الاثنين، 18 سبتمبر 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
7 ème année, N° 2310 du 18.09.2006

 archives : www.tunisnews.net


رسالة إلى السيد والي جندوبة حول غلق مقرفرع  جندوبة للرابطة

الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين:بيـــان

ميدل ايست اونلاين: خبراء يجتمعون في تونس ويدعون لتحرير المرأة العربية

الطاهر العبيدي: » لا تحسبوا  » صمتي  » بينكم طربا فالطير يرقص مذبوحا من الألم  »

القاضي المختار اليحياوي:حديث الأربعاء – حول حديث الأستاذ محمد الشرفي لقناة الحوار

نصر الدين بن حديد:تعليقًا على مقال الأستاذ المحترم برهاس بسيّس «أفكار ضدّ التطرف»- أزمة البذرة؟؟؟ إشكاليّة الجذر؟؟؟ …

الحبيب أبو وليد المكني: تعقيبا على مقال برهان بسيس – لقد تغيرت تونس و تغيرت أيضا دلالة الحجاب

مرسل الكسيبي: ماذا يحدث في تونس, محاكمات سياسية أم تباشير اصلاح ؟

محمد العروسي الهاني : في ذاكرتنا الشعبية و الوطنية رجال خالدون لهم فعل و بصمات لم تمحى من الذاكرة على الإطلاق

د. خــالد الطـراولي:قداسة البابا… هذا محمد صلى الله عليه وسلم

الهادي بريك: في ظلال رمضان : الحلقــة الثانيـــة

د رجاء بن سلامة:هذه ليست تفجيرات 11 سبتمبر

ابوبكر الصغير: تزوج واحدة.. والثانية بالمجان!

الطاهر الهمامي: مع حزب الله ضد حزب الاستعمار

الصباح : حوار مع رئيسة وحدة بحث متخصصة في العلوم البيئية بجامعة صفاقس

رويترز: متشددون يتوعدون بحرب والفاتيكان يسعى لتهدئة الغضب


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows )

To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).


 لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »  

حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:

 

 


 

  

جندوبة في : 17/09/2006:

 

 

 

السيـــد : والــي جندوبــة

  

تحيـــة طيبــة وبعد :

 

            نحن مكونات المجتمع المدني و مناضلي الرابطة المشاركون في الندوة التي دعت إليها جامعة جندوبة لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين مساندة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان . 

1 ـ نعتبر أن غلق مقرفرع  جندوبة للرابطة ومنع الرابطيين من الإجتماع داخله غير قانوني  وغير شرعي 

2 ـ نندد بالحصار الأمني المضروب على مقرالفرع و بقية الفروع  والمقر المركزي . 

3 ـ نطالب بفتح مقرفرع جندوبة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و رفع كل المضايقات الأمنية المضروبة على هيئة الفرع و مناضليه و كافة منخرطيه حتى يتمكن من القيام بنشاطه وتدارس طرق حل الأزمة .

 

الإمضـاءات

 

بلقاسم المحسني: كاتب عام جامعة جندوبة لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين

2 ـ الهادي بن رمضان : رئيس فرع جندوبة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

3 ـ رابح الخرايفي كاتب عام جامعة جندوبة للحزب الديمقراطي التقدمي

 

4 ـ المولدي الزوابي : المنسق العام للدفاع عن خريجي الجامعة وحاملي الشهائد العليا ا-لجنة المحلية ببوسالم

5 ـ نسيم الكافي : عن الإتحاد العام لطلبة تونس

6 ـ نور الدين الصولي : نائب رئيس فرع جندوبة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان

7 ـ يوسف الخميري : منخرط رابطي

8 ـ محمد صالح المناعي: مناضل رابطي

9 ـ عبد الجليل التيساوي : مناضل رابطي

10 ـ عمار الخشيني : حركة الديمقراطيين الإشتراكيين

11 ـ الصادق الكحلاوي : حركة الديمقراطيين الإشتراكيين

12 ـ محمود العبيدي : حركة الديمقراطيين الإشتراكيين

13 ـ محسن الماجري : نقابي رابطي

14ـ نور الدين الرزقي : الحزب الديمقراطي التقدمي

15 ـ منجي القروي : من المدافعين عن حقوق الإنسان

16 ـ الفاضل السعيدي : مناضل رابطي

17 ـ صلاح الدين العلوي : مناضل رابطي و سجين رأي

18 ـ جلول البلالي : مناضل نقابي

19 ـ رضا السمراني : حركة الديمقراطيين الإشتراكيين

 20 ـ رمضان المشرقي :  عضو جامعة جندوبة لحركة الديمقراطيين الإشتراكيين

 21 ـ الحبيب التيساوي : نقابي تعليم ثانوي جندوبة

22 ـ عبد السلام العوني: رابطي

 


أنقذوا حياة محمد عبو أنقذوا حياة كل المساجين السياسيين الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين  تونس في: 18 سبتمبر 2006 بيـــان
 
 

اتصل بنا السجين السياسي السابق السيد محمد المنصف بن عبد الله الورغي الحامل لبطاقة تعريف وطنية عدد 03614256 الذي سبقت محاكمته من أجل انتمائه لحركة النهضة و أصدرت الدائرة الجنائية بتونس حكما يقضي بسجنه مدة عشرين عاما قضى منها مدة خمسة عشر عاما بمختلف السجون التونسية و غادر السجن وهو يعاني من عدة أمراض يوم 25 فيفري 2006.

 

ومنذ ذلك التاريخ طلب من المؤسسات الرياضية التي كان يعمل بها إرجاعه إلى العمل و قد قبلت القاعات الرياضية بنهج روسيا عدد 14 و قاعة ماجول ببنعروس و قاعة إستبرق بحي الإسكان ببنعروس تشغيله ستة أيام في الأسبوع بحساب يومين في كل قاعة و قد مكث في العمل طيلة شهر ونصف لكن ضغوطا صادرة عن فرقة أمن الدولة أدت إلى فصله عن العمل.

 

علما بأن السيد محمد المنصف الورغي له اختصاص نادر في المصارعة العربية و هو فني ممتاز ومؤسس لذلك الفن الذي أصبحت له شهرة عالمية في ذلك الاختصاص و أن عددا كبيرا من المدربين الحاليين في العالم أجمع هم من تلاميذه و هو متزوج وأب لعائلة تتركب من تسعة أشخاص أحدهم وهو الأكبر مقيم حاليا بماليزيا والثانية تقيم بالسويد وهو العائل الوحيد للسبعة الآخرين.

 

و الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تفتح بهذه المناسبة ملف المعطلين عن العمل من بين وقعت محاكمته بتهم سياسية و ترى أنه من الواجب التفكير في إدماج المسرحين من سجناء الرأي في المجتمع و تمكينهم من حقهم في الشغل و فتح بحث للتعرف على الأشخاص الساعين للإضرار بهؤلاء المسرحين و تعطيل اندماجهم في المجتمع و خلق جو من الشحناء و البغضاء بين مكونات المجتمع ومحاكمة كل من يثبت ارتكابه لمثل هذه الأفعال.

 

رئيس الجمعية

الأستاذ محمد النوري


اربعينية المرحومة السّيّدة بنت الصّادق التّركي والدة السّجين السّياسي السّيد عبد الكريم الهاروني

 

 
يوم الجمعة 22 سبتمبر 2006 اربعينية المرحومة باذن الله السّيّدة بنت الصّادق التّركي حرم عمر الهاروني ووالدة السّجين السّياسي السّيد عبد الكريم الهاروني – تونس   :بمحلّ سكناها الكائن بالعنوان التّالي    -حيّ 26.26 مدرج « ب » شقّة « 4ب » سيدي عمر- الكرم الغربي- بجانب قصر المعارض بالكرم   تغمّد الله الفقيدة برحمتها الواسعة وأ دخلها فراديس جنانه

 

 

خبراء يجتمعون في تونس ويدعون لتحرير المرأة العربية

 

 
انتشار الامية بين نساء العالم العربي يقوض فرص النهوض بالعدالة الاجتماعية ويستنزف جهود التنمية الاقتصادية. ميدل ايست اونلاين تونس – من طارق عمارة دعا خبراء عرب يجتمعون في العاصمة التونسية الاثنين الى ضرورة تكثيف الجهود لتقليص نسب الأمية خصوصا في أوساط النساء للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي الذي يبلغ عدد الاميين فيه 70 مليونا. وشدد خبراء مشاركون في اجتماع شبه اقليمي حول تعليم النساء والفتيات بدأ الثلاثاء في تونس ويستمر أربعة أيام على تدعيم استهداف المرأة في برامج تعليم الكبار في اطار العدالة الاجتماعية وجهود بلدان المنطقة لتحرير المرأة وتحقيق نهضة شاملة. وقال سالم المكي المنسق العام لبرنامج تعليم الكبار في تونس في افتتاح الاجتماع الذي تنظمه المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) انه « من الضروري التركيز على محو أمية النساء في عالمنا العربي لان تعليم المرأة هو حجر الزاوية في تحريرها وتحرير المجتمعات ». وأضاف قائلا « لا حرية لمجتمع نصفه مشلول ». وذكر المكي ان برنامج تعليم الكبار الذي يشرف عليه في تونس نجح في انتشال 310 آلاف من الأمية منذ ست سنوات من بينهم 250 ألف امرأة. وتابع ان التحدي الحالي للعالم الاسلامي لا يتمثل في بناء القدرات العسكرية بل تعزيز القدرات العلمية لانه أهم سلاح في مواجهة ما وصفه « بحملة مستعرة ضد الاسلام ». من جهتها قالت بحرية عدوان ممثلة الايسيسكو ان محو امية النساء العربيات أمر حيوي ورهان طموح حتى يتم تحقيق العدالة الاجتماعية بين الرجل والمرأة في المجتمع العربي. وفي العالم العربي نحو 70 مليون أمي حوالي 63 بالمئة منهم من النساء والفتيات. ورأت بحرية عدوان ان الواقع التعليمي عموما في العالم العربي لا يبشر بخير ولا يتلائم مع الامكانيات المادية المتوفرة. غير ان الخبير السوداني عمر عباس الذي تضم بلاده اكثر من 11 مليون أمي 65 بالمئة منهم نساء أكد ان تذليل كل العقبات أمام المرأة للتعلم ومحو اميتها هو الكفيل للخروج بأمة العرب من سباتها. وقال على هامش المؤتمر « اذا وفرنا هذه الارضية فهذا من شأنه ان يدعم مشاركة النساء العربيات في اداء حقوقهن السياسية والاجتماعية والاقتصادية ». وأوضح ان تعليم الأم سيسمح باعداد جيل متعلم مما يساهم في نهضة اقتصادية للبلدان العربية ويجلب لها الرخاء. لكنه اعتبر ان محو الامية سيمكن ايضا من خلق جو سياسي معافى لان الامية تمثل تربة خصبة ومولدا للعنف والارهاب. وأضاف « ما نعانيه اليوم من تخلف اقتصادي واستعمار ثقافي حضاري هو نتيجة حتمية لسنوات الجهل والامية التي تخبطت فيها المجتمعات العربية وخصوصا النساء ». وربط الخبير المغربي حبيب ندير بين النمو الاقتصادي لاي بلد بمساهمة المرأة. وقال لرويترز « النماء الاقتصادي الذي نطمح اليه في بلداننا لا يمكن ان يحصل دون مساهمة فعالة من المرأة مما يستوجب التركيز على محو اميتها كي يكون باستطاعتها اعداد اجيال لاحقة متعلمة ». لكنه أشار الى ان محاربة الامية لدى الكبار والنساء خصوصا يجب الا تقتصر على برامج تعليم الكبار التي وصفها بالامر الاساسي بل يجب ان تتركز على تجفيف منابع الامية باقرار تعميم التعليم الاساسي واجباريته. من جهته قال الجزائري محمد الطاهر البكوش « الوصول الى تقليص نسبة أمية النساء في العالم العربي سيتطلب رفع عديد التحديات أبرزها مكافحة العقليات التقليدية والعادات البالية في هذه البلدان ». ويهدف المؤتمر الذي يشارك فيه ممثلون عن المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا والسودان الى دعم جهود توفير البنى التعليمية المناسبة لتعليم الفتيات والنساء لرفع مساهمتهن في التنمية المستديمة.
(المصدر: موقع  ميدل ايست اونلاين بتاريخ 18 سبتمبر 2006)


 » لا تحسبوا   » صمتي  »  بينكم طربا فالطير يرقص مذبوحا من الألم  » (*)

الطاهر العبيدي / صحفي وكاتب تونسي لاجئ سياسي بباريس

taharlabidi@free.fr

 

 

 الإهداء إلى الشهداء

 

الصحفية أطوار بهجت (*)

 

الهاشمي المكي (**)

 

إلى أطفال قانا المكررة

 

إلى أهالينا  في فلسطين والعراق  

 

إلى كل هؤلاء من علمونا المقاومة بالأجساد

 

 

عندما يصبح الصمت لغة استشهاد، وحين تصبح المقاومة فعلا بالأجساد، وعندما يصبح التنظير والتحليل والتقدير عنوان الكساد، عندها لا أجد ما أرسم وما أقول سوى الوقوف تعظيم سلام، إلى العابرين في صمت الحناجر. أولئك الذين جعلوا من أجسادهم مراكب للعبور، من أجل أن تكون لنا الشوارع والمعابر والأزقة والنخيل، من أجل أن تكون لنا الأمطار والأشجار والصفصاف والبحر والأصداف والصبّار والحقول، من أجل أن تكون لنا المساجد والكنائس والمزارع والتراب والسهول، من أجل فتح نوافذ في زمن الرماد، من أجل استيقاظ العقل وصحو الضمير، من أجل استرجاع النص المفقود، واستعادة الحلم الموءود، وتحرير الشرف المنهوب، أولئك الذين كتبوا عناوين البقاء، حيث الكتابة لديهم لا تعني الاستكانة ومضغ الذل والقناعة بهوان المصير، هم لم يكتبوا بحبر أجسادهم علامات التحدي والمرور، من أجل تزفيت الطرقات أو البحث عن المعادن، بل من أجل التنقيب عن الإنسان الحر في زمن الطواغيت وزمن القمع الاستباقي، وزمن الإقطاع الفكري، وزمن ديمقراطيات القنابل، ليكونوا كتّابا من نوع آخر، كتابا غادروا منصات الأوراق واشتبكوا مع هموم الناس وأحلام الجماهير…

 

فمن أي المعابر يستطيع قلمي الولوج، ومن أي المسارب أستطيع المرور ونحن رهائن الغربتين، غربة المنفى وغربة أوطان تحترف الظلم وتنتج الخضوع والهوان، تملك جيوشا من رماد، تملك سجونا تطحن العظام والأجساد، تملك شعوبا منزوعة العيون واللسان، تملك تنمية وهمية ومشاريع من سراب، تملك صحافة فولاذية لغتها حطب وأخشاب، تملك خططا تآمرية على الوعي الخلاق، تملك أسلحة موجهة ضد حرية الرأي وحرية التعبير وحقوق الإنسان، تملك خطبا بالية تماما كما العملة القديمة انقرضت من الأسواق، تملك جرأة كبيرة على تزوير التاريخ وتحريف نتائج الانتخاب…

 

لا يليق بنا الحياد لا يليق بنا الحداد، فليكن الوطن محبرة وليتحوّل القلم إلى قنبلة، ولتتحول الأوراق إلى منصّات مفخّخة، فما عاد ممكنا التستر على المفردات المحظورة، ما عاد ممكنا التستر على الصمت الآثم، فالكلمة غير قابلة للقسمة، كما الحقيقة غير قابلة للتجزئة، ما عاد ممكنا إعراب مآسينا المكرّرة، ما عاد ممكنا تصريف أحوالنا المدمرة، فقد بزغ الشعاع والتقطت معه إشارات صادرة عن الإنسان، وتجاوزت رطل أيامنا في محطات السنين الطويلة…

 

