Home – Accueil – الرئيسية
TUNISNEWS
8 ème année, N° 2665 du 09.09.2007
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين :بـــــلاغ 1-2-3 الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين :بــيـــــان …و أخيرا سقط القناع وكالة رويترز للأنباء:تونس تنفي تعذيب اثنين من معتقليها سابقا في جوانتانامو جريدة « الصباح » :حفاظا على موقعها في المشهد الثقافي:باريس تعزّز حضور اللغة الفرنسية في تونس.. جريدة « الصباح » :إقبال على المدارس الإعدادية التقنية.. ومراكز التكوين المهني موقع « أخبار تونس »:امتنان الإطارات الدينية لعناية رئيس الدولة بالدين الإسلامي الحنيف عبدالحميد العدّاسي :هموم 2 من 2007 د. محمد الهاشمي الحامدي:الشمس تشرق على جميع التونسيين.. لكن! باسط بن حسن: سياسة الهيمنة من خلال مشهد عرس وحجاب طفلة د. سلوى الشرفي: مصادر الفكر التكفيري: كيف يقرأ الفقهاء القرآن مرسل الكسيبي: مغاربيا : التطرف على الضفتين والتجديد والاعتدال هو المخرج صابــر:الإستبداد في لباس ديمقراطي .. سلوك علماني متطرف الموقف:الخبير التونسي في الشؤون التركيةمحمد العادل:وصول عبد الله غول للرئاسة تحوّل جذري… والإنقلاب العسكري مستبعد محمد مسيليني: من أجل إصلاح جاد وعميق في أساليب واليات التصرف في الموارد البشرية كمال الساكري: التكوين المهني: تطوير للتعليم أم ترقيع له؟ عاشق الخضراء: فقط الوطن سيبقي شامخا المنجي الفطناسي: حاميها حراميها نصر الدين بن حديد:هلّلوا… زمّروا…. طبّلوا:تحيّة إكبار إلى حكومة الكويت المناضلة… جريدة « الشعب »:من رموز العلم والإصلاح التربوي:الأستاذ الحجّة المجتهد العلاّمة: محمد الطّاهر بن عاشور في ذكراه الرابعة والثلاثين جريدة « الشعب »:أحمد بن صالح في سيمنار الذاكرة الوطنية (2)
(Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (
(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows (
أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف /الفاكس:71354984 تونس في 08/09/2007 بـــــلاغ 1
بطلب من أغلبية أعضاء الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين وجه رئيس الجمعية استدعاءات لكافة أعضاء الجمعية برسائل مضمونة الوصول مثلما يوجبه القانون لحضور أشغال الجلسة العامة للجمعية التي ستنعقد يوم 2 أكتوبر 2007 المقبل و نظرا لأهمية المواضيع التي سيقع طرحها فقد طلبت كتابة الجمعية من جميع الأعضاء عدم التخلف. رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري
أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف /الفاكس:71354984 تونس في 08/09/2007 بـــــلاغ 2
تكونت لجنة من بين أعضاء الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين لإعداد أشغال الجلسة العامة المقبلة للجمعية و تقديم مقترحات و مشاريع لوائح و قرارات. رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري
أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف /الفاكس:71354984 تونس في 08/09/2007 بـــــلاغ 3
وجهت لجنة عائلات المساجين السياسيين شكرا للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين في شخص رئيسها الذي قام بزيارة إلى المساجين السياسيين كما شكرته على تخصيص أوقاته طيلة الصائفة الماضية لقبول العائلات و المسرحين من بين المساجين و مواساتهم في محنتهم. رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري
أطلقوا سراح كل المساجين السياسيين 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف /الفاكس:71354984 تونس في 08/09/2007
بــيـــــان …و أخيرا سقط القناع
