الاثنين، 4 يونيو 2007

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
8 ème année, N° 2568 du 04.06.2007
 archives : www.tunisnews.net

 


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: السيد معتوق العير : ضحية أخرى للمراقبة الإدارية… الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: عبدالله الزواري مهدد بتواصل النفي إلى 2009 عبدالله الـزواري: المراقبة الإدارية بين أحكام القضاء وتعسف الإدارة بتونس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان: عبدالله الزواري: 16 عام من السجن والنفي تكفي: على الحكومة التونسية أن تمتثل لحكم القانون  تونس الخضراء: بيان بمناسبة اليوم العالمي للبيئة

عبد الله زواري: حصاد الأسبوع

أبو أنيس: الشيخ الشهيد مبروك الزرن: ستبقى شاهدا على إرهاب سلطة 7/11

عبدالباقي خليفة : الحروف واضحة والنقاط كذلك .. إنهم يرتعشون .. يهربون للامام .. يستعيرون ألفاظنا قبل نطقها .. إنهم يدينون أنفسهم .. عبدالحميد العدّاسي : المتحايلون… منتحلو الهوية

أشرف زيد : ورقات من ماض لم ينته بعد (7) « الجنرال والكتب » : أداة الجريمة… الكُتب حبيب الرباعي: خطابنا السياسي بحاجة إلى مراجعات (الجزء الثالث): من مظاهر الطغيان الاقتصادي والاجتماعي.

محمد العروسي الهاني: الحلقة الثانية : مشاغل الناس و همومهم و معانتهم اليومية و خاصة في مناطق الظل

عبد الصمد: ردا على بو عبدالله
افتتاحية البيان: دفاعا عن سلمنا الاجتماعية و تأكيدا لسنة الحوار

محمد الحمروني: توتر الوضع الاجتماعي من جديد: إضراب ناجح في الأساسي وشارة حمراء في المغازة العامة

محمد احمد: رد على مقال: « الحياة السياسية: تعثـر «المبــادرة».. وغمـــوض داخـــل المعارضة » سـلـيـم غـريـس: السلطة تستهدف الإتحاد في استقلاليته الحياة: الغش «الطريقة الأسهل» الى النجاح؟ باسط بن حسن: في وداع إدريس بن زكري: الأمل في الكرامة بوصفه برنامج عمل د. سلوى الشرفي : توظيف الدين في الدهس والرفس سعيدة قراش :  تعقيبا على سلوى الشرفي: بين ثقافة الانتظار وعقدة الاختبار، نحن على عجل…

      

حسن ساتي: الوثائق البريطانية ـ عملية عنتبي 1976.. خفايا الوثائق ونظرية الذراع الطويلة سليمان الشيخ  : دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840 – 1914


(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


 

قناة الحوار التونسي

   

برنامج يوم الاحد 10 جوان2007    

-نشرة الاخبار الاسبوعية -فاصل موسيفي لمجموعة البحث الموسيقي. -تغطية لاضراب اعوان الصحة. -فاصل شعري للصغير اولاد احمد. -حكاية مواطن جول ملف سوء التصرف داخل الشركة الوطنية للسكك الحديدية ( الجزء الاول) -حوار مع ام السجينين وليد وخالد العيوني. – فاصل شعري مع سليم ساسي -حوار مع جمعية الصحفيين التونسيين حول التقرير السنوي للحريات الصحفية و ردود الافعال التي اثاره


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين الرئيس الشرفي المرحوم العميد محمد شقرون

السيد معتوق العير : ضحية أخرى للمراقبة الإدارية…

 
علمت  الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين أن السجين السياسي  السابق السيد معتوق العير يتعرض لاعتداءات ومضايقات واستفزازات يومية بمركز الشرطة بالعقبة بلغت إلى حد التضييق عليه في طلب الرزق والضغط على كل مشغل له ليطرده كما يقع احتجازه عند الذهاب للإمضاء بكراس المراقبة الإدارية لساعات طويلة كما تحجز أحيانا وثائقه الشخصية. وفي المدة الأخيرة حينما بدأ يعمل على شاحنة نقل لحساب الغير صار أعوان الحرس يتعمدون حجز وثائق الشاحنة لساعات ولا ترجع له الا بعد تفويت مصالحه. وفي يوم 15 ماي 2007 تم الاعتداء عليه بالعنف وإهانته من طرف رئيس مركز الحرس الوطني بالعقبة الملازم أول قيس منصور مما تسبب له في نزيف دموي بعينه اليسرى وهو ما عاينه طبيب الصحة العمومية الذي منحه راحة لمدة عشرة ايام وسلمه شهادة طبية في الغرض وقد تقدم السيد معتوق العير بشكاية لدى وكالة الجمهورية بمنوبة قيدت بتاريخ 19 ماي 2007  تحت عدد 2007/7027577  طالبا فيها تتبع المعتدي قيس منصور بناء على احكام الفصل 201 من المجلة الجزائية. ولم تفلح كل تشكيا ته وتظلمه لرئيس الدولة في كف الأذى والتجاوزات المنتهكة لحقوقه. علما ان السجين السياسي  السابق السيد معتوق العيرقضى 16 سنة سجنا وقد تم إطلاق سراحه بموجب السراح الشرطي في 5 نوفمبر 2006 وهو خاضع للمراقبة الإدارية. والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين 1 – تستنكر جملة الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المسرحين السياسيين والهرسلة اليومية التعسفية التي تمارس تحت عنوان تنفيذ قرار المراقبة الإدارية. 2 – تطالب بوضع حد لكل الانتهاكات والاعتداءات  المسلطة على السجين السياسي  السابق السيد معتوق العير ومعاقبة المسؤلين عنها. تونس في 4 جوان 2007 عن الجمعية المنسق الأستاذ مختار اليحياوي


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين

عبدالله الزواري مهدد بتواصل النفي إلى 2009

 
تنتهي يوم غد الثلاثاء مدة العقوبة التكميلية المحكوم بها على سجين الرأي السابق الصحفي بجريدة الفجر عبدالله الزواري.

و كان عبدالله الزواري قضى 11 سنة سجنا من أجل انتمائه لحركة النهضة المحظورة و مسؤوليته في هيئة جريدة الفجر قبل أن يطلق سراحه في شهر جوان 2002. إلا انه بمجرد خروجه من السجن و قع اختطافه من طرف البوليس السياسي من أمام مكتب محاميه بتونس و نقل إلى منطقة الخريبة النائية بمعتمدية جرجيس حيث قرر وزير الداخلية نفيه مع تشديد الحراسه اللصيقة الدائمة عليه تحت ستار المراقبة الإدارية. و قد بلغت ممارسات التنكيل التي تعرض لها حدا بلغ قطع مختلف قنوات الإتصال به بما في ذلك الهاتف ومراكز الأنترنات العمومية. كما تم تلفيق تهمة كيدية له بمخالفة قرار المراقبة الإدارية وإلقاء القبض علية في السوق العام ببنقردان من نفس الولاية والذي تحول له تحت أنضار حراسه الأمنيين و اعتبروا ذلك مخالفة لقرار المراقبة الإدارية حكم عليه من أجله بثمانية أشهر سجن إضافية قضاها بسجن حربوب في أقصى الجنوب. و قد خاض عبدالله الزواري مختلف أشكال الإحتجاج المتاحة له على التجاوزات و الممارسات الإنتقامية التي تعرض لها آخرها إضرابه على الطعام لمدة تجاوزت الشهر للمطالبة بوضع حد لحالة النفي غير القانونية المفروضة علية و تمكينه من الالتحاق بعائلته بتونس شأنه شأن كل المساجين السياسيين السابقين.

ومع انتهاء مدة المراقبة الإدارية تتضافر المؤشرات على أن السلطة تستهدف عبدالله الزواري سياسيا و أن الممارسات الإضطهادية التي تم التجاوز بها على حقوقه كسجين سابق و كتونسي يفترض أن يلقى حماية القانون لا علاقة لها بتنفيذ العقوبة التكميلية الصادر بها حكم المحكمة بعد قضائه عقوبته الأصلية.  وقد تم استدعاء عبدالله الزواري نهار اليوم من طرف السلطات الأمنية الراجع لها بالنظر و تم إعلامه شفاهيا بأن إجراء النفي المفروض عليه خارج القانون وقع تمديده لمدة 26 شهرا معنى حتى سنة 2009 و هو موعد الإنتخابات الرئاسية القادمة. 

إن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسين تطالب برفع كل أشكال الإضطهاد و الحد من الحرية الذاتية التي يتعرض لها عبدالله الزواري فورا باعتباره لم يبقى مطالب بأي التزام تجاه القانون. 

و تعتبر أن حالة عبدالله الزواري إنما تؤشر على حالة الإضطهاد السياسي و التجاوز على القانون السائدة في تونس في حق كل الدافعين على الحريات الأساسية و المعارضين لنهج الإستبداد القائم و أن هذه الممارسات لا تهدف إلا إلى منع الشعب التونسي من ممارسة حقوقه بكل حرية وخاصة سيادته في اختيار من يتولى مسؤولية الحكم في بلاده بطريقة ديموقراطية. تونس في 4 جوان 2007

عن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين المنسق : المختار اليحياوي

 

 

المراقبة الإدارية بين أحكام القضاء وتعسف الإدارة بتونس

الحوار نت: قدم اليوم الأحد 3 جوان 2007– يوم العطلة الأسبوعية في تونس- و على الساعة العاشرة و النصف صباحا، رئيس مركز الأمن الوطني بحاسي الجربي، إلى حيث أجبرت على الإقامة، و طلب مني الحضور لديه في المركز قصد تبليغي إعلاما من « الإدارة »… فأعربت عن استعدادي للحضور لديه شريطة حصولي على استدعاء رسمي حسبما هو مبين بالقانون… وبعد جدل قصير أعلمني أنه لا يستطيع تسليمي أي استدعاء و كرر حرصه على حضوري بالمركز في أقرب وقت على أن يراجع رؤساءه…
علما بأن  » المراقبة الإدارية  » الني أخضع إليها تنتهي يوم 5 جوان 2007 نظرا لكوني غادرت السجن بعد إتمام المدة المحكوم بها علي و ذلك يوم 6 جوان 2002… و بحكم التجربة فإن هذا الاستدعاء- في يوم العطلة الأسبوعية- و تجشم السيد رئيس المركز القدوم إلي يشير- في افضل التوقعات- إلى عدم احترام نهاية مدة المراقبة الإدارية، إن لم تكن هناك نوايا أخرى بما هو اخطر من ذلك…
جرجيس، في 03 جوان 2007 عبدالله الــــــــــــــزواري  

عبدالله الزواري: 16 عام من السجن والنفي تكفي

على الحكومة التونسية أن تمتثل لحكم القانون

القاهرة، في 4 يونيو 2007م قالت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان اليوم أنه يتوجب على الحكومة التونسية أن تمتثل لحكم القانون وتنهي فترة الإقامة الجبرية التي فرضت على سجين الرأي الصحفي « عبدالله الزواري » لمدة خمسة أعوام منذ يونيو 2002 وحتى يونيو 2007م. وكان عبدالله الزواري قد أفرج عنه في يونيو 2002 عقب أحد عشر عاما قضاها في السجن ، مع وضعه قيد الإقامة الجبرية لمدة خمسة أعوام ، ثم قررت وزارة الداخلية أن يقضي هذه السنوات الخمس في مدينة جرجيس التي تبعد نحو 500كيلو متر عن العاصمة التونسية ، بعيدا عن أسرته وأولاده ، بحيث أصبحت هذه الإقامة الجبرية اقرب للنفي ، وتنكيلا به وبأسرته.
وفضلا عن هذا التعسف ضد صحفي تونسي ونائب رئيس تحرير سابق لجريدة الفجر التونسية ، فلم يسلم الزواري طيلة الخمسة أعوام التي قضاها منفيا في مدينة جرجيس « أقصى الجنوب التونسي » من التحرشات والقضايا الملفقة من عينة « تجاوزه لحدود 30 كيلو متر هي حدود حركته » أو حرمانه من استخدام مقاهي الانترنت ، وغيرها من التحرشات التي تحملها الزواري بصبر حتى انتهت فترة السنوات الخمس هذه الأيام. والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ، تناشد المجتمع المدني العربي والعالمي مساندة الصحفي عبدالله الزواري في الحصول على حريته وأن يعود لأسرته في العاصمة التونسية ، بعد أن قضى ما يزيد عن 16 عاما مابين السجن والإقامة الجبرية الظالمة .
خلفية عن عبدالله الزواري :
    * صحفي تونسي ، يطلق عليه العديد من المهتمين بسجناء الرأي لقب « نيلسون مانديلا العربي  » حيث أعتقل لمدة 16 عاما بالإضافة إلى 5 أعوام رهن الإقامة الجبرية.     * لم ينسب إليه أي ممارسة للعنف ، وترفض الحكومة التونسية الاعتراف بكونه صحفي أو باعتباره سجين رأي وذلك فقط لانتمائه للتيار الإسلامي .     * بدأ اعتقاله لأول مرة عام 1981 عقب تقديمه لطلب تصريح بإنشاء حزب سياسي ثم أطلق سراحه في عام 1984.     * اعتقل مرة أخرى في عام 1987 ضمن حملة طالت التيار الإسلامي وأطلق سراحه عام 1989.
·        أعيد اعتقاله عام 1991 بتهمة الانتماء لحركة النهضة الإسلامية في تونس وقضي بسجنه لمدة احد عشر عاما ، حتى 2002م واقتران الحكم بالإقامة الجبرية لمدة خمسة سنوات تنتهي في بداية يونيو 2007م. ·        قرر موقعا « الحوار نت » و « تونس نيوز » إطلاق حملة توقيعات لمطالبة الحكومة التونسية بأن تنفذ الحكم القضائي الخاص به والذي يلزمها بأن تنهي فترة إقامته الجبرية وأن يعود لأسرته في يونيو 2006م.
للمشاركة في حملة التوقيعات يرجى إرسال الاسم الكامل والدولة إلى البريد التالي :
brikhedi@yahoo.de  أو  info@alhiwar.net
(المصدر: موقع « الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان » (القاهرة) بتاريخ 3 جوان 2007) الرابط: http://www.hrinfo.net/press/2007/pr0604.shtml

حزب  » تونس الخضراء »

بيان بمناسبة اليوم العالمي للبيئة

تتعرض اليوم العديد من الأحياء الشعبية إلى مشاكل بيئية يومية كجحافل الناموس والتلوث في المدن والأمراض الخطرة المتأتية عن هذا التلوث وكذلك الفيضانات  المتكررة وما ينجر عنها من غرق الأحياء الشعبية خاصة في المناطق والقرى الريفية بالمياه والأوحال.
          ولا يفوتنا بهذه المناسبة العالمية إلا أن نذّكر خاصة بالمشاكل البيئية التي تتعرض لها جهات صفاقس وقابس وقفصة من تلوث متأتية من معمل السياب والمعامل الكيميائية الأخرى. لقد تسببت هذه الصناعة الكيميائية  منذ 50 سنة في تراكم آلاف الأطنان من الفوسفوجيبس .
          إن انبعاث الغارات الملوثة في هذه الجهات  أنجر عنه أمراض خطيرة كالسرطان وهشاشة العظام الشيء الذي يطلب الآن حلولا عاجلة بالنسبة لكل المصابين بهذه الأمراض ، زيادة عن تعويض  وجبر الضرر للعملة والمتساكنين في هذه الجهات  قرب المعامل .
          إن هذه العناية العاجلة تتطلب إحداث صندوق تعويض خاص بالتلوّث يموّل من طرف الصناعات الملوثة ومن مرتكبي التلوث و هي الحد الأدنى في الوقت الراهن في انتظار إزالة ظاهرة ومصادر التلوث.
          أما الاهتمام العالمي الواسع بقضايا البيئة والتنمية المستدامة  فلقد نتج من الوعي السياسي البيئي الدولي ومن عمل آلاف الجمعيات  البيئية المنتشرة عبر العالم. ولقد تولد هذا الوعي عن نمط الإنتاج العالمي الحالي الذي ما انفك يولّد أزمات ايكولوجية من الاستهلاك  المفرط للمواد الأولية ومخزون الأرض من معادن  وفحم حجري وطاقة في المجمعات المصنّعة الغربية – إن الغازات المتأتية من ملايين المعامل والسيارات تهدد الكون والإنسان وتسبب أكبر أزمة  يعرفها القرن الحال، أزمة الانحباس الحراري  وتغير المناخ وما تبعه من مخاطر بيئية .
          وتشكل كذلك النفايات النووية والتي تمثل 7000 طن في السنة مصدرا للأمراض السرطانية وتبقى مشعّة لمدة قرن من الزمن.
          كما يرزح العالم اليوم  تحت وطأت  2 مليارطن من النفايات الصلبة و 350 مليون طن من النفايات الأخرى الخطيرة، علما بأن  90%  من هذه النفايات مصدرها البلدان المصنعة العظمى.
وأخيرا لقد تقدمت السلطات الفلسطينية إلى مكتب الأمم المتحدة في عمان بتقرير رسمي تعلن فيه أن السلطات الإسرائيلية تقوم سنويا بدفن آلاف الأطنان من النفايات النووية داخل الأراضي الفلسطينية وأن هذه النفايات تسبب في الأمراض المميتة  وخاصة الأمراض السرطانية !!
          تشكل القارة الإفريقية أولى المناطق المستهدفة من الانقلابات البيئية العالمية ومن سياسة النمو الغير مستدامة . فزيادة عن الأمراض والحروب المدمرة والفقر يوجد في أفريقيا اليوم 200 مليون انسان مهدد بالجوع ومات منذ 1985 أكثر من 7 مليون عامل فلاحي في 25 بلد افريقي  من مرض السيدا!
          كما تتعرض نيجيريا حاليا أغنى بلد افريقي وأكثرها سكانا إلى عملية نهب لا مثيل لها لمخزونها الطاقي من البترول وهي بذلك  أيضا تعدّ أول بلد إفريقي طالها التلوث في كل المناطق الفلاحية،  وفي مجاريها  وأوديتها الطبيعية والمتسبب في هذا هي شركات إنتاج البترول  العالمية. ولقد فقدت نيجيريا بهذا التلوث  ثروتها السمكية الطبيعية النهرية  التي يعيش منها سكان المناطق المجاورة لحقول النفط !!.
          في حين يجتمع ثمانية بلدان في ألمانيا لإقناع شركائهم بالتخفيض في الغازات المتسببة في أزمة الانحباس الحراري  ويتحرك العالم لعقد الندوات والمؤتمرات من أجل الدفاع عن البيئة والتنمية المستديمة .
                             ونحن نؤكد أن إنقاذ العالم يبدأ بإنقاذ إفريقيا أولا.                                                                              تونس في: 4 جوان 2007 المنسق العام لحزب  » تونس الخضراء » عبد القادر الزيتوني  

حصاد الأسبوع
الإثنين 04/06/2007 إعداد الصحفي المنفي/عبد الله زواري 1) علمت: 1- ذكرنا في العدد السابق عن السباق نحو عمادة المكان، و لم أذكر ان العمدة الحالي باق في منصبه إلى حدود ديسمبر 2007.. و بلغت الترشحات إلى حدّ الآن 18 ترشحا.. و إن كانت الحملات الانتخابية في الأوساط الديمقراطية السليمة توجه إلى عموم الناخبين من ابناء الشعب الكريم إقناعا لهم بوجاهة رؤاهم و خطبا لودهم و سعيا إلى الحصول على أصواتهم فإنا هنا لم نشذ عن القاعدة إذ توجه الحملات الانتخابية نحو الناحبين لكنهم هنا أعيان البلدة الممثلين حصرا في مناضلي  » الشعب الدستورية » و المسؤولين  » الأمنيين » طمعا في تزكيتهم… … لعلنا نذكر ماكان يقع عند تعيين مثل هذه المهام في عهد الملكية ( القايد و الخليفة..) و ما يقدمه الساعي إلى الظفؤ بإحدى هذه المنااصب… 2- سبق لصحيفة « مواطنون » لسان حال التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات أن نشرت خبرا عن تبرع بلدية جرجيس بأرضَ صالحة للبناء لفائدة التجمع الدستوري الديمقراطي… و في ظرف أشهر قليلة ها هي بناية فخمة تنتصب في شموخ وسط المدينة و لسان حالها يقول:  » هل جزاء الإحسان إلا الإحسان »؟، هل كان الذين تبرعوا بي ليجلسوا في تلك الأرائك الوثيرة لو لا تزكية  » التجمع » لهم كلهم… على كل قد يأتي زمان نطلع فيه على موقف ممثلي حزب معارض في المجلس البلدي… البناية الجديدة في فخامتها و اتساعها لا يحوز مثلها أخلص أحزاب المعارضة لأهل الفضل و المنة عليهم و لا سبيل للمقارنة بينها و بين المقرات المركزية لهذه الأحزاب … رغم كونها لفائدة هيئة في الدرجة الثالثة من السلم التنظيمي…( انظر الصورة المرفقة) 3- اعتقال الأسعد الجوهري يوم الخميس الماضي الموافق ل 24 ماي 2007 و الذي يوافق كذلك يوم الزيارة الأسبوعية للأستاذ محمد عبو القابع في زنزانة بجناح العزلة في سجن الكاف مند ما يزيد عن سنتين إنما كان للحيلولة دون مرافقته لوفد حقوقي أجنبي مع زوجة الأستاذ عبو لمدينة الكاف.. علما بأن هذا الوفد يضم ممثلين عن منظمتي Frontlineو Human Rights First… 2) تدبرت: إذا ركلك أحد من خلفك …فاعلم أنك في المقدمة 3) سمعت: الانتحار:
كم هم الذين انتحروا في جرجيس هذا السنة؟؟ اثنان ؟ ثلاثة؟ أربعة؟ أكثر من ذلك… ما وراء عمليات الانتحار هذه؟ اكتئاب، إحباط، يأس، إفلاس،…
آخرها فتاة تقدم على الانتحار في تجمع سكني قريب من المدينة، تفيد المعطيات بأن أخاها اعتقل و وجهت إليه تهمة السرقة، سرقة مصوغ، أنكر الشاب هذه التهمة، لكن صبره و تحمله لم يسعفاه أمام التعذيب المسلط عليه، اعترف بالسرقة ظنا منه أنه نجا بنفسه مما كان يلاقيه، و كان السؤال الطبيعي الثاني  » أين أخفيت المصوغ الذي سرقت؟ » و هروبا منه إلى الأمام ادعى أنه أخفاه بالمنزل الذي يقيم فيه، و تسرع الشرطة إلى البيت… فوجئت الأخت بمنظر أخيها مقيد اليدين و علامات الإجهاد و الإعياء بادية جلية، و هناك لم يجدوا  » المصوغ » المبحوث عنه، بل وجدوا بعض القطع البسيطة علة ملك الأخت و الأم…. و في انتظار تفصيلات أخرى، كان هذا كافيا لتقدم الاخت وهي على يقين من براءة أخيها، على الانتحار، و يبقى الشاب رهن الاعتقال… 4) رأيت: بلغ من العمر تسعين سنة، ترك البلاد سنة 1958 فرارا بجلده من ملاحقة بورقيبة و أنصاره لليوسفيين بعدما قضى سنوات طوال في الجبال و الفيافي مقاوما للمستعمرين، و عاد إليها أول مرة زائرا في أفريل 1988، لم يكد يدخل بيته حتى يطرق أعوان من الأمن الباب، لم يراع المخبر قرابة و لا سن الرجل و لا أفول نجم بورقيبة و تغير الأحوال، و يطلب الأعوان منه الاستظهار بجواز سفره، ثم طلبوا تسليمهم الجواز فرفض، لكن إصرار الأعوان من جهة و تدخل الأقارب و المعارف جعله يرضخ لطلبهم، و بمجرد ان تحركت سيارتهم عائدة إلى قواعدها سالمة مظفرة، يستعيد الشيخ وعيه فيلتحف  » جرده » و يلتحق بهم… و قريبا نفتح بعض الصفحات من  » ذاكرة  » الشيخ، تأسيس أول شعبة بقرية المؤانسة، مؤسسوها، العمل المسلح، النزول من الجبال و تسليم الأسلحة، الهجرة إلى الجزائر و مؤازرة جيش التحرير الوطني الشعبي…. 5) قرأت ماذا يقول العرب لإسرائيل عن حماس في الخفاء ؟ صالح النعامي تراكمت في الآونة الأخيرة الكثير من التصريحات الصادرة عن العديد من كبار صناع القرار في إسرائيل والتي تؤكد جميعها أن هناك رغبة عربية رسمية في وضع حد لدور حركة حماس في العملية السياسية الفلسطينية. وزير الحرب الإسرائيلي عمير بيريتس قال الليلة الماضية في حديث مع قناة التلفزة الاسرائيلية العاشرة أنه عندما يلتقي مسؤولين عرب يشعر بالدهشة من حجم الامتعاض العربي الرسمي لوجود حركة حماس في الحكم. وأضاف أن الإنطباع المتبلور لدى الحكومة الإسرائيلية أن الحكومات العربية بإمكانها أن تتعايش مع الحرب التي تشنها اسرائيل ضد حركة حماس رداً على اطلاق الصواريخ، منوهاً الى أن كل ما يعني العرب هو عدم سقوط اناس ليس لهم علاقة بحركة حماس في عمليات جيش الاحتلال. وشدد على أنه يتوجب على اسرائيل تنسيق خطواتها ضد حماس مع الدول العربية، من أجل أن يتولد واقع فلسطيني يلبي مصالح اسرائيل وهذه الدول. وتطابقت تصريحات بيريتس مع التصريحات التي نقلتها الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية عن وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني بتاريخ 18-5-2007، حيث قالت أن جميع الرسائل التي تصل إسرائيل من الحكومات العربية سواء في اللقاءات المباشرة بين مسؤولين عرب وإسرائيليين، أو عن طريق القادة الأجانب الذين يزورون العواصم العربية، تؤكد أن الزعماء العرب معنيون أكثر من إسرائيل بغياب حركة حماس عن دائرة الفعل السياسي الفلسطيني وبأسرع وقت ممكن. وأضافت بالحرف الواحد  » كلهم يعيبون علينا وعلى الإدراة الأمريكية السماح بمشاركة حركة حماس في الانتخابات الأخيرة، ويتساءلون لماذا نكون نحن أكثر مرونة في التعامل مع الحركات الإسلامية من الأنظمة العربية التي تفعل المستحيل من أجل منع الإسلاميين من المشاركة في العملية السياسية « . أما القائم باعمال رئيس الحكومة الاسرائيلية شمعون بيريس  » فيشيد  » في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي بالدور العربي الرسمي في الحفاظ على الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني. وأضاف  » الأنظمة العربية مثلنا معنية بعدم نجاح تجربة حركة حماس في الحكم، وبالتالي فهي لا تسارع الى المحاولة بشكل جدي الى رفع الحصار عن الفلسطينيين. وهذه رسالة عربية واضحة للشعب الفلسطيني مفادها أن الأمور لا يمكنها أن تتقدم في ظل وجود حماس في الحكم « . الى ذلك ذكرت اذاعة جيش الاحتلال أن هناك ثمة تفاهم متبلور بين اسرائيل والادارة الامريكية على محاولة تقليص الدعم العربي لحركة حماس. واشارت الاذاعة الى واشنطن وتل ابيب تريدان عقد صفقة مع سوريا، على أساسها تسحب الولايات المتحدة معارضتها لقيام إسرائيل بإجراء اتصالات مع سوريا بشأن تسوية للصراع بينهما، مقابل أن تتراجع سوريا عن تأييدها لحركات المقاومة التي تتواجد قياداتها في دمشق، وعلى رأسها حركة حماس. من ناحيته شدد معلق اسرائيلي بارز على أن اسرائيل معنية باسقاط حركة حماس والتخلص منها دون أن تلتزم بإبداء مرونة سياسية في حل القضية الفلسطينية. ويضيف حنان كريستال، أشهر المعلقين السياسيين في إسرائيل، قائلاً  » لو قام العرب وأبو مازن بتقديم رؤوس قادة حركة حماس على طبق من فضة لإسرائيل، فأن أولمرت لن يقدم على أي خطوة في مجال تسوية القضية الفلسطينية « . 6) نقلت: « عذّبوا من قبل لي بان » Torturés par Le Pen حميد بوسلهم من كتاب : » عذبوا من قبل لي بان » حرب الجزائر ( 1954-1962) مقدمة:  » في سنة 1943، في نهج لوريستون، فرنسييون يصيحون فزعا و الما و كل فرنسا تسمعهم.. و في سنة 1958 في الجزائر يمارس التعذيب بانتظام و بصفة منهجية، و كل العالم يعلم ذلك من السيد لآكوست إلى فلاحي أفيرون، لكن تقريبا لا احد تكلم عن ذلك » جان بول سارتر نعم مارس لي بان التعذيب في الجزائر و اعترف هو نفسه بذلك عندما صرح بالخصوص في حوار مع يومية ِِ Combatالصادرة في 9 نوفمبر 1962:  » ليس لي ما أخفيه، عذبت لأنه يجب فعل ذلك، عندما يؤتى لك بشخص وضع عشرين قنبلة يمكن أن تنفجر من لحظة إلى أخرى و يرفض الكلام، يجب استعمال وسائل خاصة تجبره على الكلام.. أن الذي لا يريد الكلام هو المجرم لأن دم العشرات الممكن إنقاذهم في عنقه.. ……………………………………. ملاحظة: ما رأي القانون الدولي بل الفرنسي في هذه الاعترافات؟؟؟
(اعترافات و شهادات لا يقول المرء بعد اطلاعه عليها إلا  » ما أشبه اليوم بالبارحة ») 7) دعــــــــــاء  » الحمد لله الذي جعل العزة له وحده ولرسوله من بعده و لمن يمم شطره » (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 4 جوان 2007)


