Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )
To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
عيد تونس.. تهميش رسمي وتشبث شعبي
تونس – محمد الحمروني – إسلام أون لاين.نت بتهميش لافت، استقبلت وسائل الإعلام التونسية الرسمية عيد الفطر المبارك، بينما عمت مظاهر الاحتفال والفرحة شوارع البلاد، وتمسك التونسيون بعاداتهم وتقاليدهم في إحياء تلك المناسبة، رغم مسحة الحزن التي خلفتها حملات الاعتقال المتواصلة من قبل السلطات في صفوف الإسلاميين.
وفي تصريح لـ »إسلام أون لاين.نت »، علّق المنصف المحمدي الباحث في علم الاجتماع على هذا الاختلاف قائلاً: « نلاحظ أنه في الوقت الذي يحاول فيه المستوى الرسمي أن يهمش قدر استطاعته كل المناسبات المتعلقة بأصالتنا وهويتنا، يحافظ المستوى الشعبي على تشبثه بإحياء تلك المناسبات ».
وأبدى المحمدي دهشته من « استنفار وسائل الإعلام الرسمية من أجل الاحتفال برأس السنة الميلادية، وعرض البرامج والحفلات بهذه المناسبة، بينما تكتفي بعرض أغنية دينية يتيمة أو فيلم سينمائي أصبح مشوشًا من كثرة تكراره خلال المناسبات الدينية ».
أما على المستوى الشعبي، فقال المحمدي: « إن الشعب التونسي كثير التشبث بعاداته ومناسباته التي تعبر عن هويته وأصالته الإسلامية؛ لذلك تجتهد كل العائلات للاحتفالات بالمولد النبوي الشريف مثلاً، وتصنع لذلك ما يعرف في تونس بالعصيدة وتتزاور العائلات وتتبادل الهدايا ».
وعن مظاهر التمسك الشعبي بالاحتفال بعيد الفطر، يقول مراسل « إسلام أون لاين.نت »: « تنشط سوق صناعة الحلوى التقليدية خلال أيام العيد، وبدأ عدد كبير من العائلات يفضل شراء الحلوى والكعك عن صناعتها في المنزل ».
غير أن الحاجة منوبية (83 سنة) أعربت عن استغرابها من شراء بعض العائلات للحلوى من الأسواق، وقالت لـ »إسلام أون لاين.نت »: « منذ أكثر من 60 عامًا وأنا أصنع الحلوى في منزلي ولا أستطيع أن أتخلى عن عادات علمتني إياها أمي ».
وتساءلت: « ماذا سيبقى من عاداتنا وتقاليدنا إذا فرطنا فيها الواحدة تلو الأخرى؟. الكثير من مناسباتنا فقدت نكهتها ولم نَعُد نعيشها بنفس الروح مثلما كنا من قبل ».
واستطردت تقول: « الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ورأس السنة الهجرية وغيرها تمر علينا ولا نكاد نشعر بأهميتها، في حين تقام الاحتفالات بطول البلاد وعرضها لمناسبات دخيلة علينا وتجتهد وسائل الإعلام للاحتفال بها مثلما يقع في احتفالات رأس السنة الميلادية وعيد الحب وغيرها ».
غير أن الذي عكّر فرحة العيد في تونس هذا العام هو استمرار حملات الاعتقال السياسي في صفوف التيارات السياسية المعارضة، وخاصة الإسلامية منها.
ويقول مراسل « إسلام أون لاين.نت »: إن أعدادًا كبيرة من العائلات تعيش في حزن بسبب اعتقال ذويهم، وأشار إلى أن السلطات التونسية لا تزال تعتقل أكثر من 300 شاب بموجب قانون « مكافحة الإرهاب »، وبين هؤلاء من تم اعتقاله بسبب ما قالت السلطات إنهم يستعدون للالتحاق بالمقاومة في العراق، ومنهم من اعتقل بسبب انتمائه للتيارات الإسلامية.
وتصف أم خالد التي اعتقل ابنها في مايو 2005، حالها أيام العيد، وتقول: في الوقت الذي يفرح فيه الجميع تمر عليّ أيام العيد وأنا أعيش مأساة كبيرة؛ بسبب حرماني من ابني، حيث أقضي هذه الأيام وليس لي أمل إلا أن يطلق سراحه ».
وأَضافت « كلما ذهبت إلى النوم أخذت معي هاتفي الجوال وكلّي أمل أن يأتيني خبر إطلاق سراحه ». وقالت أم خالد موجهة حديثها للمسئولين: « ألا تستشعرون حجم المأساة التي نعيشها، ألا تتذكرون أن هناك أمّهات حرمن من فلذات أكبادهن وأنتم تحضنون أبناءكم خلال أيام العيد وتشترون لهم الهدايا واللعب ».
وناشدت أم خالد كل من له علاقة بملف المعتقلين على « خلفية قانون الإرهاب النظر بعين الرحمة إلى هؤلاء الشباب وعائلاتهم، خاصة أننا في أيام العيد وهي أيام صفح وخير وبركة ».
كما يأتي العيد في ظل استمرار محنة العشرات من قيادات حركة النهضة الإسلامية في السجون التونسية منذ 15 عامًا في ظروف قاسية، ومنها إقامتهم في الحبس الانفرادي لسنوات طويلة.
وتشير المعارضة التونسية أن عدد المعتقلين السياسيين يزيد عن 500 معتقل أغلبهم من حركة النهضة، وهو ما ينفيه باستمرار نظام الرئيس زين العابدين بن علي.
ويتعرض نظام الرئيس التونسي لانتقادات بشكل منتظم من جانب منظمات دولية ومنظمات تونسية غير حكومية وأخرى معارضة على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان، وتقييده لأنشطة المعارضة ولحرية الصحافة، كما تؤكد هذه المنظمات.
وعكّر أجواء العيد هذا العام أيضًا ظاهرة الارتفاع الجنوني في الأسعار الخاصة بمستلزمات العيد، خاصة أن العاصمة تتحول في هذه الأيام إلى سوق كبير لشراء الملابس.
ويقول أحمد الراجحي -موظف- وهو أب لبنتين كانتا برفقته لشراء مستلزمات العيد: « الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال العيد السعيد، غير أن بعض الأمور عكّرت علينا شيئًا من فرحتنا، حيث ارتفعت أسعار الملابس بما يقرب من 15% ».
ويقول مراسل « إسلام أون لاين.نت »: إنه أمام هذا الارتفاع في الأسعار وجد المواطنون ضالتهم في السوق الموازية أو البضائع التي يبيعها بعض الأشخاص على أرصفة الشوارع؛ لأنها توفر لهم بضاعة مناسبة جدًّا من حيث السعر وإن كانت أقل جودة، غير أنه قال إن هؤلاء الباعة لم يسلموا من حملات الأمن التي تسعى للحد من تلك الظاهرة.
(المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 23 أكتوبر 2006)
حمام سوسة وشهد شاهد من أهلها
تناقل مواطنو مدينة حمام سوسة خبرا مفاده أن أحد الأئمة الخطباء رافق معتمد المدينة إلى مقر البلدية قصد التنبيه على الموظفات المتحجبات بضرورة نزع الخمار فورا طبقا لمقتضيات المنشور 108 السيء الذكر، ونظرا لما لهذه المصاحبة من دلالات رمزية وما يمكن أن تخفيه من » شرعية » على هذا المنشور الجائر فقد خلفت حالة من الامتعاض ترجمها الأهالي تلقائيا إلى مقاطعة الصلاة وراء هذا الإمام مما أوجد فراغا ملحوظا بالمسجد أربك الإمام ووضعه في وضع محرج للغاية.
وعوضا أن يقدم السيد الإمام اعتذاره لسوء تقديره للموقف وانعكاساته على المواطنين ( وذلك من قيم الإسلام)، رأى عكس ذلك ووجد في إنكار وقوع الحادثة مخرجا له واعتبر أن ما راج من أمر مرافقته للمعتمد في إطار حملة نزع الحجاب من كيد أحد المواطنين » المعارضين » والذي نعته بالفسق. ولأن الحادثة لا تحتاج إلى جهد مضني لإثباتها حيث يكفي الاتصال بأحد موظفي أو موظفات البلدية للتأكد من صدق وقوعها يوم الاثنين 2 أكتوبر 2006 حوالي الساعة العاشرة صباحا، وعلى الرغم من كون هذه الحادثة سابقة خطيرة في تعاطي السلطة مع هذا الموضوع فإن لها مخلفات رمزية واضحة تتلخّص في:
إن حالة الاستياء والامتعاض التي قابل بها المواطنون هذا الخبر ومقاطعتهم للصلاة وراء هذا الإمام تعكس بوضوح وجلاء رفض هؤلاء المواطنون على اختلاف شرائحهم الاجتماعية وكل حسب منطلقاته الخاصة المنشور 108 السالب للحق القانوني والدستوري للحرية في اختيار اللباس. إن تمسك الإمام بإنكار مرافقته معتمد حمام سوسة في هذه الحملة هو إعلام واضح وصريح على استغلال الدين لتكريس خيارات السلطة ومشاريعها ومصالحها السياسية وتظيف رجال الدين والمؤسسة المسجدية في غير وظائفها.
وفي المحصلة يمكن القول بأنّ مصاحبة السيد إمام المسجد للسيد المعتمد في إطار الحملة المنهجية الشرسة التي تنظمها السلطة قصد » استئصال ظاهرة الحجاب » وما في هذه المصاحبة من دلالات جديدة على زيف شعارات السلطة في دعوتها لعدم توظيف الدين في السياسة وما تحمله محاولة إنكار الإمام لها ومقاطعة المصلين له من افتقار المنشور 108 لكل شرعية أو مشروعية وفي ذلك شهادة من اهلها على عزلة السلطة وعدم قدرتها على اقناع حتى الموالين لها.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 378 بتاريخ 20 أكتوبر 2006)
مفتي مصر يهاجم تونس لمنعها الحجاب
اكد مفتي مصر علي جمعة أن دار الافتاء لها مواقفها التاريخية الرافضة للاستبداد السياسي والقهر الاجتماعي وتزوير الانتخابات من خلال الفتاوى التي تحرم ذلك كله وتمتلئ بها ارفف الفتاوى لكنه قال ان الناس في بلادنا لا تقرأ ولا تبحث وعن سر غياب دور الفتاوى في هذه القضايا المسكوت عنها من الاستبداد والفساد قال انها أمور يحرمها الشرع وتوجب الشريعة الاسلامية محاربتها موضحا ان هناك رسائل جامعية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة ناقشت موقف الاسلام من الاستبداد السياسي ووضحت مدى قبحه وضرورة محاربته وبينت الحكم الشرعي فيه منذ سنوات عدة، كما ان دار الافتاء لها فتاواها الشامخة في هذا الجانب منذ عشرات السنين وحتى اليوم ومن أراد الاضطلاع فليقرأ ملفات الفتاوى التي تزخر بها مكتبة الدار
ورفض المفتي اعتذار جريدة الغد والذي جاء على لسان رئيس تحريرها وعدد من كتَّابها وقيادات حزب الغد عما بدر من الصحيفة التي نشرت موضوعا تسبُّ فيه بعض الصحابةَ والسيدة عائشة وتصفُهم بأنهم أسوأ عشرة شخصيات في الاسلام وطالب الجريدةَ عقب توزيع جوائز مسابقة حفظ القرآن الكريم التي أقامتها اللجنة الاقتصادية في نقابة الصحافيين المصريين بأن تنشر ملحقًا مماثلاً مع الجريدة يحمل عنوانًا رئيسيًّا مكتوبًا فيه: تُبنا الى الله وعزمنا على عدم العودة لذلك، وتُبرز فيه الصحيفة قيمةَ الصحابة خصوصا العشرة الذين تناولَهم الموضوع السابق بالسبِّ والاهانات وتؤكد أن هؤلاء العشرة هم من أفضل خلق الله ولم تقف مَطالب المفتي عند ذلك بل ذهبت الى ضرورة أن يؤكد هذا الملحق أن الصحافي الذي كتب هذه الاهانات قليل الأدب باللفظ نفسه الذي قاله جمعة.
وعن مسألة فرضية النقاب، قال: بصرف النظر عمن أثار القضية، وبعيدًا عن المسمَّيات فان هناك اختلافاتٍ فقهيةً، ولا بد من احترامِها، فالمذهب الشافعي يقول بالنقاب، أما المذهب المالكي فعلى العكس تمامًا قال انه بدعة وانه لا يُرتدى الا اذا كان عادةَ أهل البلدة أو لامرأةٍ شديدة الجمال، يُخشي منها الفتنة مطالبًا بأن ترتقيَ لغةُ الحوار الى احترام الاختلافات الفقهية وعدم اثارة القلاقل، وجزم بأنه ليس فرضًا وحول اختلاف أيام الصيام بين بعض الدول الاسلامية خصوصا في قضية تحرِّي ليلة القدر، أكد المفتي أن الذين صاموا الأحد (مثل مصر) هم الأصح من الذين صاموا السبت مثل (السعودية) لأنه استحالت رؤية الهلال الا بعد ظهور شمس السبت بساعتين ونصح جموعَ الصحافيين باعانة العلماء على بناء عقول أبناء الأمة وقال: سينصلح حال الأمة لو وفقكم الله الى ما يحب ويرضى
الى ذلك شن المفتي هجوما حادا على تونس التي تمنع الحجاب الاسلامي وقال ان دولة عربية واسلامية تمنع الحجاب تكون بذلك خالفت امر الله ورسوله وانه بذلك يتجرأ على فرض من فروض الله وعطل فرضا لا يستطيع حاكم او محكوم ايا كانت صفته ان يعطله بحال من الاحوال .
(المصدر: صحيفة الراية القطرية الصادرة يوم 23 أكتوبر 2006)
الصلاة والحجاب يمتنعان بالخطوط الجوية المغربية!
الرباط – صلاح السعدي – إسلام أون لاين.نت
يستعد حزب العدالة والتنمية المغربي لتقديم استجواب لوزير النقل بشأن قرار غير معلن أصدرته إدارة شركة الخطوط الجوية المغربية (رام) بمنع الموظفين من الصلاة داخل مقر الشركة، وآخر خاص بمنع الموظفات اللواتي لهن علاقة مباشرة بالمسافرين من ارتداء الحجاب.
واعتبر نور الدين قربال، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها إدارة الخطوط الجوية المغربية « جاءت في سياق سياسة تجفيف منابع الصحوة الإسلامية التي حاول البعض فرضها مستغلا في ذلك أجواء ما بعد 11 سبتمبر 2001 وتفجيرات 16 مايو الإرهابية » التي ضربت الدار البيضاء عام 2003.
وذكر موظفون بالشركة – فضلوا عدم ذكر أسمائهم لإسلام أون لاين.نت – أن إدارة شركة الخطوط الجوية المغربية منعت مؤخراً الموظفين من الصلاة داخل مقر الشركة، دون أن توضح حيثيات هذا القرار الذي فاجأ جميع العاملين والمراقبين.
وأغلقت الإدارة المسجد الوحيد الموجود بمقر الشركة، وأوضحت للموظفين أن الصلاة الوحيدة المسموح بها داخل مقر العمل هي صلاة الجمعة.
كما منعت الإدارة عبر أوامر صارمة الموظفات اللواتي لهن علاقة مباشرة بالمسافرين من مضيفات وغيرهن من ارتداء الحجاب، دون إبراز الدواعي المبررة لذلك، بحسب المصادر نفسها.
وندد النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية في تصريح لإسلام أون لاين.نت بالقرارين، وأكد أنه سيتابع الموقف عن كثب، متعهداً بأن حزبه سيوجه استجوابا شفهيا مباشرا إلى وزير النقل « كريم غلاب » (عن حزب الاستقلال) خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وإن لم يتغير شيء فسيتم تقديم طلب إحاطة لاستدعاء الوزير ذاته للمثول أمام اللجنة البرلمانية المعنية.
ونوه قربال إلى أن العدالة والتنمية « سيستغل وجود المدير العام للخطوط الجوية المغربية بالمجلس النيابي خلال مناقشة قانون المالية للعام القادم لطرح الموضوع عليه، ومعرفة الأسباب التي دفعت الإدارة لاتخاذه، ومحاولة إقناعه بالعدول عن تلك القرارات الغريبة عن هوية الشعب المغربي وثقافته ».
مخالف للدستور
واعتبر النائب المغربي أن قرار منع الموظفين المسلمين من أداء الصلوات المفروضة بالإضافة إلى حرمان النساء من الالتزام بفريضة الحجاب « قرار مخالف للدستور الذي ينص على أن المغرب دولة مسلمة، وعلى أن جميع القوانين والقرار التي تصدر يجب أن تكون منسجمة وتعاليم الدين الحنيف ».
ورأى أن حرمان المسلمين من أداء صلواتهم المفروضة ومنع النساء من ارتداء الحجاب « دليل على أن هناك من لا يزال لا يفرق بين التطرف وبين الإسلام الطاهر النقي ».
وفي الوقت الذي أكدت فيه مصادر مطلعة بشركة الخطوط الجوية المغربية لإسلام أون لاين.نت صحة الخبر، أكدت مصادر من داخل الشركة أن القرارات الأخيرة للمدير العام للخطوط الملكية المغربية إدريس بنهيمة « نزلت كالصاعقة على الموظفين، الذين لم يثبت يوما أنهم يستغلون أداء الصلاة للتخاذل في العمل وإهمال خدمة العملاء ».
واعتبر أحد العاملين بالشركة والذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن « كل العاملين يرفضون هذا القرار، لكن لا يستطيعون التعبير عن ذلك صراحة خوفا من أن يكون مصيرهم الطرد ».
وأضاف أن « الموظفين يضطرون لأداء الصلاة خفية عن أنظار المسؤولين حتى لا ينكشف أمرهم »، مشيراً إلى أن « جوا من الرعب والخوف يسيطر على الموظفين الذين خرج أكثرهم قبل شهور قليلة فقط من أطول إضراب عرفه تاريخ المغرب ».
وكان حوالي خمسمائة فني بشركة الخطوط الجوية المغربية قد خاضوا إضرابا استمر لأكثر من ستة أشهر متتالية (منذ يوليو 2005 وحتى الأسبوع الأول من شهر يناير 2006)، تضامنا مع بعض زملائهم الذين تعرضوا لطرد تعسفي دون وجه حق.
وعانى العاملون وعائلاتهم ظروف عيش مأساوية نتيجة ذلك الإضراب، تحدثت عنه وسائل الإعلام المغربية كثيرا وقتها وهو ما أدى إلى إقالة المدير السابق محمد برادة، وتعويضه بالمدير الحالي إدريس بنهيمة الذي كانت من أولى قراراته منع العمال من الصلاة.
وكانت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي المغربية قد حذفت مواد من كتب التربية الإسلامية للمرحلة الإعدادية كان آخرها استبعاد آية قرآنية وحديث شريف إضافة إلى صورة لها صلة باللباس الشرعي للمرأة المسلمة وذلك بدعوى « تفادي التشدد ».
ويلفت مراقبون إلى أن مثل هذه الإجراءات تأتي في سياق تداعيات هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، حيث فرضت واشنطن وحلفاؤها على كثير من الدول الإسلامية إجراءات شملت تغيير مناهج دراسية.
