوهم يطرح مشاريع الحل او يرسم سيناريوهات الحل او خرائط الطريق فيما الطريق في مكان آخر ويبدو أن العناد هنا في امتطاء صهوات الوهم سيظل يتحوطنا ولا مفر.. كيف؟ مثلا لو عدنا الى سيناريوهات الحل المتوقع قبل احداث غزة التي اسفرت عن سيطرة حماس عليها، وقبل مراسيم رئيس السلطة الفلسطينية بإقالة حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل حكومة انقاذ طوارئ، واعلانه القطيعة مع حماس ورفض الحوار معها، وقد وصفها بأوصاف تصعب عليه محاورتها مرة أخرى باعتبارها شريكا ونداً وذات شرعية منحتها اياها صناديق الاقتراع تماماً مثل شرعية الرئاسة الفلسطينية المنتخبة. ما جرى على أرض الواقع من خلال محصلات الصراعات التي انتهت حتى اليوم الى قيام كيانين فلسطينيين منفصلين ليس جغرافياً واحتلاليا فحسب وانما ايضا سياسيا وشرعية، راح تصحبه الآن موجات من مشاريع الحلول والسيناريوهات وخرائط طريق، وهذه كلها لم تخرج الى النور قبل انفصام الشرعيتين الى شبه كيانين بسلطتين فلسطينيتين إحداهما في قطاع غزة والثانية في الضفة الغربية فبعض هذه الموجات اخذ يتحدث عن حل تعود فيه مصر لتولي شؤون القطاع ويعود الاردن بكونفيدرالية او ما شابه الى الضفة الغربية أو تعود الضفة الغربية إلى الأردن، والبعض تحدث عن «حل سيناء» وفصلها عن مصر. وبدأ آخرون يقترحون تخلي جورج دبليو بوش عن حل الدولتين ليقبل بنصف دولة في الضفة الغربية وشبه سلطة في قطاع غزة، وهكذا راح خيال مشاريع الحل ينسج على منوال الواقع الجديد ناسياً ما نسجه قبل الحقائق الجديدة، ومن ثم سيفعل الشيء نفسه عندما يتغير بعد حين الواقع القائم ناسيا ما ينسجه اليوم لينسج لنا مشاريع الحل القادمة وفقا لمنوال آخر، وبهذا تحل المشاريع والتوقعات «السيناريوهات» مكان خوض الصراع الواقعي والتأثير الفعلي في محصلة الواقع الذي يجب ان يخرج من الواقع القائم. اذا كان المطلوب تكريس الانقسام الفلسطيني وتحويله الى مشاريع حل فلنغرق في تصور سيناريوهات التسوية القادمة، اما اذا كان المطلوب التأثير في معالجة هذا الانقسام والخروج منه الى وحدة فلسطينية جديدة لمقاومة الاحتلال والحيلولة دون فرض هذا الانقسام امراً واقعاً، فإن ما يجب ان نفعله هو المواجهة العملية، وذلك بممارسة مختلف الضغوط السياسية والمعنوية، ومن قبل مختلف القوى الشعبية والرسمية الفلسطينية والعربية لعودة الحوار بهدف التوافق من جديد بين الشرعيتين وعدم السماح بهذا الانقسام الذي ما سعت اليه حماس وفتح، وما زال مرفوضا رسميا وعلنا من قبل الرئاسة الفلسطينية ورئيس الحكومة المقالة وهو مرفوض اكثر من حماس وفتح وكل الفصائل الفلسطينية وباجماع عربي كذلك، لاسيما مصري. فإذا كان موقف جميع القوى الفلسطينية وبشبه اجماع عربي شعبي ورسمي كذلك اسلامي ورأي عام عالمي متعاطف مع القضية الفلسطينية يرفض هذا الانقسام ويؤكد وحدة الشعب الفلسطيني وعدم الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية فكيف لا يمكن تجاوز هذا الانقسام النكد؟ وكيف لا يكون واضحا لنا ما يجب عمله؟ صحيح أن هوة قد تقوم بين ما يقال ويعلن من جهة وبين ما يفعل ويمارس من جهة أخرى، فالاعتماد على ما يقال ويعلن غير كاف للبناء عليهما علما أن من الضروري استخدامهما للضغط وللإحراج عند مواجهة الافعال والممارسات الذاهبة الى تكريس الانقسام. من هنا تتوجب مراقبة الافعال والممارسة ووضعهما على محك التجربة والمحاسبة، وذلك بالكشف عن صدق القول والاعلان او عدمه فكل ما يصدر رسميا عن القطاع او عن الضفة يجب ان يسأل اين يصب؟ هل يصب في حوض الوحدة أم يذهب لتكريس الانقسام. ما نشأ من واقع جديد، وما حمله من عواقب سلبية مادية ومعنوية ونفسية بل ما حمله من ارتكابات وسفك دماء وتشهير، يقود الى تكريس ما حدث من انقسام، الامر الذي يتطلب مراقبة كل سياسة وكل موقف ومحاسبتهما على الواقع الذي يكرسانه، او يسعيان إلى تغييره باتجاه الوحدة. اما في المقابل فإن عوامل العودة إلى وحدة حماس وفتح وكل الفصائل ما زالت قائمة وصارخة، ويكفي أن نرصد من يسقط من شهداء لفتح وحماس والجهاد الاسلامي وما تعج به الشجون من ابناء كل الفصائل، لنتأكد ان العدو يوحدهم حتى في ظل الانقسام الراهن، فصوت الحوار واستعادة الاتفاق ووحدة الضفة والقطاع يجب أن تتحقق بالرغم من كل ما حدث ولا خيار غير ذلك. (*) كاتب ومفكر فلسطيني (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 8 جويلية 2007)
ثنائية الديمقراطية والاحتلال
صالح السنوسي (*) عندما يعلن الرئيس بوش أن الولايات المتحدة موجودة في العراق بدعوة من حكومتها، وأن العراق بلد ذو سيادة سترحل عنه القوات الأميركية إذا طلبت حكومته ذلك، فإنه يعلم قبل غيره أن هذا القول بعيد عن حقيقة الواقع، لأن الولايات المتحدة لم يدعها أحد عندما قررت غزو العراق بل كان قرار الغزو ضد رغبة المنظمة الدولية والمجتمع الدولي، ثم إن ما جرى بعد ذلك من مسرحية نقل السيادة إلى الحكومة العراقية لم يصدقه أحد بما في ذلك الحكومة نفسها. لم تأت الولايات المتحدة إلى العراق من أجل أن ترحل بناء على طلب حكومة هي التي نصبتها تحت ظلال حراب المارينز، فقد كان غزو العراق تتويجا عمليا لنظرية القوة الوحيدة في العالم التي نظر لها منظرو اليمين من أمثال بول نيتز وريتشارد بيرل وبول ولفويتز وغيرهم. لم يكن غزو أفغانستان يصلح كبداية لتطبيق هذه النظرية لأن تلك الحرب نالت التأييد العلني من معظم حكومات العالم، كما أنها تمت بحجة الدفاع عن النفس، وذلك النوع من الحروب يقره ميثاق الأمم المتحدة بشروط معينة. لهذا فإن الولايات المتحدة لم تعتبر ما قامت به في أفغانستان تطبيقا أو اختبارا حقيقيا لنظرية القوة العالمية الوحيدة، لأن هناك إيحاء بأن ذلك تم تحت مظلة شرعية دولية أقرها نظام دولي لم تكن هي القوة الوحيدة فيه. كان غزو العراق هو التطبيق الحقيقي لهذه النظرية، إذ تم خارج شرعية النظام الدولي ودون اكتراث بالقواعد الآمرة في القانون الدولي. غير أن ما يهمنا في هذه النظرية هو تداعيات تطبيقاتها على المنطقة العربية، فغزو العراق واحتلاله كان بالنسبة للولايات المتحدة نقطة البداية في مخطط التغيير في المنطقة على ضوء مستجدات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. لم يكن اختيار الولايات المتحدة للعراق كأول تطبيق حقلي لهذه النظرية يرجع فقط إلى أهمية العراق والمنطقة بالنسبة للإستراتيجية الأميركية المتعلقة بالنفط وإسرائيل وخرائط سايكس بيكو، بل كانت هناك أيضا أسباب جدية تتعلق بتوفر شروط نجاح التمرين الأول في هذه النظرية، لأن صناع القرار السياسي الأميركي كانوا يرون في المنطقة العربية الحقل الأكثر ملاءمة لهذه البداية التطبيقية نظرا لعدة اعتبارات. أولا: اعتبار المنطقة أكثر مناطق