و اضطر الانقلابيون إلى كشف أغراضهم الدنيئة بعدما انكشفت وسائلهم الخبيثة فقد وجهوا رسالة إلى الرأي العام لتبرير ما أحدثوه من شغب داخل الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ضمنوها جملة من الافتراءات و القرارات اللاشرعية التي أصدروها بعدما نصبوا أنفسهم مجلسا انقلابيا بمثابة هيئة وقتية خولت لنفسها حق إصدار البيانات بعدما ساهموا بغيابهم في تأجيل عقد الجلستين العامتين اللتين وقعت دعوتهم لحضورهما برسائل مضمونة الوصول . وبعد افتضاح الكذب الصادر عنهم المتعلق بتخلي رئيس الجمعية و هو كذب تم استعماله كوسيلة للتمويه على بقية أعضاء الهيئة المديرة التي اعتبرها المنسق مكتبا تنفيذيا وما بني على باطل فهو باطل. صرح متزعمهم الذي وضع اسمه في المؤخرة في البيان الأخير أن التهمة التي يوجهها لرئيس الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين الذي اعتبره رئيسا سابقا وكأنّ هناك رئيسا سابقا ورئيسا لاحقا هي أنه يجري وراء فرض وصايته على الجمعية ( هكذا ! ) في حين يعلم القاصي و الداني أن رئيس الجمعية المذكورة لم يكن يجري وراء المناصب وقد سبق له أن أعلن عن رغبته في عدم الترشح من جديد لمنصب رئاسة الجمعية و تبين الآن أن ( متزعم الانقلابيين ) هو الذي يجري وراء فرض وصايته على الجمعية لتجميدها مثلما جمد نشاط جمعية هامة أخرى مركز تونس لاستقلال القضاء و المحاماة علما بأنه لم يساهم في نشاطها و كان دوره فيها منذ البداية هو تعطيل سيرها. و نحن نسأله كم من اجتماع للهيئة المديرة للجمعية حضره منذ تأسيس الجمعية ؟ و هل دفع اشتراكا واحدا في الجمعية أو ساهم في مصاريفها هو أو من حشرهم وراءه و أعانوه على تجميد نشاطها ؟ كل الناس يعلمون أن إعلان محاولة الانقلاب جاءت إثر الدعوة الصادرة عن رئيس الجمعية لكافة أعضائها لحضور جلسة عامة في آخر السنة القضائية الحالية و هو الموعد الذي يدعى فيه أعضاء الجمعية عادة لحضور الجلسات العامة التي لا تنعقد في أغلب الأحيان في الإبان نتيجة للمحاصرة الأمنية اللصيقة لبعض أعضائها و عدم تمكينهم من حضورها و يكفي الرجوع لبيانات الجمعية للتحقق من ذلك علما بأن دفتر جلسات الهيئة المديرة وقراراتها تحتفظ به الكاتبة العامة لديها تلافيا لمصادرته من طرف البوليس السياسي الذي يدخل مقر الجمعية متى شاء دون أي رادع قانوني. و كل متتبع نزيه يرى أنه كان على الانقلابيين لو كانت هناك تجاوزات حقا من طرف رئيس الجمعية أو مخالفات أو خلافات بين أعضاء الجمعية أو بينهم و بين رئيس الجمعية كان عليهم أن يحضروا الجلسة العامة الاستثنائية و يبدوا احترازاتهم أو معارضتهم على عقدها أو عقد الجلسة الانتخابية والمطالبة إذا اقتضى الأمر ذلك بتأجيل انعقاد تلك الجلسة مهما كانت الأسباب لكنهم و في حالة من الارتباك الشديد انزلقوا وراء أقاويل من الكذب و الخداع و غرضهم الوحيد من ذلك هو تجميد أعمال الجمعية و كل الناس يعلمون من الذي أمرهم بذلك ومن هو المستفيد من ذلك ، وما الكذبة الكبرى بخصوص تخلي رئيس الجمعية عن مهامه داخل الجمعية إلا دليل على إرادة مبيتة للاستفراد بالجمعية وخطوة نحو إفراغ الجمعية من أعضائها الناشطين للتحضير لتسمية رئيس جديد يفرضونه على أعضاء الجمعية و على الرأي العام ولم يتفقوا في البداية على إسناد تلك الصفة للمنسق لإخفاء الصبغة الانقلابية لفعلتهم الشنعاء واضطروا لأن يسندوا له صفة ما لتمكينه من التحدث باسمهم فأسندوا له صفة منسق و هم يعلمون أنه ليست للجمعية نشاطات مختلفة تستوجب التنسيق بينها فهم يريدون إذن من المنسق أن ينسق بين الجمود و الجمود و الهدف هو تجميد أعمال الجمعية. و نزولا عند رغبتهم قبل