مقطبة الجبين كل الحروف والنصوص واللغات، عقيمة هي المفردات، مبتورة كل الأحاديث وكل التصريحات، معطوبة كل الأقاويل والتفاسير والحوارات، خجولة هي الكلمات وموصدة في وجه قلمي كل المسارب والمعابر التي تروي فعل المقاومة بالأجساد، لترسم أن الإرادة ليست منتوجات كيماوية، ولا هي في الأنابيب الاصطناعية، ولكنها كامنة في الإنسان حيث الرفض والتحدي والممانعة والمقاومة قناديل تضيء ليالي السواد، هناك في فلسطين الثبات، إلى لبنان المنتصبة في واقع المؤامرات، إلى العراق التي تصارع الغزاة إلى تونس بلد السجون والمعتقلات، وإلى كل المدن العربية الأخرى التي تتوق للحرية والانعتاق، وتشهد ارتفاع درجة حرارة الجماهير وتنتظر الفصل الأخير، من كل هذه المدن التي تستعدّ لرفع الشراع واختراق بحور الضياع، لتعلن الرفض والوقوف في وجه الطغاة، تجيء الومضات، لتروي لنا اعترافات من فضلوا الفعل عن الكلام، وتكتب بالحرف المغموس بين ثنايا الأجساد، حكاية استشهاد  » الهاشمي المكي » ذاك التونسي المولد والانتماء، ذاك الذي قضى في سجون الاستقلال سنين طوال من أجل حرية الرأي وحقوق الإنسان، ومن أجل أن تكون تونس بلد المواطنة بلد المناصفة بلد المحاسبة بلد المحاكم العادلة، وبلد حرية الرأي وتعددية الأحزاب، فكان الثمن سنين مكلومة خلف الحديد والقضبان، وظل في الزنزانة يقاوم سنوات المحنة وسنوات الغمّة وسنوات الظلمة، إلى أن أصيب بسرطان المفاصل، فأطلق سراحه أربعة أشهر قبل أن يغادر هذه الحياة، بعد مضي 11 عام، بين السجون والمعتقلات، ليستشهد بعد بضعة أيام وبذلك يكتب بالجسد والسواعد، طريقا للحرية في سبيل أن تشرق شمس الوطن من خلف الضباب، ويكتب بصمت دون ثرثرة قسديرية،  ولا خطب عاجية، ولا بيانات معدنية، ولا بلاغات خشبية، عبارة المقاومة بالأجساد، من أجل أن لا نكون أحياء في ثوب أموات، من أجل أن لا نسير ونحن نتوسد خضوعنا، كما كنا نشبه البشر ونحن أموات، ليقول دون تخصيب الكلام أن الثورة لا يمكن أن تزهر طالما بقيت حبيسة التنظير والأوراق، وأن الأرض لكي تنتعش تحتاج إلى المطر والسحاب، وأن الورود والأشجار لكي تستيقظ تحتاج إلى هبوب الرياح، وأن الكرامة لا تنبت تحت أرائك التمني والسهاد، وأن الحرية ليست بضاعة تستورد من الأسواق، وأن التغيير لا يمكن أن يكون قولا فضائيا متعاليا عن هموم الناس، وأن وصية الهاشمي المكي في السفر ما قبل الأخير، وهو على فراش التجهز والرحيل، كان يحلم بوطن يكون ملكا للجميع، ملكا للفرقاء، ملكا للفقراء للبؤساء للكادحين، للمواطنين البسطاء، للمزارعين للفلاحين للمتسولين للإعلاميين للمبدعين للمنفيين للمهاجرين والمهجّرين دون إقصاء ، دون تفضيل دون تبجيل.. وطن لا سجون فيه تنهش الأجساد وتدمر العقول، ولا محاضر محرّفة ولا محاكمات مزوّرة ولا تلاعب بالقانون، ولا هتافات خاوية ولا مديح ينتج شعبا يحترف الزحف وطق الطبول، وينتج صحافة لا تعتني سوى بإحصاء وترتيب ومسح أحذية المسؤول، وقبل انتهاء الفصل الأخير، قبل السفر والرحيل، يرفع الهاشمي المكي إشارة النصر بيد منهكة عطبتها ملوحة وقسوة السجون، ليكون المشهد علامة فاصلة بين من يستشهد في سبيل القيم والثوابت، وبين من يموت كما تموت الجرذان والبعير، بين من يفتح بجسده مسربا للعبور، وبين من يقبع في فراشه متوسدا أطنان القول المأثور، حالما بالتغيير عبر المراسلة دون جهد دون تعب، سوى الحديث الطري والكلام اليانع والتفرج من خلف الشرفات والشبابيك وعبر الفضائيات والجرائد وعبر الأثير… ليقول لنا الهاشمي المكي وصية المشهد الأخير، أن الموت الكريم هو بدايات التغيير، وأن الفرق شاسع بين يغرس الزيتون والليمون والبرتقال والنخيل، وبين من يقبع معلبا في مكانه ينتظر مواسم الحصاد وشرب العصير، لتكون الإيحاءات عوض الكلمات، وتكون الإشارات عوض الخطابات، وتكون الإيماءات عوض البيانات، لننتبه من حولنا هناك في عراق الدمار والمأساة، حيث الرؤوس يوميا تحصد كما العشب والنبات، حيث الموت العبثي والقتل العدمي والموت المجاني، يأتي تحت عباءات التحرير والتنوير، وضمن مخطط القصاص والتدمير، وتخريب التاريخ وحرق الكتب والمكتبات، والمسخ والفتنة وزرع الشقاق والتهجير، هناك في تلك المدن المغرّبة بلا ميناء، يصلب الإنسان تحرق الأشجار والأحجار والنخيل، ويمتزج الحزن بالعويل بالصراخ برائحة الرصاص وعطس المدافع وتنهد المفرقعات وسعال الرشاش وهدير القنابل، لينقطع الإرسال، وتتوقف الصورة لينبلج وجه شهيدة الميكروفون وشهيدة الصورة الصحفية الأممية  » أطوار بهجت  » وهي متلبسة بعشق العراق وعشق الفرات، منتصبة في خندق المعركة تواجه القصف بالميكروفون والصورة والكلمة، لتنقل بصدق المشاعر كل تفاصيل المشرحة… كانت امرأة لا كبعض النساء تعتني بصبغ الشعر ولبس الحلي وتقليم الأظافر، بل فضلت امتطاء صهوة « المكرفون » واختارت التمركز على جبهة المشهد والصورة في زي مقاتل، لم تكن تملك جيشا نظاميا ولا مدرعات ولا قنابل، بل لم يكن على كتفيها نياشين مرصّعة ولا نجوم مذهّبة ولا شاحنات تموين ولا أكداس بنادق، كانت وحيدة عتادها ميكروفونا وكلمة وصفاء حنجرة… وحيدة تمشي على جراحاتها، تتسلل عبر الطرق والمعابر، دون تمويه دون اختفاء ولا ثوب واقي من الرصاص والقنابل، لم يكن معها جيشا جرّارا وحدها كانت كتيبة من عساكر، ترسانتها نقل حي وتقرير موضوعي وخبر استباقي وتنوير المشاهد، لتكون وجها لوجه مع الموت اليومي والاشتباك الدموي، لتلتقط بالصوت الجهوري والحس الصحفي، أحزان المساءات وأوجاع مدن تئن تحت القصف والمفرقعات، وتظل منتصبة واقفة بين عواصف الرصاص وصرير البنادق، متدثرة بعشق التربة وعشق العراق، لتنقل إلينا تأوه الشوارع واحتراق الأشجار وهدم المنازل، وانقطاع الكهرباء وعطش البيوت واشتعال المزارع، ومعاناة القرى وتهديم المساجد، لتروي إلينا نحن الذين نتفرج خلف الجهاز ممدين في المضاجع،  قصص المآسي وكل بشاعة المشاهد، لتسقط شهيدة الفعل المقاوم، وتستشهد نيابة عنا جميعا نحن الذين احترفنا الجلوس والقعود والنضال خلف المكاتب، نحن الذين احترفنا الصمت الآثم واحترفنا رطوبة الكلام ومضغ الهزائم، نحن الذين تعوّدنا التفرّج يوميا على طوابير المجازر في غزة والقطاع وجنين وكل الأزقة والأحياء والمخيمات التي ترفض التنازل، وكل المدن المستيقظة التي تأبى السقوط ترفض الهوان وتتحدى المدرعات والعساكر، وتواجه الرصاص والصواريخ والقصف، والحصار والتجويع أمام أنظار العالم، ليكون الفعل المقاوم جوابا فسفوري على من ابتكروا الكتابة باللسان عوضا عن الأصابع، أولئك الكتاب الذين امتهنوا تبييض القهر والاستبداد ومحاولة إقناعنا أن الفهود والنمور والأسود لا تملك أنيابا ولا مخالب، وان النسور أليفة رقيقة وديعة كالحمائم،  فتكون قانا المكرّرة صفحات ملونة تفشل هذه النظريات وكل هذه المزاعم، ويستشهد أطفال لبنان تحت أطنان القنابل، ليكتبوا بأجسادهم الغضة عناوين الطفل المقاوم ليصبح التاريخ يصوغه هؤلاء الأطفال عبر الدماء عبر الصور البشعة وفظاعة المجازر…

 

 

فاعذرونا أيها المارون في عمق المداخل، يا شهداء كل المحاور، أعذروا صمتنا الآثم، فأنتم المنشقون عن القول المساوم، ونحن المشتقون من الفشل الجماعي، مازلنا جامدين في نفس الزمان راسبون  في نفس المكان، منذ سنين طويلة أرهقتنا فواتير الهزائم، أحيانا ندفعها بالتقسيط وأحيانا كثيرة نسدّدها بالفوائض…     

 

—————————————————-

 

هوامش

 

(*) أطوار بهجت / صحفية عراقية مراسلة قناة العربية / اختطفت واغتيلت مع طاقم العمل أثناء تغطيتها لتفجير مقام الإمام علي الهادي في سامراء بالعراق  صباح الأربعاء 22 فبراير 2006 م. من مواليد 1976

  

(**) الهاشمي المكي سجين سياسي تونسي من مواليد 22 – 12 – 1958 محاكم ب 37 سنة من أجل انتمائة لحركة النهضة التونسية  افرج عنه 14 – 3 – 2003  بعد استفحال مرض السرطان الذي أصابه نتيجة الاعتقال توفي بعد خروجه من السجن بتاريخ  15- 7- 2006 

 

(*) انظر الشريط السمعي البصري للجمعية الدولية للدفاع عن المساجين

 

————————-

المصادر

العرب أونلاين لاين بتاريخ / 14 / 9 / 2006

جريدة الشعب المصرية / 15 – 9 – 2006

موقع البصرة نت بتاريخ / 16 – 9 – 2006

       


حديث الأربعاء

المختار اليحياوي

تابعت مساء يوم الأربعاء (13 سبتمبر 2006، التحرير) الحديث الذي أعادته قناة الحوار التي يديرها السيد الطاهر بن حسين و الذي أدلى لها به الأستاذ محمد الشرفي وزير التربية و التعليم السابق (1989 – 1994) ومع مفاجئتي بالتطور الحاصل في موقفه من تقييم السلطة منذ 7 نوفمبر 1987  إلى الآن حتى أن المستمع إليه يخال نفسه أمام الوزير المقبل و ليس السابق.

 

وإن يبدو من التجربة أن هذا التقلب في المواقف من سمات النخبة السياسية السائدة حاليا و أنه لا يجب أن نغتر بالمواقف و أن نكتفي بقراءتها من خلال العوامل الظرفية التي وردت في سياقها خاصة وأذكر كيف شعرت بالإحراج عندما كنت في حوار صحبته مع أحد وكلاء وزير الخارجية الأمريكي الذين زاروا تونس حيث قال الأستاذ الشرفي كلاما غير ما سمعتُ في رئيس الدولة وهو الذي عمل معه 5 سنوات جعل المسؤول الأمريكي يجيبه “هل تطلب مني أن أحمله معي في الطائرة وأريحكم منه »؟. فسبحان مبدل الأحوال.

 

و لكن ما أثار انتباهي يخص الإصلاح التربوي الذي ادخله في عهده والذي لا يزال ساريا لحد اليوم. وبقطع النظر عن تجاوز الحوار الوقوف على تقييم الإصلاح المذكور بعد مضي أكثر من عشر سنوات على تطبيقه و النتائج الكارثية التي جرها على حرمة الجامعة اقترانه بتركيز الحرس الجامعي داخلها حيث اكتفى بالقول أن وزير التربية يملك صلاحية الإذن للأمن بدخولها ولكن لا يملك التحكم في خروجه منها ولا في ما يقوم به داخلها. ومع انه ليس مفاجئا غياب أدنى نقد ذاتي أو إقرار بفشل « مشروعه » الذي لم ينجح سوى في تعميم التدين وتعميقه في أوساط الطلبة و لكن في صيغه السلفية القدرية.

 

ولكن النقطة التي وردت في الحوار والتي أعتقد أنه من المفيد تنبيه الأستاذ الشرفي لها ما أعاده أكثر من مرة لتبرير إمضائه على طلب العفو التشريعي العام على المعتقلين لحد الآن بسبب هذه الأحداث من قيادات الحركة الطلابية بقوله أن الأحكام كانت قاسية ومشطة لذلك أمضى على طلب العفو العام عنهم.

 

والذي أعرفه مما أخذته من علمه أن تحديد مدة العقوبة مسألة موضوعية متروكة للسلطة التقديرية للقاضي. فالقانون يحدد أدنى و أقصى مدة العقاب لكل جريمة و يبقي للقاضي حرية الاجتهاد المطلق في تعيينها. كما أن القانون قد يحدد للقاضي شروطا تقتضي التخفيف أو شروطا تقتضي التشديد للنزول بالعقاب دون الحد الأدنى أو لتجاوز الحد الأقصى و لكنه لا يضع مفهوما اسمه حكم قاسي وحكم هين. ونعلم جميعا أن نظامنا القضائي يقوم على مبدأ التقاضي على درجتين بمعنى أن تحديد مدة الحكم يتدخل فيها ستة قضاة أو ثمانية إذا كانت جناية كما هو الشأن و متى استقر حكمهم لا يمكن حتى لمحكمة التعقيب النظر في مراجعته باعتبارها تسهر فقط على حسن تطبيق القانون ولا سلطة لها في تقدير اجتهاد القضاة.

 

وخلاصة القول أن الحكم الذي يبدو لمن تسلط عليه مشطا و قاسيا لا يمكن التخفيف فيه إلا بطلب العفو الخاص من رئيس الدولة أو بالسراح الشرطي طبق الضوابط التي يحددها القانون وهو ما يجعل الأستاذ الشرفي يرتكب خطأ لا يستساغ من مثله بإمضائه على طلب العفو العام عنهم مع اقتناعه بإجرامهم.

 

فالعفو العام يمحو الجريمة والعقاب بحكم قانون وهو أعلى سلطة من القضاء وإذا اعتبرنا أننا سنأخذ بمقياس شدة العقاب في منحه فإنه سيصبح من حق كل مجرمي الحق العام و خاصة أخطرهم الاستفادة منه و نحن نعرف أنه لدينا الآلاف منهم و لا أعتقد أن ذلك ما هو مطروح اليوم و لا أن أولويتنا تخصهم. فقد سبق أن مُنح العفو العام بخصوص المحكومين من أجل جرائم معينة كما حصل للمسجونين من أجل إصدار شيكات بدون رصيد و لكن الأستاذ الشرفي لم يختر مقياس نوعية الجريمة حتى لا يكون هناك أي إلتباس في وصمهم بالإجرام بعد خروجهم.

 

وعندما تلتبس الأمور بهذا الشكل و يصدر الالتباس من شخص يحمل المرجعية الأكاديمية و القانونية و الحقوقية و السياسية التي يحملها الأستاذ الشرفي، العميد السابق لكلية الحقوق، والوزير السابق للتربية، والرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن الأمر يقتضي التوقف والمراجعة بصفة جذرية حتى ندرك عن وعي مع من نحن و مع من نناضل من أجل الحريات والديموقراطية ومن أجل أي هدف.

 

فكثير من مواطنينا تسلط عيهم أحكام قاسية فعلا ربما كان يكفي جزء يسير منها لردعهم كما لا يخلو أي قضاء من أخطاء وأي سجن من أبرياء وفي كل هذه الحالات يكون المحكومون أشد المصرين والمطالبين بالصفح عنهم أو إنصافهم و قلما توجد سلطة يصلها صدى مثل هذه النداءات وتجد مبرراتها و لا تسعى لإجابتها إذ قلما توجد سلطة مجردة عن مثل هذه الأخلاقية.

 

وفي المقابل يندر أن يوجد شخص يقبل بإضاعة حياته هدرا في السجون و المنافي و يتملكه اليأس من انفراج باب الرحمة في وجهه و هو مقتنع ببراءته أو بقسوة الحكم المسلط عليه حتى لا يتلمس أبواب العفو و الرحمة لإنقاذه من ورطته.

 

ولكن السجناء الذين تحدث عنهم الأستاذ الشرفي رغم طول مدة أسرهم لم يتوسلوا لأنفسهم مخرجا ولا طلبوا عفوا لا يأسا منهم من الاستجابة لمطالبهم و لكن لقناعتهم بأنهم سجناء من أجل قضية تتجاوزهم و تتجاوز الحدود الضيقة للقضية التي تعني شخصيا كل واحد منهم. وهم في هذا الموقع لا شأن لخلفيتهم الدينية أو الإيديولوجية أو الحزبية بما يرمزون إليه و لا فرق بينهم اليوم وبين من سبقهم وكل الأحرار في العالم الذين تعرضوا لما يتعرضون إليه و كانت مواقفهم مثل موقفهم. إن طمس هذه الخلفية لتضحياتهم جريمة في حق معركة الحرية.

