TUNISNEWS
6 ème année, N° 2086 du 06.02.2006
الوحدويون الناصريون: بيان رويترز: التونسيون يكتفون بالرسائل احتجاجا على الإساءة للنبي محمد رويترز: السويد تطالب الاتحاد الأوروبي والعالم العربي بتهدئة الخلاف رويترز:المسلمون في دول الخليج يصعدون المقاطعة ضد السلع الدنمركية رويترز: اسلاميون جزائريون ينظمون احتجاجا نادرا على الرسوم المسيئة العصر: كيف غطى الإعلام الأمريكي قضية الإساءة للرسول؟ رويترز: رئيس اف.بي.اي يزور المغرب العربي لتعزيز مكافحة الارهاب القدس العربي: ذهول في تونس لخروج منتخبها من البطولة علي شرطاني: عهدا على دربك وأرواحنا فداك يا رسول الله يا خير الخلق عند الله فتحي بن الحاج يحيى: سردوك ودجاجات أربع سفيان المخلوفي: عضو بمجلس المستشارين يتمادى في تجاوز الثوابت الوطنية
عبد الجبار الرقيقي: مقاومة التطبيع والنضال من أجل الحريّات وجهان لقضية واحدة شوقي عريف: قطاع التعليم في تونس – بعد خطوة « مجلس المؤسّسة » السّلطة تبدأ في مشروع « أمد »
شبكة راصد: فضيلة الشيخ عبد الرحمان خليف يوجه من تونس نداء إلى العقلاء من شعوب أوربا صبحي حديدي : الدانمرك أم النظام العربي؟ الهادي بريك: هجرة عمر بين قوة الفرد وحنكة القيادة توفيق المديني: العودة إلى عالم متعدد الأقطاب عبد الحكيم أحمين: إسلاميو تركيا… العثمانيون الجدد الحياة: الطاهر لبيب: الخطاب العربي السائد يعيش مع ثنائيات تقليدية لا يحلّها ولا يتخلى عنها
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows). |
التونسيون يكتفون بالرسائل احتجاجا على الإساءة للنبي محمد
تونس (رويترز) – لم تتجاوز مظاهر الاحتجاج على رسوم مسيئة للرسول محمد في تونس تبادل الرسائل على الهواتف المحمولة التي تدعو الى مقاطعة المنتجات الدنمركية في وقت اتسعت فيه الاحتجاجات في أرجاء العالم الاسلامي.
واكتفى المحتجون في تونس أحد أكثر البلدان العربية والاسلامية انفتاحا على الغرب بتبادل رسائل تقول « رمز المنتجات الدنماركية هو 57. الى الذين يحبون محمد ويرغبون في مقاطعة المنتجات الدنماركية وزعوا هذه الرسالة على أصدقائكم. »
وتصاعدت بشدة مشاعر الغضب إزاء هذه الرسوم في كل أنحاء العالم الاسلامي. وكانت قد نشرت أول الامر في صحيفة دنمركية وأعادت نشرها عدة صحف أوروبية وتصور احداها النبي مرتديا عمامة على شكل قنبلة.
وعمت تظاهرات احتجاجية العديد من العواصم الاسلامية تنديدا بالرسوم المسئية للنبي محمد.
ولم يلاحظ في الاسواق التجارية الكبرى في تونس اي اثر لحملة مقاطعة المنتجات الدنمركية اوالنرويجية.
وقال عديد من المواطنين انهم لا يعرفون اصلا ان هناك منتجات دنمركية في الاسواق التونسية.
كما لم تدعو اي من المنظمات الحكومية وغير الحكومية الى التظاهر احتجاجا على الرسوم المسيئة. ويحظر القانون التونسي التظاهر دون ترخيص مسبق.
وقال استاذ للتربية الاسلامية يدعى الحبيب لرويترز « اشعر بقهر كبير لاني لم أجد اي وسيلة للانتصار لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والتعبير عن رفضي الاساءة لمقدساتنا ».
وأضرم يوم الاحد الاف المتظاهرين اللبنانيين الغاضبين النار في مبنى القنصلية الدنمركية في بيروت وألحقوا أضرارا بممتلكات في منطقة مسيحية. وفي وقت سابق أضرم سوريون غاضبون النار في السفارتين الدنمركية والنرويجية بدمشق.
وانتقد رجال الدين والسياسة القيام باعمال تخريبية وتجاوز الاشكال السلمية في التظاهر معتبرين ان هذه الاعمال لا ترضي الرسول محمد.
ولم تعلن الحكومة التونسية اي موقف رسمي علني تجاه هذه الرسوم المسيئة التي اثارت جدلا واسعا في ارجاء العالم الاسلامي. لكنها منعت توزيع العدد الاخير من صحيفة فرانس سوار الفرنسية التي اعادت نشر الرسوم في خطوة هي الاولى من نوعها يوم الاربعاء الماضي.
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 6 فيفري 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
السويد تطالب الاتحاد الأوروبي والعالم العربي بتهدئة الخلاف
ستوكهولم (رويترز) – قالت السويد يوم الاثنين ان دول الاتحاد الاوروبي والعالم العربي يجب ان تعمل سويا لتجنب حدوث مزيد من العنف في الخلاف الدائر الآن حول نشر رسوم مسيئة للنبي محمد في صحيفة دنمركية.
وقالت ليلى فريفالدس وزيرة خارجية السويد للتلفزيون السويدي ان هناك حاجة « لتحرك مشترك على سبيل المثال بين الاتحاد الاوروبي والعالم العربي. »
وأضرم متظاهرون يحتجون على نشر الرسوم التي نشرت أصلا في صحيفة دنمركية النار في القنصلية الدنمركية في العاصمة اللبنانية بيروت يوم الاحد كما أضرم متظاهرون سوريون النار في سفارتي النرويج والدنمرك في دمشق وألحقوا بالسفارة السويدية أضرارا يوم السبت.
وقالت فريفالدس « نحن بحاجة الى بيان.. ان نقف سويا لنقول ان هذا الصراع لا يرتقي بمصالحنا المشتركة ولا يعكس الموقف الذي نحن فيه حيث نحاول تطوير تعاون اوثق بين الطرفين. »
وامتدحت الموقف الايجابي لرجال الدين في لبنان حين حاولوا منع العنف لكنها طالبت القادة الدينيين في العالم المسيحي بالعمل على ضمان عدم حدوث رد فعل مضاد.
واضافت « امامنا الكثير مما يجب ان نعمله سويا. الغرب والاتحاد الاوروبي على سبيل المثال وممثلي العالم العربي. »
وفي الدنمرك حيث نشرت الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد للمرة الاولى في سبتمبر ايلول ناشدت الحكومة قادة العالم للمساعدة في اعادة الهدوء.
ونشرت الرسوم حتى الان في صحف أكثر من عشر دول.
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 6 فيفري 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
اسلاميون جزائريون ينظمون احتجاجا نادرا على الرسوم المسيئة
كيف غطى الإعلام الأمريكي قضية الإساءة للرسول؟
خدمة العصر
لأيام كثيرة تلت قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام، نأى الإعلام الأمريكي بنفسه عن الخوض في القضية أو اتخاذ موقف ما لاعتبارات تظل مجهولة, لكن فيما بعد، تبنت الولايات المتحدة حكومة وإعلاما موقفا متوازنا إزاء القضية، معتبرة أن نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول محمد في الصحف الأوروبية يشكل تحريضا « غير مقبول » على الحقد الديني والعرقي.
والحقيقة أن الموقف الأمريكي هذا وإن جاء متأخرا، إلا أنه مدروس ومحسوب تماما، بالنظر إلى حوادث إساءة وتطاول على الإسلام والمسلمين عديدة من قبل وسائل إعلام أمريكية أو رجال دين أو سياسيين أو حتى شخصيات عامة.
* خليط من السياسة والدين!
في شبكة سي إن إن CNN تحدث الكاتب الأمريكي بروس فيولير عن القضية معتبرا أنها تسببت في اشتعال الرأي العام الإسلامي، وقال الكاتب إن الأمريكيين يمكنهم فهم رد الفعل العاطفي الإسلامي عندما يسترجعون قضايا مشابهة أمريكية مثل تكررا حرق العلم الأمريكي بأيدي مواطنين أمريكيين، وهو العمل الذي يراه الكثير من الأمريكيين عملا يجب تجريمه.
ويرى فيولير أن الاحتجاجات على نشر الكاريكاتير في بعض الحالات خليط من السياسة والدين. ومن العدالة أيضا حسبما ذكر أن يلقي المسلمون نظرة على ما يتم نشره في بلادهم ويسيء للديانة اليهودية والديانة المسيحية، والملاحظ هنا خطاب يحاول الإشارة إلى أن المسلمين هم السباقون دائما في الإساءة للآخرين ومعتقداتهم.
* فهم جمعي!
أما في شبكة إم أس إن بي سي MSNBCفتحدث تحدث السيد إبراهيم هووبر من مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية المعروف باسم CAIR , وقال إنه يؤمن بحرية الصحافة وحرية التعبير، إلا أنه أكد على أحقية الاحتجاج السلمي على ما يسيء للدين الإسلامي. وأضاف هووبر أن الكاريكاتير الدانمركي هدف إلى الإساءة إلى المسلمين بصورة متعمدة. وشبه الإساءة للرسول يما يحدث من إساءة للديانة اليهودية في الإعلام الإسلامي، وأكد على ضرورة إدانة هذه الإساءات أيضا. واعتبر أن احترام حرية التعبير لا يجب أن يترجم على إنها استطاعة الإنسان أن يفعل أو ينشر أي شيء يقدر عليه ولنا ان نفهم طبيعة فهم الاعلام الغربي لموضوع الاسائة للاديان والمعتقدات فهي قضية لا ترتبط مطلقا بالديانات الثلاث مجتمعة .
وعلى اثير الراديو الوطني الأمريكي NPR تحدث أستاذ الإعلام اللبناني بالجامعة الأمريكية ببيروت رامز معلوف لبرنامج طبعة الصباحMorning Edition، وذكر أن الغالبية العظمى من المسلمين شعروا بالمهانة من جراء نشر الكاريكاتير الدانمركي. إلا أن البعض شعر بالإهانة أكثر من البعض الأخر. وذكَر معلوف المستمعين أن عرض أي صور للرسول محمد هو شيء محرم في الديانة الإسلامية، وأن سكان العالم الإسلامي شديدو التدين.
* تحكم الإسلام الأصولي!
وذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز Los Angles Timesأن الغضب انتشر بين المسلمين عبر العالم على إثر تزايد المؤسسات الإعلامية التي تعمد إلى إعادة نشر صور كاريكاتيرية، مسيئة للرسول محمد كانت صحيفة دانمركية قد نشرتها قبل أشهر. وتشير الصحيفة إلى أن الصراع تفاقم على أكثر من صعيد، حيث شمل تهديد مواطني الدول التي نشرت فيها تلك الرسوم، ومقاطعة بضائعها وحرق أعلامها في مظاهرات شملت أنحاء عدة من العالم الإسلامي.
لكن الصحيفة نقلت عن رؤساء تحرير بعض الصحف وزعماء سياسيين ومنادين بحرية الصحافة، تحذيرهم من أن هذه الأحداث تهدد الحقوق الديمقراطية للأشخاص. وعرضت الصحيفة لوجهة نظر رسام الكاريكاتير السويسري باتريك شاباتي، الذي قال إن رد فعل المسلمين أصابه بالصدمة لأنه يظهر مدى وإمكانية تحكم الإسلام الأصولي في حياتهم، مضيفا أن الهدف هو حجب رسوم الكاريكاتير كما تحجب النساء.
* صراع ثقافي سيستمر!
من ناحية أخرى اعتبرت صحيفة نيويورك تايمز New York Timesأن حدة التوتر لم تخف فيما يتعلق بهذه القضية، مشيرة إلى أنها آخر مظاهر الصراع الثقافي المحتدم بين أوروبا والمسلمين الذين يمثلون 10% من سكان بعض الدول في تلك القارة.
وأشارت الصحيفة إلى أن كل الدلائل تظهر أن الأوروبيين ماضون في التصعيد، رغم تحذير بعض علماء المسلمين من أن هذه القضية قد تكون ذريعة للمتشددين لدعم أعمال إرهابية أو تنفيذها.
(المصدر: مجلة العصر الالكترونية بتاريخ 5 فيفري 2006)
المسلمون في دول الخليج يصعدون المقاطعة ضد السلع الدنمركية
دبي (رويترز) – زاد المسلمون بمنطقة الخليج العربية من مقاطعتهم للسلع الدنمركية مع استمرار موجة الغضب العارم ضد الرسوم الساخرة التي تصور النبي محمد يوم الاثنين.
وحث بعض رجال الدين المعتدلين والمنظمات التجارية المحلية المسلمين أيضا على استخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية لمعاقبة دول أوروبية أخرى نشرت صحفها الرسوم التي أثارت الازمة.
وقال أيمن عبد الرحمن مدير احدى الشركات في دبي « اعتقد أن المقاطعة هي الطريقة المثلى للرد على الهجوم. أي شيء له علاقة بالاموال يكون بالغ التأثير. »
وأضاف « يتعين أن أوسع مقاطعتي لتشمل الدول الاخرى التي تصر على تصعيد الموقف. »
وقالت الغرفة التجارية في قطر انها أوقفت التعامل مع الوفود الدنمركية والنرويجية وحثت الدول الاسلامية على أن تحذو حذوها. وفي البحرين شكل البرلمان لجنة للاتصال بحكومات الدول العربية والاسلامية لتفعيل المقاطعة.
وظلت أرفف المتاجر خالية من منتجات الالبان الدنمركية فيما استمرت الدعوات من جانب علماء مسلمين ومنظمات حكومية ورسائل نصية لحث الناس على مواصلة موقفهم.
وأظهرت المقاطعة مؤشرات على أن الاضرار لحقت بمزيد من الشركات الدنمركية. وقالت شركة نوفو نورديسك أكبر شركة منتجة للانسولين في العالم أن الصيدليات والمستشفيات في السعودية ترفض منتجاتها.
وقال صاحب احدى الصيدليات بالرياض « بعض الزبائن يسألون عن المنتجات الدنمركية ويرفضون شراءها. »
ونشرت الرسوم المثيرة للجدل ومن بينها رسم يصور النبي محمد يرتدي عمامة على شكل قنبلة للمرة الاولى في صحيفة دنمركية في سبتمبر ايلول ثم أعيد نشرها مرة أخرى في مزيد من الصحف الاوروبية.
وسارعت شركات غير دنمركية لايضاح انها لا تستخدم مواد دنمركية المنشأ في منتجاتها. وقالت شركة نستله السويسرية في اعلان نشر بالصحف ان حليب نيدو وكليم لا يصنع بالدنمرك ولا يستورد منها.
ونأت شركة فيريرو الايطالية بنفسها في اعلان مماثل عن الدنمرك والنرويج فيما يتعلق بالشوكولاته التي تصنعها.
وقالت الشركة الكويتية لمنتجات الالبان الدنمركية انها على الرغم من اسمها « عربية 100 بالمئة » بعدما باع شركاؤها الدنمركيون حصتهم بها في الثمانينيات.
وأضرم الاف المحتجين النار بالقنصلية الدنمركية في بيروت يوم الاحد بعد يوم من قيام سوريين غاضبين بإحراق السفارتين الدنمركية والنرويجية في دمشق. وندد كثير من رجال الدين المعتدلين بالهجمات وحثوا المسلمين على الالتزام بالاحتجاج السلمي.
