قانون قديم معارضوه يساريون لا إسلاميون …
بورقيبة يَـلـُـوح مُـجـدداً في تونس مع اعتبار حكومتها الحجاب «زيّاً طائفياً»
تونس – رشيد خشانة
القرار التونسي يشمل منع المحجبات من دخول الجامعات والعمل في المؤسسات الرسمية (أ ف ب)
مع انتشار الحجاب بين النساء على نحو غير مسبوق في تونس تزايدت المخاوف في أوساط الحكم من أن تكون الظاهرة دليلاً على إخفاق خيار العلمنة الذي انطلق مع الاستقلال (1956) فسارعت الحكومة إلى شن حملة شاملة على المحجبات تزامنت مع بدء السنة الدراسية وتوسعت في شهر رمضان. وركزت السلطات حملتها في البدء على التيارات الأصولية إلا أنها تطورت إلى سجال مع الحركات العلمانية واليسارية التي اعترضت على ما اعتبرته «تعاطياً أمنياً مع ظاهرة ثقافية – اجتماعية».
عندما نشرت مجلة «جون أفريك» الصادرة في باريس أول تحقيق عن المحجبات في تونس عام 1981 كانت الفتيات اللواتي تحدثت إليهن منتميات الى «حركة الاتجاه الإسلامي»، الحزب الذي أعلن عن تأسيسه في الخامس من حزيران (يونيو) من العام نفسه والذي غير اسمه إلى «حركة النهضة» عام 1988.
بعد ربع قرن تغير المشهد تماماً، فالمحجبات لا ينطلقن من موقف سياسي، لا بل إن غالبيتهن الساحقة لا تتعاطى السياسة ولا تحبها أصلاً. وعندما عاودت المجلة هذا الأسبوع نشر تحقيق جديد عن «معركة الحجاب» الدائرة حالياً في تونس لم تذكر مرة واحدة «حركة النهضة».
ويعزو الباحثون ظاهرة التحجب المتسارعة إلى عناصر مختلفة ومتضافرة ساعدت على اعتبار ارتداء الحجاب وإطلاق اللحى ركناً من أركان الهوية. فالحروب الدائرة في المشرق من العراق إلى لبنان دخلت إلى البيوت من دون استئذان بفضل المحطات الفضائية التي لا تغيب عن أي بيت حتى في الأحياء الشعبية. وقالت الطالبة (هند – ك) إنها ارتدت الحجاب منذ ثلاث سنوات أيام الاجتياح الإسرائيلي للمدن والمخيمات في الضفة الغربية، لأنها شعرت «بالقهر والإذلال من دون أن تكون قادرة على فعل شيء لنُصرة الفلسطينيين».
أما الموظفة (سعيدة – ع). فاعترفت بكونها مدمنة على قناة «إقرأ» التي أقنعها الدعاة الذين تستمع إلى دروسهم عبرها «بالرجوع إلى الدين وارتداء اللباس الشرعي». كذلك لعبت الحملة الأميركية على الإرهاب وما رافقها من شعور بقيام حرب حضارية بين الإسلام والغرب، دورا كبيرا في ترسيخ الشعور بالاستهداف لدى قطاعات واسعة من الشباب التونسيين الذين سافر كثير منهم إلى دول الجوار للانخراط في صفوف المقاومة العراقية.
مسار التدين التونسي
ويمكن القول إن تلك الظاهرة كانت القسم العائم من جبل الثلج، أما القسم المتواري فتمثل بالإقبال غير المسبوق على ارتياد المساجد وتوسع مسار التدين، مع ظهور تأثيرات لحركات دينية متشددة انتشر مؤيدوها في الأحياء الشعبية التي تُزنِّر العاصمة تونس، بعضها جهادي وبعضها الآخر يحض على إحياء الخلافة الإسلامية مثل «حزب التحرير الإسلامي».
مع ذلك أصر قياديو «التجمع الدستوري الديموقراطي» الحاكم، الذين توزعوا في الأيام الأخيرة على المحافظات لإلقاء خطابات تهاجم المحجبات، على اعتبار الحجاب علامة انتماء لحركة «النهضة»، على رغم تلقيها ضربة قوية مطلع التسعينات من القرن الماضي جعلت غالبية كوادرها موزعين بين السجون والمنافي. وأكد وزير الخارجية عبدالوهاب عبدالله، وهو أيضاً عضو في المكتب السياسي لـ «التجمع» أن الحجاب «شعار سياسي تستخدمه مجموعة صغيرة تختبئ وراء الدين لتحقيق أهداف سياسية»، وهو ما كرره أيضاً أحمد عياض الودرني مدير مكتب الرئيس بن علي (ويحتل أيضاً مقعداً في المكتب السياسي) الذي حذر من أن الحجاب «يرمز الى انتماء سياسي متستر بالتدين والتطرف» في إشارة إلى «النهضة».
لكن إذا صح أن جميع المحجبات منتميات الى تلك الحركة لباتت أكبر حزب في العالم الإسلامي، إذ قُدرت نسبتهن بـ25 إلى 30 في المئة من السيدات التونسيات (عدد النساء الإجمالي 5 ملايين سيدة)، إضافة إلى اتساع الظاهرة بين الفتيات وحتى الصبايا اليافعات. وفي مقابل الحجاب اقترح سياسيون ومثقفون مناصرون للحكومة العودة الى ارتداء الأزياء العتيقة بصفتها «جزءاً لا يتجزأ من الهوية التونسية».
وحض الأكاديمي كمال عمران في مقال نشره في صحيفة «الحرية» لسان حال الحزب الحاكم على «التمييز بين لباس ظاهره دين وباطنه سياسة ولباس تونسي تنسجم فيه روح التدين بمقومات الأصالة» في إشارة إلى الأزياء النسوية التقليدية التي تخلت عنها التونسيات لأن العصر تجاوزها مثل «السفساري» (عباءة من الحرير بيضاء اللون كانت تلتحف بها السيدات في المدن) أو «الملية» (عباءة صوفية حمراء اللون كانت ترتديها النساء في الريف).
لكن اللافت في الحملة على الحجاب أنها لم تقتصر على تعبئة المنظمات المركزية والمحلية لـ «التجمع» ضد المحجبات ولا على شن حملة واسعة عبر وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة، وإنما انتقلت إلى إنفاذ المرسوم الرقم 108 الذي صدر في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة عام 1981 على خلفية أول حملة اعتقالات طاولت الإسلاميين وقادتهم إلى السجون آنذاك. وشكك حقوقيون وسياسيون في دستورية المرسوم الذي قالوا إنه يحد من حرية المواطنين ويتنافى مع المبادئ التي تأسس عليها الدستور التونسي. واتهم معارضون السلطات بتعبئة أجهزة الأمن لنزع الحجاب بالقوة واقتياد المحجبات إلى مخافر الشرطة لحملهن على التوقيع على تعهدات كتابية بالامتناع عن العودة الى ارتدائه.
البورقيبية الجديدة
واشترط رؤساء الجامعات والمعاهد العليا على الطالبات التخلي عن الحجاب لقاء السماح لهن بمتابعة الدراسة. وفي الدوائر الحكومية لوحظ تشدد مع الموظفات المتحجبات اللواتي لم يسمح لهن بالإستمرار بالعمل طالما أصررن على ارتداء الحجاب. وبرر أمين عام الحزب الحاكم الهادي مهني تلك الحملة بأن الحجاب دخيل على الثقافة الوطنية وتهديد لمكاسب الحركة الإصلاحية التي من أعلامها داعية تحرير المرأة التونسي الطاهر الحداد الذي ألف كتاب «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» في ثلاثينات القرن الماضي، والذي جوبه بهجوم من الأوساط الدينية المحافظة فمات كمداً. إلا أن الحداد حمل على العباءات التقليدية ودافع عن تعليم المرأة وخروجها من البيت إلى العمل معتبراً الحجاب الصيغة المثلى للمحافظة على الحشمة.
ومن المفارقات أن بورقيبة الذي وقع على مرسوم حظر الحجاب في ثمانينات القرن الماضي، خاض معركة صحافية ضد غلاة المستوطنين الفرنسيين في الثلاثينات مدافعاً عن الحجاب بوصفه رمزاً للهوية الوطنية، وصار مقاله الشهير «الحجاب» (كتبه بالفرنسية) من العلامات الفارقة في معركة السفور والحجاب. واستخدم مرسوم بورقيبة الذي استُدعي مضمونه في كثافة هذه الأيام عبارة «الزي الطائفي» في وصف الحجاب، مع أن تونس ليس فيها طوائف وهي أكثر البلدان الإسلامية اندماجاً على الصعيد العقائدي لأن جميع سكانها من السنة المالكية.
واللافت أن أكثر منتقدي الحملة الراهنة على المحجبات ليسوا القوى الإسلامية وإنما الجمعيات الأهلية والتيارات العلمانية واليسارية التي رفضت «تدخل الدولة في الحياة الخاصة للمواطنين».
ولوحظ أن «حزب العمال الشيوعي» الذي خاض معارك ضد «حركة النهضة» في التسعينات دان الحملة ورأى أنها تشكل «انتهاكاً للحرية الشخصية ودليلاً إضافيا على عجز نظام الحكم عن مواجهة القضايا التي تُطرح في المجتمع التونسي بغير الأساليب الأمنية». وعزا الظواهر الجديدة في المجتمع إلى «القهر والاستبداد السياسي والفساد والفقر والتهميش والبطالة والخواء الروحي والقيمي التي يتحمل مسؤوليتها نظام الحكم وخياراته»، مؤكداً أنه «من دون معالجة تلك القضايا فإن القمع والمنع لن يزيدا تلك الظواهر إلا استفحالاً».
ويعارض هذا الحزب وأحزاب يسارية أخرى، إضافة الى جمعيات علمانية مثل «جمعية النساء الديموقراطيات» (مرخص لها)، ارتداء الحجاب وهي تدافع في شدة عن قانون الأحوال الشخصية الذي احتُفل في الصيف الماضي بمرور نصف قرن على سنَه، والذي حرَم تعدد الزوجات ومنح المرأة المساواة مع الرجل. لكن العلمانيين اعتبروا أن «الدفاع عن حقوق المرأة ومكاسبها لا يتم إلا في مناخ تتوافر فيه الحرية والديموقراطية ويتاح فيه للجميع إبداء الرأي والمشاركة في الحياة العامة وتقرير خيارات البلد الجوهرية» على حد تعبير بيان «العمال الشيوعي».
وعلى هذا الأساس رأى مراقبون أن الحملة الراهنة على المحجبات أخفقت بكسب أنصار للحكم في صراعه مع التيارات الدينية وأبعدت من حوله الجماعات اليسارية والعلمانية والشخصيات الحقوقية التي كانت تشاطره مناهضة ارتداء الحجاب. والأرجح في ضوء هذا الحصاد السلبي أن تُعاود الحكومة النظر في قرار ملاحقة المحجبات في الفترة المقبلة وتضع المرسوم الرقم 108 في الأدراج مجدداً ربما استعداداً لاستخدامه في معارك أكثر مواتاة لها.