 

لذلك عندما نساندهم اليوم ويساندهم كل أحرار هذه البلاد و كل الأحرار في العالم لا علاقة لنا بذواتهم و لا بمعتقداتهم و لا بكل ما يعطيهم تلك الخصوصية التي يدافعون عنها قبل اعتقالهم ولكن ندافع من خلالهم على محتوى الحقوق التي نعتقد أنها من حقنا في التعبير عن رأينا و الدفاع عن خصوصيتنا الذاتية و التي نعتبرها من مقومات مواطنتنا و كرامتنا في وطننا و نعتبر أن ممارستها هي التجسيم المادي لتمتعنا بالحرية و التي إنما اعتقلوا و سجنوا من اجل ممارستهم لها ومن أجل إصرارهم على ممارستها و رفضهم لمصادرتها و لأن بقائهم في السجن يعني بالنسبة لنا بقائنا محرومين من ممارسة حرياتنا بصفة فعلية. لذلك فهم سجناء رأي و مساجين سياسيين رغما عني عنك وعن السلطة التي تحتجزهم لأن العالم كله يعتبرهم كذلك و التاريخ سيذكرهم بذلك.

 

كلمة أخيرة وردت في الحوار لابد من التوقف عندها لتوضيح هوة الخلاف الذي أصبح يفصلنا عن بعض متزعمي حركة المعارضة الديموقراطية فقد ذكر الأستاذ الشرفي أنه تصرف كرجل دولة عندما طلب من البوليس اقتحام الجامعة و أعتقد أنه مخطئ في هذا الباب أيضا لأنه إنما تصرفت كرجل نظام لا كرجل دولة. فتحركات الطلبة لم تكن تهدد الدولة في شيء و لكنها كانت تمثل تهديدا خطيرا ومباشرا للنظام الذي كان مهندس سياسته في هذا المجال ولو تصرف كرجل دولة لما أدخل البوليس إلى الجامعة التي كان عميدها وهو يعرف أنه لا يملك إخراجه منها و لاعترف أن الجامعة في أغلبيتها الساحقة انتفضت ضد إصلاحهم وأن الدولة دولة مواطنين و ليست دولة نظام وأن نظاما يلاقي مثلما لاقاه برنامجهم من معارضة – لو قدم شأن الدولة على مصالحه الضيقة –  لتراجع عن برنامجه أو قدمت حكومته استقالتها حتى يتم التوافق على الإصلاح علي ما يقبل المعنيون به. ولكن النظام المستبد بسلطته و المستمد لسطوته من قوة أجهزة قمعه بقدر ما تشتد وتنتشر المعارضة لسياسته بقدر ما يضاعف من شدة قمعه و جبروته على مواطنيه وهو ما حصل بالضبط حتى ثكلتم تونس في شبابها.

 

لقد رأينا منذ بضعة سنوات كيف تعطلت فرنسا بأسرها و أغلب أوروبا من حولها لعدة أسابيع بسبب إضراب سائقي الشاحنات و تعطيلهم لحركة المرور على كل طرقاتها حتى يُخضعوا النظام لمطالبهم ولكن النظام في فرنسا تصرف بمنطق الدولة و اعتبر أن المجتمع الذي فوضه سلطته من حقه أن يتدخل مباشرة حتى في ديموقراطية مثل فرنسا ويفرض إرادته التي لم تكفلها المؤسسات و لم يدخل حساب الربح و الخسارة المترتبة عن احتجاجاتهم لقمعهم ولم يعتبر نفسه أحرص على فرنسا من أهلها. وحتى لا نبتعد كثيرا و ما حدث في الشتاء الماضي في الجامعات الفرنسية من تحركات نقابية طلابية تواصلت لعدة أسابيع إلى أن انتهت بإجبار النظام على التراجع على القانون الذي استصدره لأن النظام لا يلغي المجتمع بل يتفسخ ليتركه يعبر عن إرادته ما دامت الدولة دولته.

 

غريب أن يواصل البعض احتكار صدارة المعركة من اجل الحرية و هو يعتقد في صميم قناعته أنها جريمة إذا وقعت ممارستها لمعارضته.

 

إذا لم يكن من حقنا أن نفرض إرادتنا على دولتنا و أن نرغمها رغم كل وسائل السطوة و القوة التي تملكها كيف سنبني ديموقراطية؟ و كيف سنؤسس حرية؟ و كيف سنقيم مواطنة؟ و لماذا كل هذا العناء من أجل تغيير الرجال و الأسماء و قد وافق شن طبقة؟.

 

المريع في كل هذه القضية انك ستفهم أن من ينتقد برنامج إصلاحك يرغب في تسليم البلاد « للخوانجية » و الأفظع أنك لم تفهم – رغم كل ما مضى – أن برنامجك لم يؤسس لمدارس وجامعات عصرية وإنما لأجهزة برمجة وتحكم في العقليات بقصد فرض هيمنة سياسية وأنك لم تكن مبدعا و إنما كنت الأداة.

 

المختار اليحياوي – 14 سبتمبر 2006

 

(المصدر: مدونة « كلمة حـق »، بتاريخ 14 سبتمبر 2006)

الرابط: http://kalimathak.wordpress.com/2006/09/14/charfi-hiwar/

 
 


إلى هيئة الإشراف على موقع تونس نيوز والقراء الأفاضل:

أزمة دلالات أم إشكاليّة فكر؟؟؟؟

 
 ما دام هناك باث ومتلقّ وأداة نقل ومن ثمّة مادّة منقولة، وجب الحديث أو بالأحرى الاتّفاق بخصوص المعجم المعتمد أو هو المعين الذي نكرع منه جميلا وفي حالات الاختلاف ـ التي تأتي من باب المجاز أو الاستعارة أو غيرها ـ وجب على الباثّ أن ينبّه ويشير، وإلاّ جاء التلقّي والتقبّل على عكس ما يريده الباث، فلفظ «الديمقراطيّة» مثلا يلقى من الاستعمال والرواج «الكمّي» ما يفوق التخيّل، دون أن تترسّخ قاعدة توافق [في حدودها الدنيا]… عودًا إلى مقال الأستاذ المحترم برهاس بسيّس «أفكار ضدّ التطرف»، فقد كنت كتبت التعقيب الذي يلي وأرسلت به إلى هيئة الإشراف على هذا الموقع التي فضلت التريّث في نشره إلى حين أن أطّلع على التوضيح الهام الذي أصدره الأستاذ برهان بسيّس… أرى أنّ ما تفضّل به الأستاذ برهان بسيّس يأتي ضمن حقّه المشروع والطبيعي في تأويل قوله وتفسير كتابته أو البحث عن تصحيح ما يراه «سوء فهم»، لكنّ الأكيد أنّ العبارات والألفاظ والمفردات، فما البال بالمعاني والتفسيرات والتأويلات، تأتي جميعها مرتبطة بحالة «التوافق اللغوي» التي نراها أو وحب أن نعتبرها بين «المسمّى» و«التسمية»… وأيضًا شئت أن يأتي التعقيب على «الحالّة العامّة» للمفهوم وليس ما يراه الأستاذ برهان بسيّس… يبقى الحقّ لمن شاء أن يقول ويكتب ويعني ما يريد، كما يبقى من حقّنا أن نقرأ ونطالع ونفهم بحسب ما نملك من إدراك… حسبنا في ذلك إستحالة سحب المقال أو إسترجاعه وأيضُا إستحالة منع القراءات والتأويلات….   نصر الدين بن حديد    
 

تعليقًا على مقال الأستاذ المحترم برهاس بسيّس «أفكار ضدّ التطرف»:

أزمة البذرة؟؟؟ إشكاليّة الجذر؟؟؟ أسئلة الجذع؟؟؟ تساؤلات الفرع؟؟؟ هويّة الثمرة؟؟؟

 
الأكيد والذي لا يقبل الجدل، أنّ ما يمكن أن نسميه «الإسلام السياسي»(1) قد صار أحد أهمّ محدّدات الفعل البشري، سواء لدى من يبحث عن تثبيت هذه الرؤية وترسيخها أو من يروم اقتلاع هذا المنطق ونفي وجوده، حيث يتّفق كلّ من أسامة بن لادن وجورج بوش الثاني ـ حدّ التطابق المطلق ـ على اعتبار «معادلة الإسلام [سواء تأسيسًا أو محاربة] ذات بعد كوني» متعدّية للأقطار ومتجاوزة للجغرافيا، إن لم تكن نافية لها.   المعادلة «الإسلاميّة» [الكونيّة أو الشموليّة] تتعارض أو هي تتنافى مع ماهيّة الدولة القطريّة وما أسّس لها من تشريعات وقوانين، حيث تمثّل الحدود بين الدول ليس التجسيد الجغرافي لكلّ كيان فقط، بل المدى ـ المادّي ـ الذي تنطبق ضمنه القوانين القطريّة!!!   الحديث عن «الحجاب» أو «الخمار» أو هو «الزيّ الإسلامي» إن لم نقل «الزيّ الطائفي» يخضع أو يستلزم منهجيّا وإجرائيّا تجاوز الحدود التونسيّة لوضع المعادلة بأكملها ضمن أفق هذا «الإسلام السياسي» [الكوني]، سواء أصرّت السلطات التونسيّة [من باب السيادة والقانون] على علويّة تشريعاتها ضمن مجالها الجغرافي أو أعلنت حركة النهضة [كبرى التنظيمات الإسلاميّة التونسيّة] أنّها تخصّ بفعلها السياسي المباشر الإطار الجغرافي ذاته الذي تعلنه السلطات التونسيّة [بحكم القانون الدولي] مجالا لفعلها…   وجب القول أيضًا أنّ إحدى أهمّ المعضلات تكمن في القصور أو العجز عن وضع معادلة «الإسلام السياسي» ـ وخصوصًا إشكاليّة الحجاب ـ ضمن أفق «تشريعي» بيّن ومتفق بخصوصه، حيث نرى ضبابيّة في الرؤية وغموض في الإطار، سواء حين تتناقض المرجعيات أو تتصارع المصالح، فيكون ـ مثلا ـ الشيخ يوسف القرضاوي [لدى طائفة من التونسيين] صاحب حقّ [شرعي] وواجب [فقهي] في نفي «شرعيّة» المنشور 108 مثلا، في حين يرى الأستاذ برهان بسيّس قطعًا أنّ لا حقّ لهذا الشيخ أو غيره أن يحشر ذاته [أو أنفه] ضمن ما يمكن أن نسمّيه «معادلة الذات التونسيّة» التي تملك من القدرة والدراية والمعرفة [حسب ما قرأناه من كتابات الأستاذ برهان بسيّس] ما يجعلها تبتّ في سائر شؤون عيشها وأحوالها.   يأتي توصيف «الزيّ الطائفي» معبّرا ضمن علم الدلالات عن وجود «طائفة» تنتسب إلى هذا الزيّ أوّلا، وثانيا وجود «طائفة» أو هي «طوائف» أخرى، أو في الحدود القصوى، «جماعة بشريّة» قد ترفض أن ترى في ذاتها «طائفة» وإن قابلت أو عارضت «الطائفة الأخرى» [صاحبة الزيّ] على مستوى التموضع والفعل أو هي المعارضة سواء من باب التوصيف والقراءة والتأويل أو التقدير والتوظيف والممارسة…   إذا انطلقنا من مقولة «رولان بارت» :«إنّ اللّباس يخصّ كلّ الشخصيّة البشريّة، وكلّ الجسد، ومجمل العلاقات الرابطة بين الشخص وجسده، وكذلك كلّ علاقات الجسد بالمجتمع…»(2) يمكن القول أنّ الحجاب أو «الزيّ الطائفي» لا يمثّل ـ لدى أصحابه والمنادين به أو العاملين على نشره ـ سوى الحالة البيّنة والتعبير الظاهر عن التباين والاختلاف أو الرفض والنفي، سواء من باب «عدم الوعي الموضوعي» بما هي عليه «الرؤية الرسميّة» أو رغبة في نفي هذه السلطة بدءا بمخالفتها على مستوى اللباس، ليس كما قال الأستاذ برهان بسيسّ :«كل ممنوع يتحوّل وفق القاعدة النفسية التقليدية إلى مرغوب»، بل حين يصير هذا الممنوع وسيلة معارضة ودليل رفض للمشروع [السياسي] القائم… إذا اعتبرنا «الحجاب» أو «الزيّ الطائفي» علامة وهويّة لـ«مجموعة بشريّة أو جماعيّة سياسيّة أو فرقة دينيّة»، نلاحظ أنّ الطرف المقابل لم يستطع بشهادة الأستاذ برهان بسيّس ذاته، أن يقدّم أو يطرح «منظومة لباسيّة» تؤسّس من خلالها أو هي تعرّف بها مقوّمات الذات في المقام الأوّل، وثانيًا تطرح أمام جميع من هم يعيشون ضمن «الفضاء السياسي/الجغرافي/الإنساني التونسي» بديلا عمّا يقدّمه «أصحاب الزيّ الطائفي»…   تكمن قوّة الحجاب أو اللباس الطائفي في القدرة على تعريف الذات ضمن ضوابط بيّنة وصريحة، سواء وجدت ـ أو أوجدت ـ هذه الضوابط أسسًا شرعيّة لها أو حاول البعض نفيها وتفنيدها [كما فعلت أسبوعيّة «حقائق» التونسيّة]، في حين عجز «اللباس غير الطائفي» أو «نقيض اللباس الطائفي» أن يجد ـ أو يوجد ـ لذاته تعريفًا وتقديمًا وماهيّة وكينونة خارج فعل النفي هذا!!! لنرى الأستاذ برهان بسيّس مثلا يكتب :«[…] الزي القصير الأسود لمواجهة تهديد الزي الطويل الأسود – طبعا ولكنهما في الحقيقة متكاملان -»، ممّا يعني أنّ التعريف لا يملك سوى الرفض والإقصاء دون أدنى رغبة أو قدرة على التأسيس والتأكيد؟؟؟؟ سؤال يحتاج قطعًا إلى إجابة، بل إلى إجابات…   من التبسيط القول أنّ قضيّة «الحجاب» والأسئلة المحيطة والمرتبطة بها، تخصّ «الفضاء التونسي» حصرًا، فقد حرّكت «قطعة القماش هذه» [والتعبير لصحفي فرنسي] ما لم تحركه غيرها، وبالتالي يذهب البعض ـ من باب التأويل «السياسي» أو إدّعاء توسيع أفق البحث ـ حدّ ربط «الرافضة» بعضهم ببعض، مع إضافة قضايا أخرى كمثل المطالبة بالمساواة في الإرث، ممّا يوسّع المعادلة ليكون الصراع ـ ضمن إحدى وجوهه «الوجوديّة» ـ بين ما تحمله مشاريع «الإسلام السياسي» من جهة وبين ما أوجدته أو ألزمتنا به الحداثة سواء من باب القناعة والتشبّع أو عن شعور بالدونيّة وإحساس بالغبن، حين رحنا ـ بحسب الرؤية الخلدونيّة ـ نحاكيه في مأكله وملبسه وسائر شؤون عيشه…   حين يعترف الأستاذ برهان بسيّس، الذي لا يمكن التشكيك في قدرته عن الفهم أو التحليل بقصور المنظومة الثقافيّة السائدة عن التأسيس لقاعدة صلبة أو تقديم «البديل الفاعل» فذلك يعني أنّ المعادلة أعمق من مجرّد لباس وأخطر من أن تنحلّ خارج منظومة الوفاق، حين يأتي النفي والإقصاء ـ في أقصى حالاته ـ ملبيا لغايات آنيّة ومتطلبات عاجلة، ترتبط بما يراه كلّ من أسامة بن لادن وجورج بوش الثاني… إن لم نضف ما أقدم عليه «قداسة الحبر الأعظم»!!!! ———————————————————— (1) المقصود بـ«الإسلام السياسي» كلّ التنظيمات والأحزاب والجمعيات والمناهج الفكريّة والأيديولوجيّة التي تعتبر الإسلام منهجًا سياسيّا، أو يتمّ تبويبها ضمن هذه الصفة. (2) »Le vêtement concerne toute la personne humaine, tout le corps humain, tous les rapports de l’homme à son corps, ainsi que tous les rapports du corps à la société. » Barthes Roland, Cours et entretiens 1966, in Œuvres Complètes, Tomes II 1966 – 1973, p 125.