وقال مدير أحد المتاجر في الكويت « لم نترك كيسا واحدا من منتج دنمركي على الارفف. »
وقال خالد عبد الرحمن الموظف الذي كان يتسوق في المتجر « عليهم احترام ديننا« .
وقالت شركة ارلا فودز الدنمركية السويدية لمنتجات الالبان انها تخسر 1.8 مليون دولار يوميا بسبب مقاطعة منتجاتها في الشرق الاوسط. ورفعت منتجات الشركة من المتاجر بالسعودية والكويت وقطر.
كما أوقفت فروع متاجر كارفور الفرنسية في قطر والامارات العربية المتحدة أيضا بيع البضائع الدنمركية. وابلغ مسؤول رويترز « رفعت المنتجات الدنمركية من جميع فروع كارفور (بالامارات). »
وقال التاجر البحريني غسان الشهابي « انضممت الى المقاطعة من اليوم الاول … الاقتصاد يؤثر على السياسة. »
ولكن بعض المسلمين يقولون ان المقاطعة ليست السبيل الامثل لحل الازمة.
وقالت سها قرميد وهي مدير تسويق لبنانية تقيم في دبي « أعتقد أنه يتعين علينا السعي نحو الحوار وليس مقاطعة منتجات أو حرق أعلام في الشوارع الامر الذي لا يؤدي الا الى تصعيد المشكلة. »
من هبة قنديل
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 6 فيفري 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
رئيس اف.بي.اي يزور المغرب العربي لتعزيز مكافحة الارهاب
الرباط (رويترز) – قال دبلوماسيون يوم الاثنين إن مسؤولا امنيا امريكيا بارزا سيزور المغرب والجزائر وتونس هذا الاسبوع لتعزيز تعاون هذه الدول مع واشنطن في مكافحة الارهاب.
وتتزامن زيارة روبرت مولر رئيس مكتب التحقيقات الاتحادي (اف.بي.اي) مع تقارير اعلامية مغربية بأن أشخاصا يشتبه أنهم اعضاء في تنظيم القاعدة يشتبه في انهم يحاولون التسلل الى اوروبا عن طريق المنطقة.
وكانت وسائل اعلام مغربية نقلت عن مسؤولين امنيين قولهم ان اعضاء في الجماعة يتسللون ضمن موجات المهاجرين غير الشرعيين التي تصل من دول جنوب الصحراء الى المغرب والجزائر.
وشمال افريقيا واحدة من البوابات الرئيسية للهجرة غير المشروعة الى الاتحاد الاوروبي.
ومن المقرر ان يلتقي مولر يوم الثلاثاء بالملك محمد السادس.
وتأتي زيارته قبل زيارة وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفيلد الذي سيصل الى المنطقة يوم الاحد بعد حضور قمة لحلف شمال الاطلسي في صقلية. وستكون هذه أول زيارة لرامسفيلد الى المغرب.
ويقوم المغرب وهو حليف قوي للولايات المتحدة في المنطقة باتخاذ اجراءات صارمة ضد خلايا الاسلاميين المتطرفين المشتبه فيهم منذ عام 2003 عندما قتلت سلسلة من التفجيرات في العاصمة المالية الدار البيضاء 45 شخصا واحدثت صدمة في الدولة الهادئة في العادة.
والمغرب والجزائر وتونس من الدول المؤيدة للحرب الامريكية على الارهاب. وتريد الدول الثلاث المزيد من الدعم الامريكي لمواجهة محاولات الاسلاميين المتطرفين لتجنيد وتدريب اعضاء في شبكة القاعدة في اوروبا.
والعلاقات بين واشنطن والدول الثلاث قوية الا ان الحرب في العراق والدعم الامريكي لاسرائيل اديا الى تعزيز التأييد الشعبي للجماعات الاسلامية المتطرفة.
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 6 فيفري 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)
ذهول في تونس لخروج منتخبها من البطولة
تونس ـ رويترز: خيمت موجة من الحزن والذهول علي الاوساط الرياضية في تونس بعد خروج المنتخب التونسي من دور الثمانية ببطولة كأس الامم الافريقية لكرة القدم المقامة في مصر حاليا وخسارته اللقب الذي فاز به منذ عامين عندما استضاف البطولة علي أرضه. وخرجت تونس من البطولة بعد هزيمتها السبت من نيجيريا بالركلات الترجيحية 6-7 بعد تعادل الفريقين في الوقتين الاصلي والاضافي 1-1 .
ووصف نقاد وصحف تونسية خروج منتخب تونس من دور الثمانية بالبطولة بالانسحاب المرير . وتفادت اعداد كبيرة من التونسيين في العاصمة حتي مجرد الحديث عن المباراة وبدلا من اقامة الافراح أصيب التونسيون المولعون بكرة القدم بذهول ودهشة.
وساد الهدوء العاصمة التونسية بعد الهزيمة علي عكس العادة عند نهاية كل مباراة للفريق حيث ترفع الاعلام وتردد الاهازيج. وقال طالب يدعي احمد وهو يقف في ذهول أمام احد مقاهي العاصمة وبدا كأنه غير مصدق لخروج منتخبه من البطولة لرويترز سبب شعورنا بالخيبة والمرارة ان اغلب التونسيين اصبحت لهم ثقة عمياء في قوة منتخبنا .
ومن ناحيتها اعتبرت الصحف التونسية ان الحظ خذل المنتخب التونسي نسور قرطاج في البطولة واشادت باداء الفريق رغم الانسحاب المرير .
وقالت صحيفة الشروق تحت عنوان الحظ اختار نيجيريا ان المنتخب قدم عروضا قوية وان اللاعبين لم يدخروا اي جهد في سبيل اعلاء راية بلادهم لكن الحظ ابتسم للنيجيريين في ركلات الترجيح.
لكن صحيفة الصباح اليومية كانت الوحيدة تقريبا التي اعتبرت ان هزيمة الفريق امام غينيا بنتيجة ثقيلة صفر-3 في الدور الاول مثلت نقطة تحول وانعكست علي اداء اللاعبين. وكتبت في عنوان بالصفحة الاولي وداعا كأس افريقيا .
وعلي الرغم من خروج الفريق من هذا الدور المبكر أشاد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بالفريق بعد ما بذله من جهد في سبيل تشريف البلاد في هذه البطولة وكلف وزير الرياضة والشباب باستقبال الوفد.
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 6 فيفري 2006)
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.
علي شرطاني: عهدا على دربك وأرواحنا فداك يا رسول الله يا خير الخلق عند الله
فليتحمل مقدسو حرية الصحافة و التعبير في الغرب على حساب أقدس مقدسات الآخرين من المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات والعقائد والمقدسات مسؤولية أية ردة فعل أصبحت ممكنة من طرف أية جهة مغامرة ليست مسؤولة أمام أي أحد ولا سلطان إلا لله عليها، والبادي أظلم.
إن الذي يجب أن تعلمه أنظمة الغرب والأنظمة الفاسدة والعميلة لها والمتواطئة معها على الإساءة لرسول الله ولكتاب الله وللإسلام والمسلمين عموما في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين وفي مقدمتها الدانمارك والنرويج وفرنسا وهولندا وألمانيا وايطاليا ونيوزيلندا وإعلامها وصحافتها التي ضاقت بها دنيا حرية التعبير بما رحبت ولم تجد ما تتفق وما تجمع على الإساءة إليه وبتضامن بعضها مع بعض سوى شخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم بإخراجه في ما يحلوا لها من رسوم كاريكاتورية مسيئة لشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم لم يكن المقصود منها ولا شك إلا الإساءة لمشاعر ربع سكان العالم من المسلمين والسخرية من الإسلام ومن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .وليس في ذلك إلا إثارة لنوازع الكراهية بين الشعوب والأمم .وتأكيد عنصرية الغرب الصليبي ضد العرب والمسلمين بعد أن فقد الغرب الإستعماري كل مقدس وكل قداسة. و إذا كان الأمر عنده وعند هذه الأنظمة وهذه المنابر الإعلامية كذلك، فلا ينبغي من منطلق حضاري وإنساني تزعمه أن تعطي لنفسها الحق في اعتبار كل من في العالم كذلك. ولكن عليها أن تعلم أن هناك من الأمم والشعوب من مازالت وستظل معتزة بمقدساتها ومتمسكة بذلك ومسرة عليه. وستبقى غير مستعدة للسماح لهذه الجهات بالعبث بما تريد العبث به مما ليس لها الحق تحت أي مسمى في إدراجه ضمن سياساتها في ما يسمى حرية الصحافة والإعلام والتعبير، والتي أصبح لها من القداسة عندها حسب زعمها أكثر مما لمقدسات المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات والمعتقدات والمقدسات .إلا أن هذه القداسة الإعلامية وهذه الحرية الإعلامية تفقد قداستها وتنتهي عندما يجد أصحابها أنفسهم أمام ما ورطهم فيه اليهود كذبا وافتراء ومبالغة في ما سمي بالمحرقة التي يزعم اليهود، الذين من المؤكد أنهم يقفون بشكل أو بآخر وراء إثارة هذه النعرات دون أن يعني ذلك تبرئة جهات صليبية عابثة أخرى، أنهم كانوا ضحيتها وحدهم من دون من كل من كان معهم فيها من الأقوام الأخرى في ظل النظام النازي في ألمانيا النازية. وهي التي إن كانت قد أنهت نزعتها النازية العنصرية العدوانية ضد اليهود، فإنها أبت إلا أن تظل نازية عنصرية عدوانية ضد العرب والمسلمين.
والذي يجب أن يعلمه الإعلام الغربي والأنظمة الغربية التي أسرعت للتضامن بعضها مع بعض في الإساءة للمسلمين وللرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وللقرآن الكريم أن المسلمين لن يقبلوا بهذا العبث، الأبعد ما يكون عن حرية التعبير والصحافة والإعلام ،وأبعد ما يكون عن الروح الحضارية والإنسانية التي يزعمون أنهم أصبحوا عليها .
والذي ننبه إليه أن مثل هذه الإستفزازات المستمرة والمتواصلة ،وبهذا القصد وبهذا التضامن الواسع من اجل ذلك بكل نزعة عنصرية وبكل روح صليبية واضحة، قد تترتب عنها بالتأكيد في أي وقت وفي أي مكان ردود أفعال مفاجئة وغير سارة .
وعلى كل من يوافق على ذلك من الغربيين ويقبل به، أن يتحمل مسؤولية ما يمكن أن يترتب عن ذلك مما لا يحمد عقباه وبما يمكن أن يبدو من بعده لا قدر الله ضحية وبريئا، بعد أن لم يعد من مقدس في الغرب كله إلا اليهود وكل ما له علاقة بهم .
علي شرطاني
تونس : قفصة
سردوك ودجاجات أربع
أخيرا يلتقي الإخوة العرب والمسلمون في جميع أصقاع الدّنيا على موقف موحّد بقيت أجيال متعاقبة تنتظره منذ سقوط الدّولة العبّاسية – وحتّى في زمنها لم يلتئم مثل هذا الإجماع لخروج الأندلس الأموية عنها وكثرة الشيع المناوئة لها في صلبها-
مطلع السنة الستة والألفين بعد المسيح الموافق لـ 1427 هجري سيخطّه التاريخ بأحرف من عسل لوقوفنا صفّا واحدا ضدّ مملكة الدانمارك. يومها قاطعنا بكلّ شجاعة، حكومات وشعوبا، ممالك وجمهوريات وحكّاما ومعارضات، بضائعهم عسى أن نقطع عليهم يوما منتوجاتنا. وتحرّكت في اليمن جحافل النسوة، لا لتعلن رفضها لجرائم الشّرف التي يخرج فيها الذّكر مرفوع الرّأس مكرّما، بل لتحتجّ على جريدة، تصدر في بلد تجهل الأغلبية الساحقة موقعه من الخارطة، نشرها لصور كاريكاتورية تقدّم رسول اللّه ونبيّه في مظهر لا علاقة له بديننا الحنيف.
نسبة الأمية والجهالة في أوطاننا تتجاوز جميع المؤشرات الحمراء وكم كان الأمر جميلا لو قرأنا هذه الصحيفة في لغتها الدنماركية أو النرويجية ونحن نتهجّى صحفنا التي تكاد تأتي فينا على القليل مما تعلّمناه من حروف الهجاء.
رئيس وزراء الدّنمارك على قناة العربية، كان خائفا من تبعات المقاطعة وهو يتعثّر في أمر يعسر شرحه لكثرة ما هو بديهي عندهم، وهو أنّ نفوذ رئيس الوزراء لا يطال أصحاب الصّحف في هذه البلاد العجيبة. كان خائفا ألاّ يصدّقونه والمذيع يلحّ في الاستفسار حتى كاد صاحبنا ينطق بلغة الضّاد : صدّقوني، واللّه العظيم هكذا هي الأمور عندنا، للأسف الشديد !
وزارة داخليتنا في تونس ظلّت تنتظر هذا الحدث العظيم لتدخل باب التاريخ وتحقّق، أخيرا أمنية قمّة السلطة، في تغيّر أوضاع إعلامية كاد ييأس هو نفسه من تغيّرها بعد أن جمع رؤساء الصحف، في سابقة تاريخية عالمية ليحثّهم على مزيد الدّيموقراطية…فخرجوا من عنده ولم يفهموا ما يريد!
بيان واضح مشرّف ديموقراطي متحمّل لكلّ مسؤولياته في الإعلان على إيقاف جريدة فرنسية لإعادة نشرها جريمة الدّنمارك. سابقة خير، إن شاء اللّه، في الإعلان لاحقا عن توقيف جريدة « الموقف » أو سحبها من الأكشاك أو جريدة » الطريق الجديد » لنشرها مثل هذا الهراء أو غيرها من الصّحف التي تزيغ عن الطريق. لا يهمّ إن نبدأ ديموقراطيتنا بالإعلام عن ضرب الإعلام. نكون وضعنا، على الأقلّ حجر الأساس للشفافية….في انتظار البقية.
مسّ الشعوب أو الأفراد في مشاعرها الدينية والعقائدية أمر لا يناقش، ومسألة حرية الرأي والتفكير ومساءلة المقدّس والمدنّس أمر من المفترض أن لا يناقش أيضا والإشكال هو في إيجاد المعادلة الذكية بين هذا وذاك.
يوم هدم الطالبان تمثال بوذا الذي يظاهي قداسة، لدى أتباعه، قداسة الرسول لدى المسلمين، لم نسمع عويلا ذا بال في ربوع الإسلام… و »بن لادن » لايزال « غيفارا » الزّمن الجديد.
كرامتنا تمرّ من هنا، وصورتنا في العالم تبدأ من حرصنا على معالجة كاريكاتورالسعودي الملتفّ في عبائته وهو « يتسردك » على أربعة دجاجات سوداء تمشين وراءه في شوارع لندن. وهذا الكاريكاتور هو الذي يتزعّم اليوم حملة التنديد بكاريكاتورات النبي، غير عابئ بأنّه هو الصّانع لها قبل ذلك الذي رسمها.