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 25 أكتوبر 2006)
هل يتعارض الحجاب في تونس مع علمانية الدولة؟
توفيق المديني (*)
منذ ثلاث سنوات، احتدم الجدال في تونس في موضوع الحجاب، بين معارض له ومدافع عنه، على خلفية عودة الطالبات في الجامعات والمعاهد الثانوية، وكذلك النساء في المؤسسات الحكومية والخاصة الى ارتدائه. وبلغ هذا الجدال أحياناً درجة غير مقبولة من الحدة والعنف. وتزامن كل ذلك مع قيام السلطات التونسية بحملة أمنية على مرتديات الحجاب في الشوارع والمدارس والجامعات، ومواطن العمل العمومية والخاصة، ومصادرة كل ما يمكن أن يستعمل غطاء للرأس من المحال والدكاكين.
فبعد خمسين سنة من إصدار الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية للمرأة، التي اعتبرت مكسباً ديموقراطياً حققته المرأة العربية في تونس لا مثيل له في بقية الاقطار العربية، لجهة جذريته وعلمانيته، إذ حددت سن الزواج بـ 17 سنة، وأقرت بالاجهاض، ونصت على أن الطلاق لا يتم إلا أمام المحاكم، وعدلت من قوانين الميراث لمصلحة المرأة خصوصاً، وحددت الزواج بامرأة واحدة لا أكثر، والمهر بدينار، ما يساوي دولاراُ أميركياً، ها هو المجتمع التونسي يجد نفسه أمام تحد جدي، ألا وهو أزمة الهوية، التي تمس في الوقت الحاضر مجموع العالم العربي والإسلامي.
لا شك في أن النخبة السياسية – الإدارية المسيطرة على مجموع الدولة- الحزب الواحد بقيادة الحبيب بورقيبه، لم تكن نخبة ثورية بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكنها طليعة من المثقفين – الذين تعلموا في الجامعات الفرنسية، وتشبعوا بثقافة الغرب البرجوازية – وتتسم في طابعها العام بالثورية البرجوازية ضمن الأفق العلماني، بسبب اعتناقها العلمانية البرجوازية الفرنسية، وتأثر بورقيبه نفسه بكمال اتاتورك بوجه خاص. وهو الأمر الذي جعلها تجسد في مشروعها الوصائي على المجتمع المدني نوعاً من العقلانية، هي عقلانية «ثورة من الأعلى» التي تخدم البناء القومي الايديولوجي والسياسي للنظام الجديد، وتدعيم طابع الكلية الدولتية، كنفي سلبي لدور الشعب.
اليوم، يظل وضع المرأة التونسية لا مثيل له في العالم العربي والإسلامي. وعندما جاء الرئيس زين العابدين إلى السلطة في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) 1987، استمر في النهج الإيديولوجي والسياسي والثقافي لسلفه، فأكد أهميّة الحفاظ على المكاسب التي حققتها المرأة التونسية في العهد البورقيبي. ثم تتالت الإجراءات التي تكرس عزم النظام الحالي على مواصلة احتضان المرأة، فأرسى نظام الملكية والشراكة بين الزوجين، وحق الولاية، ومنح المرأة جنسيتها لطفلها في حال الزواج من أجنبي.
لقد أصبحت المرأة التونسية مصدراً من مصادر الشرعية للسلطة السياسية القائمة في تونس، سواء في عهد بورقيبة أم في عهد الرئيس الحالي بن علي، نظراً الى وجود علاقة جدلية بين الطرفين، إضافة إلى المصالح المختلطة والمتشابكة. ومع بروز قوة المعارضة الإسلامية ، في عقد الثمانينات ولغاية بداية التسعينات من القرن الماضي، أجبر الخوف المشترك السلطة السياسية والمرأة على التخندق في الموقع الايديولوجي والسياسي الواحد، باعتبارهما المستهدفن والمستفيدين من هذه المعارضة الإسلامية. فالسلطة السياسية في تونس تتفاخر أنها حررت المرأة، بوصفها الضامن الوحيد للمحافظة على مكاسبها أمام المعارضة الإسلامية واستخدامها كبعبع تخويف ضد المجتمع ككل بشكل عام، وضد المرأة بشكل خاص. فيما أصبحت المرأة التونسية توفر للسلطة التعبئة والمساندة اللازمة.
إذا كانت المرأة التونسية تعيش في وضعية قانونية مترفهة على صعيد الحقوق، وتتقدم النساء العربيات لجهة التحرر والمشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية اذ تشغل نحو 20 في المئة من المقاعد في البرلمان التونسي الذي يهيمن عليه أنصار الحكومة إضافة إلى أنها حظيت في الانتخابات البلدية التي أُجريت في أيار (مايو) الماضي بنسبة 25 في المئة من المقاعد، إلى جانب حقيبتين وزاريتين، إلا أن هذه الرفاهية القانونية رافقها تفكك بسبب تفاقم المشكلات الاجتماعية والنفسية والقيمية التي زادت التوترات العائلية حدة.
الآن، تدخل قضية الحجاب في تونس في سياق قضايا تعبيرات الحرية الدينية في المجتمع التونسي، والدفاع عن الهوية العربية الإسلامية للبلاد. وكانت السلطة التونسية أصدرت عام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، القانون 108 الذي يعتبر الحجاب «زيًّا طائفيًّا»، وليس فريضة دينية، ومن ثَم يحظر ارتداؤه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي. وفي الحقيقة هذا القانون ليس قانوناً بل هو مجرد منشور إداري أو تعميم بالمصطلح المشرقي وهو لا يرقى إلى مستوى القانون الذي يمر وجوباً بمجلس النواب أو السلطة التشريعية.
واحتدم الجدال في تونس في الآونة الأخيرة بشكل لا يسبقه مثيل في ظاهرة عودة الحجاب بقوة إلى الشارع التونسي بعد تأكيدات حكومية على رفض هذا اللباس «لأنه ينال من المكاسب التي تحققت للمرأة التونسية». فقد قال الرئيس زين العابدين بن علي لدى استقباله وزير الشؤون الدينية: «إن تونس المتمسكة على الدوام بإسلامها الحنيف حريصة على تكريس قيمة الاحتشام وفضيلة الحياء، وهي تعتبر تقاليدها في الملبس في المدن والارياف كفيلة بتحقيق ذلك».
وأكد الرئيس التونسي أن «من الضروري، تفادياً لكل تذمر، التفريق بين الزي الطائفي الدخيل واللباس التونسي الاصيل عنوان الهوية» من دون أن يعطي تفاصيل اضافية.
وفي سياق ذلك، أعطى الأمين العام لـ «التجمع الدستوري الديموقراطي» الحاكم الهادي مهني بُعداً سياسياً للصراع على الحجاب، حين أكد أن «التونسيين المتعلقين بالدين الاسلامي الحنيف والحريصين على التجذر في أصالتهم والدفاع عن هويتهم الوطنية يستغربون اليوم بروز بعض الظواهر المجتمعية الغريبة عن دينهم وأصالتهم وهويتهم».
وفي الجانب المقابل دانت حركة «النهضة» التي تعتبر أكبر حزب معارض في البلاد، بشدة السلطة التونسية لحملتها على ارتداء الحجاب منذ بداية شهر رمضان الماضي، داعية العلماء والأحزاب السياسية في البلاد إلى التضامن مع المحجبات لضمان حقهن المشروع في اختيار لباسهن . وقال الشيخ راشد الغنوشي، رئيس الحركة الإسلامية المحظورة: «إذا كانت حملات السلطة وسعيها لتطبيق القانون 108 – المانع لارتداء الحجاب بالمؤسسات العمومية والتعليمية – لم تنقطع منذ 25 عاماً، فإن حملتها الحالية التي استقبلت بها شهر رمضان الكريم لهذا العام كانت أكثر اتساعاً وحدة».
وعبر الحزب الديموقراطي التقدمي، وهو حزب علماني معترف به، ومتعاطف مع الحركة الإسلامية التونسية في اجتماع لمكتبه السياسي الدوري في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2006 في مدينة سوسة، عن «عميق انشغاله بالحملة الأمنية التي أطلقتها السلطة اخيراً التي تستهدفت على وجه الخصوص المواطنات المحجبات اللواتي يتعرضن إلى الإهانة والمضايقة والمنع من مزاولة الدروس في المعاهد الثانوية والجامعات وإلى الحرمان من خدمات المرافق العمومية». ويعتبر المكتب السياسي أن «هذه الملاحقات غير القانونية تنال من الحرية الشخصية للمواطن ومن حقوقه الأساسية في مزاولة التعليم والعمل والتمتع بالخدمات العامة التي تسديها الإدارة ويمثل في الوقت نفسه شكلاً من أشكال الاضطهاد الديني الذي يستهدف جمعا من المواطنين بسبب معتقداتهم الدينية» وطالب السلطات بإيقاف هذه الحملة وبصون الحريات الشخصية للمواطنين وبعدم التمييز بينهم بسبب معتقداتهم.
تشذ العلمانية التونسية عن بقية العلمانيات الغربية الأخرى، الأميركية والبريطانية والألمانية، التي تؤمن بالحرية والتعددية الدينية والثقافية وانها بهذا المعنى علمانية استئصالية تمارس أصولية معكوسة في إعتدائها على الحجاب الإسلامي بوصفه خياراً شخصياً، ورمزاً ثقافياً ودينياً، هو من صلب الحريات العامة والشخصية.