 

الشيخ الشهيد مبروك الزرن: ستبقى شاهدا على إرهاب سلطة 7/11

رأيته آخر مرة قبل استشهاده ببضعة أشهر لما كنت نزيل مستشفى شارل نيكول يالعاصمة التونسية الذي نقلوني إليه  بعد أن خضت إضرابا طويلا عن الطعام. كنت مقيما بغرفة منعزلة مع أحد الإخوة الذي قارب سنه الستين كانت  الأغلال في أقدامنا مشدودة إلى الفراش و لا تفك عنا القيود حتى أثناء أدائنا الصلاة. وكان في حراستنا 4 أعوان من السجن و 2 من أمن الدولة ( 6 أعوان ياخذون رواتبهم من عرق الشعب الكادح مقابل حراسة شيخ كبير لم يترك له المرض و الجوع قدرة حتى على الوقوف و العبد الضعيف مضرب عن الطعام لأكثر من شهر لا أقوى على المشي ). وذات مساء لاحظنا حركية غير عادية في الممر أمام غرفتنا و تضاعف عدد العسس حتى لم أعد أحصيهم ( حالة استنفار قصوى ) ثم ساد سكون في الممر فحسبنا أن أحد المسؤولين جاء لزيارتنا بعد أن رفضنا التفاوض حول تعليق الإضراب  إلا مع مسؤول سام في وزارة القمع (الداخلية) وبعد لحظات قطع الصمت صوت امرأة في الخمسينات من عمرعا لمحناها في الممر بحجابها تدفع الأعوان المسلحون بشدة وهم يحاولون منعها من التقدم للغرفة الملاصقة لغرفتنا وكانت تصيح بالعسس  » والله لو تقطعوني إربا لن أعود قبل أن أرى زوجي و أكلمه و علا الصراخ من الجانبين وسمعتها تقول لهم بلهجة تونسية « خافوا ربي حتى الراجل بساق وحدة خايفين منو ؟؟؟ »و تدخل عون من أمن الدولة وسمح لها برؤية زوجها من الباب للحظات ثم تنصرف لتأتي برخصة للزيارة من السجن. ففهمنا أنها زوجة عم مبروك و أن كل الإستنفار كان من أجله.  و ضعوه في الغرفة المجاورة و مع حلول الليل سمعت الشيخ يصلي العشاء بصوت قوي    عال ثم أخذ يلقي درسا على الأعوان المرابطين بغرفته و كان رحمه الله ذو صوت شديد كنا نسمعه رغم أن العسس أغلق علينا الباب « لأسباب أمنية » كان يقص عليهم من قصص الأنبياء. ولأن الشعب التونسي في غالبيته طيب بما فيهم العسس و لكنهم مكرهون من قبل السلطة حتى يكونوا قساة فكان من الأعوان من يدخل غرفتنا في غفلة من أشرار العسس و يخبرنا بالمستجدات في السجن فعلمنا أن الشيخ الشهيد و بعد أن قطعت رجله الأولى لا يزال يشكو آلاما فضيعة في رجله الثانية و أنها لا بد أن تبقى تحت التخدير لتخفيف الألم . و أنهم ربما يقطعونها. كان كل الأعوان يحترمون الشيخ و يستمعون لقصصه كل ليلة ولكنه رحمع الله كان حين تشتد به الآلام عند زوال مفعول المخدريصيح صياحا يدمي القلوب و يحرك الصخور الصماء فتنفجر دموعا و دماء. كنا نبكي لصياحه و ننادي العسس و الممرضين ليعطوه مسكنا أو يفعلوا شيئا ليوقفوا آلامه. و يتكرر السيناريو تقريبا كل ليلة ( أول الليل قصص ومواعظ وآخره ألام و صياح). كان رحمه الله لا يقوى على المشي فكان الأعوان يحملونه لقضاء حاجته و الوضوء إلى أن ملوا ذلك واشتكوا فسمحت الإدارة لابنته أن تلازمه ليلا وزوجته نهارا لا رأفة به و لكن تخلصا من مشقة حمله للحمام  خمس مرات في اليوم للوضوء. بعد مدة ولما تدهورت صحتي و صحة أخي و أوشك على الهلاك وعلموا أنه لا مفر لهم من استدعاء مسؤول من الداخلية لدفعنا لحل الإضراب جاءنا المسؤول الذي طلبنا و نسينا مطالبنا التي أضربنا من أجلها و دار حوارنا حول الشيخ مبروك رحمه الله فكنت أسأله ماذا تفعلون برجل شديد المرض كعم مبروك هل يمثل خطرا على أمنكم و هو في تلك الحالة ؟ أين إنسانية الرئيس ؟ أين » طيبته » و رعايته لضعاف الحال؟ هل في الوجود أضعف حالا من العم مبروك الذي لم يبق إلا لسانه  الداعي إلى الخير. كنت أتحدث بغضب و شدة  مع ذلك المسؤول و كان يعدني خيرا. و استدعى رئيس القسم الذي كنا نقيم به أنذاك و أقسم لي أنه أمضى تقريرا للرئاسة يقتضي ضرورة تسريح الشيخ فورا و أقسم لي أن إدارة السجون فعلت بالمثل و أن أمن الدولة فعلت كذلك و أنهم فقط ينتظرون قرار الرئيس الذي سيصل في غضون أيام . لم أتحدث عن مطالبي رغم أنه والحق يقال لبى لي كثيرا مما طالبت به سابقا و قطعت الإضراب و غادرت المستشفى بعد أيام رأيت خلالها الشيخ في غرفته يقرأالقرآن وكنت مارا لإجراء فحص طبي  وحالما لمحني تبسم و قال السلام عليكم و لم يترك الاعوان لي فرصة الحديث معه و عدت إلى السجن و كلي أمل أن يطلق سراح الشيخ و لم أسمع شيئا عن الشيخ لصعوبة متابعة الاخبار من داخل السجن في ذلك الوقت إلى ان بلغنا نبأ استشهاده بالسجن و تأكدت أن القوم لا عهد لهم ولا ميثاق . أو لعل الكلام ينطبق فقط على كبيرهم الذي علمهم السحرالذي أخاله تلقى التقارير و قال كما قال سيء الذكر طبيب السجن لما اخبروه بان الشهيد سحنون يموت « نحن لا نسعف كلبا يموت » وسيثبت التاريخ من الكلاب حقا.
رأيت الشيخ قبلها لما كان بصدد عرض مبادرة لإنهاء الأزمة بين السلطة و الحركة و قد تأكد بعدها أن القوم ما أرادوا صلحا و لكن أرادو تمزيق الصف و جمع معلومات بوليسية ليس إلا. و قد نبه رحمه الله لذلك ( قد تحدثت عن تلك المبادرة في أعداد سابقة).
لا زلت أذكر للشيخ حادثتين الأولى كانت في فترة الإيقاف ببوشوشة حيث كان رحمه الله مصابا بالسكري و كان لا بد له من أكل قطعة سكر كلما نزل معدل سكره وقد اشترى له أهله صندوق سكر و أعطوه للعسس حتى يناولوه قطعة كلما احتاج لذلك و بعد يومين أو ثلاثة أيام طلب السكر فأخبروه أنه قد نفد و الشيخ لم يأخذ منه إلا بعض القطع و قد كان العسس ياخذون منه لتحلية قهوتهم دون علمه فلقنهم درسا في الامانة و كان يعيرهم و يهددهم بعكازه الذي لا يفارقه ناعتا إياهم بما يستحقون فكانوا يخافون المرور من أمام زنزانته رحمه الله.
والثانية لما عزم أن يزورنا ليلا بمبيت بن عروس لإلقاء درس تربوي و كان حارس المبيت بالباب ليمنع كل غريب من الدخول و الشيخ كان كبير السن إضافة إلى عرجته فلم يكن بالإمكان أن يتسلق السور الخارجي كما كنا نفعل فوضع رحمه الله » زنارا » على راسه و وخفف من حدة عرجه حتى لا يلفت انتباه الحارس و نجح في الدخول وكان البرنامج أن يقدم درسا في السيرة تماشيا مع ما كنا نعيشه أنذاك من أحداث و لمح في أول اللقاء أحد الإخوة تثاءب و لم يضع يده على فمه فغير الموضوع متحدثا عن آداب التثاؤب و سنة النبي عليه السلام في ذلك طبعا دون أن يحرج الأخ الذي تثاءب.
و أذكر حادثة أخرى أخبرني بها سجين حق العام « البشير بو راس » بالسجن.  قبل أن يتوب من معاصيه كان سكرانا و مر من قرب مسجد في منطقة الملاسين بتونس فوجده محاصرا بأعداد كبيرة من قوات الأمن يريدون القبض على الشيخ مبروك   ووجد المصلين يحاولون إخراجه من المسجد بعد أن ألقى به درسا فأخذ الشيخ على رقبته وهرب به في أزقة الملاسين التي يعرف ثناياها جيدا و أنقذ الشيخ من الإعتقال فكان ذلك سبب هدايته و إقلاعه عن المعاصي كما أخبرني و العهدة عليه.
رحم الله الشيخ الشهيد لقد عاش عزيزا و مات وهو كريم فما بدل ولا غير رغم آلامه و شيخوخته و مات بالسجن فكان موته حياة لنا و لعنة على الظالمين و دليل ساطع على بربرية و همجية سلطة 7/11و أنهم لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة مهما كان اعتداله وتسامحه إلا أن يركع لهم و الشيخ رحمه الله لم يركع لهم ولم يساوم كما فعل أشباه الرجال اليوم لذلك سيبقى حيا بحياة قضيته التي مات من أجلها ألا وهي حرية التدين و التنظم و إزالة الإستبداد و الظلم. أما أشباه الرجال فلن يبق لهم ذكر حتى و إن ملكوا الدنيا وما فيها وحشروا ما حشروا من الالقاب ما حشروا أمام أسمائهم فلن يبقى منها إلا الخ……الس……لن أذكر الأوصاف حتى لا أنعت بالسباب ولكن التاريخ سيذكرها حتما فالتاريخ لا يرحم.
أبو أنيس – تونس

الحروف واضحة والنقاط كذلك ..

إنهم يرتعشون .. يهربون للامام .. يستعيرون ألفاظنا قبل نطقها .. إنهم يدينون أنفسهم ..

عبدالباقي خليفة (*)  كنت أصدر مقالاتي بعبارات لمن تركوا بصماتهم على تاريخ النضال في العالم ، و أتحدث عن نماذج منهم داخل النص ، لكني لم أجد هذه المرة تعليقات بل أحكام نافذة ، ولأني لا أريد أن أكون قاضيا تجنبت الخوض هذه المرة في هذا السجل ..
قبل فترة أعلن في دول أوربا الشرقية ، رومانيا ، و بلغاريا ، وألبانيا ، وصربيا ، وكرواتيا ، والبوسنة وغيرها ،عن الملفات السوداء للاستخبارات الشيوعية السابقة ،والتي تتضمن أسماء العملاء الذين تعاونوا مع الاستخبارات الشيوعية الغاشمة . وقد اضطر الكثير من أولئك العملاء إلى الفرار وتغيير ملامح وجوههم . ولكن أين سيختفي عملاء الاستخبارات التونسية بعد أن أصبح ظهورهم مصدر رزقهم ، سواء على الصعيد الاعلامي ولا سيما المرئي ، أو على الصعيد التجاري . وإذا كان العملاء في أوربا الشرقية تمكنوا من الفرار والنفاذ بجلدوهم ، كما يقولون ، فهل يستطيع عملاء النظام التونسي ، أن يفعلوا ذلك عندما تتبدل الارض غير الارض ..
يغرهم ما تقوله لهم المصادر الأمنية من أن  » الوضع مسيطر عليه .. ولا مكان لحدوث انقلاب .. والقوى الدولية معنا ، فرنسا وأميركا . و … و ….  » ( ياعملاء ألم يقولوا لكم ذلك … لتعلموا أننا نعلم ذلك ) . لقد كان الرئيس المويتاني المطاح به يعتقد كان يعتقد كما يعتقد بن علي بأنه سيكون رئيسا مدى الحياة ، ولم يكن يعلم إنه لا توجد خصوصية في عالم السياسة المتقلب تقلب موج البحر .
الذين يتحدثون عن الخصوصية التونسية ، ينسون أن تلك الخصوصية هي التي أطاحت بالرئيس السابق الحبيب بورقيبة ، الذي نال في آخر حياته ما فعله بالاحرار من أبناء تونس حتى انتهى في صمت . وعندما نتحدث عن الخصوصية التونسية ، نتحدث أيضا عن السياسة الدولية ، التي وإن بدت حاليا مؤيدة لبن علي ، فإنها تمهد الطريق لأكثر من بديل من داخل جماعة بن علي نفسه ، سواء في إطار مشروع في الأفق على غرار مشروع 7 نوفمبر 1987 ، أو مشروع ما بعد موت بن علي في السنوات القادمة .
نسوق هذا الكلام لمن يعتقدون بأن ملفاتهم في وزارة الداخلية ستموت بموتهم أو لن يطلع عليها أحد ،ولن يكشفها أحد .. يعتقدون بأن الأحداث والتطورات تسير في طريق لا رجعة عنه ، ووفق ما يرسمه البعض ، أنظمة وعملاء .
لن يغني المتورطين في حرب إخوة الأمس الوالغين في أعراضهم والبائعين أسرارهم لأجهزة الأمن ، ممن نظروا أنفسهم للتجسس على إخوانهم ، والعمل على تفريق شملهم ، باسم الوطن حينا وباسم الدين حينا ، بينما الوطنية والروح الاسلامية والنخوة و الرجولة في واد وهم في واد آخر .
أولئك الذين يدعونهم أحرار تونس لنقل النقاش على الهواء ، فيردون عليهم  » حاقدون وكارهون  » وما إلى ذلك من العبارات المرتعشة التي يحاول أصحابها الهروب من الاجابات على الأسئلة المحرجة وفي مقدمتها لماذا الانترنت وليس الفضائية … لماذا الانترنت وليس الفضائية … لماذا الانترنت و ليس الفضائية … لماذا يستدعى بيادق النظام ويفسح لهم في تلك الفضائية ويغالط الناس دون أن يلعب مقدم التجمعيين دور محام الشيطان ، كما يقولون ، إنما أسئلة متفق عليها سلفا ومعدة أجوبتها سلفا ، وكان بعضها ردا على ما كتب في الانترنت .. السؤال مشروع وهو ضربة قاتلة يجب تكرارها باستمرار في كل موضوع يكتب في هذا المضمار .. إنه لا يملك الشجاعة الكافية لتنظيم مائدة مستديرة ومباشرة .. يخشى قطع الميزانية بكل صراحة ووضوح .. لا يريد أن يخسر تجمعيا واحدا ، أما الاسلاميين فليذهبوا للجحيم بلسان حاله . . إذا كان المواطن العادي يعتقد منذ أيام بورقيبة أن من تحزب ( دخل الحزب الحاكم ) فقد خان بتعبير صاحب الكتاب الأخضر ، ولكن بعيدا عن روح الدغمائية في عبارة القذافي ، وإنما التجربة علمت الشعب أن الانخراط في الحزب الحاكم يساوي بيع الضمير والعمل كعميل لصالح الأجهزة الأمنية ، لذلك يهرب الشعب من الحزب المذكور ولا ينتمي إليه إلا من كانت لديه مصلحة يقضيها أو سلما يرتقيه على حساب كل ما هو ديني وانساني وجميل ووطني .. إذا كان هذا اعتقاد الشعب في غالبيته ، فماذا يعني توجيه مثل تلك الدعوة إلى رجالات الحركة الاسلامية من مختلف مواقعهم و انتاماءتهم الفكرية . هل يمكن اعتبار تلك الدعوة ، اصلاح ذات البين ؟ هل تلك الدعوة مصالحة وطنية ؟!!! هل تلك الدعوة لخدمة الحركة الاسلامية ؟!!! بالتأكيد هي قوادة مدفوعة الثمن ، وما خفي أعظم .. ولا يحتاج المرء للكثير من الذكاء أو ادعاء علم الغيب أو علم ما في الضمائر ، فالحروف واضحة والنقاط كذلك ..
كنت قد بعثت بخبر سريع ،للنشر في هذا الموقع وصلني من شخص تعرفت عليه قبل عدة سنوات ، صحا ضميره بعد أن طرد من عمله ، لكنه ظل على صلة ضعيفة بالمصادر ، وسأسوق الخبر ( ظروف معينة جعلتني أقدم الخبر بهذا الشكل نصا وروحا وشخصيات ) الذي أعلم وأعلم القراء أنه ليس خبرا صحافيا بالمعنى المتعارف عليه في الصحافة ،وإنما خبر يندرج في إطار البحث الصحفي ، وأعني التحقيق في الخبر ، ولكن هذه الآلية مفقودة بحكم وجود نظام بوليسي يحاسب أفراده محاسبة صارمة ولا يسمح بتدفق المعلومات ، والخبر بعد هذه التوطئة هو : قبل فترة زار وفد أمني تونسي عدد من العواصم الاوروبية من بينها لندن وباريس ،والتقى عددا من القوادة السياسيين ، وإن كانت القوادة السياسية لا تختلف كثيرا عن القوادة المعروفة في المشرق العربي بمفهومها الخاص . ونقل الوفد الأمني المعلومات التي قدمها له أولئك القوادة إلى المخزن بالتعبير المغربي . في تلك اللقاءات كما أخبرني أحد النادمين ولكنه لا يزال داخل شبكة الاشقياء الثلاثة لنقل أخبارهم لإخوانه ، حث الوفد الأمني على إحداث المزيد من الاختراقات في صفوف الحركة الاسلامية ، النهضة ومجموعات أخرى يقودها أشخاص عرفوا في وقت سابق بنشاط ثوري وأرسلوا تهديدات لوزير داخلية سابق ( الآن أصبح الأمر معروفا لدى الجهة المعنية ) طلب الوفد الأمني من المتورطين وأغلب أسمائهم في لائحة الممضين أسفله ، التي نشرت مؤخرا وتحمل حركة النهضة المسؤولية عما جرى في تونس في عشرينية القمع . طلب الوفد الأمني من بعض الافراد المتورطين أن يقدموا له ( معلومات وليس تحيليلات سياسية ) عن وضع الاسلاميين وحركة النهضة تحديدا . البعض ممن التقاهم الوفد ( الاسماء ليست للنشر في الوقت الحاضر ) مواصلة الحديث وباصرار عن خدعة المصالحة ، ودون التفات لما يساق من أدلة وبراهين على أن النظام لا يريد هذه المصالحة ، إلا من باب إحداث التفكك داخل الحركة الاسلامية وإثارة الخصومات داخل حركة النهضة حول النهج الذي يجب اتباعه . الأخ الذي اتصل بي أخبرني أيضا أن توقيت نشر ما سمي بعريضة الموقعين أسفله ، جاءت لدعم هذا الاتجاه وفي هذا الإطار بعد تسفيه عدد من الكتاب لتلك الدعوة و السخرية من أنها لم احقق أهدافها . وبتوجيه من السلطات الامنية المذكورة ،أن بعض المورطين كتبت اسماءهم دون علمهم ودون إشارتهم باستثناء الاخ الذي ندد بذلك واعترض على كتابة اسمه . بقي القول أن هناك ملفا باسماء القوادة في الخارج تم نسخه و تهريبه ، فإذا حصلنا على نسخة منه لن نتردد في نشره .
وقلت إن القضية ليست خلاف في الرأي كما يريد أن يوهمنا البعض ، وإنما استراتيجية ينفذها من لا يقدرون على التراجع بعد أن قذفهم الموج في أعماق بحر الاستبداد لخدمته وإلا فالغرق .
وقد تمنيت لو كانت معي كل الوثائق التي تدعم الخبر الذي نشرته الاحد بعنوان  » إنهم يكذبون  » ولكن هذه الحسرة ، ستنجلي يوما ، وسيعلن على رؤوس الاشهاد ، أسماء الخونة والمنافقين ، والمخترقين لصفوف المعارضة على مختلف مشاربها ، والبيادق المتزعمين لدعوات الوهم والخديعة والغرر ، وأصحاب عرائض ضرار . سيتم الكشف عنهم حتما كما تم الكشف عن عملاء الاستخبارات في أوربا الشرقية . بعد ذلك الخبر فقد البعض هدوءه المصطنع و راح يكيل الشتائم على غير هدى ، بل و شر البلية ما يضحك استبق ما قد يقال فراح يحذر ! ومن من ؟ .. من الذين يكتبون أو كتبوا بعد صمت ويصبح القوادة دعاى وفاق بل و حرية و هم يدعون الناس للعبودية ويستبقون الاحداث فيحذرون الناس ممن ؟ من الذين ينشرون الحقد والكراهية لانهم رفضوا البضاعة المغشوشة .. دعوة الاسلاميين للاستسلام و الانخراط في جوقة النظام ، أصبحت مصالحة !!! السكوت على الظلم وعلى ما يقترفه النظام من مظالم بحق المواطن و الوطن ، أصبح وطنية !!! .. كتابة التقارير وتقديم المعلومات و تفكيك الصف الاسلامي أصبح خدمة للمساجين ؟!!! اصبح الاسلاميون مقصرون لأنهم لم يخرجوا سجينا من سجنه و كأن مفاتيح السجون في ايديهم .. بالله عليكم تمعنوا في ذلك ؟ !!! ولم يساعد الاسلاميون أنفسهم في استخراج جوازات سفر و كأنهم امتنعوا عن تسلم جوازات سفرهم رغم الحاح السفارات ووزارة الداخلية و حرموا أنفسهم كراهية وحقدا و بغضا فيها .. باللع عليكم هل هذا كلام صادر من شخص في كامل مداركه العقلية .. أم شخص يهذي في حالة غير طبيعية ؟!!! هل فعل الخبر الذي نشر يوم 3 يونيو فعله ؟ !!! الكل يعلم أن الكثير من الناس اسلاميين و غيرهم تقدموا عدة مرات بطلب جوازات سفر و جميعهم بدون استثناء لم يكتبوا حرفا و لم يقوموا باي عمل ضد النظام و مع ذلك لم يستجاب لطلباتهم ما لم يصبحوا قوادين مثل البعض . القوادين فقط يعتبرون معارضة النظام تعني أن قلوب المعارضين مملؤءة حقدا وبغضا وكراهية ( هكذا ) و هذ ما يقوله النظام الحاكم عن ط المارقين  » و المناؤئيين  » وغيرها من الكليشيهات الممجوجة و الاسطوانات المشروخة التي كانت تتردد على مسامعنا طيلة الخمسين سنة الماضية .
والحقيقة أن البعض ممن أجد صعوبة تصل إلى درجة الاستحالة تمنعني من ذكر أسمائهم ، أغاضهم مشاركة أقلام من الوزن الثقيل نزلت للساحة ، كنت شخصيا أتمنى وجودها ، وكان هذا البعض قد عير النهضة بقلة من يكتب لصالحها ، متسائلا عن عشرات الآلاف من أتباعها ، ولكن عندما استجابت أقلام وكتبت اسقط في أيدي هذا البعض ، ضرب الله بعضه ببعض .. بل إننا نجد هذ البعض يحاول استعارة بعض كلماتنا وبعض ردودنا على أمثاله ، ولكن بطريقة تبعث على الرثاء .. ولان المصالح أعمته ومستوى التورط لم يترك له مجالا للمراجعة أو التراجع ، ظل يتهم غيره بأن الحقد و الكراهية أعمته ، حقد على من وكراهية من ؟!!! أليست هذا خطاب الديكتاتورية .. هل في تونس اليوم من ييد ما قيل عن وطن لا يقصي أحدا و يشعر فيه الناس بالحرية .. من يصدق .. لعنة الله على الظالمين . (*) كاتب وصحافي تونسي (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 4 جوان 2007)