تعقيبا على مقال برهان بسيس

لقد تغيرت تونس و تغيرت أيضا دلالة الحجاب

الحبيب أبو وليد المكني

 

يمثل الأستاذ برهان بسيس أحد الوجوه اللامعة بين الإعلاميين التونسيين في السنوات الأخيرة ، من خلال مقالاته بجريدة الصباح اليومية و من خلال تقديمه لبرنامج حواري في قناة  » أي أن بي » أو مشاركاته الكثيرة كمدافع عن النموذج التونسي الذي يراه متميزا و واعدا . لا نعرف على وجه التحديد ما هي الوظيفة التي يشغلها ضمن الأجهزة الرسمية بيد أن المقالات التي يكتبها تتجاوز التعبير عن الرأي لتدخل ضمن إطار رسم السياسيات و التوجهات و الخيارات الرسمية .

 

عندما يحاور الرجل مدعوويه في البرنامج الذي يشرف على تقديمه على القناة اللبنانية المذكورة. يبرهن على إطلاع واسع و تمكن من المعلومة و متابعة جيدة للحوارات الجارية بين النخب العربية بمختلف مدارسها ، ينتصر الرجل دائما لما يعتقد أنه الطرح العقلاني و يؤكد على أن الطرح الإسلامي لا قيمة له بميزان العقل و لا يزيد عن كونه ظاهرة مرضية ستزول بزوال أسبابها و مبرراتها . لكنه ينتصر أيضا للحريات العامة و الفردية و قيم الديمقراطية و الحداثة .

 

و لاشك أن السيد برهان يملك من المهارات و الإمكانيات ما يجعلنا نهتم بالكتابة عنه و مناقشة أفكاره، لذلك فعندما نكتب عنه اليوم كما كتبنا عنه بالأمس فلأننا نشعر أنه من الوجوه التي يمكن التحاور معها من أجل إرساء ثقافة التسامح و التنوع و الانتصار لقيم الحق و العدل و الحرية فلعل ذلك يساهم في تحريك الملف السياسي التونسي ، ذلك الملف الذي لا زال جموده يحط بظلاله على مختلف الملفات الوطنية و ينشر في العالم عن تونس صورة نموذجية أحسن ما توصف به « أنها من العسير الدفاع عنها » …و ليس مهما في رأينا حتى يكون الحوار ديمقراطيا أن يستمر الخلاف حول المنطلقات الأيديولوجية و البرامج السياسية بل المهم أن تصدق النية في إرساء قواعد التعايش السلمي بين الفرقاء السياسيين و فتح المجال حتى تعبر التعددية الفكرية عن نفسها بقدر كبير من الحرية و يستمر التدافع بين القوى تحت سقف واحد تحدده مواثيق وطنية مشتركة وتكون فيه مصلحة البلاد فوق كل الاعتبارات …

 

و لا بد أن نتوافق في البداية على أن الأوضاع في تونس لم تتأهل بعد لفتح مثل هذا الحوار الهادئ ، إلا أن تأهيلها لا زال تحت الإمكان و السيطرة , وقد لا يحتاج إلا لقرار سياسي جريء يفتح الأبواب أمام الصادقين، و يسدها أمام أصحاب المصالح الضيقة و النفوس المريضة و الولاءات المشبوهة .

 

لقد كان الأستاذ برهان بسيس واضحا في بعض مقالاته الأخيرة في التأكيد على أسلوب محدد لمواجهة التطرف الديني  » بالاعتدال العلماني » . فهو يرى أن التيار العقلاني في تونس يجب عليه أن لا يترك الساحة لقوى التطرف حتى تنفرد بتوظيف تأجج روح المقاومة في لبنان و فلسطين لصالحها لتبدو وحدها القوى المقاومة للاستعمار و الصهيونية ، في حين ينشغل أهل الفكر العميق في الكتابة عن الموازين الحقيقية و البناء و التحرر من الحماس الزائد . وهو في مقاله الأخير في جريدة الصباح عن التطرف، يدعو لانتهاج الأسلوب نفسه ضد المتطرفين وذلك بعدم إعطائهم الذرائع و تمكينهم من الحجج التي تظهرهم وحدهم كمدافعين عن القيم و الأخلاق ، في حين تبدو مؤسسات الدولة بمظهر المشجع على الابتذال و التعري و التفسخ . و مما جاء في مقاله : » ماذا يعني أن تصعد فنانة تونسية على ركح مهرجان عام ممول من طرف وزارة الثقافة ، مفتوح لعموم الشعب الكريم ، منقول على التلفزيون معبر عم طبيعة اختياراتنا الثقافية ، مبرمج ضمن العروض المدعومة من مال الدولة أي المجموعة الوطنية ( يعني يملك كل المقومات التي تجعلنا غير قادرين على التبرؤ منه) . ما معنى أن تصعد هذه الفنانة المكرمة بأوسمة الاستحقاق الثقافي بمثل « الزي الطائفي « الذي صعدت به على ركح مهرجان الحمامات ؟؟ .

 

وليس غريبا أن يقع الكثير ممن يقرأ هذا الكلام في سوء الفهم ، فالإسلاميون منهم فهموا أن الكاتب يعترض على تكريم فنانة « محجبة  » في مهرجان عام، رغم أنهم لا يعلمون هذه الفنانة المحجبة التي كرمت سابقا بأوسمة الاستحقاق الثقافي وظنوا أن الأمر يتعلق بنوع من التسامح مع الزي الإسلامي لم يعجب الكاتب .ثم تبين أن الأمر جد مختلف بعد توضيح من السيد برهان نفسه (*).

 

تبين إذن أن الكاتب يعترض على تكريم فنانة تونسية وهي في لباس غير محتشم . هو لا يعترض على التكريم في حد ذاته ولكن يرى أن ظهورها أمام الناس في مناسبة تكريم وهي في زي فاضح لا يتفق مع خيارات الدولة التونسية التي لا تقبل الحجاب باعتباره زيا طائفيا كما أنها ترفض الأزياء الفاضحة، و المشكل في أن الكاتب ساوى بين « الحجاب » و التعري من خلال تسمية كلاهما بالزي الطائفي. وهذه وجهة نظر تدعونا إلى البحث في مفهوم الكاتب للمواطنة ،. فالأمر بدا وكأن التونسي في نظر الكاتب سيفقد حقوقه كمواطن إذا لبس زيا معينا يعتبر في نظر الحكومة زيا طائفيا ؟؟

 

والواضح أن السيد برهان بسيس كان سيعترض على تكريم فنانة تونسية تقف أمام الجمهور وهي محجبة لتتسلم جائزتها فتعترف مؤسسات الدولة بكفاءتها . وهذه مسألة سوف نختلف معه فيها على طول الخط . اذ أننا لا نوافق أبدا على حرمان كفاءة تونسية ذكرا كان أو أنثى بسبب التزامه الديني أو عدمه ، لأن هذا ببساطة سيحمله على الاعتقاد بأنه ليس مواطنا كامل الحقوق ….يمكن مثلا أن نلفت الانتباه لفنانة عرفت بالابتذال في ملابسها أن تخفف من ذلك على الأقل بمناسبة التكريم …يمكن أن نعالج الأمر مع أخرى بطريقة مماثلة ، لكن الحرمان في كل الحالات هو ظلم و تعسف لا نستطيع أن نقبل به .وهو جزء من برنامجنا الداعي إلى إطلاق الحريات بأنواعها .

 

و لا بأس أن نضيف أن من جملة إجراءات مصالحة الدولة مع المجتمع في تونس أن يتوقف الحديث عن الحجاب باعتباره برنامجا سياسيا معارضا كما فعل السيد برهان لأن الحقيقة اليوم هي غير ذلك .

 

فالحجاب اليوم هو ظاهرة تدين غير متسيس و نحسب أن لا مصلحة لتونس في تسييسه لأن ذلك سيكون عائقا مهما أمام استقلال ظاهرة التدين عن المعارضة السياسية الإسلامية ، ولينظر السيد برهان بسيس في محيطه العائلي وليحاول أن يدرس جيدا هذه الظاهرة وسوف يجد أن من الخطأ أن يحملها دلالات وضعت في زمن غير زمنها . و لا شك أن تونس قد تغيرت عما كانت عليه في بداية التسعينات من القرن الماضي في كل شيء بما في ذلك دلالة الحجاب .

 

نأمل أن يتوقف الحديث عن ظاهرة التدين بمختلف تجلياتها على أنها شكل من أشكال عودة الاستقطاب والمواجهة التي لا زال الوطن بكل مكوناته يدفع ثمنها فلعل ذلك يمهد الطريق لإرساء المفهوم الحقيقي للمواطنة باعتباره أحد أركان بناء تونس الغد ، تونس الديمقراطية .

 

(*) راجع التوضيح المنشور في الغرض بتاريخ 16 سبتمبر 2006على صفحات صحيفة الوسط التونسية.

 

(المصدر: مجلة « الوسط التونسية » الألكترونية بتاريخ 17 سبتمبر 2006)

 


ماذا يحدث في تونس, محاكمات سياسية أم تباشير اصلاح ؟

 
مرسل الكسيبي*: بعيدا عن الأحكام المسبقة فان للسياسة قواعد وموازين تسير بحسبها,وهو ماينطبق عموما على مفاصل الفعل والحراك السياسي نتائج ومحصلات,ولذلك نذهب يقينا الى أن مايحدث في تونس منذ سنوات طويلة كان نتيجة لاختلال موازين القوى بين الدولة بفاعليها الرئيسيين ومجتمع مدني عانى كثيرا من التمزق وعمق الانقسام الايديولوجي وهو ماتجلى ضعفا وترددا وصراعات بين مختلف مكونات النخبة والفضاء العام,حتى أنه حن لأحد الأصدقاء أن يتندر بأن يشتري مساحة اعلانية على صحيفة الوسط التونسية ينعي فيها موت السياسة رسميا واحتجاجيا في تونس… واذا كنت لاأشاطر صديقنا المشار اليه الرأي في تقويمه المبالغ في التشاؤم لارتسامات المشهد السياسي التونسي ,الا أنه بالامكان استقراء حالة من التفكك الواضح للأسرة السياسية المعارضة من خلال فشلها في تحويل مبادرة حركة 18 أكتوبر الى حالة نهوض وطني شامل تعيد الاعتبار لمعاني التوازن بين الدولة والمجتمع . وحتى نكون من المنصفين فانه يتعين علينا القول بأن اصرار نظام الحكم على تمزيق هذا الحلف الناشئ والهش على أرضية استعمال السلاح الايديولوجي الناسف ,ساهم في ابقاء المجتمع الأهلي والمدني في حالة من الحيرة والشك والتردد وانعدام جسور الثقة ,الشيء الذي انعكس على تردد السلطة في الاقدام على خطوات انفتاحية مشجعة على الانخراط في منظومة الاصلاح الداخلي. الاصلاح الداخلي كان محموما لدى سلطة الاشراف والقرار بهواجس سياسية شجع عليها ونماها وجود جناح يساري قوي داخل أجهزة التجمع -أي الحزب الحاكم-وأجهزة الأمن التي باتت خليطا من السادي المتسلق والسياسي الطامح والايديولوجي المستميت… مواقع القرار في تونس أصبحت متعددة الى الدرجة التي أصبح فيها البعض يحرض أعلى هرم السلطة على عدم الاقدام على أي خطوة اصلاحية ولو في اطار من العفو الخاص وليس العام… البعض يريد قطعا الابقاء على ماهية الأوضاع الحالية في اطار مايطمح اليه من شرعية تجديدية للملف السياسي في صورة مااذا حصل أي فراغ! والبعض الاخر يتحرك من داخل أجهزة السلطة في اطار مواقع استشارية قصد تجميد الأوضاع السياسية الحالية خوفا مبالغا فيه وغير مبرر من المنافسة السياسية الحقيقية في صورة مااذا وقع الاصلاح المرجو والمأمول. وعلى الضفة الأخرى حيث المعارضة ,نكاد نرى المشهد الايديولوجي يلقي بظلاله مجددا على واقع الفضاء العمومي ,اذ أن قضايا الحجاب والميراث مازالت تداعب البعض كأحابيل من أجل نسف أي تشكل سياسي يتعالى عن دكاكين الايديولوجيا البائسة… أما البعض الاخر فمازال حالما بالثورة والشعب الذي أرهقته لقمة العيش,وهو ماجعل صوته الحزبي المسموع سابقا يتراجع الى مواقع خلفية غير مرجوة وغير مأمولة… أما عن أكبر فصائل المعارضة بتقدير ماهو غالب وسائد في المنطقة العربية والاسلامية ,فان هذا الأخير لازال يعاني من نزيف حقيقي نتيجة تواصل رحلة السجن والمنفى والمحاصرة الأمنية والسياسية,هذا علاوة على ماخلفته الأزمة ونتائجها السياسية والثقافية الخطيرة على المجتمع من أزمة ثقة تجاه الخطاب السياسي للقيادة وجدوى ماطرحته من رؤى حملت الحزب على كثير من التراجع وخسارة مساحات واسعة من الفعل والحركة. واذا كان للنهضة اليوم تيار تجديدي واسع يوجد بداخلها وعلى حواشيها وأيضا خارجها بعد أن قرر الكثيرون من أبنائها اختيار مساحات معتبرة من الاستقلالية الحزبية والسياسية,فان ماتحمله رؤى هذا التيار الشبابي والتجديدي من طموحات وطنية لاتخرج عن اطر المشاركة والمساهمة والتقارب  بين النخب والمصالحة على أرضية أن الوطن سفينة للجميع ولايجوز لأي كان أن يخرقها أو يستفرد فيها بالمصير ,فان هذا التيار مازال الى حد هذه الساعة لم يعلن عن نفسه في تشكل يمكن أن يخرج البلاد من حالة الاستقطاب الثنائي المرير وذلك لاعتبار نمط تعاطي السلطة الى حد هذه الساعة مع كل المعارضين الحقيقيين بأسلوب الخيار الأمني. ان تواصل وتيرة المحاكمات السياسية واخرها ماحصل في حق عناصر قيل أنها قريبة من حزب التحرير,علاوة على ماتعرض له واحد من أبرز وجوه الاعتدال السياسي وهو الأستاذ حمادي الجبالي وزوجته من تحقيق قضائي بتهمة تتغلف بطابع قانوني في الأيام الأخيرة,يضاف الى كل هذا تواصل مأساة المساجين السياسيين في واحدة من أطول مسرحيات الاعتقال السياسي غير المبرر ولاسيما بعد مرور عقد ونصف على محاكمات بداية التسعينات الشهيرة,ثم تواصل سياسة الحصار والمضايقة الأمنية للكثير ممن أفرج عنهم بموجب عفو رئاسي ,كل ذلك من شأنه أن يلقي ظلالا من الشك حول مااذا كانت هناك ارادة سياسية تهفو الى دخول الموسم السياسي الجديد من منطلق احداث منعرج جديد في الحياة السياسية التونسية… ان مابشر به زميلنا الأستاذ برهان بسيس في حلقات حوارية شاركت فيها معه على الهواء مباشرة على شاشة الديمقراطية يظل حبيس قرار رئاسي على مايبدو من أجل تلافي بقايا مرحلة عصيبة, مر جيران لنا بما هو أعصب منها في كل من المغرب والجزائر وربما حتى ليبيا وموريتانيا ولكن الوطن في نهاية المطاف كان حريا بأن يستوعب كثيرا من تداعياتها ولعل عودة رابح الكبير قبل يومين فقط من منفاه بعد 15 سنة الى الجزائر بعد رسائل ايجابية ومبشرة وضمانات قانونية من الرئيس بوتفليقة ,ثم ماسبق هذا الحدث من خطاب سيف الاسلام القذافي المحمل بنفس تجديدي وروح تصالحية غير مسبوقة,مع ماترتقبه المغرب من تحولات سياسية هادئة وايجابية في كنف رعاية الملكية الدستورية بقيادة الملك محمد السادس من خلال احتواء ظاهرة الاسلام السياسي في حزب مدني ذي خلفية ثقافية حضارية ممثلة في تيار العدالة والتنمية ,علاوة على مايحدث في موريتانيا من تحولات ايجابية في عمومها من أجل تثبيت تجربة ديمقراطية ومدنية تبعد البلد عن الاهتزازات وحمى الاضطراب ,كل ذلك من شأنه وبعين العقل والحكمة والنظر الى المستقبل أن يشجع الرئيس بن علي على اتخاذ قرارات جريئة من شأنها أن تعيد تونس الى مربع الريادة السياسية في مستواها العربي والمغاربي… وفي انتظار أن يحدث ذلك يظل التونسيون متطلعين الى شاشات التلفاز والفضائيات والحواسيب عسى أن تخرج الساحة التونسية من حالة العطالة السياسية التي وصلت اليها . *كاتب واعلامي تونسي:  reporteur2005@yahoo.de  