(*) كاتب تونسي
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 25 أكتوبر 2006)
بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إقتراح.. إنشاء جمعية حقوقية بتونس للنساء المتحجبات
تستعر حملة النظام التونسى هذه الأيام على المتحجبات التونسيات فى الجامعات والمعاهد وفى المؤسسات الحكومية والخاصة وحتى فى الشارع فى إعتداءات سافرة وتدخل فج فى حق المرأة التونسية فى أن ترتدى الحجاب من دون أن تتعرض إلى مضايقات أو إعتداءات أو قمع أو تشويه , وتجرى هذه الحملة فى غياب جمعية تونسية في الداخل تتبنى الدفاع عن حقوق المحجبات بوصفها جمعية تمثلهن حقوقيا وتنظم حركاتهن الإحتجاجية فى الداخل والخارج أيضا , ونحن فى ذلك نقدر كل الجهد القائم خارج تونس لنصرة المحجبات التونسيات وكذا جهد الجمعيات الحقوقية التونسية بالداخل وعلى الخصوص الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والجمعية التونسية لمساندة المساجين السياسيين إضافة إلى الحزب الديمقراطي التقدمي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية بالإضافة إلى الأفراد كالتحركات الشجاعة للمناضل عبد الحميد الصغير فى مساندة المحجبات وما يتعرضن له من إيذاءات
أمام الحملة على الزى الإسلامي بتونس , الدعوة نتجه بها إلى المحجبات التونسيات بالداخل لتأسيس جمعية تونسية تحت إسم : الجمعية التونسية للنساء المتحجباب – ولهن أن يتخيرن إسما آخر قريبا من هذا المعنى أو هذه الصيغة – , تتبنى قضيتهن وتتقدم بأوراق إعتماد الجمعية إلى الدوائر الرسمية ذات العلاقة بإعتماد الجمعيات كجمعية ثقافية وحقوقية ينص قانونها الأساسي وميثاقها التأسيسي على أن هذه الجمعية تدافع عن حقوق المتحجبات المختلفة , منها حقهن غير القابل للنقاش فى إرتداء الحجاب دون أن يتعرضن للإعتداء والتمييز , وحقهن فى الدخول ومزاولة نشاطهن المهني والدراسي فى كل مؤسسات الدولة التونسية من دون أن يتعرضن للإنتقاص من حقهن فى كل نشاط أو تواجد بسبب حملهن للحجاب كما تضع الجمعية على رأس أولوياتها إلغاء المنشور 108 الذى يمنعهن من إرتداء الحجاب بوصفه منشور غير دستوري وقائم على التمييز بين التونسيات وتدخلا فى أخص خصوصيات المرأة وهى لباسها كما وأن هذا المنشور مرفوض من قبل عامة الشعب التونسي
ليس الأمل معقودا على إجازة الجمعية طبعا من قبل النظام التونسى, فالجواب نعرف مضمونه قبل أن يباشر فى العملية ولكن ليس هذا الأمر هو المعيق , ذلك أن أكثر الهيئات شرعية فى البلاد اليوم لا تملك أوراق إعتماد من السلطات التى رفضت الإستجابة لمطالبها فى التأشيرة , فالمؤتمر من أجل الجمهورية كحزب سياسى والجمعية التونسية لمساندة المساجين السياسيين كجمعية حقوقية وجمعية أصحاب الشهادات العاطلين عن العمل كجمعية مطلبية حقوقية ومجلة كلمة كنشرية مستقلة وغيرها من الهيئات لم تحظى بالإعتراف من قبل السلطة بل على العكس لقيت محاربة وتضييقا وهرسلة ولكنها بإصرار نضالي فذ إستطاعت أن توجد لها إسما وإعتبارا تحت الشمس فى تونس لا بل إن هذه الهيئات حققت شرعية واقعية لم تنلها تلك الجمعيات والأحزاب والهيئات التى تدور فى فلك النظام والتى حازت على رخص من الداخلية حال تأسيسها وميزانيات معتبرة لتمويل نشاطاتها , لذلك نقول بأن تقديم أوراق الإعتماد لا ينتظر منه إجازة الجمعية بقدر ما هو إجراء قانوني شكلي تحاجج به الجمعية النظام فى كل محطات النضال التى تتهيىء له فى قادم المراحل
إن الجمعية التونسية للنساء المحجبات التى تحمل مشاغل ومشاكل وهواجس النساء المتحجاب فى تونس ضرورة ملحة اليوم فى الساحة التونسية لأن المتحجبات اليوم مع تنامي أعدادهن يحتجن إلى إطار يحمل قضيتهن العادلة ويجلّي مظلمتهن التى يتعرضن لها , وليزحن كل الشبهات التى تستهدف الحجاب الإسلامى التى يتعرض لها , كما يمكن للجمعية أن تجمّع طاقاتهن للدفاع والتحرك الجماعي والجمعياتي بخصوص قضيتهن فى وجه الحملات المتعاقبة التى قادها ويقودها النظام التونسي تجاه لواء العفة والتطهر والذى هو إستجابة من طرفهن لأمر الله تعالى وحكمه الشرعى البيّن, إضافة إلى إنجاز دراسات وبنك معلومات حول هذه القضية فى تونس, هذا الإطار الذى سيجمع جهود كثيرة حول قضية الحجاب فى تونس , وأتوقع إن صح العزم أن تحقق الجمعية نجاحا باهرا فى الداخل والخارج لما هو متوقع من تفاعل مع هذا الإطار الجمعياتى
هذه هى الفكرة , نضعها بين أيادى متحجبات تونس لعلهن يجدن فيها من الوجاهة ما يجعلهن يفكرن فى إنجازها …لم أدخل فى تفاصيل القانون الأساسى واللوائح الداخلية للجمعية المنتظرة لأننى أقدر أن متحجبات تونس يمكنهن القياس والمقاربة فى هذا الشأن بحيث يخرج البيان التأسيسى واللوائح الداخلية بعد درس قانونى وشرعى عميق ومستفيض من كفاءات هى فى متناول المؤسسين
أخيرا أتمنى أن يتقبل عفيفات تونس هذا الإقتراح ليدرسنه بجدية وعناية وهذا جل أملى لأن القرار بتأسيس هذه الجمعية التى أراها ضرورة لهن اليوم هو بيدهن وتقديرهن وما أرانى إلا حريصا على شؤونهن وإلا لما كلفت نفسى بإرسال هذا الإقتراح..ونسأل الله لكن التوفيق فى ما تجدنه لكُنّ أوفق
والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته
أخوكن صابــــــر – سويســـرا
رسالة الى النظام التونسي وبخاصة الى رجال الامن فيه.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }الأعراف82
{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ }الأنفال54
لقد رأينا وسمعنا عما تقومون به ضد المسلمات المتحجبات المتمسكات بدينهن وهذا لايستغرب من رجل حارب الله ورسوله منذ سنين عدة، والتغير الذي حصل اليوم هو تسليط وسائل الاعلام على مايحصل وازدياد الاخوات المسلمات المتحجبات المتمسكات بدينهن في السنين الاخيرة
لقد ترددت قبل ان اخاطبك لكن لما علمت انك شارفت على الهلاك بسبب الامراض التي تعانيها(والاجل بيد الله) اردت ان اقدم لك هذه النصيحة واذكرك باليوم الذي ستكون بين يد الله العزيز الجبار عندما يسألك عما قمت به من الإعتداء باللفظ واليد عن طريق رجال امنك على المتمسكين بدينهم والأشد من ذلك حكمك بغير ما أنزل الله.
تفكر وتدبر هذا الامر وان لم تتراجع في مواقفك وتعلن ذلك امام الجميع فانك ستعذب عذاب شديدا يوم القيامة، وان مكن الله للمسلمين وانت لا تزال على هذا العرش فباذن الله سترى كيف سيحمي خليفة المسلمين القادم المسلمات المستضعفات.
يا رجال الامن في تونس كفوا أيديكم عن المسلمات والمسلمين وإن بقيتم على هذا الموقف فهذا مصيركم يوم القيامة : {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا }الأحزاب67
كونوا مثل السحرة أمام فرعون واختاروا الموت على الوقوف في وجه الحق المبين.
واما مجموعة( العلماء) الذين يحيطون بك فأنا اقول لك ولهم أني أتحداهم في مناظرة فقهية على أرض الزيتونة تونس وليس في البلد الذي أعيش فيه الآن وأنا مستعد لهذا وإن كنت أعرف المصير بعد المناظرة وإن كنت شبه متيقن انكم من الذين جاء فيهم ياعلماء السلاطين :
وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}البقرة80
الثاني من شوال1427
الموافق ل 24/10/2006م
محمد المنصف قاره (أبوعبيدة التونسي) الفقير إلى الله
Mohamed Moncef GARA
luchswiesenstr. 220
8051 Zürich
Suisse
ملاحظة وقع تعميم هاته الرسالة على وسائل الاعلام فأرجوا من الذين يمتهنون هاته المهنة بنزاهة نشر هاته الرسالة، وهي لأحد المسلمين الغيورين على دينهم ولا انطق باسم جماعة او تنظيم
(المصدر: بريد الحوار نت بتاريخ 24 أكتوبر 2006)
… إن كنت لأظنك أشد إربة يا سيد فراتي
الحلقة الاولى
السيد عبد اللطيف الفراتي علم على رأس نار في مجال الصحافة التونسية ولعله الاعرق اليوم بعد رحيل عدد غير يسير من زملائه. تربع على عرش جريدة » الصباح » أعرق وأخصب اليوميات التونسية شعبية زمن الحكم البورقيبي .. بدون منازع حتى طوته دبابة عصابة الفساد والنهب في تونس كما طوت أقلاما لامعة أخرى فرضت عليها العزلة حلا وسطا لبقا بين العيش في أقبية السجون ـ كما هو حال حمادي الجبالي وعبد الله الزواري ـ وبين إرغام القلم بنانا وذيلا في وحل النفاق الكافر والكذب الفاجر ـ كما هو حال عدد من أبواق عصابة الفساد من مثل برهان بسيس وأبوبكر الصغير والجريدي ـ وآخرين لما يلحقوا بهم نسأل الله لهم السلامة من حرائق نار الندامة . كتب السيد الفراتي مقالا في جريدة الشرق القطرية يوم أمس في موضوع الحجاب فإنحاز بدون سبب مقنع إلى العدوان على الحريات الشخصية الخاصة للمرأة . يحمد له على كل حال أسلوبه الرصين كما عودنا في الكتابة على مدى عقود طويلة وهو رجل جدير بالاحترام أولا وبالحوار ثانيا حتى لو خالفك في صغيرة أو كبيرة.