المتحايلون… منتحلو الهوية

عبدالحميد العدّاسي بعد المقال الذي انتحل فيه أصيل مدينة تستور اسم أحد الكتبة المرموقين والشخصيات المحترمين، كي يتهجّم عليّ وعلى أخي الفاضل (نحسبه ولا نزكّيه) الهادي بريك. ها هو اليوم مدلّس آخر يريد انتحال اسم أبرز شخصيّة إسلامية تونسية (على الأقلّ من حيث قدرته الإعلامية)، كي يكيل لكلّ النهضويين، وأنا منهم، الاتهامات المجانية المغلّظة بسبب الاختلاف في الرّأي حول قضيّة لاقت إجماعا منقطع النّظير من حيث المبدأ في حين انعدم حولها الإجماع من حيث طريقة التنزيل وآلية التناول. فقد انتحل هذا المدلّس اليوم اسم الأخ الفاضل (نحسبه ولا نزكّيه) الهاشمي الحامدي، صاحب الكلمة الطيّبة وداعيها، خافض الجناح، المحاور المرن المتواضع السهل العافي العفوّ المتعايش مع الصّديق والعدو على حدّ السواء، لينطلق بخبث كبير فاحش في أعراضنا معملا فيها أنيابه الحادّة دون أن تأخذه فينا لومة لائم، مستعملا لمقالته عنوانا جمع فيه بين مساوئ الصمت وبذاءة النطق:  »

الصامتون دهرا.. الناطقون بغضا وكراهية

« . وقد كان هذا المدلّس شديد الخبث، فهو لم يكتف بانتحال الاسم كما فعل سابقه ولكنّه حاول كذلك تقليد النبرة التي يكتب بها الأخ الهاشمي الحامدي، الذي أعاتبه بهذه المناسبة لأنّه لم يتكرّم عليّ بالردّ على ما كتبت ولا بالردّ على ما كتب أبو أنيس حتّى هذه اللحظة. علما أنّه تربطني به علاقة جدّ طيّبة (على الأقلّ عبر النّات) تمتّنت خاصّة في بحر السنة الفارطة لمّا رددت على أفكاره ملبّيا. وعلما بأنّه من الذين إذا قلت لهم: السلام عليكم، أو صباح الخير، أو الله يعينك، هبّ رادّا مهلّلا مقبلا صبوحا، شأنه في ذلك شأن كلّ مسلم يعلم أنّ ردّ التحيّة واجب، وليس كما يزعم هذا الجاهل الجهلول بأنّنا (الإسلاميين) ممّن يقابلون التحيّة بليّ الرؤوس، والإعراض والانتفاخ (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذبا). هذا الرّجل يريد أن يسوّق، بخبثه، وعلى لسان أخينا الهاشمي، بأنّ ما يقوله الهاشمي هو الحقّ وأنّ ما عداه هو الباطل، وهذا كلام خطير لا يقوله إلاّ مدّعي نبوّة، علم الهاشمي أنّها لن تتوفّر لأحد بعد سيّد البشر محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وسلّم. على أنّ الهاشمي لم يقل يوما بأنّ النّظام التونسي أو صاحب التغيير هو أحسن نظام أو أحسن وليّ أمر على وجه الأرض وإلاّ لكان منافقا، ولكنّه ترجّى ذلك وتمنّاه، وهو أمر نشترك فيه جميعا، فكلّنا يتمنّى أن تعيش تونس أرفع أنواع الديمقراطييات وأن يكون حاكمها أحبّ خلق الله إلى مواطنيه الذين بشهادتهم سيجعلون له محبّة الله (أنا عند ظنّ عبدي بي، فليظنّ بي ما شاء)، وعلى هذا فالحديث عن بحار أو محيطات الكره (شكّ الكاتب) هو طرح موغل في التدليس على الهاشمي وعلى كلّ من اهتمّ بالشأن التونسي وخاصّة من أؤلئك الذين لم يجاملوا الأخ الهاشمي ولم يذهبوا مذهبه في قضيّة المبالغة في الانحناء للظالم المعربد في البلاد، عندما اعتبروا أنّ الانحناء يساعد الظّالم (الجاهل) على الولوع بتصرّفه، فيهلك الحرث والنسل ويعمّ الخبث (كما نرى) فيجلب للجميع الهلاك عياذا بالله تعالى (أنهلك وفينا الصالحون؟!… نعم إذا كثر الخبث).   قلت بأنّ هذا المدلّس – وإن اجتهد في انتحال الاسم والطريقة والنقاط التي نادى بها الأخ الهاشمي – فإنّه قد فاته بعض الأمور التي لم ينجه فواتُها من اقتراف بعض الهفوات التي عرّته وكشفته. فالهاشمي مثلا لا يقول قولته هذه:  » التونسي يرد السلام. فإذا رأيت من لا يرد السلام فخذ حذرك. لأنه إمّا أن يفعل ذلك عن قلة تربية وأدب، أو عن استغراق في أجواء البغض والحقد والكراهية. استغراق يجعل منه إنسانا غير الناس العاديين الذين نختلط بهم، ونسلم عليهم، ونختلف معهم« …ذلك، لأنّ الهاشمي أذكى من أن يقع في اتّهام نفسه، والحال أنّه يعلم كما أسلفت، أنّه لم يردّ على بعض تحيّاتنا واقتراحاتنا رغم وعوده بذلك (أيها الأعزاء سيف بن سالم وسيدي بو وأنور وعبد الحميد العداسي…. وأبدأ بسيف بن سالم هذه المرة آملا أن أردّ على بقية الإخوة في رسائل لاحقة بإذن الله.)… وأمّا الجملة التالية فهي حماقة لا يأتيها إلاّ فاقد تركيز، ذلك أنّ اختلاف وجهات النّظر لا تدفع بالهاشمي إلى التحذير من شيء غير موجود، إذ كيف يمكن أن يجمع الهاشمي أبناء وبنات وطنه الأحباب ممّن انتسب إلى حركة النهضة أو لم ينتسب ليحذّرهم جميعا ممّن تبقّى! إذ من تبقّى؟! (خذوا حذركم جميعا يا أحباب، يا إخوتي وبني وطني، من أبناء حركة النهضة ومن عموم التونسيين). وحتّى إذا سلّمنا بأنّ المقصودين هم هؤلاء، (هؤلاء صمتوا دهرا. ثم نطقوا يوم نطقوا بمدونات البغض والكراهية)، فمن يكون هؤلاء؟ إذا كان الهاشمي قد توجّه بالنّداء إلى كلّ الأحباب جميعا من النهضويين ومن عموم التونسيين… فقد أنطقت الجملة الحقيقة على لسان هذا المدلّس لتظهر الهاشمي من جديد ذلك الودود المحبّ للخير الذي لا يمكن أن يتّهم أهله بصفات الكبر والنّفاق…        أقول هذه الكلمات، قبل أن أتورّط في الردّ على الأخ الهاشمي – كما حصل لي ذلك بكلّ أسف مع الأخ محمد بن نصر الذي كان قد احتمى باسمه العلم، كما أسلفت أصيلُ تستور- الذي سوف لن يتأخّر إن شاء الله في درء هذه الشبهة التي قد تكرّهه لأهله، إذ ليس من سلوك المؤمن الصادق الأبيّ المعتزّ بالله (وأحسب الهاشمي كذلك) أن يمنّ على النّاس أو على الله بما يفعل لأنّه يعلم أنّ الله لا يقبل من العمل إلاّ ما كان خالصا صوابا، أو أن يصرّ على أمر يعلم أو أعلموه أنّه باطل، أو أن يتّهم غيره بما ليس فيهم كأن يتّهمهم بالصمت وهم الذين يتكلّمون على مدار السنة خلافا لغيرهم الذين لا يتكلّمون إلاّ عند انتهاء أيّام الرّبيع أو مقدم أيّام الصيف، ويتّهمهم بالقول الفاحش وهم الذين طهّروا ألسنتهم من مجاملة ظالم أو مسايرة فاسق عمل على إذهاب الهويّة وتشويش كلّ قضية في البلاد… أنتظر ردّ فعل الأخ الهاشمي ودحضه لما جاء على لسان هذا الذي تعدّى على حرماتنا، وأسأل الله للجميع الثبات وقول التي هي أحسن، كما أدعو بعض الكتبة إلى الإقلاع عن الألفاظ التي قد تساعد على بروز أمثال هذا الذي نطق بلا رويّة باسم الأخ الدكتور … وإلى لقاء إن شاء الله… 


ورقات من ماض لم ينته بعد (7) « الجنرال والكتب »

أداة الجريمة… الكُتب

بقلم: أشرف زيد قلت لصاحبي بعد أن تأكّدت من أنّه استردّ أنفاسه: – لم تروي لي ما حدث لمكتبتك! – سأروي لك ذلك الآن: « تدافعت الإشاعات يومها, كسيل جرار لا يعبأ بحاجز, في أجواء ربيع وصيف 1978 الساخنة جدا… والمشحونة بالقمع, والاعتقالات, والمداهمات الليلية – وغير الليلية- لبيوت من تشتم عليهم رائحة الانتماء, من قريب أو من بعيد, إلى التيار الإسلامي. وبات مجرد شك, أو وشاية من جار حاقد, أو من زوجة في خلاف حاد مع زوجها, أو تقرير متزلف من إحدى « لجان اليقظة » – المنتشرة في أزقة وبطاح البلاد كانتشار القطط والكلاب الضالة – قد يلقي بصاحبه في غياهب سجون, الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود -مشوَه. وقذف الرعب في أفئدة الناس, وبلغت قلوبهم الحناجر؛ فأفرزوا نوعا من الهستيريا الجماعية: الكل فيها يخشى الكل. في هذا الخضم لم تنجو عائلتي من الأجواء السائدة… فلقد انبرى لها من جديد شبح الماضي القريب, وصرت من حيث لا أشعر حاضرا بينهم رغم البحار والسهوب والحدود الفاصلة بيننا… فكان أن قررت والدتي, حماية لي وللعائلة التخلص, بشكل أو بآخر, من « أداة الجريمة » – الكتب. فجمعت, مستعينة في ذلك بإخوتي الأصغر مني سنا, ما كان ينمّ من قريب أو من بعيد عن توجهاتي الفكرية والسياسية من الكتب, ووزعتها على من قبل, وإن على مضض, من الجيران و الأقارب الذين لم تتخلل ماضيهم شوائب السياسة. بعضهم رفض وأمسك عن زيارة عائلتي لعدة أشهر. ثم عادت الكتب « المشؤومة » من جديد إلى بيتنا, بعد أن تحولت إلى عبء ثقيل ومحرج… « أنمسكه على هون أم ندسه في التراب… » ما عدى حقيبة واحدة سافرت مع أحد زملاء الجامعة القدامى إلى بعض بوادي البلاد, لا أعرف اليوم مصيرها, و تطوعت خالة لي تقيم بالخارج, ولها منزل في إحدى ضواحي العاصمة, لا تقطنه إلا في الصيف, أثناء عطلتها السنوية, بأن تنقل الكتب عندها, فيكون الجميع بذلك في مأمن. ولكن ما أن وصلت إلى منزلها حتى تبلورت في ذهنها البسيط, فكرة عبقرية لا يمكن أن تنبع إلا من عقل أمرأة أمية, تركت البلاد منذ عقدين على الأقل, ولم تك لها علاقة بالكتب وعالمها, سواء قبل هجرتها أم بعدها. كان بحديقتها برميل ضخم لا يصلح لشيء, وفجأة وجدت له وظيفة, أخرجته بها من عالم النفايات لتلقي به في عمق التاريخ. جمعت خالتي في هذا البرميل بعض الأغصان الميتة, وخرق بالية, وجرائد ولدت ميتة, وسكبت عليها قليلا من البترول. وما أن علت ألسنة النار حتى أخذت تلقي الكتاب تلو الآخر, وكلما خف اللهيب, سكبت من جديد بعض البترول, وهكذا إلى آخر مجلد… التهمت النيران كل كتبي, لم تفرق بين شعر وتاريخ, بين أدب وسياسة, بين دين وفلسفة… كانت تلتهم الكتب بنهم ولسان حالها يقول:  » هل من مزيد… »؟ حين رجعت خالتي إلى بيتنا, كان وجهها مسودّا وعينيها غائرتان : – c’est fini ! لقد أرحتكم من مشكلة! بكت أمي, ولم أفاتح في الأمر إلا بعد سنة, عندما زرت تونس في صائفة 1988. في الأثناء حدث ما حدث من « انقلاب أبيض », ومن « ثورة ياسمين », ومن « تغيير مبارك », ومن « عهد جديد »… ما فتىء يتجدد… ***


من عيّن الجنرال؟

« الخطأ الوحيد, الّذي لا يمكن لرجل يملك السّلطان والنّفوذ, ارتكابه, ولو مرّة واحدة في حياته, هو أن يُصدر أمرا وهو ليس على يقين أنّ هذا الأمر سيُنَفَّذ… »

غبريال غرسيا مركاز, خريف القائد العجوز. في الخامس من أكتوبر 1987, وعشيّة تعيين الجنرال بن علي كوزير أوّل, كتبت نشرة Middle East Insider: « أجمعت أجهزة الوزارة الأولى في باريس وكذلك مجلس الأمن القومي للولايات المتّحدة الأمريكيّة على دعم بن علي, القادر في نظرهم على حفظ القانون والأمن حتّى يتسنّى, في أقرب وقت ممكن, الانتقال نحو حكومة ائتلاف وطني, عند غياب المجاهد الأكبر. وبحسب تقرير سرّي قدّمه الجنرال فارنون والترس Wernon walters  إلى الحكومة الفدراليّة الأمريكيّة إثر جولة قام بها في شمال إفريقيا في مايو الأخير, فإنّ الجنرال بن علي هو الرّجل المؤهل لإعداد مجيء (ظهور) « الجمهوريّة الثّانية ». وستعمل هذه الأخيرة, وبحسب التّقرير, على المصالحة بين مختلف العائلات السيّاسيّة ذات التّوجهات الغربيّة والمتواجدة في تونس. ويقترح التّقرير لهذه المصالحة الوطنيّة المراحل التّالية: 1. إعلان عفو عامّ. 2. الاعتراف بالتّشكيلات وبالأحزاب المعارضة الغير عنيفة. 3. عودة زعماء المعارضة إلى الحياة السّياسيّة (…) » (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 4 جوان 2007)  

خطابنا السياسي بحاجة إلى مراجعات (الجزء الثالث)

من مظاهر الطغيان الاقتصادي والاجتماعي.