رئيس الجمعية تأجيل الجلستين العامتين مؤملا في رأب الصدع و أعلم من طلب منه التوضيح من أعضاء الجمعية بتأجيل انعقاد الجلستين إلى بداية السنة القضائية وكما أعلم من توسط لديه من بين الشخصيات الوطنية ومنذ البداية بأنه يرفض القرار الصادر عن الهيئة الانقلابية بخصوص تسمية منسق وأنه سيتمادى في عمله كرئيس للجمعية إلى حين انعقاد الجلسة العامة وفعلا واصل رئيس الجمعية استقبال عائلات المساجين و تقبل تشكياتهم و قام بزيارة تلك العائلات قصد مواساتها كزيارة السجناء المسرحين الذين عبروا له عن رغبتهم في المطالبة بحقوقهم المهدورة تاركا المجال و الوقت الكافي للانقلابيين ليثوبوا إلى رشدهم وعدم الخوض في جدال عقيم لكن وأثناء الاحتفالات بخروج المناضل الحقوقي الأستاذ محمد عبو من السجن أكد القاضي المتزعم الظاهري للانقلاب أنه لا داعي لعقد جلسة عامة للجمعية إذ لا فائدة تنجر من ذلك مادام الأمر قد استتب بالنسبة له ومادامت الجمعية قد استوفت أغراضها بخروج المساجين السياسيين من السجن . و أمام حالة الجمود التي أصبحت عليها الجمعية طلبت أغلبية أعضائها من رئيس الجمعية المبادرة للدعوة باسمهم لعقد جلسة عامة على أن يتم ذلك في بداية شهر أكتوبر 2007 فلبى رئيس الجمعية طلبهم ووجه استدعاءات في الأجل القانوني لكامل أعضاء الجمعية برسائل مضمونة الوصول مع الإعلام بالبلوغ لحضور الجلسة العامة التي ستنعقد في الموعد المحدد. فما كان من الانقلابيين بعد أن علموا أن أغلبية الأعضاء لا يساندونهم في انقلابهم إلا أن أذعنوا لذلك الموعد لكنهم بدأوا في تنفيذ الخطوة الأخيرة من الانقلاب و ذلك عن طريق التهديد و الوعيد من جهة والمراوغة من جهة أخرى و حاولوا تبرير الانقلاب زورا و بهتانا وجاءوا بوقائع غير صحيحة و من نسيج الخيال و هو ما يتضح من البيان الصادر عنهم و الذي أرخوه بتاريخ 3 سبتمبر 2007 فذكروا أن آخر جلسة عامة انتخابية انعقدت يوم 2 أكتوبر 2005 وهذا غير صحيح بالمرة ذلك أن الجلسات العامة للجمعية تعقد عادة خلال شهر جوان من كل سنة أي في آخر السنة القضائية وقبل العطلة الصيفية وأنه و بالنسبة للماضي و بعدما تعذر عقد الجلسة العامة الانتخابية في أخر شهر جوان 2005 قررت الهيئة المديرة في اجتماعها المنعقد في نهاية شهر جوان 2005 تأجيل انعقادها إلى يوم 29 جويلية 2005 وقد استعد جل الأعضاء للحضور بتلك الجلسة ولكن البوليس السياسي منع انعقادها بمحاصرته لمقر الجمعية و وضع أكياسا من الرمل أمام الباب وهو ما برر إجراء الانتخابات عن طريق المراسلة و تبعا لذلك فإنّ الدعوة للجلسة العامة الانتخابية التي كان من المفروض انعقادها خلال شهر جوان 2007 هي دعوة قانونية . وذكر الانقلابيون كذلك أن الأستاذ محمد النوري وجه برقية تهنئة للسيد وزير الداخلية الحالي بعد تعيينه في منصبه وجوابا على ذلك ألاحظ أنني لا أذكر أن كانت تلك الواقعة قد حصلت بالفعل وأطالب الانقلابيين بنشرها كاملة في صورة حصولها وأنا أرجح عدم حصولها لأنه ليس من عادتي التملق على أنني ألاحظ أن إثارة مثل هذا الموضوع الذي يرجعون وقائعه إلى عدة سنوات خلت دليل على محاولة الاصطياد في الماء العكر فأنا أتصرف في علاقتي بالشخصيات الوطنية والإدارية من عدة مواقع أتصرف من موقعي كشخص عادي وأتصرف من موقعي كمحام حيث أتوجه إلى وزير العدل وإلى السادة رؤساء المحاكم والقضاة وإلى الإدارات العامة وذلك في إطار خدمتي لحرفائي , و حيث أن لي صلة من موقعي كرئيس للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين بوزارة الداخلية بخصوص الطلبات التي أتوجه بها فيما يتعلق بالإقامة الجبرية والتشكي من تصرفات أعوان الإدارة وبخصوص