أيهما أعلى قانونا وألزم للتونسيين : مجلة الاحوال الشخصية أم دستور البلاد ؟
يتباكى السيد الفراتي مع الباكين على مجلة الاحوال الشخصية أكبر إنجاز بورقيبي ناسبا إليها مكاسب هي بها جديرة دون غمط لحقوق الناس أمواتا و أحياء والحق أحق أن يتبع ولكن السيد الفراتي تناسى ذكر المثالب التي زخرت بها تلك المجلة فنسفت بذلك مشروع التحرير الذي بشرت به . ألا يذكر السيد الفراتي أن إجازة التبني بتبعاته المالية والنسبية ـ نسبة إلى النسب ـ والارثية ساهم في تمزيق الروابط الاجتماعية للتونسيين سيما أنه كان مفروضا من مؤسسات الدولة فرضا رهيبا من خلال معهد أطفال بورقيبه ؟ ألم يكن لنا من خيار لمعالجة قضايا التكافل الاجتماعي للايتام واللقطاء ومجهولي النسب سوى خيار التمرد على الفطرة البشرية التي يتألم كل ضمير إنساني حي مهما كان دينه وحضارته لوخزها ؟ ألم يكن لنا من خيار لمعالجة تعطش العقم ـ جمع عقيم ـ ومن في حكمهم سوى بتعريضهم إلى العدوان على نسبهم ونسب متبنيهم ؟ عجب عجاب أن يفتخر السيد الفراتي ومن معه بمعرة المعرات من مثل إجازة التبني ومنع التعدد مطلقا بالكامل وفي كل الحالات دون رجوع إلى قضاء يفحص كل حالة مع التشديد على صون كرامة المرأة أن تعبث بها الجاهليات العربية قديما وحديثا. إذا كان الجهل بالاسلام هو الدافع إلى ذلك فدعكم من الاسلام وليكن الجهل بل ولتكن العداوة والخصومة ولكن ما ذنب الفطرة وهي أسبق من الاسلام ومن كل الاديان ؟ كيف يفخر السيد الفراتي بمجلة دفعت كثيرا من التونسيين إلى الطلاق بين المتحابين بسبب العقم في بلاد تمنع التعدد قانونا مقننا لا وجود فيه لاستثناء؟ ألا يعلم السيد الفراتي بأن كل قانون لا يشرع له إستثناءات توسع ضيقه هو قانون فاشل ؟ كيف يفخر السيد الفراتي بمجلة تصرم أنساب الناس بإسم الحداثة في حين أن كثيرا من العجماوات تحفظ أنسابها ؟ كيف يفخر السيد الفراتي بمجلة خرقت الاجماع العربي والاسلامي غابرا وحاضرا في قضيتي التبني والتعدد بما لا نظير له على وجه الارض ؟ وبعد كل ذلك وقبله : أيهما أعلى قانونا وألزم للتونسيين : دستور البلاد الذي ينص في أول بند منه على أن تونس دولة عربية إسلامية أم كثير من القوانين غير الدستورية من مثل هذه المجلة وقانون الاحزاب وقانون المساجد ومنشور 108 ؟ أي سيادة للدستور في ظل هذا الوضع ؟
إربأ بنفسك يا سيد فراتي أن تشهد شهادة تاريخية بغير الحق وأنت على شفير القبر :
أطال الله عمرك وأصلح عملك ورجع بك إلى رشدك . ذكر السيد الفراتي بأن ظاهرة السفساري التونسية إندثرت من تلقاء نفسها » رغم أنه كان يبرز أكثر مما يخفي من جسد المرأة « . أتناسيت يا سيد فراتي بأن بورقيبه هو من نزع السفساري من رؤوس النساء في شوارع البلاد في رائعة النهار ؟ إذا كان السفساري لباسا طائفيا مستوردا دخيلا وكذا تقليعة الحجاب المعاصرة التي تلتزمها النساء في مشارق الارض ومغاربها دون أدنى إستثناء على إمتداد عقود طويلة .. فمن يصنع للنساء زيا تونسيا قحا أصيلا ؟ عار وشنار على المثقفين المحترمين أن يتورطوا في القول بأن لباس كذا أو أكلة كذا أو مسكن كذا أو مركب كذا طائفي أو مستورد أو دخيل . المثقفون هم أول من يعلمون نفاق عصابة الفساد في تونس وكذبها كسبا لحجة واهية وإستبعادا لخصم سياسي وثقافي قديم متجدد . كيف تقبلون بإستيراد الافكار وأنماط الحياة الدخيلة الهجينة في السياسة والثقافة والاقتصاد والاخلاق ثم تنكرون على غيركم مناسبته لقانون التأثير والتأثر وسنة التدافع وناموس التقليد فيما هو متاح بين الشعوب والامم والحضارات ؟ هل قرأ واحد منكم يوما حرفا واحدا للعلامة التونسي صانع فقه التاريخ الاجتماعي في عالم الانسان والمدنيات المرحوم إبن خلدون ؟ تحرصون على تزيين البلاد بأصنام تنسبونها له تخليد ذكراه وحالكم أشبه بالحمار يحمل أسفارا. لم تكيلون بألف ألف مكيال ؟ إذا كنتم جادين في طرد كل دخيل من الملابس والعادات والتقاليد فأبدؤوا بأنفسكم : لغة هجينة لا هي عربية ولا إفرنجية تعمر بيوتات مصاصي الدماء من المترفين منكم بالسخط والقحط والنقمة وتقاليع غريبة شرقية وغربية من كل واد وفج عميق في المآكل والمشارب والمناكح والمراكب والمناظر والمسامع والمفارش والمساكن والمفانن . ألا يعلم السيد الفراتي ـ حفظه الله ـ بأن عددا غير يسير من طالبات تونس إلتجأن إلى السفساري بعدما منعن من حقهن في الدراسة تحت دعوى الطائفية والدخل فلقين ذات المصير ؟ ألا يعد ذلك دليلا دامغا وحجة غير مدحوضة على أن عصابة الفساد والنهب والتصهين في تونس إنما تحارب الاسلام عقيدة الشعب وهويته وخياره الثقافي كابرا عن كابر وأبا عن جد ؟
بئس المثقفين مثقفونا : إما بضاعة في التحليل مزجاة مدقعة أو هلعا لا يليق بالرجال :
أعيش مغتربا مطرودا في بلاد أروبا منذ عقد ونصف وهي مدة جعلتني أحترم كثيرا عددا غير يسير من مثقفي هذه البلاد سيما عندما يبادرون إلى تحليل أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لا يحكمهم في ذلك سوى قول الحق الذي يعتقدون دون أدنى مواربة ولا نفاق وليس صحيحا أنهم في مأمن دوما من غائلة بطش الحكومة أو بعض أجهزتها الامنية سيما المرتبطة بالصهيونية فقد تعرض كثير منهم إلى التصفية الجسدية فضلا عما دون ذلك بسبب إنتقادهم لقضية الهولوكوست وموالاة إسرائيل والموقف الرسمي عامة من بعض القضايا العربية . ما يشدك إلى طائفة من أولئك هو : تشبعهم بإرثهم الثقافي رغم أنه موغل في القدم أي الحضارة اليونانية وما إختلط بها بعد ذلك وقبله من طعمات إنجيلية أو توراتية أو تلمودية دينيا وما وشحها مما سمي بعصر الانوار . تشبع ثقافي معزر بالاعتزاز النفسي ومتوشح بالارادة الحرة والشجاعة وتحمل المسؤولية. كثير من مثقفينا إلا من رحم ربك سبحانه ليس له من ذلك حبة خردل ينعق مع الناعقين ويصيح مع الصائحين في حملة هستيرية أشبه بحملات الاحزاب الحاكمة في بلادنا العربية تملؤها العربدة السياسية الفاجرة وبضاعة الدجل والنفاق والكذب السافر.
أسباب الصحوات الاسلامية عند مثقفينا : جوع وفقر ومرض وفشل سياسي :
ذاك نموذج حي من التأويلات الظاهرية التي يلجأ إليها كثير من مثقفينا . إذا كانت في البلاد حركة معارضة سياسية معتبرة ـ إسلامية أو علمانية أو حتى نقابية عمالية أو حقوقية ـ فإنها تتخذ مشجبا تعلق عليه كل الهزائم وتفسر به كل السياسات الفاشلة لدولة الزعيم الواحد الاوحد . أما إذا ظهرت في البلاد صحوة تدين واسعة بعد غياب أو طمر ظالم فإن أولي الاربة من مثقفينا لا يجدون تفسيرا مناسبا لذلك سوى أن وطأة الجوع الكافر عضت بأنيابها الثخينة أمعاء الناس فهبوا متدينين. كذلك قال السيد الفراتي : فشل الخيار الاشتراكي في تونس على يد أحمد بن صالح ـ رحمه الله حيا وميتا ـ فهرع الشباب في أواخر الستينات إلى دوحة التدين يستجير بها من لظى الاشتراكية. أشد ما في مثل تلك الحماقات التي تنتسب إلى التحليل العقلي للظواهر الاجتماعية المعقدة هو إعتبارها للانسان عجلا لا ينشد سوى السمنة أكلا وشربا ودفئا وراحة وإنزواء على أنثاه أو حتى أنثى غيره. هل تجد فارقا يذكر بين تلك الحماقات المتدثرة برداء العقلانية وبين التحليلات الشيوعية الماركسية المتطرفة وهي تقسم العالم إلى بروليتاريا جائعة نهمة ورأسمالية أثرة متخمة ولا مجال لعلاقة بينهما سوى عبر الصراع الطبقي . الانسان عندهم حيوان ناطق ولا شيء سوى المادة حتى الرضيع يمص حلمة ثدي أمه بغريزة جنسية. ليس يعني ذلك أبدا التهوين من مشروعية الجهاد حتى الموت في سبيل إسترداد الحقوق المالية المغتصبة ويكفي الاسلام فخرا أنه صرح منذ اليوم الاول » أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين « . بئس التحاليل المنتسبة إلى العقلانية تتوخي التفسير الاحادي للظواهر المعقدة. بئس قوم جاء الاسلام منهم وفيهم ليحررهم من كل العبوديات طرا مطلقا فأبوا إلا الاحتماء منه بالعبودية للفكر الغربي بعجره وبجره . بئس مثقفين يسارعون إلى إدانة ظاهرة التدين وهي ظاهرة وطنية قحة أصيلة ينسبونها إلى العامل المادي لوحده في تحليل أحول أعرج لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ولا يجرؤون على إدانة عصابة الفساد والنهب والتصهين التي خنقت الحريات العامة والخاصة فإنفجر المجتمع بشيبه وشبابه ورجاله ونسائه فارا إلى الله سبحانه واثقا في نفسه على يقين من مستقبله ودينه . المشكلة في تنكب النظرة المتوازنة للانسان مزدوج التكوين. وإلى حلقة تالية أخيرة أستودعكم الله رشدكم مناط حريتكم . الهادي بريك ــ ألمانيا
فيني يرفض سن قانون يحظر الحجاب في إيطاليا
اعتبر وزير الخارجية الإيطالي السابق و رئيس حزب التحالف الوطني ( يميني ) جان فرانكو فيني، سن قانون لمنع الحجاب بـ »الخطأ العميق » خاصة و أن القانون الإيطالي يمنع، أصلاً، إخفاء الوجه في الأماكن العامة » وبدأ رسالته ليومية الكورياري دلاسيرا الأكثر انتشارا في ايطاليا بتساؤل عن مغزى حصر قضية شائكة و معقدة كالاندماج وحرية المعتقدات الدينية في القارة الأوروبية على « مقاسات » الحجاب، دون تقليل من أهميته كرمز ديني.
و قال فيني أن المادة الثامن عشرة من القانون الدولي لحقوق الإنسان تبيح لكل فرد أو مجموعة في ممارسة شعائرها الدينية و الدعوة لها وتعليمها و لا يمكن اعتبار ذلك تهديدا للشعب و لا للوطن. واستشهد فيني، الرجل الثاني في معارضة يمين- الوسط، في المقال الذي نشرته اليوم صحيفة (كوريري ديلا سيرا)، بمقولة للبروفسور التونسي محمد طالبي الرافضة لربط الراديكالية باللحية و الحجاب، مؤكداً أن في العالم الحر كل شخص حر في أن يلبس أو أن يعتقد في ما هو مقتنع به و أن « المتشدد » ليس الذي يصلي أو يعتقد في الله عكس ما يعتقد به كثير من الجهلة فـ « المتشدد » هو من يرفض حرية الآخر، حتى إذا كان مسلماً ». و بذلك يكون « المتشدد » أو « الإرهابي » ليس خطرا على الغرب فحسب بل حتى على الدين الإسلامي نفسه.
