TUNISNEWS
6 ème année, N° 2144 du 05.04.2006
اللجنة العربية لحقوق الإنسان: نداء لانقاذ حياة البرفسور المنصف بن سالم وعائلته قبل فوات الأوان بلاغ إعلامي عن اللجنة العالمية للدفاع عن البروفيسور المنصف بن سالم اللجنة الطلابية للمطالبة بإعادة فتح مسجد المركب الجامعي: دعوة إلى تجمع عام بكلية العلوم بتونس الشباب الديمقراطي التقدّمي- مكتب اقليم تونس الكبرى: بيان قائمة مراسلات 18 أكتوبر: مراسل العربية نت في تونس يقرر الدخول في اضراب عن الطعام العربية.نت: مراسل العربية.نت في تونس يضرب عن الطعام بعد فصله من عمله
موقع البوابة الإخباري: الخارجية الأميركية تنتقد تعامل تونس مع المعارضةالهادي بريك: لنكن عمليين إزاء قضية الدكتور بن سالم الامجد الباجي: من هم اليهود ومن هم الصهاينة ؟زهير لطيف: الى مخبر صغير افتتاحية « الموقف »: جاؤوا لإنقاذ شعب … فذبحوهالموقف: الفراغ الثقافي دفع الشباب إلى العنف الكُروي الموقف: توتر اجتماعي في المنستيرالموقف:: الديمقراطي التقدمي: تكتيل قوى المعارضة في مقدمة مشاغل المجلس الوطني د. أحمد القديدي: حكاية السياف مسرور في بلاط الخليفة!توفيق المديني: أمريكا اللاتينية تتجه نحو اليسار محمود بن محمد سفر: ثقافتنا والعولمة… خصوصية أم تبعية؟ (1 من 2)موقع « باحث » اللبناني : دراسة هارفرد حول <<اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية>>
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
اللجنة العربية لحقوق الإنسان
نداء لانقاذ حياة البرفسور المنصف بن سالم وعائلته قبل فوات الأوان
على هامش أعمال المرحلة الثانية من القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي جرت في تونس بين 16-18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، كان لي وبمناسبة التجمع التضامني مع المضربين عن الطعام يومها أن أتشرف بلقاء البرفسور المنصف بن سالم. لم أحظَ حينها بمتسع من الوقت لتجاذب أطراف الحديث مع شخص بدت لي في محياه تعابير الظرف والكياسة والتواضع، لكن لم أتوان عن تسجيل بعض الملاحظات عبر تقديم صديق له. طاقة علمية فذة عاطلة عن العمل، عانت الأمرين في بلدها وما زالت خلال عقدين من الزمن لسبب انتمائها الأيديولوجي. عرف المهانة بالحرمان من العمل ومن البحث العلمي كما بالسجن والتعذيب والاقامة الجبرية وفقدان أبسط الحقوق كجواز السفر وخدمة الهاتف والمراسلات وغيرها من تظلمات خبرها بعض أبناء تونس الذين يفترض بهم أن يكونوا في النظم الديمقراطية مفخرة بلدهم ويستفاد من طاقاتهم الخيرة التي لا تعوض.
المنصف بن سالم من مواليد 1953 أب لأربعة شباب وبنات، سيرته الذاتية حافلة، ليس فقط بحيازة دكتوراه في الفيزياء النظرية أو دكتوراه دولة في الرياضيات، وإنما أيضا كاستاذ محاضر في بلده وكمقرر وعضو على مستوى دولي وفي مؤسسات عديدة: من مركزية الرياضيات ببرلين، ومجلة الرياضيات الأمريكية، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، وإتحاد الفيزيائيين والرياضيين العرب، إلى جامعة مريلند الأمريكية، واتحاد الجامعات الناطقة بالفرنسية، والمركز القومي الفرنسي للبحث العلمي، والمركز الدولي الإيطالي للفيزياء النظرية، الخ.
وكأنه يضير سلطات بلده وجود مثل هذه الطاقات العلمية الهائلة وهذه الثروة التي تشرف وطنها، فترتكب في حقه كل الآثام. مما يضطره وعائلته، التي ذاقت هي أيضا صنوف العذاب، إلى اعلان إضراب مفتوح عن الطعام. إضراب ليقولوا كفى، حيث للصبر حدود في تحمل الأذى والظلم والمعاناة. إن ما ينشدوه هو ليس أكثر من حقوقهم المشروعة في رفع المظالم التي تجرعوها حتى الثمالة، واستعادة أجور البروفسور المجمدة منذ 1987 وعودته لممارسة حقه في العمل، كما عودة أبنائه لدراستهم وتوقف المضايقات بحقهم وتمتعهم بجوازات سفر وحرية حركة.
المنصف بن سالم، ونحن معه في اللجنة العربية لحقوق الإنسان، كما كل الذين ساندوه في لجنة دعمه نتوجه لكل القوى الديمقراطية في العالم ومنظمات حقوق الإنسان والهيئات الثقافية والاكاديميات العلمية ووسائل الإعلام، للتنديد بالممارسات القمعية للسلطات التونسية وموآزرة ضحاياها بتقديم كل أشكال الدعم الممكن. وخاصة اليوم في مساندة البرفسور المنصف بن سالم وعائلته في معركة استرداد كرامتهم وحقهم في حياة حرة وغير منقوصة. كما نحمل هذه السلطات مسؤولية أي أذى يمكن أن يطالهم خصوصا وأن صحة الدكتور بن سالم عليلة من المرض.
باريس في 5-04-2006
فيوليت داغر
رئيسة اللجنة العربية لحقوق الإنسان
بلاغ إعلامي عن اللجنة العالمية للدفاع عن البروفيسور المنصف بن سالم
أوروبا في 5 أبريل 2005
في اتصال هاتفي هذا الصباح الخامس من أبريل 2005 ,تمكنا من الاطمئنان على أحوال الدكتور والبروفيسور المنصف بن سالم بعد أن انشغلنا كثيرا لوضعه الصحي وذلك على اثر مكالمة هاتفية أجريناها مع الطبيب والمفكر التونسي الد.منصف المرزوقي ,والذي نصح وبالحاح شديد وبناء على تخصصه الطبي الد.بن سالم بايقاف الاضراب عن الطعام والذي كان قد بدأه منذ أسبوع تحديدا.
وبعد أن جددنا النداء له عبر الهاتف مرة أخرى بناء على هذه النصائح الطبية بايقاف اضرابه عن الطعام وذلك لما يعانيه من مضاعفات مرض السكري والكلى والبواسير, بدا الدكتور والبروفيسور بن سالم مصرا على مواصلة معركة الجوع حتى تتحقق مطالبه التي أعلن عنها وعلى رأسها تمكينه من حقه في جواز سفر ورفع كل القيود الأمنية والتهديدات المستمرة التي يتعرض لها هو وسائر أفراد عائلته مع استرجاع مستحقاته المالية التي حرم منها منذ ما يزيد عن العقد ونصف.
واذ تحيي اللجنة العالمية الد.والبروفيسور المنصف بن سالم على هذه الروح النضالية العالية الا أنها تلح عليه وبحكم وضعه الصحي الحرج وبناء على نصائح الد. منصف المرزوقي كطبيب متخصص بأن يضع حدا لهذا الإضراب على أن تتولى اللجنة العالمية للدفاع عنه وكل الهيئات والجمعيات والتيارات السياسية الوطنية مهمة مواصلة التحرك حتى تحقيق مطالبه المشروعة.
ومن جهة أخرى نعد من جهتنا وبالتنسيق مع كل الشرفاء من المناضلين الوطنيين والحقوقيين داخل تونس وخارجها وما يمثلهم من هيئات الد. بن سالم بالتحرك لدى كل الجهات الانسانية والحقوقية والأكاديمية والسياسية من أجل وضع حد نهائي لهذه المظلمة.
وفي هذا الاطار تكون اللجنة قد شرعت منذ أيام في جملة من الخطوات والاتصالات والتي سيعلن عنها لاحقا من أجل تحقيق ما انبرت له من مطالب أعلنت عنها في بيانها الأول.
مرسل الكسيبي
منسق اللجنة العالمية للدفاع عن البروفيسور المنصف بن سالم
أوربا في 5-04-2006
دعــــوة إلــــى تجــــــــمع عــــــام بكلـــية العــــلوم بتــــونس
خـبـر عـاجــــل
س15و30دق
5-04-2006
تحت شعار لاتكسروا قلمي الحر
مراسل العربية نت في تونس يقرر الدخول في اضراب عن الطعام
تونس- تقارير
في اتصال عاجل من تونس وبصوت يبعث على الحيرة والقلق اتصل بي الزميل الصحفي التونسي سليم بوخذير ليعلمني على الساعة الثالثة ونصف بعد الظهر من مساء هذا اليوم الأربعاء بقراره الدخول في اضراب عن الطعام تحت شعار لاتكسروا قلمي الحر ,وذلك احتجاجا على قرار طرده نهائيا من جريدة الشروق وكذلكم مايتعرض له من ضغوطات ومضايقات مستمرة نتيجة عمله المهني الحر في نطاق مهمته كمراسل من تونس لموقع قناة العربية
هذا وقد أبلغت في عجالة عبر الهاتف من الزميل بوخذير بأن اضرابه سيظل مفتوحا الى حين اعادته الى سالف عمله بجريدة الشروق مع ايقاف ورفع مايلاقيه من مضايقات وتهديدات مستمرة نتيجة شغله مع مؤسسة قناة العربية
ومن أمام مقر صحيفة الشروق التونسية تحدث مراسل العربية نت في مرارة عما بلغ اليه وضعه المادي والنفسي نتيجة ضغوطات مستمرة لم تكتف بانهاء عقده مع دارالأنوار بل وصلت الى حد ممارسة ضغوطات عبر طرده عنوة وبالقوة من أغلب مقاهي الانترنيت التي تعود من خلالها مراسلة موقع قناة العربية
يذكر أن الزميل الصحفي سليم بوخذير كان قد عرف كاسم بارز على الساحة الاعلامية التونسية منذ أن التزم خطا تحريريا مستقلا ومغطيا للحقائق منذ انعقاد أشغال قمة مجتمع المعلومات في تونس مع موفى السنة الجارية ,حيث عرفت البلاد واحدة من أشهر أحداثها السياسية منذ سنة 1987 مع قرار مجموعة من أبرز قادة الأحزاب والمجتمع المدني الدخول في حركة اضراب واسع عن الطعام أدت الى تسليط الأضواء على ثلاثة اشكالات حقيقية تعيشها الساحة في تونس لتتبلور في ثلاثة مطالب أجمعت عليها النخبة,و كان محصلها المطالبة بحرية التنظم وحرية الاعلام واطلاق سراح المساجين السياسيين بما يعنيه ذلك من سن عفو تشريعي عام
وفي لفتة اعلامية سريعة يمكن الاشارة الى أن اضراب الصحفي بوخذير عن الطعام يتزامن اليوم مع اضراب اخر يقوم به عالم الرياضيات والفيزياء الشهير البروفيسورالد. المنصف بن سالم والذي يشن اضرابا مفتوحا عن الطعام بعد أن خضع الى عملية هرسلة مستمرة أدت الى ادخاله السجن تحت طائلة تهم سياسية في بداية التسعينات لتتواصل محنته بعد ذلك مع قرار بمنعه من مزاولة التدريس والبحث الأكاديمي والجامعي بكامل تراب الجمهورية التونسية,مع حرمانه من حقه الدستوري في جواز سفر يمكنه من العلاج والبحث العلمي خارج البلاد
يذكر أن العالم التونسي البروفيسور بن سالم يعاني منذ فترة جراء ظروفه السجنية السابقة من داء السكري وأمراض أخرى تستوجب علاجا مكثفا ورعاية صحية متواصلة
وفي نفس هذا السياق مازالت وضعية المعتقلين السياسيين في تونس تبعث على القلق الشديد بعد أخبار تسربت مؤخرا تؤكد فقدان الأستاذ الحبيب اللوز الرئيس السابق لحركة النهضة المحظورة الابصار باحدى عينيه فيما تؤكد أنباء أخرى اصابة أحد مساجين الرأي مؤخرا بسرطان الحلق ,فيما يخوض القيادي والسجين البارز من حركة النهضة اضرابا ماراطونيا عن الطعام تجاوز أكثر من خمسين يوم
تقرير مرسل الكسيبي -ألمانيا
(المصدر: قائمة مراسلات 18 أكتوبر، بتاريخ 5 أفريل 2006)
لمتابعة أخبار الصحفي سليم بوخذير
يرجى الاتصال به على الرقم: 0021697556844
مع خالص تحيات قائمة مراسلات 18 أكتوبر
اعتداء بوليسي منذ قليل على الصحفي سليم بوخذير
في خبر جد عاجل وصلنا منذ قليل أكد لنا الزميل سليم بوخذير تعرضه قبل قليل وتحديدا على الساعة الرابعة وعشر دقائق بتوقيت تونس الى اعتداء بالعنف من قبل عناصر بوليسية
وقد أكد الزميل يوخذير مراسل العربية نت في تونس وفي خبر جد مقتضب وصلنا عبر الهاتف بأنه وقع تعنيفه من قبل عناصر من الشرطة في شارع ج.جيراس بالعاصمة التونسية تونس
هذا ولم تصلنا تفاصيل أدق توضح تفاصيل الاعتداء,علما بأنه قرر منذ مساء هذا اليوم الدخول في اضراب عن الطعام احتجاجا على مايتعرض له من مضايقات أمنية شديدة علاوة على قرار بطرده نهائيا من العمل كصحفي بجريدة الشروق
مراسل العربية.نت في تونس يضرب عن الطعام بعد فصله من عمله
الخارجية الأميركية تنتقد تعامل تونس مع المعارضة
أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بيانا انتقدت فيه الأسلوب الذي تعامل فيه الحكومة التونسية أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني.
وقال آدم إيريلي المتحدث باسم الخارجية: « إن الولايات المتحدة قلقة بشأن التقارير الأخيرة التي تحدثت عن تعرض نشطاء تابعين لمنظمات المجتمع المدني للتحرش من قبل السلطات التونسية وخاصة بشأن ما تعرضت له في الآونة الأخيرة الناشطة نايلة شرشور حشيشة وعائلتها بعد مشاركتها في برنامج على قناة الجزيرة وفي مؤتمر في واشنطن نظمه معهد إنتبرايز الأميركي حول حرية الصحافة وحرية التعبير ».
وطالبت واشنطن الحكومة التونسية بالإسراع في تطبيق الإصلاحات الديمقراطية وإطلاق سراح محمد عبو المحامي والناشط في حقوق الإنسان.
بدورها عبرت نايلة حشيشة شرشور المعارضة التونسية عن استيائها من تصرف الحكومة التونسية مع أحزاب المعارضة في البلاد. وقالت إن كل ما يُسمع عن الحريات في تونس من خلال الخطابات التي يلقيها الرئيس زين العابدين بن علي هو غير موجود في الواقع.
© 2006 البوابة(www.albawaba.com)
(المصدر: موقع البوابة الإخباري بتاريخ 4 أفريل 2006 على الساعة 17 و 01 دقيقة بتوقيت غرينيتش)
زيادة بالنقصان
الدخل الفردي للتونسي ارتفع في السنين الأخيرة.. وهذا يخص كل الطبقات بما فيه الأجيرة.
لكن، إن لم تروا مانعا، سادتي القراء.. لنبق عند مستوى الموظفين والأجراء.
لقد زادت أجورهم كما تبينه الأرقام الإحصائية.. لكن هل لي أن أعرف: وماذا عن قدرتهم الشرائية؟!
محمد قلبي
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 5 أفريل 2006)
بعد صدور الحكم ضد 14 متهما:
29 موقوفا من قضايا أحداث محطة الاستخلاص بهرقلــة غــــدا أمـــام المحكمــــــة
إحالة 4 مورطين في الاعتداء على الطفلة أميرة على التحقيق
بعدما أصدرت الدائرة الجناحية الرابعة بالمحكمة الابتدائية بتونس في جلسة أول أمس (3 أفريل) أحكاما بالسجن على المورطين قي قضايا محطة الاستخلاص بهرقلة مدتها 3 سنوات و6 أشهر و15 يوما في حق 14 متهما مع خطايا مالية قدرها 260 دينارا من أجل تهم المشاركة في معركة وإلقاء مواد صلبة والإضرار عمدا بملك الغير وتعطيل حركة الجولان.
ستنظر المحكمة غدا (الخميس) في دفعة جديدة من القضايا وسيمثل الموقوفين الخمسة الذين أخرت قضاياهم في جلسة الاثنين وقد انضاف لهم 24 موقوفا آخر ستقع محاكمتهم من أجل نفس التهم بعدما ألقي عليهم القبض واشتبه في مشاركتهم في أعمال العنف.
وعلمت «الصباح» أن 4 متهمين آخرين قد أحيلوا على قلم التحقيق بابتدائية تونس للتحقيق معهم في خصوص أعمال العنف التي تضررت منها الطفلة أميرة ( التي لا يتجاوز عمرها 10 أعوام) ولحقتها أضرارا كبيرة في رأسها. وسيتم تحديد نوعية التهمة اما جناية واما جنحة وذلك بعد استيفاء التحقيق مع المحالين الأربعة على قلم التحقيق.
مفيدة القيزاني
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 5 أفريل 2006)
كلمة خفيفة إلى الأخ الفاضل منصف بن سالم.
أخي الحبيب منصف، أنا لست أستاذا جامعيّا حتّى أكون لك زميلا. أنا لست داخل البلاد حتّى أكون في زيارتك بخيلا. أنا لست أشكّ في خُلقك وإخلاصك حتّى أتّخذ عنك بديلا. أنا أحبّك كثيرا وأسأل الله أن يجعلني لك صاحبا وخليلا. أنا أفقه ما تقول عن معاناتك ومعاناة أهلك الكرام، فقد كدتّ لفرط ما أتابع أخبارك أن أكون في بيتك نزيلا.
أنا أدعوك أخي إلى مراجعة قرارك في الإضراب عن الطّعام، فهؤلاء لا يشعرون ولا يتأثّرون لك ولا لغيرك من المظلومين والمضطهدين، فهم إلاّ كالأنعام، بل هم أضلّ سبيلا.
وأنا أدعوك أخي إلى الرفق بنفسك وبزوجك فأبدانكما بما كسبت من الأمراض التي سبّبها المجرمون لا تقوى على الأذى بياتا ومقيلا.
وأنا أدعوك أخي بكلمة رقيقة لتعليق إضرابك، فقد بلغ بمجرّد الشروع فيه ما تبتغي، ولنترك الباقي على الله الكريم الذي لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا…
أخوك عبدالحميد العدّاسي.
لنكن عمليين إزاء قضية الدكتور بن سالم
كلمتان قبل البداية :
1 ــ قضية الدكتور بن سالم ليست سوى قضية حرية شعب بأسره في تونس يرزح منذ عقود طويلة ـ رغم خصوصية العقدين الاخيرين من حكم عصابة الفساد ـ تحت نير الجور والظلم .
لا يعني ذلك التهوين من القضية الشخصية للدكتور بن سالم ولكن ذلك يعني أن تأطيرها على درب الكفاح الحقوقي ضمن القضية الام هو الابقى لها والاوفق بها .
2 ــ لا بد من كلمة تثمين عالية لكل قلم خط حرفا واحدا إنتصارا لقضية الحرية الموؤودة في تونس عامة وقضية الدكتور بن سالم خاصة ولابد من تحية تليق بمقام كل إسم أدرج نفسه ضمن قائمة المساندين لهذه القضية سيما في مبادرة لجنة الدفاع عن الدكتور بن سالم .
معنى ذلك ومقتضاه أن المنزع العملي المنشود مبدؤه كلمة يبادر بها حر فيسمع لها أبي ويتنادى لها الكرماء من كل صوب وحدب فالعلم والعمل لا ينفصلان حتى تنفصل روح عن جسد .
كيف نكون عمليين في هذه القضية : قضية حرية الدكتور بن سالم ؟
1 ــ قراءة ما كتبه الدكتور بن سالم نفسه بالامس لندرك جميعا أنه يجب على كل واحد منا التفضل بالاتصال به هاتفيا لدعم موقفه وتحية صموده وكسر الحاجز المضروب عليه وعلى حركته في الحياة .
2 ــ القيام بعملية ترجمة واسعة إلى كل اللغات الاروبية لبعض الادبيات المتعلقة بوضعه العلمي والمهني والسياسي وحركته الاخيرة والتضييقات المسلطة عليه وعلى عائلته وأبنائه .
3 ــ تنظيم موائد إعلامية دورية حيث ما تيسر لنا ذلك في أروبا خاصة للتعريف بالقضية باللغة المناسبة .
4 ــ تنظيم إضراب جوع في ذات الاطار حيث ما تيسر لنا المكان والزمان سيما أمام بعض المنظمات العلمية أو الحقوقية الشهيرة والمختصة وبأي عدد حضر من المضربين وسواء كان الاضراب قصيرا رمزيا أو طويلا .
5 ــ إنتاج ملف كامل بأقصى ما يمكن لنا عن الدكتور بن سالم وعن قضيته التي من أجلها يضرب عن الطعام صحبة أسرته في بيته بغرض تقديمه مترجما إلى كل الجمعيات التي هو بها عضو أو ذو صلة علمية ما وكذا إلى المنظمات الحقوقية .
6 ــ الاتصال بما أمكن من الاعلاميين والقنوات الاعلامية لتقديم الملف المذكور مترجما والادبيات المتعلقة بالقضية وحثهم على الاتصال به وإستضافته عبر الهاتف .
7 ــ تنظيم إعتصامات دورية بحسب ما نستطيع أمام بعض السفارات والقنصليات والمؤسسات العلمية والحقوقية بمن حضر من المعتصمين وإعداد اللافتات والنصوص المناسبة مترجمة في تحرك مماثل .