العالم تبعية وخضوعا للولايات المتحدة والغرب عموما، إلى جانب وجود روح الصراع والتآمر بين أنظمتها السياسية، مما يجعل انضمامها إلى مشروع الغزو الأميركي للإطاحة بالنظام العراقي أمرا في حكم المؤكد، ولاسيما أنها أنظمة قوية في الداخل يستأسد حكامها على شعوب ذليلة فاقدة لروح الفعل الجماعي. ثانيا: لم يكن من المتوقع أن يبلغ رد الفعل المقاوم في العراق هذا الحد، ولم يتوقع مخططو الغزو الأميركي أن يصل سوء الوضع العسكري إلى الحد الذي بلغه بعد الغزو. رغم أن المخابرات الأميركية –كما كشف عن ذلك فيما بعد- قد حذرت من أن احتلال العراق لن يكون نزهة أميركية وقد يترتب على ذلك تقسيم العراق، فإنه لا أحد من الذين قرأوا التقرير أعاره الاهتمام. بل إن الكثير من أعضاء الكونغرس الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء لم يقرؤوه رغم أنه كان تحت تصرفهم، فقد كانت –كما قال بعضهم لاحقا- تسيطر على الجميع حمى الحرب التي ظن الكثير منهم أنها ستكون نزهة شبيهة بحرب الخليج الثانية. ثالثا: كان مخططو الغزو الأميركي يتوقعون ردات فعل متشنجة هنا وهناك، ولكن الأهم هو تصورهم بأن العراق سيكون مقبرة لكل الجماعات التي تدفعها هستيريا التطرف الديني، فتأتى ساعية إلى حتفها حيث ستكون في انتظارها –كما قال الرئيس بوش- القوة الأميركية الجاهزة ليتم القضاء عليها بعد استدراجها إلى الفخ العراقي. وهذا بالطبع سيؤدى بدوره حسب التصور الأميركي إلى عدة نتائج منها: 1- تؤدى تصفية هذه الجماعات إلى القضاء على زخم قوتها وشعبيتها في الأقطار العربية، وذلك في حد ذاته يعد مكسبا ونقلة إستراتيجية على طريق تأمين أفضل وضع لشق المسار الديمقراطي في هذه المنطقة التي تعاني من أنظمة دكتاتورية تتصارع مع المتطرفين والمتعصبين وتدفع بهم دون أن تدري إلى تعويض هزائمهم وكبتهم عن طريق ممارسة العنف والإرهاب ضد الغرب ومصالحه في المنطقة. ولهذا فإن احتلال العراق بعد زوال حجة أسلحة الدمار الشامل، يمكن أن يؤدي إلى القضاء على الاثنين معا، أي المتطرفين والأنظمة. هذه الأنظمة في نظر الولايات المتحدة لن تستطيع أن تصمد أمام المد الديمقراطي الذي يرعاه الوجود الأميركي في العراق في وقت تخلو فيه الساحة من قوى التطرف المعادية للغرب, والتي كانت تشكل البديل عن الأنظمة في حالة فتح الباب أمام التنافس الديمقراطي بين جميع القوى السياسية. بعد تصفية هؤلاء ستكون الساحة شبه خالية أمام القوى الليبرالية التي تعتبرها الولايات المتحدة موالية لها، والتي تستطيع أن تحيك قميصا ديمقراطيا بالمقاييس التي لا تتعارض مع أية مصلحة جوهرية للولايات المتحدة في المنطقة. أما القوى الديمقراطية الأخرى غير الموالية، والتي لها مواقف محددة وواضحة من مصالح الغرب غير الشرعية، فإن حلفاء الولايات المتحدة الليبراليين ومنظريهم يستطيعون هزيمة أصحابها عن طريق وصف بعضهم بأنهم ما يزالون يعيشون في زمن الحرب الباردة، وبعضهم الآخر بأنهم قادمون من زمن العنتريات الأسود المجلل بهزائم يونيو/حزيران واحتلال بيروت وبغداد إلى جانب سراديب التعذيب ومصادرة الحريات. وبالتالي فإن هزيمتهم مهمة سهلة بالنظر إلى ماضي الأنظمة التي كانت وبعضها ما يزال يرفع الشعارات نفسها، ويمارس تلك الممارسات. 