بقلم: حبيب الرباعي من الطبيعي أن تحدث داخل المجتمعات ـ العــاديـــة ـ تغيرات مرنة في مستوى الفئات الاجتماعية التي تتشكل منها. بحيث تتجدد تركيبة المجتمع وتتبدل الدرجات (أو الطبقات) الاجتماعية فيه باستمرار، سواء بين الأجيال المتعاقبة في المجتمع، أو بين الجهات المتعددة، أو على مستوى الشخصيات التي تملك وتدير القدر الأكبر من الثروة في البلاد ، فأسماء تظهر وأخرى تأفل….
والنتيجة أن ثروات البلاد تتوزع من خلال حركة آلية يومية بشكل متنوع واضح لا لبس فيه. فتحوّل الملكيات المنقولة وغير المنقول من مالك لآخر، تحصل يوميا عن طريق البيع والشراء بالتراضي، أو عن طريق تقسيم التركات بين الورثة..
ودمج فئة العاطلين عن العمل في الحركة الاقتصادية يحصل في العادة: إما عبر تعويض الموظفين والعمال والحرفيين المتقاعدين بآخرين من جيل الشباب، لإعطائهم فرصة الكسب كما كانت لغيره.. أو من خلال تمكين أصحاب التخصصات المختلفة من رخص، تسمح لهم بمباشرة أعمالهم بشكل حر (أطباء، صيادلة، مهندسين، أصحاب حرف يدوية….) مما يؤهلهم (بعد فترة من الزمن) إلى تبوء مكانة اجتماعية تختلف ـ في الغالب ـ عن تلك التي بدؤوا بها مشاريعهم. كل هذا الحراك الاقتصادي المؤثر على الحياة الاجتماعية يحصل يوميا، بوتيرة غير منتظمة طبعا.
هذه التحولات الاجتماعية والاقتصادية تقوم على أساس تمكين من يملك الثروة أو أسبابها، أو يملك حق التعيين الوظيفي وإسناد رخص العمل الحر، إلى من يستحقها بطريقة مشروعة. بيد أن الأخبار المتواترة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، تشير إلى أن الحركة الاقتصادية تسير ـ منذ ما لا يقل عن 15سنة ـ في اتجاهات لم تعرفها النظم الرأسمالية الحقيقية ولا الاشتراكية شبه المنتهية. إلا أن مؤشراتها العامة تلوّح بأن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إذا استمرت على ما هي عليه الآن مدة طويلة. تكون قد خطت خطوات كبيرة وقطعت أشوطا هائلة على طريق ومنهج الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية السائدة في كولومبيا والشيلي والأكودور والفلبين (التي يحكمها عمليا قرابة 115 عائلة) والفتنام إلى غير ذلك من البلدان التي استفحلت فيها الفوضى .. أرقام لا تبعث على الراحة.
قال دكتور (تونسي) مختص في الـ macro economie ردا على سؤال وجهه له أحد الطلبة: لماذا لا تبادروا أنتم أهل التخصص في الاقتصاد، بإصدار كتب أكاديمية مركزة، تتحدث بطريقة علمية عن أوضاع البلاد، نعتمدها كمراجع لنا. أجابه الدكتور ببساطة: « لم أسمع عن أستاذ جامعي متخصص في الإقتصاد ، طلب الحصول على معطيات وإحصائيات دقيقة ومفصلة من المركز الوطني للإحصاء، وأجيب طلبه بالشكل الذي يرغب فيه، وتقتضيه مناهج البحث العلمي ». فعسى أن تكون ندرة المعلومات التي بين يديْ علماء الاقتصادي في بلادنا، وهم الذين يشتغلون بالأرقام يوميا، عذرا لي لما سأعرضه بين يديكم من أرقام افتراضية وغير دقيقة.
لنفترض أن آلاف التونسيين، الذين يدخلون يوميا عبر الحدود والمطارات والموانئ، وعشرات الآلاف الذين يسيرون بسياراتهم في الشوارع، وعشرات الآلاف من الذين يزورون المؤسسات العمومية والمصالح الوطنية… إذا افترضنا ـ إذاـ أن ضمن مئات الآلاف الذين يمثلون الحراك اليومي في البلاد، والذين يقعون في تماس مباشر أو عارض مع موظفي الدولة. تنزل على مائة ألف منهم فحسب ضريبة الرشوة ، يضاف إليهم عشرات فقط، ممن يشتغلون بالتصدير والتوريد، وأصحاب المصانع والتجارة الكبرى ، والتي تقدر الرشوة التي يدفعونها بالملايين..
لو قدرنا بأن معدل الرشوة عشرة دنانير للواحد، تكون الحصيلة اليومية مليار من المليمات، أو مليون دينار. ولو قلنا بأن آلة الرشوة هذه، لم تنطلق منذ بداية العهد الجديد بالأرقام التي افترضتها آنفا ، بل احتاج الأمر إلى خمس سنوات من الترويض، ورفع مشاعر الخوف والرهبة عن الموظفين الذين يرغبون في التعامل بالرشوة، وتجرئتهم على ممارستها ، وإبعاد كل من يقول بسم الله، والحمد لله، ويرحمك الله، والسلام عليكم… من المسالك التي تعبُر من خلالها هذه الرشوة، حتى تتمكن هذه الآلة الرهيبة من الوصول إلى أقصى حد ممكن من أدائها ، بدون منغصات ولا حسيب أو رقيب من قانون اجتماعي يرى أن الرشوة منكر وسرقة يجب أن يعاقب فاعلها، ولا قرينة يحال بموجبها الموظف على القضاء.
لو اجتهدنا في التحري والإعراض عن أي شكل من أشكال المبالغات المجانبة، وخففنا المسؤولية عن نظام « التحول ». وقلنا بأن طاقة الإنتاج لهذه الآلة المالية الرهيبة الخاصة بامتصاص أموال الشعب المسكين، لم تصل في عطائها الذي افترضت أعلاه حدوده الدنيا ، إلا خلال الخمس عشرة سنة الماضية فقط.. يصبح الرقم التقريبي لما حوّل من جيوب التونسيين العاملين المنتجين المساهمين في الحركة الاقتصادية الفعلية، خلال الخمس عشرة سنة الماضية: 5475 مليون دينار. وبالرقم الذي تعود عليه التونسيون: 5475 مليار.
ولو حَوّلت هذه العصابة هذه الأموال إلى ذهب لقارب الـ 240 طن من الذهب الخالص. هذا بالنسبة لمن اضطر للتعامل مع موظفي الدولة لسبب ما، أما من بقي في محله لم يتحرك، فإنه لا يسلم من تحرك هؤلاء الجرمين إليه بحسب عمله إن كان في مجال الخدمات أو الصناعة، وهذه المساحة لا يعلم مقدار المال الذي ينهبه المجرمون يوميا من أصحابه الشرعيين على وجه الدقة إلا الله تعالى. ولعلنا نقول في أطار فرضيات الحد الأدنى، وأخذا بعين الاعتبار ارتفاع أجرة النجار والحداد والبناء والخياط، وارتفاع سعر كيلو اللحم والحوت….الخ، أن قيمة ما يحول من خدمات وعينيات لا يقل قيمة عما يقدم كرشوة نقدية.
ولا أتحدث عن السرقات المنظمة التي لم تخل منها مدينة ولا قرية ولا ريف، وغالبا ما تتجه أصابع الاتهام إلى نفس العصابات التي تسهر على نظام الرشوة الرسمي. وإلا فكيف يعقل أن تأتي أفواج من فرق أمنية مختلفة للحديث مع عجوز زارت ابنها في المهجر ثم رجعت، ولا يتحرك عون واحد للتحقيق في قضية سرقة تقدر بالملايين.
من سيتكلم باسم أصحاب الملكيات غير المنقولة: وما يحدث مرة هنا وأخرى هناك، من إكراه للمالكين على بيع عقاراتهم وأراضيهم، بأثمان أقل ما يقال عنها أنها دفعت لتكون غطاءا قانونيا، تظهر التراضي بين المتبايعين، وتخفي الإكراه الذي يصعب إثباته لدى المحاكم. لا يمكن بحال تحديد حجم هذا النوع من السطو، إلا من خلال قيام لجنة قانونية بمساعدة خبراء عقاريين، بمراجع الملكيات التي تحولت إلى العائلة الحاكمة وامتداداتها التي تدور في فلكها.
التغيير دائما، في هذا المجال أوكد: ولعل النظام قد أحس بأن صورته أمام جمهور التونسيين تتشوه يوما بعد يوم بسبب هذا النهب الذي ينمّ على وحشية في الممارسة بلغت أسوء صورها. فبحث عن طرق أكثر (تحضرا ونظافة) فلجأ إلى ممتلكات الشعب، التي دفع من أجل إنشائها دمه وماله وجهده لعشرات السنين، ليبعها منه بيد ويشتريها بيد أخرى. ووصل الاستخفاف بعقول الشعب التونسي المسكين إلى أن تعرض أمامه مناقشة الاعتماداد المخصصة للمشاريع الكبرى في ميزانيات الدولة في رأس كل سنة، ثم تتحول بعد إنجازها خلال سنوات، ـ وبعد نسيان عامة الناس للاعتمادات التي خصصت لها من ميزانية الدولة ـ، إلى ملكية خاصة يعود ريعها إلى عائلات معينة. نسّبوا معي الأمر: نعم، لنكن مع كل من ينسّب حجم هذا النهب المتوحش الممتد على كل الأصعدة وفي كل المناطق في البلاد. ولنكن مع كل من يقرب لنا صورة الأخبار المتواترة عن هذا الوضع، بشرط: ألا يكذب بصفة نهائية وقاطعة، الحقائق التي يعيش على وقعها التونسيون يوميا. فيظلم الناس الذين سرقت أموالهم وافتكت بغير حق، فيكون شريكا للناهبين بشهادته عليهم بحسن السيرة.
والسؤال لكل مدافع عن السلطة: هل أن رأس السلطة عارف بالتلاعب الخطير الذي يحصل في الشوارع والأسواق والمؤسسات العمومية وفي ممتلكات الناس غير المنقولة والاعتمادات المخصصة لكل جهة صرفت لها ميزانية من خزانة الدولة…..؟؟؟ أم أنه جاهل بما أصبح معلوما عند الأمي والمتعلم الكبير والصغير المرأة والرجل؟؟؟ ولكل عاقل بعد ذلك مسؤوليته في الحكم على من له سلطة الأمر والنهي في البلاد، حال كونه عالما بما يحصل فيها أو جاهلا، أو عالما عاجزا عن القرار والفعل لايقاف سير البلاد نحو الهاوية.
الكل يعرف النهب المدني الذي يحصل في البلاد، ولكن ليس الكل من يقدر حجم الكارثة التي تنتظر كل التونسيين. أهداف مصاحبة: قال لي أحد الذين كنت آنس فيهم رشدا: إن هذه الأموال من الشعب وإلى الشعب وتدور داخل الشعب، وحتى العمال والتجار وأصحاب الصنائع الذين تنهب أموالهم، أصبحت لهم طرقهم الخاصة في التحيل، ونهب الأموال من عامة الناس. إن مثل هذا القول يقوي عند كل متابع ومهتم بالشأن التونسي، القناعة بأن نظام « التغيير » قد نجح إلى حد كبير في تغيير مبدأ احترام الملكية الفردية التي لم يتجرأ الاستعمار ولا النظام البورقيبي على المساس بها. إلى مبدأ: أنا سأسرقك في كل الأحوال لأني أقف بينك وبين مصلحتك، ولكن سأغض الطرف عنك إن سرقت غيرك بطريقة ذكية لا تسبّب لك إدانة جلية.
هذه هي الثقافة الاقتصادية والاجتماعية الجديدة التي أصبحت عرفا سائدا في المجتمع التونسي مع الأسف. وجه الخطورة لهذه المشكلة : مما أذكره من مادة الاقتصاد، أن التوازن الاقتصادي من الناحية النظرية ـ والذي تحرص الدول الراقية على الإقتراب منه ـ، لا يتحقق إلا إذا حوّل المال المدّخر إلى استثمار. أما إذا صرفت الأموال المدخرة في مجال الاستهلاك ، فبقدر نسبة صرفها في هذا المجال بقدر ما يحدث في البلاد من اختلال في الاقتصاد القومي. فهذه الأموال الرهيبة التي تتحول من أيادي المنتجين وأصحاب الحق لها، والقادرين على تحريكها في المجالات التي يعملون فيها، إلى أيادي لا همّ لها سوى التكاثر في المشتريات وبلوغ أقصى حد في الرفاهية والمتعة والخدمات، تحط من قوة الاقتصاد القومي. ولا تسبب على المستوى الإجتماعي إلا مزيدا من الحقد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد.
بالدم البارد: الذي جعل المواطن العادي لا يتحرك معارضا ومواجها لعملية الهدم اليومي لاقتصاد البلاد بسبب تحويل الأموال ممن يملكها إلى من لا يملكها ولا يستحقها، هو أنه فقد الإحساس بأن السفينة تغرق، بسبب وسائل أخرى، إعلامية، وثقافية، وقوانين مدنية أو اجتماعية جديدة تبيح له كثيرا مما كان يعد محظورا عليه في السابق، فميعت هذه المؤثرات في ذهن المواطن قضايا الحق والعدل.
لم يشعر المواطن التونسي الذي يرى اقتصاد بلاده متناسقا، بأنه يواجه أكبر خدعة بصرية يمكن أن يراها الانسان ماثلة أمامه، إذ أن حقيقة الاقتصاد التونسي يقوم على منسأة الديون والمساعدات الخارجية، التي تعطيه مسحة خارجية رائعة، تحقق رضا المواطن، وتبعد عنه أسباب الضجر الاجتماعي والخوف على مستقبل الأجيال اللاحقة. حتى إذا اهترأ الجرف بالكامل انهار على الجميع ولم يترك أحدا. لماذا لا نتعظ: وكمثال تقريبي وواقعي لذلك، نذكر الوضع الاقتصادي السوداني في عهدين: عهد النميري والأحزاب من بعده، حيث بلغت قيمة التبادل المالي للجنيه الواحد 3 دولارات.
ولما جاءت حكومة الإنقاذ ومسكت الأمور، اكتشفت أن البلد غارقة في الديون إلى العنق. وعندما بدأت الصفة الإسلامية للحكام تلوح، لم تمهل البنوك الدائنة الحكومة السودانية، وطالبتها بسداد ما عليها. كما امتنعت الدول المانحة لهبات سخية للسودان عن مواصلة دعمها له، إلى أن جاءت حرب الخليج الأولى حيث انكشفت حقيقة هذه المساعدات التي لم تكن سوى تعويضا ـ وراء الكواليس ـ على إيقاف مؤسسات التنقيب عن النفط، عن استخراج مخزونها الهائل من النفط في مناطق متفرقة في السودان.
وعندما أراد النظام القائم فك أسره من الديون واسترجاع سيادته وقراره المستقل فيما يخص مصلحة البلاد، تحول التبادل المالي للدولار الواحد إلى مئات الجنيهات. ولا يخفى على أحد، انعكاس هذا التفاوت الرهيب في العملة بين فترتين (فترة يعادل فيها الجنيه الواحد ثلاثة دورات، وفترة يعادل الدولار الواحد ميئات الجنيهات) على مستوى التصدير والتوريد والإنتاج والاستهلاك.. تجارب كثيرة أمامنا استوعبها من استوعبها، وغفل عنها من غفل، وتغافل عنها من تغافل. وأنكرها من أنكر. وتبقى حقائق الواقع الاقتصادي والاجتماعي التونسي قائمة، تتحرك بسرعتين: سرعة على السطح بطيئة وشبه رتيبة إلا ما كان من تزويق وتلميع للظاهر. وحركة في الحسابات البنكية والاعمار القائم على الباطل سريعة بشكل مذهل. انتبه!!!صورة مرعبة: لو تصورنا أن النظام التونسي استمر على هذه الوتيرة من النهب السري والعلني، القانوني والخارج عن القانون لمدة خمسين سنة، فهل سيسلم الشعب التونسي بأسره من أن تحوله عائلات محددة إلى عبيد لا حق لأحد منه في شئ ولا إرادة له على شئ؟؟
تعصير لمنهج متخلف.
إن صورة الطوابير التي كنا نقف فيها في أواخر الستينات لشراء لترين من الزيت أو « رطل ووقية » أو « كيلو ومية » أو كيلو سكر أو فارينة، أو غيرها من المواد التي كانت تشترى بـ »البونو » لا تزال عالقة في ذهني. أما الانتظار الطويل لأمين التجار، فيشعر الناس بأن مفتاح الأرزاق التي توزع عليهم (في قبضته). أسأل فقط من عاش تلك المحنة.. هل نحن بعيدون كثيرا عنها؟؟؟.
إذا كان الأمناء في التجربة الإشتراكية في عهد بن صالح، لا يملكون الثروة، وإنما يملكون التصرف في توزيعها. فإن عهد الفوضى الراهن ـ إن طال ـ سيكون أدهى وأمر. فقد يظهر علينا غلمان هذه العائلات الحاكمة بعد عقود من الزمن، لا كمديرين وموزعين لثروة البلاد وفق ضوابط معينة ومراقبة مركزية. وإنما كمالكين لها. يمنعونها عمن شاؤوا، ويصرفونها لمن يرضون عنه. فهل ينفعنا الخطاب المنادي بالحريات العامة وحقوق الإنسان ساعتها، وهل ينفعنا نفس الخطاب الآن والحال أن الشعب كل الشعب يحول يوميا وبتدرج إلى حضيرة الإستعباد والاسترقاق؟؟؟ هل مات كل الذين خرجوا منتفضين على ارتفاع أسعار الخبز سنة 84 أم غييب وعيهم بطرق في منتهى الدهاء والخبث؟؟؟
أهدافنا وحركة الواقع اليومي: أليس حريا بالعقلاء أن يدرسوا بعمق ظاهرة التحوّل الكبير في القدرة الدفاعيّة الاجتماعيّة للشعب التونسي؟ من مرحلة 78 والاضراب العام الذي أعلنه الاتحاد العام التونسي للشغل، كذا ثورة الخبز 84 . إلى مرحلة الغلاء الذي لم يعد يواجه إلا بطرق من التحيل المتبادل أصبحت متفشية في المجتمع ، يمارسها أغلب الناس هذه الأيام. ودراسة خطورة هذه السياسة إذا أصرت السلطة الحالية على البقاء آمادا طويلة
ماذا لو مدد النظام الحالي مدة بقائه لعقدين ـ فقط ـ في السلطة مستخدما كل هذه الأدوات التخريبية للاقتصاد التونسي أو مطورا لها. ثم طلب بنفسه من الحركة الاسلامية المشاركة في عمل سياسي قانوني لتشريكها في مسؤولية ما يحصل في البلاد؟. فأي الملفات ستعالج؟ وهل تجرء على الاقتراب من المصالح التي ثبتتها العائلات الحاكمة الآن بعد عشرات السنين من الحكم؟؟
أذكروا لي مثالا واحدا عن نظام استبد سياسيا وتجذر بطرق غير مشروعة إقتصاديا وأثار فتنا اجتماعية ثم سمح لمعارضيه بالتبادل على السلطة، ولو كانت عصابة مثله لا تحاسبه على ما فعل لأنها تريد محاكاته ؟ أبحثوا في التاريخ القديم والحديث وكل النظم المعاصرة إن وجدت نظيرا للنظام التونسي تراجع ولو درجة واحدة عن سياسة النهب والفساد المالي والإستبداد في السلطة ثم فتح نافذة صغيرة للحوار مع معارضيه!!! إن الوضعية التونسية ليس لها من دون الله كاشفة. تحية طيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (المصدر: موقع الحوار.نت بتاريخ 4 جوان 2007)  
 

بسم الله الرحمان الرحيم

و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين

 

تونس في 04/06/2007

 

الرسالة رقم 242 على موقع تونس نيوز

بقلم محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري

رئيس شعبة الصحافة سابقا

 ( متصرف متقاعد) 

 

الحلقة الثانية : مشاغل الناس و همومهم و معانتهم اليومية و خاصة في مناطق الظل

تحدثت في الحلقة الاولى التي نشرت يوم غرة جوان 2007 على موقع الأنترنات تونس نيوز حول مشاغل المواطنين و همومهم و مشاكلهم اليومية و اليوم أواصل الحديث حول بقية المشاغل و هي عينات فقط قد يتضاعف العدد 50 ضعفا فقد اشرت في المقال المشار إليه إلى موضوع مواطن من قرية رياض بوهلال بمعتمدية الجم ولاية المهدية قلت انه كان يعمل على شاحنة قديمة سلسلة 30 شراها عام 2001 بـ3 آلاف دينار أكثر من نفس المبلغ سلفة من الأهل و الاقارب عطفا عليه لأنه فقير الحال و لا دخل له. و توّكل على الله لكسب قوته بعرق الجبين و كان مسرورا عندما يدخل مكتوبه 8 دنانير في اليوم بعد طرح مصروف الشاحنة و يعمل في مجال نقل البضاعة في منطقة ريفية نائية و طبعا لا يحصل على الرخصة إلا بعد الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي و لم يكن يعلم أنّ الصندوق سيوظف عليه 156 دينارا كل 3 اشهر و بعد6 أعوام بلغ مساهمات الانخراط 3600 دينار و عجز المسكين الضعيف المتواضع الدخل ووجد نفسه أمام ضغط الصندوق و ظروف العيش القاسية و متطلبات لقمة العيش لاسرته و إنه خيّر تلبية ضروريات الحياة رغيف أبنائه و خبزة اسرته و زوجته وقد أوقف الشاحنة منذ أعوام و بقي عاطلا عن العمل 3 أعوام و الشاحنة أمامه دون عمل و أخيرا جاء إليه العدل المنفذ زائرا طالبا منه دفع مبلغ 3600 دينار على ذمة الصندوق مع حمله المصاريف الأخرى و أمام هولة الفاجعة و خروج العدل المنفذ الذي لن تتعود به الارياف وجد نفسه مضطرا لدفع 200 دينار للصندوق لكن هذا المبلغ لا يحل المعضلة و تمّ حجز الشاحنة التي أصبحت لا يسوى ثمنها ألف و خمسمائة دينار و نصف ثمن شرائها و مازال المسكين مطالبا بدفع بقية المبلغ 2100 دينار هذه الوضعية الاجتماعية الشائكة ذكرتني بقصة واقعية قصها علينا السيد مصطفى بدر الدين المدير العام للديوانة سابقا … حيث كان عام 1972 مسؤولا جهويا على الجنوب التونسي الإدارة الجهوية للديوانة و كان ناشطا و ذكيا و يعرف أغوار و أسرار العمل القمرقي بإعتباره خريج المدرسة الديوانية ببلجيكيا بعد ان تحصل على شهادة الباكالوريا عام 1957 و كان من الدفعة الاولى لعهد الاستقلال.

هذا المسؤول في نطاق عمله الطويل و الشاق تعرض إلى عديد المشاكل  في مجال عمل الديوانة و في إحدى الحالات أعلمه الأعوان الناشطون معه أن شخصا خطيرا يقوم بالتهريب إلى دولة مجاورة و بعد الحراسة الشديدة وقع القبض عليه. ورفع أمره إلى السيد المسؤول الجهوي الذي بادر ببحثه و أطال البحث معه و برزت لديه فكرة مقنعة فأذن الأعوان منهم المسمى المرحوم العربي رحمه الله من تطاوين بالقيام ببحث إجتماعي دقيق وشامل حول حياة هذا الرجل و ظروفه الاجتماعية و مسكنه و اسرته ودخله و أبنائه و عيشه و بعد إجراء البحث الدقيق الشامل تأكد أنّ الرجل فقير الحال يسكن في كوخ متواضع و له 9 ابناء و عاطل عن العمل . هذا البحث رفعوه إلى السيد المدير الجهوي و بعد الإطلاع عليه أخذ قرار للتخفيف عليه و مراعات ظروفه الاجتماعية و طلب السيد المدير الجهوي مستقبلا درس كل الوضعيات و الدوافع الإجتماعية و مرعاتها للتخفيف على المواطنين و رفع مذكرة للإدارة العامة التي بدورها أعلمت وزير المالية  و الوزير أعلم رئيس الدولة الذي يتابع هذه الأوضاع و اصبحت المذكرة التي إبتكرها المسؤول الجهوي معمولا بها في عديد القضايا… لماذا لم يقع دراسة حالة هذا المواطن برياض بوهلال الجم و مراعات ظروفه خاصة أنه لم يقترض من بنك لإسترجاع المبلغ بل إنه إنخرط في الصندوق الاجتماعي الذي من مشمولاته في فرنسا مساعدة العاطلين عن العمل.

و تذكرت أنّ ابنائي في فرنسا يزاولون تعليمهم في المرحلة الثالثة تسوغوا مساكن خاصة بالطلبة بـحوالي 250 أورو في الشهر و بعد 3 اشهر وجدوا حوالات مالية بنصف مبلغ التسويغ لفائدتهم فتعجبوا و ذهبوا إلى الصندوق بباريس و قالوا للمسؤول نحن طلبة لم ندفع إنخراط للصندوق الاجتماعي بفرنسا .. ماهو سرّ هذه الحوالات إبتسم المسؤول و قال لهم هذا حقكم في فرنسا أنتم طلبة تشملكم منافع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بفرنسا علق إبني المتوسط و قال فرنسا صاحبة العدل و المساواة و بدون تعليق

أما الوضعيات الاخرى في مناطق الظل مثل الحجارة نجد شبان بالإجازة و هم في حالة بطالة و عند ما وجهوا مطالب إلأى وزارة التربية و التكوين ملتمسين العمل في سلك المعلمين و هم من حاملي الشهائد العليا الإجازة وبعد محاولات و إتصالات و مقابلات من طرف مناضل وطني معروف على الساحة الوطنية بعد عمل دام 53 سنة تحصلت على وعد صريح بعد مقابلة مع مسؤول كبير بالوزارة المعنية و كان آخر وعد يوم 30/04/2007 وقد كانت الوعود حارة من 28/03/2007 إلى يوم 27/04/2007 أما وعد يوم 30/04/2007 فكان أقل حرارة نزلت الى 5 عوضا عن 40 درجة …ثم بعد نزلت الحرارة إلى 3 تحت الصفر

و اخيرا اعلمنا معلم بواد الليل ولاية اريانة ان برقية وصلت الى ادارة المدرسة بواد الليل كانت يوم 13/05/2007 لتعيين معلمة جديدة أي قبل انهاء الدراسة بـ45 يوما … لو دققنا لوجدنا ان التعيين لا يتم بدراسة الحالة الاجتماعية و مناطق الظل بل هناك اشياء اخرى تخضع الى التعيين ربما الجهة أووزن الشخص المتدخل … الوزن المقصود ليس النضالية بل الوزن المهني في عصرنا و بدون تعليق.

و اليوم ابناء الحجارة منطقة الظل لحدّ اليوم في حالة بطالة و كذلك إخوان من أبناء الريف لا يزالون في حالة انتظار و بعضهم اخذ الاجازة عام 2002 و دخل في العام السادس و هم عاطلين عن العمل و أحدهم أسعفه الحظ و ابتسم له الحظ فوجد شغلا في مؤسسة بصفاقس و صندوق 2121 يدفع عليه نصف الأجر .. و هو مجاز .. عندما أعلمه صاحب المؤسسة بقبوله فرحت والدته و ضحك والده و عم الفرح أهله و عندما باشر العمل في شهر ماي 2007 قال له صاحب المؤسسة عملك هو تعبئة الشاحنة بالمواد … وبقي يعمل 8 ساعات و تعب الطالب و شعر بألم في يديه من شدة التعب فسأل صاحب المؤسسة في نهاية العشية هل هذا هو العمل غدا و في المستقبل قال له نعم هذا هو العمل يا استاذ … و بدون تعليق بكى الطالب و قال القسم عند الله فهو الرزاق ذو القوة المتين صدق الله العظيم هذه الوضعيات يجب إعلام رئيسنا بها و هذه عينات أسوقها بواسطة الصحافة الإلكترونية عسى أن تصل إلى قلب رئيسنا و لعلّ إخواننا في المسؤولية أن يبلغوا الامانة بصدق و دون السعي كالعادة بإخفاء الحقيقة … وقد ذكرت في مقالي رقم 238 إلى السيد وزير الدولة الناطق باسم رئيس الجمهورية حتى تصل فحوى رسائلنا إلى مكتب سيادة الرئيس و هو المؤهل لأخذ القرار و هو صاحب القرار الفصل. وقد تابعنا حالات عالجها الرئيس عندما علم بفحواها بوضوح و شفافية و بصدق حتى عام 2000  لذا الواجب أعلام الرئيس بالحقائق خاصة عدم إخفاء مقالاتنا الشجاعة الجريئة للإصلاح و هذا دور المناضل الوطني إبلاغ الحقيقة بصدق و دون خوف أو مجاملة.

قال الله تعالى : فستذكرون ما اقول لكم و أفوّض أمري إلى الله و إنّ الله بصير بالعباد . صدق الله العظيم. 

 

محمد العروسي الهاني

    الهاتف : 22.022.354     

 

ردا على بو عبدالله

 تحية وبعد
قرات نصا في العدد الاخير كتبه بوعبدالله بوعبدالله. ولست ادري ان كان الاسم حقيقيا ام مستعارا
فلا اظن ان الاسماء والالقلب تتشابه لهذه الدرجة. على كل يبدو ان هذا الكائن اسلامي ونهضويا بالاساس..وقد رايت اسمه عديد المرات في نصوص تتحدث عن قيادات النهضة وكدت اتصوره من تلك الزعامات الكبيرة في الحركة الاسلاموية التونسية..
ولكن بقراءة نصه الاخير اكتشفت انه مجرد تابع قاعدي لحركة الغنوشي حيث ان معلوماته السياسية محدودة جدا وان تكوينه السياسي لا يكاد يكون صفرا. امثلة عديدة تثبت كلامي ولست اريد الجدل معه لكن ما قاله ينم عن ضعف فادح حتى في معرفة الاحداث والاطلاع على مجريات الحراك السياسي في البلاد من شخص يريد ان يكون قياديا في حركة تريد ان تكون فاعلة سياسيا 
*يقول المدعو بوعبدالله ان الحزب الوطني الديمقراطي ناتج عن انشقاق عن حزب العمال االشيوعي التونسي..من اين جاء بهذه المعلومة الكاذبة.
ثم يقول ان لهذا الحزب اتباع في السلطة في حين يصارع هذا الحزب السلطة من اجل الاعتراف القانوني منذ تاسيسه..
*يفتري المدعو بوعبدالله على حزب ورقي اسمه حزب الوحدة الشعبية مرتين..مرة حين يصفه بالحزب ومرة حين يصفه باليساري.. في حين يعرف الجميع  ان  فرقة بوشيحة لا تعدو ان تكون شعبة تابعة لحزب الدستور الحاكم وبوشيحة ذاته شخصية من شخوصات السلطة.
*يريد المدعو بوعبدالله ان يصور لنا اليسار التونسي في شكل كاريكاتوري متناقض لا علاقة له بالشعب التونسي ولا بمشاكله وطموحاته وفي نفس الوقت يريد تسويق صورة جميلة جدا عن حركة النهضة التي انتمى اليها او مازال..
الذي اعرفه ان هذا الشخص كان زعيما معتبرا للنهضة في الخارج وعاد بشكل خلق لدى اصدقاءه نوعا من الحرج..
كل هذا يهم النهضة ولا يهمنى ولا يهم التونسيين في شيء.اما الذي كنت اتمناه صادقا هو ان النهضة التي تطرح نفسها بديلا سياسيا في البلاد لا بد لها من ان تنظم حلقات تكوين فكري وسياسي بدائي لمناضليها حتى لا يخرجوا على الجمهور بتلك الحماقات التي كتبها بو عبد الله اما جهلا بالحقائق او قلبا لها.. قولوا الحق يا بوعبدالله فان الله لا يحب العبد الكذاب..
 