(المصدر: افتتاحية مجلة « الوسط التونسية » الالكترونية ليوم 18 سبتمبر 2006)

الرابط: http://www.tunisalwasat.com/viewarticle.php?id=index-20060918-2096

 

 
بسم الله الرحمان الرحيم و الصلاة و السلام على أفضل المرسلين  تونس في 18 سبتمبر 2006  الحلقة الثالثة و الأخيرة

في ذاكرتنا الشعبية و الوطنية رجال خالدون لهم فعل و بصمات لم تمحى من الذاكرة على الإطلاق

 
 
بقلم محمد العروسي الهاني    بكل إعتزاز نواصل الحديث عن خيرة الناس و المسؤولين و لن ننسى من ذاكرتنا أخانا الأكبر الحبيب بالشيخ من المهدية رجل العمل و الحزم و التواضع و الأخلاق: كذلك أبونا الفاضل الصادق بوصفارة رئيس بلدية حمام الأنف إذا أبعدت منه تقول انه غول و إذا إقتربت منه تجده أبا حنونا و صديقنا و قائدنا في الشباب المرحوم أحمد بالأسود رجل التواضع و الوطنية و الاخلاق العالية الربانية و الصدق في النية و لا يفرق أبناء بين الريف و المدينة و عاش متحمسا للقضية الوطنية و فاعلا في الشبيبة الدستورية: الولاة و الوطنية أخواننا في الوطن زكريا و عبد الحق الاسود و محمد بسباس و بن نصر و الغول و عمر شاشية و محمد بالأمين و محرز من نفس المنهج و المدرسة البورقيبية و بللونة و بالقاضي و غديره و المبروك و القائد التريكي هم أصحاب الوطنية و محمد الحبيب و بن علجية و عبد السلام قلال و عطية و فيصل و بدر الدين من تلك المدرسة البورقيبية و في القائمة بدري و عباس و بن جعفر و بو سمة و الصيد هم أسود الفترة الذهبية و المبزع و حسيب و محمد محسن و محمد بن عمارة من العائلة التونسية و البكوش و نويرة و بلخيرية و الغربي و الجديدي من ساحل النضال و الوطنية و تلك اسماء لن تمحى من الذاكرة الشعبية   و الأخوة المناضلون صالح عياش من الكاف عمل بولاية نابل و سالم بن حجل و شقيقه الطاهر حجل عملا بجهة قفصة و توزر و عبد الكريم عزيز والي بن عروس و كمال الحاج ساسي والي أريانة و محمد الصيد والي قابس و عبد الحميد المالقي والي بالعاصمة و المختار الشواري و المازري شقير و عامر غديره و فوزي العوام من ولاية المنستير و محمد معالج  القنطاوي مرجان من حمام سوسة و محمد حفصة من قصر هلال و الكافي و الفقيه من القيروان وحامة حنفير و محمد الحببيب التونسي، محمد بوغزالة محمد المكي محمد الفاضل خليل محمد الطاهر سريّم عبد العزيز بالطيف، و عبد السلام عمار أحمد بنور، نور الدين حشاد و رضا واجه، الهادي المقدّم و البشير بلاغة، عبد الرزاق الأدب، محسن بالأخوة، الأمين القادري، أحمد الخبثاني أول والي و عبد الرزاق بن زيد و الطاهر عبد الواحد و الطاهر قاسم و الحميدي و سالم المنصوري و محمد بولبيار و عددهم 72 بالتمام و هذا الرقم يوحي بذكرى حزب التحرير الذي مرّ على ميلاده إثنان و سبعون عاما  و بوسنينة في الطليعة تواضعا و أخلاقا عالية و حتى اشجار البرتقال بحديقة ولاية نابل التابعة لملك الداخلية يحرص السيد الوالي بوسنينة لبيعها على رؤوس أشجارها بصفة علنية و يضع قيمتها و ثمنها في صندوق أموال الدولة العصرية. تلك الرجال أجبنانهم على نشاطهم و تواضعهم و خدمتهم للمجموعة الوطنية و ضحوا بأوقاتهم و صحتهم من أجل بناء الدولة العصرية و تحملوا المسؤولية بصبر و تضحية بورقيبية و ناضلوا من أجل دعم الجمهورية و قاموا بواجبهم الوطني بكل وفاء و روح نضالية في معارك السدود و الجلاء و دعم الحرية… و كانوا جنودا أوفياء لدعم أركان الجمهورية . و من واجبنا ذكرهم اليوم بعد مرور خمسينية الاستقلال و الحرية و في ذكرهم تعزيزا لأركان الجمهورية التونسية … و لا نتنكر لابناء الحزب الاوائل رواد السيادة التونسية و لنا في إخواننا ألف عبرة و درس لمن يفهم معاني الوطنية و من أخلاقنا ذكرهم و هم كبار و شيوخ و منهم طريح الفراش من التضحيات الجسيمة أيام المحن الوطنية. و من تقاليدنا الإسلامية الدعوة لزيارتهم صباحا و عشية تقديرا لنضالتهم زمن الشدائد و الابعاد و السجون من طرف السلطة الاستعمارية و كنا نعتقد أنّ يوم 23 جوان 2006 سوف يكون يومهم بعد مرور الخمسينية و لكن مع الاسف الشديد رسائلنا المنشور عن موقع تونس نيوز أيام 15 و 23 جوان و 30 منه لم و لن تأتي بنتيجة إيجابية و كأنّ تقرأ في كتابك على من لا يفقه العربية و صدق من قال على من تقرأ في زابورك يا دود … و هذا أمر غريب و الله أتذكر بكل استغراب و دهشة و حيرة على ما وصلنا إليه من غلق للأبواب بكل و الاقفال العصرية…و لا شك من يغلق أبواب ماضيه سوف قطعا يأتي زمان و يعاد الغلق بصفة قوية لمن غلق باب الحرية و لكن و الحمد لله لا تنفع الأقفال مع أصحاب العزم و حسن النيّة لدعم مفهوم الجمهورية التي أسسها رجال من خير الوطن الأحرار أصحاب العزيمة و الوطنية و ضحوا بالنفس و النفيس من أجل الجمهورية نفتخر بهم في كل زمان و مكان و لن ننسى على مدى الدهر ما قدموه لفائدة الوطن والنظام و إذا تجاهلنا فترة نضالهم الطويل بأتي يوما و يتجاهل الناس نضال الآخرين و كما قال الحكيم أينما تكون يولى عليكم وهذه جمعية الوفاء على المحافظة على تراث الزعيم الحبيب بورقيبة و رموز الحركة الوطنية تذكر في كل مناسبة بخصال الرموز و الوطنيين لماذا هذه الجمعية على مطلب تأشيرتها صامتين و على رسائلها غير مجيبين و لنشاطها و تحركها غير عابئين و لمدّة سنة و 4 اشهر ساكتين… و 5 رسائل منذ التأسيس لم ترى  النور و الإجابة و نحن حائرين.. و قلنا ما هو ذنبنا إذا كنا أوفياء لتراثنا و منوهين و كلّنا من مدرسة حزب التحرير متخرجين و ما قاله بسام بونمّي من الدوحة مفيد و نحن معجبين وإن شاء الله نواصل المشوار صادقين و على درب العملاق سائرين و التاريخ سيقف إلى جانب الصادقين و الله مع الصابرين. قال الله تعالى : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا صدق الله العظيم. ملاحظة هامة : إنّ تكريم المناضلين و المسؤولين من أوكد الواجبات على رجال السياسة في كل حين و إنّ إعتماد نسيان المسؤولين السابقين ليس من أخلاق المناضلين و لا من شيم الرجال المسؤولين نرجو فهم هذه الملاحظة و العمل على إبلاغ ما جاء في رسائلنا من توضيحات و تلميحات إلى رئيس الدولة حتى يطلع عليها و التي لا تحتاج إلى تفسير و الله الهادي إلى سواء السبيل، إنّ رسائلي سيدونها التاريخ و ستصدر في كتاب إن شاء الله يكون مرجعا للأجيال. قال الله تعالى :  هل جزاء الإحسان إلا الإحسان صدق الله العظيم 


 

قداسة البابا… هذا محمد

صلى الله عليه وسلم

 

د. خــالد الطـراولي*

ktraouli@yahoo.fr

 

 

هل يمكن أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم نكرة حتى نواصل تقديمه إلى الناس؟ هل يمكن أن يكون هذا الرجل العالمي مجهولا عند الناس وقد تدين بديانته مئات الملايين من البشر؟ هل يعقل أن تغيب شخصية هذا النبي الكريم عن البعض وهي التي لم يترك جانب منها خاص أو عام، وفي أصغر تفصيلاته، إلا ملأت الكتب والمعاجم واستوطنت الصدور وملأت الأفاق؟ هل يعقل أن لا يعرف قداسة البابا قصة هذا الرجل الطيب وما حمله للبشرية من جديد وتجاوز للقديم، ومن ورائه قصة أمة وقصة دين؟

 

سوف نبني على حسن النوايا وندعو قداسة البابا، من موقعنا المتواضع جدا أمام مكانته وعلمه وخبرته وسنه، ندعوه لمرافقتنا في هذه الرحلة القصيرة التي سنطوي بها المسافات القهقرى نحو جانب بسيط من حياة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وتعامله مع الآخر، وسنقتصر على مشاهد تروي العلاقة التي أفرزها مجيئه الكريم على التقارب بين أتباع عيسى وأمة محمد،  وهي محطة نخالها إحدى هذه التعبيرات الإنسانية لهذا الرجل الصالح عليه السلام ومحبته للتعارف والتقارب بين الأمم والشعوب، وبين الثقافات والأديان…

 

عناوين التبجيل والتشريف

في البداية كان القرآن وكانت الكلمة الربانية التي تستوقفنا، فحملت سوره عناوين للبيت المسيحي، فكانت آل عمران ثاني أكبر السور القرآنية تحمل اسم أسرة المسيح عليه السلام، ثم تفاجئنا سورة تحمل اسم العذراء السيدة مريم عليها السلام تشريفا لها وتكريما، وسوف لن تجد في المقابل اسم فاطمة ولا خديجة ولا عائشة ولا الحسن ولا الحسين كعناوين بارزة أو ذكرا مباشرا، وهم من البيت النبوي وأقرب الناس إلى الرسول الكريم… و سوف تجد أن ذكر عيسى عليه السلام في القرآن بالإسم يبلغ 25 مرة في القرآن ولم يذكر محمد صلى الله عليه وسلم إلا 5 مرات! ولن تجد أحداثا خاصة وعصيبة مر بها الرسول الكريم من موت أم وأبناء وبنات وزوجة وجدّ وأعوام حزن وفراق، وسوف تجد بالمقابل سردا تفصيليا لمولد المسيح عليه السلام من قبل الإنشاء إلى حد الرفع… هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!

 

هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم جعل من النصارى أحفاد وأجداد الحبر الأعظم أقرب الناس إلى المسلمين… » وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (المائدة 82 ) وهو تأكيد مباشر على خاصية الرهبنة والرحمة والمحبة والتواضع في قوم عيسى الذين ينتمي إليهم قداسة البابا… وهو دعوة لهذا النبي الكريم إلى التقرب من هؤلاء العادلين الذين من المفترض أن يكون سموهم الروحي مطية للحب والتقارب مع الآخر والتعارف عليه. ومن وراء سطور هذا التبجيل والتشريف دعوة للعدل المتبادل بين قوم عيسى وأمة محمد حيث تسطّر المودة أحلى إطار إنساني لها.

 

وسنتجاوز آيات التبجيل والتمجيد والتكريم للمسيح وأمه الصديقة والطاهرة التي ملأت أرجاء القرآن الذي جاء به محمد  عليه السلام لترسو سفينتنا على هذا التعظيم الذي حمله هذا النبي الكريم نحو المسيح بأن تنبأ له بالعودة إلى الأرض في آخر الزمان ليحمل مشعل الإسلام ويواصل المشوار الذي بدأه محمد عليه السلام دفاعا عن هذه العقيدة وأهلها المؤمنين… هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!

 

تحت أقبية المسجد صليب وهلال

ولقد حملت إلينا الأخبار ذلك اللقاء العجيب الذي جمع هذا الرجل الطيب عليه السلام مع نصارى نجران، حيث جاؤوا إلى المدينة والرسول الكريم في قوته وبين أهله وذويه، وجاء القوم من بلادهم وهم ضعاف ينظرون ماذا سيفعل بهم هذا الرسول الذي لا يؤمنون ببعثته… ودخل 60 فردا على الرسول في مسجده وهم يلبسون أحلى ما رأى الناس حتى قيل لم نر وفدا مثلهم، ولم يغضب الرسول لهذا الاستعراض وهذه الجلبة وهو في محرابه بل استقبلهم داخل مسجده وبجانب محرابه وفي موطن عبادته وتوحيده، ولما حان وقت صلاتهم اتجهوا نحو المشرق وأرادوا أداءها… في المسجد وأمام رسول يدعي الرسالة حسب زعمهم وفي اتجاه مخالف لاتجاه المسلمين… تثليث وصلبان وصلاة مغايرة في مقابل التوحيد وصاحب الرسالة… ورفض الصحابة هذه الإثارة ولعل البعض رآها استفزازا ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، وطلب من أصحابه الأفاضل السماح للضيوف الكرام أداء صلواتهم في المسجد وعلى مرمى وعين صاحب الرسالة احتراما لعيسى وآل عيسى وأتباع عيسى… ولقد بقي هذا الجمع يسكن المسجد لأيام في ضيافة النبي صلى الله عليه وسلم يأكلون ويشربون ويصلون وينامون دون إزعاج أو مضايقة أو منع أو تنديد…  هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!

 

والقصة لا تنتهي في هذا الإطار الجميل الذي زين أروقته رسول كريم بكل ما حمل من رفق واحترام لأصحاب الرأي المخالف وإن كانوا أهل عقيدة مخالفة. بل رافقها صلح  جاء فيه هذه السمة الغالبة للرحمة واحترام الآخر لهذا النبي الكريم : … ولا يُغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، وليس عليه دَنيِّة… هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!

 

أخوة ومواطنة

ولقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يعود المرضى من غير المسلمين ويزور جيرانه ولو لم يكونوا من أصحاب ديانته ولا يبخل على الإحسان إلى محتاجهم، ولقد وقف ذات يوم عند مرور جنازة احتراما لجثمان الميت، فقيل له إنها جنازة يهودي فقال عليه السلام أليست نفسا!!! تذكير بأصل الخلقة وتكريم الخلق على اختلاف مشاربهم وأجناسهم وأديانهم وثقافاتهم حيث  » إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى…، اللهم إني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن العباد كلهم إخوة… هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!

 

 ولن يقف هذا النبي الكريم موقف المحايد أو الشامت أو الداعي إلى الخلاص ممن رفض دينه وعايشه في وطن علت فيه قيم المواطنة على انتماءات العقيدة والجنس، وغلبت فيه لغة حقوق الإنسان مهما غربت أو شرقت وجهته الدينية، فكان دستور المدينة تعبيرا فريدا وإفرازا نوعيا وإنشاءا قانونيا جديدا جمع تحت بنوده أمة محمد والأمم الأخرى التي تساكنه نفس الوطن لها مالهم وعليها ما عليهم… ولن يتوقف هذا المدد الإنساني الذي حمله محمد صلى الله عليه وسلم بين دفتي رسالته ولن ينحبس مدراره فقط في تشكّل قانوني للدفاع عن هذه العلاقة الوطنية التي تجمع كل الأطراف، بل تجاوزه إلى اعتبار ديني غليظ يصبح فيه الرسول الكريم سندا روحيا مباشرا لأهل الديانات الأخرى إذا طالهم ظلم أو حيف أو انتقاص.. » من ظلم معاهدا (مسيحيا أو يهوديا…) أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو اخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة » …هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!

 

 لقد كان في كتاب النبي الكريم إلى أهل نجران (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)، وهي الآية التي تبني علاقة الاحترام والتعارف بين الأديان والثقافات، والتي حملها رجل رفع شعارها عاليا فكان رحمة للعالمين! رفعت الأقلام وجفت الصحف… هذا يا قداسة البابا هو محمد صلى الله عليه وسلم!

المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net


في ظلال رمضان

الحلقــة الثانيـــة

 
كتبت الثوابت كتبا موثقا إذن فلا يعذر جاهل ولا مغامر بدوسها . تلك هي خلاصة الحلقة الاولى.   ما هي مقاصد الصيام ؟   ـ  » لعلكم تتقون  » . ـ  » ولعلكم تشكرون « .ـ  » لعلهم يرشدون « . ـ  » لعلهم يتقون « .    فقه الدين يقوم على ثلاثة أمور لا بد من توازيها وتكاملها معا وهي : فقه الحكم وفقه مقصد الحكم وفقه الواقع الذي يراد تطبيق الحكم فيه أو عليه . فقه الدين يقوم على ثلاثة أرجل وكل عضل لرجل من تلك الارجل الثلاثة هو حكم على المتدين بالعرج والاعرج لا يقطع أرضا .   
الاسلام معلل مقصد ولعل أوفى من بحث ذلك هو الد. محمد شلبي في  » تعليل الاحكام « . لا تشذ عن ذلك حتى العبادات التي قرر القرآن الكريم بنفسه المقصد من كل واحدة منها. لا وجود لامر في الدين غير مفهوم . كيف يكون ذلك بين يدي  » العقل مناط التكليف « .   للقرآن الكريم في النص على علة الحكم مظاهر عديدة منها التعقيب بأداة الرجاء  » لعل « . الرجاء يصدر من فقير لغني وضعيف لقوي فإذا ما صدر عن الغني القوي سبحانه فهو : تحقيق .   مقاصد الصيام إذن : تحصيل التقوى وتحصيل الشكر وتحصيل الرشد .   قدم التقوى لانها البلسم الشافي لامراض القلب والقلب هو مقر القيادة العاطفية في الانسان . وسط الشكر لانه البلسم الشافي لامراض النفس والنفس هي مقر القيادة الغرائزية في الانسان. ختم بالرشد لانه البلسم الشافي لامراض العقل والعقل هو القائد الاعلى لقوى الادراك فيه  .    راعى الاسلام كل الابعاد البشرية فكان للقلب حظه وللنفس حظها وللعقل حظه . وعزر الحديث ذلك  » صوموا تصحوا  » فكان للبدن حظه. قوة التشريع : الجمع بين التكامل والتوازن معا .   يحتاج القلب إلى التقوى وهي غذاؤه حتى لا يؤثر خير العاجلة على خير الاجلة فيهلك . كما تحتاج النفس إلى الشكر وهو غذاؤها حتى لا تغمط كل صاحب حق حقه فتظلم . كما يحتاج العقل إلى الرشد وهو غذاؤه حتى يقود الانسان بتوازن بين كل مطالبه .   وبما أن التقوى مفهوم شامل لكل معاني الخير.. جعلها القرآن الكريم وكاء كل تلك المقاصد الجزئية فختم بها آيات الصيام الاربعة في سورة البقرة من آية 183 حتى آية 187 . التقوى التي تحجز الانسان عن ظلم نفسه وظلم ربه وظلم الناس من حوله .. هي المقصود الاعلى الصيام . ختم بالتقوى لان الشكر من التقوى والرشد من التقوى . ختم بها لانها الغذاء الذي يشترك فيه العقل مع النفس و القلب . من أدلة ذلك أن أخر ما نزل  » وإتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله  » .   شعيرة الصيام مثال حي لانبناء الاسلام على اليسر ونبذ العسر :   اليسر في الاسلام أصل وليس وافدا  بل هو أمر مثبت في الشعائر المكينة . إذا سكن اليسر هنا فلا تثريب عليك أن تعتقد بأن الاسلام هو اليسر . ليس اليسر في مقابل الالتزام أو التمسك ولكنه في مقابل العسر والحرج وليس هو رديفا للتسيب ولكنه رديف لحسن فقه الحياة في ظل الاسلام .   مظاهر اليسر في شعيرة الصيام :   1 ـ  » كما كتب على الذين من قبلكم « . الصيام شعيرة قديمة على نحو يكون حملها يسيرا علينا تأسيا بمن قبلنا .   2 ـ  » لعلكم تتقون  » . وذلك تيسيرا علينا بتعليمنا الحكمة من الصيام حتى تطمئن قلوبنا وعقولنا فنعبد طائعين مكرمين محررين مأجورين غير مأزروين بحمق ولا بعصيان .   3 ـ  » أياما معدودات  » . مفعولات جمع القلة . جزء من إثني عشر جزء هو عين اليسر.   4 ـ  » فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر  » . اليسر هنا واضح جلي .   5 ـ  » وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين  » . كذلك هنا اليسر واضح جلي .   6 ـ  » ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر  » . تكرار اليسر بعد اليسر يعني تأكيد اليسر حتى ييأس غال من شطبه . هذا الموضع سيما مكررا من أشد مظاهر اليسر .   7 ـ  » يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر  » . بلغ تأكيد اليسر هنا أشده إذ عبر عنه سبحانه بصيغة الارادة الالهية السارية على مدى الزمان ماضيا وحاضرا ومستقبلا  » يريد ».  وحتى يطغى التأكيد فلا يطمع متدين منحرف بإلتزامه في نسخه .. كر عليه بضده فقال  » ولا يريد بكم العسر ». إشفاع التأكيد بنفي ضده من أبلغ صيغ الالزام لغويا .   8 ـ  » وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان « . يسر بين العبد وربه في مقابل عسر بينهما في الكنيسة التي يحتاج فيها  » الضالون  » إلى رجل دين يشفع لهم . الله سبحانه قريب للداعين فلا يحتاجون إلى رفع صوت فهو يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وهو أقرب إلى الانسان من حبل الوريد . في كل مواضع السؤال يجيبه بقوله  » قل  » . إلا هنا فلا يحتاج إليها ليؤكد اليسر بقربه من عبده . ولم يفصل بين قربه وبين إجابته بحرف واحد . وأكد أن الاجابة تكون حال الدعاء  » إذا دعان « . إذا ليست شرطية بل ظرفية زمانية . أروع مظاهر اليسر أن يكون الرب قريبا من عبده يسمع منه ويستجيب له في كل ساعة من ليل ونهار وفي كل مكان أبدا وفي كل حال مطلقا حتى في ذروة المعصية المخجلة . يسر لو يعلمه غير المسلمين عن ديننا لما ترددوا ـ ورب الكعبة إلا أن يشاء سبحانه شيئا ـ في الالتحاق به لحظة .   9 ـ  » أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم «  . يسر يجمع بين مطالب البدن ومطالب الروح في ذات اللحظة من شهر رمضان المعظم . يتجامع الزوجان وبعد لحظة واحدة يصومان.   10 ـ  » فتاب عليكم وعفا عنكم « . جمع للتوبة مع العفو . الاصل أن يتوب العبد لا أن يتوب الرب ولكن توبة الرب على عبده تعني إلحاحه عليه في التوبة ليل نهار . بقدر ما تكبر خطاياه يشتد إلحاحه عليه فلا يطرد توبة تصبح داره وتمسيها عاما بعد عام سوى شقي يطرد لشقاوته ضيفه . 11 ـ  » حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ». إسأل نفسك : من أصح صوما ؟ نحن الذين نعلم مواقيت طلوع الشمس وغروبها بعشر معشار الثانية أم أولئك الذين لا يدركون شيئا من ذلك فيما مضى ؟ ليس معنى ذلك إلغاء التقنية من حياتنا ولكن معنى ذلك : ملازمة اليسر في تحديد تبين الخيط الابيض من الخيط الاسود فجرا . الثناء على تأخير السحور وتعجيل الفطور ليس معناه التشجيع على الشراهة ولكن معناه : الثناء على خلق اليسر. لقد ثبت بأن العسير مع نفسه ومع ربه عسير مع الناس من حوله والعكس صحيح في العادة . العسير مع الناس لا يطمع في إستجابة الناس لدعوته إذ النفس جبلت أبدا على حب من أحسن إليها.   كفى الصيام فخرا أنه يعلمنا فقه الحياة : تقوى تحجز عن الظلم ويسرا يبعث الامل .   وإلى لقاء تال في حلقة تالية أستودعكم من لا تضيع ودائعه ودائعه .   الهادي بريك ـ ألمانيا


هذه ليست تفجيرات 11 سبتمبر

 
السبت 16 سبتمبر
د رجاء بن سلامة  
رجم طفلة معصوبة العينين لها من العمر ستّة عشر ربيعا، رجمها بتهمة الزّنا إلى أن تسقط خائرة القوى ويتأكّد الرّهط المحيط بها من موتها، قطع يد سارق وتحويله من إنسان قويم قابل للتّأهيل والتّربية إلى معاق سيبقى مبتورا مبصوما إلى آخر رمق في حياته، قطع رقبة شاعر بتهمة الرّدّة عن الإسلام، لن يذكر اسمه بعد ذلك إلاّ في تقارير بعض المنظّمات المتخصّصة في حقوق الإنسان، أو في الفصل 19 من الإعلان العالميّ عن حقوق الإنسان، (لن تذكره على أيّة حال اتّحادات الكتّاب العربيّة المعنيّة أوّلا وقبل كلّ شيء بالمشاركة في المهرجانات السّارّة والعكاظيّات القوميّة التي لا تنغّصها القضايا المتنافية مع ثوابت الأمّة)،  منع امرأة من أن ترث كإخوتها، شعورها بأنّها قطّة الرّماد في عائلة من الذّكور المحظوظين الوجهاء، رغم أنّها تحبّ أباها الدّفين، وتريد التّحرّر من قصّة الأصل الجماعيّة والفرديّة  التي تجعل من المرأة كائنا دونيّا، منذ خروج حوّاء من ضلع آدم إلى ولادتها هي.. عجز امرأة يضربها زوجها كلّ يوم عن الطّلاق لأنّ التّطليق بيد جلاّدها ومؤدّبها، أو عجزها عن شكواه إلى البوليس لأنّه يرشو أعوان البوليس، أو عجزها عن تقديم دعوى ضدّه لأنّها لا تملك أجر محامي الدّفاع، أو لا تملك مبلغ الخلع … هذه ليست  تفجيرات 11 سبتمبر، ليست صيحات الجهاد الموجّهة نحو الأعداء المفترضين،  بل هي تفجيرات صامتة من نوع آخر. إنّها ليست الإرهاب المعولم الذي يخلق الحدث الاستثنائيّ المغطّى إعلاميّا، بل هي عنف من نوع آخر، عنف إسلاميّ- إسلاميّ صرف. ليست الإيديولوجيا الجهاديّة التّكفيريّة التي من السّهل التّبرّؤ منها رغم كلّ شيء، بل هي شيء أليف، لم نعد نتحدّث عنه، ويجب أن لا ينسينا إيّاه « الإسلام المتطرّف » رغم أهمّيّته على السّاحة العالميّة وأهمّيّة مقاومته:  إنّها النّصوص التي يقال لنا إنّها لا تقبل الاجتهاد. إنّها « الشّريعة » التي تقصف الأعمار والحيوات بمنأى عن وسائل الإعلام المتلهّفة لأحداث القتل والدّمار والمتغافلة عن القتل عندما يكون نظاميّا قانونيّا، والتّدمير عندما يكون هادئا بطيئا، والرّقابة عندما تمدّ مخالبها في صمت وتلتفّ كأصابع الأخطبوط بالحناجر والأقلام، والعبوديّة في عصر زالت فيه العبوديّة بمعناها الصّريح. إنّها بالأحرى « الشّريعة » في حال السّلم، عندما لا تكون جهادا ضدّ الأعداء الخارجيّين، بل ترتيبا داخليّا للبيت الإسلاميّ. هذه الأجساد المرجومة والأيادي المبتورة والرّؤوس المقطوعة والنّفوس المكسورة ليست تقوّلات وافتراءات صليبيّة أو صهيونيّة على الإسلام. هي مشاهد يكفي أن نفتح أعيننا عليها لكي نراها. بعضها متاح في أفلام ووثائق منشورة على الأنترنيت، وبعضها ممّا يتاح لنا رؤيته في الحياة اليوميّة للنّاس البسطاء الذين لا صوت لهم فعلا، وبعضها نعيشه ويذكّرنا إيّاه حرمان التّونسيّات إلى اليوم من حقّهنّ في المساواة في الإرث، رغم ما كلّ تحقّق في هذا البلد من تحديث اجتماعيّ وقانونيّ.. كلّ هذه الأفعال تتمّ  باسم الشّريعة الإسلاميّة، باسم الأحكام الفقهيّة والنّصوص « القطعيّة الدّلالة ». وبعد ذلك نرى المسلمين يتباكون  لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وكأنّ الصّورة خيال لا يعكس صاحب الصّورة، ويتباكون لصعود موجة الإسلاموفوبيا، وكأنّ الإسلام كما نعيشه اليوم خال هو نفسه من الفوبيا، من فوبيا النّساء والضّعفاء والمختلفين في الدّين والرّأي… وبعد ذلك يتصايح الأوصياء على الإسلام من المعمّمين وغير المعمّمين، يتصايحون قافزين إلى الأمام، مردّدين بأنّ الإسلام دين المحبّة والتّسامح والمساواة والعقل، مطالبين كلّ من يتحدّث عن الإسلام بأن يكون مسلما مثلهم، وأن يشاطرهم آراءهم في الإسلام، وإلاّ فليعتذر، وإلاّ فالويل والثّبور…  ومع ذلك فإنّ المسلم يمكن أن يكون مسلما دون أن يعيش في كنف ما اصطلح عليه في العصر الحديث بالشّريعة، وما قرّر دعاة الإخوان المسلمين اعتباره « صالحا لكلّ زمان ومكان ». ومع ذلك، فهناك أناس يصلّون ويؤمنون باللّه ورسله واليوم الآخر دون أن يطالبوا بإقامة الحدود، ودون أن يكونوا مهووسين بالحلال والحرام، ودون أن يعبدوا ما تشيّئه جماعات الإسلام السّياسيّ في شعارات « الإسلام دين ودولة » و »الإسلام هو الحلّ ». يصلّون فيجدون السّكينة الرّوحيّة التي يحتاجون إليها، ولا يحتاجون إلى صلاة الآخرين من حولهم، لأنّهم ممتلؤون بإيمانهم. لا يحتاجون إلى إيجاد العكاكيز التي تجعلهم أكثر إيمانا. هؤلاء هم أهل الحقيقة لا الشّريعة. هؤلاء هم حفدة ابن عربيّ ولسان الدّين بن الخطيب، وهم القادرون وحدهم على الحديث عن المحبّة والتّسامح. جفّت الأقلام بالمطالبة بتحرير المرأة المسلمة، منذ ما يزيد عن القرن، بحّت الأصوات المنادية بفتح آيات الاجتهاد، وترك العقوبات الجسديّة المهينة، وترك حكم الرّدّة، والاعتراف بمواطنة غير المسلمين من الأقلّيّات الدّينيّة. تعبنا من خطابات الإصلاح والتّرميم وحيل الفقهاء. ربّما وجب علينا أن نرفع شعارا جذريّا  بنّاء نستردّ به الإسلام من أهل الشّريعة. وهذا الشّعار هو تحرير الإسلام نفسه من الشّريعة، تحريره من ترسانة الفقه القديم وهلوسات الفقهاء الجدد. الدّين ليس منظومة تشريعيّة، وليس نظاما سياسيّا، بل هو إيمان وعبادة ومبادئ روحانيّة. رافعو شعار الإسلام دين ودولة، غير قادرين على عيش الإسلام باعتباره دينا وتجربة باطنيّة، غير واثقين من إيمانهم ومبادئهم الرّوحيّة، فيسقطونه على الخارج ويحوّلونه إلى إيديولوجيا تبسط نفوذها على من حولهم. كلّما كان الإيمان ضيّقا في الصّدور، تجنّد أهله لنشره بالتّكفير والمطالبة برجم الأجساد وقطع الأيدي والرّقاب والنّفوس. كلّما ازدادت حياتهم الباطنيّة فقرا، لاذوا بالمعوّذات المحسوسة الواضحة وعجّلوا بإيجاد كباش الفداء. أنصار الشّريعة هم وثنة العصر الحديث. وأوثانهم ليست الصّور والتّماثيل، بل الأحكام والأقوال والنّصوص المجمّدة. باحثة تونسية
 
(المصدر: موقع  شفاف الشرق الأوسط بتاريخ 18 سبتمبر 2006)
 

تزوج واحدة.. والثانية بالمجان!