2- في حالة القضاء على أكبر عدد من هذه الجماعات وإذلال من يبقى منهم حيا في المواجهة على أرض العراق، فإن ذلك سيجعل شعبيتهم في الحضيض. وقد أثبتت التجربة التاريخية في المنطقة أن الغرب كثيرا ما استدرج القوى التي يعتبرها معادية لإستراتيجيته في المنطقة ثم يجرها في المكان والزمان الذي يختاره إلى معركة خاسرة ومذلة تفقد فيها كل ما لديها وما لدى أطروحاتها المعادية للغرب من جاذبية لدى الجماهير، بينما يعلو شأن حلفائه باعتبارهم عقلاء وواقعيين ومعتدلين لا يعاندون القضاء والقدر الغربي. كان ذلك على ما يبدو جزءا من التصور الأميركي لمخطط غزو العراق وحمل لواء الديمقراطية، غير أن حسابات البيدق لم تتفق مع حسابات الحقل العراقي لأسباب من أهمها: أولا: إن الأنظمة السياسية العربية التي وجدت نفسها مستهدفة من خلال رفع الولايات المتحدة لواء الديمقراطية، لم تعد جادة في استمرار التعاون مع الاحتلال مثلما فعلت عند بداية الغزو، بل إن بعضها قدم تسهيلات وبعضها الآخر غض البصر عن تدفق المقاتلين إلى العراق وبذلك فقدت الولايات المتحدة ثقة حلفائها المخلصين لها دوما قبل أن تتمكن من إيصال بدائلهم بالطرق الديمقراطية إلى حكم هذه البلدان. وقد بدت الاستحقاقات التي تطلبها الولايات المتحدة من هذه الأنظمة غاية في التناقض، فمن ناحية تريد منهم أن يتحالفوا معها ضد القوى التي تقاتل ضد وجودها العسكري في العراق، وأن تفتح من ناحية أخرى الطريق أمام الأطروحة الديمقراطية، وهذا يعنى في حقيقة الأمر أنه على هذه الأنظمة أن تسعى إلى حتفها بقدميها. لا شك أن هذا التناقض بين مصالح الطرفين كان في مصلحة القوى التي تقاتل الاحتلال الأميركي في العراق، إذ رأت الأنظمة من مصلحتها أن تتخلص من هذه الجماعات لتمارس العنف بعيدا عنها ضد الأميركيين في العراق عملا بالمثل القائل « فخار يكسر فخارا » إلى أن تنضج معطيات أخرى ويفهم الحليف الأميركي أنه أخطأ في قراءة الأوضاع في المنطقة وأنه ليس بإمكانه الاستغناء عن حلفائه الحقيقيين. ثانيا: كانت تقديرات الجانب الأميركي خاطئة لقدرات هذه الجماعات المقاتلة وما تمثله من امتدادات في المجتمعات العربية، فالتعويل على هزيمتها وإذلالها وبالتالي تجريدها من شعبيتها كان تصورا في غير محله. إن محاولة تطبيق تجربة الصراع مع التيار القومي على الصراع مع التيارات الإسلامية تفتقد أوجه المقارنة، إذ ليس لهذه الجماعات أنظمة ودول وجيوش يمكن جرها إلى معارك وهزيمتها واحتلال أراضيها وكشف عوراتها السياسية والاجتماعية على غرار ما فعلته أميركا مع تلك الأنظمة. فالحرب وخسارة المواجهات الميدانية مع جيوش وتكنولوجيا الغرب لا تعنى الهزيمة بالنسبة لهذه التيارات التي ترى أي مواجهة مع الغرب نصرا دنيويا أو أخرويا، ولا وجود لمعنى الهزيمة في قاموسها الاستشهادي. بل إن ضراوة المواجهة وإعلان الحرب عليها يعد بمثابة التغذية العكسية التي تجذرها وتضاعف من امتداداتها، في نسيج مجتمعات ذليلة مقموعة ومحتقرة من قبل حكامها والغرب معا. (*) كاتب ليبي (المصدر: ركن المعرفة بموقع الجزيرة.نت (الدوحة – قطر) بتاريخ 9 جويلية 2007)
الظواهري وحماس والإخوان مرة أخرى