(المصدر: موقع إسلام أون لاين بتاريخ 22 أكتوبر 2006)
حول الهُوية الوطنية التونسية
الكاتب: ياسين بن علي (*)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
من الخطأ أن ينظر أحد إلى مشكلة « الحجاب » في تونس التي برزت في الأيام الأخيرة كحدث سياسي مجرد أو عمل قمعي روتيني تميّزت به حكومة متسلطة أو واقعة حال معزولة عن سياقات فكرية وسياسية وشرعية؛ لأنّ هذه النظرة سطحية لا تجاري الحدث ولا تغوص في عمق دلالاته التي يقف المرء عليها من خلال النظر في موقف من منع ومن أيّد.
لقد بيّنت الأحداث الأخيرة بأن القضية متعلقة بالهوية. ومثال ذلك، يقول بوبكر الأخزوري وزير الشؤون الدينية بتونس في حوار نشرته جريدة الصباح التونسية يوم السبت 14\10\2006م:
« والسؤال المطروح: كيف نُجسّد فضيلة الحياء التي هي من الإيمان كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الثابت دينيّا وتاريخيّا أنّ لا وجود للباس إسلامي موحّد، يقول المثال الدارج: « كل بلاد وأرطالها ».
بمعنى أنّ لكلّ بلد تقاليده في الملبس في صفوف الرّجال والنّساء على حدّ سواء، كما له تقاليده الخاصّة في المأكل والعادات المتّصلة بالأفراح، وحتى في إطلاق الأسماء وغيرها، وهذه خصوصيّات تشهد على الثّراء الحضاريّ للعالم الإسلامي، والإنسانيّ، وعلى حيويّة التجارب المجتمعيّة، وهذا كلّه من صميم الهويّات الوطنيّة.
ومن هنا يجدر التّأكيد على أنّ استبدال اللّباس التونسيّ الدّال على الاحتشام والانتماء الحضاريّ بزيّ دخيل نَيْل صارخ من الهويّة الوطنيّة يُفضي إلى الانبتات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما روى جابر: « إنّ هذا الدّين متين فأوغلوا فيه برفق، فإنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ».
إنّ الطّائفي الدّخيل ليس من الدّين في شيء، وإنّما اتّخذه البعض عنوانا على انتماء سياسيّ وهذا اعتداء على الدّين والسياسة معا، إنّّه امتطاء الدّيني لبلوغ مآرب سياسيّة إيديولوجيّة لم تعد خافية على أحد بحيث انتفى في هذا الصّدد المقصد الشرعيّ وحلّت محلّه النّزعة المذهبيّة الطائفيّة المُهدّدة لتوازن المجتمع ووحدته لأنّ الخروج عن المألوف من مظاهر الطائفيّة التي ينبغي أن ينبّه كلّ عاقل على خطورتها وبُعدها عن إحكام الدّين الذي يجمع ولا يفرّق، وممّا يُعلّم من الدّين بالضرورة أنّه لا يجوز لأحد أن يكفّر غيره أو يحتكر الدين ويدّعي التكلّم باسمه.
إذن الطّائفيّة باب للتّكفير؛ تكفير البعض للبعض الآخر مما يقود إلى الفتنة – والعياذ بالله – والفتنة أشدّ من القتل، ويُلْهي عن التحدّيات الكبيرة التي تواجه عالمنا الإسلامي اليوم.
الإسلام أسمى من أن يُختزل في أشكال ومظاهر يتستّر بها بعضهم بعيدة عنه كلّ البعد، فالنيّة تكيّف العمل فمن كانت هجرته لغير الله فهجرته إلى ما هاجر إليه.
هذا وأنّه لا صلة لارتداء الزيّ الطّائفيّ بالحريّة الفرديّة، لأنّه مخالف للمعهود المستساغ في المجتمع الذي من حقّه أن يدافع عن ذاتيته الحضارية، إن حُريّتي تنتهي حين تبتدئ حريّة غيري، إنّه المصلحة العامّة التي لا بدّ من اعتبارها، ولا يمكن قبول ما يكرّ عليها بالبطلان.
إنّ الحريّة الفرديّة الحقيقيّة مصانة في تونس التغيير التي كرّستها بتشريعات رائدة، وبنشر ثقافتها، وممارستها في الواقع المعيش.
سبق وأن قُلت إنّ لكلّ بلد أعرافه وتقاليده وليس من تقاليدنا هذه العباءة السّوداء التي نراها أحيانا في شوارعنا فنستغرب خاصّة وهي ترمز إلى فرقة الجميع يعرف توجّهاتها الحركيّة التي تبطن ما تبطن.
إنّ التمسّك باللّون، و«المسّاك» لدليل على أنّ المقصود هو الرّمز الطّائفي المميّز لا تطبيق الحكم الديني والتمسّك بالخُلق القويم، خُلق القرآن الكريم.
نعم لأزيائنا التونسيّة المحتشمة الريفيّة والحضريّة مثل «المحرمة» (الفولارة التونسيّة) و«التقريطة» و«البخنوق» و«الملية» و«البشكير» و«السّفساري» وما إلى ذلك، نعم للجبّة التونسيّة و«البلوزة» و«الكدرون».
هكذا يكون الزيّ الطائفيّ مرفوضا، كرفضنا للّباس الخليع الذي لا يُستساغ بنفس الشدّة والإصرار، إنّ المسلمين لا يتمايزون أمام الله إلاّ بالتّقوى والعمل الصالح ». انتهى
إذن فقد أسست الحكومة التونسية موقفها من « الحجاب » على أساس مخالفته للهوية الوطنية التونسية. فما هي الهوية، وهل هناك ما يسمى بالهوية التونسية؟
1. ما هي الهوية؟
تطلق كلمة الهوّية للدلالة على « حقيقة الشّخص المطلقة المتضمّنة لصفات جوهريّة تميّزه عن غيره ». وقد قيل في تعريفها: « إنها السمات المشتركة التي تميز بها جماعة معينة نفسها وتعتز بها ». وقيل: هي « مجموعة من الميزات والبنى الموضوعية المعبرة عن تفرد المجموعات، أفرادا أو جماعات ». وقيل: هي « استمرارية الإنسان في الزّمن وبقاؤه على ما هو عليه أو به ». وقيل: هي « شخصية الفرد المتميزة الملازمة لكينونته ». وقيل: هي « جواب سؤالنا: ما الذي يميّزنا عن الآخرين؟ ». وقيل: هي « ميزة كون الشيء مطابقا لشيء آخر ».
ولنا أن نعرفها تعريفا يحدّد ماهيتها بقولنا: الهوّية هي حقيقة ذات الإنسان التي يعتزّ بها، بوصفه الفردي أو الجماعي، والتي تميّزه عن غيره وتحدّد له كينونته.
ولنا أيضا أن نعرّفها من خلال العناصر المكوّنة لها التي إذا وجدت، وجدت الهوّية، وإذا انعدمت، انعدمت الهوّية. وهذه العناصر هي: التميّز، المطابقة، الثبات، والاعتزاز.
2. التّميز
إنّ أوّل عناصر تحقق هوّية الإنسان هو إحساسه بالتميّز، وإدراكه له، ووعيه عليه. والتميّز يعني التفرد بالشيء عن الغير، وامتلاك صفات خاصة تفرّق بين الشيء وغيره، وتجعله غير مماثل له أو مشابه.
وإذا ما نظرنا إلى القرآن وجدنا أن الله سبحانه وتعالى يضرب لنا الأمثال ويبين لنا الفروق التي تحدّد عنصر التميز من خلال المقارنة والنهي عن الاشتراك في الشيء. قال تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} (النساء89)، وقال: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} (هود24)، وقال: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (النحل76)، وقال: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ} (السجدة18).
وعليه، فإنّ الإسلام هو وحده عنصر التميّز لدى المسلمين، منه يستمدون تميّزهم وبه يحقّقونه، وبناء عليه يندفعون في هذه الحياة الدنيا ليعمروا الأرض، وليشيعوا في أرجائها الحقيقة.
3. المطابقة
تفيد المطابقة كون الشيء على ما هو عليه في حقيقته. وهذا يدلك أنّ الإسلام وهو عنصر التميز لا بدّ أن يتمثّل في حياة الإنسان المسلم بحيث يظهر في عمله وقوله. فيظهر الإسلام على الإنسان في حركاته وسكناته، ويتمثّل في سلوكه أينما كان. قال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصف2-3)، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت30).
وعليه، إذا كان الإيمان قولا باللسان، وعملا بالأركان، ولم يكن بالتّمني ولا بالتّحلي إنما ما وقر في القلب وصدّقه العمل، كان لزاما على المسلمين تجسيده في واقعهم وحياتهم، وبعبارة أخرى كان عليهم أن يعيشوا الإسلام كلّه ويعيشوا به. قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام 161-163).
4. الثبات
الثبات هو الاستقرار على عناصر التميّز المكتسبة، والاستمرار في حملها والمحافظة عليها. وهو من العناصر اللازمة لتحقّق الهوية واستكمالها.
والثبات كعنصر من عناصر الهوّية الإسلامية يعني دوام القناعة بعقيدة الإسلام، ومقاييسه، ومفاهيمه، وقيمه، وحضارته، وثقافته، والاستقرار على ذلك دون تبديل أو تحريف أو شكّ. فهو من هذه الجهة ثبات فهم، وعلم، وإدراك، وإيمان. قال الله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة48)، وقال: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ} (المائدة49)، وقال: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} (البقرة59).
ويعني الثبات أيضا الاستقرار على نمط العيش الإسلامي، وديمومة ممارسة الإسلام وتطبيقه في الحياة، وذلك بجعل الحلال والحرام مقياس الأعمال في كلّ الأحوال، والأوقات والأمكنة. فهو من هذه الجهة ثبات عمل، وممارسة، وتطبيق. قال الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (الجاثية18)، وقال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب23).
فالثبات إذن هو الاستمرار على الأمر المميّز وهو الإسلام حتى الموت، وهو ما أكدّه الله سبحانه وتعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عمران102).
5. الاعتزاز
الاعتزاز هو التشرف بالانتماء إلى جهة ما، والاحتماء بها، واعتبارها مصدر القوة والفخر.
وقد أبطل الإسلام اعتزاز البشر بالبشر أو بقومياتهم أو بأعراقهم أو بغير ذلك، وجعل الاعتزاز به وحده عزّ وجلّ. قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}(فاطر10)، وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} (النساء139)، وقال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (المنافقون8).
لذلك فإنّ المسلم لا يعتزّ إلاّ بالله، ولا يستمدّ القوة والغلبة والنصرة إلا منه. فالعزة بالله هي العزة الحقيقية الدائمة الباقية، والعزة بغيره مذلّة. والمسلم الذي أدرك قيمة الإسلام وتميّزه، ووعى على مصدر عزّته، فإنه يفتخر بالانتماء إليه، ويتشرف بذلك. فيعتزّ بهذا الدّين، وبعقيدته، وبنظامه، وبقيمه، وبنمط عيشه، ويفتخر بأنه جزء من الأمة الإسلامية. هذه الأمة التي قال فيها الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة143)، وقال فيها: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (آل عمران110).
وإذا كان هذا الدين الحقّ، دين الإسلام، هو مصدر عزتنا وكرامتنا وشرفنا وفخرنا وقوتنا، فقد وجب على المسلم أن يعتز به، ويباهي ويفاخر، ولا يخجل من الانتساب إليه، أو من الانتساب إلى الأمة التي حملته أمانة، وعليه أن يصدع بهذا الانتساب، ويجاهر بهذا الفخر، وأن يبيّن أحكامه كما أنزلت، ويصرّح بمفاهيمه كما جاءت. قال تعالى: {كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (الأعراف2)، وقال: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (هود12).
6. الهوية الوطنية التونسية
إن تونس، البلد الإسلامي العريق وبلد الزيتونة منارة العلم الشرعي، لا تتميّز إلا بإسلامها ولا تعتز بسواه. والشعب التونسي، شأنه شأن بقية الشعوب التي انصهرت في الإسلام ثقافة وحضارة، هو جزء من هذه الأمة الإسلامية التي يفتخر بالانتماء إليها.
وأما الدعوة إلى هوية وطنية تونسية فهي دعوة عصبية منتة؛ لأنّ الإسلام يحرّم الوطنية، فلا يقرّها ولا يعتبرها كمقوّم من مقومات الهوية. عن جندب بن عبدالله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »من قتل تحت راية عمية، يدعو عصبية، أو ينصر عصبية، فقتلة جاهلية » ( رواه مسلم). وعن جابر بن عبد الله قال: « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة. فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال دعوى الجاهلية؟ قالوا: يا رسول الله! كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال: دعوها. فإنها منتنة » ( رواه مسلم).
وأما العادات فليست بحاكمة على الإسلام، بل الإسلام هو الحاكم عليها، فإن أقرّها قبلت، وإن ردّها ردّت؛ لأن المقياس الذي حدّده النبي صلى الله عليه وسلم هو: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ » (رواه مسلم عن عائشة)، وليس من عمل عملا ليس عليه أمر أهل تونس فهو ردّ.
وعليه، فإنّ الهوية التي نتمسك بها ونتشرف بحملها هي الهوية الإسلامية لا غير، وإننا لندعو أهل تونس إلى نبذ الوطنية المنتنة، والتمسك بهويتهم الإسلامية والحفاظ عليها؛ فهي أغلى ما نمتلكه، وإذا فرطنا فيها وانسلخنا منها خسرنا في الدنيا والآخرة. قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} (الأعراف 175-176).
ليلة 27 رمضان 1427هـ
(*) رئيس تحرير مجلة « الزيتونة »
مسلمات أوروبا بين النقاب والحجاب والحشمة
هيثم مناع (*)
لم أشعر يوما بالتعاطف مع وزير الخارجية البريطاني السابق، وأقول بكل صدق إنني أشعر بهذا المسؤول وصوليا قادرا على تحطيم من يختلف معه في معارك ليست بالضرورة أخلاقية.
إلا أن الزوبعة التي خلقتها تصريحاته الأخيرة حول النقاب، وبغض النظر عن الانزعاج الذي يسببه له التحدث مع شخص لا يرى وجهه، تطرح إشكالية أساسية على ثلاثة أصعدة:
– احترام الهوية الفردية في الإسلام – مفهوم حقوق الأشخاص – تصورات المجتمع الأوروبي لقضية المرأة
خاصة أن هذه الملاحظة تأتي من مسؤول في بلد يمكن القول إنه الأكثر تفهما لحق الاختلاف الثقافي والديني في أوروبا في القوانين والممارسات.
ما يساعدنا على التحدث بأريحية أكبر هو أن الردود على هذه التصريحات لم تكن من جماعة مكونة ضد أخرى، فقد جاء النقد من بريطانيين غير مسلمين ومسلمين، وكذلك كان حال من يتفهمها.
فقد وصف رئيس القسم السياسي بحزب المحافظين أوليفر ليتوين هذه التصريحات بـ »المبدأ الخطير لإرشاد الناس في كيفية ملبسهم »، وانتقدها رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار، سايمون هيوز قائلاً إنها « غير حساسة ومفاجئة »، بل وصل تقدير المواقف بصحيفة الديلي تلغراف إلى القول: « بلير يترك سترو منعزلا في قضية النقاب ».
ما هو مؤسف في كل ما يجري، أنه مرة أخرى، يدور النقاش في حرية الملبس والحجاب والسفور خارج الجاليات الإسلامية وينحصر موقف هذه الجاليات في ردود الأفعال.
ومن المفهوم أن تتجنب جاليات مستهدفة في عقيدتها ودينها وثقافتها وهويتها أي نقاش نقدي حر في موضوع يكثف مفاهيم مركزية في الدين والعرف الاجتماعي كالحرام والعرض والفريضة، ولكن علينا أن نتذكر أن المسلمين برغم كل ما يتعرضون له يشكلون اليوم الجماعة البشرية الأكثر دينامكية وحضورا للنقد والمراجعة وطرح الأسئلة ورفض فكرة الإطلاق في ما يتعلق بقضايا الدنيا.
لكن مجادلات الحجاب والنقاب عند العرب والمسلمين تعود لأكثر من مائة عام، وقد جرت نقاشات غنية حوله عند قاسم أمين ومحمد عبده وفي أطروحة الدكتوراه التي أعدها منصور فهمي في السوربون عام 1912 وكان من نقاط قوتها « التاريخ الاجتماعي للحجاب » الذي ترجمناه للعربية قبل عشرين عاما. « ما الذي يجب ستره من البدن عن الأنظار صونا للأخلاق » يسأل الطاهر حداد رجال الدين.
نظيرة زين الدين (1908-1976) لا مارغريت تاتشر من يقول في آية الحجاب: « قرأت نحوا من عشر تفسيرات لا تنطبق رواية على رواية، كأني بكل واحد من الرواة يريد بما يروي أن يؤيد ما يرى، ولم أر رواية مستندة إلى دليل ما ».
عبد الرزاق السنهوري هو الذي استنبط من الإجماع وسيلة لقراءة التجديد في الشريعة حين كتب: « الإجماع في المرحلة الأولى كان شيئا يصدر عن غير قصد بل عن غير شعور، عادة ألفها الناس فصارت محترمة. أما في المرحلتين الأخيرتين، فهو يصدر عن شعور، وإن لم يصدر عن اتفاق مقصود.
فلو تطور الإجماع، في مراحله المنطقية، وجب أن يصل إلى مرحلة يصدر فيها عن هذا الاتفاق المقصود، ولا يكتفى فيه بالاتفاق العرضي، فيجمع المسلمون، أو نواب عنهم، ويستعرضون مسائلهم، ويقررون فيها أحكاما تتفق مع حضارة زمنهم، وهذه الأحكام تكون تشريعا.
وبذلك يكون الإجماع عنصر التجديد في الشريعة الإسلامية، يحتفظ لها بمرونتها ومقدرتها على التطور ».
الأستاذ جمال البنا سبق جاك سترو لتناول قضية الحجاب والنقاب والعزل ولكن باعتبارها دخيلة على المبادئ الإسلامية: « يمكن القول بدون مخالفة للوقائع أن المجتمع النسوي في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان مجتمعا محتشما، ولكنه لم يكن منقبا، وإن لم يخل من منقبات اعتبرن شذوذا عن الوضع العام ».
احترام الهوية الفردية في الإسلام: يمكن القول دون جرح مشاعر المتعصبين للعهد القديم، إن من التنقيحات الأساسية في القصص الديني اليهودي-المسيحي، القراءة الإسلامية القائمة على المساواة في قضايا الخطيئة الأولى والتكريم الإنساني وتفريد المسؤولية والخلق والطبيعة.
ففي القرآن الكريم تقع الخطيئة الأولى كما هو واضح في الآيات من 35 إلى 37 من سورة البقرة والآيات من 19 إلى 23 من سورة الأعراف على المرأة والرجل، بخلاف الأساطير الشرقية والعهد القديم الذي تضعها على المرأة وحدها.
التكريم في القرآن لكل بني آدم بغض النظر عن الجنس واللون والمعتقد، أما المسؤولية فيقع تفريدها حتى داخل البيت الصغير.