رأي مخالف من تونس
فتحي بن الحاج يحيى
عضو بمجلس المستشارين يتمادى في تجاوز الثوابت الوطنية
سفيان المخلوفي*
* جامعي تونسي مقيم في باريس وصحفي سابق بمجلة المغرب العربي
(المصدر صحيفة الموقف العدد 345 بتاريخ 3 فيفري – 2006 )
مقاومة التطبيع والنضال من أجل الحريّات
وجهان لقضية واحدة
بعد خطوة « مجلس المؤسّسة » السّلطة تبدأ في مشروع « أمد »
فضيلة الشيخ عبد الرحمان خليف يوجه من تونس نداء إلى العقلاء من شعوب أوربا
نداء إلى العقلاء من شعوب أوربا
مِنْ وراءِ البَـحرِ الوَسِـيطِ أنَادِي*** يَا ذَوِي الفِكْرِ مِنْ شُعُوبِ أورُوبَّا قَدْ رُزِقْـتُمْ بَيْنَ الأُنَاسِ عُقُولاً *** يَسَّرَتْ فِي الحَيَاةِ مَا كَانَ صَعْبَا فَعَـلَوْتُمْ فَـوْقَ الأثِـيرِ وغُصْـتُمْ *** فِي عَمِـيقِ البِـحَارِ شَرْقًا وَغَرْبَا وَبَـنَيْـتُمْ حَـضَارَةً تَتَـنَامَـى **** فِي سِـبَاقٍ مَعَ الدَّقَـائِقِ وَثْـبَا فَلِـمَاذَا اهْتِـمَامُكُمْ لَـيْسَ يَـعْدُو *** إنَّــمَا هَـذِي الحَيَاةِ فِكْرًا وَقَلْبَا؟ إنَّــمَا هَـذِي الحَـيَاةُ سَبِــيل *** لِحَـيَاةٍ أخْـرَى أَجَـلَّ وَأَرْبَـى فَلْيُـفَكِّرْ كُـلُّ امْـرِئٍ قَـبْلَ أَنْ يُسْـــــحَبَ مِـنْ جِسْمِهِ التُّرَابِيُّ سَحْبَا ______________ أَنْـتَ رُوحٌ مِنْ أَمْـرِ رَبِّـكَ لاَ تَفْـــــنَى بِمَوْتٍ وَسَوْفَ تَرْحَلُ غَصْبَا كُـلُّ رُوحٍ سَيَخْـلَعُ الجِـسْمَ يَوْمًا*** مِثْلَـمَا يَخْـلَعُ المُغَـيِّرُ ثَـوْبَـا وَيُـجْزَى عَـنْ كُـلِّ فِـعْلٍ أَتَاهُ *** مِثْلَــمَا يَـبْذُرُ الـمُزَارِعُ حَـبَّا فَلِـمَاذَا لاَ تَبْحَـثُونَ وَمَـا كَــا***نَ لَدَيْـكُمْ تَـحَرُّكُ الفِـكْرِ عَيْـبَا؟ ______________ فَـكِّرُوا أَيْـنَ تَذْهَبَ الرُّوحُ بَعْدَ الْـــــمَوْتِ؟ وَالحَقُّ ذَاكَ قَدْ ظَلَّ غَيْـبَا لَـكِنِ الـرُّسْلُ كَاشَـفُونَا بِصِدْقٍ*** أَنَّ بَـعْدَ الْمَـمَاتِ بَعْـثًا وَأَوْبَـا وَالـنَّبِـيُّونَ أَخْـبَرُونَا بِـمَا أَوْ*** حَـى بِـهِ اللهُ لِلْــبَرِيَّةِ حُـبَّا لَـمْ إِنَّــمَا الله لاَ إلــهَ سِـوَاهُ وَهْوَ *** لَـمْ يَـكُنْ غَيْرُهُ لِذَا الكَوْنِ رَبَّـا وَهْوَ أَعْـلَى مِنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ زَوْ *** جٌ أَوِ ابْـنٌ فَـعَزَّ قَدْرًا وَخَطْبَا لَـيْسَ للهِ وَالِــدٌ أَوْ وَلِــيدٌ *** فَهْوَ أَعْـلَى شَأْنًا وَأَعْظَمَ هَيْـبَا أَبْـدَعَ الـكَوْنَ وَحْـدَهُ بِاقْـتِدَارٍ*** قَالَ يَا كَـوْنُ كُنْ عَجِيـبًا فَلَبَّى ______________ المَـجَرَّاتُ سَابِـحَاتٍ بِـمَا تَحْـمِــــــلُ مِـنْ أَنْـجُمٍ تُـجَرَّرُ جَـذْبَا كُـلُّ نَـجْمٍ لَـهُ مَـدَارٌ مُسَـمَّى***فِيهِ يَسْـعَى وَيُـسْرِعُ السَّيْرَ نَهْبَا فِي نِـظَامٍ جَـرَى تَـحَرَّكَتِ الأَجْــــــرَامُ طَـوْعًا للهِ سِـرْبًا فَـسِرْبَا وَيَـزِيدُ اتِّـسَاعًـا الفَــلَكُ الأَعْــــــظَمُ فِي سَـيْرِهِ الحَثِـيثِ وَسَحْبَا ______________ يَـدْأَبُ الكَوْنُ فِي اتِّـسَاعٍ مَهُولٍ هَـلْ *** وَبِبُـعْدِ الفَـضَاءِ يَمْـتَدُّ دَأْبَـا تَـوَلىَّ إِبْـدَاعَهُ غَـيْرُ رَبٍّ*** قَـادِرٍ يَمْـنَحُ الحَـيَاةَ وَيَـأْبَى؟ ______________ إنَّــهُ اللهُ ذُو الجَـلاَلَــةِ وَالأَمْــــــرِ وَلَيْــسَتْ دَلاَئِـلُ اللهِ غَيْـبَا وَيَـرَى المَرْءُ كَوْكَبَ الأَرْضِ مَشْحُـــــونًا بِـمَا كَانَ لِلْخَـلاَئِقِ إِرْبَـا كُـلُّ حُـيٍّ لَـهُ مِنْ العَـْيشِ فِيهِ**مَـا يَلْـقَاهُ كُلَّــمَا رَامَ كَسْـبَا عَـشَرَاتُ المَـعَادِنِ البِـكْرِ تَنْسَــــــابُ لِخَيْرِ العِبَادِ فِي الأَرْضِ سَيْبَا سَـخَّرَ اللهُ وَافِـرَ الخَـيْرِ لِـلإنْــــــسَانِ فِي كَوْكَـبٍ تَفَـجَّرَ خِصْبَا أَفَنَعْـمَى فَـلاَ نَـرَى الحَقَّ حَـقًّا***أَمْ نُمَارِي فِي الحَقِّ جَهْلاً وَعُجْبَا؟ ______________ وَالرِّسَالاَتُ مِنْ عِنَايَةِ اللهِ جَاءَتْ *** تَـتَوَالَى وَتَنْـشُرُ الْهَدْيَ رَحْـبَا كُلَّمَا زَاغَ عَنْ هُدَى اللهِ شَعْبٌ *** نَدَبَ اللهُ دَاعِيَ الـحَقِّ نَـدْبَا فَأَتَـاهُمْ مِـنْهُ رَسُـولٌ إِلَيْـهِمْ *** دَاعِـيًا نَاصِحًا وَلَمْ يَـكُ خِـبَّا(1) ______________ حَـذَّرَا مَـنْ يَـقُولُ أنَّ مَـعَ اللَّــــــهِ إِلَـهًا وَأَعْـلَـنَا عَـنْهُ حَـرْبَا ______________ جَاءَ مُـوسَى وَبَعْدَهُ جَاءَ عِيـسَى*** دَعَـوَا لِلْـهُدَى قَبِـيلاً وَصَحْبَا أَكَّــدَ الـقَوْلَ أَنَّ لِلْـكَوْنِ رَبًّـا** وَاحِـدًا أَوْسَـعَ الخَـلاَئِقَ حُـبَّا حَـذَّرَا مَـنْ يَـقُولُ أنَّ مَـعَ اللَّــــــهِ إِلَـهًا وَأَعْـلَـنَا عَـنْهُ حَـرْبَا ______________ ثُـمَّ قَـفَّى عَلَيْـهِـمَا بِرَسُـولٍ *** جَامِعِ الفَـضْلِ أَطْهَرِ النَّاسِ ثَوْبَا هَـادِي الوَرَى مُحَـمَّدُ الخَاتم *** لِلْمُرْسَلِـينَ عَجْـمًا وَعُـرْبَا رُبَّـمَا الـمَرْءُ قَدْ يَـقُولُ لِـمَاذَا*** أَوْقَـفَ اللهُ لِلرِّسَـالاَتِ صَوْبَا؟ عَـلِمَ اللهُ أنَّ آخِـرَ مَـا يُـو*** حَى كِتَابٌ يُتْلَى وَيُحْـفَظُ غَيْـبَا وَتَـوَلَّى صِـيَانَةَ الوَحْيِ مُـذْ أَنْ*** كَانَ جِـبْرِيلُ يُنْزِلُ الوَحْيَ رَطْبَا حَـفِظَ المُؤْمِـنُونَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ *** نَـصَّهُ الحَاوِي الحَقَائِقَ غُـلْبَا(2) وَإِلَى الـيَوْمِ مَـا يَـزَالُ مَـصُونًا *** فِي صُدُورِ الشُّعُوبِ حِزْبًا فَحِزْبَا فَـمُـرَادُ اللهِ الـمُهَـيْـمِنُ بَـاقٍ***خَـالِـدٌ سَـالِـمٌ نَـقِيٌّ مُحَبَّا(3) ______________ وَهَـدَى اللهُ لِلطِّـبَاعَةِ نَـاسًـا*** ذَلَّلَتْ لِلصِّـلاَتِ مَا كَانَ صَـعْبَا أَوَ لَيْسَ الرَّحْمَـنُ قَـدْ كَانَ يَدْرِي*** أَنَّ عَـصْرَ الطِّبَاعَةِ ازْدَادَ قُرْبَا وَسَيَلْقَى الـقُرْآنُ بِالطَّـبْعِ نَـشْرًا*** مُسْـتَزَادًا يُضِيءُ شَرْقًا وَغَـرْبَا فَاسْتَـمَرَّتْ صِـيَانَةُ اللهِ لِلْـقُر*** آنِ فِـي نَصِّهِ المُـبَارَكِ عَـذْبَا ْ بَـعَدَ هَـذَا فَـهَلْ يَـقُولُ أنَـاسٌ***مَـا وَجَـدْنَا لِحَـيْرَةِ العَقْلِ طِبَّا؟ ______________ وَعَجِـيبٌ لأَهْـلِ فِـكْرٍ حَصِيفٍ*** كَـيْفَ لاَ يَـدْأَبُونَ بَـحْثًا وَنَقْبَا هَلْ مِنْ الخَـيْرِ أَنْ يَعِيشَ شُعُوبٌ*** لاَ يُعِـيرُونَ لِلْمَـصَائِـرِ لُـبَّ فِـي الْتِـهَاءٍ وَغَفْـلَةٍ وَضَـيَاعٍ*** بَيْـنَمَا الفِـكْرُ وَالـمَدَارِكُ نُهْبَى شَغَلَـتْهَا زَخَـارِفُ الـزَّيْغِ حَتَّى** *حَـقَّرَتْ حَـقَّ رَبِّهَا وَأَلْقَـتْهُ جَنْبَا ______________ كُـلُّ شَـيْءٍ مُيَـسَّرٌ لَـكُـمُ الآ***نَ فَمَا البُطْءُ يَا شُـعُوبَ أُورُوبَّا؟ قَـدْ دَعَـاكُـمْ مُحَـمَّدٌ مِثْلَ كُلِّ الْـــــخَلْقِ ثُـوبُوا إِلَى المُهَيْـمِنِ ثَـوْبَا إِنَّهُ ـ فَاعْلَمُوا ـ رَسُولٌ إِلَيْكُمْ*** فَاسْتَجِيـبُوا لآخِـرِ الرُّسْلِ قُرْبَا اقْـرَأُوا الآنَ مَـا دَعَـاكُـمْ إِلَيْه*** فِي كِـتَابٍ تَفْسِـيرُهُ لَـيْسَ صَعْبَا ______________ قَـدْ أَبَـانَتْ آيَـاتُـهُ مُعْـجِزَاتٍ*** لَمْ تَزَلْ فِي الحَيَاةِ تَكْشِفُ حُجْبَا أَفَـمَا قَـالَ رَبُّـنَـا سَـنُرِيـهِـمْ*** حُجَجَ الصِّدْقِ فِي مَجَالَيْنِ دَأْبَا فْـي مَـجَالِ الآفَاقِ ثَـمَّتَ فِي الأُنْـــــفُسِ كَيْ يُؤْمِـنُوا يَقِيـنًا وَرَغْـبَا فَـاقْـرَأُوا وَحْيَ رَبِّـكُمْ بْـهُدُوءٍ***وَعُـقُولٍ لاَ تَدْفَـعُ الحَقَّ غَضَْبى ______________ وَاحْـذَرُوا خُـدْعَةَ الدِّعَـايَـاتِ بِالبُهْــــتَانِ تَهْذِي وَتُوسِـعُ الحَـقَّ ثَلْـبَا زَيَّفُوا وَافْـتَرَوْا كَثِـيرًا عَلَى مَنْ*** أَوْسَـعَ العَالَمِـينَ هَـدْيًا وَحُـبَّا قَابَـلُوا صِـدْقَـهُ المُبِينَ بِسُـخْطٍ***وَجَـزَوْهُ عَـنِ المَـبَرَّاتِ سَـبَّا ______________ فَـكِّرُوا فَـكِّرُوا وَلاَ تَسْتَـهِيـنُوا*** قَـبْلَ أَنْ تَحْـمِلَ المَنِـيَّةُ رُعْـبَا سَوْفَ لاَ يَنْـفَعُ اعْـتِذَارٌ بِجَـهْلٍ*** عِـنْدَمَا يَرْجُفُ المُـحَاسَبُ قَلْبَا حِـينَ يَـدْعُـوهُ رَبُّـهُ يَا عُبَيْدِي*** هَلْ أَجَبْتَ الرَّسُولَ أَوْ كُنْتَ تَأْبَى؟ وَعَـلَـيْـكُمْ تَـحِـيَّةٌ وَسَــلاَمٌ***يَا ذَوِي الفِكْرِ مِنْ شُـعُوبِ أُورُوبَّا ______________
الدانمرك أم النظام العربي؟
صبحي حديدي
النظام العربي ـ الكاذب في تسعة أعشار ما يعلن، والعاري علي الملأ رغم كل ما يتسربل به من أقنعة ـ أراق الكثير من دموع التماسيح استنكاراً للرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة دانمركية، ويصح القول إنها بالفعل تشكل إساءة مباشرة للرسول العربي محمد بن عبد الله. وكان حرياً بهذا النظام المنتفض (نفاقاً في الواقع، وليس غيرة) علي النبي والإسلام، أن يستر بعض عوراته المكشوفة أمام الشعب قبل أن يحرض الشارع علي مقاطعة الجبنة الدانمركية، وأن يمنح الناس بعض حقهم في التظاهر من أجل الحرية والخبز والعيش الكريم، قبل السماح للبعض (بوسيلة التحكم عن بُعد غالباً) بحرق السفارات!
هذا ما جري في عاصمة بلادي، دمشق، كما بات معروفاً بعد أن تناقلت وكالات الأنباء الخبر المثير والصور الطافحة بألسنة اللهب. ما لا يعلمه الجميع (لأنه ليس موضوعاً جذاباً لشاشات التلفزة، أو فاتحاً لشهية الفضائيات) هو أن هذه السلطة الرشيدة ذاتها كانت قبل أسبوع فقط قد منعت عدداً من المواطنين، بينهم بعض معتقلي الرأي الذين تم الإفراج عنهم مؤخراً، من عقد مؤتمر صحافي بسيط في مكتب المحامي هيثم المالح في دمشق. السلطة ذاتها ما تزال تغلق منتدي الأتاسي ، أو بالأحري تواصل منع أي وكل نشاط عام يستهدف التعبير عن الرأي ولا يخضع مسبقاً لجهاز الريموت كونترول الأمني دون سواه، أو لا يقود المياه إلي الطاحونة الديماغوجية التي تسيرها السلطة.