ياسر الزعاترة (*) خلال عشرين يوماً لا أكثر بعث الدكتور أيمن الظواهري برسالتين فيما يتعلق بالحسم العسكري الذي نفذته حركة المقاومة الإسلامية حماس في قطاع غزة. في الرسالة الأولى قدم دعماً معنوياً للحركة، من دون أن ينسى مطالبتها بتعديل مسارها السياسي. أما في الثانية، فاتهمها بالتخلي عن حاكمية الشريعة من جهة، فيما طالبها بوقف مسلسل التنازلات الذي أوصلها إلى التنازل عن أربعة أخماس فلسطين بحسب قوله من جهة أخرى. من المفيد القول ابتداءً إنه ليس من حق أحد، بمن في ذلك قيادات حركة حماس أن يمنعوا الظواهري أو سواه من الإدلاء بدلوهم فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتفاصيلها بدعوى أن أهل مكة أدرى بشعابها، تماماً كما لا يحق لأهل العراق أن يفعلوا ذلك تحت ذات الحجة الواهية. لا نقول ذلك لأن مكة لم تعد مجهولة لأحد قط، بل أيضاً، وهذا هو الأهم، لأن فلسطين هي قضية الأمة المركزية، وحين يكون من حق كل من هب ودب أن يكتب وينظّر في تفاصيل هذه القضية، فليس من حق أحد أن يمنع الظواهري من أن يفعل ذلك، أو يشنع عليه في حال فعل، بصرف النظر عن صواب قوله أو خطئه، ومن حق المعنيين بعد ذلك أن يعلقوا على ما قيل ويختلفوا معه كيف شاءوا. في سياق الموقف الذي اتخذه يمكن لنا وضع الكثير من الملاحظات، لعل أبرزها حكاية تحكيم الشريعة التي تخلت عنها حماس، وهنا ينبغي القول إن حماس لم تمتلك دولة حتى تحكّم فيها الشريعة، اللهم إلا إذا اعتقد الظواهري أن 362 كيلو متراً مربعاً (واحد ونصف في المئة من مساحة فلسطين) يتحكم الاحتلال بسمائها وحدودها ومائها وكهربائها يمكن أن تصلح دولة يتم فيها تحكيم الشريعة، فيما نعلم أن السودان بمساحته الهائلة وثرواته الكبيرة قد عجز عن ذلك في ظل ميزان القوى الدولي الراهن. وإذا قيل إن المقصود هو وجود حماس في الحكومة، فإن الحركة لم تمتلكها في واقع الحال، بل طوردت منذ اليوم الأول، والنتيجة أن هذه القضية محكومة لموازين القوى، وليس فقط للإرادة الذاتية، وأكثر الحركات الإسلامية لم تعد على خلاف في هذا الشأن، مع العلم أن الحاكمية كما يفهمها الظواهري أو يقتنع بها ليست هي الصيغة الوحيدة المعتمدة في أوساط الإسلاميين الذين صاروا أقرب إلى مفهوم الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية. نأتي هنا إلى المسألة السياسية التي تحدث فيها الظواهري، أعني قضية التنازلات التي قدمتها حماس، وهنا يمكن القول: إن هذا الجانب كان فيه الكثير من الصحة، إذ إن من العبث القول إن الحركة لم تغير خطابها بسبب الحكومة وتبعاتها. صحيح أنها لم تتنازل عن أربعة أخماس فلسطين كما ذهب الظواهري، لأنها رفضت الاعتراف بالاحتلال، وهو السبب في تشديد الحصار عليها، لكن ما ينبغي قوله في المقابل هو أن فكرة الجمع بين السلطة والمقاومة لم تكن صائبة، لا هي ولا فكرة الجمع بين مسار التسوية والاحتفاظ بالخطاب الأصيل للحركة، ومن يقرأ وثيقة الوفاق الوطني ومن بعدها وثيقة مكة ثم بيان حكومة الوحدة سيعثر على كلام أقرب إلى الوضوح في الاعتراف بالقرارات الدولية، وبالإقرار بقبول فكرة الدولة على الأراضي المحتلة عام 67، مع العلم أن المسلسل لم يتوقف عملياً، بل ما زال يتواصل يوماً إثر آخر لولا استعجال الحسم العسكري من قبل جماعة دحلان. وفي العموم فإن المراهنة على التنازلات كخيار يحمي الوجود في الحكومة ليس صحيحاً بحال، تماماً كما هو حال المراهنة على خيار التسوية والمفاوضات، وقد جرب ذلك كله من قبل ياسر عرفات فكانت النتيجة التي يعرفها الجميع. في الرسالة الجديدة لم ينس الظواهري، وتبعاً لثأره التقليدي مع الإخوان المسلمين أن يعرج عليهم، أعني الإخوان في مصر، وإن بدا أن للرجل موقفه