جوازات السفر ولي صلة بوزارة العدل وبقضاة تنفيذ العقوبات . وأضاف الانقلابيون أن الأستاذ محمد النوري أمضى بصفته رئيسا للجمعية بيانات في مسائل فكرية و عقائدية خلافية. وهذا غير صحيح بالمرة والواقعة التي لم تحصل والتي يشيرون إليها هي الاتية: أن القاضي مختار يحياوي كان عضوا في هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات التي شاركت أنا شخصيا فيها بصفتي رئيسا للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين بموافقة جميع أعضاء الجمعية وقبلت المشاركة في الإضراب عن الطعام على أساس أن من بين أهداف تلك الهيئة المطالبة بإطلاق سراح جميع المساجين السياسيين والمطالبة بسن العفو التشريعي العام وقضيت أكثر من ثلاثين يوما في إَضراب مستمر عن الطعام ترأست خلالها ندوة صحفية تحدثت أثناءها عن مآسي المساجين السياسيين وعائلاتهم بحضور مكثف لوكالات الأنباء وللصحافة الأجنبية. لكن القاضي يحياوي الذي تخلى عن دوره في تلك الهيئة وهذا شأن يخصه حاول إقناعي بوجوب الخروج من هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات وأشاعت الأستاذة سعيدة العكرمي الكاتبة العامة للجمعية خبرا زائفا يتمثل في كوني أمضيت باسم الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين وثيقة تتعلق بحقوق المرأة صادرة عن منتدى الحوار للهيئة المذكورة وحصل من جراء ذلك خصام لم ينته إلى الآن وكان ذلك الخصام مقدمة لما يحصل الآن في حين أنني لم أمض تلك الوثيقة لا بصفتي الشخصية ولا بصفتي رئيسا للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ولم تقع مطالبتي بإمضائها وسوف أنشر عند الاقتضاء المزيد من التوضيحات حول هذا الموضوع وأنا مع ذلك لا أقبل من أي كان محاولة ابتزازي أو الحد من حريتي أو توجيهي للوجهة التي يريدها. و أنا أكذب تكذيبا قاطعا صدور أي استدعاء لي للحضور في اجتماع يكون قد حصل بين أعضاء الهيئة المديرة أو بعضهم علما بأن اجتماعات الهيئة المديرة تتم بمكتب الجمعية و في أوقات يقع تعيينها و يتم الاتفاق على حضورها بالتنصيص على كل ذلك بمحضر الجلسة من طرف الكاتبة العامة التي تمسك و تحتفظ بدفتر المحاضر و أشير إلى أنه حسب علمي حصل اتفاق بحضور اجتماع بمقر الجمعية في يوم من أيام شهر أفريل 2007 على الساعة الرابعة بعد الزوال و ترقبت بمكتبي المحاذي لمقر الجمعية انعقاد ذلك الاجتماع ساعة كاملة خرجت إثرها لقضاء بعض المآرب و حضور جلسة عامة بمقر إحدى الشركات لكن بعض الأعضاء الذين التقوا و أظن ذلك حصل صدفة بمكتب الأستاذ سمير بن عمر بعثوا لي بأحد الأعضاء المنخرطين في الجمعية هو السيد لطفي العمدوني ليطلب مني الخروج من الجلسة العامة للشركة و الالتحاق ببعض أعضاء الجمعية بمكتب الأستاذ سمير بن عمر فعبرت له عن عدم امكانية حضور اجتماع يتم بصورة فجئية و دون سابق إعلام و دون تحديد الموضوع و خارج مقر الجمعية و يبدو أن الأستاذة سعيدة العكرمي جمعت بمكتب الأستاذ سمير بن عمر بعض أعضاء الجمعية طالبة منهم اتخاذ قرار بخصوص ما بلغ إلى علمها من أن الأستاذ محمد النوري أمضى باسم الجمعية بيانا أعدته هيئة 18 أكتوبر للحقوق و الحريات بخصوص المرأة و ذلك غير صحيح بالمرة . ولم يكتف الانقلابيون بذلك إذ تحدثوا عن شخص اعتبروه أحد المقربين للأستاذ محمد النوري ووجهوا له تهمة في جريمة مستحيلة تتمثل في بيع أشرطة راجعة للجمعية في حين أنهم يعلمون حق العلم أن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين لا تتعاطى التجارة و لا تملك أشرطة و ليست لها مكاسب أو أموال وأنا أعتبر أن مثل هذا الحديث هو من باب الهراء. وبخصوص الخبر الذي نشره السيد