قبل المظاهرة والحرائق كانت خارجيتنا، الرشيدة بدورها، قد استدعت السفير السوري من كوبنهاغن للتشاور. لا نعرف، باديء ذي بدء، أين كان سعادته، بل أين كان جميع المنافقين الذين ينفخون النار في الجموع ويحرقون السفارات ويتنافخون غيرة علي المقدسات، حين نشرت صحيفة يولاندس بوستن الرسوم قبل أكثر من أربعة أشهر؟ ولا ندري عم ستتشاور الخارجية مع السفير: حول مقاطعة الجبنة الدانمركية؟ توسيع نطاق الأحكام العرفية المطبقة في سورية لتشمل الدانمرك؟ أم إخضاع الصحافة الدانمركية لقانون المطبوعات السوري؟
فإذا ساجل البعض بأن من واجب الدولة أن تسمح لمواطنيها بالتعبير عن احتجاجهم إزاء انتهاك المقدسات، وهو أمر مشروع لا جدال فيه، فإن هذا الواجب ليس مقتصراً علي المقدس الديني وحده، وينبغي أن يشمل أيضاً الحقوق الدنيوية الجوهرية التي ترقي إلي مصاف الحرمات الكبري، مثل الحرية والخبز والكرامة والعدل. ومن جانب آخر، كيف يمكن لدولة كهذه أن تقوم بواجب كهذا، إذا كانت في الأساس منخرطة في لعبة خداع مفادها أن الصحيفة هي الدانمرك، والدانمرك هي الصحيفة، وأن وازرة يولاندس بوستن تزر الدانمرك بأسرها، دولة وشعباً وثقافة وجبنة وحليباً!
ولأن النظام العربي يكره الصحافة الحرة والكتابة الحرة والمخيلة الحرة والتعبير الحر عن الرأي، فإن رجالاته يتناسون حقيقة أن يولاندس بوستن ، أو فرنس سوار الفرنسية و لا ستامبا الإيطالية و دي فيلت الألمانية، لا تخضع لأية رقابة مسبقة من أجهزة الدولة أو الأجهزة الأمنية أو قوانين المطبوعات البغيضة التي لا تمجد إلا القائد الخالد إلي الأبد. ولهذا فإنهم، عن سابق عمد وتصميم، وربما عن تلذذ أيضاً، يخلطون بين وسيلة الإعلام المستقلة والدولة، ثم يزجون البلد بأسره، ومعه الشعب وتاريخه وثقافته، في الدست الواحد ذاته: كلها أبقار سوداء في الليل الأسود!
والحال أن الحكومة الدانمركية ـ سواء أكانت سعيدة بالرسوم، أم حزينة لها؛ متفقة معها، أم معارضة لها ـ ليست الجهة التي ينبغي أن تُلام لأن صحيفة دانمركية مستقلة أساءت للرسول العربي. المعيار ذاته ينبغي أن يسري علي شعوب وحكومات فرنسا وإيطاليا وألمانيا، علي نحو يستبعد التأثيم الجماعي، ويُسقط مبدأ مقاطعة البضائع (أي مقاطعة الشعوب، في نهاية المطاف). لقد مارست الصحيفة حقاً في التعبير الحر يكفله الدستور الدانمركي، وإذا كانت قد جرحت مشاعر الملايين من المسلمين، وغير المسلمين ربما، فإن الحساب علي أي شطط في استخدام ذلك الحق الدستوري ينظمه القضاء استناداً إلي القوانين المرعية. وإذا صح أن معظم تشريعات الغرب تفتقر إلي قوانين خاصة تحمي مشاعر المسلمين، فإن لهذا سلسلة أسباب تاريخية وثقافية ودينية معقدة، لا تغيب عنها حقيقة أن الجاليات الإسلامية مفككة مشتتة منشغلة، وعاجزة عن تشكيل مجموعات ضغط تدفع باتجاه استصدار تلك القوانين.
المنافق العربي، السائر في ركاب النظام العربي، لا يكف عن اللجوء إلي هذه الذريعة، وهي كلمة حق يُراد بها باطل الأباطيل، ليكرر ويعيد بأن حرية التعبير في الغرب تنتهي عند المساس بالهولوكوست والعداء للسامية. لكن هذه الحرية تُنتهك كل يوم في أعرق ديمقراطيات الغرب، ليس بسبب هاتين المسألتين فحسب، بل كذلك بسبب لائحة طويلة من القضايا الحساسة السياسية والأمنية والإقتصادية والدينية والتكنولوجية المسكوت عنها لأسباب شتي. هذا كله لا يبدل حقيقة أن الدانمرك البلد ليس الطرف الذي ارتكب الإساءة، وأن النظام العربي الذي ينفخ نار التحريض في الشارع هو ذاته الذي يقمع الشارع وينهب خيرات البلد وينتهك حرمات المواطن. وهو، استطراداً، يسيء إلي أمة محمد بن عبد الله، أكثر بكثير مما فعل ذلك الرسام الدانمركي الجاهل أو العنصري أو الخبيث!
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 6 فيفري 2006)
هجرة عمر بين قوة الفرد وحنكة القيادة
معلوم أن كل الناس هاجروا سرا بما فيهم هو عليه السلام ورفيق دربه الصديق عليه وعليهم الرضوان جميعا إلا الفاروق عمر الذي إستفز المشركين في وضح النهار في بطحاء الكعبة المشرفة قائلا لهم بعد أن صلى ركعتين » إني مهاجر غدا فمن أراد أن تثكله أمه فليعترض سبيلي » ثم أسمعهم ما يكرهون ومضى لا يلوي على شئ ولم ينبس واحد منهم ببنت شفة يحفظ بها ماء وجوه المشركين جميعا .
القوة الفردية في الناس ليس لها وجه واحد ولكن القوي دوما أحب إلى الله وأنفع للناس :
ينجذب الناس عادة إلى القوة الظاهرة الصارخة التي تنبني على إعلان التحدي إلى حد الاستهانة بمظاهر القوة الاخرى وهي لا تحصى وخير مثال عليها قوة الماء التي تخترق صخورا عاتية وجبالا شاهقة فتشق طريقها غير عابئة ولكن بلين ورفق وإنسياب فيه جمال وزينة .
كان الفاروق عليه الرضوان قويا في كل شئ وفي كل مناسبات إسلامه وحياته وإجتهاداته ورئاسته وفتوحاته ولكنها تختلف عن بقية القوى في رجحان العقل وحصافة اللب وسداد الحكمة وكذلك في طيبة القلب المؤهل للتواضع واللين والرفق عندما يدعو الداعي إلى ذلك وذلك هو ما يميزه عن بقية الاقوياء الذين يخلطون بين القوة البدنية والقوة العقلية والقوة العاطفية . ولذلك كان دعاؤه عليه السلام في أول أيام الدعوة » اللهم أعز الاسلام بأحد العمرين « . كلاهما قوي : إبن الخطاب وإبن هشام ولكن قوة الاخير ليس فيها رجاحة عقل وحصافة لب وسداد رأي ولا فيها كذلك عاطفة جياشة صادقة تتواضع للحق وترحم الضعيف فهي شبيهة بقوة عاد وثمود وفرعون كل عصر وكل مصر .
ما فعله الفاروق عليه الرضوان وهو يتحدى بهجرته صناديد قريش في وضح النهار في باحة الكعبة المشرفة وهم مجتمعون يستمعون له ولا يتجرأ واحد منهم على إبداء مجرد إمتعاض من أسلوب حديثه وإستهتاره بهم … عمل كبير عظيم ولكنه لا يليق سوى به وبقلة قليلة من أمثاله يشترط فيهم أن يكونوا فعلا من الهيبة والعظمة والقوة في عيون المشركين وليس بالضرورة في الحقيقة على ذلك النحو . إذ لو هزم عمر في ذلك الموقف أو فيما يتلوه من مواقف لسقطت هيبته وتجرأ عليه كل أحد وذلك أمر يعيد للاسلام إعتباره ويجعل الناس يتهيبون رجاله ومؤسساته وهو مقصد كثيرا ما عني به عليه السلام إذ دعا أصحابه إلى الرمل حول الكعبة لاظهار قوتهم للمشركين وأثنى على أبي دجانة وهو يتبختر في المعركة مملوء ثقة في قوته لذات المقصد وقال » هذه مشية لا يحبها الله ورسوله إلا في هذا الموضع » وفي بدر وفي الخندق كان دائما أول المرشحين لامتحان المبارزة الثنائية المشهودة على أحر من جمر اللظى من الفريقين في ما يشبه الامتحان الابيض الذي يسبق عادة المباريات الكبرى … كان ذلك الرجل دوما تقريبا هو الامام علي عليه الرضوان لما يتميز به من قوة وصلابة وسرعة حسم لخصمه من جهة ولقربه منه عليه السلام لتلبية مقصد آخر ليس هنا محل تناوله .
قادة العصر في كل مجال جديرون بتعلم فن القيادة منه عليه السلام :
لا يشغب شاغب اليوم على الفاروق عليه الرضوان فيدمغه بكونه هاجر بتلك الطريقة الصارخة المعلنة الجريئة دون إذن منه عليه السلام ومن فعل ذلك حري به أن يشغب عليه هو نفسه عليه السلام بالقول بأنه إستحى من عمر أو جامله على حساب الحق والصواب والمصلحة أو غير ذلك مما تجود به قرائح الذين لا يوقنون .
ترى لم أذن له عليه السلام بالهجرة بتلك الطريقة الجريئة المعلنة الصارخة ولم لم يأمر كل الاصحاب بذلك ؟
بعض ا لناس مازالوا يعتقدون بأنه عليه السلام مجرد رجل صالح مسنود بالوحي ومكرم بالنبوة أما درايته لشؤون الدنيا وسياستها ومعرفة حسن تقدير الاحوال والرجال والمواقف من كل فن فذلك أمر ليس هو بحكم نبوته وفضله وصلاحه جديرا به بل ربما يغمز في نبوته أصلا في ذهن ذلك الفريق من الناس .
كان عليه السلام علامة فهامة يجيد معرفة واقعه من كل زواياه معرفة دقيقة رجالا وأحوالا وقبائل وشعوبا وعادات وتقاليد وتاريخا وتضاريس أرض وعلاقات وكان صاحبه الصديق عليه الرضوان من أنبغ النسابين في العرب أي العرافين بمسائل النسبة الدموية والقرابات العشائرية في الناس .
كما يحلو لبعض الناس أن ينسبوا كل تلك المعارف والعلوم والتجارب للوحي وهم يحسبون أنهم بذلك يحسنون صنعا فيصورون الحبيب محمدا عليه السلام في صورة الرجل الفاضل الصالح المتقي بمفهوم التقوى المزيف السائد اليوم والذي يقاد من الوحي في كل حركة وسكنة فلا إجتهاد له ولا تقدير ولا خيار فيما يملك فيه الخيار من مثل إختيار هذا الرجل لهذه المهمة وذاك لتلك وما إلى ذلك مما تقتضيه إمامته كما يقول الفقهاء الذين عنوا بفقه المقامات . لو كان الامر كذلك لم عوتب في أكثر من أربعة مواضع في القرآن الكريم إذن ؟ أليس كان يجتهد في تصريف شؤون الدعوة ثم يصوب ويعدل إن أخطأ الاجتهاد ؟
أذن للفاروق عليه الرضوان بتوخي ذلك الاسلوب الصارخ الجريء المعلن في الهجرة لانه يعرفه جيدا ويعرف ما يليق به وما لا يليق من ناحية ثم هو يعرف المشركين المتحكمين يومها في مصائر الناس وماهي حدود رد فعلهم على مبادرة الفاروق وفوق ذلك هو يعرف عليه السلام مصلحة دعوته التي خبرها .
الدرس الذي يعنينا هو أنه عليه السلام يعرف قانون الاجتماع البشري القائم على التعدد والتنوع والاختلاف بين الناس في أضيق دوائره وأوسعها فلا يحمل كل الناس على طريقة واحدة من الهجرة لا يطيقونها فعمر لا يطيق الهجرة سرا لان شخصيته لا تتناسب مع ذلك ومادام ذلك لا يصطدم مع الاسلام ويراعي مصلحة له في إظاهر الحق وتمريغ أنوف المشركين الظالمين في التراب فإن ذلك يدفعه عليه السلام لتشجيعه على ذلك ومن قبل لم يمنع إبن مسعود عليه الرضوان وهو يصعد فوق الكعبة في الايام الاولى للدعوة مؤذنا على الرغم من دقة ساقية ونحافة جسمه وتعرضه للضرب المبرح والتعذيب ولكن إقتصر عليه السلام على إظهار الشفقة به والرحمة لانه يدرك أن الناس يجب أن يكونوا مختلفين في كل ما تسمح به السنن والاسباب من تعدد وتنوع.
الدرس الذي يعنينا اليوم هو أنه عليه السلام يعلمنا أن الناس حتى وهم في أشد حالات تدينهم الاسلامي الصحيح السليم فهما وتنزيلا لا يصلح لهم تماما كما خلقوا وفطروا سوى التعدد والتنوع والاختلاف أما حمل كافة الناس على ضرب واحد من الحياة الدينية والدنيوية فهو مخالف للقوانين الكونية وكل مخالفة لتلك القوانين هو مخالفة للفطرة ومن خالف الفطرة فقد مات وقضي أمره حتى لو كان يأكل ويشرب ويحكم ويتحدث ويطغى ويكسب المال وينفقه سحتا .
لا شك أنه عليه السلام لو طلب منه رجل من مثل أبي ذر عليه الرضوان فعل ما فعله عمر من هجرة معلنة صارخة جريئة لنهاه ولو تكريها خفيفا لان شخصية أبي ذر لا يناسبها ذلك لا بل ربما كان عليه السلام يرنو إلى كون عمر بالذات يقوم بمثل ما قام به في هجرته متحديا أنوف المشركين الظالمين فلا يهجر الاسلام مكة موطنه الاول حتى يصرخ أحد رجاله في وجه الظالمين بعزته وقوته غير عابئ ولا وجل .
أكبر مواصفات القيادة الناجحة في كل عصر ومصر : إقرار مبدإ التعدد في الناس :
أجل تلك هي أكبر مواصفات القيادة الناجحة التي تعرف الفطرة فتنسجم معها وتعلم معاني ومقتضيات منظومة السنن والاسباب فتسخرها لخدمة رسالتها من خلال تربية الناس على ذلك وصبرها عليهم وهم يتعثرون لبلوغ ذلك أو هم يسجلون تجاوزا هنا وآخر هناك قبل حسن التأقلم مع ذلك . وفي المقابل يمكن لك أن تقول بإطمئنان كبير بأن أخطر ما يهدد كل قيادة في الناس ليس هو سوى إصرارها على نسخ الناس كلهم وفق صورة واحدة يتحكم بها القائد وذلك هو مبدأ الكبر وموئله وذلك هو أول السقوط ومنتهى التهافت .
كل قيادة تغفل عن سنة التكامل بين الناس طرا في لحظة غفلة سواء بإسم الحفاظ على الامن العام أو المساواة بين الناس أو توجيه دفة المعركة بناء على رغبة شخصية ولو كانت صادقة مخلصة أو تحت أي دعوى أخرى … كل قيادة تفعل ذلك مهددة بالافول لان من يخاصم الفطرة والسنن فقد خاصم إرادة الباري سبحانه وكل ما تملكه القيادة الناجحة هو فهم قوانين التعدد والتكامل والعمل على أساسها .