من هنا زرع الإسلام كل شروط مفهوم الشخص التنويري الغربي قبل ولادته بتسعة قرون، ولو أن المسلمين لأسباب اجتماعية-تاريخية وسياسية-دينية لم ينجحوا في إعطاء هذا المفهوم المتسامي حقه في الحياة اليومية للمسلمين.
لم يكن مبدأ الفصل والعزل بين الجنسين من مبادئ تنظيم العلاقة بين المرأة والرجل في عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، خاصة أن نشأة الدين قد انطبعت بكون أول من اعتنقه امرأة (خديجة بنت خويلد)، وأول من قضت نحبها تحت التعذيب من أجل الدين الجديد أيضا امرأة (سمية بنت عمار).
ومع الهجرة إلى يثرب (المدينة) عرف مسلمو مكة تقاليد أكثر ليبرالية فيها، إذ شاركت النساء في النضال السري والهجرة والعمل الحرفي وبعضهن كأم سليم في القتال وغيرهن آسيات (ممرضات) للمقاتلين.
وقد كن يتابعن أحكام القرآن بل وألفاظه، وقد استفسرت أم سلمة زوجها النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد آيات غاب ذكر النساء عنها: « فما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ ».
يمكن أن نستنبط من جملة الروايات الإسلامية الأولى أن النقطة المركزية في حبكة الحجاب لم تكن رهبنة الحياة العامة بقدر ما كانت في اعتبار اللباس أحد مقومات التمييز النسائي (التفاوت بين الحرة والأمة والمسلمة وغير المسلمة الخ)، وقد جمعت عشرات الروايات التي تتناقض مع مفهوم الخوف من الفتنة وضرورة الستر العام.
ويلاحظ من روايات الأربعين عاما الأولى من فجر الإسلام وجود خلاف في موقف الصحابة بين لين ومتشدد، مما يدل على تعددية في الرأي والمواقف.
إلا أن هذا العامل وإن ترك أثره دون شك، لم يكن الحاسم في قضية الحجر على النساء وتعميم الحجاب على كل المسلمات، فقد ترافق التوسع الإسلامي في المكان والزمان مع ضعضعة تركيب الأسرة العربية عبر الغزو المزدوج: حمل البشر والدين الفاتح لجغرافية الآخرين، وحمل الآخرين دما ولحما وثقافات إلى صميم البيت الإسلامي.
فقد صار في كل بيت عربي امرأة غير عربية من الإماء والسبايا على الأقل، وقد حاولت القبائل تدارك ما تستطيع عبر نظام الموالاة وتأميم النساء العربيات وعزلهن باسم الدين، الأمر الذي وسع نطاق منظومة العزل وغيب الهوية الشخصية للمرأة بتعميم النقاب على أوساط واسعة في المجتمع.
وكما ذكرنا فإن ما زرعه الإسلام من قفزة نوعية لمفهوم الحرية والمسؤولية والسلامة في النفس، وكرامة في الإنسانية ورفض الإكراه في الدين والمعتقد، تم استلهامه من قبل الإنسانيين الأوائل ومن اتهم بالرشدية في أوروبا، ممن زرع مفهوما جديدا وأصيلا لسلامة النفس والجسد تطور مع فكرة الشخص صاحب الحق الإيجابي العام، في مواجهة الحق السلبي (أي الحق الذي يناله الرجل على حساب المرأة والحر على حساب العبد والأبيض على حساب الأسود والأسمر).
هذا المفهوم هو الجد المباشر للشرعة الدولية لحقوق الإنسان التي حاولت استلهام هذه الإنجازات بروح مدنية، ولكنها لم تتمكن بعد من جعل الحق بالفعل مرجعا فوق القوة والقيم قوة فوق المصلحة المباشرة.
في هذا المعمعان، يأتي الحجاب اليوم في أوروبا كظاهرة مركبة ومعقدة من العبث تعميم التحليل حولها: فلكل حجاب قصته الخاصة، وإن كانت الجماعة تطمح باستمرار لتعميم قصتها ورؤيتها للموضوع، فليس بالإمكان إخفاء التمايزات النفسية والاجتماعية والسياسية داخل وخارج الأسرة والمجتمع.
إن دوافع وضع الحجاب تختلف اليوم باختلاف المكان ودور المرأة فيه، كذلك تختلف مؤشرات انتشار الحجاب بين بلد وآخر وحالة وأخرى.
ولا بد من التذكير بعبثية تناول الموضوع بالطريقة عينها حتى من وجهة النظر الدينية، بين بلد فيه أغلبية مسلمة وبلد الأغلبية فيه غير مسلمة، بالنسبة للفتيات والمراهقات وبالنسبة للبالغات، في المدرسة الابتدائية وفي الجامعة.
فأي نظرة أحادية للموضوع بالنسبة للحالات المذكورة أعلاه تعني طمس التثاقف بالثقافة العربية الإسلامية واختزال الثقافة في بعدها الديني واختزال الدين في شكله الأكثر انغلاقا، كما أنها قد تنجب تقاسم التسلط بين تطرف « علماني » وتزمت « إسلامي » ينكر كلاهما حق الآخر في الوجود (كما في السعودية أو تونس).
لقد نجحت المنظمات الحقوقية في كسب دعوى قضائية في مدينة كريتي الفرنسية تدين مؤسسة فصلت امرأة مسلمة بسبب حجابها وخسرت جمعيات عدة قضايا تتعلق بفتيات قاصرات.
وفي بلدان مثل هولندا حيث كان الحجاب مقبولا جاء النقاب ليخلق مشكلة اجتماعية وتعليمية تركت آثارها على الحجاب الشرعي، إذ هناك فارق بين طريقة الملبس وحق الاختيار فيه وتغييب الصورة الآدمية في مجتمع مشهدي فائق التفرد hyper individualiste يعتبر الوجه مقوما أساسيا من مقومات الهوية الشخصية.
صحيح، أن الحجاب يشكل القاسم الأعلى في التحليل النفسي لمبدأ عدم الاختراق في الجنس والهوية للفرد والجماعة، إلا أن هذه الآلية الأيديولوجية والاجتماعية تنعكس سلبا على الهوية نفسها عندما يغيب الفرد في النقاب تماما عن حقه الطبيعي في معالم وجه مختلف وليس فقط صوت يختلف أو جسد جسيم أو هزيل.
وهذه المشكلة إن لم تنل الوضوح نفسه في مجتمعات مازال تفريد النساء فيها ضعيفا فهي في المجتمعات الأوروبية نقطة علامة على حق مكتسب.
من هنا ضرورة الحكمة في التعامل مع ظاهرة النقاب حتى لا تخلق شرخا ورد فعل في صفوف الشابات المسلمات في الغرب اللاتي يتبعن مبدأ « يسروا ولا تعسروا »، ويعتبرن المبالغة في بعض المظاهر زيادة في القطيعة مع مجتمع أوروبي يعتبر ظاهرة الغيتو التاريخية واحدة من النقاط السوداء في تاريخه.
في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، منع الحجاب لا يختلف عن منع السفور، فكلاهما يشكل انتهاكا لحق المرأة في جسدها وحقها في طريقة التعامل معه دون أي ضغوط خارجية، ولا يوجد ما يمنع امرأة من النقاب.
إلا أن السؤال الجدي المطروح على المسلمات الأوروبيات هو: هل يمكن تطبيق نفس الأحكام والأوضاع في مدن تعز والرياض وأمستردام؟ هل يمكن اعتبار تغييب الهوية الفردية معتقدا إسلاميا أو هو التعبير الأفضل لتعريف الآخر بالإسلام؟
هل يمكن التعايش مع الآخر دون أن يقدم الآخر جزءا من ذاته ويقدم المواطن الجديد أيضا جزءا من هذه الذات لتلتقي المواطنة في حقل أرحب يعتبر أجمل ما عند الذات والآخر ميراثا إنسانيا مشتركا وليس تطرف الذات وعنصرية الآخر؟
ألم يحن الوقت الذي نستعيد فيه حكمة الأستاذ عصام العطار في فوضى وزخم تكون جيل جديد من المسلمات في أوروبا في صلب تكوينهن رفض إلزامية الحجاب أو النقاب ورفض إلزامية السفور.
« كيف نقبل الجمود، بل كيف يمكن الجمود في عالم تتجدد معلوماته ومعطياته ومطالبه ووسائله.. باستمرار لا بد لنا من التجدد الدائم، والإبداع المتواصل، والجهاد المضني في كل مجال..
وإلا فقدنا حياتنا ووجودنا الفاعل المؤثر، وأزاحنا الركب البشري عن طريقه، وقذف بنا إلى هامش الهامش، أو هوة التاريخ، فذهبنا جفاء كما يذهب الزبد وغثاء السيل، ومحينا من لوحة الحاضر والمستقبل، وتحولنا إلى ذكرى من ذكريات الماضي البعيد ».
(*) كاتب سوري
(المصدر: ركن المعرفة بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 19 أكتوبر 2006)
مشروع للإصلاح الجبائي يعمق الفوارق الاجتماعية
عبدالوهاب عمري
تستعد الحكومة لتقديم ما أطلقت عليه بعض الصحف » مشروع إصلاح المنظومة الجبائية » حتى يدخل حيز التطبيق مع مطلع السنة القادمة. و الأكيد أن الجباية بتونس في حاجة ماسة للمراجعة و الإصلاح باتجاه تبسيطها و توظيفها بشكل عادل و إيجاد الآليات القانونية التي تمكن الإدارة من التصدي للمتهربين و استخلاص الأداءات، إضافة إلى تفعيل دورها في إعادة توزيع الثروة بصورة تحد من الفوارق المشطة بين المواطنين.
فبعد أن وقع التفريط بالبيع في خيرة مؤسسات القطاع العام التي كانت تساهم في تمويل ميزانية الدولة، و بعد أن وقع التخلي التدريجي على نصف المداخيل المتأتية من الأداء الجمركي تقريبا، بالإضافة إلى نضوب الموارد النفطية التي لم تعد تغطي أكثر من ثلث الاستهلاك المحلي، أصبحت ميزانية الدولة تعتمد و بنسبة تتجاوز الـ85 % على الضرائب.( أكثر من ثلثيها ضرائب غير مباشرة أي تلك التي توظف على الاستهلاك أو الخدمات و التي تتضرر منها خاصة الطبقات الوسطى و الدنيا)
و تحتوي المنظومة الجبائية في تونس على:
1- الأداء على دخل الأشخاص الماديين IRPP : ويحسب بالتناسب مع دخل الفرد و تتراوح قيمته بين 0 و 35 % من قيمة ذلك الدخل. و يساهم هذا الأداء بما نسبته 18 % من مجموع الضرائب.
2- الأداء على الشركات IS: و نسبته العامة 35 % تستثنى من ذلك شركات الصيد البحري و الفلاحية و الصناعات التقليدية التي تدفع 10 % فقط. و يساهم هذا الأداء بـ 10.1 % في مجموع الضرائب.
و تمثل هاتان الضريبتان أهم الضرائب المباشرة و التي يتحمل الأجراء وطئتها إذ يساهمون بما نسبته 45.6 % من مجموعها.
3- الأداء على القيمة المضافة TVA : و هي ضريبة يتحملها المستهلك و يدفعها عند تمتعه بخدمة أو اقتنائه لبضاعة و تطبق حسب أربعة نسب هي:
– 18 % كنسبة عامة
– 6 % و تخص المواد الأولية و منتجات الصناعة التقليدية وصناعة الأدوية و المصبرات والأسمدة و الأنشطة الطبية …
– 10 % و توظف على الخدمات الفندقية و المطاعم و خدمات و تجهيزات الإعلامية و التجهيزات الغير مصنعة محليا وسيارات أربعة خيول ….
– 29 % و تهم بعض البنود المتعلقة خاصة بالسلع الكمالية كالمشروبات الكحولية و الفرو والحرير و بعض الغلال …..
و يساهم الأداء على القيمة المضافة بما نسبته 31.1 % من مجموع الضرائب.
4- الأداء على الاستهلاك DC : و توظف هذه الضريبة خاصة على المشروبات الكحولية و الخمور و الجعة و السجائر و الوقود و السيارات السياحية. و تتراوح نسبته بين الـ 25 و 683 %. أما مساهمته في مجموع الضرائب فهي 16.5 %.
5- مجموعة أخرى من الضرائب و الرسوم تخص الجمارك و التسجيل و عقود التأمين و الطابع الجبائي …
أما الإصلاح الذي تنوي الحكومة القيام به فيتمثل إجمالا في :
1- التخفيض في نسبة الأداء على الشركات : بحيث تصبح نسبة هذا الأداء 30 % عوضا عن الـ35 و ذلك باستثناء الشركات العاملة في قطاعات المحروقات و الاتصالات و المالية.
2- تبسيط الأداء على القيمة المضافة : و ذلك بحصره ضمن ثلاثة أصناف عوضا عن الأربعة السابقة، فوقع التخلي عن نسبة الـ29 % ( الصنف الرابع) و إلحاق جل بنوده بالصنف الأول أي 18 %. ( 10 بنود وظّف عليها أداء على الاستهلاك بـ10 %).كما وقع تحسين وتخفيف شروط استرجاع الشركات لفائض الأداء على القيمة المضافة.
3- توسيع نوع المؤسسات الخاضعة للجباية : حيث سيفرض ابتداء من 1/1/2008 أداء مخفض نسبته 10 % على دخل و أرباح الشركات العاملة كليا أو جزئيا في ميدان التصدير.
4- الترفيع في نسبة الأداء على القيمة المضافة ( الصنف الثالث) من 10 إلى 12 % .
فهل عالج هذا الإصلاح الوضع المختل الذي تمثل فيه الضرائب المباشرة ما نسبته 68.5 % من مجموع الضرائب؟ و هل حدّ و لو بجزء بسيط من التوسّع المطرد للهوة بين فئة متخمة و أخرى تجهد نفسها لتوفير الأدنى اليومي؟ لا بل هل أن هذا الإصلاح قادر على تحقيق ما تقول الحكومة أنها ترمي إليه وهو تشجيع المؤسسات على العمل و الاستثمار؟
إن نظرة سريعة في بنود هذا الإصلاح تبين أنه زاد في حدة الاختلال بين الضرائب المباشرة و الضرائب الغير مباشرة حيث خفّض الأداء على الشركات ( ضريبة مباشرة ) مقدما بذلك خدمة لرأس المال على حساب قوة العمل التي ستتحمل عبء الترفيع في الأداءات على الاستهلاك و القيمة المضافة لضمان توازن ميزانية الدولة (على أقل تقدير) و تدفع ثمن عجز السلطة على مقاومة التهرب الضريبي و جمع الجباية. كما أن هذا الإصلاح لم يعالج مسألة العدل بين دافعي الضرائب إذ أن إقرار ضريبة مخفضة على صنف من المؤسسات التي كانت معفية من ذلك لا يمكن أن يخفي الحيف البيّن الذي لا يزال قائما بين هذه الشركات و تلك التي تدفع الـ30 % أو بينهما و بين الشركات المتهربة أو تلك التي تتمتع بالإعفاء الجبائي.
أما عن تشجيع المؤسسات على العمل و الاستثمار من خلال التخفيض في الضرائب الموظفة على رأس المال فهو و إن لاح صائبا على المستوى النظري حيث أن المعادلة: « ضرائب منخفضة = ادخار أكبر= استثمار أكثر » تبدو مقبولة فإنها تخفي خللا عند المساواة الثانية ذلك أن الادخار الكبير لا يؤدي بالضرورة إلى الاستثمار إذ يتفق كل المطّلعين على هذا الشأن بما في ذلك خبراء صندوق النقد الدولي المتواجدين في تونس بموجب البند الرابع من قانون هذه المنظمة على أن نمو الاستثمار الخاص يتطلب إلى جانب ذلك وجود مناخ أعمال سليم مرتكزا على قطاع بنكي قوي و إطار قانوني غير معقد، ثابت و شفّاف وهي عوامل لا يمكن الإدعاء بوجودها في تونس اليوم. و أن رأس المال الوحيد الذي يمكن أن تجلبه الضرائب المنخفضة هو رأس المال المضارب و الذي لا يتجاوز الاستثمار القصير المدى.
و أما إلغاء نسبة الـ29 % من ضريبة القيمة المضافة و تحويل بنودها إلى 18 % فقط فقد ذكرني بحادثة تروى عن السيدة ماري أنطوانيت التي تناهى إلى مسمعها أصوات مظاهرة شعبية فتساءلت عن سببها فقيل لها أن الشعب جائع و لم يجد خبزا يأكله فأجابت بعفويتها: » فليأكلوا المرطبات ». كذلك فإن هذا التخفيض كأنه يقول لـ » الشعب الكريم » : البسوا الحرير و الفرو و كلوا الكفيار و المنقة و الكوي و الأفوكا … لان تلك هي السلع و أشباهها المعنية بهذا التخفيض.