و في مجتمع متعدد الأعراق و متعدد الأعراف لا يمكن خلق مشاكل للمجتمع بسبب الصلاة لله. فحرية الاعتقاد هي أساس الدستور الليبرالي و الديموقراطي، و الاعتراف بالأقليات مثل تلك المسلمة و الحق في أن يكون لها أماكن عبادة لا يتعارض مع هوية المجتمع الإيطالي بل يساهم في تأسيس هوية متنوعة و ناضجة.
و اعتبر فيني أن الدفاع عن الهوية لا يعني رفض الآخر خاصة في عصر العولمة و إنما يتمثل في المشكل الأساسي و المتمثل في صعوبة اندماج المسلمين في مجتمعنا حسب قوله.
و ختم رسالته قائلا » إن التحدي القادم يتمثل في قبول مهاجرين من دول إسلامية يعتبر الإسلام فيها المرجعية الوحيدة في للشؤون المدنية، كيف يمكن اندماجهم في مجتمع مثل المجتمع الإيطالي تعتبر فيه العلاقة بين الدولة و المؤسسة الدينية جد مختلفة، و أنه بغية تحسس اتجاهات الخوض في مسألة الإسلام والاندماج المعقدة، فإنه يتعين الارتكاز، بقوة، على المبدأ الأساسي للثقافة الليبرالية المتمثل في حصر الحقوق على الأفراد، كل على حدة، وليس على مجموعات وكيانات داخل المجتمع ».
رضا المشرقي . ايطاليا
الحجاب… مرة أخرى
أماني محمد
في مصر هناك حرب شرسة ضد الفنانات المحجبات، والاحتجاج ضد منع عرض مسلسلاتهن في شهر رمضان، كان عالي الصوت لكن بلا صدى.
وفي تونس يعتبر البعض أن ارتداء المرأة للحجاب عبارة عن تفرقة بين طائفة وأخرى! والمضايقات مستمرة ضد المتحجبة.
وفي تركيا، هناك عودة للحجاب والحشمة رغم اعتراض الليبراليين- الذين يعتبرون تركيا جزءاً من أوروبا- لدرجة أن مصمم أزياء تركي عكف على تصميم زي للبحر خاص بالمحجبات.
والغريب أن كل من يشنّ حملة ضد الحجاب كان محسوباً على حركات تحررية عريقة، تنادي بضرورة احترام الحريات وأولها الحرية الشخصية.
ما هذا التناقض الفج؟ ما الفرق بينهم وبين العامة وهم النخبة المثقفة وكانوا من أصحاب الفكر المستنير الذين يعول عليهم المجتمع في النهوض بالعمليات التنموية نحو الأمام.
فالحجاب ليس غطاء للعقل كما يروجون، وليس شكلا دينيا صرفا، فقد تحول إلى عادة، وإلى فرصة اختباء من وضع اقتصادي قاهر.
فالعرف الاجتماعي في صعيد مصر على سبيل المثال، يلزم المرأة بتغطية رأسها حتى وإن كانت فتاة صغيرة، وهذا قياس ينطبق على المجتمعات الخليجية والعربية عموماً.
وكان دائماً فرصة لوقار المرأة، حتى أن المسيحية التي تذهب لحضور جنازة تغطي رأسها بوشاح أسود دلالة على مشاركة وحزن.
وماذا عن حجاب الراهبات في مختلف الطوائف المسيحية؟ لماذا يتكلم هؤلاء ضده وادعوا أن الراهبة تفقد عقلها إنْ التزمت بزي الراهبات؟
كلها مسوغات فارغة وبعيدة عن الحقيقة والمنطق، فالأمر في أوله وآخره حرية شخصية مطلقة، ويتنافى رفضه مع كل دعوات الاحترام الإنساني مهما قل شأنه أو كثر.
هل الحجاب وحش يمكن أن ينقض على المارة إنْ أسدلته المرأة واحترمت عفتها؟! هل تحول الالتزام بأوامر المشرع الإلهي الأعظم إلى نوع من الخروج عن الفعل الإنساني البسيط؟
والمضحك هو الحوار الذي ساد ويسود في أوساط هؤلاء مدعي التحرر، بأن الإسلام لم يفرض الحجاب إلا على أمهات المؤمنين، وهو حوار يكاد يهترئ من كثرة ما تداول منذ عقود مضت وما زال حديثا مستمرا.
لماذا لا يكون حرية شخصية صرفة عن أية اعتبارات أخرى، وإنْ كانت الاعتبارات متعلقة بالتصديق بإجماع الفقهاء بالحجاب على اختلاف مشاربهم الفقهية؟
معيب جداً ما يحدث، ومخزٍ لدرجة أن الأدعياء باتوا يعيثون الفساد ويشنون حرباً، لسنا في حاجة لها، ولا تعني إلا مضيعة وقت وجهد، ويعني جهلاً صريحاً وفكراً منقوصاً وشعارات تافهة، لم تعد تعكس حقيقة فكرهم الضيق.
هل لابد من امرأة متبرجة، مسلمة، مستغلة كدمية؟ أزعم أن أول أولويات تحرير المرأة احترام كونها إنساناً بالحجاب أو من دونه، وبالتالي احترام قراراتها الخاصة بها التي تعني أن هناك فكراً ملتزماً، حري بالاحترام مهما كان اختلافنا. ولعل هذا ما ينقص احترامنا للآخر، وهو الفعل الثقافي الأصدق على الإطلاق.
عرض/ إبراهيم غرايبة
مروة صفاء قاوقجي
ولدت مروة في أنقرة عام 1968، وبعد أن أتمت دراستها الثانوية في تركيا واصلت دراستها في الولايات المتحدة الأميركية في جامعة تكساس في مجال هندسة الكمبيوتر، ثم عادت إلى تركيا، وعملت في صفوف حزب الرفاه ثم الفضيلة، وفي عام 1999 انتخبت عضوا في البرلمان عن مدينة إسطنبول.
– اسم الكتاب: ديمقراطية بلا حجاب، تاريخ داخل التاريخ
– المؤلف: مروة صفاء قواقجي – ترجمة: مصطفى يعقوب -عدد الصفحات: 295 -الناشر: الدار العربية للعلوم, بيروت
– الطبعة: الأولى/ 2006
تعرض النائبة التركية الإسلامية مروة قاوقجي في هذا الكتاب سيرتها الذاتية، وتجربتها البرلمانية عن مدينة إسطنبول عام 1999، وما تعرضت له من ضغوط وهجوم إعلامي وسياسي منحاز لإجبارها على ترك البرلمان، ومنعها من أداء واجبها كنائبة منتخبة ممثلة للشعب الذي اختارها بالوسائل القانونية، ثم إسقاط الجنسية التركية عنها، وعودتها إلى الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تقيم فيها قبل عام 1994 وتحمل جنسيتها.
وعندما أسقطت عنها الجنسية التركية وأجبرت على ترك البرلمان بسبب الحجاب، غادرت إلى الولايات المتحدة لتكمل دراستها في جامعة هارفارد، وتعمل حاليا عضو تدريس في كلية العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن، وتكتب في صحيفة « وقت » في إسطنبول.
كانت مروة تعيش مع والديها في الولايات المتحدة اللذين كانا يعملان أستاذين في جامعة أتاتورك وتعرضا لمضايقات عدة بسبب التزامهما الديني، ثم انتقلت لتعيش في تركيا لتفسح المجال لابنتيها لتعلم اللغة التركية، واقتباس الثقافة التركية، وقد نالت بسبب موقفها في قضية الحجاب شهرة عالمية، ودعما واسعا في العالم الإسلامي.
وقد لقيت وعائلتها معاناة شديدة بسبب التزامهم، واضطرت لترك كلية الطب بجامعة أنقرة عام 1986، ثم الهجرة إلى الولايات المتحدة، فقد كان الكماليون العلمانيون يجدون صعوبة كبيرة في تصور عائلة متدينة ومتعلمة تعليما عاليا، وكان ثمة إصرار كبير مبالغ فيه ويخلو من التسامح على تصوير المرأة المحجبة في تركيا بأنها الفلاحة أو الخادمة في المدارس والبيوت.
وتقدمت مروة للانتخابات النيابية على قائمة حزب الفضيلة (الرفاه سابقا) بقيادة نجم الدين أربكان، ونجحت في الوصول إلى المجلس الوطني التركي (البرلمان) برغم تعرضها لمضايقات كبيرة، ومحاولات إفشال، ولكن ما لقيته بعد نجاحها يفوق كثيرا المعاناة التي سبقت، وكانت أول نائبة محجبة في تاريخ تركيا، وكانت تضطر في كل تنقلاتها وتحركاتها إلى اصطحاب أختها وعدد من الأصدقاء ليصدوا عنها الإساءات والمضايقات وتطفل الصحفيين.
وقد اقترح بولنت أجاويد النائب، رئيس حزب اليسار الديمقراطي، ورئيس الوزراء التركي لمرات عدة، أن يخصص لمروة قاوقجي مكتب خاص بها بعيدا عن قاعة البرلمان، وألا يسمح لها بحضور النقاشات واللجان البرلمانية، هذا السيد الديمقراطي اليساري يعتبرها امرأة من الدرجة الثانية.
معركة الحجاب
كان السؤال الذي تطرحه كل وسائل الإعلام: هل ستخلع مروة قاوقجي حجابها، وقد زادتها المضايقات إصرارا على الحجاب، وشعرت بسعادة التمسك بالحجاب أكثر من المقعد النيابي.
واقترح عليها مجلس الحزب أن تذهب إلى السيد « سبتي أوغلو » أكبر نواب البرلمان سناً لتقبيل يده، وسؤاله حول مشاركتها في مراسم اليمين، وإذا وافق تذهب، وإذا لم يوافق تعقد مؤتمرا صحفيا تعلن فيه قرارها عدم دخول البرلمان، ولكن مروة رفضت لأنه من حقها دخول البرلمان كبقية النواب.
وقررت مروة التمسك بحجابها بإصرار وعزة رغم المعاناة، ودخلت قاعة البرلمان الكبيرة لأداء قسم اليمين، وفجأة حدثت فوضى، تصفيق ودعم من قبل حزب الفضيلة، وصراخ جماعي من قبل نواب حزب اليسار الديمقراطي ونواب الحركة القومية « اخرجي، اخرجي، أو لتنزع حجابها، إنها مناهضة للعلمانية » وتم رفع الجلسة اضطرارياً، ثم ظهر بولنت أجاويد، وصعد على المنصة دون حق قانوني، وألقى كلمة ختمها بالطلب بإيقاف هذه المرأة عند حدها، مطالبا بطرد امرأة انتخبها الشعب بسبب حجابها.
واتخذ الحزب قراراً بأن تؤدي يمينها في نهاية المراسم حتى يهدأ الوضع، وأعلن الرئيس ديميريل أن مروة قاوقجي هي السبب في توتير الأوضاع في تركيا، واجتمع المجلس الرئاسي وقرر عدم السماح لمروة بدخول قاعة اللجنة العامة لأداء اليمين، في الوقت الذي كان يترقبها الملايين أمام شاشات التلفاز بفارغ الصبر وهي محجبة ليكون ذلك انتصارا لهم، وبداية لإنهاء معاناتهم بسبب الحجاب.