ألم يكن الاولى به هو أن يهاجر بطريقة عمر ؟
سؤال ساذج بسيط يرى مظهرا واحدا من مظاهر القوة فالقوة عنده في الرعود المدمدمة المزمجزة والبروق التي تكاد تخطف الابصار أما ما تخلفه تلك القوى الصاعقة من قوة أخرى خفية لينة هينة رفيقة ولكنها أقوى بلينها من قوة الرعود والبروق … وهي قوة الماء الذي يولد الطاقة الكهربائية التي هي وراء كل قواتنا المدنية والعسكرية اليوم … تلك قوة لا تبصرها غير عين القيادة الناجحة . وحسب السذج والبسطاء إحسان الشغب على تلك القيادة .
الهادي بريك / ألمانيا
العودة إلى عالم متعدد الأقطاب
توفيق المديني (*)
في منطقة الشرق الأوسط ، تقدم لنا أحداث العراق الدامية ، منذ ما يقارب ثلاث سنوات من الاحتلال الأمريكي لهذا البلد ،صورة مسبقة عما سيكونه مستوى العنف فيما إذا قيض للإمبراطورية الأمريكية أن تصطدم بإيران الطامحة إلى امتلاك السلاح النووي، و اندلاع حرب إقليمية ذات بعد عالمي يكون مسرحها الشرق الأوسط.
في العراق كانت الاستراتيجية الأمريكية تقوم على تحقيق النصرو إقامة ديمقراطية تعتبر نموذجا يحتذى بها في عموم الشرق الأوسط.و النصر الذي يقصده الأميركيون يتمثل في عراق موحد وديموقراطي وعلماني، ومقاومته مهزومة من جانب الأميركيين وبمساعدة الجيش العراقي الجديد الموثوق الذي بنته الولايات المتحدة!بيد أن الحقائق على الأرض تؤكد أن القوات الأميركية الحالية (والتي يوشك بعضها أن ينسحب)، لا تستطيع أن تهزم المقاومة ، وأن تمنع الانقسام السني ـ الشيعي في الوقت نفسه. وكلا الأمرين يشتد ويتفاقم خلال الأسابيع والشهور، مع ازدياد الكره الشعبي للاحتلال الأميركي. والأمر الملحوظ أن الشيعة والأكراد لن يضحوا بمصالحهم الذاتية من أجل عراق موحد ومندمج، مع جيش وطني واحد وحقيقي، يكون ولائه للوطن ، لا لأي مرجعية أخرى.
وهكذا بتنا اليوم نحتاج إلى استرتيجية أمريكية جديدة للخروج من العراق بعد إخفاق استراتيجية النصر التي اعتمدتها إدارة بوش المستوحية فلسفتها في إدارة الأزمات الدولية والإقليمية من إيديولوجية المحافظين الجدد. فقد اعتمد هؤلاء الحرب الاستباقية مذهبا ً لهم ،في ظل نشوة انتصارالولايات المتحدة الأمريكية عندما انهارت الشيوعية في العام 1989، وصدقت ان العالم تغير جذرياً تغيراً لا رجعة فيه، وافترضت أن التاريخ ذاته انتهى، وأن العولمة الرأسمالية الديموقراطية انتصرت إذ استطاعت الاجابة عن كل الأسئلة الكبرى، و أنها باتت القائد بلا منازع للنظام العالمي الجديد أحادي القطبية، و أن الناس العائشين في ظله ، سيستكينون الى اهتمامات دنيوية: بعضهم سيعمد الى جمع الثروات، وبعضهم الآخر سيلجأ للاستهلاك.
من هنا ، فإن الأزمة العراقية باتت تحتاج إلى تسوية دولية ،تتمخض عنها اتفاقية لتقاسم السلطة قابلة للصمود بين السنة و الشيعة و الأكراد ، و تسليم مسؤولية الأمن و الدفاع إلى العراقيين على قاعدة وطنية ثابتة. إن الخيار الحقيقي في العراق هو بين: قبول حقائق الموقف على الأرض ، وهو موقف معقد؛ وذلك من طريق تبني خيار التسوية الدولية التي تشارك فيها معظم القوى الدولية والانسحالب الأمريكي عن العراق، والذي قد يتضمن مرحلة انتقالية فيها ،أو الاستمرار في احتلال العراق لسنوات طويلة، بحجة أن « العراق هو الجبهة المتقدمة لمكافحة الارهاب العالمي ».و كثيرا ما تردد في مسامعنا أن العراق هو مصدر خطر على السلم العالمي، و لكن أليست إدارة بوش نفسها هي التي وضغت فيه جزءا كبيرا ً من المتفجرات.
ويشكل الملف النووي الإيراني تحديا ً جديدا ً للنظام العالمي الجديد أحادي القطبية ، إذ إنه حتى لو نجحت الولايات المتحدة في تحويله إلى مجلس الأمن فإن العقوبات التي ستفرض على إيران لا تضر بالفعل بالأعمال النووية الايرانية، بل تضر بالشعوب الإيرانية ، و هذ ا ما سيزيد من تقوية حدة العداء لأمريكا.
بشكل عام خفف الرئيس جورج بوش كثيراً من الغطرسة التي طبعت ولايته الأولى، وهذا عائد إلى تزايد الإنتقادات الأمريكية الداخلية من جانب الحزب الديمقراطي، و الصحافة الأمريكية لسياسته الخارجية،التي تستبعد الحلفاء والشركاء، وتسعى جاهدة إلى إعادة تشكيل العالم وفق الرؤية الأحادية القطبية.و الولايات المتحدة الأمريكية لا تعاني من مأزق في العراق أو افغانستان فحسب. بل إن التطورات التي أسفرت عنها العملية الانتخابية في أمريكا اللاتينية ، مسألة جديرة بالاهتمام،إذ إن اليسار هو الذي يحقق انتصارات في الانتخابات، و هذا بدون شك يعزز المحور المناهض للولايات المتحدة الأمريكية في القارةالجنوبية. وعلى الرغم من أن بلدان أمريكا اللاتينية اعتنقت نهج الليبرالية الاقتصادية في سياق العولمة الرأسمالية المتوحشة التي تقودها واشنطن، فإن شعوبها زادتها العولمة فقرا على فقر،وفاقمت عندها التفاوتات الاجتماعية الحادة، عوض ان تنتشلها من واقعها المتردي الذي أوقعته فيها الديكتاتوريات العسكرية بعد مرحلة الاستقلال. فالولايات المتحدة الأمريكية تلقت ضربات موجعة في حديقتها الخلفية مع مجيىء رؤساء يساريين في بلدان أمريكا اللاتينية ، امثال الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي يقدما خطاباً شعبوياً و كاسترياً مناهضاً للامبريالية – و الذي أعطاه الريع النفطي سلطات لم يستطع أن يحلم بها أبداً فيديل كاستر-،والبرازيلي لويس لولا دا سيلفا، والاورغواني تابار فاسكويز، والارجنتيني نيستور كريشنر، والبوليفي إيفو موراليس، و التشيلية الاشتراكيةميشال باشليه..
وما انفك الرئيس جاك شيراك ينادي بعالم متعدد الأقطاب الذي كان أحد أبطاله في مواجهة العالم الأحادي القطبية العزيز على قلب جورج بوش و صديقه طووني بلير. إن أوروبا الممسوكة بقوة من قبل المحور الألماني – الفرنسي، أصبحت أحد الأقطاب الرئيسيين لهذا العالم المتعدد، يكشف على ذلك الصراع التنافسي الذي تخوضه مع الولايات المتحدة الأمريكية على مسرح الشرق الأوسط ، و إفريقيا.
نحن الآن لسنا في زمن تواجه فيه الولايات المتحدة الأمريكية تحديا ً مفتوحا ً مباشراً، كما كان في الحقبة السوفياتية ، أو في عهد الجنرال ديغول و المحور الألماني – الفرنسي لمدة ربع قرن تقريبا. و إذا كان العالم لم يعد أحادي القطبية ، فإن هذا لايعني أنه أصبح متعدد الأقطاب.ولكن أليس هو في الطريق لكي يصبح ثنائي القطبية؟
لقد شكلت قمة كوالالمبورالآسيوية التي جمعت دول جنوب شرق آسيا، إضافة على الصين و اليابان ، وأستراليا ، و نيوزيلاندا ، و الهند ، التي كانت تعتبر الصين لعقود من الزمن عدوتها الأولى ، و الان أصبح يتداول اسميهما كقوتين اقتصاديتين صاعدتين، شكلت هذه القمة تحديا ً جديداً لأمريكا التي لم تحضرها.
وحدها الصين الآن ، التي أصبحت القوة الاقتصادية الرابعة في العالم، تمتلك الوسائل الكافية لمنافسة الولايات المتحدة الأمريكية التي تخلت عن هديها إلى الديمقراطية. فمسألة تايوان ، و الميزانية العسكرية الضخمة للصين ، وقدرة الصواريخ الصينية العابرة للقارات على تهديد نيويورك، أو المشاريع النووية لكوريا الشماليية،هذه المسائل مجتمعة تمنع من أن يكون قرار السلام في هذه المنطقة من العالم حكرا ً على الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها.
(*) كاتب تونسي مقيم في دمشق
(المصدر: صحيفة الخليج الاماراتية الصادرة يوم 6 فيفري 2006)
إسلاميو تركيا… العثمانيون الجدد
عرض/عبد الحكيم أحمين
يجمع الدارسون والمراقبون على أن الحركة الإسلامية اليوم أصبحت محورا مركزيا، واهتماما رئيسيا من اهتمامات الرأي العام داخل دولها وخارجها، في الدوائر الغربية وفي غيرها، بحيث تم تجنيد باحثين وخبراء وإستراتيجيين ومعاهد ومراكز يراقبون ويتابعون جل تحركاتها وتطوراتها.
ويرون أن المسألة التركية، وفي صلبها التجربة السياسية الإسلامية، تكتسي أهمية خاصة في العالم الإسلامي وتجارب الحركات الإسلامية فيه.
وبقدر ما هي في حاجة إلى الدراسة والبحث في مختلف جوانب نجاحاتها وإخفاقاتها، بقدر ما هي بحاجة أيضا إلى استخلاص دروس منها.
وهذا ما حاول الدكتور إدريس بووانو الوقوف عليه في كتابه « إسلاميو تركيا.. العثمانيون الجدد ».
– الكتاب: إسلاميو تركيا.. العثمانيون الجدد
– المؤلف: إدريس بووانو
– عدد الصفحات: 111
– الناشر: مؤسسة الرسالة، سوريا
– الطبعة: الأولى/2005
الإسلام العدو البديل
الاهتمام بالحركة الإسلامية عموما ساهمت فيه ثلاثة عوامل رئيسية، يتعلق أولها بالثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والتحولات التي ترتبت عليها في منطقة الشرق الأوسط، ويتعلق ثانيها بانهيار الشيوعية كقوة عالمية، واندحارها كأيديولوجية سياسية.
أما العامل الثالث فيتجسد في شعبية الحركة الإسلامية التي تعاظمت داخل أوطانها في ظل حالة الاحتقان الاجتماعي والسياسي التي عرفتها المنطقة.
فقد أعلنت جل الحركات الإسلامية منذ بدايات ظهورها أن منطلقها هو الإسلام معتبرة إياه القادر على بناء نظام سياسي نموذجي، وأنه الذي أفرز من قبل نموا ثقافيا لم يؤثر على الأشخاص الذين اعتنقوه فحسب، بل ترك أثره الواضح على العالم بأسره.
وتعتبر تركيا في هذا السياق أحد الأقطار العديدة التي استأثر فيها اهتمام المتتبعين بالحركة الإسلامية، فهي البلد الإسلامي الذي لا يزال يرمز بحضارته وتاريخه للخلافة العثمانية التي عمرت قرونا من الزمن وبسطت سلطان خلافتها على بلدان عديدة من عالمنا الإسلامي.
لقد كان الانهيار المباغت للاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين سنة 1986 مؤشرا على حتمية حدوث تغييرات وتكتيكات على الخارطة الجغرافية-السياسية للعالم، بدأت معالمها في التبلور والتشكل منذ تلك الفترة لتأخذ مظاهر وأشكالا شتى.
وتسارعت وتيرة التحولات التي رافقت هذا الحدث العالمي بشكل لافت، وبدت فراغات كبيرة في أحزمة القوة التي تسيطر على العالم، أعقبتها موجة محمومة من التحرك قادها الغرب الإمبريالي.
وكانت كلها تهدف إلى إيجاد صيغة جديدة تظل بها أذرع الحضارة الغربية قابضة بناصية الخارطة الجغرافية-السياسية، مع تحريك اتجاهات الفعل بطريقة أو بأخرى لتستوعب انهيارات الطرف الشرقي للحضارة الغربية والمحافظة عليه تحت مظلة السيادة والهيمنة الغربيتين، قاطعة الطريق أمام أي منافس جديد.
طبعا كان الإسلام الذي تهامست حوله القوى الغربية الإمبريالية، هو « العدو البديل » عن الشيوعية انطلاقا من حمله لمنظومة من القيم والأفكار تستطيع تهديد الانفراد الغربي -في شقه الرأسمالي- بتسيير شؤون العالم، كما تؤهل حامليه لملء فراغات القوة وصولا إلى سدة الحكم.
يرى بووانو أن بعض الأطراف داخل الغرب وجدت في الإسلام المنافس الأول لها، المنافس الذي يختزن مؤهلات القوة وإمكانات عمارة الأرض، وهو « المارد » الذي يمكن أن يتطاول بنيانه، فيصل إلى لحظات الاستشراف والشهود الحضاري، وبالتالي ينازعها السيادة على العالم.
وهكذا اختار الغرب وصادق على « صك المواجهة والمؤامرة ضد هذا المارد الإسلامي القادم »، وأعاد على ضوء ذلك كله ترتيب أجندته.
الصراع العلماني الإسلامي
أما الاهتمام بالمسألة التركية بصفة عامة داخليا وخارجيا، عربيا ودوليا، فازداد منذ سقوط الخلافة وقيام الجمهورية التركية سنة 1924، ولا يزال هذا الاهتمام بارزا وحاضرا إلى وقتنا الحالي.
قبل الحرب العالمية الأولى كان في تركيا تيار من المسلمين يشعر بأنه يعيش في ظل دولة إسلامية، رغم ضعف هذه الدولة، واختلاف تقييم هذا التيار لها.
ورغم أن أفرادا من هذا التيار ومعهم مجموعة من المسلمين كانوا يعتقدون أن هذه الدولة هاضمة لحقوقهم، فإنهم كانوا يتجهون بأبصارهم إلى إصلاحها، عكس التيار العلماني المغترب الذي اخترق النخبة العثمانية، مدنييها وعسكرييها، منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي بفكره الفلسفي ومظاهره الأوروبية، والذي كان يسعى جاهدا إلى تقويض بنيان هذه الدولة التي لم تعد في نظره قادرة على الإمساك بمقاليد البلاد.
هكذا برز في أواخر عهد الدولة العثمانية صراع قوي بين تيارين: تيار علماني حمل على كاهله الدعوة إلى الالتحاق بالغرب والتماس طريقه، وتيار مثلته شريحة عريضة من الشعب التركي وعلى رأسها العلماء وزعماء الطرق الصوفية أطلق عليهم فيما بعد اسم « التيار الإسلامي »، و »الإسلاميون الأتراك » وعلى جزء منه اسم « الحركة الإسلامية التركية »، هذا التيار هو الذي أخذ على كاهله مهمة الدفاع عن الإسلام.