قابس في 19/10/2006
و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين
الرسالة 147 على موقع تونس نيوز موقع الحرية و الديمقراطية
ثقافة الخوف السائدة و ثقافة الرأي الواحد و الإرهاب الفكري لمن يخالف أو يبدي برأي آخرالحلقة الثانية
أواصل الحديث و الكتابة حول ثقافة الخوف المعششة في الأدمغة و ثقافة الإرهاب المسلط على الراي الحر المخالف و قد اشرت في الحلقة الأولى إلى بعض النقاط و العينات الحيّة حول مظاهر الخوف و الوهم و الوسوسة الملازمة للإنسان نتيجة شبح خيالي ووهمي أو نتيجة بعض الممارسات و الحالات… و نتيجة ذلك اصبح المجتمع كله ينظر لحرية الرأي و التعبير سواء في منابر الحوار داخل الأحزاب و المنظمات و الجمعيات أو في الصحف المكتوبة بأنه شبح مخيف و ملاحق لصاحبه …و عندما يتجرأ مواطن وطني ديمقراطي يؤمن بحرية الكلمة و حرية الرأي و صراحة القول المفيد تتهاطل عليه الأسئلة من طرف أصدقائه الأوفياء ملحين في سؤالهم هل عدت إلى الدار لباس و هل مقالك لم يجلب إليك مضايقات أو إحراج بأي شكل من الأشكال … و أحيانا يقولون إليك ربي يستر يا سي فلان …فالمقال فيه شجاعة و صراحة .. و أنت تعرف الصراحة محدودة و هامش الحرية الإعلامية محدود للغاية .. و مقالك فيه جرأة و شجاعة كبيرة و حقائق هامة حق أنها صراحة معقولة وواقعية و لكنّ الظروف غير مناسبة لذلك و الجو غير ملائم و حرارة الطقس و العوامل و الفكر السائد عكس ذلك و بعضهم من الأحباء الأوفياء يلحّ عليك في عدم مواصلة الكتابة خوفا و شفقا و حبا إليك … و بعضهم يحبذ مقالتك و لكن ينصحك بالحذر الشديد خوفا عليك و بعضهم يشدّ على يديك و يطلب لك التوفيق و النجاح في مساعيك الرامية إلى أرساء الحوار الديمقراطي و حرية التعبير الهادف و لا بد من المبادرة و التضحية من أجل حرية الكلمة و الإصداع بالحقيقة و هذا الصنف هم الاقرب إلى فهم العوامل لمواصلة لإبلاغ كلمة الحق و الإصداع بالرأي الحر…
و إني أشكر جميع الأخوة و اقدّر مشاعرهم نحوي و نحو كل من يصدع بالكلمة الصريحة و اعبر لهم أنّ النهج الذي سرت عليه سوف أواصله بصدق ووفاء و غايتي و هدفي الإصلاح و المساهمة في مسيرة بلادي و تطويرها بالكلمة الهادفة و الرأي الحر النزيه و بصدق مدافعا عن القيم و الثوابت و المبادىء الخالدة كاشفا للتجاوزات و نقاط الضعف موضحا لكل الإشكالات بوضوح منبها للتجاوزات الفردية و إستغلال النفوذ و التصرفات المضرّة بالمجتمع و شارحا كل ما هو منافي للاخلاق و القيم
الخوف له مبررات في السابق
هناك من الصحافيين من اجتهد و كتب مقالات جريئة نوعا ما لكن لم ترق لبعضهم و حصلت مآخذ و لوم و مسائلة و عتاب على صاحب القلم ثم تطورت الأمور إلى حدّ مغادرة الصحفي الدار … و هناك مبادرات أخرى فشلت و اصحابها و جدوا صعوبات أكتفي بهذا القدر من الوصف و قد اثرت هذه المسألة عام 1997 في لجنة الإعلام و الثقافة لإعداد لوائح مؤتمر الامتياز للتجمع الدستوري الديمقراطي و شرحت ضعف دور الإعلام و فتور المبادرات و الرقابة الذاتية على الصحافيين و الكبت الإعلامي و عدم تطوير الإعلام لكن حديثك يا هذا … و اليوم تقلصت المبادرات و ضعف دور الإعلام على ما كان عليه في السبعينات و حتى أوساط الثمانينات و حتى الصحافة الحزبية التابعة للحزب الحاكم كان لها دور هام و الذي يريد أن يرجع إلى صحف الحزب عام 1975 و خاصة عام 1977 يدرك الحوارات الواسعة و حرية الراي و حرية الصحافة و المواضيع التي تطرق بحرية حتى في مؤتمرات الشعب الدستورية و هناك حوارات ساخنة في المؤتمرات نشرتها جريدة العمل لسان الحزب الحاكم و ملاحظات هامة لبعض المسؤولين في إطار حرية الراي و لفت النظر للمصلحة العامة و أحيانا تقصير من طرف بلدية أو إدارة جهوية تتحرك الاقلام و تكتب بحرية
صحافة المعارضة كانت هي الأخرى لها دور هام
و أتذكر صحيفتي الرأي و المستقبل و بعض الصحافيين وقتها يكتبون و ينتقدون سياسة الحكومة و الحزب الحاكم و بعض الكتابات محرجة للغاية و في الصفحة الأولى بحروف غليظة بارزة و منهم من اصبح اليوم في قمة هياكل التجمع و الدولة و السفارة و لكن كتبوا بحرية في السنوات السمان للإعلام و حرية الصحافة و كنا في الحزب نطالع مقالاتهم و نقتني صحافتهم و احيانا نرد عليها بالحجة و البرهان دون ثلب أو شتم أو إفتراآت و بأسلوب عقلاني رصين و بدون تطوع أقلام من اجل الشتم و الرجم بالغيب أو الجدل العقيم باسلوب اللغة الخشنة التي أصبحت اليوم سائدة في بعض الصحف مع الاسف و قد كان هناك حدّ أدنى من المستوى و التخاطب بلغة الحوار الوطني الرفيع وبأخلاق عالية و لو بعضهم تجرأ للمسّ من المناضلين و مصداقية الحزب الحاكم آنذاك هكذا كانت حرية الإعلام و دور الصحافة.
و كنا نرفض و جود جريدة بالمكشوف و دور صاحبها و أنا شخصيا كتبت ضدّ أسلوب في الشتم و الثلب و تخالفت معه مرارا ووصلت الخلافات ذروتها.
لأني أؤمن بالحوار و المقارعة بالحجة و البرهان
نلح مستقبلا أن يتشجع كل مسؤول و يؤدي الامانة كاملة دون خوف ووهم و خاصة المسؤولين فالمسؤول في القاعدة الشعبية ينبغي أن يبلغ للمسؤول المحلي بصدق مشاغل المواطنين و ينقلها بأمانة و صدق و ان يبلغ هذا المسؤول بأمانة و صدق للمسؤول الأولى على الصعيد الجهوي و هذا بدوره ينبغي أن يبلغ هذه المشاغل بوفاء و صدق و حسب الوقائع بصدق ووضوح لرئيسه على الصعيد المركزي و هذا الأخير من واجبه و دوره ان يرفع إلى أعلى هرم الدولة كل المشاغل بدون إنتفاء خوفا أو حذر أو عسى أو ربما … كل هذه القواميس يجب حذفها أمام الأمانة التي حملها الإنسان قال الله تعالى إنّ عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا صدق الله العظيم
و انطلاق من هذه السلسلة المرتبطة من القاعدة الشعبية إلى المسؤولية الوطنية التي إذا بلغت بأمانة دون خوف أو حسابات أو طرح 80 بالمائة من المشاغل لأنها ربما تعكس الواقع و تغضب المسؤول الثاني و الثالث و الرابع و الخامس… و كل واحد يكيف الأمور حسب هواه و ما يراه صالحا للبقاء اكثر على كرسي الحكم.. فبالتالي تتراكم التذمرات و التجاوزات و لم تعالج في إبانها و قبل إستفحالها و هذا نتيجة الخوف و المجاملة وخلي هذا الملف و أتركه لأنه شائك و معالجته تثير بعض المشاكل و الحساسيات و ربما تضجع المسؤول و يقع نقلته أو إعفائه و كل شىء يصبح يقرأ له الف حساب…
المسؤولية أمانة و أخلاق أو لا تكون
فالمسؤول الذي وضع فيه الثقة المسؤول الرمز يجب عليه أن يكون حريصا على آداء الأمانة لرئيسه بصدق و لا يخفى عليه أي أمر و لا يخفي عليه أي ملاحظة أو شاردة وواردة يعلمه بكل شىء و بكل رسالة و لا يجتهد في إبلاغ رسالة و إخفاء مائة رسالة و لا يحقر رسالة مواطن من جرجيس أو أخرى من الحنشة أو ثالثة من زغوان أو رابعة من قعفور أو خامسة من الجريصة او سادسة من تطاوين أو سابعة من مارث فكل رسالة أصحابها يعلقون عليها اهمية لتصل إلى أعلى الهرم و الرمز و هذا ما جعل المواطن في جومين أو هبيرة أو الروحية و فوسانة يهرول للكتابة إلى أعلى المستويات بعد ان وجد الابواب الأخرى موصودة..و الإعلام لم يقم بدوره و يخشى حتى من نشر رسالة مفتوحة لرئيس الدولة من طرف المواطن الذي يتحمل المسؤولية هذا هو الخوف الحقيقي ليس الخوف الآخر المعروف في السابق عند المواطنين … و الخوف و الوهم الذي تحدثت عنه في الرسالة الأولى و قلت 95 بالمائة هو و هم ووسوسة
وجهت 13 رسالة مفتوحة لرئيس الدولة عبر الانترنات من 26 ديسمبر 2005 إلى يوم 18 أكتوبر الجاري 2006
فهل وصلت لرمز البلاد و هل إطلع على فحواها و مضمونها أم تلك الرسائل في الرفوف … أم ماذا … أخيرا إضطررت إلى وضعها في كتاب مع حوالي 32 مقال آخر من المقالات التي نشرتها بموقع الانترنات منذ غرة جوان 2006 إلى 11 اكتوبر 2006 عسى ان يظفر هذا الكتاب بالقبول و يصل إلى صاحب القرار والقول الفصل … و نرجو أن لا يقع إضفاء الكتاب الذي بعثته يوم 14 أكتوبر 2006 على طريق البريد المضمون و الوصل سأحتفظ به للتاريخ … كما احتفظ بعديد الوصول الأخرى .. و من باب الوفاء كنت من سنة 1992 إلى 1999 وجهت 13 رسالة إلى رئيس الدولة ظفرت منها 7 رسائل بالإجابة و الإنجاز و التنفيذ لفائدة جهتي و رسالتين وقعت إحالتها على مصالح وزراة التربية وقع الصمت عنهما … و رسالتين أحيلتا على الولاية بصفاقس فوقع الصمت وعدم الاستجابة لايصال الماء لبقية مواطني الحجارة بالحنشة 87 عائلة لحدّ الآن بدون ماء مع العلم أنّ المنطقة وقع تزويدها بالماء عام 2000 بفضل عناية رئيس الدولة عندما كانت الرسائل تصل إليه … بامانة و كان الأستاذ محمد جغام الوزير مدير الديوان الرئاسي يحرص على إبلاغ الرسائل لصاحب القرار بأخلاق و أمانة و صدق و دون خوف أو حسابات و كانت فترة هامة و الحقوق وصلت إلى أصحابها
و كذلك السيد محمد الجري الذي يعمل هو الآخر على إبلاغ مشاغل الناس … و اليوم 13 رسالة ذات أهمية كبرى لا مثيل لهذا في الصراحة لم يقع الإجابة عنها أو الإطلاع عليها وقد تعودنا سابقا من إنجاز العديد من الرسائل كما اسلفت.. إذا الخوف ايضا معشعش ليس في الأواسط الشعبية بل في مستويات أخرى بعضها من كان بقوة و يدعو للحرية و الديمقراطية عام 1977 … قال الله تعالى : إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم صدق الله العظيم .
ملاحظة هامة : نرجو فتح ملفات تلفزية حرة يشارك فيها كل الفآت و الطاقات الحية و الاحزاب و المنظمات و المناضلين الاحرار من أجل دعم حرية الراي دون مكياج أو تسجيل مسبق من طرف عماد قطاطة أو مقاطعة من المنشط الذي ذكرته و كفانا مسرحيات و الطير يغني و جناحه يرد عليه لكن الشعب واعي و فايق و ناضج و ليس بشعب ابله. هذا مع الملاحظ أن الشعب التونسي مل من البرامج الغنائية و العراء و الرقص في التلفزة التي تمول من أموال الشعب والشعب ليس راض على هذه البرامج.
خاطرة لغريب في يوم العيد
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لقد سمعت أن قد هلّ علينا العيد، فهل أنت العيد يا عيد ؟ فإن كنت أنت فلِمَ لا أجد في النفس نشوة ولا في القلب فرحة بك يا عيد ؟ لقد سمعت في أسلافنا يا عيد أنهم يستقبلونك بفرحة يقرنونها باسمك ، فيسمونها » فرحة العيد » وتهلل لقدومك المساجد وتكبر من فوقها المآذن. وتحتفي بك الأهالي، وتزغرد لك النساء، وتركض في روضتك الصبيان، فرحا بقدومك يا عيد. فمالي لا أرى اليوم كل هذا، ولا أجد بهجة العيد. فهل أنت حقا العيد ؟ بالله عليك أخبرني فأنا الغريب الذي لا يجد من يفهم سؤاله غيرك أو من كان مثلي في الديار غريب. فهل أنت حقا العيد ؟ إنني كلما سألت هذا السؤال سخروا مني، وقالوا تعسا لك إن لم تتذوق مثلنا طعم العيد. فإن كنت أنت العيد فلِمَ لا أجد مثلهم طعما لك يا عيد ؟ إنني مستغرب لحالك أيها العيد. فعساك أن تجيب لأني لم أجد لسؤالي من مجيب. فهل تجيب يا عيد هل تجيب ؟ . الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، فهل من مجيب ؟
كف عن النداء يا غريب. » صرخة أطلقها العيد » ثم قال : بل أنا الغريب يا غريب، مستغربا لحالي بينكم يا عبيد، فقد أرسلني ربي لأزف إليكم بشراي، فأنا العيد، وطويت السماوات طيا لأصبّحكم بصباح العيد. فقد أخبرني أسلافي أن نِعمَ الصباح عندكم صباح العيد. فلما حللت بدياركم, فوجئت بحالكم واستغربت لأمركم. إذ وجدتكم على اختلاف شديد، يا للأمر العجيب. كيف ذلك وبشير قدومي إليكم هلال واحد يا عبيد. فلِمَ هذا الإختلاف يا غريب؟ وما زادني في أمركم دهشة وحيرة، أني وجدتكم أوطانا ورايات لا تبشر بوحدتكم، ولا بتماسك بلادكم. فتساءلت أوَ لست في قوم يتلون آية ربهم:{ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} أم أني مخطئ وغير مصيب ؟ وفزعت لما سمعت صدى أصوات الرعب تدوي في سمائكم، فيا للهول، ما هذه القنابل التي تدك دياركم دكا يا غريب؟. وصدمت أيضا لهول ما رأيت، إذ رأيت أشلاء تطفو فوق سيل من الدماء، فظننتها أشلاء قرابينكم ودماء هديكم تسوقونها في يوم بركم إلى ربكم، فإذا بها دمائكم وأشلائكم، يا للأمر الرهيب. ثم رأيت ما رأيت، رأيت العجب العجاب. رأيتكم تتربعون على الخيرات ولا تقتاتون إلا الفتات، ورأيت بينكم قوما عراة حفاة يتباهون بالمباني والقصور الفارهات. ورأيت فيكم أمرا فظيعا أغضبني، رأيت سفورا ومجونا وزندقة وعربدة في كل ركن من البلاد، ورأيت أناسا منغمسين في المحرمات. وصعقت يا غريب لما علمت أن عهد الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد ولى مع تولي راية العقاب. وأنكم صرتم تحكِّمون شرعة غير التي أنزلها عليكم ربكم في الكتاب. فاخبرني يا غريب بأي دار حللت، فإن دار الإسلام قد توارت عني بالحجاب. إني أكاد أصعق وأفقد الصواب!!!. أوَ بعد هذا كله تسألني إن كنت أنا العيد، وأنتم الذين خلعتم عني بهجتي وحلتي فما عدت ذاك العيد. فاخبرني ما الذي جرى يا غريب؟. فأنا الذي أسأل من أنتم؟ وعليك أن تجيب. فإني أخاف إن رجعت إلى ربي، وسألني عنكم، بأي جواب سأجيب، فهل لك من رد أيها الغريب ؟. الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، فهل تجيب ؟
صدقت يا عيد، فإن حيرتك لا تختلف عن حيرتي ولا حيرة الغرباء. فدعني إذا أخبرك بما جرى، ما دمت قد ألزمتني بالرد والجواب.
إنه كان فيما مضى قبل أن أخرج إلى هذه الحياة، جمع من الأشقياء، اشتركوا مع الكفار، في التآمر على مصيرنا والقضاء على وحدتنا، فهدموا خلافتنا ومزقوا وحدتنا، وكسروا شوكتنا. فكانت تلك أولى مصائبنا وأعظم كوارثنا، التي فرخت فينا البؤس والشقاء. وسمعت أيضا أن مصيبة أخرى تلتها وكارثة ثانية صاحبتها بأرض بيت المقدس، وهاهي في قبضة شرار الخلق، وأحفاد القردة، قتلة الرسل والأنبياء. وسمعت فيما سمعت أن الخونة والعملاء قد اجتمعوا يومها في المحافل والنوادي يشربون نبيذ الذل والهوان على نخب القوميات والأوطان. فها أنك ترانا ممزقين ومسجونين داخل رقع سيّجوها بالأسلاك وزرعوها بالألغام. وسمعت أنهم وقّعوا للعلوج عقود تمليك واستحقاقات، فصارت خيراتنا ملك أيديهم وعدنا نستجدي منهم الفتات. وسمعت أنهم أحدثوا جعجعة باسم التغيير والإصلاح، قضوا بها على شريعة الإسلام وطبقوا علينا الكفر البواح. وسمعت أن طوابير جيوش الرعب والإرهاب قد تفرقت ساعتها في البلاد، لتدق رايات العار وإرث الإستعمار فوق الدوائر والمؤسسات، وتعيد نصب الأوثان، ثم تصيح في الأهالي، أن هؤلاء ملوككم ورؤسائكم فاركعوا لهم يا موالي. وسمعت أن المدافع التي كانت تحرس ديارنا من فوق الأسوار, قد تحولت فوهاتها نحو قلب البلاد لرصد حركة العباد، استعدادا للقمع والإضطهاد.
وها أنا اليوم يا عيد لازلت على قيد الحياة، أسمع وأرى، وأذرف دمع الأسى. فقد رأيت المشانق التي رفعت في الساحات، وقد تدلت منها هامات قيل عنها إنها كانت تسعى في الأرض بالفساد. ورأيت السجون قد نبتت في كل محلة وفي أعماق الصحاري، لتبتلع الأحزاب والجماعات. ورأيت الطغاة يتفننون في الفتك بالأشراف والأبرار، ويطلقون العنان للفُسّاد والأشرار. ورأيت أن الكفار لم يشفهم كل ذلك فشنوا علينا الغارات بالليل والنهار. وحولوا خضرة أرضنا، وزرقة سمائنا إلى سواد ودخان ولهيب من النيران. ورأيتهم يجرفون ويهدمون بيوت عامرة، فإذا بها تنقلب إلى خراب ودمار. ورأيت الحرائر يلطمن وجوههن ويستغثن فلا معتصم يلبي النداء ولا خليفة يحفظ الأعراض. ورأيت الأطفال المساكين يركضون هرعا وفزعا، بحثا عن الأهل والأباء بين الأحياء والأموات. ورأيت رجالا قد قضوا نحبهم كمدا وكدرا من القهر والإستبداد. ورأيت وسمعت يا عيد ما يعجز اللسان عن وصفه، والقلم عن خطه.
أما حال الناس يا عيد وما أدراك ما حالهم، فقد زادني هما على هم، وغما على غم. فالسواد الأعظم منهم غير واع ولا مبال. وقد صدق عليهم تصنيف سيدنا علي – رضي الله عنه – لما قال،: » الناس ثلاث: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل صائح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق،… ». فكأني بهم يا عيد قد ماتت قلوبهم، وعميت أبصارهم. فاستمرؤا حياة الرق والاستعباد. كلما استنهضناهم وناديناهم، أن يا عباد الرحمن، يا أبناء خير أمة أخرجت للناس، يا أحفاد المعتصم والرشيد، أوَ ليست العزة لنا، ونحن أصحاب المنهج العتيد. فمالكم ركنتم للطواغيت واستسلمتم لهم كالعبيد. فهلموا إلى طريق العز وإلى نَجدٍ مجيد,{أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُل رَشِيد}.؟ رد علينا ذووا الفكر العنيد : يا أيها الرهط إنّا لا نفقه قولكم، ولا نصحكم نريد. أوَ تدعوننا لننتكس على أعقابنا، وندندن مثلكم على ماضي أحقابنا. أوَ تريدون منا أن نختزل كل هذه الدول في دولة واحدة في عصر العولمة وزمن التجديد؟ إن هذا لنشاز ورأي غير سديد.