8
ــ تنظيم حملة بريدية واسعة جدا لعموم الناس ضمن نص قصير مختصر عن القضية وصاحبها وتذييلها بمطلب محدد من مثل الاتصال به أو التحرك لصالحه أو غير ذلك . 9 ــ إختيار من يزوره في بيته : ثلة من العلماء البارزين أو من الحقوقيين أو الاعلاميين المعروفين بأسمائهم أو بمؤسساتهم من سائر الاروبيين .
10 ــ ترتيب الاحتفال السنوي بيوم العلم على أساس أن يحمل إسمه نظرا لمكانته العلمية دوليا وتسمية الجوائز بإسمه .
11 ــ تأسيس موقع إلكتروني خاص بقضيته لما للمواقع الالكترونية هذه الايام من صدى ورجع لا يشق لهما غبار وحبذا لو كان ذلك باللغات الاروبية .
ليس غرضي هنا إحصاء الوسائل الكفيلة بخدمة قضية الدكتور بن سالم ولكن غرضي هو حسن الاعداد ـ سيما عبر الجمع والترجمة والاحصاء ـ وحسن التحريض إبتغاء خدمة هذه القضية بما تستحقه من عناية وأولوية ضمن قضية الحريات الخاصة والعامة في تونس .
المقصد الاكبر من خدمة قضية الحريات يرجع علينا نحن بالنفع :
مما جعل اليأس ـ أو شيئا شبيها به ـ يتسلل إلى الناس طول الامد وبعد الشقة وجريان الرياح وفق هوى عصابة الفساد في تونس ويغفل الناس عن كون تلك الخاطرة اليائسة إبليسية المنبت تصدهم عن مواصلة الجهاد بما هو متاح منه لهم من مثل الجهاد الثقافي والفكري والاعلامي والحقوقي والسياسي . أولئك يؤمنون ـ وهم لا يشعرون ـ بنظرية نهاية التاريخ التي تزعم بأن الحداثة الغربية سيما الامريكية أو الاروبية قدر لازب على البشرية لا فكاك لها عنه . أولئك يظنون بأن الامر قد إستتب لعصابة الفساد في تونس إستتباب الاقدار الغلابة . لقد كانوا بالامس القريب يواجهون معتقدات باطلة وأفكار فاسدة شبيهة فهل طال الامد أم بعدت الشقة ؟
أجل قد تنجح كل التحركات في قضية الدكتور بن سالم وقضية الحريات في تونس بأسرها على كثرتها وحيويتها نجاحا باهرا ولكنها لا تحقق مقدار شبر واحد من حرية لسجين أو منفي في وطنه فماذا نحن عندها قائلون ؟ هل العيب في الحركة أم في الحركيين أم في السجناء والمعذبين أم في الظروف المحيطة ؟ أولئك يظنون ـ بعد أن يكرهوا على الحركة ـ بأن علاقة الحركة بالحرية علاقة سبب بنتيجة ومن ذا يدب في أوصالهم اليأس مجددا . ألا يظن أولئك بأن ما كسبته قضيتهم أغلى من كل غال ونفيس ؟ إذا أفضت كل حركة إلى حرية فأين قانون الابتلاء ؟
لو لم نجن من الحركة سوى نفض أتربة اليأس وأصدية الترهل لكفانا :
قال الدكتور بن سالم في رسالته إلى الجامعيين بالامس بأن ما يؤلمه حقا هو عزوف زملائه عن زيارته ومواساته في محنته الصامتة أما حبس عصابة الفساد له في بيته وحبسه عن العلم والقلم فذاك أمر لا ينتظر سواه من عصابة جعلت الجهل بالسنن لها نطاقا والكسب الحرام لها عناقا .
لو لم تجلب حركتنا للدكتور بن سالم ولكل السجناء والمعذبين في الوطن السليب تونس سوى قطرات ندية من سرور وجرعات هنية من حبور لكفتنا وكفتهم .
الهادي بريك / ألمانيا
من هم اليهود ومن هم الصهاينة ؟
هناك حديث متداول لدى النخب مفاده ان هناك فرق بين الصهيونية واليهودية ويقال نحن التوانسة والعرب ان نحذر من خلط
هذين المفهومين عسانا الا نسقط في تجريم كل اليهود بكل ما تقترفه الايادي المجرمة لاسرائيل والصهيونية المنتشرة في كل خلايا المجتمعات الانسانية.هذا الاشعار وضع جزءا كبيرا من النخب العربية في حالة استنفار من كل عداء مباشر لليهود عموما وجعل مهاجمتهم امرا غير مقبول ويندرج في منظومة حقوق الانسان وقداسة المعتقد .ورغم ان هذا اطلق ايادي
اسرائيل والحركة الصهيونية لتستعمل اليهود في العالم لتمرير سياساتها الاجرامية ومكنها من صك ابيض لحشد كل ما يقع بين ايديها من يهود على اتم الاستعداد لخدمة قضية الصهاينة بغض الطرف عن قناعاتهم وذلك تحت عنواوين مختلفة منها على الخصوص ربح الاموال والحصول على امتيازات كان من الصعب الحصول عليها بدون موجب . لذلك بدا واضحا ان الحصانة التي حصل عليها اليهود بصفة عامة مكنت من مكنت من التسلل الى مواقع متقدمة من مؤسسات الدول ومنشاءاتها الاقتصادية ومواقع القرار فيها دون ان يحسب حساب لاي طرف سيعمل هؤلاء في المستقبل .
ان التفريق بين اليهودية والصهونية مسالة اعتقد ان الوقت تجاوزها لانها عرفت خروقات عدة من طرف يهود تم تامينهم على مستقبل شعوب ودول مختلفة . اذ يكفي ان ننظر الى ما يفعله اليهود الفرنسيين بفرنسا اليوم وكل هذا الضغط الذي تعاني منه وشاهدوا التدافع الذي يحصل في الطبقة السياسية لارضاء اسرائيل .
وفي بلادنا اعطينا الامان لليهود التوانسة وادرجنا مراعاتهم على انهم جزء من ثوابتنا وتدافعت الاحزاب والنخب الى الدفاع عنهم وصونهم ووقف من وقف معرضا صدره في مواجهة الرصاص المتجه اليهم .ولكن كان ضربهم لبلادنا موجعا .
من ذلك انه بمجرد ان قامت السلطات باستدعاء مجرم الحرب والانسانية شارون لزيارة بلادنا هبوا جميعا لشتم كل من عارض مشروع هذه الزيارة ونعتوهم بكل انواع الشتيمة المؤذية .
ثم هناك تاريخا كاملا سيكتب يوما للدور الذي لعبه اليهود في تقديم بلادنا لقمة سائغة للاستعمار و كل العبقرية التي وضعوها
لتدمير مشروع التحديث الذي جاء به المشير احمد باي في النصف الاول من القرن التاسع عشر . فماذا سنفعل بهذا هل نواصل اخفاءه عن الناس ونواصل القول بان هناك بعض اليهود المفسدين ولكن الاغلبية جيدة وتحافظ على مصلحة الوطن .
فهل ان اليهود بشر من نوع خاص لا يحاكمون ولا يحاسبون اذا ما ثبت انهم اشتغلوا من منطلق التدمير داخل غشاوة
يهوديتهم ؟ام انهم من فصيلة الالهة ؟ام لان القوة والمال التي جمعوها على مر القرون صارت حائطا سميكا يحميهم
من اية محاسبة ويضع تحت امرتهم ملايين المرتزقة الذين يقفون سدا بشريا ليحميهم من كيد الغائلين ؟
لقد نبتت الصهيونية كاديولوجيا قومجية من رحم القرن التاسع عشر مثلها مثل كل الاديولوجيات القومجية الاخرى
كالفاشية الايطالية والاشتراكية القومية الالمانية (النازية) .وهناك بعض اليهود الذين يفهومون ان قيام دولة اسرائيل يضر
باليهودية ولكنهم اقلية لا تحسب . ولا يمكن ان يشكلوا يوما ما تيارا قويا يعول عليه لمقاومة الدمار الذي سيلحقه مشروع الدولة الصهيونية في العالم وفي تطور الديمقراطية . ولكن ما بقي من اليهود خارج اسرائيل جزءه الاكبر يعمل لصالح هذه الدولة .وخاصة يهود تونس .ولقد استعمعنا الى نباحهم عندما انتفض الناس ضد مجئ شارون .
ان قسمة المفاهيم لا تلد من الراس او من الارادة المجردة بل هي وليدة الممارسة . ولا اعتقد ان الاغلبية العظمى من
يهود الشتات اعطوا للعالم البراهين الثابتة انهم لا يقبلوا ولن يقبلوا المشروع الصهيوني .بل ان تلفزات العالم اليوم لا تبث الا تقارير على جملة تحركاتهم في كل اصقاع العالم من اجل الدفاع عن دولتهم الحقيقية اسرائيل حتى وان كانوا ياكلون من خبز شعوب دول اخرى وتصرف على حراستهم وحراسة ممتلكاتهم ملايين الدينارات من عرق تلك الشعوب المعادية لقيام تلك الدولة . فهل يعقل ان نلوي رقبة الواقع حتى نزحف تحت وقع الرعب الذي يبثه اليهود في العالم خاصة بعد ان تاكد العنف الذي تتعامل به هذه القبيلة مع اعداءها والامكانيات التي تحشدها من خارج اسرائيل ومن دول يقال عنها انها حليفة
ولكنها في الحقيقة مستعمرات يهودية .ان المفاهيم والافكار اذا ماترسخت لا يمكن لاية قوة مهما علا عنفها ان تقتلعها الا اذا
جابهتها بمماراسات متجددة وقادرة على حجبها بافكار جديدة.
اذا ماذا سنفعل ؟ هل نبتلع السكين بدمه ونصبر على محنتنا كلما قام يهودي تونسي مسؤول بزيارة اسرائيل ومعاضدة
اسرائيل؟ خصوصا وان حوارا حول مسالة التطبيع مع هذه الدولة لن يثار بحكم السياسات الغير شعبية التي تمارسها هذه الدولة تجاه الفلسطنيين ؟ والى متى ستواصل النخب بيع سلعة التفريق بين الصهونية واليهودية بينما نحن لاعلم لنا حقيقة بالدور الذي يلعبه اليهود التوانسة او ما يسمى بالتوانسة واغلبيتهم العظمى تعيش منذ نصف قرن في اوروبا في سياستنا الداخلية؟
كنت منذ امد اعتقد انه لا توجد قضية فلسطينية في المنطقة . القضية الوحيدة الحقيقية هي اسرائيلية . فاذا كان للفلسطنيين حساب مع اسرائيل فان حدود معاركهم لا تمس بمعارك الشعوب الاخرى .ولكن اسرائيل التي كان بامكانها انهاء الصراع منذ 48 باعانة الفلسطنيين على اقامة دولتهم فضلت لحسابات دينية على غاية من الخطورة وتتمثل في افتكاك احدى المواقع الدينية الكبرى للمسلمين ان تبقى على الصراع حتى تتوفر لها القوة الكافية لمواجهة مليار ونصف من البشر وافتكاك القدس نهائيا .لذلك عمد المشروع الصهيوني على استعمال خدمات اليهود من اصل عربي لتدمير التطور الطبيعي لهذه المجتمعات .هؤلاء اليهود في غالبيتهم العظمى غادروا البلدان العربية وانتقلوا الى اوروبا ولكنهم حافظوا على مواقع مؤثرة في تلك البلدان.وبات واضحا انه لا نجاح لاية مشروع تحديثي في المنطقة لا يكون لهم ظلع فيه حتى سيطروا تقريبا وداخل كل الدول العربية على نمو المجتمعات وذلك بالقدر الذي لا يمكن ان يشكل خطرا مستقبليا على اسرائيل .لذلك يمكن ان تكون شخصا بعيدا عن قضية الفلسطنيين ولست منخرطا في مجموعة لمساندة نضال الشعب الفلسطيني.ولكنك لا تستطيع ان تتجنب في تعاملاتك الحياتية الادوار التي يلعبها اليهود في المنطقة .فاذا كنت تريد ان تبيع الزيت لاوروبا عليك ان تحسن التعامل مع الوسيط الوحيد المسيطر على قطاع الزيوت الذي هو يهودي بالضرورة .واذا كنت تريد اقتراض بعض الاموال من البنوك الاجنبية فعليك ات تمر بمكتب دراسات صاحبه دون منازع من قبيلة اليهود . واذا كنت تريد بيع النسيج او جلب السياح او الاتفاق مع بعثة لحفر الاثار او اشتراء باخرة او طائرة او حمولة من الموز او الفواكه الجافة او صناعة شريط سنمائي للمشاركة في مهرجان كان او برلين او البندقية . فبدون عبور حاجز اليهود انت كعربي مهدد بالمجاعة وبالاندثار .وكل هؤلاء اليهود كلهم ممن كانوا وراء اهم الانجازات التافهة التي تحققت الى يومنا الحاضر كلهم لا دين لهم الا اسرائيل وكل يهودي خالفهم الراي قاموا منذ سنوات بحرقه وردمه تحت اسفل السافلين .
هذا اذا كنت شخصا عاديا لست مهتما بالسياسة اطلاقا . فان السياسة تاتيك من الخلف وتاخذك من نفسك دون علمك . ولقد اعدو في هذا السياق جيوشا مجيشة من الذين لا يمارسون السياسة الا من خلف ظهورهم وهم اليوم يجلسون في ديارهم ويترقبون مجئ السفارة الاسرائيلية على احر من الجمر .
اما اذا كانت لك بعض الهموم السياسية و من منطلق انساني فلا يحق لك ان تبكي في ظلام وحدتك كل تلك الاطفال التي تدوسها دبابات اليهود الاسرائيليين . لانك اذا شتمت اليهود في اسرائيل فانك تشتم كل يهود العالم .لذلك اخترع بعضهم ممن يدافعون عن الاختلاف الجوهري بين الصهيونية واليهودية طريقة في التعامل مع جرائم الاسرائيليين على انها جرائم دولة تبدو كانها غير دولة اليهود . فبامكانك ان تتحدث عن اسرائيل دون ان تفكر باليهود .كانما هؤلاء هم مرخيين . وهناك بنغلق الحديد على اصحابه وتواصل عربة الحشد تجمع لتعد نفسها للتفريق في المستقبل.
اسرائيل دولة دينية قومجية خطيرة . خطورتها هي هذا الامتداد الاخطبوطي الذي يمثله يهود الشتات .انها دولة مافيا مغلقة. واذا قدرلهم افتكاك القدس واقامة معبد سليمان فانها كارثة تهدد بناء الديمقراطية العالمية ولغما في قلب المجتمعات المفتوحة. لقد اجبرت اسرائيل المنطقة والعالم باجمعه على تعديل الساعة على الحروب الدينية وتحول المشروع الحضاري الذي جات به الثورة الفرنسية من مشروع اغريقي روماني الى مشروع مسيحي عبراني وبتنا اليوم نتحدث عن حوار الحضارات او صراعها وتراجع المد العقلاني الى العصور الوسطى وفترة الحروب الدينية وتصاعد الى وسائل الاعلام جيوش مشايخ الدين والاحبار والكهنة وبات واضحا ان بناء مجتمع انساني امر ميؤوس منه .
اننا في قلب تراجيديا عالمية مدارها الفي سنة واذا عاد اليهود الى القدس بعد حرقها علي يد الرمان في 76 ميلادي فان النار ربما ستاتي على كل الارض هذه المرة .
الامجد الباجي
الى مخبر صغير
زهير لطيف
عزيزى تونس جينيف المحترم وياليتك يا ليتك! الحمد لله أن سمحت لك تونس نيوز بنشر ما تفتقت به مخيلتكم حول شخصى وكما تعلم بأن تونس بلدى تعانى من أزمة تصحر حقيقية ولكن لا بأس فالصحراء تنمى المخيلة أشكرك على ذكر اسم والدى المرحوم قاسم اللطيّف و اضافة اسم أخى فهذا من باب الدعاية له أشكرك على ذلك.
نعانى فى تونس من أزمة التوثيق وأعتقد أنك الرجل المناسب فى المكان المناسب وأنا لسعيد بأن أكون بهذه الأهمية لكى يهتم رجل نكرة لا يتجرأ حتى على كتابة اسمه على شبه كلمات وليست كالكلمات موجهة لى شخصيا.
هل على أن أقدم لك مستندات تؤكد أننى من أنا ؟ لا أعتقد ذلك لأنك أيها الشرطى الصغير لا تعنى لا لى ولا لغيرى أي شيئ يذكر فكما تعرف والدى وأخى فأنت تعرف البقية التى لم تتجرأ على ذكرها .
أن أحمل شهادة الباكالوريا أو لا فهذا أمر لا يهمك وان كنت جاهلا وأنا متأكد من ذلك فعل الأقل مواقع الأنترنات والعديد من المحطات التى عملت فيها والأفلام التى أنتجتها وعرضت بالمحطات العربية والدولية كفيلة بأن تعلمك بأنك شرطى فاشل. وأن أكون قريبا من القصر كما ذكرت فهذا يؤكد أن القصر يحب الأمين مثلى، وإن كنت مدركا ادراكا حقيقيا بأننى من المقربين الى وزارة الداخلية فهذا إثبات اخر بأنك من العاملين فيها وآمل أن أكون قد التقيت بك فى إحدى ممرات وزارة الداخلية وما أكثرها !
تقول بأننى متواجد فى العديد من التظاهرات الحقوقية التى تهتم بالشأن التونسى فى سويسرا وغيرها فها أنت تؤكد بأنك
تعلم كل شئ حولى. ليست هى المرة الأولى التى تعرضت اليها الى حملات تشويه وصحافتكم الصفراء شاهدة على ذلك ولست الوحيد، لكننى أفرح أن أنتقد على موقع أنترنات ممنوع فى تونس .
كنت أود الكتابة فى موضوع اخر ولذلك لن أطيل لأنك لاتستحق حتى الرد وعلى ذكر المتنبى:
واذا أتتك مذمتى من ناقص ………… لأننى لست أعظم
آخر ما أريد قوله راسلنى على عنوانى البريدى وأنا أعلم بأنك أجبن من ذلك.
زهير لطيف، أمّـىّ على مقاييس المخبرين التونسين
افتتاحية « الموقف »
جاؤوا لإنقاذ شعب … فذبحوه
لا يخلو يوم من أيام العراقيين من مذبحة. وكل مذبحة أشنع من التي سبقت. ثلاث سنوات من أنهار الدم المتدفقة بعدما وعدت الولايات المتحدة وهي تُنزل حمم طائراتها وصواريخها على المدن والقرى والأحياء وأماكن العبادة، أنها ستُخلَص العراقيين من الإضطهاد وتُعيد لهم الأمان والإستقرار والفرحة. وها أن « المنقذ » مازال يصب أطنان الذخائر وأسلحة الدمار المختلفة حيثما انتشرت قواته، مما أحرج حتى الفئات التي تحالفت معه وسلمته مصيرها ومصير البلاد.
في واحدة من تلك المجازر المتكررة سقط قبل أيام سبعة وثلاثون شهيدا في ليلة واحدة وفي مسجد واحد هو مسجد المصطفى ببغداد، مما أجج مشاعر الغضب لدى كافة أبناء الشعب العراقي والأمة الإسلامية. حتى كتلة « الائتلاف العراقي الموحد » الطائفية التي جاء معظم أفرادها على ظهور الدبابات الأمريكية حمَلت جيش الإحتلال المسؤولية الكاملة عن الجريمة. وإذا ما قرأنا هذه الشراسة في ضوء الموقف المتجبر للسفير الأمريكي في بغداد زلماي خليل زادة ندرك أن الولايات المتحدة تخطط لتفجير حرب أهلية كي يغرق العراق في برك الدماء. وإلا كيف يمكن تفسير تشكيل قوات عراقية خاصة لا تخضع حتى لإشراف الحكومة التي سماها الإحتلال؟ إنها فرق الموت الشهيرة التي تنشر الرعب في أرجاء العراق والمُكلفة بتنفيذ الإغتيالات المنظمة والتصفيات الجسدية والمداهمات والتي قضت إلى حد الآن على مئات الجامعيين والعلماء والسياسيين الوطنيين لتجريد العراق من كفاءاته.
لقد بات واضحا اليوم أن باب الخلاص الوحيد للعراق هو في الجلاء الفوري لقوات الإحتلال بلا قيود أو شروط، والتهيئة لانتخابات حرة تحت إشراف عربي، أو عربي – أممي من الدول التي لم تشارك في الإحتلال، كي يختار الشعب العراقي حكومة انتقالية وطنية وممثلة لا تتدخل في تشكيلها القوى الدولية والإقليمية الطامعة في ثروات البلد.
الموقف
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 353 بتاريخ 31 مارس 2006)
الفراغ الثقافي دفع الشباب إلى العنف الكُروي
رشيد خشانة
في برنامج رياضي بثته فضائية تونسية أجهش رجل ضخم بالبكاء مُعلنا أنه لن يُرسل نجله بعد اليوم إلى الملاعب بعد الذي حصل للبُنيَة التي لم تتجاوز الثالثة عشر ربيعا والتي ترقد في المستشفى في أعقاب اعتداء آثم تعرضت له بمناسبة إحدى مقابلات كرة القدم. هذه البُنية واحدة من ضحايا كُثر سقطوا في الأيام الأخيرة وخصوصا يوم الأحد الماضي نتيجة المشاحنات التي تطورت إلى مواجهات بين أنصار الفرق الرياضية المختلفة.