عبد الصمد


 
توتر الوضع الاجتماعي من جديد:

إضراب ناجح في الأساسي وشارة حمراء في المغازة العامة

محمد الحمروني
منعت قوات الأمن مسيرة سلمية للمعلمين كانت تنوي الاتجاه من ساحة محمد علي إلى مقر وزارة التربية. وكان المربون ينوون الاعتصام أمام الوزارة للاحتجاج على سياسة الأذن الصماء التي تمارسها سلطة الإشراف تجاه مطالبهم وللتعبير عن غضبهم من أسلوب المراوغة الذي اعتمدته في محاولة منها لإفشال الإضراب. وطوقت قوات الأمن ساحة محمد علي التي احتضنت التجمع العام الاحتجاجي للمربين، وأقامت الحواجز على مداخله كما شوهد انتشار كثيف للأعوان بالزي المدني والرسمي في الأنهج والشوارع المحاذية. وشهدت المدارس الابتدائية شللا شبه تام وأغلقت العديد منها أبوابها. وحسب مصادر من نقابة الأساسي بلغت نسبة نجاح الإضراب 85 بالمائة، فيما تدنت تلك النسبة في بعض الجهات إلى 30 بالمائة.
رقم قياسي وشدّد الكاتب العام لنقابة التعليم الأساسي السيد محمد حليم على أن « الوزارة لم تلتزم بالاتفاقات المبرمة بينها وبين رجال التربية حول مجمل المطالب وخاصة ما تعلق منها بكيفية تسيير المؤسسات التربوية ». ولاحظ في ندوة صحفية عقدت يوم الاثنين 28 ماي الجاري انه لأول مرة يشهد القطاع « هذا الكم الهائل من الاضرابات التي بلغت 9 في أقل من ثلاث سنوات، وهو رقم لم تشهده البلاد منذ الاستقلال إلى الآن ». وحسب رأيه فان سبب ارتفاع الاحتجاجات في صفوف المربين هو « إلتفاف الوزارة على مكاسبهم وممارسة الإقصاء والارتجال والاختيارات العشوائية للبرامج التربوية إضافة إلى التهجم على المربين ونقابتهم ». وأكّد أن الغضب من سياسات الوزارة لم يعد يقتصر على رجال التربية والتعليم فحسب بل تعداه إلى جميع شرائح المجتمع التونسي إذ استنكر الجميع الاختيارات العشوائية التي اقترحها السيد وزير التربية في شهر فيفري الماضي.
المطالب وتطالب النقابة العامة بتشريكها في حركة النقل الخاصة بالمعلمين أو المديرين او المتفقدين والبيداغوجيين. وفي هذا الإطار أكد حليم ان الحركة النظامية للنقل ظلت واضحة منذ الثمانينات حتى سنة 2007 عندما شابها الكثير من اللبس والغموض. وترمي حركة النقل إلى السعي للتقريب بين الأزواج وسد الشغورات إضافة إلى تقليص المسافة من مقر السكنى خاصة بالنسبة للمعلمين الذين يعملون في الأرياف. وكانت هذه العمليات تتم وفق ضوابط محددة منها الأقدمية وعدد سنوات العمل المقضاة في جهة ما. وكانت النقابة العامة تشارك في العملية التي كانت تتم بإشراف وزارة التربية وهو ما منع التلاعب بهذه النقل. ويتخوف المربون من انفراد الوزارة بهذه الحركة واستعمالها كوسيلة للضغط على المعلمين وإخضاعهم لإرادتها. ويخفي الصراع المحتدم بين سلطة الإشراف والنقابة حول الحركة معركة ظلت رحاها دائرة بين الطرفين تسعى الوزارة من خلالها إلى تحجيم دور النقابة والتقليص من صلاحياتها في حين يستميت الطرف النقابي في الدفاع عن مطالب يعتبر أنها حقوقا تاريخية مكتسبة للمربين. والى جانب المشاركة في حركة النقل يطالب المربّون بتحسين ظروف العمل داخل مؤسساتهم وتهيئتها حتى تكون صالحة للقيام بالعملية التربوية، ذلك أن عددا من المدارس لا تتوفر فيها حراسة كافية في الليل ما يجعلها مرتعا للسكارى ومأوى للمجرمين والمنحرفين. كما يطالبون بحمايتهم من التعديات التي يتعرضون لها من قبل التلاميذ والأولياء ومن بعض الإطار المشرف على إدارة المدارس وأعوانها الذين يتحولون، خاصة خلال فترات الاضرابات، إلى ميليشيا تهدد وتضرب وتعتدي وتتهم بالخيانة كل معلم مضرب إضافة إلى ما ترفعه من تقارير إلى الجهات الأمنية.
استهداف المربين الاعتداءات على رجال التربية كانت السمة البارزة للإضراب الأخير إذ قامت جهات عدة: أمنية وسلط محلية، بالاعتداء على المعلمين إما بالضرب أو التهديد مثلما حصل في كل من صفاقس والقصرين وغيرهما بل تدخل بعض المتفقدين للضغط على المدرسين حتى يفكوا الإضراب في بعض المدارس. واستعملت الوزارة مختلف الوسائل لإفشال الإضراب من بينها وسائل الإعلام التي شنت حملة هدفها الإيهام بالاستجابة لمطالب المعلمين. وأعدت التلفزة ملفا، عولت عليه كثيرا سلطة الإشراف لتحقيق أهدافها في إفشال تحرك المعلمين. وحسب المنصف الزاهي الأمين العام المساعد للاتحاد الذي شارك في البرنامج تم حذف عدة مقاطع من تدخله ما جعله مشوها كما أكد انه لم يعط من الوقت مثلما أعطي الآخرون وعلى رأسهم الوزير وأصرت إدارة البرنامج على عدم منحه الكلمة النهائية كما قال.
شارة حمراء الحراك الاجتماعي لم يقف عند تحرك المعلمين خلال بداية الأسبوع الجاري، فقد حمل عمال شركة المغازة العامة الشارة الحمراء ابتداء من يوم الاثنين الماضي احتجاجا على عدم احترام الاتفاقات الموقعة بين الطرفين بحضور وضمان ممثلي سلطة الإشراف (اتفاق حول مجموعة من المنح واليات الترقيات والنظر في الوضعيات غير المطابقة للقانون)، وكذلك للإمتناع عن إطلاع الجانب النقابي على كراس الشروط المتعلق بالتفويت في المؤسسة. ويؤكد العمال أن هناك إصرارا من إدارة المؤسسة على التفويت فيها مع تغييب العمال وممثليهم، وهم يخشون من ضياع حقوقهم كما يخشون من عمليات التسريح الواسعة التي ينتظر أن تتم في إطار إعادة الهيكلة. كما احتجوا على رفض الجانب الإداري الخوض في أي مفاوضات يمكن أن يحقق من خلالها العمال مكاسب جديدة. وكان العمال خاضوا عدة تحركات توجت بإضراب يومي 5 و 6 فيفري 2007 بلغت نسبة نجاحه 98 في المائة. وحسب العمال فإنهم عازمون على الدخول في اعتصام مفتوح إن لم تقع الاستجابة لمطالبهم مع إدراجها في كراس الشروط.
وحسب السيد محمد البكوش كاتب عام النقابة الأساسية تشغل المغازة العامة ما يقارب 2250 عاملا وهي مملوكة للدولة بنسبة 76.31 في المائة. وتحولت سنة 1988 إلى مجمع يضم شركة ماقرو وعقارية المغازة العامة. وتملك الشركة 44 نقطة بيع تابعة للمغازة العامة و3 نقاط بيع بالجملة تابعة لماقرو إضافة إلى 3 مستودعات مركزية. ويبلغ راس مالها الاجتماعي 8.350 مليون دينار. وهي ذات ربحية جيدة وحققت سنة 2006 ربحا صافيا قدر بحوالي 4 ملايين دينار.
… والصحة ايضا قطاع أعوان الصحة أعلن هو أيضا الإضراب كامل يوم 31 ماي الجاري. ويأتي الإضراب مواصلة لسلسلة الاحتجاجات التي خاضها القطاع منذ ما يزيد عن السنتين للمطالبة بالترقيات المهنية والمنح الخصوصية وتأهيل القطاع الصحي حتى يكون قادرا على المنافسة. مرة أخرى في اقل من شهر يعود الوضع الاجتماعي للتوتر من جديد وهو ما يزيد الضغط على الطرفين الاجتماعيين السلطة من جهة واتحاد الشغل من جهة ثانية. لكن السلطة لم تبد الجدية اللازمة لمعالجة هذه الملفات قبل استفحالها.
(المصدر: موقع pdpinfo.org  نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 408 بتاريخ 31 ماي 2007)  


رد على مقال: « الحياة السياسية: تعثـر «المبــادرة».. وغمـــوض داخـــل المعارضة »

محمد احمد تتعرض منذ مدة الصحف المعارضة الى هجمة اعلامية تستهدف النيل من صدقيتها وتثبيط عزائم القائمين عليها. والدوافع التي تقف وراء تلك الحملة واضحة وهي رغبة النظام في إلجام الأصوات التي أبت إلا أن تكون حرة ورفضت الانخراط في الجوقة التى تحرك خيوطها. وبعد ما جاء في تقرير جمعية الصحافيين التونسيين من افتراءات طلعت علينا جريدة الصباح بمقالة « عصماء » بدت وكأنها جردة حساب موتورة مع كل مكونات المجتمع، باستثناء السلطة. وفي حين بدا من العنوان أن المقال سيتناول آخر التطورات في حركة التجديد وما آلت إليه « المبادرة الديمقراطية » التي تشكلت حول السيد محمد الحلواني خلال ترشحه لرئاسيات 2004 ، توجه كاتب المقال إلى صب جام غضبه على صحف المعارضة وعلى هيئة 18 أكتوبر وعلى الديمقراطي التقدمي وان لم يسمه. وسنكتفي في هذه العجالة بمناقشة ما ورد في المقال من اتهامات لصحف المعارضة مثل: عدم وجود « مقالات عميقة تصدر عن اعلاميين اكفاء ومثقفين مستقلين »، واعتبار الكاتب أن المقالات التي تنشر بتلك الصحف « ينقصها الجانب المنهجي والاستفادة من الحد الادنى من الاحصائيات والمعلومات التى توفرها بعض المصادر الرسمية مثل المعهد الوطني للاحصاء ». أما الجانب السياسي فسنترك امر الرد عليه الى النشطاء السياسييين وقيادات تلك الاحزاب وكوادرها. ..العُجْب وقبل البدء في مناقشة ما ورد في المقال من إتهامات لا بد من الإشارة إلى جملة من الملاحظات: 1- ما يفهم من خلال النقد الموجه للصحافيين المعارضين من عدم الكفاءة وقلة العمق هو استبطان الكاتب لحالة نفسية تشبه العجب تجعله يصنف نفسه آليا في الخانة المقابلة لخانة النعوت التى وصف بها صحف المعارضة. وبإلقاء نظرة بسيطة على المقال الذي تهجم على الصحافين واتهمهم بقلة العمق وعدم الكفاءة نكتشف الى اي درجة لم يتعمق صاحب المقال في الموضوع الذي تناوله واقتصر على ارتسامات ذاتية وانفعالية. 2 – ويدل المقال على أن صاحبه في احدى وضعيتين: فاما انه لايقرأ صحيفة « الموقف »، وهو بالتالي دون معرفة، وهذا أمر استبعده على كل حال، أو انه يعرف لكنه يجانب الحقيقة لغاية في نفس يعقوب وهذا افتراء. ولو كلف كاتب المقال نفسه عناء الاطلاع على الاعداد الاخيرة فقط من جريدة « الموقف » لوجد أنها على غير ما وصفها به. ويكفي ان نشير الى الندوات التى قامت بتغطيتها والتحقيقات التى انجزتها اعتمادا على تقارير رسمية محلية ودولية، وتناولتها بعيدا عن الرقابة الذاتية التي تخضع لها كثير من الأقلام الصحفية في بلادنا، وهي تغطيات لا نكتفي فيها بإفراغ محتوى التسجيلات كما يفعل البعض. أما الكتابات الفكرية بالجريدة فتقوم عليها ثلة من خيرة الأساتذة الجامعيين والمفكرين والمثقفين والسياسيين في تونس. تبقى التغطيات الصحفية ومعلوم أن اعمق ما في الخبر هو ان تقدمه للقارئ باكثر حياد ممكن وان تترك له المجال كي يحلل بنفسه. لكن ذلك لم يمنعنا من التعليق على الاخبار وتحليلها واستكناه خلفياتها وتداعياتها فـ »الموقف » وبشهادة الجميع، متميزة في هذا المجال ويكفي ان نضرب أمثلة على ذلك بالتغطيات الخاصة التى قمنا بها لمجمل الحراك الاجتماعي في السنة الماضية حتى ان بعض المحللين قال « من أراد ان يدرس حالة الوضع الاجتماعي في تونس خلال السنة المنقضية فليعد إلى الموقف ». ..المِهَنيّةُ قد يعجب من يقرأ المقال من ان الصحفي ذا الخبرة الواسعة والذي يعطي دروسا في الكتابة الصحفية ويعمل في صحيفة عريقة لا يستطيع ان يصوغ خبرا ! ولكن للأسف هذا هو حال الصحافة التونسية اليوم واليك الدليل. جاء في المقال المذكور في العمود الثالث الفقرة الاخيرة ما يلي  » وفي نفس السياق اعلنت صحيفة الطريق الجديد عن تشكيل جمعية تونسية تدافع عن اللائكية ..تضم عشرات المثقفين والفنانين والمحامين والاعلاميين التونسيين بينهم صالح الزغيدي وخديجة الشريف…. ». واحسب ان المبتدئ في الكتابة الصحفية لا يمكن ان يكتب خبرا بسيطا بهذه الطريقة التى تغير المعنى. فالذي يقرأ الخبر يفهم ان نسبة تكوين الجمعية تعود الى « الطريق الجديد » لا أنّ الجريدة قامت بالاخبار فقط عن تكوينها في حين ان من شكل الجمعية هم السادة والسيدات الذين ذكر الخبر بعضهم لاحقا. الجانب الآخر هو النقل، ذلك ان ما يقرب من ربع المقال جاء في شكل استنساخ لفقرات باكملها من إحدى الوثائق (العمود الاخير بكامله تقريبا) ولم يتم التعليق على تلك المقاطع المطولة التى استنسخت الا بكلمات قليلة، فهل ان دور الصحفي هو اعادة نشر الوثائق والبيانات ام تحليلها والتعمق فيها كما يطالب بذلك صاحب المقال. الجانب الثالث وهو الأخطر يتعلق بضعف البناء، فالمقال جاء في شكل تداعي خواطر إذ لا وجود لبنية معينة ولا لرابط يمكن للقارئ ان يتبعهما، فأتى المقال مفككا، مهزوزا وهو اقرب الى « الحذلقة الصحفية » التي عادة ما يلجأ اليها كتّاب الصحف اليومية عندما لايجدون ما يكتبون عنه. فالكاتب قفز من موضوع إلى آخر دون أي تخلص منطقي، حتى انه تعرض في موضوعه الى كل قضايا المجتمع المدني من صحف المعارضة الى اتحاد الطلبة الى المبادرة والحزب الجديد مرورا بهيئة 18 أكتوبر ورموز المجتمع المدني التاريخيين. أكثر من ذلك أنهى بمسالة غاية في « البساطة » ! ويمكنه نقاشها والكتابة عنها في بضعة اسطر حتى وهو يتناول لمجته، وهي قضية العلاقة بين الدين والسياسة !!! أليس عجيبا إعطاء دروس في العمق والكتابة في كل هذه المواضيع جملة واحدة وهي التى يتطلب التعمق فيها وقتا طويلا من الدراسة والبحث كما تتطلب الكتابة عنها مجلدات لا مقالات اللمجة السريعة.
(المصدر: موقع pdpinfo.org  نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 408 بتاريخ 31 ماي 2007)  


السلطة تستهدف الإتحاد في استقلاليته

سـلـيـم غـريـس، عضو النقابة العامة للتعليم الأساسي شهد الاتحاد العام التونسي للشغل عبر تاريخه عديد المؤامرات لاحتوائه و ضرب استقلاليته لكي لا يضطلع بدوره في الدفاع عن الشغالين و لا يتخذ المواقف المستقلة في القضايا الكبرى و الملفات الوطنية الهامة. ولفهم ما يجري الآن لا بدّ من الاستئناس بالتاريخ. فبداية من أواسط السبعينات شهدت النضالات العمالية نسقا تصاعديا و قدم الأمين العام الراحل الحبيب عاشور استقالته من مسؤوليته الحزبية و هو ما اعتبرته السلطة توجها يهدف إلى تكريس استقلالية الاتحاد. و جاء قرار الإضراب العام في جانفي 1978 دفاعا عن الاتحاد الأمر الذي لم تستسغه السلطة فكانت الهجمة الدموية التي خلفت شهداء و سجناء عانوا ويلات التعذيب. و في أواسط الثمانينات وجهت السلطة ضربة أخرى لاتحاد الشغل و نصبت قيادة موالية لها (الشرفاء!)لتنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي و ما يعنيه من تحرير للاقتصاد و خصخصة للمؤسسات و تخلي الدولة التدريجي عن الإنفاق على الخدمات الاجتماعية و كل هذا يتطلب وجود منظمة نقابية تابعة. أما في عشرية التسعينات فقد نجحت السلطة في تخريب الاتحاد من الداخل وتطورت الرغبة في « الولاء الأعمى » للسلطة إلى ظاهرة مرضية تنخر المنظمة التي تحولت إلى سند اجتماعي للخيار الرأسمالي الليبرالي و أصبحت مدافعا بحماس عن خيارات السلطة و مهاجما قويا لكل من يختلف معها و هذا الانحراف الخطير كلف المنظمة غاليا محليا و دوليا. و تطرح اليوم رهانات كبيرة على اتحاد الشغل خاصة في ظل انعدام أي توازن على الساحة. فللحكومة أجندة اقتصادية و اجتماعية و سياسية تعمل جاهدة على تنفيذها بحكم تعهداتها الخارجية و انخراطها الكامل في نظام العولمة الرأسمالية الليبرالية. وعلاوة على ما سيتسبب فيه هذا التوجه من مزيد تأزيم الوضع الاجتماعي – بطالة و مسرحون و غلق مؤسسات – فإن الحكومة ستعمل على تمرير مطالب الأعراف التي صدرت عن مؤتمرهم الأخير و التي تقضي بمراجعة « مجلة الشغل » بغرض إضفاء مزيد من « المرونة » على القوانين المنظمة للعلاقات الشغلية أي مزيد ضرب مصالح العمال و تجريدهم من حقوقهم. أضف إلى كل هذا نهج التطبيع الذي اختارته السلطة مع عدو تاريخي لأمتنا. مواقف نقابية « لا تعجب » لقد تمكن الاتحاد في السنوات الأخيرة من اتخاذ عديد المواقف الهامة لاسترجاع ثقة قواعده و هياكله القاعدية. فالمنتدى الاجتماعي و ما سيمثله من تكوين جبهة عريضة لمواجهة غول العولمة المتوحشة لا تنظر له السلطة بعين الرضا خاصة و أن الاتحاد لعب دورا هاما في تأسيسه مع منظمات مستقلة تعاني من الحصار المضروب عليها مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. و يعتبر رفض اتحاد الشغل الدخول إلى مجلس المستشارين من « الأخطاء التي تستوجب تصفية الحسابات »! لقد أرادت السلطة جر الاتحاد إما إلى التنازل عن استقلاليته و قبول دخول مجلس المستشارين بتلك الشروط المذلة و إما إلى إبرازه في مظهر المتمرد على نص دستوري ما كان له أن يتضمن كل تلك التفاصيل و الجزئيات. و قد اختارت الهيئة الإدارية وقتها القرار المشرف الذي كرس استقلالية المنظمة. ردود أفعال قوية و لأن السلطة لا يمكن لها أن تقبل باتحاد مستقل في قراراته الأمر الذي سيعقد تنفيذ برنامجها فإنها لم تبق مكتوفة الأيدي بل مارست عديد الضغوطات و عطلت حل عديد المشاكل في القطاعات و الجهات و دخلت في لعبة لي ذراع المنظمة بغية تركيعها. فعمدت إلى عدم الاعتراف بما أفرزته المؤتمرات القطاعية للتعليم العالي و هو تدخل سافر في شأن نقابي داخلي و وصل الأمر إلى مداه الأقصى حين حاولت السلطة سحب البساط من تحت الأمين العام الحالي الذي كان يخضع لعلاج دقيق بالمصحة بعد إصداره بيانا ندد فيه باسم المكتب التنفيذي بدعوة الحكومة لمجرم الحرب شارون! نقابات التعليم مستهدفة و بما أن ضرب استقلالية المنظمة هدف السلطة المنشود فلا بد لها من مداخل لتحقيق ذلك. فالاتحاد يستمد قوته من عديد القطاعات و الجهات التي لها طاقات نضالية كبيرة و تتمتع بدرجة محترمة من الوعي و قدرة على قراءة الواقع و متطلباته. لذلك فإن أي نجاح في استهداف أي من هذه القطاعات له بالتأكيد انعكاسات سلبية على المنظمة ككل. و يعتبر قطاع التعليم الأساسي أحد هذه القلاع التي لا تدخر جهدا في الدفاع عن المنظمة بدرجة أولى و عن مطالبها بدرجة ثانية. و ما يتعرض له هذا القطاع و هياكله النقابية طوال هاتين السنتين من تآمر و التفاف على المكاسب هو تجسيد لما قلناه. و أصبح واضحا اليوم أن وزارة التربية ما هي إلا وسيلة لتنفيذ مخطط ضرب النقابة. و ترتكز الخطة على أربعة مقومات بارزة. 1- التصادم بين مختلف الهياكل : تمارس السلطة ضغوطات قوية و متنوعة على الهياكل العليا للاتحاد بنية دفعها للقبول بما هو دون طموحات النقابة بغرض إحداث شرخ داخلي يصل مداه إلى الهياكل القاعدية و عموم المعلمات و المعلمين. إلا أن تراكم التجارب و المحن التي مرت بها المنظمة تجعل هذا الأمر مستحيل الوقوع خاصة في ظل النقابة العامة الحالية التي تتميز بقدرتها على التفاعل الإيجابي دون أدنى تنازل عن الثوابت. 2- إحداث قطيعة بين المعلمين و نقاباتهم : يتم هذا بمحاولة تحييد المعلمين عن الصراع مع الوزارة و حصره مع النقابات و ذلك « بتخوينها و اتهامها بتسييس عملها و سعيها للتصعيد المجاني » في محاولة لإرباك المعلمين و إدخال الشك في نفوسهم. إلا أن هذه المحاولات لا تنجح لأن المعلمين محصنون بالوعي اللازم و هم أدرى من غيرهم بقيمة المطالب المرفوعة و خطورة الالتفاف على مكاسبهم. 3- إقصاء النقابة و تقليص إشعاعها : تسعى الوزارة إلى القضاء على تواجد النقابة في حياة المعلمين و التواصل معهم و ذلك بالتضييق على ممارسة الحق النقابي و الاستفراد بحركات النقل و إسناد الإدارات الوقتية إلى غير مستحقيها دون تشريك النقابات و تحديد قائمات المدارس الريفية من جانب واحد … 4- تأليب الرأي العام : عادة ما يتم ذلك عن طريق « أولياء » و بعض الأقلام الصحفية « المعروفة » لشن حملات تخوين و تجريم المعلمين و نقاباتهم إلا أن ما يلاحظ هو أن صبر الوزارة نفذ فتورطت بصفة مباشرة و اتهمت المربين « بالتكركير » على مرأى و مسمع من الجميع! و يهدف هذا السلوك إلى هز صورة المربين لدى الرأي العام لكي لا يستنكر ما يمكن أن يمارس ضدهم بسبب نضالهم. إن هذه الخطة لا تستهدف فقط قطاع التعليم الأساسي القلب النابض للمنظمة لذلك نقول أن الصراع الموجود بين الوزارة و المعلمين بقيادة نقابتهم يهم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تبنت هيئته الإدارية الوطنية مطالب المعلمين و ساندت نضالهم و دعت إلى الوقوف معهم وعيا منها بخطورة ما يحاك ضد المنظمة. و نؤكد أن هذا القطاع الذي يمثل الضمير الحي للمنظمة سيحبط كل المؤامرات و سينتصر للمنظمة أولا و لمطالبه ثانيا.
(المصدر: موقع pdpinfo.org  نقلا عن صحيفة « الموقف » (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 408 بتاريخ 31 ماي 2007)


 

الغش «الطريقة الأسهل» الى النجاح؟

تونس- سلام كيالي «عند الامتحان، يكرم المرء أو يهان» عبارة راسخة في أذهان كثير من الطلاب، فيسعى بعضهم إلى ذلك التكريم بأي وسيلة كانت، ما دامت الغاية تبررها. وغالباً ما يكون الغش في الامتحان الوسيلة المعتمدة، ويمكن القول إنها الأكثر شعبية، خصوصاً مع تراكم الكثير من المواد في نهاية العام الدراسي، وصعوبة استيضاح بعض النقاط، والتململ من دراسة مواد، أو إهمال مواد للاهتمام بأخرى. ويبرع بعض الطلاب بالتفنن في أساليب الغش. فإذا نجحت طريقته اعتمدها، وإذا فشلت بدلها، وقد يغيرها أحياناً لأن طريقة أخرى استجدت وأصبحت طريقته قديمة وبالية. طرف كثيرة تحدث أثناء الامتحان، بعضها تبرع الفتيات بها دون غيرهن. فهن الأكثر حنكة ودهاء في استعمال حججهن القوية بضرورة الخروج من صالات الامتحان، لدخول دورة المياه. إنها حاجة لا يمكن كبتها، خصوصاً أمام الشعور بنقص المعلومات، وقوة المراقبة في الصالة. مرة في امتحان مادة الترجمة كانت الحركة إلى حمامات البنات لافتة. بَدَون كسرب من النمل، خروج ودخول متواصل، وما يلفت النظر أن وجوههن كانت تظهر عليها علامات الارتياح عند خروجهن. أثار الأمر فضول الشباب الجالسين في القاعة، فبعد ربع ساعة تقريباً من بدء الامتحان انهالت طلبات الاستئذان للخروج. سؤال سريع إلى صديقة، أعطى الجواب الشافي. فقاموس اللغة الفرنسية كان وضع بالتنسيق بينهن تحت المغسلة، وهو أمر يستحيل كشفه كونه يمنع على عمال التنظيف الدخول خلال أوقات الدوام. في امتحان مادة نظريات الاتصال، وهو الامتحان الأصعب بالنسبة إلى طلاب الإعلام، لطول المادة وتشابه بعد النظريات في ما بينها، جرى تعاون واضح بين الام وابنتها. كان سؤال الامتحان يطلب إجراء خلاصة للنظريات كلها وهي تقارب الخمسين نظرية. صدمة خيمت على المدرج ومن فيه من ممتحنين. لكن، بعد ربع ساعة تقريباً من الامتحان بدأت شاشة الهاتف المحمول تبرق. بكل براءة وضعت الطالبة رأسها على الطاولة لتغطي جوالها وبدأت تستمع لسرد أمها، نصف ساعة من التغطية المباشرة، لم يلزمها سوى نصف ساعة أخرى لتعيد ترتيب المعلومات وتنتهي من امتحان يلزمه أكثر من ثلاث ساعات للإجابة عنه. أما أن تصل الجرأة بأن يدس أحدهم ورقة صغيرة «روشيتة» بين أوراق الامتحان نفسها فلم يكن بحسبان الإدارة. ويتطلب الأمر جرأة وقوة قلب. طارق الذي اعد الوريقات لم يجرؤ حتى على النظر إليها لشدة المراقبة. مررها إلى صديقه الجالس خلفه. مضت ساعتان على الامتحان ولم يتمكن صاحب الوريقات من استجماع ذاكرته لكتابة شيء، وباءت محاولات الاصدقاء لمساعدته بالفشل. فهو يرفض النظر يميناً ويساراً ويخشى أن يمسكه المراقب بالجرم المشهود. لكن الأستاذ بدأ يشك بهما ومن حولهما، فهو وكما عرف هذه الشلة «بؤرة فساد وغش». تفتيش كامل لمن جاور طارق وزميله، من دون أن ينجح الأستاذ في إيجاد وريقة واحدة. ففي الوقت الذي بدأت حملة التفتيش، لجأ زميل طارق إلى وضعها براحة يده وتغطيتها بالقلم. وبكل هدوء رفع يديه عالياً ليمكن الأستاذ من التفتيش كما يحلو له. لكن الأستاذ لم يتوقع أن يمتلك الطالب الجرأة الكافية لإخفائها بكفه، فاستبعد الموضوع ولم يتمكن من كشف العملية. ولا يقتصر الأمر على طلاب السنوات الاولى، بل إن طلاب الماجستير لهم حصتهم في الغش أيضاً. ففي إحد الامتحانات النهائية، اختصر طالب مادة صعبة ووضع وريقاتها كافة في أكمام قميصه بترتيب وعناية، يتناولها واحدة واحدة، يتصفحها ومن ثم يثنيها بين أصابعه ويرميها بعيداً بخفة كأن شيئاً لم يكن! ويقدر بعض الأساتذة المراقبين صعوبة بعض المواد، فيتساهلون نوعاً ما في المراقبة، ويغضون النظر عن محاولة استقاء معلومة من هنا أو هناك. لكن ماذا يفعلون في حال أخطأ الطالب الفهم، وانتابته موجة هلع؟ في إحدى قاعات الامتحان، جلست فتاة يبدو إنها جديدة على اللعبة. اقترب منها المراقب لينصحها بتفادي لفت انتباه المراقبين الآخرين بالوريقات التي لا تعرف كيف تتعامل معها. لكن الشابة بدأت بالنواح، من دون أي سبب. فخوفها جعلها تعتقد أن الأستاذ اقترب منها لسحب أوراقها، ومحاولات التهدئة لم تجد نفعاً. فاضطر الاستاذ إلى سحب الاوراق فعلاً، لأن الامر ما عاد قابلاً للكتمان. (المصدر: صحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 4 جوان 2007)