من كل فروع الإخوان، وهنا التقط الرجل كلاماً لعبد المنعم أبو الفتوح يدعو فيه إلى دولة ثنائية القومية في فلسطين، وتصريحاً آخر قال إنه سمعه من سعد الكتاتني الناطق باسم الكتلة الإخوانية في البرلمان يعترف أو يطالب من خلاله بحل الدولتين في فلسطين، التقط ذلك وطالب المرشد بموقف واضح من ذلك، إضافة إلى موقف واضح من المبادرة العربية. والحال أن موقف الإخوان من المبادرة العربية هو الرفض كما نعلم، أما كلام أبو الفتوح فتنصلت منه الجماعة، فيما لم يسمع أحد بكلام الكتاتني حتى يعلق عليه، لكن الرجل ربما تحدث عن حل مرحلي من دون اعتراف، وإذا قال غير ذلك فكلام المرشد وأدبيات الإخوان عموماً تنفيه. لكن ذلك لا ينفي أن على الإخوان في مصر وسواها أن يكونوا واضحين في مواقفهم من القضية الفلسطينية حتى لا يسمحوا لأحد بالاصطياد في الماء العكر. في سياق الموقف من العراق، عاد الظواهري إلى الحديث عن النقطة الجوهرية التي تشغله وتشغل الكثيرين من المعنيين بالشأن العراقي، ممثلة في الاقتتال بين القاعدة وعدد من فصائل المقاومة العراقية، فضلاً عن بعض العشائر، وهنا دعا الرجل إلى توحيد الصفوف، تماماً كما فعل من قبل في رسائل أخرى. هناك إلى جانب ذلك ما يتعلق بالشيعة. وفي حين نعلم أن الرجل قد سبق ورفض قتل الشيعة كما جاء في رسالة له موجهة إلى الزرقاوي قبل عامين، فقد حذر هنا من مغبة تصديق تجار الدين الذين يتهمون « المجاهدين » بكره آل البيت أو الإساءة إليهم، مؤكداً على مكانة الحسين وموقف المجاهدين منه (مبايعته والقتال دونه) لو شهدوا موقعته، مضيفاً أن موالاة الصليبيين لا تستوي مع محبة الحسين والولاء لفكرته. هكذا تبدو الرسالة الجديدة للظواهري استمراراً للرسائل السابقة من حيث المضمون، باستثناء قصة الشيعة والحسين، لكنها تلقي بظلال من الشك جديدة حول وضع أسامة بن لادن بعد هذه الغيبة الطويلة، وهي قضية غالباً ما تثور مع كل رسالة جديدة للظواهري، لاسيما إثر تكاثرها على نحو لافت للنظر. ويبقى أن تبرير الغياب بالمرض ليس مستبعداً، وإن تمنى الأمريكان أن يكون غياب الموت. (*) كاتب فلسطيني (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 9 جويلية 2007)
رامسفيلد ألغى عملية لاعتقال الظواهري
واشنطن – أ ف ب – كشفت صحيفة نيويورك تايمز ان الولايات المتحدة كانت مطلع عام 2005 على وشك شن عملية عسكرية في المناطق القبلية في باكستان لاعتقال مسؤولين كبار في القاعدة بينهم ايمن الظواهري، الا ان وزير الدفاع في تلك الفترة دونالد رامسفيلد الغى العملية في آخر لحظة لتجنب توتير العلاقة مع اسلام آباد وخوفا على حياة الجنود الامريكيين. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الجيش واجهزة الاستخبارات لم تكشف اسماءهم ان العملية العسكرية اعدت لمداهمة اجتماع لمسؤولين كبار في القاعدة في المناطق القبلية في باكستان بينهم الظواهري الرجل الثاني في القاعدة، الا ان العملية الغيت في اللحظة الاخيرة عندما اعتبر مسؤولون كبار في ادارة بوش انها محفوفة بالمخاطر، كما انها يمكن ان تثير حفيظة الحكم في باكستان الذي يعتبر حليفا للولايات المتحدة. واوضحت الصحيفة ان عناصر من مجموعات نخبة في قوات المارينز كانوا اصبحوا على متن طائرات من نوع سي-130 عندما الغيت العملية. (المصدر: صحيفة « الشرق » (يومية – قطر) الصادرة يوم 9 جويلية 2007)