انتهى الهدف الأصلي النبيل من وراء تعاطي كرة القدم والرياضات الأخرى وحلت محله الأحقاد والعداوات الدفينة التي ما تلبث أن تنفجر بشكل دوري، كما حدث في ملعب باجة سنة 1999، عندما سقط عشرة قتلى في مواجهات بين أنصار فريقين. ومن نعم الله أن تونس لا تشكو من الصراعات الطائفية والعرقية والجهوية، لكن الذين يضخون بذرة « الشقاق الكروي » يمكن أن يقودوا البلاد إلى صراعات مُدمَرة تأكل الأخضر واليابس، مع أنه لا وجود لأساس موضوعي لتفريق التونسيين إلى صفين متقابلين أو أكثر منذ أن طوينا صفحة الحرب بين الباشية والحسينية في مطلع القرن الثامن عشر.
على أن المهم في علاج هذه الظاهرة الخطرة ليس إصدار عقوبات آنية والتصريح بخطايا مالية ضد هذا الفريق أو ذاك، أو حتى توجيه رسائل توعية من مكاتب الفرق إلى المحبين، فكل ذلك غير كاف. الأهم هو مراجعة الأسباب التي قادت إلى هذه الظاهرة والتي جعلت الولع المرضي بكرة القدم يشعل حماس الشبان ويُزيَن لهم ارتكاب أعمال العنف الفردية والجماعية بدعوى الإنتصار لفريقهم المفضل. صحيح أن هذه الظاهرة موجودة في مجتمعات أخرى، بعضها متقدم علينا اقتصاديا واجتماعيا، غير أن معدن مجتمعنا لم يكن يتواءم مع مثل تلك الظواهر.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 353 بتاريخ 31 مارس 2006)
الديمقراطي التقدمي: تكتيل قوى المعارضة في مقدمة مشاغل المجلس الوطني
عبد المجيد الطبيب
قرر المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي دعوة المجلس الوطني للحزب للانعقاد بتونس يومي 9 و 10 أفريل. و يضم المجلس الوطني أعضاء اللجنة المركزية للحزب و أعضاء الجامعات و أعضاء الفروع إضافة إلى الملاحظين من أصدقاء الحزب الذين تتم دعوتهم لحضور المجلس. و للتذكير فإن أخر دورة للمجلس الوطني للحزب قد انعقدت في شهر فيفري من السنة الماضية و شارك فيها ما يقارب 180 مناضل من جميع الجهات تقريبا. و في إطار الإعداد للمجلس الوطني أشرف الأخوة منجي اللوز و المولدي الفاهم عضوي المكتب السياسي على اجتماع مشترك لمناضلي الحزب في سوسة و المنستير بمقر جامعة سوسة و ذلك يوم الجمعة 24 مارس. كما اجتمعوا بمناضلي جامعة قابس يوم السبت 25 مارس و مناضلي الحزب في مدنين و تطاوين يوم الأحد 27 مارس و مناضلي ولاية القصرين يوم الإثنين 28 مارس. و كانت الأخت مية الجريبي و الأخ هشام عصمان عضوي المكتب السياسي أشرفا على اجتماعات في نفس الغرض في قفصة و توزر و قبلي. و من المنتظر أن تتواصل زيارات أعضاء المكتب السياسي للجهات في نهاية هذا الأسبوع للاجتماع بالمناضلين.
و قال منجي اللوز أن المجلس الوطني للحزب الديمقراطي التقدمي سيتناول بالدرس الوضع السياسي المتسم بالجمود و الانغلاق و التضييق على الحريات الذي بلغ حدودا قصوى و هو ما يتطلب من الحزب توجيه رسالة إلى المجتمع بضرورة تشديد النضال و الكفاح من أجل فرض الإصلاحات الديمقراطية على السلطة و نحن نحتفل بذكرى عزيزة علينا ألا وهي ذكرى انتفاضة الشعب التونسي في 9 أفريل 1938 من اجل برلمان تونسي هذا المطلب المركزي الذي لا يزال راهنا و مطروحا على كل القوى الديمقراطية و التقدمية في وطننا. و أضاف المنجي اللوز أن المجلس الوطني للحزب سيتناول الأوضاع الاجتماعية المتميزة بتفشي البطالة و ارتفاع الأسعار و تدهور القدرة الشرائية لعموم المواطنين و التي لم تستطع المفاوضات الاجتماعية الأخيرة الحد منها في حين يزداد الثراء الفاحش لأقلية محضوظة من المجتمع مقابل تفقير متواصل للطبقات الشعبية و الوسطى. و هذا الوضع يتطلب تكثيف النضال من أجل سياسات اقتصادية و اجتماعية في صالح الطبقات الشعبية و من أجل العدالة الاجتماعية. و من المنتظر أن يؤكد المجلس الوطني على خيار الحزب الذي تجسد في الفترة الأخيرة بضرورة تكتيل كل قوى المعارضة في بلادنا في مواجهة الحزب الحاكم و أحزاب الموالاة من أجل فرض حلحلة وضع الاستبداد المسلطة على البلاد و تحدي حالة الحصار و التضييق و المنع. أما في المجال التنظيمي فيرى المنجي اللوز أن المجلس الوطني علاوة على أنه سيتناول تحديد الموعد النهائي للمؤتمر الخامس للحزب فإنه سيكون فرصة لرفع مستوى استعداد الحزب ليتحمل مسؤولياته الوطنية كاملة للنضال من أجل الإصلاح الديمقراطي و العدالة الاجتماعية هذا بالإضافة إلى تأكيد التزامه بمساندة الشعب الفلسطيني و العراقي في مواجهة الصهيونية و الاستعمار.
و من المنتظر أن تحتوي أشغال المجلس الوطني على جلسة افتتاحية يوم السبت 8 أفريل يقدم فيها الأمين العام للحزب بيان المكتب السياسي و تعطى فيها الكلمة لمثلي أحزاب المعارضة الوطنية و المنظمات المستقلة ثم تتواصل أشغال المجلس في إطار لجان لمناقشة القضايا المبرمجة في جدول الأعمال ثم في جلسة عامة يوم الأحد لتلاوة البيان الختامي. و إلى حد الآن لم يتأكد تمكين الحزب من قاعة خاصة لعقد المجلس الوطني علما بأنه تم عقده السنة الماضية في نزل بالعاصمة. و قد أصدر المكتب السياسي للحزب بيانا أدان فيه المضايقات المسلطة على نشاطاته في حين عبر العديد من المناضلين في الجهات عن عزمهم عقد المجلس الوطني مهما كانت الظروف – حتى في فناء مقر الحزب بالعاصمة حسب بعض المناضلين – و تحدي منع السلطة و تضييقاتها.
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 353 بتاريخ 31 مارس 2006)
توتر اجتماعي في المنستير
مازال الأعراف في جهة المنستير يواصلون غلق المؤسسات وطرد العمال دون احترام لأبسط الحقوق التي ضمنتها قوانين الشغل مما جعلهم عرضة للبطالة يعانون الفاقة ويتهددهم الجوع. ولم تستطع المساعدات التي يقدمها صندوق الضمان الاجتماعي ـ لبعض الأشهر ـ أن تخفف من معاناتهم إلا بشكل محدود. أما القضايا العرفية التي تحال على المحاكم وتصدر فيها أحكام، فإنها لا تجد سبيلها للتنفيذ. وبالرغم من أن المُشرّع التونسي وضع خلاص العامل في أولوية الاستحقاقات التي يتعين على المؤسسة أن تسددها، فإن المستثمرين تفننوا في التحايل على القوانين وفي التهرب من تطبيقها، فصاروا يستبقون الأحداث ويعدون لكل شيء عدته، فيتخذون كل الاحتياطات اللازمة التي تجعل إمكانية مصادرة التجهيزات أمرا مستحيلا، فكل وسائل العمل ودواليبه وآلاته يقع التفويت فيها بطرق ملتوية أويتم تحويلها لمواقع أخرى ينتصب فيها هؤلاء المستثمرون من جديد. هذا ما حصل في العديد من معامل النسيج خاصة في المكنين وزرمدين وبوحجر وجمال وبنبلة وغيرها. وفي المؤسسات الجديدة يعمد الأعراف إلى التخلص من العمال والعاملات القدامى المرسمين ذوي الأجور المرتفعة نسبيا، وفي نفس الوقت ينتدبون عمالا وعاملات جددا بأجور زهيدة، ومع ذلك لا يقع التصريح بحقيقتها لدى صندوق الضمان الاجتماعي وهكذا ما يجعل العامل مسلوبا من حقوقه في شبابه وفي شيخوخته.
أما قوانين الشغل فإنها ما لبثت تتمطط، فاسحة المجال لما أصبح يعرف » بمرونة الشغل » وهي الآلية القانونية الجديدة التي جعلت مصير العامل: ـ انتدابا وترسيما وترقية وأجرا وطردا ـ مرتبطا بإرادة صاحب المؤسسة وبمصلحته، دون اعتبار لأوضاعه الاجتماعية والإنسانية. وقد أحدثت هذه الآلية تداعيات خطيرة على تدهور الوضعية العمالية.
هذه كلها آليات صارت معروفة لدى كل العمال، يتذمرون منها ولا يستطيعون مواجهتها، وهذا ما يعيشه حوالي 270 من عمال وعاملات مؤسسة » أولد أمريكاOLD AMERICAIN » للنسيج بـ » بوحجر » والذين توقفوا عن العمل لأكثر من شهرين ولم يتحصلوا على مستحقاتهم ولم تسعفهم كذلك وزارة الشؤون الاجتماعية بالمساعدات الزهيدة التي وعدتهم بها، والجميع يعرف أن أغلبهم من الأمهات اللواتي مازلن يرابطن بالمؤسسة رغبة في العمل وسعيا للحصول على المساعدة الاستثنائية.
نفس الظروف المأساوية يعيشها عمال وعاملات « مؤسسة النهوض » ببلدة بنبلةPROMOTION التي تضم حوالي170 عامل وعاملة.
غير أن ما حدث في المؤسسة الأخيرة في هذه المدة كان أفظع، وتجاوز أساليب الابتزاز المعهودة، فقد أعلمنا العمال والعاملات على مرأى ومسمع ممن يهمهم أمن البلاد واستقرارها أن صاحب المؤسسة أغلق الأبواب الحديدية للمؤسسة ثم لحم البعض منها، ولم يكتف بذلك، بل عمد إلى تسريب الكهرباء في الأبواب الحديدية، وهو بذلك لا يهددهم في لقمة عيشهم فحسب بل كذلك في حياتهم. وحتى يُجبر العاملات والعمال على مغادرة ساحة المؤسسة التي يعتصمون فيها، فإنه ضخ عليهم المياه الساخنة.
إزاء هذه التصرف المفزع والغريب، فإن فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ـ الذي تحول إلى المؤسسة، بمجرد أن أبلغه العملة بهذه الانتهاكات لحقوق الإنسان وأصغى بانتباه إلى شهاداتهم ــ يسجل ما يلي:
1 ـــ يدين هذاالسلوك اللاأخلاقي واللاإنساني الذي ينم ّعن عقلية متعسفة يتنافى مع ما تطمح له بلادنا من استقرار وسلم وتعاون.
2 ـــ يلفت انتباه المسؤولين الوطنيين والجهويين والرأي العام الوطني والنقابي والحقوقي إلى أن هذه التجاوزات تمثل سابقة خطيرة لا تسيء فقط إلى العاملين والعاملات في هذه المؤسسة، بل إنها ستعمل على تأزيم العلاقات الاجتماعية المتوترة بطبيعتها. ولذا فإن الفرع:
أ ـ يطالب السلط بفتح تحقيق حول هذه الانتهاكات حفظا لكرامة العامل والعاملة وحتى نضع حدا لمثل هذه التجاوزات الخطيرة.
ب ـ يدعو كل الأطراف المعنية إلى أن تُولي هذه الوضعية الاجتماعية المتأزمة ما تستحقه من عناية حتى تخفف من معاناة العمال والعاملات الذين طال انتظارهم ونفد صبرهم.
3 ـــ يعلن دعمه وتعزيزه لمجهودات الاتحاد العام التونسي للشغل الساعية لتمكين العملة من كل حقوقهم التي ما لبث الأعراف يتلاعبون بها.
رئيس فرع الرابطة بالمنستير
سالم الحداد
(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 353 بتاريخ 31 مارس 2006)
حكاية السياف مسرور في بلاط الخليفة!
د. أحمد القديدي (*)
صورة السياف مسرور الواقف بين أيدي أمير المؤمنين هارون الرشيد ظلت تداعب خيالنا منذ الطفولة، كأنها ملحمة عربية صميمة، حين بدأنا نقرأ أمهات كتب الأدب العربي مثل كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني وكتاب العمدة لابن رشيق القيرواني وزهر الآداب للحصري وكذلك أدب الخيال مثل ألف ليلة وليلة.
وتواصلت صورة السياف مسرور ترافقنا مع قدوم الأفلام المصرية الأولى أبيض وأسود والمستوحاة من قصص ألف ليلة وليلة، والتي نرى فيها من خلال شاشاتنا القديمة ذلك الرجل الأسود البدين القوي مفتول العضلات والممتشق سيفا ضخما وهو يأتمر بأوامر الخليفة العباسي الذي كان يجسده الممثل المصري عباس فارس بصوته الجهوري كلما ناداه: يا مسرور اقطع رأسه. وكان يقوم بدور مسرور نفس الممثل المصري على مدى ربع قرن ونظل نحن الأطفال المساكين نرتعد في قاعة السينما مع الضحية الذي لا يملك استئنافا ولا نقضا للحكم البات والفردي، ويغمض الحساسون منا وذوو القلوب الرقيقة عيونهم إلى أن يمر مشهد قطع الرأس، التي عادة ما تكون في السينما إما رأس أنور وجدي في الأفلام الدرامية أو رأس إسماعيل ياسين في الأفلام الكوميدية.
ومع مرحلة الاستعمار في بلاد المغرب العربي عشنا بالفعل مأساة السياف مسرور لكنه هذه المرة يخدم في ركاب المحتل الفرنسي ويلاحق المجاهدين ويغتال المقاومين ورأينا مسرور يرفع سيفه البتار لينال من حقوقنا في الاستقلال والحرية وهو موظف في إدارة المستعمر.
وحين حصلت بلداننا على استقلالها، تذبذبت حكوماتنا الوطنية بين انتهاج نهج الوفاق والمصالحة وبين إتباع طريق تصفية الحسابات بين الفرقاء والخصوم والمتنافسين على السلطة، فعاد شبح السياف مسرور يرتاد بلاطات الحكم في مرحلة ما بعد الاستقلال وشهدت تونس فتنة الانقسام الخطير والدموي بين بورقيبة وغريمه ورفيق كفاحه المرحوم صالح بن يوسف، وشهدت المملكة المغربية صراعا بين الملك محمد الخامس والسلطان بن عرفة وعاشت الجزائر فواجع التصفيات بين فصائل الدولة بعد التحالفات في مرحلة الثورة وكان آخر ضحاياها المرحوم الرئيس محمد بو ضياف عام 1992.
وأنا أكتفي بذكر السياف المغاربي مسرور لأني لو فتحت معاجم تاريخ السياف المشرقي مسرور لاحتجنا إلى مكتبات كاملة. ولكل مثقف ومواطن مصري وشامي وعراقي وسوداني أن يستعيد التاريخ القريب لبلاده ليدرك بأن السياف مسرور هو أيضا مصري وشامي وعراقي وسوداني، وبأن ضحاياه بالآلاف منذ أكثر من نصف قرن. وظلت نداءات الأمراء للسياف مسرور هي ذاتها مع بعض التغيير في التفاصيل.
ومع انتقال السلطة بين يوم وليلة من حاكم إلى حاكم بالانقلابات وبيانات الساعة الأولى تغيرت ملامح الديكور وتبدلت الشعارات البراقة وتحولت الأساليب، لكن الذي لم يتغير هو السياف مسرور. بقي كما هو بسيفه المهند يقف وراء العرش ويأتمر بأوامر صاحب العرش وينفذ ويطيع مع تغيير في الرؤوس المقطوعة، بل انك تحسبه لا ينظر من هو الجلاد ومن هو الضحية. ولا يهمه من الذي يعطي الأمر ومن الذي يروح في داهية. المهم بالنسبة إليه هو رفع المهند المسلول ليهوي به على رقبة بائس مغلول في القيود دون أن ترف لمسرور عين ولا أن تصيب يده رعشة، وبلا أي حزن ولا تردد ولا سؤال ولا ندم يواصل أداء وظيفته كالآلة الخرساء العمياء. انه مسرور الأبدي الأزلي. ماكينة القتل والرحم الذي يولد منه جنين النظام الجديد. مسرور الدائم منذ خمسة عشر قرنا من التاريخ العربي! هو ذاته الذي رأيناه ليلة من ليالي يوليو 1958 في بغداد يقتل الملك الشاب فيصل ورئيس حكومته نوري السعيد، ثم رأيناه هو ذاته يقتل عبد الكريم قاسم مؤسس الجمهورية العراقية والذي كان على سدة الحكم ذات يوم من أيام يوليو 1961.
ومنطق الرأس المقطوعة كان هو مبدأ الاستيلاء على الحكم في دولة المماليك، حيث لا يبايع حاكم على العرش إلا بعد أن يقدم للجمهور رأس سلفه مقطوعة فتحل البيعة ويستوي القاتل الجديد على العرش منتظرا تنفيذ نفس المنطق يوما من الأيام على يد شقيق أو صديق أو عدو متربص، لأن مسرور يلازم مكانه بطلعته العملاقة وبسيفه المتعطش للدم، لا يتحرك إلا بأمر الواقف على قدميه ليضرب عنق الجاثي على ركبتيه، مهما كان الواقف وكان الجاثي. فمسرور العربي لا يفكر ولا حق له في العواطف كبقية البشر لأنه أشبه بالآلة البشرية، ولد لكي ينفذ: جهاز لتغيير الوضع دون أن يرف له جفن أو يصحو ضمير. وقديما كان المسرورون «جمع مسرور» يتوارثون المهنة أبا عن جد وكابرا عن كابر، وينتقل السيف البتار من جيل إلى جيل ويلقن الكبير للصغير أصول المهنة.
اليوم علينا أن نبادر بلعنة هذا المنطق المقلوب ونحل القانون والمؤسسات محل الارتجال والحقد ونعلن عن موت مسرور بلا أسف أو إحالته للمعاش يستريح من تاريخ أسود من المكر والخديعة والبغضاء. فالناس في الوطن العربي بخير، وقد ارتفعوا بالثقافة المعولمة إلى مصاف الشعوب التي تفكر وتبدع وتبني وتشارك.
(*) كاتب وسياسي من تونس
(المصدر: صحيفة « الشرق » القطرية الصادرة يوم 5 أفريل 2006)
أمريكا اللاتينية تتجه نحو اليسار
توفيق المديني (*)
يجمع المحللون في العالم أن القارة الأمريكية الجنوبية انعطفت إلى اليسار. ففي بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي 1990، وبعد العودة إلى الديمقراطية في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية ، اجتاحت القارة الجنوبية رياح عاتية من الليبرالية الجديدة التي أعادت تشكيل السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي سارت عليها بلدان أمريكا اللاتينية منذ إنتهاء عهد الديكتاتوريات العسكرية مع أواسط الثمانينات من القرن الماضي.
واعتقد الجميع أن ساعة النيوليبرالية المظفرة قد دقت . ففي ظل الضغوطات التي مارستها المؤسسات الدولية المانحة مثل صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و النظرة المتحرسة للولايات المتحدة الأمريكية ، بحثت حكومات أمريكا اللاتينية في أمر معالجة أمراضها الهيكلية – الفقر، الفساد، عدم المساواة، و المديونية الخارجية- من خلال التكيف مع القواعد الجديدة للعولمة الرأسمالية المتوحشة.باستثناء كوبا، حيث أنه بعد خمس عشرة سنة من انهيار الشيوعية السوفياتية،حاولت هذه الثورة الخمسينية أن تحافظ على أسطورة » الاشتراكية في بلد واحد ».
و تعيش أمريكا اللاتينية تحولا عميقا رصينا. إنها تتحرر من النماذج الاقتصادية المستوردة التي طبعت كل تاريخها منذ عقود. فمن البنيوية إلى النقدية ، و من الماركسية إلى الليبرالية، رقصت القارة كلها رقصة دائرية من البراديغمات ،متأقلمة في المدارات الإستوائية، الدروس القادمة من الجار الكبير الشمالي . إن » توافق واشنطن » الشهير وهو عبارة عن مذهب إقتصادي ليبرالي يقوم على فلسفة التقشف، والتخصيص, والتحرير,والإنضباط في الموازنة, والإصلاح الضريبي, وتخفيض النفقات العامة, وتحرير المبادلات التجارية والأسواق المالية، لم يكن سوى نموذج إضافي. ولقد استنبطت تدابير » توافق واشنطن » هذا الرد على كل المشاكل الاقتصادية التي كانت تواجه معظم بلدان العالم سواء في المراكز الرأسمالية المتقدمة أم في البلدان المتخلفة التي كانت تعاني من عجوزات كبيرة في موازناتها, حيث كانت خسائر المؤسسات العامة غير الفعالة تسهم في هذا العجز.و لذا سوف يسميه خبراء الاقتصاد أيضا ب »التفكير الأحادي ». وفي عقد التسعينات عملت الولايات المتحدة الأمريكية على فرض هذا النموذج الإقتصادي أي النيوليبرالية في إطار الترويج للعولمة، وبرامج التثبيت والتكيف الهيكلي، وبرامج الإصلاح الإقتصادي, على معظم بلدان العالم الثالث لكي تتبناه, بوصفه نموذجا إقتصاديا نيوليبراليا مفروضا من قبل الرأسمال الإحتكاري الأمريكي مقابل تدفق الاستثمارات.