وفي اليوم التالي ألقت مروة خطابا أمام الصحافة بينت فيه الاستخفاف الذي جرى بإرادة الشعب وانتهاك الدستور والحقوق والحريات العامة، والمتمثل بمنعها من أداء اليمين بسبب الحجاب في بلد ثلاثة أرباع نسائه محجبات، وقررت عدم حضور الجلسات القادمة في البرلمان، وشكرت الشعب الذي ساندها منذ إعلان ترشيحها.
وبدأت الصحافة تنفذ حملات من التشويه والتطفل والتدخل في الخصوصيات الشخصية والعائلية لمروة وعائلتها، وتعرضت لملاحقات يومية وإزعاج متواصل، وكذلك جميع أفراد عائلتها.
وفي المقابل فقد نهضت حملة تضامن محلية وعالمية مع مروة شغلت الإعلام والرأي العام العالمي والإسلامي، وظلت الصحف والمقالات والإعلانات المؤيدة لمروة تنشر بإصرار مقالات تضامنية وعناوين مؤيدة من قبيل « أنت تاج رأسنا » و »بطلة حقوق الإنسان » وبرقيات وحملات تأييد على شكل إعلانات مدفوعة الأجر، في تركيا والعالم الإسلامي وأوروبا أيضا.
وقامت النساء في معظم أنحاء العالم الإسلامي بمظاهرات تضامنية، تندد بانتهاك حقوق الإنسان والاعتداء على الدستور والديمقراطية المتمثل بمنع مروة قاوقجي المنتخبة من قبل شعبها من ممارسة دورها، فقط لأنها محجبة.
وحاولت مروة أن ترفع قضية على الحكومة لدى القضاء، ولكنه قضاء مسيس، وقام مدعي محكمة أمن الدولة بنفسه ترافقه مجموعة من الشرطة المتخصصة في مكافحة الإرهاب، بمداهمة بيت مروة في منتصف الليل، وتجمع نواب حزب الفضيلة أمام بيت مروة لمنع الشرطة من الدخول إليه، واتصل رئيس الحزب رجائي قوطان برئيس الوزراء ووزير الداخلية، وأجل اقتحام البيت، وفي هذه الأثناء تقدم نواب الحزب بمذكرة تبين أن القضية مازالت بيد البرلمان ولم يبت فيها بعدُ، وأصدر مجلس النواب بيانا يوضح أن مروة قاوقجي مازالت عضوا في البرلمان.
واتخذت المحكمة التركية فيما بعد قرارا بحظر حزب الفضيلة ومنع خمسة من قادته من بينهم مروة قاوقجي من ممارسة العمل السياسي لمدة خمس سنوات، وهاجرت مروة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وواصلت من هناك عملها السياسي والعام والكتابة في الصحافة التركية.
حجاب مروة يهز تركيا
يبدو أن حزب الفضيلة وقيادته السياسية تعرضوا لضغوط كبيرة أجبرت الحزب على التخلي عن قضية مروة، فوجدت نفسها وحيدة، وكانت كلمات رئيس الدولة سليمان ديميريل (وهو صديق لعائلة مروة، وكان يدعو والديها بانتظام إلى القصر الرئاسي) نقطة تحول في تاريخ الحجاب في البرلمان، وإهانة للشعب التركي والديمقراطية أيضا، فلم يكن ثمة مشكلة متعلقة بشخص مروة ولكن بحجابها الذي تلبسه، حتى نواب الحزب الذي تنتمي إليه لم يكن ثمة مشكلة حول مشاركتهم.
وتقول مروة إنها التقت بعد ثلاث سنوات السيد ترهان التشليك النائب عن حزب الفضيلة في اجتماع الاتحاد العالمي للبرلمانات في كوبا، وأخبرها أن ديميريل أخبر رئيس الحزب بأن دخول مروة إلى البرلمان ستكون له عواقب تصل إلى حد الانقلاب العسكري.
ويبدو أن نواب الحزب قد انقسموا إلى اتجاهات ومواقف عدة، واتخذت رئاسة الحزب قرارا بمنعها من الدخول إلى البرلمان، وتحولت معركتها بدلا من أن تكون مع بولنت جاويد، وسليمان ديميريل لتكون مع حزبها الذي تخلى عنها.
تعرضت مروة لمضايقات صحفية وأمنية جعلت حياتها صعبة، ولم يتعاون معها الحزب في محاولة تأمين سكن وحراسة مناسبين، وكان يتعاون معها فريق من أقاربها وأصدقائها وأصدقاء العائلة، وحتى المحامون الذين كلفهم الحزب بالعمل لصالح مروة بعد فوات الأوان وقعوا في أخطاء كبيرة.
ووصلت المضايقات إلى عائلة مروة وابنتيها الصغيرتين اللتين لا تتجاوز الكبرى منهما السنوات العشر، وتعرضتا لمعاملة وقحة من الصحفيين وأدعياء العلمانية، تكتب مروة عن ذلك بعد أربع سنوات من الأحداث، ولكنها تبدو غير قادرة على نسيان الأذى الذي لحق بابنتيها، ولا مسامحة أولئك الذين لم يرحموا براءتهما، والغريب أن الحزب لم يفعل شيئا لوقف هذه الإساءات ولا لحراستها وعائلتها!
واضطرت لتغيير مكان إقامتها والتخفي، وإخراج طفلتيها من المدرسة، وكانت تبقى تحت الرقابة الدائمة من الصحفيين والشرطة، وتراقب مكالماتها الهاتفية، بل ويجري نشر هذه المكالمات في الصحف.
وبدأت الحكومة تتحرك لإسقاط الجنسية التركية عن مروة تذرعا بأنها تحتمي بجنسية أجنبية (أميركية) برغم أن عددا كبيرا من النواب يتمتعون بالجنسية الأميركية، ويسمح القانون الأميركي والتركي أيضا بالجنسية المزدوجة، وقد سئل أجاويد فيما بعد في واشنطن باسم مئات الآلاف من الأتراك الذين يحملون الجنسية الأميركية، هل ستسقط الحكومة الجنسية التركية عنا، فقال: لا، لقد أسقطت الجنسية التركية عن مروة قاوقجي بسبب وضعها الخاص.
وهكذا فقد أسقطت الجنسية التركية عن مروة بعد 11 يوما من دخولها قاعة البرلمان، والغريب أيضا أن مصادر حكومية أميركية قدمت معلومات للحكومة التركية مخالفة القانون الأميركي، ومتعاونة في الإساءة إلى مواطن أميركي.
وقد أصدر الاتحاد البرلماني الدولي بيانا بعدم قانونية إسقاط النيابة والجنسية التركية عن مروة قاوقجي، وأنه قد وقع إخلال بحقوق الناخبين في إسطنبول وبحقوق مروة قاوقجي بإلغاء عضويتها في البرلمان التي كانت عملية مخالفة للإجراءات القانونية التي نص عليها الدستور. وقدمت مروة شكوى إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ولم يتحمل الحزب سوى عشر تكاليف الدعوى، وأما الجزء الباقي فقد تحملته أسرة مروة.
تضامن إسلامي وعالمي
وكان حجم التضامن الإسلامي والعالمي مع قضية مروة ملفتا ومؤثرا، وقامت جمعيات ومنظمات عدة بتشكيل وفود للتضامن، مثل المجلس الأميركي للعلاقات الإسلامية، والتجمع الإسلامي لأميركا الشمالية، والمجلس الأميركي للعلاقات مع الشعوب الإسلامية، ومجلس النساء المسلمات في أميركا الشمالية، واللجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز.
ونظمت مظاهرات في أنحاء عدة أمام السفارات التركية، والتقت مروة برئيس الولايات المتحدة الأميركية بيل كلينتون ووزيرة الخارجية مادلين أولبرايت، ثم وزير الخارجية التالي كولن باول، ورئيسة وزراء كندا كيم كامبل، وتلقت دعوات من مجلس اللوردات البريطاني والكونغرس الأميركي.
وقد حدثت فيما بعد تطورات إيجابية في تركيا، وبدأت مروة تكتب في أهم الصحف التركية، وكان في ذلك فرصة للتواصل مع مواطنيها ومواصلة عملها السياسي والعام متجاوزة المسافات التي تفصلها عن تركيا.
وشهدت تركيا نفسها تغيرات كبيرة، فقد فاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية الأصوات وشكل الحكومة التركية، وتفرق شمل الخصوم السياسيين الذين واجهوا مروة، ومن العجب أن الدعوى القائمة اليوم في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تواجه فيها مروة حكومة حزب العدالة والتنمية التي يقودها زملاؤها الذين عملوا معها في حزب الفضيلة قبل تشكيل حزب العدالة والتنمية.
(المصدر: ركن « المعرفة » بموقع الجزيرة.نت بتاريخ 22 أكتوبر 2006)
لا أزمة في الحجاب، بل حرب ضد المشروع الاسلامي
د. سعيد الشهابي (*)
الصراع الدائر حول ظاهرة الحجاب، أهو ديني ام سياسي؟ أهو تعبير عن خلاف حول سلوك اجتماعي ام توجه نحو صراع حضاري؟ ولماذا اختيار هذه الممارسة بالذات؟ ألأنها تتعلق بالمرأة، الطرف الأضعف في الصراع الأيديو-سياسي؟ وهل سيقف الصراع بين الاطراف المعنية بها هنا ام سيتطور ليصل الي الجوانب الاخري المرتبطة بالصحوة الدينية في العالم الاسلامي؟ وهل هذا الصراع محصور بين المسلمين وسلطات البلدان غير الاسلامية؟ ام ان رحي المعركة تدور ايضا في دول المسلمين؟ وماذا يعني دخول بريطانيا علي خط الصراع حول هذه الظاهرة الاسلامية، وهي البلد المعروف بانه من اكثر البلدان الغربية دبلوماسية وتحملا؟
الفصل الاخير من قصة الصراع حول اللباس الاسلامي تجلي مؤخرا في إثر تصريح أدلي به جاك سترو، وزير الدولة البريطاني لشؤون مجلس العموم، ووزير الخارجية السابق، طالب فيه المسلمات المنقبات بنزع نقابهن عندما يلتقينه في مكتبه. ويصعب الاعتقاد بان تلك التصريحات جاءت مرتجلة، خصوصا بعد ان اتضح وجود توجه عام لدي السلطات البريطانية لدعم ما قاله الوزير، ومواجهة المسلمين الرافضين لها بحزم. واتخذت القضية ابعادا أخطر بعد دعوة وزير الدولة لشؤون الجاليات والسلطة المحلية في الحكومة البريطانية فيل وولاس، لإقالة عائشة عزمي، وهي مدرسة مسلمة ترتدي النقاب، بدعوي ان نقابها يمنعها من اداء وظيفتها بكفاءة.