هذه قصتنا يا عيد، فنحن في زمن عاد الناطق فيه بالحق غريب. فحالنا يا عيد لا يخفى عن القريب ولا البعيد. وها أنني أستحضر قول الإمام أحمد بن عاصم الأنطاكي، حينما وصف زمانه فقال : » إني أدركت من الأزمنة زماناً عاد فيه الإسلام غريباً كما بدأ، وعاد وصفُ الحق فيه غريباً كما بدأ، إن ترغب فيه إلى عالم وجدته مفتوناً بحب الدنيا، يُحب التعظيم والرئاسة، وإن ترغب فيه إلى عابد وجدته جاهلاً في عبادته مخدوعاً صريعاً غدره إبليس، وقد صعد به إلى أعلى درجة من العبادة وهو جاهل بأدناها فكيف له بأعلاها؟ وسائر ذلك من الرعاع، همج عوج وذئاب مختلسة، وسباع ضارية وثعالب ضوار ». لله درك يا إمام فلو أدركت زماننا فبماذا ستصف للعيد حالنا؟.
آواه، آواه يا عيد، فكيف تحلو لي أيامك وأتغنى فيها بأغانيك، وحال أمتي كما وصفته لك حال رهيب. فإن كان غيري لا يعبأ بقولي، وليس في قلبه هم كهمي، ولا في نفسه كدر ككدري، وهو بك سعيد، فإني أقول له :
أمــا أنــــا لا عيـد لــــــي إلا إذا أبصرت وجه الليـل في إشراق ورأيت حكم الله يجمع شملنــــــا لا حـــكم ذي نسب ولا أعـراق ورأيت أَنَّا فــي العقيدة إخــــــوة لا فــــــــي العروبــة نبع شقاق ورأيت سيف الحق يرتقب العِدا لا المصلحين إذا دعـــوا لوفاق فهنا أُسَرُّ بعيدكم وأصوغ مـــــا يحلـــــو لكـــم من خاطر دفاق أو فارقبوا مني قوافـيَ ثائـــــرٍ قد لا يقيـكم من لظاهـــا واقي
فالله أكبر، الله أكبر، على من بدل حياتنا إلى حزن مستمر، وحوّل أعيادنا إلى مآتم نبكي فيها بالنهار والسَحَرْ. الله أكبر الله أكبر، على كل طاغية قد تجبّر وكفر، وعلى كل ظالم متكبر قد استبدّ وقهر. الله أكبر، الله أكبر، على كل خائن وغادر وكذّاب أَشِرٌ، وعلى كل كافر شرس قد استعمر ديارنا وعبث بنا ونخر.
خالد إبراهيم العمراوي
بسم الله الرحمن الرحيم (خيركم من طال عمره وحسن عمله)حديث شريف
حول وفاة الشيخ إبراهيم العموشي
الشيخ إبراهيم العموشي والد أخينا حافظ اللاجئ السياسي بالنمساـ توفي في سن يناهز 95 سنة، كانت حياته حافلة بالعمل الصالح حيث أنه كان إماما لمسجد الفال بالمدينة العتيقة بتونس العاصمة، وكان معروفا بالتقوى والورع وحبه للفعل الخير والثبات على المبدأ، ولقد إبتلاه الله بفراق نجله الوحيد ـ حافظ ـ الذي إضطرته السلطة الغاشمة في تونس على المغادرة البلاد واللجوء إلى البلاد النمساوية التي منحته اللجوء السياسي على الفور وذلك للأضرار البدنية التي كانت بادية على جسده وخاصة الساقين اللتين كانت شبه مشلولتين من التعذيب . ودع حافظ أباه قائلا: » أبي أنا مسافر لفترة قصيرة ثمّ أعود » محاولاالتخفيف عن أبيه الشيخ، غير أن الشيخ إبراهيم قد رد عليه بكل صبر وثبات » سافر يا حافظ في حفظ الله أنا أعرف كل شيئ » ولقد غادر الشيخ إبراهيم منذ الصباح الباكر ذلك اليوم حتى لا يرى إبنه الوحيد وهو يغادر البلاد إلى أجل لا يعلمه إلاّ الله، وتوفي الشيخ إبراهيم ولم يرى إبنه الوحيد مرة ثانية. ولقد كانت وفاة الشيخ في يوم الجمعة27 رمضان 1427 الموافق 20أكتوبر2006 بعد صلاة الصبح مباشرة، ولقد كان الشيخ إبراهيم يصلي التراويح في المسجد إلى غاية يوم الأحد 15 اكتوبر 2006 . ولقد بلغ أخانا حافظ بعد وفاة أبيه أن كل من دخل بيت الفقيد قد يلاحظ تفشي رائحة زكية في كامل أرجاء البيت! نسأل الله أن تكون علامة من القبول عند الله. نسأل الله أن يتقبل الفقيد قبولا حسنا وأن يسكنه فراديس جنانه إنه ولي ذلك والقادر عليه وـن يرزق أهله جميل الصبر والسلوان. أجرى الحوار الأستاذ لطفي المجدوب
الأمين العام للإتحاد الدولي للصحافيين في زيارة إلى « الطريق الجديد »:
سوء أوضاعنا لاينبغي أن يحجب نضالنا في سبيل الحريات والديمقراطية
محمد معالي
أدى السيد إيدن وايت الأمين العام للإتحاد الدولي للصحافيين (فيج) زيارة إلى جريدتنا صبيحة يوم الخميس 14 سبتمبر 2006. واندرجت زيارة السيد وايت إلى « الطريق الجديد » في إطار مسعى منظمته للإطلاع عن كثب على أوضاع الصحافة والصحافيين في بلادنا. وقد استمرت مهمة هذا الوفد، الذي تشكل من ثلاثة مسؤولين من مكتب « الفيج »، ثلاثة أيام أجرى خلالها اتصالات بالسلطات التونسية وجمعية الصحافيين التونسيين ومجموعة من مؤسسي نقابة الصحافيين التونسيين وقيادة الإتحاد العام التونسي للشغل وزار جريدتنا حيث التقى بمحمد حرمل، مديرها المسؤول، وحاتم الشعبوني وعادل الشاوش ومحمد معالي مسؤولي هيئة تحريرها.
وقد اجتهد مسؤولو جريدتنا من أجل إعطاء السيد وايت صورة أقرب ما تكون إلى الموضوعية حول وضح الصحافة ، سلبا وإيجابا، وممارسة حرية التعبير في بلادنا، منذ نحو ربع قرن، وهي الفتة التي عرف فيها إعلامنا التونسي تطورا لا بأس به، خاصة خلال الثمانينات وحتى بداية التسعينات من القرن المنقضي. وقد كان لصحيفتنا « الطريق الجديد »، دورها ضمن كوكبة من الصحافة المعارضة والمستقلة، في الدفاع عن قيم حرية الرأي والتعبير والانتظام والتعددية الفكرية والسياسية والممارسة الديمقراطية. ولكن ما تحقق من مكاسب على امتداد سنوات، في هذا المجال ، ما لبث أن تبدد فتقهقر الإعلام واختفت العديد من المنابر الإعلامية المعارضة والمستقلة تاركة مكانها لصحافة تجارية رخيصة في وضع اتسم بالانغلاق السياسي.
إن مساوئ وضعنا الحالي لا ينبغي أن تحجب مساعينا ومساعي غيرنا من أجل الدفاع عن الحقوق الإنسانية للمواطن التونسي والنضال من أجل إرساء الحريات العامة والفردية وهذا في حد ذاته ليس بالأمر الهين. وقد جاءت زيارة وفد « الفيج » إلى تونس لتؤكد أن الصحافيين التونسيين والوضع الصحفي في بلادنا كانا ولا يزالان يحظيان بمكانة خاصة لديها، سلبا وإيجابا. وقد كان لجمعية الصحافيين التونسيين، رغم صغر حجمها وتواضع إمكاناتها المادية، دور بارز على امتداد سنوات، خلال الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، في صلب « الفيج »، ولم يكن ذلك ليكون ممكنا لولا التعددية الحقيقية التي كانت تعيشها الجمعية.
لقد كانت الخلافات في الرؤى والتصورات والميول السياسية والقناعات الفكرية التي تشق الصحافيين المنتمين إلى الجمعية آنذاك عنصر إثراء للحياة داخلها ولم تكن حائلا دون سيادة حياة ديمقراطية داخلها. ولكن الوضع ما لبث أن تغير منذ أن فرض لون واحد وتوجه واحد هيمنته الكاملة على هذه الجمعية فأخذ الصحافيون الرافضون لتبعيتها للسلطة يفقدون الأمل في إصلاحها من الداخل مما حدا بهم إلى الانسحاب منها والتفكير في حلول بديلة. ولكن الانغلاق السياسي الذي طبع سياسة السلطة إزاء كل من يرفض التبعية لها جعل من المتعذر بعث أي تنظيم مهني أو جمعياتي مستقل يجمع شتات الصحافيين، كل الصحافيين، في صلبه، مهما اختلفت مشاربهم الفكرية وتنوعت طروحاتهم وتناقضت مواقفهم وانتماءاتهم السياسية. وكان هذا هو السبب الذي جعل نقابة الصحافيين التونسيين، التي بعثها نحو مائة وخمسين صحفيا، تصطدم بتصلب السلطة التي منعتها من عقد مؤتمرها التأسيسي وضيق عليها الخناق إلى حد جعلها تفقد القدرة على انجاز أي عمل ذا بال في المجال الذي بُعثت من أجله، أي العمل النقابي. وما لبث الحصار أن فعل فعله… ودخلت النقابة في أزمتها.
وأمام تخلي جمعية الصحافيين عن دورها، وتبعيتها الواضحة للسلطة، اتخذت « الفيج » قرار تجميد عضويتها. ولم يكن هذا القرار انتقاما بل انه جاء في سياق محاولات استمرت على امتداد سنوات من أجل الدفع بالجمعية لتكون بالفعل إطارا جامعا لشتات الصحفيين التونسيين ولكي تكون ممثلا لهم إزاء السلطة لا ممثلا للسلطة إزاءهم. وقد سعت « الفيج »، حسب تصريحات مسؤوليها، إلى تشجيع الجمعية على إصلاح نفسها لكي تعود لتبوؤ مكانها في هذه المنظمة الدولية. وينبغي الإشارة هنا إلى أن هذه المساعي ما زالت متواصلة ولكن التكهن من الآن بأن القرار الذي ستتخذه « الفيج »، عقب هذه الزيارة التي أداها وفدها إلى تونس، سوف يكون رفع قرار التجميد ليس له في الوقت الحالي ما يسنده، ذلك أن شيئا لم يتغير في مواقف الجمعية ولا في ممارساتها. ويكفي هنا أن نشير إلى قضية الحواسيب المحمولة التي تصرفت فيها الجمعية إزاء الصحافيين بعقلية لا تختلف في شيء عن تصرف أية شعبة دستورية ريفية. فعلى غرار الشعب الدستورية، التي تجعل الإنخراط فيها شرطا لتلقي الفلاحين الفقراء في ريفنا العلف لحيواناتهم في سنوات الجفاف، جعلت الجمعية من الاشتراك فيها شرطا لاقتناء أي صحفي الحاسوب المحمول، الذي صرح رئيس الدولة أنه بإمكان الصحفيين الحصول عليه بثمن مدعم من أجل مساعدة الصحفي التونسي، الذي يتقاضى أجورا أدنى من زملائه في البلدان الشبيهة بنا، على تطوير أدائه المهني.
———–
*نشر هذا النص بجريدة « الطريق الجديد » (العدد53 – اكتوبر 2006 ) في إطار ملف حول الوضع الصحفي في تونسن تحت عنوان: « وجهات نظر في الواقع الصحفي ماذا يشغل الصحافيين التونسيين؟ » وقدمت الجريدة لهذا الملف بالفقرة التالية:
أدى وفد من « الفيج » (الاتحاد الدولي للصحفيين) يقوده ايدن وايت الأمين العام زيارة الى تونس بهدف الاطلاع ميدانيا على اوضاع حرية التعبير في بلادنا وعلى اوضاع الصحفيين وخاصة منها الجانب المتعلق بتمثيليتهم على الصعيد الدولي. ومن المعلوم أنه سبق للفيج أن جمدت عضوية جمعية الصحفيين التونسيين في هذه المنظمة الدولية، وقد كانت هذه المسألة من أهم محاور اللقاءات المتعددة التي أجراها ايدين وايت مع جميع الاطراف لإيجاد حل ينطلق من معاينة موضوعية وذات مصداقية ويندرج في خدمة مصالح الصحفيين ويساهم في الارتقاء بحرية التعبير عموما والحريات الصحفية بصفة خاصة.
تونس: 2.4 مليار دولار عجزا في الميزان التجارى في 9 أشهر
تونس – قنا : سجل عجز الميزان التجارى لتونس خلال الشهور التسعة الاولى من العام الحالى تطورا بنسبة 15،30% مقارنة مع نفس الفترة من عام 2005، اذ بلغ حجمه الاجمالى التجارى ما قيمته 3 مليارات و286 مليون دينار تونسى نحو2 مليار و455 مليون دولار امريكى مقابل 2 مليار دينار و6،524 مليون دينار. ومنتج هذا العجر وفق ما جاء فى تقرير صادر عن المعهد التونسى للاحصاء عن تطور تكلفة الواردات بنسبة اعلى من تطور عائدات الصادرات اذ كانت 2،16% مقابل 7،12%. فقد ارتفعت تكلفة الواردات من 12 مليارا و4،510 مليون دينار الى 14 مليارا و4،536 مليون دينار فيما ارتفعت عائدات الصادرات من 9 مليارات و8،985 مليون دينار الى ما قيمته 11 مليارا و250 مليون دينار. وأشار التقرير الى ان نسبة تغطية عائدات الصادرات لتكلفة الواردات بلغت خلال الشهور التسعة الاولى من هذا العام 4،77% مقابل 8،79% خلال نفس الفترة من العام الماضى مسجلة تراجعا بـ 4،2 نقطة. من جهة اخرى ذكر التقرير ان مؤشر اسعارالاستهلاك العائلى سجل خلال شهر سبتمبر الماضى ارتفاعا بنسبة 3،0% بالمقارنة مع شهر اغسطس الذى سبقه، وذلك نتيجة ارتفاع اسعار مجموعة التغذية بنسبة 6،0%.
(المصدر: صحيفة الشرق القطرية بتاريخ 23 أكتوبر 2006)
مصادر اقتصادية : الاقتصاد التونسي يحقق بنهاية العام نموا 3ر 5 بالمائة
تونس : رجحت مصادر اقتصادية رسمية تونسية ان يحقق الاقتصاد التونسي حتى نهاية العام الحالى نموا بنسبة 3ر 5 بالمائة، وعزت ذلك الى تحسن استهلاك الاسر وانتعاشة الاستثمار واستقرار نسق ارتفاع الاسعار في معدل 9ر4 .
وافادت احصاءات حديثة لوزارة التنمية والتعاون التونسية بان التضخم في الاشهر التسعة الاولى من السنة الحالية قدر بـ 7ر4 بالمائة .
وامام هذا التضخم المرتفع نسبيا بادر البنك المركزي التونسي نهاية شهر سبتمبر الماضي الى رفع نسبة الفائدة الرئيسية من 5 بالمائة الى 5 ر5 .
وقد سجلت الاستثمارات الاجنبية المباشرة فى تونس ارتفعا خلال الاشهر التسعة الاولى من هذه السنة لتصل الى 8ر 692 مليون دينار .. حوالى / 9ر 520 مليون دولار / مقابل 3ر 637 مليون دينار أي / 1 ر 479 مليون دولار / خلال الفترة ذاتها من السنة الماضية أي بنسبة 7 ر 8 بالمائة .
واشارت الى ان قطاعي الطاقة والسياحة سجلا اكبر ارتفاع في الاستثمارات بنسب قدرت على التوالي بـ 5 ر39 بالمائة و بـ 37 بالمائة .
(المصدر: موقع محيط بتاريخ 23 أكتوبر 2006)
صفقة تسلح ليبية ضخمة … ضد من؟
رشيد خشانة
قطعت فرنسا وليبيا شوطا كبيرا في التوقيع على سلسلة من الصفقات الرامية لشراء طائرات عسكرية ومدنية وخافرات سواحل وأجهزة رادار في تطور يعيد العلاقات إلى شهر العسل الذي سبق تسلم الرئيس الإشتراكي الراحل فرانسوا ميتران الحكم في السنة 1981. وأفادت صحيفة « لاتريبون » الفرنسية أن باريس وصلت إلى مرحلة متقدمة في المفاوضات مع ليبيا على صفقة لتحديث 30 طائرة حربية من طراز ميراج أف1 كانت اشترتها منها قبل فرض حظر على تصدير الأسلحة إليها. وأضافت أن شركتي « أستراك » و »داسو للطيران » تتوليان متابعة المفاوضات الفنية التي ستحدد سعر كلفة التحديث والتي تراوح بين 10 و20 مليون يورو لكل طائرة بحسب مستوى التجديد الذي سيطلبه الجانب الليبي. وتتميز هذه الفئة من الطائرات بكونها مجهزة بصواريخ جو جو من طراز « ماجيك ».
ولم تقتصر خطة التحديث العسكرية الليبية على القوات الجوية وإنما شملت الدفاعات البحرية أيضا، إذ قالت المصادر إن ليبيا وقعت بالأحرف الأولى في جويلية الماضي على صفقة مع شركتي « تيليس » (Thales) و »المنشآت الميكانيكية » في مقاطعة نورماندي لبناء ست خافرات سواحل مجهزة بالصوايخ الفرنسية – الإيطالية « أوتومات » بقيمة 400 مليون يورو، فيما توصلت مجموعة « إيدس » إلى اتفاق مع مؤسسة « ليبيا أفريكا بورتوفوليو » لإقامة مركز للتدريب والصيانة في مجال الطيران الحربي.
ويسعى الفرنسيون للحصول على حصة رئيسية من المشاريع العسكرية الكبيرة التي تخطط لها ليبيا للمرحلة المقبلة والتي قدروا موازنتها الإجمالية بنحو 20 مليار دولار. وأعطت الحكومة الفرنسية التي تأمل الحصول على حصة لا تقل عن عشرين في المئة من الصفقات العسكرية الليبية، موافقتها على بيع طائرات جديدة من طرازي « رافال » و »تيغر » لليبيا، لكنها اشترطت أن تمر الصفقات من خلال اللجان الوزارية المشتركة المكلفة « بدرس تصدير العتاد الحربي ». ويعتبر الفرنسيون أنهم تأخروا في قطف ثمار المتغيرات المتمثلة في رفع الحظر على تصدير السلاح على ليبيا منذ سنتين، وهم يعملون لكسب الوقت الضائع من خلال التركيز على السوق الليبية، وفي هذا السياق ستشارك المجموعات الفرنسية المتخصصة بالتصنيع الحربي في الدورة المقبلة لمعرض طرابلس الدولي حيث سيُعرض للمرة الأولى نموذج من طائرة « رافال » المُطورة. وتطرح هذه التطورات عدة أسئلة عن البرنامج العسكري الليبي فبعد المصالحة التاريخية مع الولايات المتحدة والتقارب مع فرنسا وإيطاليا لم يعد لليبيا أعداء تتحوط منهم ببرنامج عسكري من هذا الحجم، خصوصا حين يكون أحد أعداء الأمس هو الذي يبيع تلك الأسلحة الحديثة، فضد من ستوجه هذه الترسانة الكبيرة إذا؟
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة الموقف الأسبوعية، العدد 378 بتاريخ 20 أكتوبر 2006)
نساء عرب يناقشن وضع المرأة في العالم العربي ..في واشنطن
تقرير واشنطن – هشام سلام
نظم معهد آميركان أنتربريز www.aei.org المعروف بتوجهاته المحافظة وقربة من إدارة الرئيس جورج بوش، هذا الشهر مؤتمرا عن وضع المرأة في العالم العربي. وشهد المؤتمر مشاركة من عدة نساء عربيات من المجال الإعلامي والثقافي والأكاديمي والحكومي. ونقدم هنا نظرة سريعة على أهم الآراء التي طرحت في تلك المناقشة.