و على عكس ما كانت تروج له العولمة الرأسمالية تماما , ازداد الفقر في بلدان أمريكا اللاتينية .فالحكومات لم تجلب لهم الرفاهية الموعودة, وهي عاجزة عن إعادة توزيع الثروة بشكل عادل. و هكذا, فإن 71% من الأمريكيين اللاتينيين يعتقدون أنهم محكومون من قبل جماعات صغيرة لا تراعي إلا مصالحها الخاصة و مصالح السوق.و يغذي هذا الإحباط الأحقاد, و يقسم السكان , إلى مجتمعين متصارعين , كما شاهدنا ذلك في فنزويلا, و بوليفيا و الأرجنتين أيضا.و إذا كان سكان المنطقة يعتقدون أن حرية السوق يمكن أن تكون نموذجا جيدا للتنمية, إلا أنهم يطالبون بتحويل الديموقراطية الإنتخابية إلى ديموقراطية أكثر إجتماعية و تشاركية.
إن التحول الاقتصادي و الإجتماعي في أمريكا اللاتينية لا يسير وفق خط متوازن. يقول المنسق للمجلس الأمريكي –اللاتيني للعلوم الإجتماعية , إيميليو طادي: » نحن الآن في وضع استطاعت من خلاله الصراعات الإجتماعيةأن تعبر عن نفسها منذ ثلاث سنوات, إذ نجحت في إنتاج تغييرات على الصعيد المؤسساتي , لولا في البرازيل, و كيرشنير في الأرجنتين. أما على الصعيد الاقتصادي, فلم يتم التخلي عن السياسات النيو ليبرالية(…) ما يجري حسب تحليله, هو إعادة شرعنة النظام السياسي , مع المحافظة على الصور التقليدية . في الأرجنتين على سبيل المثال , من المفترض أن يحقق النمو رقما قياسيا بنحو 6%, و لكن البطالة هي في إرتفاع مستمر , و يعيش 50% من السكان في الفقر.
الرّياح تغيّراتّجاهها .فقد حملت الانتخابات الديمقراطية إلى السلطة في بلدان أمريكا اللاتينية ، الواحدة بعد الأخرى، قيادات تتبنى بشكل أو بآخر، اليسار. فلم يكد يمر أقل من شهر منذ إعلان فوز زعيم الحركة الاشتراكية، ايفو موراليس، بمقعد الرئاسة في بوليفيا، في 18 ديسمبر/ كانون الاول 2005، حتى تدعمت ظاهرة الهوية اليسارية الجديدة لأمريكا اللاتينية، تلك القارة الملاصقة للولايات المتحدة وفنائها الخلفي ومجالها الحيوي، وتعزز الانعطاف اليساري في هذه القارة، في ضوء ما أسفرت عنه الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية والتي جرت في تشيلي، في 15 يناير/ كانون الثاني 2006، بفوز مرشحة يسار الوسط، ميشال باشليه، على منافسها اليميني سباستيان بنييرا، لتصبح بذلك أول امرأة تصل إلى سدة الحكم بالاقتراع العام في بلادها، وفي عموم أمريكا اللاتينية، ذلك اليسار النابع من الشعب والمندمج بصفوف الكادحين منه وفقرائه ومثقفيه العضويين، عبر انتخاب عدد من الرموز اليسارية وإيصالهم إلى سدة السلطة، وتزايد المخاوف الأمريكية من اتساع نطاق هذه الظاهرة.
1-« الثورة البوليفارية » في فنزويلا
للمرة الثانية في عامين، انتصر الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز على معارضيه من النخبة السياسية والاقتصادية الحاكمة سابقا.ورفضت الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بنتيجة الاستفتاء الذي أظهر انتصار الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز في الاستفتاء على ولايته, وطالبت باجراء تحقيق سريع وكامل وشفاف في « عمليات التزوير » التي تندد بها المعارضة الفنزويلية.
وتضاعف إدارة السيد جورج بوش من تهجماتها الكلامية في حق الرئيس « البوليفاري ». وما يثير حنقها يومياً هو أنه لم يبد حماسة كبيرة لالتزام « محاربة الارهاب » وخصوصاً ضد رجال العصابات الكولومبية، والاتفاقات العسكرية التي عقدها مع الصين وروسيا، وخطابه المعاديللامبريالية الأمريكية . و كان هوغو شافيز الكولونيل في سلاح المظليين قام بمحاولة انقلاب فاشلة في شباط/فبراير عام 1992 , ليضع حداً لثلاثين سنة من هيمنة حزبي الحركة الديموقراطية (اشتراكي ديموقراطي) وكوبايي (الديموقراطي المسيحي)، اللذين كانا، في هذه البلاد المنتجة للنفط، قد أوصلا الفنزويليين الى ما تحت عتبة الفقر. وبعدما أطلق من السجن، وصل هذا المتمرد بالطرق الديموقراطية الى السلطة في كانون الأول/ديسمبر عام 1998. وقد سبقت إعادة انتخابه في 30 تموز/يوليو عام 2000 تعديلات جذرية في الدستور، تمت المصادقة عليها عبر عملية استفتاء شعبي. وفي الاجمال، فقد انتصر السيد شافيز وتغيّرت القيادة الفنزويلية بصورة سلمية.
ومنذأن تولى رئاسة الدولة الفنزويلية , تقود حكومة تشافيز ثورة لا مثيل لها: « فهي ليست اشتراكية ولا شيوعية، كونها متشكلة في إطار الرأسمالية، لكنها جذرية في حضها على تغييرات أساسية في البنية الاقتصادية »، بحسب ما يوضح الوزير في رئاسة الجمهورية رافييل فارغاس. فقد عملت كراكاس ايضاً، عبر إعادة إحياء دور منظمة الدول المصدرة للبترول (اوبيك)، التوصل الى سياسة بترولية تسمح بالحفاظ على سعر النفط الخام على مستوى أعلى من 22 دولاراً للبرميل الواحد، مثيرة بذلك الكثير من الامتعاض في واشنطن، كما انها ضاعفت من تصريحاتها ضد العولمة الليبيرالية الجديدة داعيةً الى عالم متعدد القطب، معارضةً بذلك سعي الولايات المتحدة الى الهيمنة.
واعتمد الرئيس شافيز على ركيزتين من أجل التغلب على البنى التي تعوق مسيرته، الجيش من حيث أتى، وهو العمود الفقري للدولة، وأبناء الشعب غير المنتظمين الذين أوصلوه الى السلطة. ففي نيسان/أبريل عام 2001، حين دعا الى تشكيل « مليون حلقة بوليفارية » لدعمه، استجاب دعوته بحماسة عشرات الآلاف من الفنزويليين، كل في شارعه أو حيه أو في مدن الأكواخ. ولم يقم الرئيس شافيز بحرق المراحل في سبيل تطبيق برنامجه الإصلاحي على الصعيد الاقتصادي و الإجتماعي , لأنه كان يعرف جيدا سباق الحواجز نفسه في أجهزة الدولة والادارة التي تأصل فيها الفساد بعد أربعين عاماً من الزباينية.و لم يقم بعملية تطهيرداخل أجهزة و مؤسسات الدولة, بل سعى الى تطبيق الإصلاحات، بالإعتماد على بعض كبار الموظفين داخل إداراتهم. وحاول تأمين التغيير مع الناس انفسهم، وهم في غالبيتهم من عناصر حزبي الحركة الديموقراطية وكوبايي المعارضتين . فهذا الجيش من الموظفين الوسطاء والمستخدمين يعوق تنفيذ البرامج ويخرب المشاريع ويشل تحويل الموارد الى الادارات البلدية.
لكن القضية التي أثارت حنق المعارضة المتحالفة مع واشنطن هو وضع الدولة يدها على النفط, الذي يشكل 70 في المئة من الصادرات و40 في المئة من واردات الدولة. وبعد انهيار اسعاره إثر أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، كان من شأن زيارات السيد شافيز الى أوروبا والجزائر وليبيا والسعودية وإيران وروسيا وحتى الى العراق، كما نشاط السيد علي رودريغيز، الامين العام لمنظمة « أوبيك » الفنزويلي الأصل، أنها ساعدت في تثبيت الأسعار عبر خفض تدريجي منظم للانتاج.إن شركة بترول فنزويلا (PDVSA) هي شركة مغفلة والدولة هي المساهم الوحيد فيها، لكنها واقعة تحت قبضة مجموعة من أربعين موظفاً كبيراً، و »جنرالات النفط هؤلاء » هم الذين يضعون قوانينها ويطبقون سياستـ »هم »، ويعطون الأولوية للمصالح الأمريكية ,ويخرقون معايير منظمة « أوبيك » عبر زيادة الانتاج ويبيعون بخسارة ويضعفون الشركة تحضيراً لخصخصتها. وكان همّ الرئيس شافيز أن يعيد لهذه الشركة دورها في المشروع الإصلاحي ، فأراد أن تستعيد الدولة السيطرة على هذا القطاع الاستراتيجي الذي تميز نظامه المالي بالانحرافو الفساد. فمن أصل 75 في المئة من الأرباح المخصصة للدولة منذ ما يقارب العشرين سنة (فيما تحفظ الـ25 في المئة للشركة) صارت حصة الشركة 70 في المئة (و30 في المئة للمالية). وقد عين شافيز رئيساً جديداً للشركة هو السيد غاستون بارّا وفريقاً إدارياً معه. لكن وباسم الوعود بالترقية لمن كان الأفضل، والفاعلية في الادارة والانتاجية، وتحقيق الأرباح والاستقلالية في مواجهة « التسييس » الذي فرضته الحكومة، تذرع هؤلاء التكنوقراطيين بـ »مفهوم الجدارة » هذا الذي ابتدعوه لكي يرفضوا التعيينات ويدعوا الى العصيان من خلال التحريض المباشر الذي تمارسه واشنطن عبر أحزاب المعارضة.
ومؤخرا، عقد المنتدى الاجتماعي العالمي دورته السادسة في كراكاس عاصمة فنزويلا ما بين 24 إلى 29 يناير الماضي.واختتم أعماله بعد ستة أيام من المناقشات حول العولمة، وتقدم اليسار في أمريكا اللاتينية، والحرب، وهي مناقشات شهدت تجاذباً قوياً بين فريق يدعو إلى تسييس المنتدى، وآخر يرغب في حماية استقلاليته. وقد طغى تسييس المنتدى بقوة، خصوصاً وأن بوصلة أمريكا اللاتينية تتجه نحو اليسار بعد سلسلة الانتخابات العامة الأخيرة التي أكدت انطلاقة تحرردول أمريكا اللاتينية من الهيمنة الأمريكية .فقد أصبحت ثلثا أمريكا اللاتينية يغرد بعيداً عن سرب الولايات المتحدة، بعد أن كانت ومنذ أواسط القرن التاسع عشر تعتبر امتداداً طبيعيا للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
لكن الذي أعطى بعدا ً تسييسياً للمنتدى هو مشاركة الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز شخصياً في أحداث المنتدى ، إذ ألقى كلمة في حفل الختام دعا فيها النشطاء إلى إطلاق « حملة عالمية » ضد الرأسمالية والامبريالية الأمريكية.و أكد أيضا أن « الثورة البوليفارية » تقدم التجربة الأكثر راديكالية في مناهضة العولمة النيوليبرالية. فما هي الوسائل التي يمتلكها شافيز لتمويل « ثورته البوليفارية »؟
قبل كل شيء، تعتبر فنزويلا التي يصل تعداد سكانها إلى 25 مليون نسمة، خامس منتج للنفط في العالم، وسابع أكبر دولة في أمريكا اللاتينية. ومابين 2003 و 2005، شهد العالم ارتفاعا جنونيا لأسعار النفط، فتضاعفت العائدات المتأتية من الصادرات النفطية في فنزويلا ، لتتجاوز35،6 مليار يوروأو ما يعادل 42 مليار دولار.و أكثر من نصف موازنة الدولة يتوقف على الضرائب و العائدات المقتطعة من الشركات النفطية .وقد تم أيضا تعويم خزائن الدولة من خلال مكافحة التهرب الضريبي، في بلد يعتبر التهرب من دفع الضرائب- مثل باقي دول أمريكا اللاتينية- مرتفعا ً تاريخيا ً.
خلال السنتين الأخيرتين ،ارتفعت النفقات العامة أيضا ً بما يقارب 70%.ولكن ، من أجل تقدير المجهود المتحقق في هذا الميدان الاجتماعي،علينا أن ناخذ بعين الاعتبار المبالغ المقتطعة مباشرة على عائدات الشركة الوطنية للنفط، التي ستتزوّد بما يقارب 5 مليارات يورو في عام 2006.
وتشكل التطايرية لأسعار النفط الشك الكبير.ويقدر الخبراء أنه مع وجود سعر للبرميل يقارب ال35 دولار، فإن الرئيس الفنزويلي سيواجه مصاعب كبيرة.بالنسبة لعام 2006، تشير التقديرات إلى أن سعر البرميل سيكون أعلى من 45 دولار.
وبعد الإضرابات الببترولية الكبيرة التي قادتها المعارضة في فنزويلا خلال سنتي 2003-2003، عاد النمو إلى الانطلاق مثل السهم . فقد بلغ 9،5% في عام 2005،بعد أن قارب 18% في عام 2004. وتراجع معدل البطالة بشكل صريح (8،3%)، و تم التحكم في التضخم تحت سقف 15%.و أبدى الرئيس شافيز ارتياحا ً كبيرا ً من « النجاح » الذي حققه الاقتصاد الفنزويلي،إذ اصبحت صناديق البنك المركزي مللآنة ، و ال30 مليار دولار من العملات الصعبة ستمكن البلاد من تسديد ديونها الخارجية.
ونظرا ً لحرصه على الدفاع عن « السيا دة الاقتصادية » لفنزويلا ، فقد تشدد الرئيس شافيز مع الشركات النفطية المتعددة الجنسية ، في إطار معاودة التفاوض حول عقود الإستثمار الحالية في سبيل تأمين مشاركة بالأكثرية للشركة الفنزويلية الوطنية للنفط.و بما أن فنزويلا أصبحت عضوا ً في مجموعة الماركوسور- الاتحاد التجاري الرئيس الأمريكي –الجنوبي -فقد ضاعفت من إبرام الاتفاقيات الثنائية مع البرازيل ، و الصين ، و إيران ، من أجل تنويع مصادر الاستثمار والشركاء. ومع ذلك تظل الولايات المتحدة الأمريكية الزبون الأول للبلاد.
تراجع الفقر
مع دخل وسطي للفرد بنحو 4000دولار، تتموقع فنزويلا في فئة البلدان ذات الدخول المتوسطة. بيد أن الثروة ليست موزعة بشكل متساوٍ، فهناك 70% من أصل 25،7 مليون فنزويلي يعيشون تحت خط الفقر، بينما لم يكونوا إلا 30% في هذه الوضعية عام 1975.والحال هذه، تشير المفوضية الاقتصادية لأمريكا اللاتينية في آخر تقرير لها حول البانوراما الاجتماعية، أن معدل النفقات الاجتماعية للفرد انتقل من 72 إلى 132دولار في عام 2004، حسب الأرقام الرسمية بتقدم قوي جدا ، لا سيما في قطاع التعليم . وللتدليل على هذا التطور المذهل نكتفي في سياق هذه العجالة بأرقام المدارس؛ فقد شيد في عهد شافيز أكثر من (530) مدرسة جديدة، واستقبلت المدارس الحكومية مليوناً و300 طالب جديد، وزادت ميزانية التعليم من 2،8% إلى 7% من الدخل القومي وهي من النسب العالية جدا في العالم.
وفضلا عن ذلك ، فإن البرامج الاجتماعية المخصصة للتعليم و الصحة ودعم المواد الغذائية ، و الممولة من قبل فائض الريع النفطي ، مسّت 16 مليون فنزويلي.وقد ابدت منظمة اليونسكو ارتياحها بسبب القضاء على الأمية . كما أن البنك الدولي أصبح يشيد من الآن فصاعدا ببرنامج الطب عن قرب الذي مكن سكان الأحياء الفقيرة من المعالجة المجانية ، بفضل تواجد ألاف الأطباء الكوبيين.وتشير الأرقام إلى تراجع طفيف في نسبة الفقر، الذي يضرب ثلثي السكان .
وفي إطار الحماس و الفوضى يسير الإصلاح الزراعي بخطى حثيثة ، فقد تضاعفت التعاونيات الزراعية،وتم إنشاء »الإدارة المشتركة » في بعض شركات القطاع العام.ف »الثورة البوليفارية » لها سحرها ومزاياها.وبصورة إجمالية يظل الاقتصاديون الأمريكيو ن اللاتينيون متشائمين . ويلاحظ بتهوفن هيريرا من الجامعة المركزية لفنزويلا : »أن تجربة فنزويلا ليس لها فوائد كبيرة للبلدان غير النفطية ».
إن الارتجال الذي يسود في كراكاس ، و غياب استراتيجية متماسكة للتنمية تثيران انتقادات وخيبات أمل.ويؤكد الاقتصادي ليونارد فيغا الذي ينتمي للجامعة عينها: »أن إعادة توزيع الريع النفطي نحو القطاعات المحرومة لا تضمن لوحدها نموا ً مستمرا ً يمكن الدفاع عنه ».ويضيف وزير سابق للتخطيط،إينزو ديل بوفالو: »إن البرامج الاجتماعية للحكومة خففت من النتائج الكارثية للنيوليبرالية، لكنها لم تغير في العمق بنية الاقتصاد الفنزويلي، الذي يظل تابعا ً للنفط أكثرمن أي وقت مضى ».
« الثورة البوليفارية » يمكن أن تنفق من دون الإكتراث بالفاعلية.لايوجد أي شخص يعرف بدقة تكاليف المهمات الاجتماعية.فالأموال تصرف مباشرة من الشركة الفنزويلية للنفط من دون المروربموازنة الدولة.ففي ظل غياب إدارة فعالة ومراقبة لوقف الفساد، كل شيء يؤكد الاعتقاد أن الفوضى عارمة.في المدى المنظور، هل ستستمر الشركة الفنزويلية الوطنية للنفط في تمويل السياسة الاجتماعية للحكومة و القيام باستثمارات ضرورية لتحديث بنيتها في الوقت عينه ؟
يعتقد الخبراء أنه منذ خمس عشرة سنة من اعتناق الليرالية ، استمر القطاع الصناعي الفنزويلي في التراجع . وليس التعاونيات الزراعية أو المنظمات البديلة الأخرى للإنتاج ، غير الكفؤة ، هي التي ستسمح بتنويع الاقتصاد وجعله تنافسيا ً. فالنفط و الإرادة الطيبة لا يكفيان لبناء اقتصاد حديث ،وفعال، و تنافسي.
2-انتخاب إيفو موراليس رئيسا ً لبوليفيا
بعد سلسلة الضربات الموجعة التي تلقتها الولايات المتحدة، خلال السنوات القليلة الماضية، مع وصول أحزاب يسارية ومعادية للسياسات الأميركية في البرازيل والأرجنتين والأوروغواي وغيرها، إضافة إلى فنزويلا هيغو شافيز، جاءت الضربة هذه المرة من بوليفيا. فقد أصبح من المحقق بعد انتخابات الأحد الماضي، أن زعيم « الحركة باتجاه الإشتراكية »، إيفو موراليس، قد أصبح رئيساً للبلاد للسنوات الخمس القادمة.
وحقق اليسار البوليفي فوزا ً كبيرا ً في الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الأحد 18 ديسمبر 2005،إذ حصل مرشح زعيم الحركة نحو الاشتراكية إيفو موراليس على نسبة 51% من الأصوات ، متقدما ً بأشواط كبيرة على مرشح اليمين، الرئيس السابق خورخي كيروغا الذي حصل بدوره عى 31%. وتأتي أهمية انتخاب موراليس ليس فقط من حيث كونه يسارياً وشديد الإعجاب بالرئيس الفنزويلي، بل أيضاً من حيث كونه أول هندي من سكان أميركا الأصليين يصل إلى منصب الرئاسة، منذ اكتشاف العالم الجديد في القرن الخامس عشر، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يمر دون تداعيات في أميركا اللاتينية حيث تكثر نسبة السكان من غير الأصول الأوروبية، وربما أيضاً في الولايات المتحدة نفسها. وفي حين أعلن موراليس أن صفحة المعاناة التاريخية من الحقد والتمييز اللذين عاشهما الهنود في بوليفيا قد طويت إلى غير رجعة، سجل المراقبون أن هنود أميركا قد تعاطوا مع الحدث البوليفي كانبعاث حقيقي لمفاخر أجدادهم التي طمستها خمسة قرون من هيمنة الأوروبيين وأحفادهم.
وكان الاستقطاب الحاد للمجتمع البوليفي قد قلص حظوظ مرشح الوسط ، صامويل دوريا مدينا. أما الأحزاب التقليدية فقد كانت غائبة ً عن هذا الإستحقاق الانتخابي، باستثناء الحركة القومية الثورية (يمين الوسط) التي حكمت بوليفيا لمدة طويلة، و التي قدمت اليوم مرشحا ً هو ابن مهاجر ياباني ميشياكي ناغاطاني.
وقد انتخب ال3،6مليون ناخب بوليفي أيضا ً130 نائبا في البرلمان ، و27 عضوا في مجلس الشيوخ.وضاعفت الحركة نحو الاشتراكية من عدد مقاعدها في البرلمان بحصولها على 65 مقعدا،و 12عضوا في مجلس الشيوخ.فهي تحقق اختراقا ً غير متوقع في إقليم سانتا كروز(شرق البلاد) ، القطب الواعد للتنمية الاقتصادية في بوليفيا، و الخاضع تقليديا للمحافظين.وبالمقابل حصل اليمين على 45 نائبا و 12 سيناتورا.أما أنصار مرشح الوسط صامويل دوريا مدينا، فقد حصلوا على 10 نواب و عضوا واحدا في مجلس الشيوخ. إنه الحزب التقليدي الوحيد الذي لم يندثر من المشهد السياسي.وتعد الحركة القومية الثورية 8 نواب وسيناتوراواحدا.