ويرى الكاتب المغربي أن « الانتصار » في الشوط الأول من الصراع الذي بدأ بين التيارين منذ تلك الفترة -ولا يزال مستمرا– كان لصالح الحركة الكمالية العلمانية عقب حرب الاستقلال، وتكون الجمهورية التركية العلمانية بمبادئها القائمة كلية وصراحة على إلغاء دور الإسلام.
ولقد كان مصطفى كمال أتاتورك صريحا في تأكيد ذلك حينما ذكر في مجلس الأمة التركي أن هذه الدولة « لم تعد تأخذ مثالها من الغيبيات، ولم تعد تأخذ قوانينها مما يظن أنها كتب جاءت من السماء ».
أما الشوط الثاني بين هذين التيارين فقد أخذ الصراع فيه معالم أخرى دلت في مجموعها على بداية رجحان كفة الانتصارات لصالح التيار الإسلامي.
لم يكن التيار الإسلامي في تركيا أو الإسلاميون الأتراك -حسب بووانو- نبتة دخيلة على التربة التركية ولا نتيجة ظروف طارئة أو بسبب معادلات خارجية.. حتى يستغرب البعض اليوم سر وجود هذا التيار في ظل الدولة التركية الحديثة، وسر نجاحاته وصعود نجمه السياسي في الآونة الأخيرة.
فوجه الاستغراب، يقول الكاتب، ينبغي أن يتوجه إلى البحث عن سر وجود خصمه، وهو التيار العلماني، في بيئة ومجتمع غالبيته مسلمة، ظلت تدين بالإسلام عبادة وسلوكا لعدة قرون.
للإجابة على هذا الاستغراب قام الدكتور إدريس بووانو بإلقاء نظرة تاريخية للبحث في جذور التيار الإسلامي التي تمتد إلى الدولة العثمانية، وفي حقيقة الملابسات والظروف التي رافقت ظهور خصمه وهو التيار العلماني في أخريات الدولة العثمانية، واشتداد معركته معه بعيد ذلك وإلى يومنا هذا.
فقد حملت النخبة المدنية من المثقفين العثمانيين والنخبة العسكرية من الضباط العسكريين الذين استكملوا تعليمهم في المدارس العسكرية الأوروبية، على كاهلها مهمة تثبيت أركان الدولة العلمانية، فقامت بدور ولو محدود في بروز ديناميكية وحركية التيار الإسلامي بمختلف شرائحه اتجاه ما سعت « الإصلاحات » الكمالية لتحقيقه من أهداف كلها كانت تروم التضييق على النشاطات الإسلامية واجتثاث كل المظاهر الدالة عليها.
ممارسات التيار العلماني أثناء تطبيقه « للإصلاحات » الكمالية وقبلها -منذ أن أصبحت حركة الاتحاد والترقي وتركيا الفتاة متنفذتين في البلاد- تسببت في حدوث أثر شديد وبليغ على المسلمين.
فقد اتخذت هذه الممارسات في بداياتها شكل معاداة للدين، وعقب ذلك ظهر رد الفعل الإسلامي في شكل تجمعات دينية، خاصة مع سقوط الخلافة الذي ترك في نفوس المسلمين جرحا كبيرا لم يندمل رغم مرور العقود.
لقد ظلت مع هذا السقوط المفاجئ لرمز إسلامي -مكث شامخا عدة قرون- مجموعة من الأسئلة تراود الكثير من المسلمين، أسئلة ولدت لدى بعضهم، بل الكثير منهم ضرورة الالتفاف حول رمز ما، فهرعت كل جماعة وفئة تلتف حول كبير لها، وتعتبره رمزا للخليفة.
وهكذا أصبحت كل جماعة يتعاظم شأنها، ويكثر أتباعها ومريدوها، تحدث كيانا مستقلا، لتشكل مجتمعة ما سمي بـ »التيار الإسلامي ». وسيضطلع كل مكون فيه بمهمة مواجهة الممارسات العلمانية التي رافقت « الإصلاحات » الكمالية انطلاقا من رؤية كل منها إلى الواقع وسبل التصدي لانحرافاته.
لم يكن صراع التيار الإسلامي مع التيار العلماني بنخبتيه العسكرية والمدنية صراعا عاديا، بل كان صراعا عنيفا وقويا، أملت تفاعلاته قدرا كبيرا من التأثير والتأثر، وتركت هذه التفاعلات بصمات واضحة على مسيرة التيار الإسلامي الذي عرف تحولات هامة في مسيرته.
تحولات التيار الإسلامي
وقف الدكتور بووانو في المحور الثالث من كتابه على التحولات التي عرفها التيار الإسلامي سواء على مستوى الطرق الصوفية والجماعات الإسلامية ذات البعد التربوي والفكري، أو على مستوى الجماعات الإسلامية ذات البعد الحركي الممثلة في حركة الرأي الوطني وبصفة خاصة على مستوى ممارستها وتجربتها السياسية، حيث عرفت ميلاد توجه جديد يمثله حزب العدالة والتنمية الحالي.
وقال إن هذا التوجه أو هذه التجربة تشكل نقلة نوعية في مسار الحركة الإسلامية عموما، وفي مسار التجربة السياسية ذات المرجعية الإسلامية في تركيا خصوصا، وهي إلى حد ما عنوان « حركة سياسية » مؤطرة في هذا الحزب أكثر مما هي عنوان حزب مجتمعي صاحب بنيات مؤسساتية.
إنها تجربة أظهرت قدرا كبير من المرونة والواقعية السياسية في تعاطيها مع القضايا والملفات المطروحة سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
وتجلت هذه المرونة في واقعية واعتدال مواقف زعماء التجربة الجديدة مما أهلها إلى النجاح المعتبر الذي حققته في انتخابات نوفمبر/ تشرين الأول 2002، الذي مكنها من تشكيل حكومة بأغلبية مريحة، وتبع ذلك فوزها بعدد كبير من البلديات بما نسبته 35%.
وكان ثمن ذلك « تنازلات » لا بأس بها قدمها زعماء التجربة الجديدة -كما ذكر كثير من أبناء التيار الإسلامي خارج تركيا وداخلها- لكن السؤال أو بالأحرى الأسئلة التي ظلت عالقة هي: « هل يحق أن نسمي ما قامت به التجربة الجديدة تنازلا؟.
وكيف نحكم على سلوك سياسي قامت به التجربة الحالية أو غيرها بأنه تنازل عن مبادئ معينة؟ ثم أيضا ما حدود المبدئية والبراغماتية في هذه التجربة السياسية الجديدة خصوصا، وفي التجربة السياسية الإسلامية عموما؟ ».
أسلوب عمل
وقد لاحظ بووانو أن التجربة السياسية الإسلامية التركية منذ بداياتها الأولى تسلك سبيل « المناورة » في أدائها السياسي، وهذا الأمر فرضته عدة عوامل أهمها، طبيعة الديمقراطية التركية، وشدة المأزق الذي تقع فيه التجربة السياسية الإسلامية.
وقال إن عدم فهم هذا التكتيك -تكتيك المناورة- الذي انتهجته التجربة السياسية بأحزابها القديمة، أو بتجربتها الحالية مع حزب العدالة والتنمية، يؤدي إلى طرح مجموعة من الأسئلة المحيرة.
ويزداد طرح الأسئلة حينما لا يتوصل إلى شفرة للتمييز بين المواقف الثابتة والمواقف المتحولة للتجربة الجديدة -التي تمثل عنوان « حركة سياسية »- اتجاه مجموعة من المعادلات عموما، واتجاه معادلة الحرب التي شنتها أميركا وبريطانيا على العراق خصوصا.
ورصد الدكتور بووانو في كتابه مواقف زعماء التجربة اتجاه جملة من المعادلات والقضايا الداخلية والخارجية، وكيف استطاع الإسلاميون الأتراك الالتفاف على الكثير منها.
وخلص في النهاية إلى أن ما ميز هذه المواقف من سمات وخصائص جمع بينها قاسم واحد وهو أسلوب وتكتيك المناورة السياسية التي أدار به زعماء التجربة الجديدة كثيرا من مواقفهم وتحركاتهم.
وخلص إلى أن تجربة التيار الإسلامي في شقها السياسي وتعامله داخل الساحة السياسية وفق مقتضيات النظام الديمقراطي مكنه من التعرف عن قرب على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بكل تحدياته، ومكنه أكثر من التعرف على خصمه وهو التيار العلماني، كيف يفكر، وبأي أسلوب يتحرك، وأكسب كل ذلك حركية وفاعلية ومزيدا من التفهم والعقلنة.
وأثمر الاستيعاب المتبادل بين العلمانيين والإسلاميين اعترافا متبادلا خلق في النهاية تعايشا بين الطرفين داخل الساحة التركية، وقدرا من التفاهم على انتهاج الديمقراطية ومحاولة الوصول بها إلى بر الأمان بشراكة متبادلة في القيادة.
وأدرك أطراف المعادلة الديمقراطية في تركيا -بعد زمن من الصراع- أن ثمة مساحات مشتركة للعمل بين التيارين، وأن ثمة مساحات اختلاف، وأنه لن يكون في وسع أحد إلغاء الآخر، لكن في وسع كل طرف أن يتنازل عن قدر معين للآخر، وبإمكان الطرفين أن يشتغلا معا في المساحات المشتركة تلك.
(المصدر: ركن المعرفة بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 5 فيفري 2006)
« الحياة » تحاور الفكر العربي: أين نحن في العالم؟ متى ينتهي الانحدار؟ أي دور للمثقف؟ …
الطاهر لبيب: الخطاب العربي السائد يعيش مع ثنائيات تقليدية لا يحلّها ولا يتخلى عنها
ابراهيم العريس
«أصبح ضرورياً التمييز بين المفكر والمثقف، وهو تمييز يتضح معه أن المفكر يتحدث أقل مما يلزم والمثقف أكثر مما يلزم. وهذا يعني ان الذين ينتجون المعنى هم الاقرب الى الصمت… وان البقية التي لا تكف عن الكلام هي التي تنتج اللامعنى الذي ينسج خطابنا السائد اليوم». قائل هذه العبارات مفكر عربي قليل الكلام، بل حتى قليل الكتابة، لكنه حين يكتب يكتب بكثافة، محاولاً دائماً ان يجمع بين الدقة في استخدام الكلمات ومتعة الاسلوب. هو الدكتور الطاهر لبيب، عالم الاجتماع التونسي المعروف، الذي طرحت عليه «الحياة» اسئلة الواقع العربي والثقافة العربية، بين جملة الاسئلة التي تجرى الحوارات من حولها في هذه السلسلة التي بدأت مع المفكر سمير أمين، والناقد الباحث جورج طرابيشي.
اذاً، بعد الاقتصادي والفلسفي، نصل هنا الى علم الاجتماع، وفي شكل اكثر تحديداً، علم اجتماع الثقافة الذي يطل عبره الطاهر لبيب على عدد من المسائل الفكرية والسياسية، مستعرضاً شؤون «النهضة الثانية» في الفكر العربي، وشجون النكسات والهزائم، معرجاً على مواقف المفكرين والمثقفين العرب من هذه الشؤون والشجون، مفرقاً بين مثقف «يتكلم كثيراً» ومفكر «يشتغل كثيراً».
والطاهر لبيب، على رغم حداثة سنه نسبياً، أطل على الساحة الثقافية والفكرية العربية منذ أوائل سنوات السبعينات من القرن العشرين، حين اصدر كتابه الاول «سوسيولوجيا الغزل العربي» في الفرنسية أولاً ثم في ثلاث ترجمات عربية، بعضها صدر من دون معرفته، في دمشق والرباط والقاهرة. وفي العام 1978 صدر كتاب «سوسيولوجيا الثقافة» في طبعات مختلفة في القاهرة ودمشق وعمان وتونس، كما انه أشرف بعد ذلك على عدد من المؤلفات الجماعية مثل «غرامشي في العالم العربي» (في الفرنسية) و «صورة الآخر: العربي ناظراً ومنظوراً اليه». وهو بين هذه الكتب، نشر في الدوريات وفي كتب جماعية بحوثاً سوسيولوجية يمكن تصنيف اهتماماتها وترتيبها زمنياً كما يأتي: الادب والفن، المثقفون والانتلجنسيا، المجتمع المدني وصورة الآخر.
اضافة الى هذا يشغل لبيب استاذية علم الاجتماع في الجامعة التونسية وهو استاذ زائر في جامعات عربية وأوروبية وأميركية – لاتينية مختلفة. كما انه أسس «الجمعية العربية لعلم الاجتماع» وظل رئيساً لها فترة طويلة من الزمن قبل ان تأخذه مشاغل اخرى، فيصبح رئيس شرف لها.
أما الآن، فهو يقضي معظم وقته في لبنان حيث مقر «المنظمة العربية للترجمة» التي يتولى ادارتها العامة.
الطاهر لبيب، لا نسمع هذه الأيام صوت المفكر العربي، بالتالي تغيب سطوة كانت له على الأقل في اللحظات الحرجة من تاريخ العرب المشترك: آخر أيام العثمانيين، قبيل «انتصارات» حركة التحرر والحصول على الاستقلالات… ثم، خصوصاً بعد هزيمة حزيران (يونيو) 1967 حيث قامت نهضة ثانية… لماذا هذا الصمت في رأيك؟
– في استعمالك لكلمة «مفكّر» بعض الجواب. من أشرتَ إلى سطوتهم هم مفكرون، كلٌّ في سياق مرحلته وفي ثقافة جيله. ولقد كانوا كذلك لأن فكرهم كان مرتبطاً بمشروع مجتمعي وكان يحمل بدائل، بقطع النظر عن طبيعة هذه البدائل وعن أشكال صياغتها فكريّاً. من إصلاحية القرن التاسع عشر إلى ثورية ستينات القرن العشرين وانتكاساتها، مروراً بمحطات ليبرالية، كان المفكر يبحث عما كان يسمى عضوية المثقف.
هكذا، مثلاً، كانت مرحلة التساؤل عن الهزيمة، أو ما تسميه نهضة ثانية، مرحلةَ المفكر الملحمي الذي صاغ البدائل وناضل من أجلها. امتدادات هذا الفكر تفرّعت، لاحقاً، في نمطين ما زلنا نجد لهما آثاراً ضئيلة في فئات قليلة ومحاصرة فكرياً وسياسياً: نمط بدائلي يواصل أطروحاته ونداءاته، ولكن خارج المشهد الملحمي، ونمط لا أرى له وصفاً آخر غير التراجيدي لأنه يتمسك برؤى ومشاريع يعلم أنها غير قابلة للإنجاز. على أنقاض المرحلة قام مثقف مقاول ليس الفكر أهمَّ عنصر في تعريفه وإنما الخبرة ومردود الاستشارة والتسيير. هذه المقاولة المرتبطة بالورشة الليبرالية الجديدة أتاحت لمثقفيها الجدد فرص الإفتاء في كل شيء تقريباً.
من خلال هذا يمكن تلخيص الإجابة بأنه أصبح ضرورياً التمييز بين المفكر والمثقف، وهو تمييز يتضح معه أن المفكر يتحدث أقل مما يلزم والمثقف أكثر مما يلزم. هذا يعني أن الذين ينتجون المعنى هم الأقرب إلى الصمت وأنّ البقية التي لا تكف عن الكلام هي التي تنتج هذا اللامعنى الذي ينسج خطابنا السائد اليوم. المفكرون يتكلمون قليلاً و «المثقفون» كثيراً. حبذا، إذاً، لو تصمت الغالبية!