كاتبة سورية: الشريعة تبرر للرجال ما نعتبره إجراما في مجتمعنا الحديث
شكت وفاء سلطان (كاتبة أمريكية-سورية) في الخطاب الرئيس للمؤتمر، من وضع المرأة في العالم العربي، مشيرة إلى عدة موقف حديثة تدل على الحالة المتدنية التي تمر بها المرأة العربية ومنهم « جرائم الشرف » في الأراضي الفلسطينية، وسوء معاملة المرأة بالمملكة العربية السعودية وتدني أوضاع الخادمات الأجنبيات بقطر. وألقت سلطان باللوم للوضع السيئ للمرأة بالمجتمعات العربية كما تراها على ما وصفته « بالثقافة والتقاليد المبنية على التطرف الديني »، مضيفة أن معظم الدول العربية محكومة « بالشريعة الإسلامية التي تعطي الذكر كامل الصلاحيات للتحكم في شئون الإناث داخل العائلة. » وتقول وفاء سلطان « إن الشريعة تبرر وتشرع للرجال المسلمين نفس الأعمال المسيئة التي تعتبر إجراما في مجتمعاتنا الحديث. » وذكرت الكاتبة السورية-الأمريكية أن « المجتمعات الشرق أوسطية » تقنع الرجال منذ صباهم أنهم خير من النساء وأنهم يستحقون معاملة أفضل مما يؤدي إلى ظلم الرجل لأخته أو أمه أو زوجته في الكبر.
ودعت سلطان « العالم الحر لوضع تحرير المرأة كأولوية أساسية. » وأشارت لأن تحرير المرأة يجب أن يكون جزءا كبيرا من الحرب ضد الإرهاب وضد المجتمعات التي تولد الإرهاب. وقالت أن على الولايات المتحدة أن تضغط على حلفائها في المنطقة للحفاظ على حقوق المرأة ولدعم المساواة بين الرجل والمرأة. « دولة مثل السعودية يجب أن تكون على وعي أنها لن تستطيع أن تكون أحد حلفاء الولايات المتحدة في حين تعاني نساؤها من انتهاكات لحقوق الإنسان في حياتهم اليومية. » وذكرت أيضا أن « العالم الحر يجب أن يرفض أن يشارك أية دولة تطبق إسلام القرن السابع على نسائها. »
نشطة ليبية: كيفية التعامل مع العنف الاجتماعي ضد المرأة
ومن ناحيتها طرحت سوسن حنيش، مديرة الجمعية الليبية للتنمية الاجتماعية، بعض التوصيات العامة لمكافحة العنف الاجتماعي ضد المرأة في مختلف الدول. وكان أهم ما نادت به هو أن يتم تبني تشريعات حكومية، ومن خلال دعم استقلالية القضاء. وحثت حنيش على أهمية مشاركة الهيئات الدينية في تلك الجهود من خلال إدانة العنف الاجتماعي ضد المرأة. كما تحدثت عن دور الإعلام في تغيير نظرة المجتمع إلى المرأة من مجرد وجه جميل إلى إنسان كامل. وأوصت حنيش بتسليط الضوء على ظاهرة العنف ضد النساء في المناهج التعليمية لنشر التوعية عن تلك المشكلة الخطيرة.
أستاذة تونسية: يجب على المرأة المسلمة أن تشارك في الحوار الديني
وركزت آمال القرامي، أستاذة بقسم الدراسات العربية بجامعة منوبة التونسية، على الحركة النسائية الإسلامية في العالم العربي، إشارة إلى جهود العديد من النساء في المجتمع العربي لإعادة النظر في تفسيرات آيات القرآن الكريم المعنية بحقوق المرأة ودورها في الحياة الاجتماعية اليومية.
وقالت القرامي أن تلك الحركة صعدت في فترة حرجة بالنسبة للمرأة المسلمة حيث أن ازدهار قطاعات الإعلام والاتصالات أعطى الخطاب الإسلامي المحافظ فرصة لنشر أفكار معادية لحقوق المرأة وكرامتها.
وقالت القرامي إن الأمل الوحيد لتحقيق حرية المرأة في مجتمع شديد التأثر بالإسلام هو المشاركة في المناقشات الدينية لحسم الخلافات حول حقوق المرأة في الإسلام لصالحها. وذكرت أن الحركة النسائية الإسلامية تواجه معضلات كبيرة في المجتمعات الإسلامية حيث أن التيارات والمؤسسات الإسلامية التقليدية لا تعترف بشرعية الأفكار التي تطرحها العديد من المفكرات والكاتبات عن أهمية تغيير المفاهيم القديمة عن المعايير الإسلامية لدور المرأة في المجتمع.
ورغم ذلك دعت القرامي المرأة المسلمة لاتخاذ دور أكبر في المناظرات الإسلامية الفكرية بهدف تعديل نظرة المجتمع للمفاهيم الدينية المتعلقة بشئونها، حيث أن الحركة الإسلامية النسائية لازالت في حاجة إلى نمو فكري وتوسع سياسي.
إعلامية مصرية: 1952 قيدت المرأة المصرية
أما الإعلامية المصرية رشا شكر فألقت كلمة ركزت فيها على الحركة النسائية في المجتمع المصري منذ نهاية القرن التاسع عشر، مشيرة إلى أن الحركة النسائية في مصر تختلف كثيرا عن الحركات الداعمة لحقوق النساء في الدول الأخرى في العالم العربي. وقالت شكر إن مصر شهدت جهودا بارزة لتحرير المرأة المصرية من القيود الاجتماعية والسياسية خلال النصف الأول من القرن العشرين وإن المرأة المصرية لعبت دورا هائلا في المناظرات السياسية التي حدثت في مصر في إطار مواجهة الاستعمار والتدخلات الخارجية. ولكن نجاح الحركة النسائية توقف مع بداية ما وصفته بـ « الانقلاب العسكري » عام 1952 الذي قيد الحياة السياسية المصرية ومعها جهود المرأة المصرية للسعي وراء دور اكبر في المجتمع. وأضافت شكر (التي عملت بالماضي للإذاعة المصرية) أن النظام الجديد في مصر بعد 1952 جاء بدور جديد لشيوخ جامعة الأزهر الذين أصبحوا بعد ذلك « مسئولين عن الإسلام » وعن تحديد المشروع والمحرم بالنسبة للمرأة مما قيد من مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية. وأضافت شكر أنه « لو أعطت مصر الفرصة للنمو سياسيا واجتماعيا في بداية القرن العشرين بدون التقطع الذي حدث في النصف الأخير من القرن الماضي، لكانت هناك رئيسة وزراء ورئيسة جمهورية لمصر. » وأنهت شكر كلمتها بقولها أن العديد من المصريين يتفقون معها في الرأي فيما ذكرته.
ناشطة لبنانية: القانون اللبناني لا يحمي المرأة من العنف
كما شهد المؤتمر مشاركة ميريل شدياق، ناشطة في حركة حقوق المرأة بلبنان وشقيقة مي شدياق مذيعة قناة LBC التي أصيبت بجروح خطيرة العام الماضي أثر تعرض سيارتها لتفجير ارهابي بلبنان. وأعربت شدياق عن استيائها من وضع المرأة بلبنان، مشيرة إلى « أن النساء اللبنانيات يعانين من العنف المنزلي والاعتداءات الجنسية وأشكال أخرى من التمييز. » وأضافت شدياق وهي مدرسة اقتصاد، أن القانون اللبناني لا يحمي المرأة من العنف.
كما أشارت إلى أن القانون اللبناني يمارس التمييز ضد المرأة في تعامله مع جرائم الشرف، مضيفة أن الرجال يتحكمون في الكثير من الأحيان في شئون المرأة مما يقيد من حرياتها. وطرحت شدياق طريقتين لتصليح وضع المرأة اللبنانية وهما تعديل النظام التعليمي لينشر الوعي عن قضايا المرأة والمشاكل التي تواجهها، خصوصا في الأقاليم، ومناقشة تلك القضايا في وسائل الإعلام حتى تتغير نظرة المجتمع للحقوق النسائية.
كما أشادت شدياق بالإنجازات التي حققتها المرأة اللبنانية عبر السنوات الماضية، مسلطة الضوء على العدد الهائل من النساء المسجلات بالجامعات المرموقة مثل جامعة سان جوزيف حيث يتجاوز عدد السيدات الرجال في كلية الطب. وأشارت إلى أن الهيئة التشريعية اللبنانية تتضمن ستة سيدات.
لقــاء فكـري حـول كتــاب أنطــوان صفيــر:
«تـــونـــس أرض المفــــارقــــات»
8 باحثين من تونس وفرنسا ولبنان يحلّلون الجدليّة بين التنمية والديموقراطية من خلال التجربة التونسية
** لا يحق لأحد اليوم في فرنسا أو غيرها إعطاء دروس في الديموقراطية
كثيرة هي السهرات الثقافية الرمضانية في تونس وضواحيها بعضها حقق نجاحا ملحوظا في استقطاب المستفيدين وفي اثارة القضايا الثقافية والفكرية وتحريك المناقشات الواسعة، منها هذه السهرة التي نظمتها المجلة الاليكترونية التونسية «أفكار أونلاين» يوم الجمعة الماضي بمناسبة صدور كتاب في باريس لا يمكن ان يمر بشكل عابر، وهو بعنوان «تونس أرض المفارقات» يدخل في باب الفكر السياسي، ألفه الاستاذ الباحث «أنطوان صفير» وهو لبناني فرنسي ومن اشهر المفكرين والسياسيين العرب المقيمين بفرنسا لمساهماته العديدة والمنتظمة في الاعلام المرئي والمسوع، ولاهمية مؤلفاته التي تناول فيها مسائل مختلفة عن العرب والمسلمين تشغل بال الرأي العام العالمي، وايضا لادارته الناجحة لـ«كراسات الشرق» ولاشعاعه العلمي في جامعة السربون.
ولان المجلة الاليكترونية «أفكار أون لاين» منبر جاد يحاول ان يلبي العديد من التطلعات في الوسط الثقافي التونسي وتحسين العلاقة بين المثقفين والفضاء العمومي والانفتاح الدائم على المحيط الاقليمي والدولي واثارة اهم القضايا حول تونس الجديدة التي تعيش تحولات عميقة على جميع المستويات تشد الاهتمام، فانها لم تشأ ان يكون اللقاء متمثلا في دعوة «انطوان صفير» للاستماع اليه بل دعت له عددا من الباحثين الجامعيين والاعلاميين البارزين من فرنسا وتونس كلهم من اصحاب المؤلفات الفكرية والفلسفية والبحوث الادبية، بعضها يحمل دعوة صريحة او مستبطنة لحوار بين الحضارات والشعوب والاديان.
وهم من تونس الاساتذة محمد محجوب، ومحمد كمال قحة ومنصور مهني وخالد قدور، ومن فرنسا الاساتذة بوذياب خطار وهو لبناني مقيم في فرنسا منذ سنوات عديدة، وهو بار كوتيري وهو اعلامي شهير، ومدير عام «تيليغرام براست» وروزايين فابر، الصحفية المعروفة في فرنسا 3.
وقد تولت الاستاذة خيرة الشيباني رئيسة تحرير «افكار اون لاين» تقديم الحاضرين في هذا اللقاء وتقديم الكتاب المحتفى به فكريا، كما قدمت نبذة اعلامية عن هذه المجلة الاليكترونية التي يتابعها على الانترنت عدد من الباحثين والاعلاميين والمثقفين عموما من عدة جهات في العالم.
وكانت الاستاذة خيرة الشيباني تتحدث في كل ذلك بايجاز يكاد يكون برقيا، وهو ما جعل بقية الاساتذة المذكورين ملتزمين بالايجاز وعدم التكرار واعادة ما قيل، فلقد تحدث كل باحث منهم عن جانب معين من الكتاب المحتفي به بداية من استعراض المحتوى، مرورا بمميزاته الفكرية ومنهجيته العلمية وصولا الى ابراز بعض النواقص فيه، وانتهى اللقاء الذي كان ممتعا بحديث الاستاذ انطوان صفير الى الجمهور من وحي المداخلات المتنوعة التي استمع اليها.
ومن البدء نقول بأن كتاب «تونس ارض المفارقات» هو شهادة اخرى لفائدة التجربة التونسية في العشرين سنة الاخيرة بقيادة الرئيس بن علي دون القطع مع ماضيها القريب والبعيد، وهي شهادة تأتي بعد اشهر قليلة من الشهادة التي روجتها «دافوس» التي وضعت تونس في المرتبة الاولى في درجة التنمية عربيا وافريقيا ثم ان مؤسسة «واكا» ـ العلاقات الامريكية العالمية ـ قد نشرت تقريرها السنوي مشيرة الى ان تونس بلد عصري وتقدمي وهو نموذج لما يمكن ان يتحقق في العالم العربي والاسلامي.
الاستاذ صفير الذي يعرف البلدان العربية جيدا بحكم تفرغة منذ سنوات لدراساتها وتتبع مشاغلها لاحظ ان تونس هي فعلا نموذج متميز في تحقيق التنمية والسير بحذر على طريق الديمقراطية. فاقر العزم وهو اللبناني المرتبط روحيا بتونس في تاريخها الطويل، وفي تجربته السياسية الحديثة ان يدرس هذه التجربة بعمق، وتحول الى تونس من فرنسا عدة مرات ولم يمكث في عاصمتها اثناء الدراسة الا بضعة ساعات فلقد تحول داخل الجمهورية ملاحظا، ومتتبعا مع الاستماع الى المواطنين من كل الفئات ثم عكف في الاشهر الاخيرة على تأليف هذا الكتاب الذي يحتوي على معلومات مؤرخة في بدايات 2006 مما يؤكد ان الكتاب «ساخن».. بالمفهوم الصحفي رغم انه يتعمد على منهج بحث علمي بعيد عن الاجواء الصحفية التي تتطلب سرعة الانجاز، والحقيقة ان الاستاذ صفير الذي يجمع بين صفته العلمية كباحث وصفته الاعلامية كمدير مجلة وكمشارك منتظم في الندوات والمناقشات التي تنظمها الاذاعات والتلفزات الفرنسية قادر على ان يحافظ على صفته كباحث دون التخلص من رائحته الصحفية التي تؤمن بالانجاز الساخن والطرافة في التحرير.
الاستاذ منصور مهني الذي تولى تقديم الكتاب بشكل سريع يقول بانه عنوان «تونس ارض المفارقات» قد استوقفه واثاره وجعله يتساءل الى اين يريد انطوان صفير ان يصل بهذا العنوان المثير والطريف في ان معا وقد اعترف منصور مهنى انه لم يقرأ هذا الكتاب محايدا وقال بانه لا يمكنه ان يكون محايدا امام مثل هذا التأليف الذي يخص تونس الجديدة ببحث حجاجي، فهو يجيب على عدة اسئلة استنبطها من الجدلية بين التنمية والديموقراطية في تونس: جدلية نشطها بعمق الرئيس بن علي الذي ارتكزت سياسته على 3 قيم هي الوطنية والانسانية والاصلاح، واعتمدت على نموذج تنموي خاص هو التحرير التدريجي للاقتصاد والتشجيع المتواصل على الخوصصة وتقليص دور الدولة اكثر فأكثر، وعملت لتحقيق كل ذلك على خلق مناخ توافقي بين الدولة والنقابات والقطاع الخاص».
والواضح ان الاستاذ صفير في كتابه يرد بشكل لا مداراة فيه على بعض الجهات السياسية الفرنسية التي مازالت تحمل رؤى «يسراوية» والتي تخصصت في وصف تونس بالديكتاتورية وضرب حقوق الانسان واضعاف الحريات خاصة منها في المجال الاعلامي.. وهو في رده لا يستعمل نفس الاساليب في الاحكام المتسرعة او ترديد شعارات لم يعد لها مجال العيش في هذا العصر المتغير والمتحول على الدوام. بل استعمل طريقة حجاجية فلا يقدر رأيا الا بعد ان يحلله ولا يقدم حكما الا بعد ان يدعمه بالحجج والبيانات.
فهو يقول باننا عند الحديث عن تونس لا يجب ان ننسى انها بلد عربي مسلم، حاصل عل استقلاله منذ 50 سنة، وهو بلد ينتمي الى العالم الثالث وينتمي الى افريقيا. يعني ذلك ان له خصوصياته ولا يمكن للاوروبي مثلا ان يفرض رؤيته الدغمائية على هذا البلد في مجال التنمية، فقد ابتكر طريقته.. نجح في التنمية وتونس تسير بخطى ثابتة الى الامام وفق خطة مدروسة تعرف الى اين ستصل سنة 2016 مثلا.
ولان الكتاب مثير فان الاساتذة الذين تحدثوا عنه لم يكونوا متسرعين في قراءاتهم المختلفة، بل حاولوا هم ايضا ان يكونوا مثيرين للجدل، فالاستاذ فتحي التريكي كان فيلسوفا في مقاربته حول التنمية والديموقراطية وقد ألقى الكثير من الاسئلة من التجربة التونسية ومن المنهج الذي اتبعه صاحب الكتاب للاشادة بهذه التنمية مع طرح اسئلة مثيرة ودقيقة من مثل هل يمكن ان نفصل بين التنمية والديموقراطية وهو يلتقي في سؤال كبير مع خيرة الشيباني: ما هي المحددات او الحتميات الحضارية التي تجعل النسق الديموقراطي يتباطأ.
وطبعا يمكن ان نجد الجواب في كتاب صفير الذي يطرح هو الاخر الاسئلة نفسها ويعمل على تحليلها بشكل حجاجي وتبريري، وهو يتحرك في كل ذلك من حب كبير لتونس فهو لبناني كان يتمنى ان يرى لبنان تبني تنميتها وتؤسس دولة قوية قادرة على توحيد كامل الاطياف اللبنانية، ولكنه انتهى الى الرأي الذي اقتنع به هو غياب الدولة وغياب التنمية المتوازنة وقد لاحظ ان تونس التي تشبه لبنان في الكثير من الوجوه مع التاريخ المشترك قد نجحت في بناء دولة عصرية وقوية، وتنمية متوازنة مع التدرج في بناء الديموقراطية.