ولد خوان إيفو موراليس الهندي المتحدر من قبيلة أيمرا في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1959 من دون عناية طبية في قرية نائية لا ماء فيها ولا كهرباء في إقليم أورورو جنوب منطقة الالتيبلانو البوليفي، وتعين عليه التوقف عن دراسته الثانوية. وكان لهذا الابن الفقير لفلاحين من قبيلتي أيمرا وكيتشوا الذين يشكلون الأغلبية في بوليفيا ستة إخوة وأخوات، توفي أربعة منهم قبل بلوغهم العامين، واضطر إلى العزف على آلة موسيقية ليحصل على قوته.
و في عقد الثمانينيات ، دفع الفقر عائلته ، مثل العديد من العائلات الفقيرة، إلى هجرة الجبال للإقامة في المناطق الزراعية.و في منطقة تشاباري ( شرق ) ، أصبح إيفو موراليس الزعيم المناهض للإمبريالية يدعو ويدافع عن حرية زراعة الكوكا، وينتقد السياسة الإمبريالية للولايات المتحدة التي تمول استئصال هذه النبتة « المقدسة » المستخدمة في القرابين، والتي تستهلك مع الماء الساخن، أو تمضغ في منطقة الإنديز، وتستخدم كذلك النبتة في إعداد الكوكايين.و في عام 1977، انتخب نائبا ً عن محافظته، بحصوله على70% من الأصوات. وكمناضل نقابي في صلب النقابة المركزية العمالية ، ثم قائدا للحركة نحو الاشتراكية ، عرف إيفو صدامات كبيرة مع البوليس ، وجرد من منصبه كنائب.
و في عام 2002، ترشح للانتخابات الرئاسية، وخلافا ً لماِ كان متوقعا ً، حصل على المرتبة الثانية بنيله 21% من الأصوات.وعقب المنتدى الاجتماعي العالمي، تظاهر إيفو موراليس إلى جانب أمهات ألاف المفقودين في ساحة مايو في بيونس أيرس، و القى خطابا ، دعا فيه إلى تأميم حقول الغازالضخمة. وفي أكتوبر تشرين أول 2003 قاد النائب زعيم مزارعي الكوكا ثورة ضد الرئيس الليبرالي غونسالو سانشيس دي لوسادا. وأمر الرئيس بقمع هذه الثورة بشدة ( 80 قتيلا ) قبل أن يهرب إلى الولايات المتحدة.و خلال صعوده السياسي المدوي، أقام إيفوعلاقات قوية مع أعداء الولايات المتحدة الأمريكية ، مثل الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، والكوبي فيديل كاسترو.
لقد كان للتشقق الاجتماعي ، والإثني، والإقليمي، التي تعيشه بوليفيا تأثير واضح على سيرهذه الانتخابات.هناك إثنان من أصل ثلاثة بوليفيين يعيشون تحت خط الفقر، و60% منهم هم من السكان الأصليين(أكثر من ثلاثين إثنية).فالألتيبلانو أنديز (في غرب البلاد) يعارض المتروبول الاقتصادي الجديد سانت كروز(في الشرق) الذي يطالب بالحكم الذاتي. والجدير بالذكر أن 60 في المئة من سكان بوليفيا هم من الهنود الأميركيين، يضاف إليهم 25 في المئة من المهجنين، في حين لا تتجاوز نسبة ذوي الأصول الأوروبية الـ15 في المئة من السكان. ومع ذلك استأثر هؤلاء بحكم البلاد منذ الاستقلال عن إسبانيا قبل 150 عاماً جاءت حافلة بالاضطرابات والانقلابات ومظاهر الهيمنة الأميركية التي جعلت بوليفيا في طليعة البلدان الأكثر فقراً في أميركا اللاتينية برغم اتساع أراضيها (أكثر من مليون كيلومتر مربع لنحو تسعة ملايين نسمة) وغناها بالثروات الباطنية وبالإمكانيات الزراعية. وكان في طليعة العوامل التي أسهمت في فوز موراليس تفاقم الأوضاع المعيشية في البلاد نتيجة فشل السياسات الإصلاحية المملاة أميركياً من خلال البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
اليسار في بوليفيا المناهض للامبريالية ركز في حملته الانتخابية على موضوعين رئيسين: إصلاح قطاع المحروقات في بوليفيا من خلال تأميم الأرض، بما فيها حقول الغاز، وهي الثروة الأساسية في هذا البلد الواقع على سلسلة جبال الأنديز، ويرى أن موارد الغاز يجب أن يستفيد منها البوليفيون، وليس الشركات المتعددة الجنسيات التي تنشط في هذا القطاع.و الدعوة إلى جمعية وطنية جديدة « لإعادة تأسيس بوليفيا »، وإنهاء « الدولة الاستعمارية ».
وقد أبدت الشركات المتعددة الجنسيات التي تستثمر حقول الغاز و النفط البوليفيين حذراواضحا، لكنها تقول أنها مستعدة للحوار عقب فوزالزعيم الاشتراكي إيفو موراليس في الانتخابات الرئاسية.و بالمقابل يبدو أن الرئيس المستقبلي يريد طمأنة الشركات الأجنبية عندما صرح عقب فوزه: »أن حكومته لن تستملك ولن تصادر »امتيازات الشركات العاملة في بوليفيا، البلد الذي تقدر احتياطاته من الغاز الطبيعي بنحو 137 مليار متر مكعب.وستتصرف حكومة الحركة نحو الاشتراكية تجاه حق الملكية مثل أي دولة لها واجب التصرف تجاه حق الملكية. ولايعني هذا استملاك أو مصادرة خيرات الشركات الدولية ».
لاشك أن هذا الخطاب حول هذا الموضوع الحساس يقلق الشركات المتعددة الجنسيات ،لأنه يتسم بالغموض: ففي حملته الانتخابية، وعد إيفو موراليس ب »تأميم » الغاز، بينما حسب الخبراء، لا يعدو أن يكون الأمرمتعلقا بشكل خاص ، باستعادة ملكية الأراضي التي تتواجد فيها حقول الغاز.وتسيطر شركة بتروباس البرازيلية على نحو 14% من الاحتياطات البوليفية ، منذ أن وقعت عقدا للإستثمار بقيمة 1،5 مليار دولار، في عام 2003. بينما تشارك شركة طوطال الفرنسية في استثمار حقول الغازبنحو 15% مننذ عام 1995.
ومع ذلك ، خلف هذا الخطاب الراديكالي الذي يجسده مرشح الهنود السكان الأصليين في بوليفيا، يمد المنظر الحقيقي للرئيس الجديد ألفارو غارسيالينيرا يديه للبرجوازية البوليفية مترافقة مع تهديده لرفاقه القدامى، بقوله: »لقد عزلنا القيادات الراديكالية ووقعنا اتفاقيات مع الحركات الاجتماعية، لكن اذا اقتضى الحال ،ستتغلب سلطة الدولة ».
3-تشيلي :تحديات الاشتراكية باشليه
في ظل مجتمع تشيلي محافظ ، هو الأكثر محافظة في أمريكا اللاتينية ، حيث تعتبر الكنيسة الكاثوليكية قوية جدا، وحيث الاجهاض حتى الطبي لا يزال يعدّ جريمة، وحيث الطلاق لم يشرع الا قبل سنتين، كان من المستحيلات قبل سنوات أن تصعد امرأة إلى قمة السلطة لتخلف الرئيس الاشتراكي ريكاردو لاغوس في مارس2006.ومع ذلك فازت مرشحة يسار الوسط ميشيل باشليه (54 سنة) في الانتخابات الرئاسية التي أجريت الاحد15 يناير الجاري في تشيلي، وباتت المرأة الاولى التي تصل الى الرئاسة بالاقتراع العام المباشر في بلادها ، و القارة الجنوبية.
« أدعوكم لأن تكونوا شركاء في لحظة تاريخية جديدة بانتخاب أول امرأة لتولي الرئاسة. فلنصنع التاريخ ». بهذه الدعوة، دشنت الاشتراكية ميشال باشليه شريط عصر جديد في تشيلي، إذ إن انتصارها يعزز اليسار اللاتيني المناهض للولايات المتحدة. وتفوقت « رئيسة المواطنين » على « برلوسكوني تشيلي »، الملياردير اليميني سباستيان بينييرا- الموالي لأمريكا ، والذي تدعمه الكنيسة الكاثوليكية واليمين المحافظ الذي وفر تغطية واسعة لحكم الديكتاتور الدموي السابق أغوستينو بينوشيه-.بحصولها على 53,49 في المئة من الأصوات، في مقابل 46,5 لبينييرا الذي اعترف بهزيمته وهنأ باشليه، واصفا اياها بانها رمز » نضال ملايين النساء من اجل انتزاع المكانة التي يستحقنها »
ويتساءل المحللون في الغرب ، هل أن الرئيسة ميشال باشليه انتخبت بوصفها امرأة، أم بوصفها مناضلة اشتراكية؟
في الحقيقة هناك تقارب بين الإثنتين. لاشك أن انتصارها الباهر يعود إلى الأغلبية الاشتراكية الديمقراطية (يسار الوسط) التي تحكم البلاد منذ عودة الديمقراطية إلى تشيلي في عام 1990، و التي أصبحت تسيطر على مجلس الشيوخ لأول مرة، وحافظت على أغلبيتها في مجلس النواب، أولا . ولكونها امرأة، و أكثر من ذلك لشخصيتها الجذابة ثانيا. إنها امرأة شجاعة تمتلك قناعات راسخة، وتعطي الثقة للناس. وقد أثبتت قدراتها وصلابتها عبر مسيرة حياتها الحافلة، إذ ولدت ميشال باشليه في 29 سبتمبر 1951 في سنتياغو، وجابت في طفولتها كل ارجاء تشيلي، إذ كانت العائلة تتنقل تبعاً لانتقال مركز عمل الوالد الذي كان طياراً في الجيش.وعام 1970 بدأت دروساً في الطب وانتسبت الى الشبيبة الاشتراكية..وبعد الانقلاب العسكري الدموي في 11 سبتمبر 1973، على الحكومة الاشتراكية الديمقراطية المنتخبة بقيادة الزعيم سلفادور أليندي، واستيلاء الطغمة العسكرية بقيادة الجنرال بينوشيه على السلطة، الذي حكم البلاد بالحديد و النار،تحدت كل الأخطار بمساعدتها المناضلين الاشتراكيين الذين يعملون في السرية، و عائلات المساجين السياسيين.
إن ميشال باشليه هي ابنة ألبرتو باشليه، وهو ضابط برتبة جنرال في الطيران ، من أصل فرنسي ، و ماسوني ، وكان مقرباً جدا من الزعيم الاشتراكي الراحل سالفادور اليندي، وتوفي بعد ستة أشهر في السجن نتيجة التعذيب ا..وفي العاشر من كانون الثاني 1975 ، اعتقلتها اجهزة الاستخبارات مع والدتها واقتادتهما الى فيلا غريمالدي، احد مراكز التعذيب في تشيلي. ومع الافراج عنهما بعد 20 يوماً، سلكتا طريق المنفى قاصدتين أوستراليا ثم المانيا الشرقية حيث واصلت ميشيل تحصيلها الجامعي. وعام 1979، عادت ميشيل مع طفلها سيباستيان المولود عام 1978 الى تشيلي حيث حصلت عام 1982 على شهادتها في الجراحة، غير انها لم تتمكن من الحصول على وظيفة في القطاع العام « لاسباب سياسية ».وقد افادت من منحة دراسية مكنتها من التخصص في طب الاطفال والصحة العامة ، وعام 1984 انجبت ابنتها فرانشيسكا.
وفي موازاة كل ذلك، عملت في منظمة غير حكومية تساعد أطفال ضحايا الديكتاتورية.وبعد الانتقال الديموقراطي في البلاد عام 1990، كثفت عملها طبيبة في قطاع الصحة العامة وعضواً في اللجنة الوطنية لمرض العوز المناعي المكتسب « الايدز » ومستشارة لمنظمة الصحة العالمية.وكانت باشليه ترى أن الحزب الاشتراكي الذي تنشط في صفوفه يهمل القطاع العسكري، فباشرت دروساً في الاستراتيجية العسكرية في سانتياغو وفي الدفاع القاري في واشنطن.وعندما وصل إلى السلطة الرئيس لاغوس في عام 2000، عهد اليها في وزارة الصحة وكلفها إجراء إصلاح واسع النطاق في هذا القطاع، كما كانت عام 2002 المرأة الاولى وزيرة للدفاع في أميركا اللاتينية ودعت في الذكرى الـ30 للانقلاب في تشيلي الى مصالحة بين المدنيين والعسكريين. ومع هذا الموقف تحديداً، اتسعت شعبيتها وحلقت.
إن فوزباشليه الانتخابي ، هو انتصار مثلث: انتصار لائتلاف يسار الوسط المتكون من الديمقراطيين المسيحيين، و الحزب الراديكالي، و الحزبين الاشتراكيين ،وانتصار للإشتراكيين، و انتصار شخصي لها. وهذا الفوز يظهر أيضا قوة اتحاد يسار الوسط الحاكم في تشيلي منذ نهاية الديكتاتورية عام 1989.
ماذا يمكن أن يظهر لنا وصول هذه الأم العزباء لثلاثة اولاد من والدين مختلفين انفصلت عن كليهما، و العلمانية ، إلى قمة السلطة في بلد كاثوليكي تقليدي تطغى عليه النزعة الذكورية، وتحتل فيه العائلة مركزية القيم، على نقيض جيرانه الأمريكيين اللاتينيين الذين يعيشون حياة عاطفية و سياسية متقلبة جدا ؟
إنه يظهر لنا الصعود القوي للنساء في الحياة السياسية في قارة أمريكا اللاتينية ، كما في أماكن أخرى،و في بلدان ليست بالضرورةمتقدمة.إن تشيلي بلد محافظجدا،بل متزمت في تشدده الديني.وكانت الكنيسة تبنت خطا سياسيا مغايرا في الثمانينيات من القرن الماضي ، عندما جسدت القطيعة مع معظم الديكتانوريات العسكرية التي حكمت أمريكا اللاتينية ،لكنها ظلت دائما في خط البابا يوحنا بولس الثاني. و مع ذلك تبنى قسم كبير منها إيديولوجية لاهوت التحرير .فتحول بذلك القساوسة إلى شيوعيين ثوريين مدافعين عن الفلاحين الفقراء،و انخرطوا في حروب العصابات ضد الأنظمة العسكرية والديكتاتوريات التي كانت تحظى بدعم واشنطن وتأييدها.و الحال هذه ،فإن انتخاب الرئيسة ميشال باشليه يعبر عن ظاهرة تغيير عميقة في العقليات:إنه يظهرلنا أيضا أنه بعد خمسة عشر سنة من الإنتقال إلى الديمقراطية ، أن تشيلي تحدثت بصورة عميقة.
إن التطورات التي أسفرت عنها العملية الانتخابية في أمريكا اللاتينية ، مسألة جديرة بالاهتمام،إذ إن اليسار هو الذي يحقق انتصارات في الانتخابات، و هذا بدون شك يعزز المحور المناهض للولايات المتحدة الأمريكية في القارةالجنوبية. وعلى الرغم من أن بلدان أمريكا اللاتينية اعتنقت نهج الليبرالية الاقتصادية في سياق العولمة الرأسمالية المتوحشة التي تقودها واشنطن، فإن شعوبها زادتها العولمة فقرا على فقر،وفاقمت عندها التفاوتات الاجتماعية الحادة، عوض ان تنتشلها من واقعها المتردي الذي أوقعته فيها الديكتاتوريات العسكرية بعد مرحلة الاستقلال.
وهنا يطرح المحللون ماهو دور هذه الرئيسة الاشتراكية المعتدلة في الخريطة السياسية للقارة الأمريكية اللاتينية ، التي أصبح يهيمن عليها اليسار أكثر فأكثر؟
إن ميشال باشليه ليست لها نفس الثقافة السياسية للرئيس الفنزويلي اليساري هوغو شافيزالمأخوذ بالزعيم الكوبي الشيوعي فيديل كاسترو، الذي ما انفك يناهض السياسة الأمريكية، و الذي التحق بالسوق الأمريكية اللاتينية المشتركة « الماركوسور » لإضفاء عليها « مزيدا من الاشتراكية ». كما أن باشاليه تختلف عن الرئيس البوليفي الهندي الأصل إيفو موراليس ، الذي يريد تأميم قطاع الطاقة ،لاسيما الغاز، حيث تعتبر بوليفيا أكبر منتج له، وتمت خصخصته في عام 1996 ، و الذي سيتجه بحكمه نحو اليسار، إذ يجمعه بشافيز و كاسترو،ولولا في البرازيل ، العداء لأمريكا، و تحقيق مزيدا من العدالة الاجتماعية للطبقات الفقيرة و المحرومة.
إن الرئيسة الجديدة لديها تكوين سياسي قوي و ليست بحاجة إلى اللجوء للخيار الشعبوي . و هذا يعني أنها ستكون متأنية في إقامة علاقات جيدة مع موجة شافيز.فانتخابها بعد موراليس في بوليفيا، سيقوي التحول الى اليسار في اميركا اللاتينية . بيد أن ميشال باشليه ، الاشتراكية ، هي اقرب ايديولوجيا الى سيلفا منها الى موراليس او تشافيز. وقد اصطدمت افكارها الاشتراكية الليبرالية في بعض الأوقات مع أفكار الصفوة المحافظة في تشيلي، لكن قادة الأعمال يثقون في قدرتها على مواصلة السياسات الاقتصادية الحذرة للاغوس. ولن تتراجع عن اقتصاد السوق الذي تبنته تشيلي منذ عقود.فهي لاتريد أن ترعب رجال الأعمال الذين اسهموا في حملتها الانتخابية، و هي لا تريد أن تحيد عن خط الرئيس ريكاردو لاغوس، الذي أعطى اهمية كبيرة لليبرالية الاقتصادية. وهي تريد طمأنة المستثمرين الأجانب الذين يلعبون دوراً حاسماً في النمو الاقتصادي الذي جعل من هذا البلد الأكثر تقدما في أمريكا اللاتينية.
إن اليسار التشيلي يعرف جيدا في أي أوضاع مأساوية تعيش المجتمعات الأمريكية اللاتينية ، ويعتقد أنه يجب انتشال البلدان المجاورة نحو الديمقراطية ومساعدتها على إيجاد سياسات فعالة للخروج من أزماتها.فهذا اليسار ليس له كراهية أو خوف من « اليسار الاخر » المناهض للولايات المتحدة الذي تولى الحكم في بلدان لاتينية اخرى، مثل الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، والبرازيلي لويس لولا دا سيلفا، والاورغواني تابار فاسكويز، والارجنتيني نيستور كريشنر، والبوليفي إيفو موراليس. وينص برنامج باشليه على مواصلة الانفتاح على الاستثمارات الاجنبية ،و الدفاع عن تعزيز التوافق الإقليمي حول الماركوسور، باعتبارها الأداة الجوهرية لتطوير السياسات الاجتماعية في أمريكا اللاتينية من أجل إنهاء معاناة الفقراء والمحرومين والاقليات ، مع البقاء في الوقت عينه في إطار الاقتصاد الليبرالي. وتلعب تشيلي دورا ديناميكيا ومؤثرا على صعيد القارة الجنوبية .
فبعد سقوط الديكتاتوريات العسكرية في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وموجة الديمقراطية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية في عقد التسعينيات ، ها هو اليسار الاشتراكي المناهض للسياسة الأمريكية يصبح معطى جديدا في القارة الجنوبية.
(*) كاتب وباحث تونسي
(المصدر: مجلة « الوحدة الإسلامية » الشهرية التي تصدر عن تجمع العلماء المسلمين في لبنان، العدد الثالث والخمسون، أبريل 2006،)
ثقافتنا والعولمة… خصوصية أم تبعية؟
(1 من 2)محمود بن محمد سفر (*)
للثقافة وظائف أساسية لعل أبرزها المحافظة على ما تقوم عليه الحياة في المجتمع من عقيدة موحية وقيم صالحة ونظام اخلاقي فعال، وتطوير الافكار والخصائص والممارسة السلوكية واساليب العيش والتعامل، والتعبير عن رغبة الانسان في تغيير العالم والارتقاء به، وفتح الآفاق أمامه كي يتلاقى مع الآخر ويتعامل مع ثقافته وفكره. ونحسب ان هذه الوظائف، كما غيرها، تتجانس مع بعضها بعضاً وتتكامل داخل المجتمع الواحد، من دون أن تسبق احداها الاخرى او تكون سبباً في التقليل من شأنها.
وعلى رغم وضوح وظائفها، خضعت الثقافة لاعتبارات «ايديولوجية» وفلسفية. ففي الغرب يعرفونها على انها تراث «الانسانيات الاغريقية اللاتينية»، بمعنى انها ذات علاقة وظيفية بالانسان، أي انها فلسفة الانسان. فيما حدد لها المفهوم الاشتراكي علاقة وظيفية بالجماعة لتصبح فلسفة المجتمع. اما المفهوم الاسلامي فأخذ بعداً وسطياً بجعله الثقافة والفكر الصالح ثمرة تجانس الفرد والمجتمع معاً.
ونبدأ بالتوقف عند بعض الدلالات، اذ ان ثقافة أي أمة هي تعبير دقيق عن خصوصيتها، وركيزة مهمة لتطورها، وعنوان ساطع لرقيها، وتعبير مستفيض عن تطلعاتها وترجمة امينة لطموحاتها. فالثقافة خريطة طريق الامة، تأخذها الى آفاق رحبة من العلم والمعرفة اللذين هما أساس أي رقي وتقدم، وهي الوسيلة الاجدى للابداع واستحضار العقل وتحفيز البصيرة، والعماد الراسخ للحضارة والوقود المشتعل للنهضة، وهي المحتوى الفكري للحضارة تسكبه في وعاء انسانها المعاصر، فينطلق خفيفاً في سعيه الحثيث بحثاً عن الافضل.