القصة بدأت بتصريح سترو الذي بدا بريئا في وقته، وانه ردة فعل طبيعية من مسؤول لا يشعر بالارتياح عندما يلتقي بمواطنة تغطي وجهها، ولكن دعوة الوزير وولاس اللاحقة أضفت علي ذلك الجدل صفة رسمية ذات أبعاد عملية تلامس حياة المسلمين في هذا البلد. جاءت هذه المواجهة التي بدأتها السلطات البريطانية علي خلفية تصاعد الجدل حول مفهوم الانخراط في المجتمع البريطاني، وان المسلمين يرفضون الانصهار في هذا المجتمع. ولمواجهة هذه الظاهرة، يعتقد بعض الساسة البريطانيين ان عليهم مواجهة العوامل التي تمنع هذا الانصهار. ونظرا لصعوبة التعاطي مع تلك العوامل مجتمعة، تقرر البدء بمسألة النقاب. هذه المسألة تخدم الخطة الرسمية بشكل كبير. فالنقاب أولا أمر مختلف عليه بين المسلمين، الذين يعتقدون بوجوب الحجاب الشرعي الذي يسمح بكشف الوجه واليدين، والرجلين ويمنع كشف ما سواها، وهو ثانيا ممارسة محدودة لا يمارسها الا نسبة ضئيلة من النساء المسلمات، وهو ثالثا، ممارسة لا يستسيغها الكثيرون، من مسلمين وغيرهم.
ردة فعل المسلمين عموما ازاء الدعوة للتخلي عن النقاب في بريطانيا اتسمت بالانزعاج والقلق. فقد جاءت علي خلفية أخري متصلة بقضايا التطرف والارهاب، والقوانين الصارمة التي صدرت في الاعوام الاخيرة لمواجهة الظاهرة، وهي قوانين يعرف الجميع انها موجهة اساسا ضد المسلمين. ولكن هناك من المسلمين من وقف بجانب الموقف الرسمي، ومنهم برلمانيون مسلمون، ووجهاء من الجالية المسلمة. وبدا ان السلطات البريطانية اختارت قضية مختلفا عليها بين المسلمين انفسهم، وبذلك تمكنت من منع تبلور موقف اسلامي متين. وهناك خشية ان يتم استصدار قوانين تمنع النقاب في الاماكن العامة والمدارس والمستشفيات، وان يكون ذلك بداية من مواجهة شاملة مع المسلمين.
ومما يدفع لتفكير من هذا النوع التصريحات التي أدلت بها السيدة روث كيللي، وزيرة شؤون الجاليات، في خطاب القته في 11 تشرين الاول (اكتوبر) حملت فيه علي المجلس الاسلامي البريطاني (ام سي بي)، بسبب رفضه حضور احتفالات يوم الهولوكوست ، وبسبب ما ادعته الوزيرة من عدم قيامه بالدور المطلوب لموجهة التطرف في الجالية المسلمة، بالاضافة لانتقاده اساليب الشرطة البريطانية في اقتحامها منازل المتهمين بالتورط في اعمال ارهابية. وقد رد المجلس علي تلك التصريحات بانه لن يتردد عن ابداء موقفه من سياسات الحكومة علي الصعيدين المحلي والخارجي، التي تؤثر سلبا علي الامن الوطني (في اشارة الي السياسة الخارجية لبريطانيا وارتباطها بشكل وثيق بالسياسات الامريكية في الشرق الاوسط . وجاءت تصريحات كيللي متزامنة مع قرار الحكومة سحب دعمها للمجلس، وتشجيعها قيام تشكيلات موازية، آخرها الاعلان قبل بضعة شهور عن قيام المجلس الصوفي البريطاني .
ومن بين اسباب انزعاج الحكومة البريطانية من المجلس الاسلامي البريطاني عدد من الامور: اولها الالتزام الديني القوي في اوساط المجلس واعضائه والجمعيات المرتبطة به، وثانيها: الانتقادات اللاذعة التي يوجهها المجلس للسياسات الخارجية البريطانية المسايرة للولايات المتحدة و اسرائيل . وثالثها: سعي المجلس للاستقلال في توجهاته الدينية والسياسية بعيدا عن املاءات السلطات، ورابعها: رفضه التحول لاداة طيعة لها بالدخول في صراعات داخلية في صفوف الجالية المسلمة.
الواضح اذن ان تصدي السلطات البريطانية لظاهرة الالتزام الديني، بدأت بمواجهة ظاهرة النقاب، ولكنها انطلقت علي خلفيات سياسية معقدة، وبالتالي اصبح من الصعب التنبؤ بالمنحي الذي تنتهجه تلك السياسات الرسمية، وما اذا كانت سوف تتوسع لتصل الي حد مواجهة ظاهرة الحجاب لاحقا، كما حدث في فرنسا.
هذا التغير في توجهات حكومة العمال البريطانية يعتبر امرا مفاجئا، خصوصا ان حزب العمال الحاكم هو الذي دشن سياسات تميزت عن الحكومات السابقة في مجال العلاقات مع الجالية المسلمة، فعينت عددا من المسلمين بمجلس اللوردات، وشجعت آخرين علي الترشح للانتخابات البريطانية، ونجح عدد منهم. كما أقامت جسور اتصال مع الجاليات المسلمة وفي مقدمتها المجلس الاسلامي البريطاني، خصوصا بعد حوادث 11 ايلول (سبتمبر) قبل خمسة أعوام. يضاف الي ذلك ان الحكومة البريطانية التزمت موقفا مسؤولا في أزمة الرسومات الكاريكاتيرية المسيئة للرسول عليه افضل الصلاة والسلام في وقت سابق من هذا العام. وحتي الحادثة الاخيرة حول النقاب، اعتبرت سياسات حكومة توني بلير أكثر تفهما لاوضاع المسلمين، اذ نأت بنفسها عن محاكاة السياسة الفرنسية ضد الحجاب، وبعض التصرفات التي حدثت ضد المحجبات في بلدان اخري مثل بلجيكا.
فما الذي حدث اذن لتغيير هذه السياسات التي اتسمت بقدر كبير من الانضباط والعقلانية؟
ثمة اسباب ثلاثة رئيسية لذلك: اولها حوادث 7 تموز (يوليو) العام الماضي الارهابية في قطارات الانفاق في لندن، التي اودت بحياة اكثر من خمسين شخصا. وقد ادت تلك الاعمال الارهابية الي تصاعد التوتر في العلاقات بين السلطات البريطانية والمسلمين، وصدرت في ضوئها قوانين صارمة ضد الارهاب استهدفت المسلمين بشكل واضح. ثانيها: تصاعد احتمالات فشل السياسة البريطانية في كل من افغانستان والعراق، وتوجيه التهمة لرئيس الوزراء البريطاني مباشرة بانه سبب مباشر في تلك الورطة. ثالثها: التحالفات التي ظهرت علي خلفية التورط البريطاني في الحرب الي جانب الولايات المتحدة الامريكية، بين المسلمين وبعض الشخصيات والجهات البريطانية المحسوبة علي يسار الخريطة السياسية في حزب العمال، والانتقادات اللاذعة التي وجهها ذلك التحالف للحكومة، رابعها: نشاط اللوبي الصهيوني العالمي في التحريض ضد المسلمين في اوروبا.
معركة الزي الاسلامي، كما هو معروف، ليست محصورة ببريطانيا التي ما تزال تعتبر أقل الدول الغربية تحسسا من هذه الظاهرة. فقبل ثلاثة اعوام بدأت معركة الحجاب في فرنسا بعد توصيات رفعتها لجنة متخصصة بحظر الرموز الدينية في البلاد في ديسمبر 2003. وقتها قيل ان الحظر سيشمل ارتداء الطاقية اليهودية والصلبان الكبيرة والحجاب والتي ستعتبر رموزا دينية لافتة للانظار. وكان الرئيس شيراك قد قال سابقا إن فرنسا تشعر بأنها تتعرض لهجوم بشكل ما نتيجة لعرض مظاهر دينية لافتة للانظار، الامر الذي يتعارض تماما مع توجهها العلماني . التصدي الفرنسي للحجاب جاء علي خلفية الجدل حول إخفاق فرنسا في دمج المهاجرين المسلمين لديها أو منحهم هوية ثقافية فرنسية خالصة. وفي العام الدراسي اللاحق بدأت السلطات الفرنسية تطبيق القانون الذي يمنع الطالبات من ارتداء الحجاب في المدارس، ونجم عن ذلك أزمة في اوساط المسلمين ما تزال مستمرة.
ومن الذرائع التي يتشبث بها معارضو الحجاب انه تعبير عن خضوع المرأة ، بينما اظهر استطلاع للرأي في بريطانيا مؤخرا ان الغالبية الساحقة من الفتيات اللاتي يرتدين النقاب اختارت ذلك طوعا وليس باكراه من الوالدين. وفي ما عدا فرنسا ما يزال ارتداء الحجاب الاسلامي مقبولا في اوروبا، وان كان الموقف مختلفا ازاء النقاب الذي يغطي الوجه ويسمح بظهور العينين فقط. فقد اعرب وزير الداخلية الايطالي جوليانو أماتو الاسبوع الماضي عن تأييده لموقف رئيس الوزراء رومانو برودي الذي لايمانع ارتداء المسلمات في ايطاليا الحجاب وسط دعوات في أوروبا تطالب بمنعه قانونيا. وقال في مؤتمر صحافي مشترك مع نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانكو فراتيني « انني اشارك برودي موقفه حول حجاب النسوة المسلمات مشيرا الي تصريح رئيس الوزراء لصحيفة بريطانية اعتبر فيه أن ارتداء الحجاب أمر شخصي، مستبعدا الاتجاه الي منع ارتدائه، ومشيرا الي ارتداء بعض الكاثوليكيات غطاء للرأس عند دخولهن الي الكنائس. ويمنع القانون الايطالي أي شكل من أشكال اخفاء الوجه منذ سبعينيات القرن الماضي حيث شهد نشاطا للحركات الارهابية السياسية مثل الألوية الحمراء التي كان عناصرها يتنكرون بأقنعة شتوية في أثناء اعتداءاتهم الارهابية.
واذا كان الجدل في اوروبا يدور حاليا حول النقاب، فان تونس تشهد أزمة مماثلة بشأن ارتداء الحجاب. فقد اقترنت العودة للمدارس والجامعات التونسية هذا العام بعودة السلطات إلي منع ارتداء « اللباس الخليع والحجاب » مع اجبار الطالبات في بعض الجامعات بتوقيع التزام كتابي بعدم ارتداء الحجاب وبفقدان حق الترسيم في الجامعة في صورة مخالفة فحوي الالتزام. وأصدرت قيادة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بيانا قالت فيه ان سلطات بعض المدارس والجامعات منعت طالبات محجبات من الترسيم ومن الدخول الي مؤسسات الدراسة بسبب امتناعهن عن خلع الحجاب. وانتقد البيان ما أسماه « المس بحرية اللباس التي تعتبر في المواثيق الدولية حقا من حقوق الانسان. » وكانت الحكومة التونسية اصدرت منذ عام 1981 منشورا رسميا عرف باسم منشور 108 يمنع ارتداء ما وصف باللباس الطائفي من قبل كل الطالبات والمعلمات والاستاذات والموظفات في القطاع العمومي، لكن درجة الحزم والمرونة في تطبيق هذا المنشور تفاوتت من مرحلة سياسية الي اخري.