ابوبكر الصغير جمعتني مواجهة تلفزيونية علي فضائية الرأي الكويتية مع الكاتبة الصحافية المصرية البارزة هيام دربك، رئيسة مجلس إدارة وكالة عرب برس للصحافة والنشر، وكذلك والأهم صاحبة ورئيسة جمعية غير حكومية تحث الرجال علي تعدد الزوجات! انطلاقا من شعار تحمله الجمعية نفسها وهو الآتي: زوجة واحدة لا تكفي ! برّرت هذه المرأة المثقفة جدا، والحداثية جدا جدا، أسباب مثل هذه المبادرة من اجل حل مشكلة العنوسة في مصر التي تعاني منها حيث بلغ رقم الفتيات اللاّتي فاتهن قطار الزواج الملايين. كانت المواجهة التلفزيونية، ساخنة.. وحماسية، وبقدر ما شدّت اهتمام الجمهور الخليجي عند بثها بقدر ما اثارت ردود فعل مختلفة من قبل عدد من الكتاب والإعلاميين.. اكدت في الحوار ان مثل هذه الحلول السهلة في التعاطي مع قضايا اجتماعية لن تزيد الاوضاع إلا تعقيدا، وإلا كيف سنحلّ مشكل عزوبة الرّجال.. وماذا نفعل مع مجتمع كالصين حيث عدد الرجال يفوق عدد النساء ونفس الأمر ولكن بنسبة قليلة بخصوص وضعنا في تونس، هل نطرح حلاّ من نوع… تعدّد الازواج!! الثابت تاريخيا واجتماعيا اليوم، انه كلّما تطورت الحياة الاجتماعية في صفوف ابناء شعب ما، إلا وتأخر سن الزواج. كما ان الظاهرة المعلومة اليوم هي ان اغلب الفتيات يفضلن مواصلة دراستهن وبناء مستقبلهن الذاتي قبل التفكير في اي شكل من أشكال الارتباط أو الزواج. يكشف آخر إحصاء رسمــــي للسكان في تونس، وهو الذي اجري قبل عامين وتحديدا عام 2004 ان نسبة العنوسة ارتفعت الي رقم 38% ، ليبلغ عدد العازبات من الفتيات مليونا و300 ألف امرأة. ما دام انطلقت ورقتنا من مصر، فان المفاجآت القادمة من هناك لا تتوقف. ومن بين اغرب ما قرأت قبل أيام هو هذه الظاهرة الجديدة لنساء تسمّيهن الصحافة هناك زوجات قطاع عام يقصد بهن تلك النساء اللاتي لاي رضين بزوج واحد. إلي حدّ أن القضايا من هذا القبيل أصبحت لا تغيب عن صفحات الجرائم في الجرائد المصرية. اخر المفاجآت بخصوص هذا النوع من النساء هو اكتشاف شاب مصري حديث العهد بالزواج من امرأة ظنّها مطلقة، كانت مرتبطة بخمسة أزواج آخرين في نفس الوقت. والسبب هو الرّغبة في الثراء وجمع ما يمكن من كسب ومال. وأمام تفاقم هذه الظاهرة اضطرت بعض الهيئات المصرية إلي الدعوة إلي عقد ندوات شارك فيها علماء دين واجتماع ونفس لمحاولة الفهم واتخاذ الحلول قصد وضع حدّ لهذه الظاهرة. نبقي في مصر لنكتشف مدي تأثير عولمة الاقتصاد علي الحياة الاجتماعية هناك، اذ بادرت إحدي الجمعيات المصرية ونقلت الخبر جريدة افاق عربية الي رفع شعار غريب طريف يقول الآتي: ادفع ثمن حفلين (زواج) وخذ الحفل الثالث مجانا ! بمعني ان هذه الجمعية تشجع مسبقا الرجال علي التعدد في الزواج، وليس بامرأتين فقط بل بثلاث مع المساعدة علي ترشيد نفقات… أفراح الزواج الثالث! لكن تبقي اغرب دعاية أو اعلان ما جاء من مقترح علي لسان مثقف مغربي كحل لمشكل العنوسة في بلاده اذ طالب الدولة بان ترفع شعارا مرحليا مهمّا وهو: تزوج واحدة.. والثانية بالمجان . إن مشكلة العنوسة وكما اشرت تبقي ظاهرة ليست محصورة في هذا البلد او ذاك، بقدر ما هي متصلة بتطور المجتمعات والحياة الاجتماعية بصورة عامة. بل ان أوروبا نفسها تجاوزت هذه الوضعية لتواجه مشاكل من نوع جديد قد تكون اخطر من مشكل العنوسة نفسها، وهي عزوف النساء عن الانجاب الي حدّ دفع ببعض الجمعيات وحتي مسؤولين حكوميين أنفسهم الي إطلاق صرخات فزع من هذه الظاهرة التي قد تهدد مصير بقاء شعوب وأمم بأكملها. أكثر الأرقام تفاؤلا الصادرة عن بعض مراكز الاستشراف الأوروبية، تفيد انه اذا تواصل الوضع علي حاله كما هو الآن فانه من هنا الي نهاية القرن الحادي والعشرين فإن شعوبا أوروبية بأكملها ستغيب من خريطة العالم. نرجو ألاّ تصح نبوءة العاملين بهذه المراكز… كما ان الذي نرجوه كذلك ان يغيب عنا وينتهي هذا المنطق السّهل في التعاطي مع بعض المشاكل أو المظاهر الاجتماعية، علي غرار مبادرة تلك الصحافية المصرية هيام دربك أو ذلك المثقف المغربي الذي لم ير في المرأة إلا بضاعة أو وسيلة لاشباع غرائز شهريار العربي! رجل بلا امرأة رأس بلا جسد… وامرأة بلا رجل جسد بلا رأس… ورأي من مثقفات كهيام دربك وغيرها.. لا رأس فيه ولا جسد ہ كاتب من تونس (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 18 سبتمبر 2006)
 

(نعيد اليوم نشر هذا المقال للسيد الطاهر الهمامي نظرا لسهو حصل في عدد دوم أمس حيث وقع نسيان اسم الكاتب – مع الإعتذار للسيد الطاهر الهمامي وللسادة  القراء الكرام)
  

مع حزب الله ضد حزب الاستعمار

 الطاهر الهمامي (*)    ينبغي ان يكون المرء عديم البوصلة او مرتهنا بـ المشروع الامبريالي ـ الصهيوني كي لا يري فضل المقاومة اللبنانية الباسلة ولا يثمن انجازها غير المسبوق ولا ينحني تعظيما لمقاتليها الاشاوس واجلالا لارواح من اقدموا علي التضحية. ينبغي ان يكون جبانا ولئيما كي يجرؤ علي الاستخفاف بقيمة مثل هذه التضحية ويعتبرها مجرد تقديم اضاحي ومحض عبث، ويشكك في نزاهة وتفاني اولئك الذين اختاروها طريقا الي الحرية والكرامة والعزة. بل ما قيمة الحياة اذا خلت من التضحية وقيمة الانسان بلا نكرات ذات وبلا ايثار؟ وهل كان في مقدور الشعوب والامم ان تواجه الاستعمار وتكسر قيود الاستعباد والاستبداد وترفع رأسها لولا التضحية؟ وهل كان احد يلجأ الي التضحية بحياته الا اضطرارا وبعدما انسدت السبل امامه وتعذر الخلاص؟   وينبغي ان يكون المرء لاعبا سيئا او العوبة او متلاعبا مبتدئا كي يتهجم علي المقاومة وهي تجني حصاد نصرها وتحل من وجدان الناس محلا مميزا وقد تنفسوا الصعداء والسعداء بعد دهر من القهر وتحايي لديهم الامل الذي كاد اليأس يميته، ولا احد، ولو كان سقراط، في مقدوره ان يقنعهم بعكس ذلك وان يؤلبهم ضد المقاومة وضد حزب الله لمجرد كونه شيعيا او نصير ايران او اصولي المنظور. لقد ادركوا ـ عن طريق الحس او عن طريق الوعي ـ طبيعة المعركة وحجم الهجمة وان قيادة المقاومة احتكمت الي الرأي احتكامها الي شجاعة الشجعان حين حشدت جميع القوي الوطنية بالداخل والخارج من اجل حل التناقض الرئيسي عبر دحر الاحتلال واسترجاع السيادة ورد الاطماع، متجاوزة الاعتبارات الثانوية، الطائفية والقومية والمذهبية، التي لا تمنع من التعايش في صلب الاسرة الواحدة والمجتمع الواحد، وليس من شأنها ان تحول دون التوحد علي ثوابت الحرية والاستقلال والعدل والكرامة، اي علي ثوابت السياسة الوطنية.    ليس في مقدور احد مهما اوتي من بلاغة البنيوية و التفكيك و الهرمنطقيا ان يشوه صورة المقاومة التي ردت الروح ورفعت الرأس والراية، وان يقنع ضحايا المجازر التي ما انفك الامريكان والصهاينة يرتكبونها، والبيوت التي يهدمونها علي رؤوس اهلها، والسجون ـ العلنية والسرية ـ التي ينتهكون فيها ابسط حقوق الانسان، بكون امريكا حمامة واسرائيل يمامة وبامكان ارتداعهما واذعانهما دون مقاومة تجبرهما علي ذلك، سواء في العراق او في فلسطين او في لبنان او في اي بلد آخر من بلدان العالم الواقع تحت طائلة الامركة والصهينة، الم يسبق لشاعر ارادة الحياة ان عبر عن هذه المعادلة تعبيرا جامعا مانعا حين قال قبل اكثر من سبعين عاما: لا عدل الا ان تعادلت القوي وتصادم الارهاب بالارهاب   وينبغي ان يكون المرء ضعيفا في الحساب حتي يعول علي الاغاليط والمغالطات لتشويه تلك الصورة، ومنها اختزال المقاومة في حزب الله وهي تضم فصائل اخري قاتل بعضها الي جانبه وقدم الشهداء ومنها اختزاله في هويته الدينية وروابطه بايران وقد اثبت حتي الان انه قوة وطنية لبنانية تتصدي للعدوان وتحمي الحدود وتقاوم طالما بعض ارض لبنان محتل وطالما اسرائيل تهدد وتنفذ وتجتاز وتجتاح، وطالما ليس هناك الدرع الذي يقي والدفاع الذي يواجه.   وفي ذات الوقت برهن علي كونه قوة مدنية منخرطة في الحياة السياسية وشريكة في بناء المؤسسات التمثيلية وتقديم الخدمات واعادة اعمار ما دمرته الحرب. واذا كانت حاجة الوطن اليوم تدعو الي وحدة جميع الفصائل ضد التدخل الاجنبي وعلي قاعدة البرنامج الوطني فعلام تشتيتها بالمصادرات الايديولوجية وقراءة النوايا وتحكيم الاعتبارات الاستراتيجية؟   المقاومة ليست معصومة ولا هي وثن للعبادة، و حزب الله ليس بمنأي عن النقد ولا عن الخطأ ما دام ينشط ويمارس، لكن خلاف الغد لا يفسد وفاق اليوم، والصراع علي الفكر، والرؤية، والمشروع لا يحول دون التوحد علي اساسيات الوطن وآليات حل الخلافات. ثم ان من يستبسل في مقاومة الاحتلال والتصدي للعدوان وصد القهر الاجنبي هو الذي يفوز عادة عندما يقع الاحتكام الي صندوق الاقتراع، وهو الذي يتولي قيادة المجتمع، فعلام لا ينهض المتفرجون الذين يهاجمون ـ من آرائكهم وصالوناتهم ـ حزب الله كي ينخرطوا في المعمعان ويضطلعوا بأعباء تقرير المصير؟ اما ان يحاولوا صرف المقاومة عن المقاومة لانقاذ ديمقراطية امريكا و سلام اسرائيل فذلك امر دونه بيد.. دونها بيد ومن قبيل اضغاث الاحلام واحلام العتاريس.   ثم ينبغي ان تكون صباغ احذية الغزاة وبائع الدم والضمير كي توحد لغتك بلغة بوش واولمرت في اتهامهما حركات المقاومة الوطنية بالارهاب. وفي نفي حق التصدي لارهاب الدولة الذي يمارسانه وفي ركوب الخطاب المثير للنعرات الطائفية بدل التعبير السياسي عن التناقضات الحقيقية، ويا ليت العطف الذي ابديته علي المدني الاسرائيلي ابديت مثله علي المدني اللبناني، رغم الفارق الذي يفرق بين المعتدي وضحية عدوانه. ثم علام لا تطرح لب المشاكل كلها الا وهو الاحتلال؟ وعلام لا تطرح السؤال: من المحتل؟ وهل يحق طرده واسترجاع الارض وتحرير الاسري بجميع الوسائل ام الحل في الخضوع لمشيئته وانتظار رحمة المجتمع الدولي وعطف الامم المتحدة ؟ ومن المسؤول عن عدم تحقيق السلام واحلال الوئام في المنطقة؟ اراك تشير الي المقاومة، وتحديدا حزب الله وذا هو الحول بعينه، بل ذا هو سكر الهوي الصهيوني يحول دون رؤية الحق الساطع والحقيقة الدامغة!   هل ما زال من يسأل عن عقيدة ابي الطيب المتنبي (وميوله الشيعية المغالية) وهو يقع في قبضة سحر بيانه ويردد عيون اشعاره ويجد فيه شاعر العروبة الاول؟ فكيف ما يزال من يسأل عن عقيدة حسن نصر الله وعن طائفته وهو يري الدور الذي اضطلع به في دحر العدو الصهيوني ورفع رأس الامة واعلاء رايتها ويقف علي شواهد الاقتدار الذي ادار به المعركة غير المتكافئة؟   ان كافة التناقضات تخضع حين تبدأ المعركة الوطنية وتشب حرب التحرير، لتناقض رئيسي واحد يفصل بين البلد قاطبة (ما عدا كمشة العملاء) علي اختلاف مذاهبه وطوائفه ورؤاه الفكرية والاستراتيجية وبين المعسكر المعادي بل تعمل قيادة المقاومة صاحبة الحنكة علي شق الصف المقابل وتركيز مرمي السهم وتحييد او كسب من يمكن تحييده وكسبه. وبعبارة الادبيات السياسية المعروفة فان سياسة الجبهة الوطنية تغدو ضرورة قصوي وضمانة اساسية للنصر، سواء اكان ذلك علي المستوي القطري او القومي او العالمي لما تتوفر شروطها، وشروطها هي اولا مناهضة الوصاية الاجنبية ورفض الاحتلال والحرص علي السيادة والاستقلال. ولا نشك في كون الهجوم الامبريالي الامريكي ـ الغربي، وقد خطا خطوات هامة تحت ذريعة مكافحة الارهاب والاستجابة لمقتضي العولمة، بات يفرض علي كل الوطنيين في البلد الواحد ان يشد بعضهم بعضا كالبنيان المرصوص، وفي مجموع البلدان ان يتنادوا ويشكلوا القطب او الحلف القوي القادر علي رفع التحدي، وقد رأينا وعي هذه الضرورة الحيوية يتنامي في امريكا اللاتينية وفي البلاد العربية والاسيوية المستهدفة. فهل نقف قريبا علي وضع يشبه وضع الجبهات التي قامت عشية الحرب العالمية الثانية ضد الوحش النازي والفاشي؟   (*) كاتب وباحث من جامعة تونس   (المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 16 سبتمبر 2006)

 

مع رئيسة وحدة بحث متخصصة في العلوم البيئية بجامعة صفاقس

ننصح المواطنين بعدم تناول كبد الحيوان وخاصة الأسماك لهذه الأسباب

ركزنا أبحاثنا على هرمونــات اصطناعية تصيب الحـــيوانات البحــرية بالشذوذ الجنسي

 

من المسائل الهامة التي اضحت تشغل بال الجميع في الوقت الحالي العلوم البيئية وتحديدا المسممات البيئية التي تهدد حياة مختلف الكائنات الحية.. للحديث في هذا الموضوع الشائك اتصلنا بالدكتورة آمال حمزة الشافعي وهي متخصصة في هذا المجال ورئيسة وحدة بحث بجامعة صفاقس وأستاذة بالمعهد التحضيري للدراسات الهندسية بصفاقس وأستاذة زائرة بجامعة لوهافر بفرنسا واشتغلت أستاذة زائرة لمدة شهرين بجامعة أكيت باليابان ولها علاقات بجامعات أجنبية اخرى مثل جامعة كون بفرنسا وازمير بتركيا وهي عضو بلجنة تحكيم بمجلات علمية أجنبية متخصصة وهذا اهم ما دار بيننا من حديث:

 

حوار : محمد القبي

 

* ما هو الدور الذي تقوم به وحدة البحث التي ترأسينها بجامعة صفاقس؟

 

– هذه الوحدة تم احداثها سنة 2000 وهي معترف بها من قبل وزارة التعليم العالي وتضم 16 عضوا من بينهم  الاستاذ فتحي العذار وهو متخصص في الكيمياء. وفي حقيقة الامريعود انشغالنا بالتلوث  البيئي واشتغالنا عليه الى سنة 1989 منذ أن كان الاستاذ عمر العابد  يشرف على المخبر. ومنذ ستة أعوام تمت هيكلة البحث ..ولهذه الوحدة شبكة تعامل وذلك مع معهد علوم وتكنولوجيا البحار بصفاقس  ومركز البيوتكنولوجيا ومخبر علوم البيئة ومخبر الطب النووي بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة ومخبر الانسجة  والخلايا  بكلية الطب بصفاقس  فما نعجز عن القيام به في مخبرنا ننجزه في هذه المخابر. هناك تعاون وثيق مع مختلف هذه الهياكل وعلى المستوى العالمي لدينا علاقات واتفاقيات وتأطير مشترك مع العديد من الجامعات الفرنسية أخصّ بالذكر منها جامعة كون وجامعة لوهافر وأمضينا اتفاقية هذه السنة مع جامعة أزمير بتركيا ولدينا علاقات مع جامعة كليموسكي بكندا وجامعة هيروشيما باليابان والرباط بالمغرب والبرتغال وغيرها. وحدة البحث هذه تقوم بدراسة مدى انعكاس الملوثات والمسممات الصناعية على البحر وعلى الاحياء البحرية والمنتوج البحري ككل ومحاولة إيجاد ما يسمى بالمنبهات البيئية فعن طريق بعض البروتينات أو الانزيمات يمكن معرفة هل ان الحيوان البحري قد تأثر بمقادير ضئيلة جدا لا يمكن تقديرها بالتحاليل  الكيميائية الكلاسيكية أو لم يتأثر بذلك لأنه عند حصول الخطر يمكن تفاديه. وهو ما نسميه جهاز انذار مبكر بالخصطر.