اذن، ليست الثقافة برجاً عاجياً ينعزل فيه المثقفون بل هي تفاعل بناء متصل بقضايا الحياة. وحتى تكون الثقافة في مجتمعات امتنا العربية الاسلامية متسقة مع الطموحات ومحفزة للتطلعات، ينبغي ان تكون متجانسة مع الاشواق الروحية للمجتمع العربي المسلم الذي تتعايش معه وتخدمه، وان تكون مرتكزة على ثوابت عقيدته ومحافظة على نظامه الاخلاقي، تؤكد دور الدين في منظومات الحياة، وتعزز مكانته في الافئدة والعقول، وترعى قيمه ومبادئه، وتتواصل به ومعه في اهدافها ومنطلقاتها مع بقية مؤسسات المجتمع من تعليم واعلام ومنزل ومسجد وتوعية وغيرها، فلا تعمل في عزلة عن أي منها.
وتأكيد الثقافة لدور الدين في مسيرة حياة مجتمعاتنا ورعايتها لمبادئه وقيمه لا تعني – ويجب ألا تعني – الانغلاق والعزلة او التعصب والتزمت، كما يشيع بعض المناوئين لتأثير الدين في منظومات الحياة، بل لا بد من ان تكون ساحة واسعة لتعدد الآراء، وجسراً للانفتاح، ومنبراً للتعبير عن خلجات النفس من تطلعات للخير وتمسك بالحق وحرص على العدل، وبهذا تؤدي دورها في معاضدة الحوار البناء وحراسة التباين في الفكر والاختلاف في الرأي بحثاً عن الحقيقة.
وحسب الثقافة ان تكون قادرة على خلق حراك معرفي وفكري جاد وملتزم بالثوابت إن تحقق لها معياران: أولهما ان تعبر عن خصوصية المجتمع, والثاني ان تكون قادرة على التعامل بانفتاح وثقة مع العولمة وثقافتها الكونية. واذا اردنا ان نقيس ثقافة مجتمعنا العربي المسلم بهذين المعيارين، يجدر بنا ان نسأل: ما هي خصوصيتنا التي تعبر عنها ثقافتنا؟ وما مدى قدرتها على الانفتاح على الثقافات المعاصرة؟ فالاجابة عن هذا التساؤل ستوضح الصلة التنافرية بين الاعتزاز بالخصوصية والانخراط في التبعية.
ولنتوقف قليلاً عند خصوصية «هويتنا الثقافية» حتى يكون ادراكنا لها زاداً لنا في التصدي لما نواجهه اليوم من تحديات على الاصعدة كافة، في ظل عالم يؤمن بالقوة وسيلة لفرض النظم. ووقفتنا ستكون ذات ابعاد ثلاثة: الاول, ماهية الخصوصية التي يتمتع بها وطننا؟ والثاني, المدى الذي نعبر به عن اعتزازنا بخصوصيتنا وتمسكنا بها، والثالث، تأكيد ان خصوصيتنا لم تكن يوماً ولن تكون ابداً عائقاً امام تطور مفاهيمنا الثقافية والحضارية، وامام انفتاحنا على العالم المعاصر بثقافاته وافكاره. ولكن: ماهي خصوصيتنا وأين تقع؟ تساؤل مهم يحتاج الى اجابة واضحة.
تنحصر خصوصية وطننا في حراسته للحرمين الشريفين وخدمتهما بما يرمزان له من عقيدة وقيم، اذ لا خصوصية لنا من دون الحرمين ولا خصوصية لنا بعدهما. وبقدر ما يجب ان يستشعر المفكرون والمثقفون في وطننا تبعات هذا الشرف العظيم ومسؤولياته والتزاماته، عليهم ان يعبروا عبر نتاجهم الفكري وانتاجهم الثقافي وفي سلوكياتهم وتعاملاتهم مع الآخر عن اعتزازهم بهذه الخصوصية التي حبانا الله بها وأعز وطننا بشرفها، فصبغت هويته الثقافية ومنهجت تطلعاته الحضارية.
وثمة امر مهم نعبر عنه براحة واقتناع، وهو ان هذا الوجود المشرّف للموقعين العظيمين في وطننا لا يجوز استخدامه مبرراً ضد التغيير، أو استغلاله متراساً لصد التطوير، أو اعتباره حاجزاً امام الانفتاح على العصر.
الخصوصية والقيم العالمية المشتركة
واذا كنا نقرر ان هويتنا الثقافية متأثرة بوجود الحرمين الشريفين ومستندة على الثوابت العقدية ومن ثم تلهم سلوكنا الاخلاقي وتضبط علاقاتنا الاجتماعية، فإننا نقرر في الوقت ذاته ان ثقافتنا العربية الاسلامية تشترك مع ثقافات العالم في قيم مثل الديموقراطية، التي نعتقد ان الشورى الاسلامية تتجانس معها في كثير من الخصائص والمقومات، وكذلك الايمان بقيم الحرية والعدل والمساواة والحق والخير، وكل ما يضمن للانسان كرامته وحقوقه.
اذاً: فعلينا ان ندعم هذه الشراكة ونعززها ونقويها، لتكون الجسر الذي نعبر عليه للعالمية الثقافية، ونؤكد به انفتاحنا على العالم المعاصر اخذاً وعطاء بثقة واقتدار.
نرجو ان يكون في ما ذكرناه عن هويتنا الثقافية وما يجوز أو لا يجوز معها، وكذلك تلاقيها مع الثقافات الاخرى من خلال القيم المشتركة، نرجو ان يكون كل ذلك واضحاً في العقول والافئدة بصورة حاسمة ومحددة:
– بحيث تجعل من التشكيك فيما يتميز به وطننا من ذاتية خاصة به او انكارها ضرباً من العبث ومضيعة للوقت.
– وبحيث تجعل من انفتاحنا على الثقافات الكونية بندية واعتزاز مطلباً لا مندوحة عنه في زمن العولمة.
اذا اتفقنا على هذا – وأظننا لن نختلف عليه – نسارع الى البحث في صفات او ان شئت مقومات المثقف الذي يلتزم بهذه الخصوصية، وينفتح على ثقافات العالم من دون تردد او وجل.
مقومات المثقف
من اليسير أن يتحدث الإنسان ما شاء له أن يتحدث عن مقومات المثقف، ويضفي عليه من الصفات ما يجعله أشبه بملاك رحيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أو أشبه بشيطان رجيم يدعو للباطل ويعمل للفتنة ويسعى للشر، أما المثقف الذي يريد أن يكون منارة للرأي، ومرجعاً للنضج وملاذاً للحكمة، وقادراً على التأثير الإيجابي في المسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لأمته، ومتمكناً من مواجهة التحديات الثقافية، ومتعاملاً مع التيارات الفكرية التي يموج بها العالم المعاصر، فله صفات واقعية ومطلوبة نحسب أن منها:
* أن يكون معتزاً بذاته وفخوراً بانتمائه ولا يتنكر لأمته، وان يظل متمسكاً بثوابته، وبالقيم الأصيلة لمجتمعه، ومتجاوباً مع أشواقه الروحية ومتناغماً مع تطلعات بني قومه، ونزيهاً في مواقفه وملتزماً في سلوكه، وواضحاً في فكره ومخلصاً في رأيه، وصادقاً في نصحه وواقعياً في معالجاته وغير متخاذل في معالجاته الفكرية لما تتعرض له أمته من أزمات، فيتفهم قضاياها ويتجاوب مع معضلاتها ويبحث عن حلول لمشكلاتها بوضوح وشفافية وصدق.
وفي سعيه للانفتاح على ثقافات العالم:
* عليه أن يكون فاعلاً في الأخذ منها بالقدر الذي يفيد أمته، متبنياً لنظم الحياة المتطورة بمتحيص، والأفكار المتقدمة بتدبر والرؤى الحديثة بتمعن، ليعين على غرس القيم الجديدة النافعة في تربته برفق وإقناع، وتطوير الأفكار المتقدمة بحكمة وتعقل، فتسمو به أمته ويسير بها ومعها إلى مسارات التقدم ومدارج الرقي.
* وعليه أيضاً ان يكون مستجيباً للتطورات الحضارية المعاصرة التي تحملها الثقافات المتعددة بإيمان مفعم بحب الإنسانية، وبنفس مليئة بالثقة وحسن الظن في الآخر، وان يؤثر فيها بما يحمله من قيم بالقدر الذي يجعلها متفاعلة معه وما يلتزم به من قيم.
إذا استقر في الوجدان معنى خصوصيتنا الثقافية وابعادها وتبعاتها، واقترب مثقفونا من المقومات التي ذكرناها، فلن نكون تابعين بل مبدعين، ولن ننعزل في ذواتنا أو ننزوي خلف حدودنا، بل نكون منفتحين ومتجاوبين مع القيم الرفيعة والمثل السامية، وقادرين على تحصين مجتمعاتنا وصيانتها من عبث الأفكار المنحلة، والرؤى الفاسدة، والثقافة المتوترة.
عندها نستطيع أن نقول مرحباً بالانفتاح على ثقافات الدنيا من دون تمييز، وعندها نستطيع أن نقول لا خوف على هويتنا الثقافية من التلاحم مع ثقافات الدنيا.
بقى لنا الآن توضيح رؤيتنا للعولمة الثقافية التي تعبر القارات وتدخل على الأمم من حيث يدرون ولا يدرون ونحسب أن في اجلاء مفهومنا العربي الإسلامي لها ما يعتبر مدخلاً جيداً للتعامل معها.
العولمة… رؤية إسلامية
وفي هذا نقول: إن كانت العولمة الثقافية تعني التعارف والتعاون وتوافق المصالح وتبادل القيم ونشر الأفكار الصالحة بين البشر جميعهم اغناهم وأفقرهم، اقواهم وأضعفهم أدناهم وأبعدهم، فإن الإسلام يعتبر مثل هذا التوجه إنسانياً وإيجابياً ومفيداً، بل ويأتي مطابقاً لما يدعو له ويحث عليه:
«يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير». (الحجرات – 13).
لذا نردد بثقة: اذا كانت العولمة الثقافية تعني خير البشرية فنحن معها، واذا كانت تعني إحقاق الحق، فنحنا معها، واذا كانت تعني بسط العدل فنحن في مقدم ركبها.
نقول ذلك ونحن ندرك أن الثقافة الكونية التي تسعى العولمة لفرضها، والتي لم تراع الخصوصيات الثقافية للشعوب ولم تحترمها، جعلت أمم الأرض قاطبة تعيش هاجس خطرها، فتنادت إلى عقد ندوات وأدارت حوارات حول ضرورة وأهمية الحرص على التنوع الثقافي.
وتبلورت الجهود في اتفاق «حماية وتعزيز التنوع الثقافي» الذي وقعت عليه الدول المنتمية لمنظمة اليونسكو وضمن اطارها في تشرين الأول (اكتوبر) 2005، ما عدا الولايات المتحدة وإسرائيل لأسباب لا تخفى عليكم، وعكس الاتفاق رغبة الدول وحرصها على المحافظة على هويتها الثقافية ودرء الخطر عن تميزها الثقافي من الذوبان.
وكان من المميزات الاتفاق أنه أكد على الخطر الذي يهدد التنوع الثقافي، ونادى بالتعددية الثقافية، وأنه عبر عن ازدياد الشعور بحتمية التمايز الثقافي والحفاظ على التراث الحضاري للشعوب، التمثل في العادات والتقاليد والقيم التي تترسخ في الوجدان الشعبي وتنعكس في السلوك الاجتماعي والأخلاقي، وانه عزز حق الدول في وضع قوانينها وسياساتها لحماية هويتها الثقافية.
وجاء الاتفاق ليواكب وبدعم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر عام 2001، الذي جعل من يوم 21 أيار (مايو) من كل عام، يوماً لحماية وتعزيز التنوع الثقافي واسمته «اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية».
نظن أن في ما ذكرناه عن الاهتمام العالمي بعدم ذوبان الثقافات القومية، وبمقاومة الثقافة الغالبة، ما يخفف الوطء على المتوجسين المشفقين من العولمة الثقافية أن تكتسح مجتمعاتهم.
(*) مفكر سعودي (وزير الحج السابق). والمقال يستند الى بحث قدّم الى ندوة ثقافية بعنوان «الهوية الثقافية بين الخصوصية والتبعية» في اطار معرض الرياض الدولي للكتاب غرة صفر 1427هـ، 1 آذار (مارس) 2006
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 4 أفريل 2006)
دراسة هارفرد حول <<اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية>>
صدر مؤخراً عن جامعة هارفرد الأميركية، دراسة بعنوان <<اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية>>، أعدها أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو جون ميرشايمر، بالاشتراك مع أستاذ الادارة في جامعة هارفرد ستيفان والت.
ملخصات ومقتطفات عن هذا البحث الأكاديمي الشامل:
· المنظمات والأفراد والولاء لإسرائيل.
· التأثير على الكونغرس والحكومة.
· التأثير على الإعلام ومراكز الدراسات واستغلال معاداة السامية.
· دور الولايات المتحدة التاريخي ك<<منقذ>> لإسرائيل.
· إسرائيل وعناصر استدرار العطف الدولي.
· الحرب على العراق.
· وسوريا وإيران.
المنظمات والأفراد والولاء لإسرائيل
تتساءل الدراسة عن سر سيطرة اللوبي الاسرائيلي على السياسة الخارجية الاميركية، وتقول <<ربما أن إسرائيل لم تتصرف بأسوأ من دول عديدة، غير أنه من الواضح أنها لم تسلك منحى أفضل أيضا. وإذا لم يكن لأي من الأسباب الأخلاقية أو الاستراتيجية دور في دعم أميركا لاسرائيل، فكيف بالإمكان تفسير <<هذه السيطرة>>، أو ما وصف ب<<قوة لا نظير لها للوبي الإسرائيلي>>، على السياسة الخارجية الاميركية، حيث أن <<العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة لم تكن في الماضي قط بالحميمية التي هي عليها اليوم>>.
وتضم نواة اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة اليهود الاميركيين الذين <<يبذلون جهدا مهما يوميا في حياتهم من أجل تحويل السياسة الخارجية الاميركية بما يحقق مصالح إسرائيل… يتجاوز مجرد التصويت للمرشحين (الاميركيين) المدافعين عن اسرائيل إلى كتابة الخطابات، التبرعات المالية ودعم المنظات المدافعة عن اسرائيل>>.
غير أنه <<ليس جميع اليهود الاميركيين جزءا من هذا اللوبي، لأن إسرائيل ليست قضية بارزة للعديد منهم>>، فبالاستناد إلى استطلاع أجري عام 2004، <<يقول 36 في المئة من اليهود الاميركيين إنهم ليسوا متعلقين عاطفيا جدا، أو بتاتا، بإسرائيل>>.
ولا يخلو اللوبي الاسرائيلي من خلافات داخلية، فبعض منظماته مثل <<أيباك>> و<<مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى>> وهي من تلك <<التي يديرها أشخاص متشددون>>، تركز مثلا على دعم تمديد سياسات حزب الليكود الاسرائيلي، بما في ذلك رعايته لاتفاق أوسلو للسلام، فيما <<يرفض معظم اليهود الاميركيين، من جهة أخرى، تقديم التنازلات للفلسطينيين، وقلة منهم مثل منظمة صوت السلام اليهودي تؤيد بقوة الإقدام على خطوات من هذا النوع>>. غير أنه <<بمعزل عن هذه الاختلافات بين المتشددين والمعتدلين، فإنهم جميعا يتفقون على دعم ترسيخ الدعم الاميركي لإسرائيل>>.
وليس من المفاجئ القول إن قادة اليهود الاميركيين يستشيرون في معظم الاوقات المسؤولين الاسرائيليين، الذين يحرصون على أن يضاعف أولئك تأثيرهم في الولايات المتحدة. ويؤكد ذلك ما كتبه أحد الناشطين في منظمة يهودية كبرى <<إنه من الروتين لنا القول: إن هذه سياستنا في مسألة معينة، ولكن يجب علينا مراجعة ما يفكر به الاسرائيليون، فنحن كجالية نفعل ذلك طوال الوقت>>.
وتلاحظ الدراسة ارتفاع حساسية أفراد اللوبي الاسرائيلي من اليهود الاميركيين الذين يوجهون انتقاداً لاسرائيل أو يدعمون أي نوع من الضغوط عليها. مثال على ذلك، اتهام رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إدغار برونفمان، ب<<الخيانة>> حين بعث رسالة للرئيس الاميركي جورج بوش، في أواسط عام 2003، يحثه فيها على الضغط على إسرائيل لردعها عن بناء جدار الفصل المثير للجدل.
ويواجه كل صوت يهودي غير منسجم مع سياسة اللوبي المنحازة لاسرائيل عقوبة الطرد من الجالية، مثال على ذلك مهاجمة رئيس منتدى السياسة الاسرائيلية سيمور رايتش، حين نصح وزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس، بالضغط على اسرائيل لإعادة فتح معبر غزة في تشرين الثاني عام 2005، حيث وصفت خطوته ب<<التصرف غير المسؤول>>، ونبه من <<أنه ليس هناك أي مكان على الاطلاق في التيار اليهودي لنشاط يروج ضد السياسات المرتبطة بأمن إسرائيل>>، ما دفع برايتش للتراجع سريعا عن موقفه، مؤكدا ان <<كلمة الضغط ليست موجودة في قاموسي حين يتعلق الامر باسرائيل>>.
وتجزم الدراسة أن <<أيباك>> هي أقوى المنظمات اليهودية وأشهرها، وهي التي صنفها الكونغرس الاميركي في المرتبة الثانية من لائحة أقوى اللوبيات الموجودة في واشنطن، بعد <<الاتحاد الاميركي للمتقاعدين>>، في استطلاع نشرته مجلة <<فورتشن>> عام 1997.
ويضم اللوبي الاسرائيلي أيضا شخصيات مسيحية إنجيلية بارزة، مثل غاري بوير، جيري فالويل، رالف ريد، بات روبرتسون، وأيضا ديك آرمب وطوم ديلاي، وزعماء الاكثرية السابقين في مجلس النواب، بالإضافة إلى المحافظين الجدد أمثال جون بولتون، محرر صحيفة <<وول ستريت جورنال>> روبرت بارتلي، وزير التعليم الاميركي السابق وليم بنيت، وأيضا كاتب العمود جورج ويل… ويؤمن هؤلاء جميعاً <<أن بعث إسرائيل هو جزء من نبوءة الكتاب المقدس>>، وبالتالي فإن أي تصد لها يعني <<معارضة رغبة الله>>.
وتنطلق قوة اللوبي الاسرائيلي، في الاساس، من قدرته الفائقة على تركيز جهوده للتأثير على أولئك الذين يهتمون بالشأن العام أو بقضية معينة، وإن كانوا قليلي العدد نسبياً، وذلك لثقته بأن الاكثرية الباقية، غير المكترثة بالشأن العام أو بالقضية المعنية من الشعب الاميركي، لن تحاول معاقبته قط.
بالاضافة إلى ذلك، فإن ناشطي هذا اللوبي يؤدون في الحقيقة الدور الذي يفترض أن تؤديه أي جماعة ضغط أخرى، إنما بشكل أفضل، خاصة اذا كانت جماعات الضغط الأخرى كتلك العربية <<ضعيفة>> وشبه غائبة، الامر الذي يسهل مهمة اللوبي الاسرائيلي، في ساحة خالية من المنافسة.
التأثير على الكونغرس والحكومة
توفر طبيعة النظام الاميركي الحاكم الذي يتوخى الفصل بين السلطات أشكالاً عديدة للتأثير على سياسته، سواء عبر كسب النواب المنتخبين أو أعضاء الحكومة، منح التبرعات للحملات الانتخابية، التصويت كجماعات في الانتخابات وصناعة الرأي العام…
ويتبع اللوبي الإسرائيلي استراتيجيتين من أجل التحكم بدعم الولايات المتحدة لإسرائيل. الأولى تركز على الضغط على كل من الكونغرس والحكومة، والثانية على دوام الصورة الإيجابية لإسرائيل لدى الرأي العام، عبر ترديد <<الخرافات>> حولها والترويج لصالحها في قضايا الساعة، وذلك بهدف الحؤول دون تطور أي انتقاد سلبي لإسرائيل ووصوله إلى المنبر السياسي.
الضغط على الكونغرس
إن مفتاح فاعلية اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة يتركز في تأثيره على الكونغرس حيث تحظى إسرائيل بمناعة ضد الانتقاد، وذلك على الرغم من أن <<الكابيتول هيل>> (مبنى الكونغرس) لا يتردد عادة في الجدال بجرأة حول أية قضية اخرى حساسة.
ويكمن أحد أسباب هذا <<المحرّم>> في وجود بعض الاعضاء <<المفاتيح>> في الكونغرس ممن تصفهم الدراسة الاميركية ب<<المسيحيين الصهاينة>>، أمثال ديك آرمي الذي قال في أيلول عام 2002 <<إن الرقم 1 في أولوياتي للسياسة الخارجية هو حماية إسرائيل>>، ما تعلق عليه الدراسة بالقول <<إن المرء ليظن أن الأولوية الأولى لأي عضو في الكونغرس (الأميركي) يجب أن تكون لحماية أميركا>>.