>من وجهة نظرك كعالم اجتماع، أين اصلاً موقع المفكر العربي اليوم، في وقت نجده في المؤتمرات والفنادق الفخمة والجوائز وضروب الوجاهة، كلنا بالكاد نعثر عليه في الجامعة، ويكاد يغيب تماماً عن التلفزة او العمل الحزبي، بحيث صار يشكل طائفة سرية على حدة؟
– هذه، فعلاً، من تجليات المثقف المقاول. إن إصراره على حضور كل المناسبات، مع الحرص على التمتع بأفضل إجراءاتها، واستعداده لما يسميه تلبية دعوة، قد يتباهى بأنها تأتيه من كل حدب وصوب، والبحث من وراء ذلك عن وجاهة، أي عن إظهار وجهه، كل ذلك يدخل في المقاولة. الحضور في لقاءات فكرية أو علمية هو، بالنسبة للمثقف المقاول، «عزومة» وعلاقات عامة. وبالمناسبة، فإن وسائل الإعلام المرئية بصورة خاصة تركز عليه لا لسرعة استجابته فقط وإنما لخبرته في الخضوع للأسئلة. ولا شك أنك لاحظت بروز طفرة مفاجئة من الخبراء العرب في القانون الدولي والاستراتيجيات والإرهاب والديموقراطيات والحركات الإسلامية والنسائية إلى غير ذلك مما حوّل أشخاصاً قد تعجب كيف تحوّلوا، بين عشية وضحاها، إلى خبراء وأنت تعلم أن معارفهم لم تتغيّر عما كانت عليه قبل أن يصبحوا خبراء. ولا ينبغي أن ننظر إلى هذه الملامح على أنها ملامح كاريكاتورية لأنها ملامح مثقف سائد وله تأثير واسع في مختلف مستويات ومجالات الواقع العربي اليوم. لهذا ليس غريباً أن يبدو المفكر كأنه من طائفة سرية، كما تقول. هذا المفكر له إحساس بأن المرحلة ليست مرحلة فكر. ماذا نتج عن هذا الإحساس؟ باستثناء قلة من البدائليين والتراجيديين تراجع أهل الفكر من الحيّز العام إلى الحيّز الخاص، أي مهنياً إلى الاختصاص وحياتياً إلى البيت. رأى هؤلاء أن في ترك الجلبة لأهلها حفظاً لماء الوجه والفكر معاً.
> اذاً، هل كان للمفكر حقاً دور في الماضي، أم انه اخترع لنفسه دوراً لم يوافقه عليه أحد؟
– قطعاً، كان له دور. هذا الدور هو حصيلة ما أسنده إلى نفسه وما أسنده المجتمع إليه أو ما اعترف له به. طبعاً، يختلف الدور بحسب المراحل وكذلك بحسب المجتمعات العربية. هذا مرتبط بنشوء النخب الفكرية والسياسية التي كان معظمها في مراحل التحرر العربي من الاستعمار، من البورجوازية الصغيرة كما كان يقال. وقد تطلب بناء الدولة الوطنية وصياغة مشاريعها أن تواصل هذه النخب أدوارها. كانت هذه الحاجة لوقت قصير لم تعد بعده الدولة ترى أن شرعيتها تحتاج إلى مبايعة فكرية. عندئذ بحث الفكر عن عضوية جديدة في اتجاه الفئات الاجتماعية وكانتلها تسميات كثيرة. إجمالاً، مع أواسط سبعينات القرن الماضي ظهرت مقولات دينية وجد المفكر العربي نفسه ضائعاً بينها وبين أنظمة أصبح يتبادل معها عدم الاعتراف. هذه اللحظة هي في رأيي أكثر اللحظات حرجاً في مسار المفكرين العرب. وهي على كل حال أعلنت بداية تراجع المرجعيات الفكرية والأيديولوجية الكبرى. ما حدث بعد ذلك من إعادة الانتشار، إن صح التعبير، أحدث مشهداً فيه مفاجآت كثيرة من تغيير المبادئ والمواقع وتمَّ فيه، أيضاً، تقليد المثقف المقاول دور البطولة.
البحث عن أثر ما…
> ومع هذا تبدو مجتمعاتنا العربية في امس الحاجة الى حماسة وبوصلة، لا يمكن إلا للمفكر ان يحملهما، فكيف يمكن اعادة اللحمة بين المثقف (لئلا نقول المفكر) والمجتمع، في وقت يشتد فيه ضغط التطرف والفكر الانعزالي التكفيري.
– المشكلة ليست مع المفكر وإنما مع المجتمع الذي تفككت علاقته بالفكر. ارتباط الفكر بالواقع له شروطه الموضوعية وليس موضوعاً للإرادوية أو الاعتباطية. كل منتج للفكر يطمح إلى أن يكون لفكره أثر في المجتمع أو أن يلتحم به، كما تقول، لكن ما حيلته عندما تتوسط هذه العلاقة بين فكره والمجتمع ثقافة بل ثقافات مجهولة الأصول إلى حد القول بأنها معولمة؟ وما حيلته إذا كانت الفضاءات والحركات التي كان في الإمكان أن تحمل أو تتحمل فكره قد تقلصت؟ ما حيلته إذا لم تعد للفئات الصاعدة أحلام ولا طوبيات كان قادراً على صوغها على أنها قابلةللتحقق؟ سعى المفكرون، بصدق وقوة أحياناً، إلى إيجاد اللحمة التي كان يرى البعض أنها الرابط بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني ويراها آخرون في الالتزام، ولكن هذه اللحمة في العالم العربي باغتت بظهورها حيث لم تكن منتظرة، أي في أكثر الفضاءات الفكرية محافظةً أوسلفية، وذلك أنّ من كان يسمى مثقفاً تقليدياً أصبح أكثر عضويةً ممن كان يسمى مثقفاً عضوياً. يمكنك أن تخاف أو تغضب أو تُحبط ويمكنك أن تسمي هذا نكسة أو نكبة أو كارثة وما شابه ذلك ولكن لا يمكنك نكران اللحمة التي استطاع أن يوجدها التطرف والتكفير، بل وحتى الإرهابمع فئات من المجتمع. وهو مجتمع يدفع الآن ثمن ثقافة الخوف التي تركها تسود فيه.
> وهل المفكر محكوم بأن يختار بين الوقوف الى جانب سلطات تضعف او تعثر على مشروعيتها خارج الحدود (كما يقول كثر)، وبين الوقوف الى جانب مجتمعات تزداد تزمتاً وتخلفاً في جوهرها، وتنطق ظاهرياً بالشعارات الكبرى؟
– من حسن الحظ أن الواقع أكثر تعقيداً وتنوعاً من هذه الثنائية الدرامية وأن في الإمكان أن يكون للمفكر موقف نقدي من السلطة ومن المجتمع في آن، وهو الموقف المناسب ما دام الفكر يعني تجاوز الواقع نحو الممكن، بصورة دائمة. ثم إنه موقف لا يكون، في محصلته النهائية، إلا لمصلحة المجتمع. ليس محكوماً، إذاً، على المفكر أن يختار بين موقعين لا يقبلهما. وغالب الظن أن معظم الذين انسحبوا إلى الحيّز الخاص فعلوا ذلك للتخلص، أيضاً، من رداءة هذا الاختيار.
> انت اهتممت دائماً بمفهوم موقفنا من الآخر، فاين هو الآخر اليوم في حياتنا، وأين سيكون اذا استمرت الاوضاع على ما هي عليه؟
– ما المقصود بالآخر؟ ولماذا يذكره العربي في صيغة المفرد لا في صيغة الجمع؟ ولماذا نفهم، تلقائياً، أن المقصود به، تحديداً، هو الغرب؟ المسألة ليست لغوية وإنما هي حصيلة تراجع تاريخي اجتماعي ثقافي طويل. عندما كانت الثقافة العربية في مدها الحضاري كان الآخر فيها متعدداً وكانت تعترف بما كانت تسمّيه الأمم العظيمة كاليونانية والهندية والصينية والفارسية التي أخذت عنها الحكمة والعلم والصنعة. كانت هذه الثقافة واثقة من نفسها فلم يكن هذا الآخر يمثّل مشكلاً لها. وإذا رجع العربي المعاصر إلى كتّاب من نوع الجاحظ وأبي حيان التوحيدي فإنه لا شك يعجب مما كان لهم من تقبل الآخر ومن اعتراف له بخصال قد لا يرونها في العربي. أما ما يراه إخوان الصفا في الإنسان المثالي من الجمع بين نسبة الفارسي ودين العربي ومخبر العبراني ومنهج المسيحي وعلم اليوناني وبصيرة الهندي، الخ… فهذا ما يصعب أن تتسع له رؤية الكثير من كتاب عصرنا.
ولأن صورة الآخر هي نتاج اجتماعي فإن تراجع المد الحضاري والثقافة معه وظهور تحديات خارجية أفضت إلى الاستعمار والإخضاع والتبعية فإن هذه الصورة أعيد بناؤها في المخيال الجماعي وفي الخطاب، عبر أوضاع التراجع والدفاع عن الذات. لقد أصبحت زاوية النظر إلى الآخر حادة،بالمعنيين للكلمة: ضاقت الرؤية فلم تعد هناك مسافة مناسبة، كما يقول الأنتروبولوجيّون، بين العرب والغرب. ولقد تبينت اليوم أكثر من أي وقت مضى حدة المسافة غير المناسبة بين ثقافة الغرب وبين ثقافة عربية هي الأقرب إليه والأكثر اختلافاً عنه في الوقت نفسه.
لكن هل يعرف العربي الآخر، حقاً؟ لقد طال تشكّيه من تشويه صورته ولكنه لا يسأل بجدية عن تشويه صورة الآخر لديه. ماذا أوجد من آليات المعرفة العلمية وكم أنشأ من مؤسسات بحثية لمعرفة هذا الآخر ولفهم رؤيته ولتفسير مواقفه؟ لا شيء خارج المتفرقات المدرسية أو الإعلاميةودعايات السياسة أو إسقاطات الوجدان. أعطيك مثالاً ملموساً: ليس هناك، في حدود علمي، أطروحة دكتوراه واحدة في علم الاجتماع من بين ما أعده الطلاب العرب في الجامعات الأوروبية، خلال نصف قرن، موضوعها مجتمع أوروبي. وإذا صادف أن كانت هناك استثناءات نادرة فليس لها مردود معرفي معروف، هذا في حين أن الباحث الأوروبي إذا جاء إلى بلد عربي فلدراسته لا لدراسة مجتمعه الأصلي. أما المؤسسات الأوروبية والأميركية والإسرائيلية المتصلة بالعالم العربي فعددها وتنوعها يقابلهما فراغ عربي غريب.
الآخر الغربي، وهو في الواقع متنوع، له صورة مختزلة وعنيفة في مخيالنا وخطابنا يجب إعادة بنائها من خلال المعرفة العلمية والآليات العقلية كشرط ضروري لكنه لا يكفي. أقول لا يكفي لأنه لا بد مع ذلك، على الأقل، من أمرين: العمل على تعديل العلاقة الموضوعية بالآخر، بما في ذلك مقاومة هيمنته ودفعه إلى الحد منها لأن صورته، مهما حسّنها بعض العرب القابلين للهيمنة، لن تتغير في جوهرها ولدى الفئات الواسعة إلا إذا تخلى عن هيمنته. الأمر الثاني أن يتسع المجتمع المدني للحريات التي تتعدّد معها صور الذات، بالتالي صور الآخر. المجتمع التعدّدي هو وحده القادر على توسيع الرؤية للآخر وعلى تنويع المواقف منه وعلى تفكيك قوالب التعبير الجامدة في تناوله.
الترجمة ترياق
> لديك حماسة كبيرة لمشروع الترجمة، فهل ترى فيه ترياقاً ما لحال التردي، التي يعاني منها المفكرون بقدر ما يعاني منها الذين يفكر عنهم من دون ان يدروا وربما من دون ان يريدوا ايضاً؟
– إذا كان لتردّي الفكر ترياقٌ فهو ترياق مركّب ليست الترجمة إلا أحد مكوّناته. لنترك المجاز ونحصر الموضوع: وضع الترجمة في العالم العربي لا يكفي وصفه بأنه متردٍّ. إنّه مرعب، لا كحقل من حقول المعرفة فقط وإنما كمؤشر على تخلف الوعي السياسي، أولاً، والثقافي ثانياً. الترجمة ليست عملية تقنية، في جوهرها. إنها تطبيق سياسي لمبدأ دستوري عربي يزعم أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية. هذا المبدأ غير مطبّق، والحديث عن لغة رسمية يعني التعامل بها في الرسميات. ومن دون دخول في الجزئيات، يمكن القول، من دون رغبة في الإفراط، إن المجتمع العربي اليوم لا لغة له. لغاته خليط هجين تتقاسمه النخب والفئات فتعطيه كلٌّ منها نكهته، بل ولكْنته الخاصة بها. لا أدري ما مردود هذا، سياسياً، ولكن لا يمكن الشك في أن هذا الوضع مرتبط بإرادة سياسية اختارته أو تركته يتفاقم. هناك مبررات تقليدية ركزت طويلاً على الصعوبات التقنية للتعريب. وقد زاد منها خضوع اللغة لقانون السوق ولوحشية الربح، فإذا التشويه المتعمّد في كل مكان، إلى حد أن المتعلم لم يعد يدري إن كان المعلّم أم التاجر على صواب في التركيب والإملاء. وبقطع النظر عن علاقة اللغة بالسيادة الوطنية، وهي علاقة لا تبدو أنها موضوع وعي سياسي، هناك في المقابل بعدٌ اجتماعي للغة، وبصورة خاصة في مستوى المجتمع المدني حيث تتضح علاقتها بالمشروع الديموقراطي في مجتمعات تتوزع اللغات أو يتوزع خليطها بحسب الفئات الاجتماعية ومجالات الخدمات والإنتاج. خذ مثلاً تلك المصطلحات التي يُراد لها أن تنتشر في ما يسمى مجتمعاً مدنياً عربياً. كل فئة لغوية لها منها نصيب واستعمال فحال ذلك دون استقرارها، مضموناً وتعبيراً، على صعيد المجتمع وفي الخطاب السائد فيه.
التقارير الدولية ذكّرت العرب بأن ما ترجموه منذ عهد المأمون إلى اليوم ليس أكثر مما يترجمه بلد واحد من جنوب أوروبا في عام واحد. هذا من حيث الحجم، أما من حيث النوع فالوضع صعبٌ ومدهش لأن فيه تنكيلاً بالفكر. تقديري الشخصي أن الكتب المنقولة إلى العربية التي يتداولها الناس عبر الأسواق التجارية ليس فيها أكثر من خمسة في المئة، على أكثر تقدير ومع هامش تسامح، يمكن اعتمادها والاطمئنان إليها والاستشهاد بها، من وجهة علمية. هناك فضائح، والكلمة في محلها، لا تعبّر عن انعدام الجهد والتدقيق في الترجمة فقط، وإنما عن فقدان الأمانة العلمية والأخلاقية أيضاً.