 

 

* هل  تشكو هذه الوحدة من بعض النقائص؟

 

– هذه الوحدة تعود بالنظر الى جامعة صفاقس وتشكو من قلة الفضاءات فالفضاءات المتوفرة تكون الاولوية  فيها للطلبة اي ان هناك قاعات للتدريس قبل كل شيء، حاليا نستغل فضاء  بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس  فقسم الكيمياء هناك وضع على ذمتنا  منذ سنوات قاعة . بالمناسبة اوجه نداء للوزارة وجامعة صفاقس  للتعجيل  بتشييد  مجمّع  للبحث بضم جميع وحدات البحث وتوضع فيه تجهيزات ثقيلة يستغلها مختلف الباحثين  في عدة اختصاصات  وها أننا ننتظر هذا الانجاز منذ السنة الجامعية المنقضية.

 

كان المسؤولون قد وعدونا بانجازه وقيل لنا ان الاعتمادات لبنائه  متوفرة، هذا المجمّع ضروري  نظرا لأن مستقبل الطلبة  مرتبط باشغال بحثنا والبحث العلمي  لا ينتظر وها أننا نستغل الفرصة لتكرير النداء بالحاح  شديد حتى  يتحقق ما نصبو اليه.

 

* ما هي البحوث التي قمتم بانجازها في الوحدة والتي نشرتموها في مجلات دولية متخصصة؟

 

 

– منذ سنة 1994 قام فريق البحث  بنشر بحثين كل سنة في مجلات علمية أكاديمية متخصصة معترف بها دوليا واغلب هذه المنشورات باللغة الانقليزية من بين الاعمال التي نشرناها هناك بحوث حول تلوث الاسماك بخليج قابس وذلك سنة 1989 وقتها لم ينشر اي بحث حول هذا الموضوع. وبحوث حول كيفية تخزين المعادن السامة في بعض انواع الاسماك وذلك خلال سنة 1994 وهو بحث يتعلق  ببعض العادات الغذائية بجهة صفاقس  ويتضمن تحذيرا من استهلاك  بعض اعضاء الاسماك  لتجنب بعض المخاطر التي تهدد صحة الانسان.

 

 

وفي هذه السنة اهتممنا بالمحار وهو ثروة  لها قيمتها في بلادنا  في تونس عموما  وخليج قابس بالخصوص حيث ينتج  94% من المنتوج  الوطني واهتممنا بتكاثره وتأثير التلوث على التكاثر لدى  المنتوج البحري وهل يمكن ايجاد  منبهات بيئية تقدم لنا فكرة حول تلوث الموقع هذا بالاضافة الى بحث يتعلق بالهرمونات الاصطناعية التي تصل الى البحر وتؤثر سلبا على  التكاثر وعلى جنس الاحياء البحرية، هو موضوع شائك وبكل تواضع نحن أول من بدأ الاشتغال عليه في تونس.

 

 

* ما هي اهم  المسممات البيئية التي يمكن أن تؤثر على مختلف الاحياء؟

 

 

– هناك المعادن السامة والهيدروكربور والمبيدات المستعملة في الفلاحة، والتلوث  الطاقي، جميعها لها تأثير سلبي على  الانسان والحيوان والنبات.

 

 

* ما هي حالة الاسماك في السواحل التونسية عموما وخليج قابس بالخصوص وهو الذي يعد من اثرى السواحل من حيث السمك؟

 

 

– الثروة  السمكية في تراجع  وذلك يعود الى عدة اسباب منها فترات الصيد وطريقته والطرق العشوائية والاستاذ عمر العابد كان أول من تسبب في إحداث فترة  راحة وهي ما تسمى  براحة بيولوجية حتى تجد الاسماك الوقت الكافي  للنمو والتكاثر  فضلا عن أن مشاكل التلوث  هي مشاكل مزمنة ومؤثرة  تأثيرا  سلبيا فهي تؤثر على سلامة الاسماك. لاسيما تلك التي تعيش في أعماق البحار نظرا لوجود  تراكمات ففي الاسماك الزرقاء كميات الدهون مرتفعة لذلك فهي يمكن ان تخزن انواعا من المعادن  تلتحم بالمواد الدهنية اما انواع الاسماك التي تعيش في المستوى  العلوي لمياه البحر فإنها تكون عرضة للهيدروكربور ومختلف النفايات التي تفرزها  البواخر. الموضوع شائك ومعقد. فالبحر اذا كان ملوثا فإن الضرر يلحق جميع الاحياء البحرية: فمخ الاسماك وكبدها  وبيضها وأمعاؤها تتضرر كثيرا من جراء التلوث..والكبد في كل الاحياء هو خزان لكل المواد السامة.

 

 

لذلك ننصح بعدم تناول كبد جميع الحيوانات بما في ذلك الدجاج ولكن يمكن تناول كبد الخروف اذا كان يرعى في مناطق سليمة وغير معرضة للملوثات.

 

 

* لماذا اخترتم القيام بدراسة وبحوث حول المحار؟

 

 

– الاسماك  تتنقل من مكان الى آخر في حين إن المحار هو من الحيوانات البحرية التي لا تتنقل وتعيش في التراب  في قاع البحر، وتتغذى من مياه البحر وتقوم بتصفيتها فتمتص المسممات المنحلة فيها وتخزنها  وتحافظ على  سلامتها اذ لديها  طاقة  كبيرة على المقاومة فهي تقدم لنا فكرة عن نوعية  الوسط: هل هو ملوث ام لا، هي مهمة جدا من الناحية الاستراتيجية  فهي أفضل  من الاسماك  التي لا تمتلك  مثل هذه الخاصية.

 

 

فالشبكة الوطنية للمراقبة  تستعمل المحار لمراقبة أشياء  ميكر وبيولوجية  ففي بحثنا  جانب  تطبيقي  وجانب آخر جوهري يتعلق بخصوصيات الجينات. ركزنا بحثنا على المحار لأنه  مهم من الناحية الاقتصادية فتجديد الثروة  له اهمتيه وكذلك  تكاثر وتناسل  المحار فالمستهلك   ليس باستطاعته  معرفة هل ان المحار ملوث أم لا، هناك مناطق مغلقة لا يحق لاي كان صيد المحار فيها ولكن هناك مناطق  اخرى مفتوحة  للاستغلال  ومن المفيد  بالمناسبة ان نشير الى أن الكميات المصدرة للخارج تخضع للمراقبة. بالنسبة الينا لدينا  رخصة من وزارة الفلاحة  لدخول هذه المناطق  لاخذ عينات  مع الالتزام  باستعمالها في اغراض علمية بحتة، فدورنا  تأطيري  علمي أكاديمي وليس تحسيسيا ونقدم المعلومة للجهات المعنية عندما تطلب منا ذلك ولكن نتائجنا  يمكن أن تفيد هذه الجهات، فالمناطق الاكثر تضررا هي المناطق الموجودة في الجهات الصناعية والمناطق البحرية الملوثة.

 

 

* ما هي المواضيع التي جلبت اهتمامكم في مجال البحث في الآونة الأخيرة؟

 

 

– هي المسائل المتعلقة بالهرمونات التي تصل عن طريق شبكات التطهير، هي هرمونات طبيعية واخرى اصطناعية متأتية من حبوب  موانع الحمل تشبه الهرمونات الطبيعية. جميع هذه الهرمونات لا تزول بل بالعكس تأخذ اشكالا اخرى، والهرمونات الاصطناعية تتنكر وتلوح كأنها  هرمونات طبيعية تعود الى الحيوانات  البحرية وتحدث خللا في الوظيفة الهرمونية للتكاثر لدى الاحياء البحرية وفريقنا هو اول فريق تونسي اهتم بهذا الموضوع وذلك منذ سنة 2002 . وينتج  عن عملية التنكر  شذوذ جنسي  فالانثى  تصبح ذكرا والذكر  يصبح أنثى مما يؤدي الى عدم حصول تكاثر كما ينبغي وبالتالي  فإن الخلل يحصل  في الثروة السمكية  فينقص حجم الثروة. لذا فالتوازن  ضروري. هذا الشذوذ  وجد لدى بعض الاصداف  والتماسيح وفق نتائج علمية لا مجال للشك فيها.

 

*  ما هي آخر الاكتشافات التي توصلتم اليها خلال سنة 2006؟

 

– هي نتائج أطروحة دكتوراه قدمتها الاستاذة وفاء السماوي دمق، كنت قد أطرتها في هذا البحث تمت متابعة  اثر الكادميوم على التكاثر عند المحار في منطقتين. الاولى  غير معرضة للتلوث  ببرج يونقا بالمحرس، والثانية معرضة للنفايات الصناعية بصفاقس. في هذه المنطقة حصل تأخير  في الانتاج فالتكاثر  لم يتم كما ينبغي له ان يتم اي ان دورة التكاثر قد تأثرت.

 

 

* هل ان التلوث  يؤثر على التكاثر عند الانسان؟

 

– هذا الموضوع شرعت في الاهتمام به وحدة البحث وهو مدى تأثير  الملوثات على التكاثر  عند الانسان، اي تأثيرها على  الجهاز التناسلي وكذلك على الحياة الجنسية مثلما هو الشأن بالنسبة الى تدخين السجائر والشيشة وتناول الكحول، هو موضوع مخيف  ولكننا  سنواصل  التعمق والبحث  فيه للوصول الى بعض النتائج العلمية الهامة.

 

(المصدر: صحيفة « الصباح الأسبوعي » التونسية الصادرة يوم 18 سبتمبر 2006)

 

 

متشددون يتوعدون بحرب والفاتيكان يسعى لتهدئة الغضب

 
مدينة الفاتيكان (رويترز) – توعدت جماعة اسلامية يقودها تنظيم القاعدة في العراق في بيان بشن حرب على « عبدة الصليب » وأحرق محتجون دمية تمثل البابا يوم الاثنين ردا على تصريحات للبابا بنديكت عن الاسلام فيما سعى رجال الكنيسة وسياسيون غربيون الى تهدئة الغضب. وجاء بيان مجلس شورى المجاهدين في العراق بعد أن أعلن البابا يوم الاحد أسفه العميق لتأذي مشاعر المسلمين لاستخدامه نصا من العصور الوسطى بشأن الاسلام والجهاد. وجاء في بيان مجلس شورى المجاهدين الذي نشر في موقع على الانترنت « نقول لعابد الصليب (البابا) أنت والروم على موعد مع الهزيمة التي تراها كل يوم في العراق وأفغانستان والشيشان. »   وأضاف البيان « سنكسر الصليب ونريق الخمر ونضع الجزية فلا يقبل حينها الا الاسلام أو السيف. وان الله سيفتح على المسلمين روما…. اللهم مكنا من رقابهم واجعلهم وأموالهم وذراريهم غنيمة للمجاهدين. »   وفي مدينة البصرة بجنوب العراق ردد زهاء 150 محتجا هتافات وأحرقوا دمية بيضاء تمثل البابا. كما أحرق المحتجون أعلام ألمانيا والولايات المتحدة واسرائيل وهتفوا « لا للعدوان » أمام مقر محافظ البصرة التي يغلب على سكانها الشيعة.   وكان خطاب ألقاه البابا يوم الثلاثاء الماضي اعتبر أنه يصور الاسلام دينا مشوبا بالعنف قد أثار غضب دول اسلامية وقال بعض زعمائها الدينيين انه بداية حملة مسيحية جديدة على الاسلام.   وأصدر الفاتيكان تعليمات لمبعوثيه في الدول الاسلامية بشرح كلمات البابا عن الاسلام.   وقال وزير الدولة الجديد في الفاتيكان الكردينال تارشيزيو برتوني ان سفراء المقر البابوي لدى الدول الاسلامية سيزورون حكومات وزعماء دينيين.   ورفض الرئيس الفرنسي جاك شيراك توجيه انتقاد الى البابا البالغ من العمر 79 عاما لكنه دعا لاسلوب أكثر دبلوماسية في الحديث.   وقال شيراك لاذاعة اوروبا 1 « ليس من دوري ولا في نيتي أن أعلق على تصريحات البابا. اريد فقط أن أقول بشكل عام… انه يتعين علينا تجنب أي شيء قد يثير التوترات بين الشعوب أو بين الاديان. »   وأضاف « يجب ان نتجنب أي ربط بين الاسلام وهو دين عظيم يحظى بالاحترام ويبعث على الاحترام وبين التطرف الاسلامي وهو نشاط مختلف تماما وذو طابع سياسي. »   ودافع روان وليامز أسقف كانتربري رئيس الكنيسة الانجليكانية عن البابا بنديكت.   وقال وليامز الزعيم الروحي للانجليكانيين البالغ عددهم 77 مليون مسيحي في العالم « البابا قدم اعتذارا بالفعل وأعتقد أن اراءه بهذا الصدد يجب أن يحكم عليها مقارنة بسجله كاملا حيث تحدث بايجابية شديدة بشأن الحوار. »   وذكر وليامز في تصريحات لهيئة الاذاعة البريطانية (بي.بي.سي) ان جميع الاديان قد تشوه وان البابا لم يفعل سوى تقديم مثال لذلك.   وقال « هناك عناصر في الاسلام يمكن استغلالها لتبرير العنف كما هي الحال بالنسبة للمسيحية واليهودية. »   وفي ايران قال متحدث باسم الحكومة يوم الاثنين ان أسف البابا بنديكت « بادرة طيبة » لكنه غير كاف.   وكان البابا قد أشار في كلمته الى انتقادات للنبي محمد جاءت على لسان الامبراطور البيزنطي مانويل باليولوجوس الثاني في القرن الرابع عشر الذي قال ان كل ما جلبه النبي محمد كان شرا مثل « أمره بنشر الدين الذي يدعو اليه بحد السيف. »   وأثيرت تساؤلات عما اذا كانت زيارة البابا لتركيا في نوفمبر تشرين الثاني ستمضي قدما. ولكن الحكومة التركية رغم وصفها تصريحاته بأنها « قبيحة » قالت انه لا توجد خطط لالغائها.   وقال البابا الزعيم الروحي لنحو 1.1 مليار كاثوليكي في العالم ان النص القديم الذي تلاه في كلمته لا يمثل وجهة نظره الشخصية لكن ذلك لم يرض بعض الجماعات الاسلامية التي طالبت باعتذار كامل.   وفي الصومال قتلت راهبة كاثوليكية يوم الاحد في هجوم قال مصدر اسلامي انه قد يكون مرتبطا بالازمة. وقال متحدث باسم الفاتيكان انه يأمل ان يكون مقتلها « حدثا فرديا ».   ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) يوم الاثنين عن زعيم مسلم كبير تعبيره عن الغضب ازاء تصريحات البابا. وكان ذلك موقفا مختلفا عن صمت الصين العام الماضي في أعقاب نشر رسوم تصور النبي محمد في صحيفة دنمركية الذي أثار احتجاجات عنيفة من المسلمين في مناطق أخرى في العالم.   ونقلت شينخوا عن تشين جوانجيوان رئيس الاتحاد الاسلامي في الصين قوله « أهان بنديكت في حديثه الاسلام والنبي محمد. جرح ذلك مشاعر المسلمين في أنحاء العالم بما في ذلك الصين. »   وتصر الصين على أن الكاثوليك من مواطنيها ينتمون الى كنيسة تساندها الدولة ولا تعترف بسلطة البابا. كما يخضع المسلمون لسيطرة الدولة.   وشارك نحو 100 اندونيسي مسلم في احتجاج سلمي على تصريحات البابا يوم الاثنين أمام سفارة الفاتيكان في جاكرتا.   من ستيفن براون وفيليب بوليلا   (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 18 سبتمبر 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

 

Home – Accueil الرئيسية

 

 

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.