بالإضافة إلى هؤلاء <<المسيحيين الصهاينة>>، هناك أيضا أعضاء يهود في مجلس الشيوخ يحرصون دوماً على دعم إسرائيل في السياسة الخارجية الاميركية. وفوق هؤلاء وأولئك، ثمة دور بارز يؤديه موظفو الكونغرس ويشكل مصدراً آخر لقوة اللوبي الإسرائيلي، وذلك بالاستناد إلى <<اعتراف>> الرئيسة السابقة ل<<أيباك>>، موريس اميتاي، التي قالت إن <<هناك أشخاصا كثيرين يعملون ضمن فريق الموظفين أعلاه (في الكابيتول هيل) صدف أنهم يهود… والذين يرغبون في النظر في بعض القضايا انطلاقا من يهوديتهم… وهؤلاء هم جميع الاشخاص الموجودون في مواقع صناعة القرار لأعضاء الكونغرس… بالإمكان الحصول على نتيجة هائلة من هذا الفريق فقط>>.
والواقع أن <<أيباك>> هي التي تشكل بنفسها نواة اللوبي الضاغط في الكونغرس. ويعود نجاحها في ذلك إلى <<قدرتها على مكافأة مرشحي البرلمان والكونغرس الداعمين لأجندتها، ومعاقبة أولئك الذين يتحدون هذه الأجندة>>. وتجزم الدراسة هنا بأن <<المال هو الحاسم في الانتخابات الاميركية، وأيباك تحرص على أن ينال أصدقاؤها دعماً مالياً قوياً من آلاف اللجان السياسية الناشطة الداعمة لإسرائيل>>، فيما تمنح هباتها المالية لخصوم أولئك المعادين لإسرائيل.
ويتجاوز تأثير <<أيباك>> على الكونغرس كل خيال. ويتضح ذلك في مقولة أحد موظفي <<أيباك>> السابقين، دوغلاس بلومفيلد، بأنه <<من الشائع لدى أعضاء الكونغرس وموظفيه أن يراجعوا أيباك أولا كلما احتاجوا إلى معلومات، قبل الاتصال بمكتبة الكونغرس، أو بقسم الابحاث البرلمانية، أو خبراء الادارة…>>. والأهم من ذلك ما أضافه حول <<دعوة أيباك في الكثير من الاوقات إلى المشاركة في إعداد مسودات الخطب، العمل على تشريعات، المشورة في التكتيكات، إجراء الابحاث وجمع الممولين وأصوات المسؤولين>>.
وفي عام 1984، ساهمت <<أيباك>> في إلحاق الهزيمة بالسيناتور تشارلز بيرسي في ولاية إيلينوي، وذلك عقاباً له على ما وصفه <<وجه بارز في اللوبي>> ب<<إظهار عدم الحساسية وحتى العدوانية للمسائل التي تهمنا>>. وفسر رئيس <<أيباك>> السابق،
وماس دين، ما جرى آنذاك قائلا <<جميع اليهود في أميركا، من الساحل إلى الساحل احتشدوا لعزل بيرسي، وفهم السياسيون الاميركيون الذين يحتلون المناصب العامة الآن، وأولئك الذين يطمحون لها، الرسالة>>.
وفي المحصلة، يمكن القول إن أحد الأجنحة الرئيسية الثلاثة للقرار الاميركي بات في قبضة اللوبي الإسرائيلي وتحديداً منظمة <<أيباك>>. ولا يسعنا إلا أن نتذكر قول رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون <<حين يسألني الناس كيف بالإمكان مساعدة إسرائيل، أقول لهم ساعدوا أيباك>>.
الضغط على الحكومة
إن قوة ضغط اللوبي الاسرائيلي على الحكومة تكمن جزئياً في تأثير الناخبين اليهود في الانتخابات الرئاسية. فبمعزل عن حجم هؤلاء المحدود نسبياً (أقل من 3 في المئة من الناخبين) إلا أنهم يقدمون تبرعات مالية ضخمة في الحملات الانتخابية لكلا الحزبين.
وأكثر من ذلك، فإن الناخبين اليهود يحرصون على التمركز في ولايات تعتبر حاسمة في الانتخابات الرئاسية مثل كاليفورنيا، فلوريدا، إلينوي، نيويورك وبنسلفانيا. كل ذلك يجعل المرشحين الرئاسيين حريصين على تجنب معاداة الناخبين اليهود.
ويحرص اللوبي اليهودي أيضا على أن يحظى الأشخاص ذوو العلاقة الممتازة مع إسرائيل بمناصب حكومية مهمة. ومثال على ذلك ان السياسة الخاصة بالشرق الأوسط، خلال إدارة الرئيس بيل كلينتون، رسمها عدد من المسؤولين مثل نائب رئيس الابحاث السابق في <<أيباك>> ومؤسس <<معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى>> الموالي لإسرائيل مارتن إنديك، ودينيس روس الذي انضم للمعهد بعدما غادر الادارة عام 2001، وآيرون ميلر الذي عاش في إسرائيل ولا يزال يزورها بانتظام، الذين كانوا جميعا ضمن فريق المستشارين المقربين من كلينتون. ولم يكن من المفاجئ في اجتماع كامب دايفيد في تموز عام 2000، ان الفلسطينيين شكوا من أنهم
<<يتفاوضون مع فريقين إسرائيليين، أحدهما يحمل العلم الاسرائيلي، والآخر العلم الاميركي>>.
هذه الحالة تبدو أشد وضوحاً في إدارة بوش الإبن، الذي يزخر طاقمه بأشخاص مناصرين لإسرائيل مثل إليوت أبرامز، جون بولتون، دوغلاث فايث، لويس (سكوتر) ليبي، ريتشارد بيرل، بول وولفويتز ودايفيد وورمسير.
ولا تزال هذه المعادلة سارية اليوم. فحين دعا المرشح الرئاسي في انتخابات عام 2004، هاوارد دين، الولايات المتحدة إلى تأدية <<دور أكثر إشرافاً>> في النزاع العربي الاسرائيلي، اتهمه السيناتور اليهودي جوزيف ليبرمان بأنه يهدد إسرائيل. ووقّع جميع الديموقراطيين البارزين في الكونغرس رسالة شديدة اللهجة وجهت إلى دين وأدانت تصريحه.
التأثير على الإعلام ومراكز الدراسات واستغلال معاداة السامية
التلاعب بالإعلام
تنعكس وجهة نظر اللوبي تجاه اسرائيل، بشكل كبير في وسائل الاعلام الاميركية الرئيسية، لان معظم المعلقين ومقدمي البرامج، هم موالون لاسرائيل. ويقول الصحافي اريك الترمان إن مناقشة قضايا الشرق الاوسط في هذه الوسائل <<يتولاها اشخاص لا يمكن ان يطيقوا انتقاد اسرائيل>>. وفي مقابل 61 معلقا مؤيدا لاسرائيل، وجد الترمان خمسة معلقين فقط ينتقدون اسرائيل، بشكل منتظم، ويظهرون مواقف موالية للعرب.
ويظهر التحيز الكبير للاعلام الاميركي تجاه اسرائيل، في افتتاحيات الصحف الرئيسية، ومن بينها <<وول ستريت جورنال>>، و<<جورنال>>، و<<شيكاغو صان تايمز>>، و<<واشنطن تايمز>>، و<<نيويورك تايمز>>، اضافة الى مجلات مثل <<كومانتري>> و<<نيو ريبابليك>>، و<<ذي وويكلي ستاندرد>>.
والى جانب افتتاحيات الصحف، يسيطر اللوبي ايضا على عملية نقل المستجدات المتعلقة باسرائيل. وللحوؤل دون نقل أخبار معادية، فإنه ينظم حملات مكثفة من الرسائل والتظاهرات، ويدعو الى مقاطعة وسائل الإعلام التي قد تنقل اخبارا يعتبر محتواها معادياً لاسرائيل. ويقول أحد المدراء التنفيذيين في شبكة <<سي إن إن>>، إنه يتلقى احياناً 6 آلاف رسالة عبر بريده الالكتروني في يوم واحد، تزعم أن مضمون قصة وردت كان معادياً لاسرائيل.
مراكز الدراسات والتفكير في اتجاه واحد
تسيطر الجماعات الموالية لاسرائيل على مراكز الدراسات الاميركية، التي تؤدي دورا مهما في تكوين النقاشات العامة والسياسات الحالية. وقد أسس اللوبي مركزه الخاص للدراسات في العام 1985، عندما ساعد مارتن انديك على تأسيس <<وينيب>>. وبرغم أن المؤسسة تدّعي أنها تقدّم نظرة متوازنة وواقعية حول قضايا الشرق الاوسط، فإنها تدار من قبل اشخاص مرتبطين بشكل مباشر في عملية دفع البرنامج الاسرائيلي إلى الامام.وخلال ال25 سنة الماضية، اوجدت القوة الاسرائيلية حضورا اساسيا لها في عدد من الؤسسات المهمة مثل <<مركز السياسة الامنية>> و<<معهد الابحاث حول السياسة الخارجية>> و<<معهد هادسون>>. واصبحت هذه المراكز نادراً ما تتضمن انتقادات للدعم الاميركي للدولة اليهودية.
ومن الامثلة الاخرى على ذلك، التحول الذي طرأ على <<معهد بروكينغز>>. وبعدما كان يعتمد المعهد في ما يتعلق بشؤون الشرق الاوسط والصراع العربي الاسرائيلي على ويليام كوانت، اصبح يعتمد على <<مركز سابان لدراسات الشرق الاوسط>>، الذي يموله حاييم يابان، رجل الاعمال الاسرائيلي الاميركي، والصهيوني.
مراقبة أكاديمية
واجه اللوبي صعوبة كبيرة في اخماد الجدل حول اسرائيل داخل حرم الجامعات، كون الحرية الاكاديمية قيمة جوهرية، ولانه من الصعب إسكات او تهديد بعض الاساتذة. وقد تصاعدت الانتقادات في هذه الأوساط ضد اسرائيل، بعد انهيار اتفاق اوسلو وعودة ارييل شارون الى الحكم في العام 2001. وقد ازداد هذه الانتقادات بعد استخدام القوة القصوى في وجه الانتفاضة الثانية. وتحرك اللوبي حينها بشكل عدائي من اجل <<استعادة حرم الجامعات>>. وانتشرت جماعات جديدة مثل <<كارافان للديموقراطية>>، التي وزعت المتحدثين الاسرائيليين على الجامعات. وظهرت في الاطار جماعات مثل <<هلال>> و<<المجلس اليهودي للشؤون العامة>>، حاولت التعامل مع الجماعات الاخرى التي تضع اسرائيل في صلب المناقشات في الجامعات.
من ناحيتها، ضاعفت <<ايباك>> من مصاريفها على برامج ادارة نشاطات الجامعات، اضافة الى تدريب جيل شاب من المحامين عن اسرائيل. كما حاول اللوبي مراقبة ما يكتبه ويعلمه الاساتذة. وفي العام 2002، اسس موقعا على الانترنت لنشر ملفات حول اكاديميين مشتبه فيهم، وشجع التلاميذ على نقل التعليقات او التصرفات التي قد تعتبر معادية لاسرائيل.
ويحارب اللوبي ايضاً بعض الاساتذة والجامعات التي تعينهم. وقد كانت جامعة كولومبيا التي عمل فيها (المفكر) الفلسطيني ادوار سعيد، هدفا مستمرا للجماعات الموالية لاسرائيل. ويقول رئيس الكلية السابق جوناثان كول <<يمكن لأحد ما أن يتأكد بأن أي موقف عام يدعم الشعب الفلسطيني يقوله الناقد الأدبي، المتفوق إدوارد سعيد، سيستدعي مئات الرسائل الإلكترونية، والورقية، والكتابات الصحافية التي تدعونا لنبذ سعيد، أو فرض عقوبات عليه أو طرده>>.
ولعل أهم ما اقدم عليه اللوبي في هذه السياق، الطلب مؤخرا من الكونغرس تبني مشروع قانون، ينص على مراقبة كل ما يقوله اساتذة الجامعات حول اسرائيل.
عامل الإسكات الأهم
لا شك في ان احد اقوى اسلحة اللوبي، هو الاتهام بمعاداة السامية. فان اي شخص ينتقد اعمال اسرائيل او يقول ان هناك لوبيا اسرائيليا، يخاطر بان يصنف معادياً للسامية ايضا، وذلك برغم اعتراف الاعلام الاسرائيلي بان هناك <<لوبياً يهودياً>>.
وقد أظهر الاوروبيون في السنوات الاخيرة، ارادة اقوى من الاميركيين في ما يتعلق بانتقاد اسرائيل. لذلك قام اللوبي بنشر اقاويل في اميركا، تزعم ان بعض الدول الاوروبية معادية للسامية، وهو ما لم يكن صحيحا طبعا (بحسب ما تظهره بعض الاحصاءات).
ولهذه الاسباب، فإن الجماعات الموالية لاسرائيل عندما تشعر بضغط ما، تدّعي ان هناك <<معاداة سامية جديدة>>. وبكلام آخر، انتقد سياسات اسرائيل فتصبح عندها معادياً للسامية. ومثال على ذلك ما حدث مع كنيسة انكلترا مؤخراً بعد تصويتها على سحب استثماراتها من شركة <<كاتربلير>>، التي تصنع الجرافات التي تهدم بيوت الفلسطينيين. وقد دفع ذلك برئيس الحاخامات، الى القول ان لهذا العمل <<أكبر النتائج العكسية على علاقات اليهود والمسيحيين في بريطانيا>>.
والانتقادات الموجّهة لاسرائيل، تصنف ايضاً في خانة تبني معايير غير عادلة، او التساؤل حول حق إسرائيل في الوجود. لكن هذه الاتهامات زائفة، لأن الانتقادات الغربية لإسرائيل، نادراً ما تتضمن حقها في الوجود. وبدلاً عن ذلك، فإن الغرب يطرح الاسئلة حول تصرفات اسرائيل تجاه الفلسطينيين، وهو انتقاد شرعي، لأن الإسرائيليين أنفسهم يطرحون الأسئلة حول ذلك.
دور الولايات المتحدة التاريخي ك<<منقذ>> لإسرائيل
تسرف واشنطن في دعمها السخي لإسرائيل، سواء عبر تقديم المساعدات المادية والعسكرية، تخطيط السياسة الخارجية، استخدام الفيتو في الامم المتحدة والتدخل المباشر عند اللزوم. ولعل مشروع إدارة بوش الشرق أوسطي يهدف، في جزء منه على الأقل، إلى تعزيز موقف إسرائيل.
المساعدات الاقتصادية والعسكرية
قدّمت واشنطن، منذ حرب الايام الستة 1967، مساعدات ضخمة لإسرائيل، قزّمت أي دعم نالته يوما أي دولة أخرى. فكانت إسرائيل المستفيد السنوي الأكبر من المساعدات الأميركية الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، والتي تجاوزت قيمتها 140 مليار دولار منذ الحرب العالمية الثانية. وهي تتلقى سنويا حوالى 3 مليارات دولار كمساعدات مباشرة، أي خُمس الميزانية الاميركية للمساعدات الخارجية تقريباً، وبما يعادل 500 دولار أميركي لكل إسرائيلي. وذلك على الرغم من أن إسرائيل تعتبر دولة صناعية ثرية بدخل فردي يوازي دخل مواطن في كوريا الجنوبية أو أسبانيا.
وعلى عكس دول تمدها واشنطن بمساعدات على شكل دفعات فصلية، تحصل إسرائيل على حصتها الكاملة عند بداية كل سنة مالية، ما يتيح لها الاستفادة حتى من مردود الفوائد. وفيما تلزم واشنطن معظم متلقي المساعدات المخصّصة لأغراض عسكرية على صرف هذه المساعدات في الولايات المتحدة، تسمح لإسرائيل أن تستخدم نحو ربع حصتها لتمويل صناعاتها الدفاعية الخاصة. إسرائيل، هنا، هي المتلقي الوحيد الذي ليس عليه أن يشرح للمانح الاميركي كيف صرفَ مساعداته، ما يحول دون أي منع لاستخدام هذه الأموال لأهداف تعارضها الولايات المتحدة، وعلى سبيل المثال بناء المستوطنات في الضفة الغربية.
أكثر من ذلك، فقد منحت الولايات المتحدة إسرائيل حوالى 3 بلايين دولار من أجل تطوير أنظمتها التسليحية، وأعطتها الإذن باستغلال تصاميم الأسلحة المتفوّقة كمروحيات البلاك هوك ومقاتلات أف 16، وحتى الاطلاع على المعلومات الاميركية الاستخبارية التي تحجبها عن حلفائها في الناتو. وأخيرا، غضّ الطرف الاميركي عن امتلاك إسرائيل للأسلحة النووية.
الدعم السياسي
منذ عام 1982، استخدمت واشنطن الفيتو 32 مرة في مجلس الأمن ضد قرارات تنتقد إسرائيل، بما يتجاوز مجموع <<الفيتو>> الذي استخدمه الأعضاء الآخرون مجتمعين. وعطلت الولايات المتحدة جهود الدول العربية لوضع ترسانة إسرائيل النووية على أجندة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتهب الولايات المتحدة إلى المنطقة لنجدة إسرائيل وقت الحرب، وتأخذ جانبها في مفاوضات السلام. وقد حمت إدارة نيكسون إسرائيل من تهديد التدخل السوفياتي، وأعادت مدّها بالمساعدات العسكرية خلال حرب 1973. وشاركت واشنطن بقوة في المفاوضات التي أنهت الحرب، وكذلك في عملية الخطوة خطوة التفاوضية المطوّلة التي تبعتها، كما أنها ادت دوراً حاسماً في المفاوضات التي سبقت وتبعت اتفاق أوسلو الموقع عام 1993، ما دفع بأحد المشاركين الأميركيين في مفاوضات كامب دايفيد التي جرت عام 2000 للقول مؤخراً <<غالباً جداً ما تصرفنا كمحامين لإسرائيل>>.
وحين بدأ بوش يحث شارون على إظهار ضبط النفس في الأراضي المحتلة خلال الانتفاضة الثانية، ويضغط عليه للسماح لوزير الخارجية شمعون بيريز بلقاء ياسر عرفات، في أيلول عام 2003، اتهمه شارون بمحاولة <<استرضاء العرب على حسابنا>>، محذراً من أن إسرائيل <<لن تكون تشيكوسلوفاكيا>>. وبعدما قدّم صيغة اعتذارية لاحقة، انضم شارون بسرعة إلى اللوبي الاسرائيلي لإقناع الإدارة والشعب الأميركيين بأن واشنطن وإسرائيل تواجهان تهديداً إرهابياً مشتركاً. وأصر المسؤولون الإسرائيليون وممثلو اللوبي على أن لا فرق حقيقياً بين عرفات وأسامة بن لادن.
وفي 16 تشرين الأول، أرسل 89 سيناتوراً رسالة إلى بوش يمتدحونه فيها على رفضه لقاء عرفات، لكنهم طالبوا بألا تقيد الولايات المتحدة إسرائيل عن الرد على الفلسطينيين: وكتبوا إن على الإدارة أن تعلن أنها تقف خلف إسرائيل. ووفقاً لصحيفة <<نيويورك تايمز>>، نشأت فكرة الرسالة في لقاء جرى قبل أسبوعين من كتابتها بين <<قيادات من الجالية اليهودية الأميركية وأعضاء مجلس شيوخ رئيسيين>>. أضافت الصحيفة بأن <<أيباك>> كانت <<ناشطة بشكل خاص في تقديم النصح حول الرسالة>>.
وحين طلب بوش من شارون في نيسان عام 2004 <<إيقاف التوغّل والبدء بالانسحاب>> من الضفة الغربية، مارس المسؤولون الموالون لإسرائيل في مكتب نائب الرئيس والبنتاغون، وكذلك أساطين المحافظين الجدد كروبرت كاغان ووليام كريستول، ضغوطا على بوش واتهموه بأنه <<ألغى عملياً الفرق بين الإرهابيين وأولئك الذين يحاربونهم>>.
وجاءت الإشارة الأولى لاستسلام بوش بعد أسبوع واحد في 11 أيلول الماضي، حين قال المتحدث باسم البيت الأبيض إن الرئيس يؤمن بأن شارون هو <<رجل سلام>>. وكرر بوش هذه العبارة أمام الرأي العام بعد عودة كولن باول من مهمته المجهضة في إسرائيل، قائلا إن شارون <<استجاب بشكل كافٍ لدعوته للانسحاب>>، فيما لم يفعل شارون شيئاً كهذا.
وبعد وفاة عرفات، تابع شارون تطوير خطته لفرض تسوية من جانب واحد على الفلسطينيين، ودعمت واشنطن سياسته (وسياسات خلفه إيهود أولمرت)، ووافق بوش حتى على ضم بعض الأراضي في المناطق المحتلة، مخالفاً بذلك سياسات رؤساء الولايات المتحدة منذ ليندن جونسون.
باختصار، استولى شارون واللوبي على رئيس الولايات المتحدة وانتصروا. وكتب حاييم شاليف الصحافي في جريدة <<معاريف>> الإسرائيلية بأن مساعدي شارون <<لم يتمكنوا من إخفاء ارتياحهم لفشل باول. وقد تفاخروا بأن شارون نظر في عيون الرئيس الأميركي، وأن الرئيس رمش أولا>>. ولا ننسى ما قاله مستشار الأمن القومي الاميركي السابق، برنت سكوكروفت، في تشرين الأول عام 2004 بأن شارون يضع بوش كخاتم في اصبعه الصغير.
إسرائيل وعناصر استدرار العطف الدولي
حماية الضعيف؟
غالبا ما تصور اسرائيل على انها ضعيفة ومحاصرة من قبل أعدائها العرب. وفيما تماهت هذه الصورة في قادة اسرائيل والكتاب المتعاطفين معها، تبدو الصورة المعاكسة هي الاقرب الى الحقيقة. وبعكس الاعتقاد السائد، فإنه كان للصهاينة القوات الاكبر والمجهزة بشكل أفضل خلال حرب الاعوام 1947 و1949. وقد حققت اسرائيل نصراً سهلاً على مصر في العام 1956، وعلى مصر والاردن وسوريا معاً في العام 1967، أي حتى قبل أن يبدأ الدعم الاميركي الكبير يتدفق اليها. وتؤكد هذه الانتصارات على ان اسرائيل كانت بعيدة جدا عن كونها عاجزة، حتى في سنواتها الاولى.