قد تقول: ما الحل؟ قرار سياسي، أولاً، على الصعيد الوطني والقومي لحل المسألة اللغوية، تلبيةً لمطلب طبيعي قديم، وبعث مؤسسات للنهوض باللغة العربية أو على الأقل لحمايتها، أسوةً بحماية الطبيعة، إذا كانت النهضة كلمة كبيرة. موازاة لهذا، وضع استراتيجية عربية متقدمةللترجمة تستفيد من المقترحات التي بقيت حبراً على ورق وترتبط بمخطط إنجاز عملي وبآجال محددة. ثم لِمَ لا يفكر العرب في إحداث صندوق دعم للترجمة، على غرار صناديق أخرى، يتيح إمكان الافادة من الكفاءات الواسعة في نقل المعارف الضرورية. ان العالم العربي يملك من معرفة اللغات الشيء الكثير ولكنه لا يستفيد منها، وقد تفوت فرصة الافادة بعد رحيل الجيل الذي عرف معظمها في سياق تاريخي سابق.
في انتظار مبادرات من هذا النوع، تسعى بعض المؤسسات غير الحكومية، بإمكانات محدودة، إلى المساهمة في جهد من نوع جديد وفي إنجاز ترجمة متقدمة تقوم على رصد جماعي للفراغات الكبرى في المعرفة العربية وعلى الدقة والأمانة في نقل ما يساهم في تلبيتها. هذه، على الأقل، توجهات المنظمة العربية للترجمة التي بيّنت تجربتُها أن الترجمة الموثوق بها تجد التقدير والرواج دائماً، وأن لا خوف من قلة القراء العرب في هذه الحال.
> في عودة ما الى العقود الماضية، ألا يتوجب علينا ان نطرح سؤالاً عما اذا كانت الحداثة الاستعلائية مسؤولة الى حدٍ ما عما نعيش؟
– إذا كان المقصود بالحداثة الاستعلائية تلك التي تصوغها النخب، فالحداثة استعلائية بالضرورة. هناك سياقات تاريخية توجد التفاعل بين الرؤية الفكرية للحداثة والمجتمع وهناك سياقات أخرى لا توجده. عربياً، المسألة أكثر تعقيداً لأن مفهوم الحداثة نفسه في الخطاب الفكري،فضلاً عن الخطاب السياسي، ملتبس لأنه مختزل ومجزّأ وليس له حامل ثقافي قوي يحمله. وفي المناسبة، فهو لا يكاد، علمياً، يخرج عن نطاق الفلسفة وتاريخ الأفكار إلاّ عرضاً. لهذا لا يمكن القول إنه مفهوم مركزي في الخطاب العربي. الاهتمام الأكبر هو بالتحديث. وهو غالباًما يكون تحديثاً بلا حداثة. وأعتقد بأن أصل الإشكال هو في أن الفكر العربي، إجمالاً، لا يقبل مفهوم القطيعة، ولا يُقدم على بنائه، في حين أن الحداثة هي، أصلاً، قطيعة. صحيح أن بعض الفترات مثل فترة ستينات القرن الماضي عرفت إعلاناً للقطيعة التغييرية أو الثورية ولكنها لم تتراكم وانتهت، دائماً، بانتكاسة.
الخطاب العربي السائد لا يزال يعيش ثنائيات تقليدية لا هو قادر على حلّها ولا هو قادر على التخلي عنها، من نوع الأصالة والمعاصرة أو التراث والحداثة وما إلى ذلك مما جعل هذا الخطاب مجالاً تتقاطع فيه وتتداخل العصور والمرجعيات والأنساق والمفاهيم، من دون الإحساس غالباً بما بينها من تباعد أو تناقض. يبدو أن المهم هو أن يكون هناك جمعٌ بين طرفي المعادلة ولو كانت معادلة مستحيلة، فكرياً وعملياً. في الإمكان أن أوضح فكرتي أكثر: عندما يضع الإنسان إشكالاته في مستوى الثنائيات فهو يحكم عليها، مسبقاً، بعدم الحل. وإذا كان تعوّد على ذلك فلأنه لا يرى المسافة الكبيرة والخلاقة بين الشيء وضده، بين الخير والشر، بين الحب والكره، بين الصواب والخطأ، باختصار، بين الأبيض والأسود. هذا في حين أن في إمكانه أن يتصور مثلاً، أنّ الصواب خطأٌ لم يكتمل وأن الخطأ صوابٌ لم يكتمل. مجرد هذا التصور يفتح لفكره أبواب الاجتهاد.
من دون قطيعة فكرية ومعرفية مع الثنائيات التقليدية قد يكون هناك تحديث ولكن لن تكون هناك حداثة. اللجوء إلى الخصوصية لا ينفع لأن التمسك بها قد يعني التمسك بخصوصيات التخلّف. أما إذا كانت الخصوصية بالمعنى التاريخي فالخصوصية ليست حكراً على العرب. كل المجتمعات لها خصوصياتها، بما فيها تلك التي أحدثت قطيعة في تاريخها أدخلتها الحداثة. باختصار، من التوهم القول إن الحداثة في الفكر أو في المجتمع العربي لها دخل في ما آلت إليه الأوضاع. هذه الأوضاع، على رغم كل أشكال التحديث، هي أوضاع ما قبل حداثية، تماماً مثل ما يسمى مجتمعاً مدنياً عربياً وهو لا يزال مجتمعاً ما قبل مدني.
رؤية كلية
> وفي مواجهة التغيرات التي طرأت، من ترييف المدن، الى الغوص في التخلف، الى استشراء العنف، أي دور يمكن بعد للفكر العربي، او للمفكر العربي ان يلعبه؟
– أمام ظواهر من هذا النوع لها طابع المشكل يبدو لي أن على المفكر أن يحافظ، أولاً، على رؤية كلية للظواهر. يجب ألا يلبى بسهولة طلب الحلول الجزئية أو القطاعية، كما يقال. هذا هو مبدأ الوصول إلى أصل الظواهر وإلى تحديد أبعادها، أي إلى ما هو أساسي فيها، قبل الدخولفي تفصيلاتها. المفكّر، خلافاً للمثقف المقاول، ليس حلاّل مشاكل. طبعاً، هناك متخصصون حرفيون أو ميدانيون لهم خبرة في تناول هذه المشاكل بأقدار مختلفة من الجمع بين الفكر والتقنية.
تعوّدنا أن نصنف المفكرين بحسب أدوارهم الاجتماعية ومواقفهم السياسية والأيديولوجية التي نجهد النفس في استخراجها من خطابهم، لكننا قلّما نصنفهم بحسب طبيعة الفكر أو المعرفة التي ينتمون إليها ويتصرفون فيها، وهذا في حد ذاته موقف سلبي من المعرفة أو موقف أيديولوجي على حساب المعرفة. أشير إلى هذا لتبرير القول إنه، خلافاً للمقولات الشائعة، يحتاج المفكر العربي إلى تعميق فكره، كضرورة أولى، أكثر مما يحتاج إلى أدوار قد لا تحتاج إلى فكره وقد تحوّله إلى مقاول فاشل. متى يقتنع الناس بأن تعميق الفكر هو تعميق للوعي وأن تعميق الوعي هو، في حد ذاته، عمل معرفي ثقافي واجتماعي وحتى سياسي كبير وأنه بالتالي نمط من الارتباط بالمجتمع كما يراه المفكر؟ أليس هذا ما فعله كبار المفكرين في تاريخ البشرية؟ في اتجاه معاكس أيضاً للمقولات الشائعة، أعتقد بأن ما ينقص الفكر العربي عموماً والمعرفة العربية خصوصاً هو البعد النظري، إذا اعتبرنا أن النظري لا يعني العموميات وإنما هو حصيلة الجهد المعرفي في بناء الأفكار والأحكام وما يرتبط بها من مفاهيم.
كل مشهد ينسيك ما قبله
«… هكذا، يجد الانسان نفسه، ومعه الحركات الاجتماعية، في حضرة ثقافة سائدة بلا مثقفين، مجردة – تعميماً او تفتيتاً – تحمل افكاراً بلا فكر، دلالاتها معلقة، بلا مرجعية. ولأنها كذلك فهي يمكن ان تنشر مفاهيم مجتمع بلا بشر ومجتمع مدني بلا مدنية وحقوق انسان بلا انسان، وقس على ذلك الكثير.
هذه الثقافة التي فقدت أصولها الاجتماعية هي ثقافة العابر. هي، أساساً، ثقافة المتخيل، ثقافة غير الواقعي (Virtuel) الذي لم يعد فيه ربط ممكن بين الذات والموضوع. هي ثقافة «الناس جميعاً» أي ثقافة لا أحد. انها ثقافة خفية الاسم (Anonyme)، لا باعتبار منتجها فحسب، وإنما ايضاً لأنها لا مكانية ولا زمانية. إنها، اكثر فأكثر، ثقافة بلا ذاكرة: كل مشهد منها ينسيك ما قبله، كما هي حالها في التلفزيون. كل يوم تشهد شبكة الانترنت ظهور مئات الملايين من الصفحات الجديدة، مع تعديل او سحب عدد مماثل من الصفحات. وفي حين اننا نستطيع ان نلمس ونقرأ ونشم مخطوطاً مضت على كتابته قرون، فإن متوسط العمر لصفحة الانترنت لا يزيد على 15 يوماً. وقريباً سيكون من يتحدث عن التراث كمن يتحدث عن عصر ما قبل التاريخ.
ثقافة العابر هذه تحتاج الى نمط من «المثقفين» العابرين الذين ينحصر وجودهم في لحظة عبورهم. لا وجود ولا أثر لهم بين حلقتين من حلقاتها. ذلك ان ظهورهم هو شرط وجودهم. ليس مطلوباً منهم التفكير وإنما التجلي. لكنهم، في حدود عبورهم، يضعون لك الاسئلة والأجوبة وينتظرون منك ما يكفي من الغباء لتربح «المليون»! ثم هم قادرون قدرة عجيبة على وضع كل الناس في فصل دراسي واحد ليعلموهم الاخلاق والسلوك واللغة والطبخ وينتقلون بهم من ارسطو الى ترويض الكلاب. وطبعاً، لهم من اللياقة ما يكفي ليشكروا الجميع على حسن انضباطهم. في الأثناء لااحد يكون قرأ كتاباً او تأمل او نظر في شؤون دنياه. وعلى كل، فأُولى وظائف الضجيج هو ان يحول دون سماع غيره. وبما انه ضجيج سائد ومؤسسي فإنه يمثل صعوبة اضافية في الربط التحليلي بين اصوات الفكر وأصوات المجتمع. وليس من شك في ان هذا يدعو الباحث الى استنباط آليات جديدة لالتقاط هذه الاصوات.
هذا المشهد له ملامح كونية، ولكن العلاقة المتفككة بين الثقافة والمجتمع – وإن تشابهت تجلياتها – لها طبيعتان مختلفتان في المجتمعات التي لها وضع العرب في امبراطورية العولمة وفي المجتمعات التي لها سيادة الضبط والتحكم في هذه الامبراطورية. ان الثقافة في المجتمعاتالمنتجة للظواهر المعولمة تبقى، كمحصلة، مرتبطة بواقع هذه المجتمعات، عبر الرؤى والأهداف التي تحملها. لذلك فإن المثقفين في هذه المجتمعات، سواء ساندوا هذه الثقافة او ناهضوها، يبقون وراءها كمحصلة جدلية. طبعاً، لكل ثقافة محصلتها، تاريخياً. محصلة الثقافة العربيةنعرف وضعها الراهن: هوية سردية، لا تاريخية، خليط من حكايات أزمنة متفرقة. ومثلما أخذ المثقفون العرب عن هذا الخليط او مثلما اخذوا، يوماً ما، مما بدا لهم اكثر الفكر تقدماً في العالم، فهم، اليوم، اكثر من أي وقت مضى، يلتقطون الافكار والمسائل مما هو متوافر في الثقافة السائدة. وهم لذلك قد يتجندون لمقولة عارضة، سرعان ما يتخلون عنها لغيرها، من دون ان يكونوا صاغوا عنها اسئلة او اجوبة جوهرية. ان هذه الافكار والمسائل غالباً ما تكون ملجأ لفكرٍ لا يجد سبيلاً الى علاقة اوثق بواقعه. وهي، على كل، هروب بالدلالة الى غير مواقعها الاجتماعية».
من دراسة للطاهر لبيب بعنوان «ثقافة بلا مثقفين»
(
المستقبل العربي – 2002)
من اخترع الآخر
«يقوم نفي الآخر على صورة يبنيها صاحبها مثلما بنيت صورة الثعبان او الشيطان. المهم ادراك ان موضوع النفي هو صورة الآخر. والصورة غير الواقع، حتى وان كان الصراع حولها من رهانات الواقع. لذلك فإن مبررات الموقف من الآخر – وهي ليست محل نظر هنا – قد لا تجد مصدرها فيالوعي بواقعه بقدر ما تجده في العلاقة بصورته. من المهم، كذلك، ادراك ان صورة الآخر تحيل الى واقع من يبنيها وتعبر عنه اكثر مما تحيل الى واقع من بنيت صورته.
صحيح ان الغرب اخترع شرقه، لكنه صحيح كذلك ان الشرق اخترع غربه: كل من موقعه، وكل بطريقته وآلياته. واذا كان اختراع الآخر يحول، في الحالين، دون معرفته فإن «الجواب عن الاستشراق ليس الاستغراب»، كما يقول ادوارد سعيد. ان السمة الغالبة في التناول العربي للاستشراق هي رفض الصورة التي يحملها عن العربي والمسلم والبحث لها عن سياقات ودوافع. غير ان هذا الرفض لا يوازيه تساؤل عن الصورة التي يبنيها العربي عن الغرب، وعن علاقتها بواقع الغرب. انه يتشكى من «تشويه» الغرب لصورته، لكنه لا يتنبه الى ان صورة الغرب يمكن ان لا تكون اقل تشويهاً في مخياله وخطابه. وهو ما قد يعني انه في الوقت الذي يريد ان يكون ذاتاً يواصل التخيل والكلام كموضوع او كمرمى مستهدف.
لقد بقي نقد الاستشراق في جوهره ملاحقة للذات. انه تصيد لها خارج فضاءاتها المعهودة. قد يكون ذلك بأدوات معرفية متقدمة وبذكاء كبير، كما هو الشأن في «استشراق» ادوارد سعيد، لكن العلاقة بالنص الاستشراقي تبقى ذات شبه كبير بعلاقة الرحالة بالبلد الذي يرحل اليه بحثاًعن ذاته. هذا البحث المتواصل عن الذات في فضاء الآخرية يمتد الى مجالات مختلفة، ومنها المعرفة: ما أنجزه الدارسون العرب في أوروبا عن أوروبا ضئيل بالنسبة الى ما أنتجوه فيها عن انفسهم. ومعلوم انهم في اوطانهم ليسوا اكثر تخصصاً فيها ولا في مقررة مصائرهم ومصائبهم،أميركا. ادوارد سعيد الذي ابرز ما في الاستشراق من علاقة بين المعرفة والقوة رأى ان «مجرد وجود حقل كالاستشراق لا معادل له في الشرق يوحي بما للشرق والغرب من قوة نسبية» وأن «الهيمنة الثقافية تستمر برضى الشرقيين، كما تستمر بضغط اقتصادي مباشر من قبل الولايات المتحدة. انه مما يدعونا الى التفكير ان نجد، مثلاً، في الولايات المتحدة عشرات المؤسسات التي تدرس الشرق العربي والاسلامي في حين لا توجد في الشرق مؤسسة واحدة لدراسة الولايات المتحدة، على رغم ان هذه الاخيرة تمثل التأثير الاقتصادي والسياسي الاساسي في المنطقة».
من تقديم لكتاب «صورة الآخر» للطاهر لبيب (1999)
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 6 فيفري 2006)