في وداع إدريس بن زكري:

الأمل في الكرامة بوصفه برنامج عمل

باسط بن حسن (*)   عندما تتوقّف اللّغة عن الحلم بالواقع وتحويله، تنكفئ المجتمعات على صمتها وتهيمن كوابيس الدّمار. إنّ امتهان كرامة مجتمع ما تبدأ بفرض الصّمت على أفراده ومنعهم من امتلاك لغة يؤسّسون من خلالها إنسانيّتهم، وتبدأ بإجبارهم على قبول التوحّش كقيمة وحيدة لإدارة تجمّعهم. إنّها مطلق الرّقابة، الرّقابة التي لا نراها، لأنّها لا تطال فحسب منتوجات الإبداع وتعبيرات الخطاب السّياسيّ، بل تتغلغل بعيدا في أعماق ظلمات الذّات، فتكسر فيها رغبة الفعل وتوصد عليها أبواب الخوف. إنّ ما يوحّد مجتمعاتنا هو الخوف، « الخوف على » و »الخوف من » : الخوف على الماضي ببطولاته التي لم يعد بالإمكان استعادتها، والخوف من الحداثة التي بعثرت طمأنينة التّقاليد، والخوف من السّلطة التي أرعبت رغبات التحرّر، والخوف من عدم امكانيّة إيجاد حلول، والخوف على مصير الأجيال القادمة والخوف من عدم إيجاد سبل للتّحرّر من الحاجة والمرض والبطالة والعنف والفساد. إنّ الرّقابة في شكلها المطلق تلعب لعبتها في ميدان غريزة البقاء، فتحوّل الحياة إلى رغبة في الصّمت عن الواقع المعيش المتعيّن، وتستبدل التّجربة الإنسانيّة بهذيان سلطة الواحد، وثرثرته وبلاغته، وبفتاوى الحياة اليوميّة السّحريّة التي تصدر عن أراجوزات الدّين والأحزاب والمؤسّسات الثّقافيّة والإعلاميّة. أمام معاني الخوف لا تكتفي آلة الرّقابة المطلقة التي تستوطن أقاصي الذّات بحجب ذاكرة مقاومة الصّمت وقمعها، بل تتحوّل بدورها إلى ذاكرة أخطبوطيّة تسهر على تنظيم إيقاعات آلام المجتمع وتمنعه عن فهم المخاوف وقولها ومحاورتها ومحاولة تجاوزها. إنّ المصالحة في المجتمع ومن خلاله تبدأ بمحاولة إنهاء صمته القاتل للحياة، وباستعادة صوته الذي هو صوت كرامة كلّ الذّوات مجتمعة. هي اللّغة التي تبحث عن التّصالح مع « الحقيقة » في حركة تاريخيّة تجمع بين نقد آليّات الخوف، واكتشاف المشترك الإنسانيّ. حقوق الإنسان في مواجهة البطولات لم يكن ادريس بن زكري بطلا حين رحل. لقد عجزت كلّ خطب تأبينه ورسائل وداعه عن استعادة معاني الرّثاء الفخمة التي تزخر بها أدبيّاتنا. فمثلما عاش بسيطا ومزعجا في بحثه عن معاني الكرامة ومسكنها في الحياة، أوحى رحيله لأحبابه في المغامرة ولأشّدّ معارضيه قسوة وانتباها نقديّا، وحتّى لرسالة القصر الملكيّ المغربي، أوحى لكلّ هؤلاء بمعنى أساسيّ هو معنى الإعراض عن بلاغة البطولة الزّائفة. فكلّ التحيّات التي أرسلت إليه في مسكن موته-حياته الجديد أثارت مفهوم المشروع. كان بن زكري صاحب مشروع لتحويل الأمل إلى برنامج عمل. إنّه المشروع الذي يسائل قبح قتل المجتمعات بالصّمت وبطولات المشاريع الكليانيّة ووعودها المجرمة. لقد كان مقيما مع فريق العمل الذي خاض معه المغامرة في الضفّة الأخرى، وكانوا جميعهم يربكون بأسئلتهم اليوميّة ذاكرة القمع برهافة تتجاوز حسابات آلة سدنة السّلطة، وقد ذهب في اعتقادهم أنّ تجربة « هيئة الإنصاف والمصالحة » هي مجرّد تكتيك ظرفيّ يستعيدون بعده نظافة النّظام. والحال أنّ هذه التّجربة تتجاوز في حركيّتها الإبداعيّة الجديدة كلّ حركات حقوق الإنسان، وكلّ حركات المعارضة التي تعتبر وجودها في حدّ ذاته وعدا دائما بتحقّق خير المجتمع. لقد اقترحت « هيئة الإنصاف والمصالحة » الخروج من ذاكرة الوعود بأوهامها وبطولاتها البلاغيّة القاحلة لارتياد مناطق من ظلمات المجتمع، حاورت صمتها من خلال اللاّمكتمل واللاّمتشكّل واللاّمثاليّ، لتعيد تأسيس المجموعة البشريّة الممكنة على الأمل في عيش الكرامة في الفعل والممارسة. لقد أعادت الهيئة العليا لحقوق الإنسان ذاكرة الكرامة بوصفها برنامج عمل يتضمّن إمكانيّات وآمالا وإخفاقات وإنكارات وإكراهات. فاستطاعت بذلك أن تلمس مكانا قصيّا في ذاكرة الصّمت. إنّ رسالة حقوق الإنسان هي غياب الرّسالة المطلقة والتّبشيريّة. فهي لا يمكن أن تقضي على الظّلمات ببطولة جديدة وبوعد إيديولوجيّ بالخلاص النّهائيّ واستعادة للجنّات الموعودة. بل إنّ أقصى غاياتها هي أن تحارب مناطق الصّمت والقبح في المجتمع وأن تنقذ ما يمكن إنقاذه من فضاءات مهمّشة يعشّش فيها شيء من الجمال. فهي لن تنقل النّاس من الظّلمات إلى النّور بل إنّ أقصى ما تسعى إليه هو توجيه رسالة بسيطة مفادها أنّ امتهان الكرامة البشريّة ليس قدر الإنسان، وإطلاق مسارات عمليّة للمعرفة المتنوّرة التي تغيّر معنى الممارسة السّياسيّة. إنّ ممارسات فرض الصّمت والإكراه والتّعذيب والتّمييز وشم على ذاكرة المجتمع يتجدّد باستمرار ويتحوّل ويبتكر باستمرار أساليب ديمومته. لذلك يجب إبداع ذكاء جديد لحقوق الإنسان، بحيث تنسحب من إغراءات المشاريع المطلقة وتكتفي بذاتها كمشروع يقيم في ظلمة الكائنات ويستمع إلى انتهاكات كرامتها ويطلق مبادرات عمل يمكن قياس إنجازاتها وإخفاقاتها . مبادرات تنبش في أعماق المجتمع بمعاول « الحقيقة » لتخرج رفاة الكرامة المهدورة من محبسها وتعيد ترميم ما انكسر في الجسد الاجتماعيّ . ولم يكن بإمكان فريق العمل الذي أداره بن زكري أن ينتقل من لحظة الاندهاش والتّأمّل الحقوقيّ إلى مرحلة المشروع، لولا الجهد المعرفيّ المؤلم والمحفوف بالمخاطر الذي قام به هذا الفريق وحمله على بناء فضاء عمل لمشروعه وإقناع أغلب الفاعلين السّياسييّن بأنّه ملتقى لمفاوضاتهم حول الكرامة، بكلّ ما في هذه المفاوضات من مقترحات وخلافات وتحالفات. هذا الفضاء المقيم في المابين-بين، بين احتكار السّلطة للمعرفة بالسّلطة واحتكار المعارضة للمعرفة بالمعارضة، تحوّل تدريجيّا إلى مختبر لآلام الإنسانيّة وآمالها ولطرح أسئلة حقيقيّة حول إدراكنا لمعنى تحويل المجتمعات وتغييرها. لقد كان هذا الفضاء « البين بين » مغايرا لآليّات المشاريع المغلقة التي عوّدنا عليها « آباؤنا » ببياناتهم الثّوريّة التّأسيسيّة التي تفسّر لنا العالم دون مشاركتنا وتحملنا صاغرين ومطيعين إلى « جنّات » موعودة تحوّلت على مرّ التّاريخ إلى كوابيس وأوصلت مجتمعاتنا إلى صمتها الحاليّ. كان هذا الفضاء يحمل في داخله، ومنذ المنطلق، آليّات تمنعه من أن يتحوّل إلى إجابة دائمة وايديولوجيّة لكلّ مشاكل المجتمع، بل إنّ ما سيتبقّى منه في نهاية الأمر هو الأسئلة التي طرحها حول معاني الكرامة بوصفها أداة لإعادة ترتيب علاقتنا بالواقع. كيف يمكن لمجتمع ما أن يسمح بما لا يمكن التّسامح فيه؟ هذا هو السّؤال الذي شغل بن زكري في غياهب سجنه المرير، وهو المعنى الذي حرّك رغبته ورغبة رفاقه في العمل. ولقد شرع في محاولة الإجابة عنه حين درّب نفسه على الإعراض عن إغراء المطلقات، وترفّع على أحاسيس الضّغينة والثّار والكراهيّة الآسرة، وعثر على لغة تفتح غياهب الذّاكرة.
حقوق الإنسان وإحياء معنى المفاجأة لا شيئ يفاجئنا اليوم. نلوك في حرقة ومرارة إحباطاتنا ونتأمّل استحالة الفعل في مجتمعات تذهب بسرعة نحو هاويتها محمولة بغريزة خوفها وأنّات الصّمت المفروض على أجيال بأكملها. لقد مللنا وعود الثّورات التي لم تتحقّق أبدا وسئمنا التّبشير بالتّغيير الذي أصبح في بلداننا كابوس ملل وشعارات خشبيّة تحوّل كلّ مناطق الحياة إلى قفر ترتع فيه أشباح العنف واليأس. حتّى المعارضات لم تعد تفاجئنا بشعارات مثل « المساندة النّقديّة » أو « التّغيير الهادئ والمسؤول » في حين يقبع النّاس في خلفيّة المسرح السّياسيّ مثل كومبارس ينتظرون دورا لن يأتي. أمّا الإسلاميّون ورغم ما جمّعوه من أتباع، ورغم تبشيرهم الدّائم بأنّهم قوّة التّغيير القادمة، فإنّ أكثرهم ما زال يتخبّط في رغبته بالإنفراد بإدارة المجتمع وفي عجزه عن استيعاب جوهر الحرّيات. بل إنّ بعض جماعاتهم غرقوا في العنف الذي لم يعد يفاجئ الفضائيّات، وغرقوا في مزادات بيع وشراء المواقف والبطولات. إنّ ما يجمع بين أغلب المشاريع المقترحة على مجتمعاتنا هي انطلاقها من وهم المعرفة المطلقة وتفرّدها بالخطاب السّياسيّ وتحوّلها بسرعة إلى شعارات ترهق كاهل الأفراد الذين دمّرت طاقاتهم عقود طويلة من انتظار الوعود ومن الإقصاء من المشاركة في الحياة. إنّنا لسنا في حاجة إلى بطولات جديدة تحملنا إلى الخراب، بل نحن في حاجة إلى مصالحة المجتمعات مع ذاتها في مسارات استعادة كرامتها واستنباط لغة تتحدّث بها عن هذه الاستعادة. إنّنا في حاجة إلى معرفة جديدة تنطلق من مبدإ أنّنا لا نريد تغيير كلّ شيء ولا نريد البدء من جديد، بل نريد رفع غبار اللاّمبالاة على الأشياء الاساسيّة التي تحدث في فضاءات أخرى لا ننتبه إليها. إنّها عمليّة توصيف معرفيّ كبرى لملاحقة القبح ومحاصرته ولبحث كلّ إمكانيّات فتح حوارات مخصوصة حول المجتمعات التي نريد. هذا البحث عن إمكانيّات الحوار يتطلّب الخروج من منطق السّلطة المطلقة التي تدمّر كلّ إمكانيّات العيش السّلميّ المشترك، كما يعني فيما يعني الخروج من منطق المعارضة المطلقة القائمة على وعود بالجنّة. إنّنا في حاجة إلى مصالحة تعيد فتح الذّاكرة بوعي لإطلاق الأرواح المعذّبة من سجون القمع على مرّ تاريخنا الحديث. هذه الأرواح التي تحوم في مجتمعاتنا والتي أقصيت بواسطة خطاب الهيمنة باسم مقاومة « الشّرذمة الضّالة » ومناهضة « المصطادين في الماء العكر » . هذا الإقصاء الذي يمنعنا في حال تواصله من عيش الدّيمقراطيّة باعتبارها تشاركا في إدارة الحياة. كما أنّ البحث عن امكانيّة حوار مصالحة يعني بناء معرفة نقديّة من طرف النّخب حول مدى اقتناعها بالحرّيات ويعني تخلّصها من إعادة انتاج التّسلّط تحت شعارات النّضال البرّاقة والبطولات الواهمة. إنّ تواصل إخراس المجتمعات الذي تعبّر عنه مظاهر العنف المطلق والإنكفاء على الذّات والإغراق في استهلاك الأوهام ستجعل الكلّ يعتقد اعتقادا راسخا بأنّ الأمر كان هكذا دائما وهكذا قدّر له أن يكون. هذا الاعتقاد هو الأداة التي نديم بها سلطة الخواء والصّمت. (*) ناشط حقوقي من تونس (المصدر: موقع « الأوان »، بتاريخ 2 جوان 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=625&Itemid=27  

توظيف الدين في الدهس والرفس

 

      د. سلوى الشرفي   تعود إلينا دوريا جثامين مفحمة بسبب اندلاع حريق في خيام، وأخرى مخنوقة بسبب عطب في آلات تبريد الأنفاق، وثالثة مدهوسة ومرجومة بسبب التدافع حول تماثيل إبليس. تعود هذه الجثامين بعد أن ذهب أصحابها لأداء فرض ديني مخصص لمن استطاع إليه سبيلا. و لم يستنكر أحد هذه السلسلة من الموت المجاني أو ينسبها إلى نقص فادح في المناعة الدينية أو عدم إحاطة عائلية صحيحة. وعندما توفى في شهر أبريل الماضي سبعة شبان مدهوسين في حفل ستار أكاديمي بمدينة صفاقس (في الجنوب التونسي) جراء تنظيم سيئ و جشع المنظمين، هرع بعض الإسلاميين للتنديد بقلة حياء الضحايا وميوعتهم، و اتهموا الأولياء المنكوبين بالتقصير في تربية أبنائهم تربية دينية صحيحة. و قد أساءت المقالات المحبرة في هذا الاتجاه حفيظة الناس الذين رأوا فيها توظيفا ركيكا للدين وإخفاء للغاب بشجرة خدمة لمأرب سياسي. وهكذا منعت شجرة ابن تيمية و حسن البنا و سيد قطب مريديها عن رؤية الغاب وسكانها الذئاب فدهسهم القطار الذي كان مختفيا وراء الذي مر للتو. ولا تعد الأدلجة أو توظيف الأحدث والظواهر خدمة لتوجه سياسي معين، بدعة. إلا أن حدود التوظيف معروفة، أي أنه لا يجب أن يكون مفضوحا بدرجة تجعل الناس تعتقد أن المتكلم يستبلههم. ويبدو أن بعض الإسلاميين استبلهوا الناس أكثر مما يجب بتوظيف الموت في كل ما هب ودب، إذ لم يحصل أن وظف الشيوعيون أو القوميون العرب أو الليبراليون الموت خدمة لإيديولوجيتهم كما يوظفه الإسلاميون. و تمثل قراءة الإسلاميين لواقعة ستار أكاديمي نموذجا لطريقتهم في قراءة الوقائع الماضية والمستجدة وتسمح بالوقوف على الآليات التي يعتمدونها في نقل المعلومات والتمثلات والقيم إلى الجمهور من خلال تقنيات ورموز معينة. تقنية استعادة الابن الضال يتوجه الخطاب الإعلامي الإسلامي إلى جمهور ضال وجاهل يشكو نقصا في المناعة الدينية ويحتاج إلى تربية وتأديب وإصلاح. لذلك تقدم إليه الأخبار بلغة الوعظ والإرشاد وبهدف التأثير فيه وحمله على الاقتناع بفكرة المتكلم. فيأتي الخطاب مفعما بالقيم الأخلاقية وبعبارات الترغيب والترهيب. وهو خطاب يختلف جذريا عن الخطاب المفتوح الجامع، الموجه إلى جمهور عام بهدف إعلامه بواقعة محددة وإعانته على تكوين رأي خاص حولها. و يلجأ الخطاب الهادف إلى استعادة الابن الضال إلى ما يسمى بتقنية التأبير الصفري أو الرؤية من الخلف التي يتحكم فيها الباث أو الراوي تماما، مثل الإله الذي يحيط علما بكل شيء ويدرك ما في أعماق الشخصية المصورة أكثر مما تعلمه هي عن ذاتها، ودون مد السامع بمعلومات عن مصادر إدراكه للأشياء. وهو ما يسمح للراوي، الباثّ، بالتركيز على عناصر من المشهد والتعتيم على أخرى، فينتج بذلك خطابا تضليليا يتمثل في وصف جزء بسيط من الواقع واستغلاله لصياغة كاذبة بالمقارنة مع المضمون الأصلي للحدث. وهي تقنية مخالفة لتقنية التأبير الخارجي، التي تعتبر أكثر التصاقا بالواقع لأنها تسمح للمشهد بأن يقدم نفسه بنفسه. فيخلو الخطاب بذلك أو يكاد من الأحكام والتقييمات. وتقول الصور والشهادات المباشرة للذين عاشوا الحدث، والتي نشرتها وسائل إعلام تونسية وعربية، بأن ثلاث أمهات على أربعة ممن فقدن أبناءهن ترتدين الخمار. كما تقول أن أغلبهم صلوا صلاة المغرب يوم الحادثة وأن بعض الضحايا من المراهقين يصلون، وأن العدد الكبير للمتفرجين الذين فاق عددهم طاقة استيعاب المسرح كان السبب الرئيسي في التدافع الذي أدى إلى سقوط ضحايا. و بذلك يكون هذا الإعلام قد حمل منظمي الحفل مسؤولية الكارثة. أما رواية الإعلام الإسلامي فقد ركزت حصريا على التبرج والماكياج والاختلاط والرقص والهستيريا التي أدت إلى الرفس والدهس. كما حملت الأولياء مسؤولية موت أبنائهم وتغاضت عن مجموعات المتدينين الذين شاركوا في الفرجة. فالكشف عن مشهد وجود عدد هام من النساء المحجبات في « بؤرة فساد » ينسف الأطروحة المركزية للإسلاميين والمتمثلة في المقابلة الحادة التي يقيمونها بين عالم الطهارة الملائكي وعالم الجاهلية ألإبليسي وضرورة مفارقة المؤمن لعالم الرذيلة بالفكر والجسد. و من هنا جاء التعامي عن هذه المفارقة وتنقية الصور التي تخدم مرتكزات الخطاب الإسلامي الدعائي التقليدي المعتمد على قاعدة المعصية والعقاب. قاعدة المعصية و العقاب وهي قاعدة تجسدها لغة الترهيب والترغيب التقليدية في الخطاب الإسلامي الإرشادي التوجيهي المخصص للضالين. فقد استنبط الإسلاميون مغالطة حجاجية تتمثل في اعتماد قانون عام ميتافيزيقي لتفسير الكوارث الطبيعية المتكررة. فالكارثة توظف كحجة على غضب الله من معاصي البشر أو كعلامة من علامات الساعة. وقد نجح هذا الوصل السببي المغالط في إقناع المؤمنين الطيبين في بلاد الإسلام حيث يحتل الدين أعلى مرتبة في سلم العناصر المنتجة للمعرفة. فقد تنامى في التسعينات عدد المتدينين في مصر بصفة غير مسبوقة تحت وطأة حملة التذنيب التي قادها الإسلاميون هناك بعد كارثة الزلزال الذي دك القاهرة. ونجحت المشاهد المصاغة من الكلام وبفعل السلطة الرمزية للكلام في إعماء البعض عن الزلازل المتكررة التي تدك جمهورية إيران الإسلامية حيث كل النساء متحجبات وكل الرجال ملتحين ولا يلبسون ربطة العنق. ولم يحصل طبعا أن استدل الإسلاميون على دنو قيام الساعة بحوادث الطيران والبواخر والحرق والاختناق والدهس الدورية التي تقضي على أرواح آلاف الحجاج. قاعدة التجويق و تتمثل في تكرار نفس الموضوع بطرق مختلفة من خلال مقاربات وزوايا نظر متنوعة تسمح بالتغلغل في الأذهان. وبما أن التكرار يولد الملل يتم تنويع الصيغ مع الاحتفاظ بنفس المحور. والمحور هنا هو مجموعة القيم والتمثلات التي تؤسس قاعدة الإديولوجيا الإسلامية والتي تدعم شرعية المتكلم. أما الصيغة، وهي ثانوية، فهي الأحداث والوقائع المستجدة. و لذلك لا تعكس مشاهد الوقائع، التي يتم تقديمها في مثل هذه الخطابات، الوقائع كما حصلت على الأرض و إنما تعكس تأويل مخرجيها لهذه الوقائع وتوظيفهم لها، مما ينتج عنه إعادة إخراج الحدث حسب أهداف المتكلم. فالحدث في الخطاب الإعلامي الإسلامي لا تؤسسه الوقائع بقدر ما تؤسسه البلاغة. ولذلك أيضا لا يمثل الحدث موضوعا للمناقشة ولا يهدف إلى تطوير وعي بضرورة المعالجة، وإنما يشكل فقط مصدرا لصياغة التمثلات والقيم والمعاني. و هو ما يفسر تغييب المعلومة والتركيز على الوعظ والإرشاد وكذلك عدم تغير الوصفة المقترحة للمعالجة بتغير الحدث أو الظاهرة، مما يجعل القول غير زمني ولا تاريخي. فالإديولوجيا تنسج بطبعها جلابيب من مقاس واحد لجميع رهبانها وتحشرهم فيها بقطع النظر عن اختلاف مقاساتهم. وتنجح بذلك في تحقيق مفارقة إخضاع الحركة للسكون من أجل إثبات رؤية مسبقة. فالمسالة لا تتعلق إذن بمصداقية المعلومة التي ينتجها الخطاب الإسلامي، و إنما بقوة الحقيقة التي يراد لها أن تكتسبها لكي تجعلها تعلو على كل الحقائق الأخرى. (المصدر: موقع « الأوان »، بتاريخ 3 جوان 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=603&Itemid=25  

تعقيبا على سلوى الشرفي: بين ثقافة الانتظار وعقدة الاختبار، نحن على عجل…

       