وتمتلك اسرائيل اليوم، القدرة العسكرية الاقوى في الشرق الاوسط. وقواتها متفوقة بشكل كبير على قوات جيرانها، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك أسلحة نووية. كما ان الاردن ومصر وقعا اتفاقية سلام معها، والسعودية عرضت القيام بذلك، وسوريا فقدت حليفها السوفياتي، والعراق مزقته ثلاث حروب، وايران بعيدة عنها، والفلسطينيون بالكاد يملكون شرطة فعالة.
إضافة ديموقراطية حليفة؟
ويبرر الدعم الاميركي دوماً، بالقول ان اسرائيل ديموقراطية حليفة، تحاصرها ديكتاتوريات عدوة. وبرغم ان هذا التبرير قد يبدو مقنعاً، إلا انه لا يمكن أن يفسر مستوى الدعم الاميركي الحالي؛ فالديموقراطيات كثيرة حول العالم، لكن أياً منها لا يحصل على الدعم السخي الذي تحصل عليه اسرائيل. حتى ان الولايات المتحدة وقفت في وجه حكومات ديموقراطية في الماضي، ودعمت في المقابل ديكتاتوريات، ولا تزال تفعل ذلك حتى اليوم، لان كل ما يهمها فعلا هو مصالحها.
واسرائيل قامت على أساس أنها دولة يهودية، والمواطنية فيها تستند الى قرابة الدم. وبناء على ذلك، فإنه ليس من الغريب ان 1,3 مليون عربي يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية.
ويضعف من الديموقراطية الاسرائيلية ايضا، رفضها منح الفلسطينيين دولة خاصة فيهم. واسرائيل تسيطر على حياة 3,8 ملايين فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، في وقت تستعمر أراض سكنها الفلسطينيون لفترة طويلة.
التعويض عن الجرائم السابقة
القضية الاخلاقية الثالثة التي تبرر الدعم الذي تحظى به اسرائيل، هي تاريخ اليهود الذين عانوا في الغرب المسيحي، وخاصة المحارق النازية (هولوكوست). ولان اليهود اضطهدوا لعقود ولا يستطيعون العيش بأمان سوى في وطن يهودي، فإن البعض يؤمن بأن اسرائيل تستحق معاملة خاصة من قبل أميركا.
والتاريخ يؤكد انه عندما بدأ العمل السياسي الصهيوني الجدي في القرن التاسع عشر، لم يكن هناك سوى 15 الف يهودي في فلسطين. وحتى عندما ولدت اسرائيل، لم يكن اليهود يمثلون سوى 35 في المئة من سكان فلسطين ويملكون 7 في المئة من الارض.
ولم تكن السياسة الصهيونية في يوم من الايام، راغبة في تأسيس دولة مشتركة أو القبول بتقسيم نهائي لفلسطين بين دولتين. ويقول ديفيد بن غوريون في أواخر الثلاثينيات <<بعد تشكيل جيش قوي كبير أثناء تأسيس الدولة، علينا أن نلغي التقسيم ونتوسع في كل فلسطين>>.
وللوصول الى هذا الهدف، كان لا بد للصهاينة من طرد عدد كبير من العرب من الاراضي التي ستصبح اسرائيلية. ويقول بن غوريون في الاطار <<من المستحيل القيام بعملية تهجير جماعية من دون إكراه، وإكراه وحشي>>.
وقد زعم المسؤولون الاسرائيليون طويلا، ان العرب هربوا من فلسطين لان قادتهم طلبوا منهم ذلك. والحقيقة ان معظم القادة العرب طلبوا من الفلسطينيين البقاء في أراضيهم، لكن الخوف من العنف والقتل على أيدي القوات الصهيونية دفع بمعظمهم الى الهرب. وبعد الحرب، منعت اسرائيل عودة المنفيين.
وقال بن غوريون لرئيس المجلس اليهودي العالمي ناحوم غولدمان <<لو كنت زعيماً عربياً لما أقمت علاقات مع إسرائيل، هذا أمر طبيعي؛ لقد أخذنا أرضهم>>.
ومنذ ذلك الحين، أنكر القادة الاسرائيليون على الدوام الطموحات الوطنية الفلسطينية. وقالت رئيسة الحكومة السابقة غولدا مائير <<لا يوجد شيء اسمه فلسطيني>>.
<<إسرائيليون فاضلون>> و<<عرب أشرار>>
إضافة الى كل ذلك، تحاول اسرائيل إظهار نفسها على أنها تتوسل السلام عند أي منعطف، وانها تظهر انضباطاً كبيراً حتى عندما تستفز. وتحاول اسرائيل، في مقابل ذلك، أن تظهر العرب في صورة الاشرار، وهو ما يكرره دوماً القادة الاسرائيليون والاميركيون.
وقد قاوم الفلسطينيون انتهاكات الصهاينة، الذين كانوا يحاولون بناء دولتهم فوق الأراضي العربية. وتخلل هذا التأسيس بين عامي 1947 و1948، أعمال التطهير العرقي، والاعدامات، والمجازر، والاغتصابات. وكان سلوك إسرائيل اللاحق وحشياً دائماً، لا يقيم وزناً لأي رادع أخلاقي.
وبين عامي 1949 و1956، قتلت القوات الإسرائيلية ما بين 2700 و5000 متسلل عربي، غالبيتهم غير مسلحين. وقتل الجيش الإسرائيلي أيضاً مئات الاسرى المصريين في حربي 1956 و1967. وطردت إسرائيل في العام 1967 ما بين 100 ألف و260 ألف فلسطيني من الضفة الغربية التي كانت قد استولت عليها حديثاً، وأبعدت 80 ألف سوري من مرتفعات الجولان. وقد تورطت اسرائيل ايضا في مقتل 700 فلسطيني بريء في مخيم صبرة وشاتيلا بعد اجتياحها للبنان في العام 1982، وتوصلت لجنة تحقيق اسرائيلية الى ان وزير الدفاع في وقتها ارييل شارون <<مسؤول شخصياً>> عن هذه الوحشية.
وخلال الانتفاضة الأولى، وزع الجيش الإسرائيلي الهراوات على جنوده وشجعهم على تكسير عظام المتظاهرين الفلسطينيين. وقدر القسم السويدي في منظمة حماية الطفولة بأن ما بين 23 الف و29 الف طفل فلسطيني، يحتاجون الى الرعاية الطبية بسبب الجروح التي أصيبوا بها.
والرد على الانتفاضة الثانية كان أشد عنفاً. فقد أطلق الجيش الاسرائيلي مليون رصاصة في الأيام الأولى للانتفاضة.
وبرغم أن الفلسطينيين استخدموا الارهاب ضد المحتل الاسرائيلي، فإن هذا التصرف ليس مفاجئاً، لان الفلسطينيين يعتقدون انه ليس لديهم طريقة اخرى للحصول على تنازلات اسرائيلية.
في مقابل ذلك، يجب أن لا ننسى أن الصهاينة كانوا اعتمدوا على التفجيرات الإرهابية لإخراج البريطانيين من فلسطين، وهذا ما أعلنه رئيس الحكومة الاسبق اسحق شامير الذي قال <<لا الأخلاق اليهودية ولا العادات اليهودية يمكنها أن تمنع الإرهاب من أن يكون أداة في المعركة>>.
الحرب على العراق
فيما يعتقد بعض الأميركيين بأن غزو العراق كان <<حرباً من أجل النفط>>، يرى آخرون أن حماية أمن إسرائيل في المنطقة شكل أهم الحوافز الكبرى للحرب. ويتضح هذا في قول العضو السابق في <<المجلس الاستشاري الاستخباري الرئاسي>>، والرئيس التنفيذي ل<<لجنة 11 أيلول>>، والمستشار الحالي لوزيرة الخارجية الاميركية كوندليسا رايس، فيليب زيليكو، أمام طلاب جامعة فيرجينيا في أيلول العام 2002، أن <<التهديد الحقيقي>> الآتي من العراق لم يكن موجهاً ضد الولايات المتحدة، بل كان <<تهديداً غير معلن>> ضد إسرائيل، إلا أن <<الحكومة الأميركية لا تريد أن ترتكز بقوة لهذه الفكرة لأنها غير شعبية>>.
الترويج للحرب
بدأت حملة ترويج اللوبي للحرب على العراق منذ أواخر التسعينيات، حين شرع المحافظون الجدد يناقشون مسألة تغيير النظام في العراق، من خلال إسقاط صدّام وتحويل العراق إلى ديموقراطية نشطة، وإطلاق عملية طويلة الأمد للتغيير في كل منطقة الشرق الأوسط. واشتهر في العام 1996 تقرير <<الانفصال التام>> الذي روج لمشروع <<الشرق الاوسط الكبير>>، مركزاً على إسقاط صدام كخطوة أولى.
وفي آب العام 2002، ألقى نائب الرئيس الاميركي، ديك تشيني، خطاباً محرضاً أمام قدامى المحاربين في الخارج، قال فيه <<إن إسرائيل تحث المسؤولين الأميركيين على ألا يؤخروا الضربة ضد عراق صدام حسين>>، وذلك بعيد إعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي، أرييل شارون، أن التنسيق الاستراتيجي بين إسرائيل وواشنطن بلغ <<أبعاداً غير مسبوقة>>، وأن الاستخبارات الإسرائيلية أعطت واشنطن عدداً من التقارير الإنذارية حول برامج العراق لأسلحة الدمار الشامل.
في هذا الوقت، كتب رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود باراك، في <<نيويورك تايمز>>، يحذر من أن <<الخطر الأعظم يكمن الآن في عدم التحرك>>، ونشر سلفه بنيامين نتنياهو مقالة مشابهة في <<وول ستريت جورنال>> حملت عنوان <<الحاجة إلى تقويض صدّام>>، قال فيها إنه <<يتحدث باسم الأكثرية العظمى من الإسرائيليين في دعم ضربة استباقية ضد نظام صدام>>. ونقلت <<هآرتس>> في شباط العام 2003 بأن <<القيادة السياسية والعسكرية (الاسرائيلية) تتوق للحرب في العراق>>. وبمعزل عن الكويت التي اجتاحها صدام في العام 1990، كانت إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي رحب سياسيوها ومواطنوها على حد سواء بالحرب.
اللوبي والحرب
عملت عصبة صغيرة من المحافظين الجدد كقوة رئيسية محرضة على الحرب داخل الولايات المتحدة، والعديد من هؤلاء كانوا على صلة بالليكود. وسعى المحافظون الجدد لتقويض نظام صدّام حتى قبل أن يصبح بوش رئيساً. ووجه عدد منهم مثل إليوت أبرامز، جون بولتون، دوغلاس فايث، ويليام كريستول، برنارد لويس، دونالد رامسفيلد، ريتشارد بيرل وبول وولفويتز، رسالتين مفتوحتين إلى كلينتون، في العام 1998، يدعونه فيهما إلى عزل صدّام عن السلطة. لكن هؤلاء كانوا بحاجة لمساعدة ما تدفع بأهدافهم قدماً.
وصلت هذه المساعدة مع أحداث <<11 أيلول>>، التي جعلت بوش وتشيني تحديداً يعيدان ترتيب أولوياتهما، بحيث أصبحا مناصرين قويين للحرب الاستباقية. وفي اجتماع مع بوش في كامب دايفيد في 15 أيلول العام 2001، دافع وولفويتز عن ضرورة مهاجمة العراق قبل أفغانستان. وفي 21 تشرين الأول من العام ذاته، أمر بوش جهاز التخطيط العسكري بتطوير خطط منيعة للغزو.
وقد لعب مفكرون كبرنارد لويس من برينستون، وفؤاد عجمي من جامعة <<جونز هوبكنز>>، أدواراً مهمة في إقناع تشيني بأن الحرب هي الخيار الأفضل، بالاضافة إلى محافظين جدد من فريق موظفي تشيني كإريك إدلمان، جون هاناه، سكوتر ليبي. وفي مطلع العام 2002 أقنع تشيني بوش بالحرب، وبوجود بوش وتشيني في الفريق نفسه، أضحت الحرب مسألة محتومة.
وفي 20 أيلول من العام ذاته، نشرت مجموعة من رموز المحافظين الجدد وحلفائهم رسالة مفتوحة أخرى تقول <<حتى إذا كان الدليل لا يربط العراق مباشرة بالهجمات، فإن أية استراتيجية تهدف إلى استئصال الإرهاب ورعاته يجب أن تتضمّن جهوداً حثيثة لإزاحة صدام حسين عن السلطة في العراق>>. وذكّرت الرسالة بوش أيضاً بأن <<إسرائيل كانت وستبقى حليف أميركا الأشد وفاء ضد الإرهاب الدولي>>.
ووصل اللوبي لحد التغلغل في الداخل العراقي، حيث دعم المحافظون الجدد <<المنفي العراقي عديم الضمير>> الذي يرأس المؤتمر الوطني العراقي، أحمد الجلبي، قبل حرب العراق. وذلك لأنه أنشأ روابط قوية مع مجموعات يهودية أميركية، وتعّهد بأن يرعى علاقات جيدة بإسرائيل حال وصوله للسلطة.
التلاعب بالمعلومات
لقد احتل التلاعب بالمعلومات الاستخبارية بطريقة تظهر صدّام بأنه يشكّل تهديداً وشيكاً، جزءاً مهماً من الحملة المروجة للغزو. وأخذ سكوتر ليبي يضغط على محلّلي ال<<سي أي أيه>> لإيجاد حجة تدعم قرار الحرب. وساعد كولن باول في إعداد تقريره الملفّق الذي قدّمه في مجلس الأمن. وكان <<فريق تقييم سياسة مكافحة الإرهاب>> في الكونغرس قد اتُّهم بأنه أوجد روابط بين القاعدة والعراق لا يملكها جهاز الاستخبارات.
وأوكل للمحافظين الجديدين دايفيد وورمسر، واللبناني الاميركي مايكل معلوف، القريب من ريتشارد بيرل، مهمة الكشف عن الأدلة التي قد تستخدم لتبرير الحرب على العراق في ما يعرف ب<<مكتب الخطط الخاصة>> في الكونغرس، والذي ترأسه المحافظ الجديد وصاحب الروابط الوثيقة بوولفويتز، أبرام شولسكي. وكانت التقارير ترسل مباشرة إلى دوغلاس فايث، المحافظ الجديد الملتزم بقوة بإسرائيل، ككل المحافظين الجدد، والذي يحظى بروابط قديمة بالليكود.
ويعرف فايث مع بيرل وورمسر، بإصدارهم التقرير الشهير <<انفصال تام>>، الذي أوصى نتنياهو <<بالتركيز على إزاحة صدام حسين من السلطة في العراق ك<<هدف إسرائيلي استراتيجي مهم يصب في مصلحتها>>، وأخذ الخطوات اللازمة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. وولفويتز ملتزم بالمستوى ذاته بإسرائيل، وهو الذي وصفته <<جيروزاليم بوست>> ب<<الموالي المخلص لإسرائيل>>، وصنفته <<رجل العام>> 2003.
وسوريا وإيران
إطلاق <<النار>> على سوريا
فور سقوط بغداد في نيسان 2003، بدأ رئيس الحكومة ارييل شارون وضباطه، يحثون واشنطن على استهداف دمشق. ودعا شارون في مقابلة لصحيفة <<يديعوت أحرونوت>> في 16 نيسان، واشنطن، الى ممارسة ضغوط <<عميقة>> على سوريا. وقد اكدت صحيفة <<واشنطن بوست>>، أن إسرائيل كانت <<تؤجج الحملة>> ضد دمشق عبر تغذية الاستخبارات الاميركية بتقارير حول اعمال الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي موازاة ذلك، قدم اعضاء بارزون في اللوبي الحجج ذاتها. وقال بول وولفوفيتز، الرئيس الحالي للبنك الدولي، <<يجب أن يكون هناك تغيير للنظام في سوريا>>. كما اعتبر الرئيس السابق لهيئة استشارية ملحقة بالبنتاغون ريتشارد بيرل، انه يمكن نقل <<رسالة الى الانظمة المعادية الاخرى في الشرق الاوسط: انتم التالون>>.
سياسيا، اعاد عضو الكونغرس، إليوت إنغيل، طرح قانون محاسبة سوريا، الذي يدعو الى استعادة سيادة لبنان، كما يدعو سوريا ولبنان إلى اتخاذ الخطوات الكفيلة بالتوصل إلى السلام مع إسرائيل. وتم تبني القانون من قبل اللوبي، محاطا بحسب <<وكالة التلغراف اليهودية>>، ب<<اطار من الاهمية من قبل بعض أفضل أصدقاء إسرائيل في الكونغرس>>. وبرغم ان الادراة الاميركية لم تكن متحمسة جدا للقانون، إلا انه مر بأغلبية في مجلسي النواب والكونغرس.
وبرغم ان المحافظين الجدد كانوا راغبين في افتعال قتال مع سوريا، عارضت وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية الفكرة. ويعود حذر الادارة الاميركية تجاه استهداف سوريا، الى الخوف من تعريض الاتصالات الاستخباراتية القيمة بين البلدين للخطر. كما ان التصرف بقسوة مع دمشق، سيجعل الولايات المتحدة تبدو في صورة الراغب دوما في ضرب الدول العربية. اضافة الى ذلك، فإن وضع سوريا على لائحة الاستهداف الاميركية، قد يعطيها الدافع القوي للتسبب بالمشاكل في العراق.
وبرغم كل ذلك، أصر الكونغرس على تهديد دمشق باستخدام القوة استجابة لضغوط المسؤولين الإسرائيليين. وإذا لم يكن من وجود للوبي، فربما لم يكن قانون محاسبة سوريا موجودا، ولكانت سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا تتماشى مع المصالح الوطنية الاميركية.
تسليط الأضواء على إيران
ينظر الاسرائيليون الى ايران، على أنها العدو الاخطر، لانها تبدو متجهة نحو امتلاك أسلحة نووية. وترى اسرائيل في امتلاك دولة إسلامية شرق اوسطية للأسلحة النووية، تهديدا لوجودها. وقد اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق بنيامين بن اليعازر قبل شهر من الحرب على العراق، ان <<العراق مشكلة.. لكن إيران هي اليوم أخطر من العراق>>.
وفي تشرين الاول العام 2002، وصف شارون لصحيفة <<التايمز>> إيران، بأنها <<مركز الإرهاب العالمي>>، معتبرا انه يتوجب على الادارة الاميركية استخدام القوة العسكرية ضد طهران في <<اليوم التالي>> لاجتياح العراق.
ولم يضيع المحافظون الجدد بدورهم الوقت. وفي السادس من ايار العام 2003، شارك <<معهد اميركان انتربرايز>> في رعاية مؤتمر عقد على مدار يوم كامل حول إيران، بالتعاون مع مؤسسة الدفاع عن الديموقراطية ومعهد <<هادسون>>، المواليين لإسرائيل، حيث دعا العديد من المتحدثين إلى استبدال حكومة طهران بحكومة ديموقراطية.
اعلاميا، كثف المحافظون الجدد من جهودهم لوضع القضية الايرانية في صلب المناقشات. وقال ويليام كريستول في صحيفة <<ويكلي ستاندر>>، إن <<تحرير العراق كان المعركة الكبرى الاولى من أجل مستقبل الشرق الأوسط.. لكن المعركة الكبرى المقبلة، ستكون من أجل إيران>>.
واستجابت الإدارة الاميركية لضغوط اللوبي. وبعدما جوبهت مساعي الادارة بتصميم ايراني على إنشاء ترسانة نووية، فقد كثف اللوبي من ضغوطه. ونشرت المقالات التي تحذر من الاخطار المتأتية من إيران نووية، ومن أي استرضاء للنظام <<الإرهابي>>، مشيرة بشكل خفي إلى ضرورة العمل العسكري الوقائي في حال فشلت الدبلوماسية، وسط تهديد من المسؤولين الإسرائيليين بعمل استباقي، في حال تابعت إيران سلوك الطريق النووية.
وقد يقول البعض ان إسرائيل واللوبي ليس لديهما تأثير كبير في السياسة الاميركية تجاه إيران، لأن الولايات المتحدة لديها أسبابها الخاصة لمنع إيران من أن تتحول الى دولة نووية. وتبدو هذه الحجة قريبة من الحقيقة، لكن طموحات إيران النووية لا تشكل خطرا وجوديا على الولايات المتحدة. وإذا استطاعت أميركا أن تتعايش مع اتحاد سوفياتي نووي، وصين نووية أو حتى مع كوريا شمالية نووية، فإن بإمكانها التعايش مع إيران نووية.
ان حملة اللوبي لتغيير الانظمة في إيران وسوريا، قد تقود الولايات المتحدة نحو مهاجمة الدولتين، مع ما يترتب عن ذلك من آثار كارثية. وعدوانية اللوبي تجاه دمشق وطهران، تجعل من المستحيل بالنسبة لواشنطن ضمهما إلى حربها على تنظيم القاعدة والتمرد في العراق، حيث ان مساعدتهما مهمة جدا. ولولا وجود اللوبي، لكان يمكن لإيران وأميركا أن تكونا حليفتين، ولكانت سياسة واشنطن أكثر اعتدالا، ولم تكن الحرب الوقائية خيارا.
(المصدر: موقع « باحث » اللبناني بتاريخ 4 أفريل 2006)
وصلة الموضوع: http://www.bahethcenter.org/arabic/derasat/2006/3_4_harford.htm