الاستاذ محمد كمال قحة وكأنه يقول بأن سوء الفهم الموجود في الغرب تجاهنا نحن العرب ناتج عن غياب منظومة فكرية تنطلق من توضيح المفاهيم وتوضيح المصطلحات السياسية والفكرية والدينية والفلسفية ولبناء تفاهم بين ظفتي البحر الابيض المتوسط ولاقامة حوار جدي وثري يؤدي الى نتائج حضارية متميزة لصالح الانسانية جمعاء لابد من ارساء منظومة مفهومية.
والاستاذ كمال قحة في نطاق هذه الرؤية المفهومية التي انطلق منها يعتقد ان كتاب انطوان صفير قادر على ازاحة الكثير من سوء الفهم خاصة فيما يتعلق بجدلية النمية والديموقراطية التي يعتبرها عملية لا يجب ان تكون مفروضة داخليا او خارجيا بل هي نابعة من فهم عميق للوضع الاقتصادي والاجتماعي لهذا البلد او ذاك.. يعني انه يؤمن بالخصوصيات وبعدم وجود دروس مقحمة وقد اشاد الاستاذ كمال قحة بأهمية الكتاب وبقيمته العلمية التي تعتمد على التحليل، ولكن ايضا تعتمد على الصدق والاخلاص للمنهج الذي اتبعه، وقد اكد بذلك انه لا يهتم بتونس فقط بل ايضا يعتبر ان التحديات التي تنتظر تونس في المستقبل القريب والبعيد تعني كل بلدان العالم، تعني الانسانية بأسرها.
المفارقة، اين هي؟
الاستاذ الباحث محمد المحجوب يقول بأن كتاب انطوان صفير يقوم على موقعين من المفارقة
1) موقع يسلم به وهو الموقع الداخلي (أ) تونس ارض المفارقات تجمع بين عناصر النجاح وقلة الموارد بالقياس الى جيرانها مثلا، (ب) طول الشوط التنموي المقطوع وقصر المدة الزمنية التي يمكن ان تحاسبك عليها الامم (ج) تونس الصغيرة تمكنت من التموقع بنماذج التطوير الاقتصادي والاجتماعي والاصلاحي (د) تونس يؤهلها التاريخ الحديث والمحيط الذي تدور فيه الى ان تكون بلد الانفعال ولكنها اختارات التعقل والعمل (هـ) تونس التي كانت قبل اقل من 20 سنة على حافة الكارثة اصبحت افضل الدول العربية الافريقية في درجة التنمية.
(2) الموقع الثاني الذي يقوم عليه الكتاب هو انه يرمي الى الاجابة على اسئلة تتجنى يوميا على تونس والقائلة بغياب الديموقراطية فيها وبانتهاجها لسياسة الاستبداد. وفي جواب الكتاب نجد ان صفير يرى ان بناء الديموقراطية يستلزم كامل الصرح الذي تقوم عليه الدولة.
ويقول محمد محجوب بأن الكتاب يتضمن معلومات ليست جديدة احيانا ومعروفة في الواقع ولكنها جاءت في نسق حجاجي، وقال يمكن ان نأخذ من هذا الكتاب هذا الرأي الذي يلزمني هو ان خطاب الموالاة يجب ان يتحول من منطق الترديد الى منطق الحجاج.
ويرى محمد محجوب ان الاتهامات التي تواجه تونس تقوم على تناقض صارخ ان ليس فيها نظرا لما تقوم به الدولة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. وما يصلح للغرب لا يصلح للتجربة التونسية.
.. وأين الاستشراف
الاستاذ خالد قدور توقف عند الجانب الذي لم يتناوله الباحث انطوان صفير في كتابه وهو الجانب الاستشرافي وقال بأن الانجازات التي تعرض لها الاستاذ صفير لها علاقة وطيدة بالاستشراف الذي هو منهج عصري للتدبير السياسي الرشيد في الحكم انه الاستشراف الاستراتيجي. وقال بأن صفير لم يتوقف عند المخططات بعيدة المدى الاستشرافية التي وضعها الرئيس بن علي وكان يمكن التطرق الى جمهورية الغد والبرامج الانتخابية والمخططات الاستراتيجية.. ويصل الباحث خالد قدور الى ان تونس تعتمد على الربط بين التنمية والحكم الرشيد.
لا دروس من أحد
انطوان صفير، وهوبار كوتيريي وروزاليز فابر في احاديثهم يؤكدون ان فرنسا اليوم لا يمكنها ان تعطي الدروس السياسية في الديموقراطية ولا في التنمية، ويرى هوبار كوتيري بأنه لا يجازف اذا قال بأن الفرنسيين الذين يعيشون الان مرحلة نهاية عصر كامل ونهاية طبقة سياسية من العمالقة والزعماء في حاجة الى دروس. وقال بأن تونس حققت نجاحا ملفتا كان لابد من دراسته والاستاذ انطوان الذي عاش في لبنان ويعيش في فرنسا يعرف الكثير من التجارب، وهو باحث وعالم قادر هو اذن على ابداء الرأي واصدار حكم عن تجربة وعن رؤية ومعرفة وعندما يقول بأن تونس نجحت في التنمية ونموذجها هام في ديموقراطية حذرة وتصاعدية، وخطوة خطوة وجرعة جرعة فانه يعرف ما يقول وهو صادق.
محمد بن رجب
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 22 أكتوبر 2006)
زيادة المداخيل وتراجع عدم المساواة في البرازيل
توفيق المديني
جاءت الدراسة التي قامت بها المؤسسة البرازيلية للجغرافيا والإحصاء في وقت جيد للرئيس لويز ايناسيو لولا دا سيلفا الذي يسعى للفوز بولاية ثانية، في الانتخابات العامة التي جرت يوم 1 أكتوبرالجاري ، إذ إن المعطيات تؤكد على التقد م الاجتماعي الحاصل في البرازيل ، الأمر الذي يعزز وضع لولاأمام منافسيه في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستقام يوم 29 أكتوبر المقبل.
فَتَحت عنوان » زيادة المداخيل و تراجع عدم المساواة »يلخص هذا التحقيق الاقتصادي – الاجتماعي جوهر ما في هذه الدراسة.فالأجور التي لم تطرأ عليها أية زيادة منذ العام 1996وتضاؤل التضخم، أحرزت تقدما بنحو 4،6% في عام 2005، وضاقت الفروقات في سلم الأجور: وازداد الأجر الأدنى بنحو 6،5%.وتعتبر زيادة الأجر الأدنى ثلاثة أضعاف (150 يورو)أ حد التفسيرات.أما حصة المداخيل لنحو 50% من البرازيليين الأقل ثراء، و المجمدة تاريخيا إلى 11،2%، انتقلت إلى 16،3% من كتلة الأجور.و هناك أيضا عملية خلق6،1 مليون فرصة عمل منذ عام 2003، مخفضة بذلك البطالة من 13% إلى 10،7% في يوليو 2006.
ويتوزع معدل النمو المحدد بنحو 2،3% في عام 2005، بطريقة لا متساوية على مجمل هذا البلد القاري. و لكن لأول مرة في النورديست، هذه المنطقة شبه القاحلة،و التي يتمركز فيها نصف العائلات الفقيرة في البرازيل ، تشهد » نهضة اقتصادية حقيقية »، حسب المؤسسة البرازيلية للتحاليل الاجتماعية و الاقتصادية ، المتمركزة في ريو دي جينيرو .
العامل الرئيس في هذه النهضة الاقتصادية في منطقة مسقط رأس الرئيس ، هو توزيع « المنحة العائلية »،على العائلات التي تعيش بأقل من 43 يورو شهريا.و قد أسهم توزيع 3مليارات يورو على 11،1 مليون عائلة(20 في المئة من الشعب البرازيلي) ، في خلق دينامكية اقتصادية في المناطق المتخلفة.ولأول مرة تسجل المؤسسة البرازيلية للجغرافيا والإحصاء تراجع الفقر في البرازيل، إذأخرجت حوالي 300000 عائلة من حالة الفقر المدقع.
وكانت أولويات الحكومة البرازيلية تركزت على البرامج الاجتماعية، التي ضخت من خلالها مليارات الدولارات، بالتعاون مع العديد من المنظمات غير الحكومية، لإعانة سكان « أحياء الصفيح »، المنتشرة على امتداد أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الرئيسية في البرازيل. وأبرزها برامج « بولسا فاميليا » لتقديم القروض الصغيرة للعائلات الفقيرة بشرط إرسال أبنائها إلى المدارس وخضوعهم لبرامج التلقيح،حيث خصصت القروض هذه لتنشيط الحركة الاقتصادية في الأرياف من خلال البرنامج الوطني لاستهلاك الزراعة العائلية، و في المدن عبر برنامج خلق فرص العمل، و »زيرو فومي » للقضاء على الجوع.
وفي السياسة الاقتصادية، استطاع لولا تخطّي حالة الحذر التي عرفتها الأسواق المالية البرازيلية في بداية عهده، والتي ترجمت بانخفاض معدلات الاستثمار والطلب على الأسهم والأوراق المالية، وذلك من خلال تعيين وزير يساري تروتسكي النزعة في المالية، ورجل أعمال ذي ميول رأسمالية ليبيرالية في حاكمية المصرف المركزي، الأمر الذي أدى إلى نتائج اقتصادية ملموسة، كان أبرزها التخفيف من حدة التضخم، ودفع كامل ديون البرازيل لصندوق النقد الدولي، قبل سنتين من موعد استحقاقها.
لقد فضل الرئيس لولا و فريقه الاستقرار الاقتصادي. وهذا ما جعل المرشحة من أقصى اليسار في الانتخابات الرئاسية :العضو الراديكالي في مجلس الشيوخ هيلويزا هيلينا التي أقصيت من حزب العمال عام 2003،تقارن ال40 مليار يورو التي خصصت لتسديد ديون البرازيل الخارجية مع ال6 مليارات يوروالتي خصصت « للمنح العائلية » و الزراعة العائلية.
من جهة ثانية استطاع لولا تثمير علاقات بلاده الدولية لتوقيع العديد من المعاهدات والاتفاقيات التجارية، ساهمت في رفع حجم التجارة الخارجية، ما حوّل العجز في الميزان التجاري إلى فائض بدءاً من العام 2003 ،حيث سجل رقماً قياسياً بلغ 29 مليار دولار في العام .2004
وبصرف النظر عن الضغوطات التي يمارسها الجناح اليساري لحزبه ،فإن حزب العمال ،الذي يعاني من خيبة أمل أورثوذكسية السياسة الاقتصادية و النقدية التي طبقت خلال الأربع سنوات الأخيرة، فإن القطيعة مع النموذج الليبرالي يبدو أنها مستبعدة نهائيا من حقل الممكن. وتدل المؤشرات كلها أن لولا في حال فوزه بولاية ثانية، فإنها ستكون تحت عنوان الاستمرارية في النهج الليبرالي. في سيناريو الموازنة الممتدة حتى سنة 2008، التزم الرئيس لولابالمحافظة ، -خارج نطاق أعباء الدين الخارجي-على فائض أعلى بنحو4% من الناتج المحلي الإجمالي.وقد استطاع أن يتحرر من هذا الإكراه، بما أن صندوق النقد الدولي ، الذي كان يمارس سياسة الوصاية الشديدة على البرازيل ، تم تسديد كل ديونه بصورة مسبقة،و الحال هذه لم يعد له الحق في أن يتدخل لرسم السياسة الاقتصادية المتبعة.
وهاهي الأورثوذكسية الليبرالية التي انتهجها الرئيس لولا نجحت، في الوقت الذي كان فيه مناهضو العولمة يعتبرونه بطلا في معارضة الرأسمالية.و هذا ما جعل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تشيد بإنجازاته الاقتصادية، لأنه اتبع سياسة نموذجية، لجهة تحريربلاده من إكراهات الديون الخارجية، التي كان السبب الرئيس في الأزمات السابقة التي عرفتها البرازيل.فقد استطاع إعادة تجميع احتياطات خارجية مريحة بلغت 72 مليار دولار في أواسط سبتمبر مقابل 16 مليار دولار عند وصوله إلى السلطة.
وأقد سهمت الظرفية الاقتصادية الدولية الجيدة منذ العام 2002، و ارتفاع أسعار المواد الأولية، و الانخفاض العام في معدلات الفائدة، و المواقع المكتسبة على صعيد الأسواق الخارجية بفضل تخفيض قيمة الريال في عام 1999، في تحقيق هذا الانتقال الناجح نحو الليبرالية الذي حييته المؤسسات الدولية الكبيرة .
لاشك أن هذا التقويم الإيجابي لا يخفي عنا أن النمو البرازيلي يظل ضعيفا مقارنة مع البلدان الآسيوية المزدهرة، و الحكومة لم تنتهج إصلاحات قادرة على تغيير و بصورة دائمة مستوى النمو القوي ، المقدر بنحو 3،5%، القريب جدا من نمو بلد صناعي ، أكثر منه من بلد نامي. و بين 2003 و 2006سجل النشاط الاقتصادي ارتفاعا سنويا بمعدل 2،8% مقابل10% للصين ، و7% للهند،أو 5،5% لتايلاندا.
ومع ذلك تحتل البرازيل المرتبة التاسعة على صعيد الاقتصاد العالمي، و المرتبة الأولى في أمريكا اللاتينية، حيث تمثل ثلث إنتاجها. و تمثل الخدمات 75% من نشاط البلد، و الزراعة 6%، و الصناعة 19%.و انخفض وزن القطاع الثاني كثيرا- ليصل إلى 35% من الناتج الإجمالي المحلي في عام 1980-لكنه يستمر في لعب دور جوهري في تنمية البلاد.وتظل ولاية ساوباولو واحدة من الأقطاب الصناعيةالأكثر أهمية في العالم. إنها تمثل 22% من سكان البرازيل ، أي ما يعادل 40 مليون نسمة، و 35% من الناتج المحلي الإجمالي، و 32% من الصادرات ، و30% من إنتاج براءات الاختراع.
لقد أصبحت النتائج الباهرة التي حققتها الشركات البرازيلية الكبيرة في الأسواق العالمية، مثل إمبرايير المتخصصة في صناعة الطيران، مع فورة الصادرات الزراعية و المواد الغذائية، نافذة الاقتصاد البرازيلي على العالم.ويشهد النشاط الذي يقوم به الرئيس لولا على الصعيد الدولي، و الدور الذي لعبته برازيليا في المفاوضات التجاريةالمتعددة الأطراف، على الأهمية الممنوحة للأسواق الخارجية من الآن فصاعدا.فقد شكلت البرازيل مع الهند و الصين مجموعة ال20 في سنة 2003، التي ضمت البلدان الناشئة، و التي كان هدفها المشترك الدفاع عن مصالحها الزراعية في إطار دورة مفاوضات الدوحةالتي كانت تخاض داخل منظمة التجارة العالمية.
إذا كان لولا في انتخابات العام ,2002 قد نجح في اختراق قلوب البرازيليين، لا سيّما الفقراء الذين خرج من أوساطهم، فإنّ الصراع من اجل الفوز بولاية ثانية، يتطلب مخاطبة عقولهم بالدرجة الأولى، في تأكيد استمرار انجازات العهد المنصرم، والتخلّص من إحدى ابرز نقاط ضعفه: الفساد. * باحث اقتصادي (المصدر: صحيفة الخليج- آراء و تحليلات- بتاريخ 23 أكتوبر 2006)
الدكتاتوريات الامنية واستبداد السلطة
ماجد الشيخ (*)
في ظل التغييب القسري للسياسة، وغياب الدور الفاعل للفكر والثقافة، وتغييب قوى الحراك الاجتماعي المسيّسة بطبيعتها، وطمس دور السلطة الرابعة والتضييق عليها وتحول بعضها إلى أبواق سلطوية، وتغول السلطة الاولى وتواطؤ الثانية معها، وإطاحة هيبة الثالثة واستعمالها لمصلحة الاولى ومصادرة عناصر قوتها الاساس أي استقلاليتها، في ظل كل هذا يكون الاستبداد السلطوي وأنظمته قد اطبقا حصارهما، وشدّا وثاقهما حول عنق الحرية وكامل مستلزماتها وما تشيعه في فضاءاتها المفترضة، وأطاحا القسم الأهم من الذات الوطنية وصادرا هويتها عن طريق احتكارها لصالح الانا الايديولوجي السلطوي، وجعلاها خصيصة الأنا المفرد في مناهضته لأناوات المجموع والذوات، التي يتشكل منها المزيج الاجتماعي في تعدديته وتنوعه الخلاّق العامل على إنتاج أو إعادة إنتاج مشتركاته الانسانية.
من هنا فإن الوحدة – ومهما يكن توصيفها – لا يجب أن تعني إلغاء الآخر المغاير أو المخالف، وإلا كان ذلك إلغاء لجزء من الذات نفسها، عن طريق إقصاء الاختلاف والتنوع والتعدد في فضاء الذات – على أن الوحدة بما تعنيه من تحرر الذات من أنا الاخر – الاستعماري/الاستبعادي في إقصائيته، العامل على تشظيتها وتفتيتها يستدعي بالضرورة اتحاداً طوعياً طبيعياً في وطن متعدد، ودولة تغتني من إسهامات مواطنيها، تجمع ولا تفرّق بين مكوناتهم، وتلك مهمة ضوابط العقد الاجتماعي/الثقافي الذي لا تقوم قائمة لدولة من دونه.
لهذا تتحدد قيمة السلطة أولاً، وقبل أي شيء آخر، في ما تطلبه أو تقدمه إلى من تدعي تمثيلهم أو النطق باسمهم، لا في ما تطلبه لنفسها. وهذا بالتحديد ما سوف يعني أن شرعيتها ومشروعيتها لا تنشآن انطلاقاً من كينونتها ذاتها، في معزل عما ومن تمثل من أهداف تصبو إلى تحقيقها، انسجاماً مع معايير موضوعية لذاتية مشتركة/اجتماعية لا لمشترك ذاتي «يتحد» لتحقيق مصالح خاصة به ولأربابه.
مثل هذا التوصيف مناف بالمطلق للعصبية التي قامت وتقوم على إكراهات الخوف والقوة والغلبة، باعتبارها محركاً للتاريخ، وحاملاً من حوامله، علاوة على كونها بوتقة تبرير للاستبداد. ولأن الدول لا تقوم على حوامل الذات الاجتماعية في علاقاتها أولاً، فإن العصبية في حد ذاتها نقيض للشرعية الاجتماعية المستمدّة من القوانين العقلية وعوامل القبول الاجتماعية لمكوناتها الداخلية، بغض النظر عن قبول أو عدم قبول الخارج لمثل هذه السلطة، ولهذا فإن إنحلال شرعيتها الداخلية لا بد أن يقود إلى فقدانها لشرعيتها ومشروعيتها في آن.
وإذا كانت الثقافة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمستلزماتها المعرفية، كون المعرفة أو المعارف وفي سياقات تشكلها التاريخية المحددة، ترتبط بتاريخ وإرث المجتمعات الانسانية، فإن السلطة/الدولة وفي سياقات تشكلها ونشوئها تاريخياً، قد ناقضت وعلى الدوام ماهية كونها إشارات محددة لواقع إجتماعي في صيرورته كان يؤسس لخلق مستلزماته المعرفية. إلا أن سلطة بلا معارف وإن امتلكت عناصر غلبتها وقوتها وإكراهاتها، لن تستطيع التفلت من علاقات اجتماعية، وفي ظل واقع اجتماعي يمدّها بمشروعية قيامها وشرعيتها أو يحجبها عنها.