سعيدة قراش   وأنا استرسل مراوحة بين سطور مقالك (توظيف الدين في الدهس والرفس)عن حادثة « ستار أكاديمي » وبين تدافع بعض الانفعالات وانفلات الذاكرة عندما نجد أنفسنا أمام نص يستفزنا أي يحفزنا للإفصاح عن المخزون والمقموع فينا، استوقفني ما ورد من إشارة إلى « أسلوب التذنيب » كخطاب للاستقطاب اليوم لدى الإسلاميين، وما يحققه، والحقيقة تواجه ولا تقال فقط، من « نجاح » بمعنى اختراق وإقناع للذين سئموا الاختبار واستسلموا للانتظار؟ وبغض النظر عما تحيلنا عليه « ظاهرة ستار أكاديمي » من سخط ورفض لثقافة الاستلاب والتمييع والتدجين وغيرها من النعوت دون أن تستمد مرجعيتها من القاموس الأخلاقوي، بل أساسا مما تفترضه فكرة المواطنة كمقولة فلسفية سياسية حديثة تستند على جملة من الثوابت أهمها تمكين المواطنين من المشاركة في الشأن العام إدارة وتصورا وخيارا. إن مواصلة التعامل مع مواطنينا في البلدان العربية على أنهم « قصر » لم ينضجوا بعد، وإنهم غير قادرين على التمييز بين الأشياء وبالتالي غير قادرين على الاختيار والتصرف طالما لم يترشدوا، مما يعني أنهم يحتاجون إلى حلول أولي الأمر منهم مكانهم لإدارة شؤون الدنيا والدين، لا يمكنها إلا أن تنتج ظواهر مماثلة و »حالات » شبيهة من الغيبوبة العامة والمعممة مع سابقية الإضمار والترصد. إن ما يلفت الانتباه أن ثقافة مبنية على مكونات تعتمد نظرية « الحلول » و »الولاية » أي الإقصاء الظرفي لعدم القدرة، وان كانت في المنطق القانوني تعني التجاوز المعرقل الآني لحفظ المصلحة عاجلا أساسا، فإنها في ثقافتنا السياسية والدينية تعني الاستيلاء والمصادرة إلى ما لانهاية. ففي القانون قد لا يتمكن القاصر من عقد اتفاقات تنقص مثلا من ذمته المالية بالتفويت والبيع مثلا إلا بواسطة وليه الشرعي والمقدم عليه وتحت رقابة القضاء. غير إن هذا القاصر عند البلوغ له أن يبعثر زيادة ونقصانا كما يتبدى له. فهو في نظر القانون راشد وبالتالي مسؤول إلا إذا أصابه عته أو جنون. أما في ثقافتنا الدينة، فان ثقافة الطاعة لأولي الأمر والمشائخ والكبار إلا ما شكل معصية، ومقياسها يحددون شروطه طبعا مسبقا، تفترض فينا أن نستغني عن كل مجهود في هذه المجالات ونحيله بالتالي لهم لأنهم الأقدر والأكثر معرفة ودراية وتفرغا. سائلين الله لهم السلامة و المكافأة على هذا المجهود والفناء في خدمة الصالح العام بما يفترضه من توظيف لأمور الدنيا تحصيلا لسعادة الآخرة. وطبعا أمام ثقافة نكران الذات توجد ثقافة الاعتراف وثقافة الاعتراف تفترض ثقافة التسامح والصفح إن زلت بهم قدم، فهم بشر والبشر شأنهم معقد ومركب وبالتالي الخطأ وارد والتراجع والتصحيح مندوب والمحاسبة منبوذة لأنها من اختصاص الخالق أو من فوضهم لذلك، وهي لا تجوز إلا إذا ما كانت تعّرض أو تمس بالمقدس فعندها لا يمكن في الأمر تفويض أو انتظار بل القصاص ولا شيء غير القصاص في التو وفي الحين. تم إن ما ينصب علينا خلال قائم حياتنا من مصاعب وهنات، هو من قبيل الاختبار لصبرنا وجلدنا وإيماننا نجازى عليه لاحقا ونكافؤ عليه بأحسن ما يكون. ثقافة مبنية على تأجيل التنفيذ والترغيب والترهيب والمنع والردع لا يمكن إلا أن تنتج فينا نوعا من الخوف والرهبة وعدم القدرة على صنع اللحظة واختراق الحاجز وبالتالي امتلاك المصير…خصوصا أنه علينا أن لا نيأس ولا نقنط من « روح الله » فهو يجازي الصابرين ويأتينا من الإعجاز ما يبهت له الكافرون. هذه « الضوابط » القيمية والفكرية والثقافية والنفسية، عندما تقنن بقوانين وضعية، تصبح جدار صد أمام أي عملية « اختراق » مضاد. فهي تصنع نوعا من « الحصانة » وترسم جدارا منيعا لا يأتيه الاختراق لا من خلفه ولا من أمامه و لا من بين يديه. و تسحب نفس الميكانيزمات على آليات التعامل السياسي وإدارة الشأن العام، بل تعفن بتقنيات إضافية من استبداد واستهتار وفساد وانحراف بالسلطة وتوظيف لها في سبيل تأبيد وضع متعفن ومهترئ تنتعش فيه للأسف الغيبيات والنظريات الاتكالية والسلوكيات الانتظارية حتى ينتهي « الاختبار » وتحل ساعة « المحاسبة »، والتي تبقى دائما في دائرة « الاختصاص الممكن المحجوز »، أي الذي يعد من قبيل الاختصاص الانفرادي الموكول لجهة معينة ومحددة بذاتها ولا من قبيل الحق الجماعي المشترك والمقتسم وفق فهم معين لقواعد العيش الجماعي وتقاسم الأدوار و المسؤوليات. ماذا بقي لنا إذن كأشباه مواطنين نسعى لأن نتحول إلى مشروع مواطنة في دول حديثة تتغلغل في قيم الحداثة والنهوض والتطور في أشكاله المختلفة، مبنية على نظرية التعاقد في الإدارة والمشاركة دون سطو على بعض تقنيات هذه النظرية وما توفره من آليات « حلول و تفويض ووكالة » و دون أن تفرغ من محتواها وتتحول إلى أشكال لمصادرة كل حق في المشاركة والمساهمة والتفعيل والإنضاج والتوعية؟ لنا خياران: إما أن ننتظر ساعة الحساب ورفع الحجاب ونؤمّن لذواتنا ما عجزنا على تأمينه في الحياة الدنيا أو أن نتعجل الأمر ونستقدم ساعة الحساب بما يعنيه من وجع وألم وأشياء أخرى لا أخالك تجهلينها. حقيقة، ثقافة الاسترخاء على شاكلة ستار أكاديمي تغازلني لكن ليس بالعمر مكان… (المصدر: موقع « الأوان »، بتاريخ 3 جوان 2007) الرابط: http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=627&Itemid=27

الوثائق البريطانية ـ عملية عنتبي 1976..

خفايا الوثائق ونظرية الذراع الطويلة

* بريطانيا تضرب أخماسا بأسداس لدعم عملية مطار عنتبي وتخشى غضب العرب وأفريقيا وتركيا ترفض تقديم تسهيلات  * خلاف بين السفير البريطاني بتل أبيب ورئاسته في لندن اعداد: حسن ساتي ثلاثون عاما مضت على تنفيذ إسرائيل لعملية مطار عنتبي الشهيرة والحرب الباردة في ذروتها، والدولة العبرية أرادتها جرعة تجمل بها وجه هزيمة أكتوبر 1973 في الحرب العربية الرابعة فروجت بعد انتصارها في عملية إنقاذ الرهائن بمطار عنتبي في عمق الأدغال الأفريقية عند خط الاستواء لنظرية الذراع الطويلة، أي الدولة القادرة للوصول إلى ما تريد وحيثما تريد وبلا نظر للقانون الدولي، ومع تداعيات الانتفاضة الأولى، والحرب الباردة تحتضر، أرادت إسرائيل أيضا أن تحيي نظرية الذراع الطويلة فتمكنت من اغتيال المناضل الفلسطيني خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس في ابريل 1988. إسرائيل مع حدث عنتبي، وبعد أسبوع من اختطاف ناشطين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لطائرة فرنسية من مطار أثينا وتحويل مسارها الى يوغندا في 27 يونيو 1976، داهمت المطار بعملية عسكرية شاورت فيها البريطانيين، وبالطبع الأميركيين والفرنسيين المعنيين أصلا بطائرتهم. الوثائق المنشورة اليوم تحتوي على جدل جميل بين سفير بريطانيا لدى إسرائيل، بعد أن تدارست بريطانيا مسألة إرسال سلاح الى كينيا لتنفيذ العملية من هناك، فتراجعت عن الفكرة أمام تحكيم منطق العقل، وتداعيات الخطوة إذا تم تسريبها على علاقاتها العربية، فيما، وكما هو معتاد بررت واشنطن استخدام تل أبيب لطائرة عسكرية أميركية بخرق لقانون المبيعات العسكرية الأميركية، فأطلقت، أي واشنطن، على عملية عنتبي، دفاعا عن النفس. تستحق عملية عنتبي التوقف عندها، حيث دخلت العملية، بتمويل يهودي، أو ربما إيحاءات أو ضغوط الى حقل السينما، فشهدنا الى عام 2000 أربعة أعمال سينمائية عن الحدث كان أولها (الانتصار في عنتبي) من إخراج مارفين جومسكي عام 1976، ثم (الغارة على عنتبي) عام 1977، ثم (صعود وهبوط عيدي أمين) في 1980، وأخيرا (عملية الصاعقة.. عنتبي) عام 2000. لعملية عنتبي أكثر من وجه، وحلقة اليوم ملامح من وجه كشف عنه ملفان بالوثائق السرية البريطانية. * وثيقة رقم: 131 * التاريخ: 18 أكتوبر 1976 * من: بي يارنولد، إدارة الدفاع البريطانية * الى: داث، سري للغاية * الموضوع: مسار الدعم، الموضوع الواسع الذي رفعته مسألة السلاح الى كينيا * عزيزي: 1/ في مذكرتك بتاريخ 8 اكتوبر، قلت إن د. أوين علق على مذكرة ويلبرفروص بتاريخ 4 أكتوبر كما يلي: هذه الورقة ترفع عددا من القضايا المثيرة: لماذا لا نرسل السلاح الى اسرائيل ونترك الأمر الى الاسرائيليين ليواصلوا الأمر من جانبهم؟ هل يتجاهل الاسرائيليون المعاهدات العادية أو كيف سيوصلون السلاح الى كينيا؟ بمنطق هذه الورقة، وبالتحديد، ما هي الدول التي يمكن أن تدعم من قاعدتنا (اكروتيري) بقبرص، بمعنى أننا لن نستطيع تقديم دعم مستخدمين، قل قاعدة الناتو، في صقلية؟ 2/ نحن نضع قيد الإعتبار إحتمال إرسال الساح جوا الى اسرائيل ليأخذ طريقه الى كينيا بواسطة الإسرائيليين , وعلى كل، فنحن نضع قيد الاعتبار أن تتعرض مثل هذه العملية لأن تصبح معلومات عامة بالتسريب، وإذا حدث ذلك، فعلينا أن نتوقع رد فعل حاد جدا من الدول العربية ودول أفريقية كثيرة، وسيتم اتهامنا بالتواطؤ مع اسرائيل وكينيا ضد اوغندا والكراهية لبعض المنفذين لعملية عنتبي، والتي تم تنفيذها قبل ثلاثة أسابيع فقط، وكل ذلك سيتم مسحه على وجوهنا. 3/ لدينا قليل من الشك تجاه قدرة الإسرائيليين على حمل السلاح لكينيا، فقد أظهروا خلال غارة عنتبي بأنهم على استعداد لخرق القانون الدولي خلال عبورهم لأجواء أطراف ثالثة دون فسح دبلوماسي. ولكن، (وفيما عدا اختراق المجال الجوي المصري لسيناء المحتلة إسرائيليا حينما يطيرون عبر خليج العقبة)، فلن يكون من الضروري لهم في حقيقة الأمر أن يعبروا أرضا ثالثة ليتمكنوا من توصيل السلاح الى كينيا. 4/ فيما يتعلق بالسؤال الثالث، فميزة استخدام قاعدة أكروتيري كنقطة انطلاق لدعم العمليات الجوية، تكمن في أنها تقع ضمن السيادة البريطانية بمنطقة القاعدة في قبرص، وليس مطلوبا منا أن نبحث عن فسح دبلوماسي في حال استخدامها، وبالتالي فليست عرضة للضغوط الدبلوماسية ما استخدامنا لها ليس جليا لجهة إخافة السلطات اليونانية بقبرص. البديل المحتمل الآخر في صقلية سيكون في الحقيقة القواعد الإيطالية، وليس هناك قواعد للناتو كما هو الحال في دول الناتو، إذ وفقط، قواعد قومية، حيث بوسع الدول الأعضاء أن تجعل الأمر متاحا لأهداف الناتو والأعضاء الآخرين للحلف. ومن هنا وإذا ما رغبنا في استخدام بعض التسهيلات الإيطالية لدعم ليس ذا صلة بعملية للناتو، فعلينا أن نبحث عن فسح دبلوماسي من الحكومة الإيطالية، بنفس الطريقة التي سبق وأن بحثنا بها (وفشلنا) الحصول على فسح للطيران من تركيا (عضو في الناتو وسنتو ذأيضا) لرحلات تحمل السلاح الى كينيا. وفيما لا نعتقد بأن الإيطاليين سيرفضون إعطاءنا إذنا باستخدام مطاراتهم (قدموا أصلا فسحا للطيران للرحلات المجهضة لحمل السلاح لكينيا) ولكن البحث عن فسح للطيران سيأخذ وقتا .ومن هنا فالأفضل أن نستخدم قاعدة أكروتيري كنقطة إنطلاق في شرق البحر الأبيض المتوسط، برغم أن الصعوبة الأساسية في شأن المسار الشرقي لا تزال كيف سنصل الى ما وراء قبرص جنوبا وشرقا. * توقيع : بي يارنولد – إدارة الدفاع *** * وثيقة رقم :127 * التاريخ: 30 يوليو 1976 * من: إف. بي. ويلر، إدارة شمال وشرق أفريقيا * الى: إم .جي. نوينجتون، السفارة، * تل أبيب. * الموضوع: السلاح الى كينيا. – 1/ شكرا على خطابك بتاريخ 28 يوليو جول إمكانية إرسال سلاح الى كينيا عبر الجزء المتاخم لخليج العقبة من سيناء. 2/ النقطة ليست عقائدية بالمعنى المشاع، فالمصريون يطالبون بسيادتهم على سيناء (وهو طلب أيدناه من جانبنا واعترفنا به)، وهم غيورون تجاه أي اختراق واضح لهذه السيادة، وسيكونون معنيين على وجه الخصوص إذا اعتقدوا أن ذلك الاختراق تمّ في سياق مؤامرة بريطانية اسرائيلية كينية. 3/ لسنا متفائلين مثلك بأن المسار لرحلة السلاح مرورا بالعقبة سيكون سريا، حتى إذا لم تدر الانتباه له أي دولة، فربما يعلمون بالطائرة والرحلة، أضف لذلك، فرص التسريب في نهاية الأمر، (إذا راجعنا السوابق مع مثل هذه الحالات)، أو حتى في نيروبي، وتبقى تلك الفرص قائمة بقوة. ومن هنا، وإذا ما كان لطيراننا على أرض مصرية محتلة أو عبر مياهها الإقليمية، بدون إذن مصري، أن ينكشف، فعلينا أن نتوقع رد فعل حاد من القاهرة والدول العربية الأخرى، وربما بعض الدول الأفريقية. 4/ (أسطر ساقطة من عملية التصوير في بداية هذه الفقرة، وبقيتها تقرأ.. والإيضاح من الشرق الأوسط)… علينا أن نترك الفكرة جانبا إذا لم نجد طريقا آخر لتوصيل السلاح الى كينيا ويجيء الحكم تجاه الحاجة لتوصيله الى كينيا محتملا للتجاوز. 5/ أرسلت صورة من هذا الخطاب، مع صورة من خطابك أيضا الى القاهرة. * توقيع: أفز بي . ويلر * نوينجنتون يصر على محاججة رؤسائه بلندن لتقديم السلاح في عملية عنتبي خدمة لإسرائيل * سخر من جدلية القانون الدولي والسيادة المصرية على سيناء * وثيقة رقم : 126 * التاريخ :28 يوليو 1976 * من: أم. جي. نوينجنتون، السفارة البريطانية، تل أبيب. * الى: أف. بي. ويلر، سري وشخصي. * الموضوع: السلاح الى كينيا. 1/ اندهشنا قليلا تجاه الفقرة 2 من برقية الخارجية رقم 159 التي توجهنا بأخذ خط في واقعة عرض الإسرائيليين بالسماح للطائرة بالطيران عبر جزء سيناء المتاخم لخليج العقبة، فنحن لم نتحر الأمر الى هذا الوقت حيث أن البرقيات الأخرى جعلت الأمر يبدو كما لو أنه من غير المحتمل أن يتم توجيهنا بالتحدث الى الإسرائيليين. 2/ أفهم جيدا أن هناك أسبابا عقائدية لجهة عدم رغبتنا في طيران طائرة بريطانية، كانت مدنية أو عسكرية، فوق أراض محتلة، أو حتى على مياه إقليمية لأرض محتلة. وأفهم أيضا أنه، ومن ناحية قانونية على الأقل، بأن طلبا للإسرائيليين للسماح لطائرة بالرحلة، ربما يحمل تأسيسا لقياس اعتراف بسيادة إسرائيلية على سيناء (برغم وجود جدلية لجهة أن الإسرائيليين أنفسهم لم يزعموا سيادة على سيناء). ومن الطبيعي أن نزن أو نقيس الأمور في ضوء هذه الأهمية مقروءة مع الاعتبارات، لاتجاه يقود ضد أهمية إرسال سلاح الى الكينيين بصورة سريعة، وليس لنا هنا أن نتساءل حول حكمك في هذا الموضوع. ولكن، هل ترى الأمر، وبموجب القانون الدولي، بأننا سنكون ملزمين بالبحث عن تنازل مصري لرحلة ستكون على بعد أميال من أرض تحت السيطرة المصرية الفعلية، فيما ستكون بالتأكيد خارج منطقة المعلومات المصرية في شأن الطيران؟ من هنا فجدلية أن نبحث عن تنازل مصري، وأن ذلك سيتم رفضه من قبلهم، أخشى، أن تكون ضعيفة لدى الإسرائيليين. وسيكون بوسعهم أن يتشككوا حول ما إذا كنا جادين في توصيل السلاح للكينيين على وجه السرعة. وإذا كان الإسرائيليون أنفسهم قد سئلوا للمساعدة، وحكموا بأن ذلك سيكون في مصلحتهم القومية، فلن أرى أنهم سيتراجعون أمام ضرورات قانونية من تلك الشاكلة. والسؤال المحوري هنا، فيما يبدو لي، هو، ما إذا كنا سنستطيع المرور بخليج العقبة من دون أن يصنع المصريون أو غيرهم موضوعا سياسيا من المسألة. وبالنظر لهذا الأمر من هنا، فالمخاطرة لن تكون بأي حال كبيرة فيما جاء الانطباع من البرقيات الواردة الينا منكم بأن المخاطرة كبيرة، وحتى إذا تم رصد الطائرة من دول الجوار، فتقديري أنهم سينظرون للجهة الأخرى، فيما سيرفض المصريون إذا ما طلبنا منهم التنازل. ولكن، هل سيتوقعون هم أنفسهم أن يتم تقديم طلب لهم؟ 3/ لا أحد يمكن أن يتصور أو لا يتصور أن وضعا مماثلا يمكن أن يحدث في المستقبل، ولكن المشاكل التي تصاعدت من هذا الوضع أوحت لي بأن أي تخطيط لعمل عسكري لا بد وأن يستسلم لاحتمال استخدام مسار خليج العقبة، حتى إذا بدا بقابلية للكشف، ومن البديهي أن نقاط الجذب في هذه الحالة ستكون: (أ) الإسرائيليون الى جانبنا وسيلتزمون الصمت والهدوء. (ب) الدولة الوحيدة التي يبقى أمر عبورها جوا قائما هي إثيوبيا. 4/ فكرة أخرى: إذا كان لنا أن نرسل السلاح الى إيلات في المقام الأول، فمن الممكن إرساله الى ممبسا بالبحر، وربما كان قد وصل لحظة حديثنا الآن. * توقيع: أم. جي. نوينجنتون * السفير ليدويغ : إسرائيل جعلت مراسم الدفن تجمعا أسريا كنوع من التذكير بأن دولة إسرائيل ذاتها شأن أسري * في مذكرة رفيعة عن وفاة بن غوريون مؤسس دولة إسرائيل * لندن : «الشرق الأوسط» * وثيقة رقم : 18/28 * التاريخ : 6 ديسمبر 1973 * من : دبليو بي جي ليدويغ، السفير ـ تل أبيب. * الى: السير اليكس دوغلاس هيوم، وزير الخارجية ـ سري . * الموضوع : وفاة ديفيد بن غوريون. 1 ـ توفي ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، ومهندس الدولة اليهودية الحديثة، الذي سيطر على الحياة السياسية لفلسطين أولا ثم إسرائيل من بعد لزهاء ثلاثين عاما منذ منتصف الثلاثينيات، توفي إثر جلطة دماغية بعد وقت قليل بعد الساعة الحادية عشرة صباحا من يوم الأول من ديسمبر عن 87 عاما. أودع جثمانه في اليوم التالي في القدس بمناسبة أن اليوم يوم حج قومي. 2 ـ يرمز موت بن غوريون الى مرور جيل الرواد الصهاينة فيما جاء في وقت إعادة تقييم في إسرائيل جاءت هي الأخرى تالية حالة الجيشان والهياج التالي لحرب أكتوبر. وكحالة انقطاع مع الماضي، جسد الموت لدى كثيرين ذلك الشعور من النوستالجيا أو الحنين الى الماضي نحو أيام، وبرغم أنها تؤشر نحو العكس بمقدار، إتسمت بالإرادة ووحدة الهدف، وهنا، ومع قياسات كهذه، يصبح بن غوريون معنيا للآخرين، فيما هناك الآن بعض نزوع للتخلص من وهم بعض الأفكار القديمة المتوارثة في إسرائيل، وكلاهما ممزوجان بحالة من عدم التيقن تجاه المستقبل. ولكن إنجاز بن غوريون لم يتأثر بكل هذا، فقصة الرجل هي نوع من إعادة التأكيد بأن دولة إسرائيل ستبقى، ولذلك وبعد وقت وجيز من فورة الإحتفاء بالذكرى 25 لإيجاد دولة إسرائيل، توقع قليلون أنهم في حاجة الى إعادة مثل ذلك التأكيد لهم، فيما أصبحوا اليوم في حاجة اليه، ومثل هذه الحقيقة عبر عنها الآلاف ممن اصطفوا خلف جثمانه حينما وضع بمبنى خارج البرلمان في القدس. 3 ـ تقاعد بن غوريون عن العمل البرلماني في 1970 ليلعب بعد ذلك دورا رمزيا في الشؤون العامة، ومع ذلك ظل شفافا برغم تدهور عقله ونشطا جسمانيا إلى نهايات أيامه. التقيت به مرتين، في أبريل الماضي في تل أبيب، فوجدته واعيا بقدر معقول، وأعاد علي فكرته أو قل خطابه بأن إسرائيل ليست أمة ودولة كاملة بعد، وأن مصيرها يتوقف على زيادة عدد سكانها واستزراع الصحراء، وقد دعاني لزيارته في سيدي بوكر، وهي (كيبوتز) في صحراء النقب حيث يسكن. لبيت له الدعوة في 29 أغسطس الماضي، وأظن أني آخر سفير يراه، وكان لا يزال نشطا جسمانيا، ولديه الكثير الذي يمكن أن يقول به عن طفولته في روسيا أكثر من حياته العملية في اسرائيل. وآخر عمل عام له كان إرسال خطاب الى غولدا مائير بعد الحرب الحالية اعرب لها فيه عن ثقته المتزعزعة في مستقبل إسرائيل. 4 ـ الرسالة التي بعث بها رئيس الوزراء على هامش رحيله، والتي بعثتها سيدي، لقيت ترحابا وتغطية إعلامية واسعة، وكذلك أحسنوا استقبال القرار بإيفاد السير كيث جوزيف وزير الدولة للخدمات الاجتماعية لحضور مراسم التشييع في القدس يوم 3 ديسمبر، والى ذلك فان وجود السير كيث وسط الممثلين الرسميين للدول الأخرى، وخاصة ممثلي أميركا وفرنسا وألمانيا، كان موضوعا للتعليق المقدر للخطوة من كل المسؤولين الرسميين والصحافة . 5 ـ السير كيث جوزيف وصل من لندن بطائرة كوميت RAF بعد رحلة أخذته طوال الليل، وتحركنا هو وأنا بعد الإفطار مباشرة الى القدس للمشاركة في مراسم التشييع التي عقدت خارج الكنيست. والنوايا الأصلية للإسرائيليين كانت أن يحضر الممثلون الأجانب هذه المراسم القصيرة فقط فيما تبقى مراسم الدفن ذاتها خاصة، ولكنهم ومع ميلهم أو قل موهبتهم في التحسين قرروا خلال الصباح أنه لا بدّ ان ينال أبرز ضيوف المناسبة بعض المزايا، ومن ثم أخذوا السير كيث وبعض الممثلين الأجانب الآخرين بطائرة هليكوبتر إلى كلية سيدي بوكر بالنقب حيث دفن بن غوريون إلى جانب زوجته بولا التي توفيت عام 1968. 6 ـ إلى ذلك حضر نحو 600 ضيف فقط الطقس الديني اليهودي المبسط في سيدي بوكر، وهم رئيس الوزراء وأعضاء المجلس والبرلمان وقضاة المحكمة العليا وقادة الجيش، ومع ذلك، فالمناسبة كانت أصلا لتجمع من المقربين والأسرة، كنوع من التذكير بالحد الذي تكون فيه دولة إسرائيل ذاتها شأنا اسريا. ومع ذلك فقد أتاحت فرصة الذهاب إليها للسير كيث جوزيف ليؤكد صدق تقديرنا لبن غوريون. وكان هناك أيضا قليل من الوقت أتاح التحدث للقادة الإسرائيليين، بما في ذلك وزير الخارجية أبا أيبان. 7 ـ وصل السير كيث جوزيف عائدا الى مطار تل أبيب بالطائرة المروحية عند الساعة 30: 03 بعد الظهر في نفس اليوم، استقبلته وأخذته إلى مطار اللد حيث غادر مباشرة إلى لندن بعد يوم مزدحم ولا بد أن يكون مرهقا برغم أنه لم يظهر ذلك. وأريد هنا أن أضع الأمر مسجلا للتاريخ بأن هذا اليوم ومن وجهة نظري يوم ذو سانحة تستحق. فالأمر لم يكن كون حكومة جلالة الملكة قد أبدت التقدير المطلوب لبن غوريون، برغم أن ذلك، وكما اشرنا أعلاه، قد وجد التقدير هنا، فاليوم كان، وفوق ذلك، تذكيرا، بأنه، وبرغم الغضب المحسوس والحقيقي والمستمر بسبب سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط منذ حرب 6 أكتوبر، فلا تزال بريطانيا وإسرائيل تمتلكان قدرا جيدا مما هو مشترك بينهما، وذلك المشترك لا ينبع فقط من الروابط التاريخية فقط، وإنما أيضا من التقدير المتماثل للقيم الإنسانية والقيم المتشابهة في الحياة العامة. ولبن غوريون زعم بالتبجيل البريطاني فيما ظل مبقيا هو ذاته على ذلك التبجيل، فقد كان وكيل عريف في سلاح الغدارة الملكي (Royal Fusiliers) إبان الحرب العالمية الأولى، وكتب في «من هو من» أنه قد ساعد في دفع وتكوين رابطة المحاربين القدامى اليهود وخدم في رتبها تحت قيادة الجنرال الينبي . والى ذلك، وفي نهاية مساره الطويل، وحين انتهى به الأمر لتأسيس جامعة سيدي بوكر، حمّلها آمالا عريضة من نسخة آماله فقال إنه يريدها أن تكون خليطا من أكسفورد M.I.T ويافين المركز القديم للتعليم التوراتي. فالفخر بالمكان أعطاه لأكسفورد، ولا أظن أن خلفاء بن غوريون سيلجأون الى إرباك ذلك النظام، فتقديرهم للثقافة البريطانية والإحساس بالقيم يبقى عاليا. وفي هذه الحقيقة أرى أملا خاصا في علاقاتنا المستقبلية يوم أن يأتي السلام للشرق الأوسط. ولكم كامل التقدير. توقيع : دبليو بي جي ليدويغ – السفير ـ تل أبيب (المصدر: صحيفة « الشرق الأوسط » (يومية – لندن) الصادرة يوم 4 جوان 2007)  