وفي تركيا، البلد الذي يحكمه حزب اسلامي، ما يزال الحجاب الشرعي ممنوعا بشكل رسمي، منذ فرض ذلك المنع قبل اكثر من ثمانين عاما، خلال عهد كمال اتاتورك. ويتعرض الوزراء لانتقادات لاذعة بسبب ارتداء زوجاتهم الحجاب في العلن، ومع ان الحكومة ترغب في الغاء قانون حظر الحجاب، فانها تخشي من اثارة المؤسسة العسكرية العلمانية التي تعارض الحجاب بشدة.
لماذا الحجاب بالذات هو محور الصراع في الحالات المذكورة؟
ثمة اعتقاد خاطئ يروجه الغربيون وهو ان المرأة المسلمة مجبرة علي ارتدائه، وانه بالتالي تعبير عن ضعفها واستسلامها للرجل. قد تصدق هذه المقولة في حالات محدودة في السابق، اما في الحاضر، فقد اصبحت المرأة، في اغلب البلدان العربية والاسلامية ذات كيان مستقل، خصوصا بعد انتشار الدراسة الجامعية والتفاعل بين الشعوب والامم.
المسألة المهمة هنا هي ان الحجاب ارتبط بالصحوة الاسلامية في العالم، وبالتالي فهو يمثل جانبا من الصراعات السياسية والحضارية. ولا ينفصل التصدي لظاهرة الحجاب عن ظاهرة التصدي السياسي للمشروع الاسلامي عموما. فالحجاب ليس محصورا علي المسلمين، بل هو لباس اهل الدين في المسيحية واليهودية والهندوسية. والواضح ايضا ان الاستهداف انما هو موجه للمسلمات وليس لغيرهن. وهو امر مؤسف حقا.
واذا كان هناك استضعاف للمرأة المسلمة فانه يتجسد في ما تمارسه الحكومات الغربية ضدها. فقد ارتدت الحجاب بقرارها الشخصي الحر، ولم يفرض عليها من أحد (وهو ما تؤكده الاستطلاعات الغربية نفسها)، ولكن الحكومات التي تعادي ظاهرة الحجاب (في الغرب وفي العالم الاسلامي) هي التي تصادر تلك الحرية وتقننها، الامر الذي يتناقض مع مبادئ الحرية والديمقراطية والاختيار الحر للفرد.
ومهما قيل من تبريرات لهذه الهجمة الشرسة علي الحرية الخاصة للمرأة فان التصدي بقوة القانون للمرأة المسلمة انما هو جانب من المواجهة السياسية مع المشروع الاسلامي، ومتصل، في بعض جوانبه، بصراع الحضارات الذي تروج له بعض الاوساط الغربية.
(*) كاتب بحريني مقيم في بريطانيا
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 25 أكتوبر 2006)
هل أخذ الغرب يضيق بمسلميه؟
ياسر الزعاترة (*)
منذ تصريحات وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو الرافضة للنقاب لم يهدأ الجدل حول الموضوع، ومن بعده حول المسلمين ووجودهم وهويتهم في المجتمع البريطاني بشكل خاص، والغربي بشكل عام، وهو جدل يمكن القول بكل بساطة إنه لا يكاد يهدأ حتى يعاود الاندلاع، وذلك منذ مطلع التسعينات، وتحديداً منذ حرب الخليج.
ليست هذه السطور دفاعاً عن النقاب، وللأمانة فأنا لست من المقتنعين به، وأرى بناءً على قراءات شرعية أن ما يتجاوز الحجاب التقليدي، ليس من الأوامر الشرعية المحسومة، بقدر ما هو إضافة ابتكرها بعض الناس، إما تبعاً للتقاليد أو بدعوى درء الفتنة، الأمر الذي لا ينطوي على كثير منطق، لأن أهل الفتنة لن يتركوا السافرات ليطاردوا المحجبات. ونشير هنا إلى أن شيخ السلفية الحديثة (المحدث الألباني) لا يرى وجوب غطاء الوجه.
لو كان الأمر لي لنصحت الأخوات المعنيات، لا سيما في الغرب، بعدم وضع النقاب، والاكتفاء بغطاء الرأس والجلباب أو ما يقوم مقامه من الألبسة التي تحقق المطلوب الشرعي. لكن الجدل الذي اندلع في بريطانيا، وقبل ذلك على نحو مختلف في فرنسا وصولاً إلى قرار منع الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة، وكذلك في العديد من دول الغرب، هذا الجدل لا صلة له من الناحية الواقعية بالنقاب أو بالحجاب أو باللحية بقدر صلته بالموقف من المسلمين المهاجرين في تلك البلدان.
نقول ذلك لأن مجتمعات لا تضيق بكل أشكال العري، كما لا تضيق بمختلف الأزياء والرموز التي تعبر عن ثقافات وأديان مختلفة، لا يمكن أن تصاب بعسر الهضم الثقافي حين يتعلق الأمر بالمظاهر الإسلامية. وفي أوروبا وأميركا وسواها هناك لباس الراهبات الذي لا يختلف عن اللباس الشرعي، وفي بريطانيا على سبيل المثال ثمة سيخ لا يتخلون عن عمامتهم المعروفة أو قصة شعورهم، وتراهم رغم ذلك يجلسون في المطارات يختمون جوازات السفر للقادمين والمغادرين، كما أن ثمة هنوداً لا يتخلون عن ألبستهم التقليدية التي تعبر عن ثقافتهم، وثمة حي في لندن لا ترى فيه إلا كل ما هو هندي. أما اليهود فحدث عنهم ولا حرج، حيث تمشي في لندن والعديد من المدن الأوروبية فتشاهدهم بالقلنسوة التقليدية يتجولون ولا يجرؤ أحد على التعريض بهم في مقال أو تصريح، فضلاً عن المس المباشر بهم أو إثارتهم، مع العلم أنهم كرجال يظهرون مظهراً دينياً أكثر وضوحاً، ربما باستثناء قلة من المسلمين الذين يصرون على لبس الدشاديش وإطالة اللحى على نحو لافت، بخلاف اللحى العادية التي تتوفر عند الجميع.
لو توقف الأمر عند النقاب إذاً لهان الأمر، لكن خلفيات المواقف لا تقول بذلك، إذ من يضمن ألا يتطور الوضع ليصل الى ما وصل إليه في فرنسا، بل لماذا لا يتطور أكثر لتغدو المساجد جزءاً من التميز الذي لا بد من إنهائه، ثم أين تذهب معالم الحرية والتنوع التي يتحدث عنها المجتمع الغربي بعد ذلك؟
نعود إلى القول إن كل هذا الرفض للمظاهر الإسلامية دون سواها في المجتمعات الغربية، بل وحتى في النظم السياسية الغربية، إنما نتج عن ظاهرة جديدة في أوساط المهاجرين المسلمين تتمثل في قدرتهم على الحفاظ على هويتهم، وذلك بعد عقود من الذوبان في الثقافة الغربية. ونتذكر الخمسينات والستينات وحتى ما يقرب من نهاية السبعينات حين لم يكن بالإمكان العثور على شبان مسلمين يحافظون على هويتهم في المجتمعات الغربية.
إضافة إلى هذا البعد، هناك التحدي الذي تواجهه الغطرسة الغربية في بلادنا من قبل المسلمين كشعوب، ويتمثل ذلك في المقاومة التي تندلع في أكثر من بلد عربي ومسلم ضد الصلف والعدوان الغربي، إلى جانب مطالب التحرر التي يرفعها المسلمون في وجه الولايات المتحدة والغرب والدولة العبرية.
ربما قال البعض إن من حق الغرب أن يحدد طريقته في التعامل مع مهاجريه وجالياته، الأمر الذي يبدو صحيحاً من جهة، لكنه ليس كذلك من أكثر من جهة أخرى، لعل أولها مخالفة ذلك للعقد الاجتماعي القائم في دول الغرب على الحرية الفردية، فضلاً عن مخالفته لمبدأ المساواة بين الأقليات، فمن يسمح لكل تلك الأقليات الدينية والعرقية الاخرى بالتعبير عن هوياتها لا يكون عادلاً حين يخص المسلمين بالتمييز. أما الأهم فهو مسؤولية ذلك الغرب عن كثير من المصائب التي حلت وتحل بدولنا وتحيلها مجتمعات طاردة لأبنائها، أكان باستعمارها أم بسرقة ثرواتها أم بدعم أنظمتها الفاسدة. أي أننا إزاء مسؤولية أخلاقية، مع العلم أن ثمة مسؤوليات أخلاقية أكثر وضوحاً ومباشرة كما هو حال مسؤولية بريطانيا عن زرع الكيان الصهيوني في بلادنا، أو كما هو حال المسؤولية الأميركية – البريطانية عما جرى ويجري من قتل ودمار في العراق وأفغانستان، وحتى لبنان، وقبل ذلك الحصار والعقوبات على العراق وإيران والسودان وليبيا. ثم إنه لولا توفر مصالح سياسية (الهيمنة والتأثير والاختراق)، واقتصادية (سياحة وعمالة رخيصة) للغرب من ظاهرة الهجرة واللجوء لاتخذت إجراءات أكثر تشدداً في منعها، الأمر الذي بدأ يحدث منذ سنوات بعد القناعة بصعوبة تذويب المسلمين في الثقافة الغربية.
خلاصة القول هي أن ما يجري في الغرب من استهداف للرموز والمظاهر الإسلامية هو واحد من تجليات المعركة السياسية القائمة بيننا وبين ذلك الغرب بسبب رفضنا لسياساته ومحاولتنا التمرد على عقد الذل الذي فرضه علينا منذ قرنين أو أكثر.
في ضوء ذلك كله ليس أمام الجاليات المسلمة في الغرب، إلى جانب سعيها إلى ترشيد سلوكها وخطابها واختياراتها الفقهية على نحو يجعلها أقل صداماً مع المجتمعات الغربية، مع محاولة كسب الرأي العام لصالحها من خلال السلوك المعبر عن حقيقة الإسلام وأخلاقه الرائعة، ليس أمامها سوى النضال السلمي من أجل الدفاع عن حقوقها، أكانت تلك المتعلقة بوجودها وحياتها في الدول التي توجد فيها، أم دفاعاً عن قضايا الأمة الرئيسية هنا وهناك.
بقي أن نقول إن بريطانيا لا تزال رائدة في ميدان الحريات والتعددية، وما قاله جاك سترو هو تعبير عن رأيه الشخصي. والأمل هو ألا يؤثر الجدل الدائر على المواقف الرسمية، فيما ندعو الله أن لا يتورط أي مسلم في أعمال عنف كتلك التي وقعت في لندن العام الماضي.
(*) كاتب من الأردن.
(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 25 أكتوبر 2006)