وفي واقع الحال فإن الامر عندنا، وبالاستناد إلى وقائع ومعطيات الخلل البنيوي، كان لا بد له من توليد انعكاساته، في ما قاد إليه الأمر الواقع، من إنتاج سلطة/او سلطات لا تولد غير إكراهات الخوف والعنف، تمارسه من داخلها لضمان غلبتها، وعلى خارجها – الاجتماعي – أولاً لضمان هيمنتها وفرض نفوذها وتسلطها، وهو ما تجلى في تخليق هذا النسق البطركي – الأبوي – الوراثي، وفي قيام إقطاعيات الخوف الامنية، وما قادت إليه هي الاخرى من تخليق ومأسسة انساق من أنظمة أمنية وأحزاب أمنية وهيئات نقابية واجتماعية وثقافية أمنية، قامت فواعل استنهاضها بالأساس على حوامل أمنية مضادة ومناهضة لمجتمع مدني وأهلي مفترض، ولثقافة ومعارف إبداعية مفترضة، ولتنمية مادية وبشرية مفترضة، ولمثقفين ومبدعين حداثيين يطاردون ويعتقلون وتكبل إراداتهم، في محاولة لمنعهم من القيام بدورهم المفترض، بل وممارسة حياتهم بشكل طبيعي، ليس في احتجاز حريتهم، بل وفي ما يمارس في حقهم من إقصاء وتهميش واستبعاد، حين يجري نعتهم وتوصيفهم بشتى اصناف النعوت والتوصيفات والتصنيفات الايديولوجية، وبإسم وتحت ستار القضاء والقوانين التي يجري تأويلها وتكييفها انى شاء لها حرّاس النسق وخدامه.
وبالترافق مع هذا «الاستنهاض» الامني في ظل الانتكاسات الفاضحة لأنساق إقطاعيات الخوف الامنية، بتنا أمام لوحة «استنهاض» مضاد – أكثر أدلجة – لشكل من أشكال السلفيات الدينية والسياسية والاجتماعية، الحاملة إرث ثقافة الماضي والنكوص والارتداد نحو مكونات بدائية لا حصر لها، على مستوى التنظيم والسياسة والدين والحزب والطائفة والمذهب والعائلة… إلخ من وحدات أصغر في تذرّرها وتشظيها.
وكان من أبرز «إنجازات» الديكتاتوريات الأمنية إستيلاؤها على السياسة وإقصاؤها، وما تخطه في واقع المجتمعات العربية من تجسيد للنفي والاعتقال والاستبعاد، إلى حد إلغاء الاحزاب أو مصادرتها لصالح حزب السلطة الامنية، وإقصاء المجتمع عن السياسة، بل ومحاولة تفريغه من فعالياته وإخضاعه لمصلحة سياسة النظام الامني وتوظيفه في خدمة مصالحه ومصالح أربابه من طفيليات الفساد والافساد التي تربعت على عرش السلطة، مستعيدة عبرها أمجاد الاقطاعيات الغابرة.
وعبر تفتيتها لمجتمعها بالاستيلاء عليه وإخضاعه، مهدت الديكتاتوريات الامنية «إقطاعياتها» لإخضاعات الهيمنة الخارجية، في إطلاقها لـ «فعاليات» التشظي المجتمعي، وبلوغها ذروة فقدان الإرادة الوطنية في مواجهتها، لتكتسب مقولة «ان الطغاة يستدعون الغزاة» مصداقيتها، من واقع ما أوصلتنا إليه الديكتاتوريات الأمنية من تمهيد أوطانها لموجات المد العالي لعولمة الأمركة الامبريالية، وهي تصعد أعالي قمم الهيمنة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، محمولة على حوامل الممهّدات الديكتاتورية الامنية التي أطاحت الدولة أو أعاقت نشوءها في أوطانها، كرمى لعيون مصالحها ومصالح قوى الهيمنة الدولية.
إن انسداد آفاق الاصلاح والتغيير في غياب حرية التعبير والرأي وآلياتها ووسائلها، وفي غياب الديموقراطية وثقافتها وممارستها وفق أصولها ومفاهيمها الحقيقية، أحال موضوع المواطنة، بل دفع بها إلى التحول من حالة سوّية إلى حالات من النكوص والارتداد، في ظل تغوّل الدولة الامنية واشكال التكوينات السلطوية التي حوّلت المواطنية إلى أداة استغلال ومنّة تمنّ بها السلطة على بعض مواطنيها من قبيل التقسيمات غير المعلنة دستورياً، ولكن المعمول بها عملياً. كمنح بعض المواطنين صفة «مواطن درجة أولى»، أو اعتبارهم رعايا من الدرجة الثانية، فيما هناك آخرون استبقوا خارج «جنة المواطنة» بلا هوية، بلا تعريف، بلا حقوق، ولكن مع كل «واجبات المواطنة»!
هذا الوضع الهجين هو ما دفع ويدفع إلى بلورة أشكال من الانتماء السياسي التعصبي، للطائفة والمذهب ولغيرهما من أشكال وبدائل انتماء بدائية داخل التكوينات الاجتماعية، خروجاً من دائرة الانتماء السياسي لدولة والانتماء الحقوقي القانوني لوطن، ما عنى فشل الانظمة السلطوية في التعبير عن كونها ممثلة لبوتقة انتماء في إطار وطن ناجز لمواطن ناجز، الحافظة والحارس لانتمائه إليه، وتمثيلها له، واقتصارها وتخصصها في حماية مصالحها، وحراسة مصالح أفرادها في انتخاب وانتقاء غير مباشرين لمن يتطابقون وأهدافها، وهم أقلية الاقلية المتنفذة من شرائح طبقية منفعية تشكل قاعدتها الاجتماعية.
ومن رحم التراكمات التعصبية في الممارسة السياسية، تبلورت الانحيازات الطائفية والمذهبية، مولّدة هذا التفتيت والتذرّر والتشظي المجتمعي والسياسي والديني والإثني، في أروقة الدولة الهجينة والسلطات الاكثر هجانة، في انحيازاتها الفئوية وتحيزاتها الطبقية وتحلقها حول أيديولوجيا التسلط والهيمنة والشمولية.
لقد تجاوزت شعوب الثقافات الحضارية في مسيرتها طواطم الرموز والاشارات، لتتخلص من عبء أو أعباء الذاكرات الجمعية، وهي تقوّم مصائرها انطلاقاً من واقعها المعاش في الراهن – الحاضر، كما في المستقبل في ما سيصبح عليه حاضراً لأجيال قادمة، ترنو هي الاخرى نحو مستقبل يؤسس في تناسله لمستقبل تطوري متواصل. من هنا لا يمكن التأسيس للتاريخ القادم في انبنائه على قواعد من أحجار الماضي ورموزه، فالمجتمعات لا يمكنها ان تؤسس او تتأسس بناء على تقديس المكان او الزمان وقداسة ذاكرته في استعادتها «مجد الماضي»، وكأنه «الاصل» أو النسخة الاصل في استحالات تكرارها، إلاّ كأنماط نكوصية في مراوحتها الاستعادية لأنماط تخلفية أخرى مشوهة.
على أن رؤية عوامل وأسباب النكوص والتخلف وكأنها مستوردة من الخارج، وبالتالي تحميل الاستعمار والصهيونية والامبريالية وأشكال الظلم والعدوان التي تشيعها العولمة، إنما هو الوجه الآخر لعملة الاستيراد: استيراد الحداثة الغربية وإشكالاتها، وما تثيره في مجتمعاتنا من حساسية الرفض المطلق، كونها نتاج الآخر المختلف، في الوقت الذي نواجه إشكاليات من نوع آخر، تهيمن وبشكل إخضاعي في فضاءات ذواتنا المتصارعة، في مسارات أضحت تتحدّد وبشكل أوضح من السابق في رفض الآخر المؤتلف، وإخراجه من بوتقة ذات اضحت تمحور تكويناتها اكثر في دوائر من ادلجة صارمة، تتشرنق أكثر كلما أوغل المجتمع في خلق تضاداته مع ذاته، وكلما أوغلت السلطة في خلق دوائر هلامية تحيطها بهالة أو هالات من الإخضاع والهيمنة لقوى اجتماعية هجينة، فقدت رؤيتها او افقدت، كنتيجة من نواتج التشوه التاريخي الذي جلبته سلطة الايديولوجيا الدينية او الليبرالية الجديدة، لتقدم نفسها على طبق من ذهب، خادمة أمينة ومطيعة لأيديولوجيات سلطوية، حملت في ذاتها فيروس قتل الدولة وقتل الفكر، وحتى قتل اللغة التي تشكل القابلة القانونية التاريخية لمحمول الفكر والثقافة الانسانية.
لهذا ما عاد يكفي، خصوصاً في بلادنا، وبشكل أعم، أن تكون الرأسمالية متنورة أو حداثية في تطلعاتها وتوجهاتها العملية في إطار المجتمع والدولة، على أساس من فكر حداثي، إن لم يتلازم كل هذا مع إيمانها بالديموقراطية، وبتحديث وتطوير مناهج التعليم وإقامة بنى إنتاجية حقيقية، تسهم إسهاماً فعالاً في تنمية قوى اجتماعية منتجة، وبالتالي تنمية المجتمع الوطني بدلاً من تنمية رأسمالها الذاتي لبناء رأسمال رمزي لها في أروقة الدولة/السلطة، العاجزة عن تلبية أبسط متطلبات شعبها وحاجاته الانسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كشرط من شروط تقدمه.
باختصار نحن في مواجهة أزمة بنيوية مقيمة، تكرر ذاتها وقد تكررت على امتداد تاريخ المجتمعات العربية، منذ أن رست على اشكالها الراهنة، ومنذ أن غمرتها تدفقات الايديولوجيات التسلطية، بعد أن غيبت واقعها وغيبت همومها ومشكلاتها تهويمات الفكر والثقافة السائدة في إقطاعيات الخوف الامنية، دون أن يكون لفكر التنوير وطموحات النهوض وثقافته أي تأثير وسطوة واقعية، لا في مجتمعاتنا ولا في أروقة سلطات، طالما تفلتت من ضوابط هيمنتها هي ذاتها، كلما لاحت لها «مقومات» انبناء «تفاهم تاريخي» مع الخارج الكولونيالي، خصوصاً في نطاق فضاءات العولمة/الامركة في وقتنا الراهن.
إنه العبء التاريخي الذي لا يمكن التخلص منه، دون تحرير السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة من توظيفات نخب هذه السلطات، لكل من وما في الدولة، لمصالحها الخاصة ومصالح الفئات والشرائح المرتبطة بها من أجهزة الامن والشرطة والجيش ووكلاء الشركات الاجنبية، والمهيمنين على الاقتصاد الوطني من نخب مالية ربطت مصالحها بمراكز الهيمنة السلطوية، في تبادل للمنافع والسمسرات والرشوات فيما بينها.
(*) كاتب فلسطيني
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 21 أكتوبر 2006)
ثلاثية استبداد السلطة وعجز الأغلبية وعنف الأقلية
صالح السنوسي (*)
لا شك في أن الوعي والإدراك والاقتناع تعد المقومات الأساسية التي تدفع أي جماعة إلى الحركة في اتجاه أي قضية من قضاياها، فإذا توفرت كل هذه المقومات لدى غالبية أفراد الجماعة ولم تنتج عن ذلك محاولات القيام بأفعال جماعية، فإن هذا على الأغلب يعني أن هناك عطلا في الحركة الذاتية لهذه الجماعة بسبب غياب روح الفعل الجماعي لدى غالبية أفرادها، وبالتالي فهي تعتمد فقط على العوامل والأطراف الخارجية لتحريك واقعها.
وفي تلك الحالة فإن واقع هذه الجماعة يتشكل حسب رغبة ومصالح تلك الأطراف التي صنعت ديناميكية الحركة، ولا يبقى أمام هذه الجماعة سوى السير في الاتجاه والمسارات التي تقررها تلك الأطراف بمعزل عن رغبة وطموحات الجماعة التي لا تصنع أفعالا جماعية يساهم زخمها في صنع الحركة أو في تعديل مساراتها.
إن تعطل الحركة السياسية للجماعة في اتجاه طموحاتها لا يعني الانعدام الكلي للحركة داخلها، فهناك دائما أقلية تملك روح الاستعداد للتضحية والمخاطرة، وذلك يدفعها إلى الفعل بصرف النظر عن طبيعة هذا الفعل وكيفيته في محاولة منها لإنابة نفسها عن الجماعة المستقيلة من دورها.
فالأقلية في المجتمعات العربية تعتبر نفسها مضطلعة بالدفاع عن جماعة تفتقد القدرة على الدفاع عن مطالبها ومصالحها في مواجهة السلطة والغرب معا.
إن السلطة العربية التي لا تستجيب لرغبة ومطالب أغلبية المجتمع، إلى جانب الهيمنة الأجنبية التي لا تتوقف عند السيطرة على المقدرات، بل تتعداها إلى الغزو والاحتلال والتدخل في مختلف التفاعلات داخل الجماعة، كل ذلك كان من الممكن أن يتولد عنه فعل جماعي من قبل الأغلبية، يؤدي على الأقل إلى توازن المصالح أي تنازلات من قبل السلطة والغرب، كما ينتج عنه تثبيت الحدود والخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها في اتجاه ما تعتبره الغالبية مقدسا ومحرما وحيويا.
ففي مثل هذه الحالة ما كان لعنف الأقلية أن يجد مناخا مواتيا وأسبابا وقضايا تنميه وتغذيه بل تجعله في أغلب الأحوال تعبيرا عن مشاعر الأغلبية المستكينة المكبوتة.
ولكن تحالف الكبت الداخلي مع الهيمنة والإذلال الأجنبي لم يتولد عنهما فعل جماعي، ومن هنا ظهر عنف الأقلية كردة فعل على هذا الفشل.
فكل القضايا والمسائل التي تحوز شبه إجماع من قبل الجماعة باعتبارها حيوية تتعلق بمصيرها وهويتها ووجودها، جرى النيل منها، وعدم الاكتراث بها من قبل السلطة لتدجين الجماعة كي تقبل بعدم وجود ما تعتبره مصيريا أو حيويا أو ما تراه محرما أو مقدسا لا ينبغي المساس به. ومن ضمن هذه القضايا العلاقة مع الغرب التي حازت دائما أكبر حيز من الاهتمام السياسي والفكري لدى الجماعة العربية، إذ الغرب لا تكاد تحتفظ له الذاكرة الجماعية بغير صورة المستعمر المسيطر الذي يعتبر طموحات الأمة إلى التحرر والوحدة والقوة بمثابة النفي والنقيض لمصالحه السياسية والإستراتيجية في المنطقة.
ولذا فإن التعامل معه على أنه محرر وحام أو حليف لعرب ضد عرب آخرين، أو حمل السلاح إلى جانبه كيف ما كانت الدعاوى، كل ذلك يصدم ويستفز الوعي الجمعي للجماعة العاجزة ويعد نوعا من العنف السلبي الذي تمارسه السلطة ضد الجماعة التي تحس إزاءه بالعجز والإذلال والتحدي لوعيها وإدراكها، مما يؤدي إلى تراكم الشعور بالقهر في الوعي الجمعي والفردي على حد سواء.
ونظرا لغياب ردة فعل من الأغلبية التي يفتقد أفرادها روح الفعل الجماعي فإن الأقلية هي التي تقوم بردة الفعل معتبرة نفسها نائبة عن الجماعة في التعبير عن المطالب والقضايا التي تكاد تجمع حولها الأغلبية الصامتة والعاجزة.
ومن هنا فإن هذه الأقلية لا تعتبر نفسها أقلية من حيث اعتقادها ورؤيتها للمصالح والمطالب والطموحات التي تتبناها، بل هي أقلية فقط من حيث عدد الأفراد القادرين على القيام بردة الفعل للدفاع عن قضايا تقاسمهم الأغلبية العظمى من الجماعة الإيمان بها، وبالتالي فإن هذا الاتفاق في النظرة بينها وبين الأغلبية حيال تلك القضايا تعتبره بمثابة تفويض ضمني.
لكن هذه الأقلية التي أنابت نفسها عن الأغلبية تجد نفسها أمام ضرورة الإجابة عن سؤال جوهري يتعلق بطبيعة وحجم الفعل الذي ينبغي أن تقوم به للتعويض عن غياب فعل الجماعة الذي كان من المفترض أن تقوم به الأغلبية بكل ما تمثله من قوة التكتل والحجم والزخم والتواصل.
فأفعال الأغلبية تعتبر مؤثرة كيف ما كانت، لأن المظاهرات الحاشدة المتحدية لعنف السلطة أو الإضرابات المنظمة والاعتصامات، كلها يمكن أن تغني عن العنف المادي لتحقيق القدر الأكبر من المطالب إذا ما قامت بها أغلبية الجماعة وأصرت عليها.
أما إذا قامت بها الأقلية فإنها لن يكون لها أثر فعال لا على القضايا والمطالب ولا في مواجهة السلطة، ما دامت الأغلبية لا يزيد موقفها عن الفرجة والتعاطف والإعجاب، لأنه في مثل هذه الحالة تستطيع السلطة دون عناء ودون حرج أن تنزل العقاب بهذه الأقلية وتمثل بها من أجل حماية واستقرار المجتمع الذي –حسب رأيها– ينأى بنفسه عن المشاركة في أعمال حفنة من المغرر بهم ومن مثيري الشغب والقلاقل، والخارجين عن القانون والنظام العام.
بعد أن تقوم الأقلية بإنابة نفسها عن الأغلبية المستقيلة من دورها تقوم بتحديد نوع وطبيعة الفعل الذي تعتقد أنه يسد الفراغ الذي تركه غياب فعل الأغلبية في بعده السياسي والاجتماعي.
وفي ظل ظروف كهذه، فإن الفعل الذي ينهض بهذه المهمة سيكون في نظر هؤلاء هو الفعل العنيف باعتباره يرقى إلى نفس مستوى الفعل الذي تمارسه السلطة ويستجيب لثقافة الثأر الثاوية في الوعي العربي، إلى جانب أنه يمثل صدمة عنيفة للواقع قد تحرر الأغلبية من عجزها وترددها.
فمن يقومون بمثل هذه الأفعال في فترات صعبة من حياة جماعة تعاني قهرا وإذلالا، يصبحون في نظر الأغلبية أبطالا مما قد يدفع بالكثيرين إلى محاولة محاكاتهم، وتلك هي عين البداية في نظر هؤلاء على طريق تحرير الفرد والجماعة من عقدة الخوف المزمنة.
في ظل عجز الأغلبية واستبداد السلطة وانسداد الأفق أمام وسائل التعبير, تقوم الأقلية بردة فعل تعويضيه عن غياب الفعل الجماعي فيخرج تصرفها عما هو معتاد في حجمه وطريقة تنفيذه ووسائله وتتطاير نتائجه في كل اتجاه.
(*) كاتب ليبي
(المصدر: ركن المعرفة بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 22 أكتوبر 2006)