 

دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840 – 1914

سليمان الشيخ     لولا جوانب من فصول بعض الكتب والمؤلفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لكان كتاب الباحثة نائلة الوعري «دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840 – 1914» جديداً في موضوعه، وأكاد أقول وحيداً في ذلك. وهو فعلاً وحيد ورائد في تكريس نحو 400 صفحة وفي خمسة فصول، لتصب كلها في موضوع واحد. صدر الكتاب حديثاً عن دار الشروق في عمان ورام الله، وتم الإعلان في الكتاب أن ريعه سيذهب الى مؤسسة القدس لدعم مشاريع تنموية في مدينة القدس. اعتمدت الباحثة في تحقيق كتابها على وثائق منشورة وغير منشورة وأراشيف سرية وغير سرية لسفارات وقنصليات ووزارات خارجية ومراكز أبحاث، إن كانت في القدس – الأرشيف الصهيوني وسواه – وفي الآستانة – اسطنبول – عاصمة الدولة العثمانية، أو في عواصم الدول التي ساهمت قنصلياتها مساهمة مهمة في هجرة اليهود وتوطينهم في فلسطين واقتسم عدد منها أملاكاً وبلاداً من الدولة العثمانية كبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وألمانيا، والنمسا. كما اعتمدت الباحثة في جهدها الدؤوب والمُضني والمكلف وقتاً وجهداً وإمكانات لإنجاز كتابها على سجلات البلديات والمحاكم الشرعية في كل ا لمدن الفلسطينية التالية: القدس ويافا وعكا ونابلس وحيفا وغيرها، كونها هي التي تولت تسجيل ما تم بيعه والاستيلاء عليه وتوثيقه – بشتى الطرق والأساليب الشرعية وغير الشرعية – من أملاك وبيوت وأراضٍ أميركية – تتبع الدولة – وخصوصاً للعائلات والأفراد. هذا إضافة الى اعتمادها على مجموعة من المراجع والمخطوطات والمذكرات – مطبوعة وغير مطبوعة – من بينها مذكرات السلطان عبدالحميد الثاني نفسه الذي زادت في عهده (1876 – 1908)، وتيرة التكالب الاستعماري للاستحواذ على أملاك الدولة العثمانية، وعلى تكثيف حركة الاستيطان اليهودي في فلسطين بمساعدة قناصل تلك الدول. فلماذا اختارت الباحثة السنتين المنوه عنهما 1840 – 1914 كمجال لدراستها؟ * إذا ما كانت الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام بقيادة نابليون بونابرت 1798 – 1801 قد تركت تأثيراتها المهمة في مركز السلطنة وفي بلاد الشام ومصر، خصوصاً أنها خرقت التفاهم غير المكتوب بين الدول الأوروبية الاستعمارية بعدم المس بأملاك السلطنة العثمانية التي كانت منتشرة على قارات ثلاث، هي: أوروبا، آسيا وأفريقيا. لتأتي الحملة الفرنسية خارقة ذلك «التوافق»، ولتبادر بريطانيا رداً على الخرق الفرنسي، الى مساعدة السلطنة والقوى الحلية – والي عكا أحمد باشا الجزار وغيره – في إحباط مساعي الحملة الفرنسية وإفشالها. مع ذلك فإنها أشرت وسارعت من وتيرة التدخلات الأجنبية في شؤون الولايات العثمانية، خصوصاً في بلاد الشام، وأسست لدعوة اليهود الى إقامة وطن قومي لهم في فلسطين – هكذا أعلن نابليون إذا ما ساعده اليهود في حربه بالمنطقة -. ثم جاءت حملة إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا على بلاد الشام، وسعيهما إذا ما قُدر لهما الوصول الى الأستانة نفسها، الفرصة المهمة الثانية لتدخل الدول الأوروبية الاستعمارية في شؤون السلطنة ومساعدتها في طرد قوات إبراهيم باشا من بلاد الشام وإجباره على العودة الى داخل الحدود المصرية – السودانية، وتم ذلك ما بين عامي 1830 و1840. ومنذ ذلك العام 1840 وانعقاد مؤتمر لندن للدول الأوروبية والتفاهم بينها على معالجة أمور السلطنة العثمانية ومشاكلاتها، فإن وتيرة التدخلات الأوروبية ازدادت، خصوصاً أنها اعتبرت نفسها قد حمت السلطنة من السقوط في مواجهة خصمها وواليها محمد علي باشا. لذا فإن طلباتها ازدادت وأخذت أطماعها بأملاك السلطنة تتكشف تدريجاً. كما أخذت صراعاتها بين بعضها بعضاً طابعاً تنافسياً مكشوفاً، ولعبت قنصلياتها في مدن بلاد الشام الرئيسة أدواراً مهمة في تنفيذ سياسات دولها، ورصد كل ما تقوم به الدول المنافسة ومتابعته، ووضعت كل منها – الدول – نصب أعينها الأملاك المعنية التي تريد السيطرة عليها. وقد عالجت فصول الكتاب الخمسة فصولاً من هذه المسيرة التراجعية في قوة السلطنة وانحسار نفوذها وتدهورها، ووقوع الضحايا من أملاكها بين أيدي الطامعين الأوروبيين، خصوصاً في البلاد الشامية، ومن بينها التمهيد للمأساة الفلسطينية. وذلك بتسريع وتيرة تهجير اليهود من أوروبا وإسكانهم في فلسطين على حساب الفلسطينيين العرب حتى قيام الحرب العالمية الأولى سنة 1914. ومن ثم إعلان وعد بلفور الانكليزي سنة 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين كتحصيل حاصل لما كان قد تم إرساؤه وتنفيذه من قبل. امتيازات وقناصل فكيف نفذ قناصل الدول الأوروبية وسفراؤها في إضعاف الحياة العامة وحتى الخاصة في الولايات العثمانية، وكيف ساهموا في التمهيد لإرساء الوطن القومي لليهود في فلسطين، واحتلال مصر والبلاد الشامية والمغرب العربي من قبل القوى الاستعمارية؟ تُعيد الباحثة الأمر الى نظام الامتيازات الأجنبي – وغيره من الأسباب – الذي تم توقيعه بين ملك فرنسا فرانسوا الأول والسلطان العثماني سليمان القانوني سنة 1535. أي في زمن كانت الامبراطورية العثمانية من القوة والمنعة، بحيث أنها لم تخش من آثار ومترتبات نظام الامتيازات هذا. وبحسب ما تم التعريف به، فإنه يمنح الرعايا الأجانب المقيمين في الدولة العثمانية حقوقاً يمكنهم فيها عدم الخضوع لسلطات التشريعات الأهلية، كالقضاء والضرائب وغير ذلك. وكان يسمح للدول الغربية من إقامة محاكم خاصة بها. مما جعل تلك الامتيازات باباً للتدخل الأجنبي وإثارة الفتن الداخلية، وخطوة مهمة للسيطرة الأجنبية بعد ذلك، خصوصاً بعدما ضعفت الدولة العثمانية. الغريب أن اتفاقية نظام الامتيازات بين فرنسا والسلطنة العثمانية والتي جددت سنة 1735، وعقدت الدول الأوروبية الأخرى أمثالها مع السلطنة، لم تنص على أن يتم التعامل بالمثل في بنودها! ومن أهم بنود تلك الاتفاقية: * منح فرنسا حرية التنقل والملاحة في سفن مسلحة وغير مسلحة، وحق التجارة والمتاجرة في أرجاء الدولة العثمانية كلها بالنسبة الى رعايا ملك فرنسا، ومنح فرنسا حق التمثيل القنصلي مع حصانة قنصلية للقنصل وأقاربه والعاملين معه. يحق للقنصل الفرنسي النظر في القضايا وأن يستعين بالسلطات المحلية لتنفيذ أحكامه. أما في القضايا المختلف عليها، والتي يكون أحد أطرافها من رعايا السلطان العثماني، فلا يُستدعى ولا يستجوب رعايا الملك الفرنسي ولا يُحكم عليهم إلا بحضور ترجمان القنصلية الفرنسية، وحق العبادة لرعايا فرنسا، وغير ذلك من أمور. واضح أن إجحافاً وافتئاتاً على مصالح السلطنة ومواطنيها قد وقع جراء هذه الامتيازات وأخذ يتكشف مع الأيام، خصوصاً بعد أن سارت على منوال الفرنسيين دول أوروبية أخرى. وأخذت توسع وتزيد من تدخلاتها ونشاطاتها في ما يعنيها ولا يعنيها من أمور السلطنة ومواطنيه. وعندما كان الأهالي يبادرون الى الشكوى من ذلك، فإنهم كثيراً ما كانوا يصطدمون بتلك الامتيازات التي أصبحت دولية، وليجدوا أن سلطانهم ودولته لا يمكنهما إلا إصدار «الفرمانات» التي تبقى حِبراً على ورق ومن دون قوة تنفيذ حقيقية! الخلاصة التي توصلت اليها الباحثة من ذلك: ان الدول عندما تضعف فإن أي طامع قوي يمكنه النفاذ من ثغرات الضعف والاتفاقات ليُعلي من مصالحه ويكرس تدخله ويزيد ويضاعف منه. هكذا نفذت البلدان الأوروبية: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، النمسا، وغيرها من نصوص اتفاق الامتيازات الجائر ومن الضعف الذي أخذ يعتري الدولة العثمانية، وكرست مصالحها، وسرعت من وتيرة التراجع والانهيار في بنيان السلطنة، ومن وضع أسس ومداميك إقامة كيان صهيوني في فلسطين. إذ ان كل دولة من الدول السابقة وغيرها، أصبح لها حق حماية رعاياها والرعايا الذين يدينون بدينها أو مذهبها من رعايا السلطنة. كما انها فرضت حمايتها ورعايتها للرعايا اليهود في السلطنة. ولكل حاج أو زائر يفد حديثاً ويريد البقاء والعيش، خصوصاً في القدس والمدن الفلسطينية الأخرى. وكان لقنصليات تلك الدول في المدن الشامية والمصرية، وخصوصاً في فلسطين الدور المجلى والبارز في هذا الأمر. لنقرأ نص رسالة وزير الخارجية البريطاني الى قنصله في القدس عام 1858 حيث جاء فيها: «ان حكومة بريطانيا تحاول جاهدة تكريس الوجود البريطاني في القدس وبالتالي في المدن الأخرى لحماية مصالحها الحيوية ورعاياها من الطائفة اليهودية، وعليكم القيام بواجبكم لحماية اليهود الوافدين الى فلسطين بذريعة الرحلات المقدسة التي سُمح لهم بها وإن تحولوا من دون قيام الباب العالي بمنعهم من الإقامة، وهذا واجب عسكري تُسألون عنه»! وهناك رسالة سابقة من وزير الخارجية البريطاني بالمرستون وجهها للقنصل وليم يونغ في القدس سنة 1839 دعاه فيها الى تقديم كل عون ومساعدة ممكنة لليهود في إقامة خمس مزارع لهم – في فلسطين – وحمايتهم كذلك. علقت الباحثة، ان رسالة بالمرستون – في نظر عدد من المؤرخين – عُدت واحدة من أبرز مدخلات النفوذ القنصلي الأوروبي والبريطاني خصوصاً في فلسطين وأشارت الباحثة الى أن نظام الامتيازات الأجنبي في السلطنة مثل رافعة أساسية للنظام القنصلي وسهل لها عملها في التخريب والتمزيق والتدخل، كونها: تمتعت – القنصليات – بنفوذ كبير اكتسبته من نصوص ولوائح الامتيازات التي حصلت عليها من الباب العالي. – أدت الامتيازات التي حصلت عليها الدول الأوروبية الى خلق حال من التنافس وصراع القوى بين الدول الأوروبية على مناطق النفوذ في ممتلكات الدولة العثمانية، ولعبت القنصليات دوراً مهماً في ذلك. – كما ان ذلك ساهم في تدفق الإرساليات الدينية والتعليمية والتبشيرية وغيرها، وأقيمت مراكز ثقافية ومدارس تعليمية وتبشيرية وكنائس وأبرشيات عدة. وادعت كل دولة من الدول الأوروبية انها ترعى وتحمي أقلياتها وطوائفها ومذاهبها الدينية، وقام صراع مرير في هذا الأمر، الى درجة قيام الفتن، وتوتير الطوائف وافتعال المشاكل، وتحريض فئات من الشعب على فئات أخرى دينياً وقبلياً، كما حدث في جبل لبنان سنة 1860، وكما حدث في نابلس وصفد والقدس وغيرها. صحيح ان مناخاً علمياً وتعليمياً ازدادت وتيرته بين الناس، خصوصاً بين الطوائف المسيحية من رعايا الدولة العثمانية، وهذا وجه إيجابي يمكن تسجيله لنتائج التنافس الأوروبي. مع ذلك فإنه كان ممسوكاً وموظفاً في الأساس لمصلحة الدول الأوروبية الراعية. هكذا فإن نظام الامتيازات وتدخلات القناصل في كل كبيرة وصغيرة من حياة السلطنة والناس وفرض حماية الأقليات بما فيهم وأساساً اليهود وتوطينهم في فلسطين، أدى – بحسب ما ذكرت الباحثة – الى: 1 – تمزيق أركان الدولة العثمانية في شكل تدريجي. 2 – مضاعفة وتيرة الأطماع الأوروبية في المنطقة. 3 – عرقلة إمكان تطور الرأسمال الوطني ومنع قيام صناعات وطنية تنافس الصناعات الأجنبية التي أخذت تتدفق على البلاد بعد قيام الثورة الصناعية في أوروبا، وتنافس مراكزها على استيراد المواد الأولية وتسويق المواد بعد تصنيعها وتصريفها. توطين اليهود ونهاية السلطنة تذكر الباحثة ان مشاريع عدة طُرحت في سياقات زمنية مختلفة لتوطين اليهود في فلسطين من قبل دول أوروبية عدة، ومن قبل رسميين وغير رسميين في هذا المجال… منها – بحسب ما ذكرت الباحثة -: – ان رجل الأعمال اليهودي الانكليزي موسى مونتفيوري أجرى مباحثات مع محمد علي باشا – قبل فشل حملة ابنه إبراهيم على بلاد الشام – أسفرت عن حصوله على وعد بامتياز استئجار أراضٍ في فلسطين لمدة 50 سنة تكون معفاة من الضرائب، ويحق لليهود استثمارها وإرسال الخبراء بهدف تدريب اليهود على الأعمال الزراعية وتأهيلهم – علينا ملاحظة أن معظم مشاريع التوطين اليهودي في فلسطين كانت تركز على إقامة المستوطنات الزراعية وذلك لدمج الوعي بالمصلحة في أهمية الأرض والمحافظة عليها وتنميتها لدى اليهود – إلا أن فشل إبراهيم باشا في حملته على بلاد الشام عطل هذه الامتيازات ودفع مونتفيوري الى إنشاء مزارع صغيرة حول المدن الفلسطينية الكبيرة مثل القدس ويافا وصفد لليهود. – كان نابليون بونابرت قد دعا في حملته على بلاد الشام ومصر سنة 1798 الى تشجيع اليهود الى الهجرة والتوطن في فلسطين وإقامة كيان قومي لهم فيها. – لم تخلُ سنة من سنوات القرن التاسع عشر تقريباً إلا وقامت فيها مزرعة او مستعمرة لليهود في فلسطين إن كانوا من الإنكليز أو الألمان أو الروس والبولنديين ومن رومانيا وغيرها من البلدان الأوروبية. والغريب أن الدول أو مواطنين منها من غير اليهود أقاموا مزارع لهم في فلسطين – الألمان على سبيل المثال – ثم باعوها أو وهبوها لليهود بعد ذلك بتشجيع من دولهم أو من خلال تصرف ذاتي محض. – تسجل الباحثة أن موجة الهجرة اليهودية الكبيرة الى فلسطين حدثت في عام 1882 ومن روسيا وبولندا ورومانيا بالذات بعد اغتيال الامبراطور الروسي اسكندر الثاني سنة 1881 واتهام اليهود في مؤامرة الاغتيال. وتذكر الباحثة ان هذه الموجة سجلت وصول ما بين 20 ألفاً الى 30 ألفاً تلاهم ما بين 30 ألفاً الى 40 ألفاً في الموجة الثانية التي استمرت ما بين 1904 و1914. هكذا وصل عدد اليهود في فلسطين الى نحو 80 ألفاً سنة 1908، من بين عدد السكان الذي كان يبلغ نحو 700 ألف مواطن، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه عددهم سنة 1882. أي ان هذه الهجمة اليهودية في فلسطين وبناء المستعمرات والمزارع تما في زمن الخليفة والسلطان العثماني عبدالحميد الثاني. فهل كان الباب العالي غافلاً عن ذلك، وما الذي فعله الأهالي ومندوبوهم في مجلس «المبعوثان» – المجلس النيابي العثماني؟ قبل الإجابة عن ذلك، فإنه يجدر التذكير – كما جاء في الكتاب – ان مخططات الدول الأوروبية لإسكان اليهود في فلسطين، لم تكن خالصة من أجل مصالح اليهود فقط، بل ان سنة 1882 شهدت احتلال بريطانيا لمصر على سبيل المثال، كما ان بلدان المغرب العربي تساقطت تباعاً في أيدي الاستعمار الفرنسي. أما بالنسبة الى فلسطين فإن فيها أماكن مقدسة مهمة للأديان السماوية الثلاثة، وموقعها بين أوروبا وآسيا وأفريقيا يعتبر موقعاً استراتيجياً، خصوصاً أنها واقعة مع مصر على طريق المستعمرات الأوروبية في آسيا – شبه القارة الهندية على سبيل المثال -، لذا فهي من الممرات والمقرات المهمة لدى المستعمرين، وإسكان اليهود فيها يمكنه أن يساهم في حلحلة مجموعة من القضايا والمشاكل، من بينها: 1 – يمكن أن يخفف من مشكلة اليهود في أوروبا واصطدامهم مع الأهالي والحكومات التي اضطهدتهم لأسباب عدة. 2 – يمكن لهم بتعاونهم مع المستعمرين حماية الأماكن المقدسة المسيحية واليهودية في فلسطين. 3 – يتيح وجودهم المُسيّر من قبل المستعمرين المحافظة على موقع استراتيجي بين القارات، ويُسهّل من عمل المستعمرين في المنطقة. 4 – يستجيب الى معتقدات قطاعات معينة من الشعوب الأوروبية المسيحية التي تعتقد بطروحات معينة تتعلق بادعاءات ان فلسطين هي وطن اليهود وأن المسيح – الماشيح – سيعود ثانية الى تلك الأراضي لينشر العدل والمساواة بين الناس. 5 – جاء مؤتمر بازل الصهيوني سنة 1897 ليحسم جدل اليهود في ما بينهم، وليكرس فلسطين وطناً قومياً لهم، يجب السعي لإنشائه وتثبيته من قبل نشاط الحركة الصهيونية. إذ ذكر ثيودور هيرتزل راعي مؤتمر بازل أمام الامبراطور الألماني غليوم الثاني سنة 1898 اثناء زيارته فلسطين، والقدس بالذات، انه يجب السعي الى: «إيجاد وطن مُعترف به ومضمون للشعب اليهودي في فلسطين». فهل كانت السلطات الرسمية والشعبية العثمانية غافلة عن تلك المساعي والمخططات؟ يتضمن الكتاب نصوصاً مهمة تبين مواقف السلطان عبدالحميد الثاني بالذات والسلطنة والأهالي وممثليهم في مجلس «المبعوثان» رفضاً للمخططات الاستعمارية في الاستحواذ على أملاك السلطنة وتفتيتها، ورفضاً لمشاريع الاستحواذ على أراضٍ في فلسطين أو إقامة وطن قومي لليهود فيها. لقد قاوم الفلاحون انتزاع الأراضي من بين أيديهم وذهب ضحايا كُثر من جراء تلك المقاومة، وتحرك الأهالي في المدن الفلسطينية في إضرابات واعتصامات وتظاهرات وكتابة عرائض احتجاج ضد كل ما كان يقوم به القناصل الذين تحولوا الى تجار أراضٍ وسماسرة. ذكرت الباحثة تلخيصاً لما قام به القناصل من أدوار «مارس القناصل دورهم بفاعلية منقطعة النظير من أجل استمرار تدفق اليهود الى فلسطين وإتمام عمليات دخولهم ومن ثم إقامتهم وتوطينهم، وبالتالي تقديم العون والمساعدة لإيجاد الحلول المناسبة للقضايا والصعوبات والاشكاليات التي تعترض طريقهم سواء كان ذلك بالنسبة الى علاقاتهم مع السكان من الفلسطينيين أو حماية مستوطناتهم، أو مساعدتهم في إتمام الصفقات العقارية وعمليات البيع وتذليل صعوبات أو عراقيل كانت يمكن أن تقف في طريقهم». وهناك حادثة دلالة مهمة أشار اليها الدكتور محمد عيسى صالحية في مقدمته للكتاب، إذ ذكر «في هدأة الليل وقبيل انبلاج الفجر تسلل قنصل بريطانيا بقاربه الى باخرة أجنبية تحمل يهوداً مهاجرين يرغبون في الهجرة والاستيطان في فلسطين. وكان يحمل مئات من جوازات السفر البريطانية وتذاكر مرور، ومعه مصوّر، وعلى ظهر الباخرة سواء قبالة شواطئ حيفا أو يافا أو عكا، يُغير الأسماء والديانة والوظيفة، ويسلم كل يهودي جوازاً جديداً أو تذكرة مرور تسمح له بالدخول الى فلسطين، ثم يشمله بالعناية والرعاية والحماية، ويساعده في الحصول على الأرض لبناء المستوطنات عليها». كما أن ممثلي الولايات الشامية في مجلس «المبعوثان» من العرب لم يتركوا فرصة إلا وأشاروا الى خطورة مخططات الهجرة وتوطين اليهود في فلسطين. كما ان السلطات الرسمية العثمانية وعت وأدركت أهداف وتحركات الدول الأوروبية في الاستحواذ على أراضيها، خصوصاً في فلسطين. بل ان السلطان عبدالحميد الثاني نفسه كتب «فرماناً» بخط يده في سنة 1891، في محاولة منه للوقوف في وجه مخططات تهويد فلسطين، جاء فيه: «إن قبول اليهود الذين طُردوا من كل مكان في الممالك العثمانية، سيؤدي في المستقبل الى تشكيل حكومة يهودية. لذا ينبغي أن يتخذ مجلس الوزراء قراراً بخصوص تفاصيل هذا الأمر، وذلك برد جميع اليهود الذين سيدخلون فلسطين». وتكررت «الفرمانات» السلطانية بالصدور والإعلان وفي سنوات مختلفة، وذلك لمنع بيع الأراضي لليهود ومنع هجرتهم الى فلسطين. مع ذلك فإن عدد المستوطنات الصهيونية في فلسطين كان يزداد، إذ بلغ 18 مستوطنة حديثة سنة 1897، هذا عدا الأراضي والأملاك والمباني المتفرقة الأخرى. إذ ان تراجع قوة الدولة العثمانية، ونظام الامتيازات الأجنبية، ودور القناصل في كسر ما كانت تصدره الدولة من قوانين، وخراب الذمم وانتشار الرشوة، وتغليب المصلحة الذاتية على المصلحة العامة لدى مسؤولين كبار في الدولة العثمانية وبين الولاة والموظفين. كل ذلك وغيره جعل من «فرمانات» السلاطين حبراً على ورق، وجعلت أراضي السلطنة نهباً لكل طامع. وجعلت الدول الأوروبية تصفها بـ «الرجل المريض» وأخذت تتقاسم أملاكه بالتدريج. ثم قام انقلاب مجموعة الاتحاد والترقي في السلطنة سنة 1908، وهي مجموعة قومية طورانية متعصبة لتساهم في تراجع قوة الدولة، وتفكيكها. تلاها قيام الحرب العالمية الأولى سنة 1914 ومشاركة السلطنة العثمانية فيها الى جانب دول المحور التي انهزمت في هذه الحرب. لتأتي نهاية الدولة العثمانية واستيلاء المستعمرين على ولاياتها وأملاكها في أوروبا وآسيا وأفريقيا، ولتنحصر حدودها في ما يُعرف الآن بحدود الجمهورية التركية الحديثة. (المصدر: ملحق « تراث » بصحيفة « الحياة » (يومية – لندن) الصادرة يوم 2 جوان 2007)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.