المختار اليحياوي دون الحصول على موافقة رئيس الجمعية وهو ما أداه إلى نشره وإمضائه بإسمه والمتعلق بقضية العصماني والذي كان أساسا لفتح تحقيق ضده وضد الأستاذ محمد النوري (باعتباره رئيسا للجمعية) فإني لم أقدم بعد أي تصريح بخصوصه لقلم التحقيق وإنما أشرت فقط في هذا الخصوص في بياني الأخير إلى صدور قرار عن الهيئة المديرة للجمعية في اجتماعها المنعقد يوم 18 ماي 2003 يقضي بعدم الترخيص لأي عضو من أعضاء الجمعية بإصدار بيانات باسمها و لا يجوز ذلك إلا لرئيس الجمعية و بصورة استثنائية و في حالة التأكد و في صورة غياب الرئيس للكاتبة العامة و أنا لم أزل على موقفي القانوني و التضامني في هذا الموضوع مع السيد مختار اليحياوي لأني أعتبر أن أركان جنحة نشر أخبار زائفة لم تتوفر و أعتبر أن قرار تحجير السفر عليّ و على السيد مختار اليحياوي هو قرار تعسفي و أني أطلب منه و من بقية أعضاء الجمعية عدم الخوض من جديد خارج هياكل الجمعية في هذا الموضوع. و أخيرا أشير و هذا من المضحك المبكي أن الانقلابين يتحدثون باطلا و عن غير حق عن مكاسب للجمعية و هم يعلمون حق العلم أن الجمعية لا تملك شيئا و أن إيواء مقرها بمكتب الأستاذ محمد النوري هو من باب التطوع و أنه ليس للجمعية موظفون و أن كتابة التقارير و البيانات تتم تطوعا بمكتب الأستاذ محمد النوري من طرف كتاب و معاوني الأستاذ محمد النوري و هو ما يجعل الحديث عن مكاسب أو أعوان الجمعية من قبيل الهراء . و أنا ألاحظ في خاتمة هذا البيان أن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين واصلت بواسطة رئيسها الأستاذ محمد النوري نشاطها العادي طيلة الصائفة الحالية حيث كان مقر الجمعية يعج بالوافدين عليها من عائلات المتظلمين من الإيقافات الأخيرة و من التجاوزات التي تحصل في السجون التونسية بينما اقتصرت الهيئة الانقلابية على نشر بيانات غير دقيقة و أول ما قامت به هو تعمد منسقها عدم تطبيق القرار الصادر عن الجمعية بخصوص التذكير في رأس كل بيان يصدر عنها بسجن عضوها المؤسس الأستاذ محمد عبو و المطالبة بإطلاق سراحه . و ألاحظ أخيرا أن القرار الفاقد لكل شرعية و الصادر عن الانقلابيين بتجميد عضوية كل من السيدين عمر القرايدي و زهير مخلوف في الجمعية قبل سماعهما من طرف رئيس الجمعية الشرعي و التحقق من صحة التهمة التي نسبت إليهما جزافا لا يقصدون من ورائه إلا تقسيم أعضاء الجمعية بين موالين لهم و موالين للجمعية و الغرض من ذلك هو التأثير على نتيجة الانتخابات المقبلة و على صفاء جو انعقاد الجلسة العامة التي ستنعقد بمقر الجمعية في 2 أكتوبر 2007 و بحضور أغلب أعضائها بعدما وقعت دعوة جميع الأعضاء طبق القانون للحضور بمقتضى رسائل مضمونة الوصول. و أضيف في النهاية أن العضوين المذكورين من أنشط نشطاء الجمعية قلّ وجود أمثالهما في جمعيات حقوقية أخرى و أنه سبق للقاضي مختار اليحياوي أن نشر خبرا زائفا بخصوص أحدهما هو السيد زهير مخلوف متهما إياه بالتفصي من العقاب و ذلك بالهروب من الشرطة التي أرادت أن تلقي عليه القبض و كأنه كان متلبسا بجريمة لا وجود لها في الحقيقة و أن الشرطة أرادت حسب الخبر المذكور أن تحجز عنه آلة الجريمة التي هي عبارة حسب ذكره عن كاميرا للتصوير و نظرا لرد الفعل الصادر عن العضو المذكور وقع تلفيق تهمة له بكونه دعا أعضاء الجمعية للإمضاء على عرائض تنديد بالانقلاب في حين أن ذلك العمل في صورة حصوله هو عمل مشروع و مع ذلك فإنه لم يحصل إذ أن لا فائدة من إيغار صدور البعض من الأعضاء ضد البعض الآخر كل ما هنالك أن الانقلابيين اغتاظوا من إقدام بعض أعضاء الجمعية تطوعا منهم على تقديم مطالب لعقد جلسة عامة. يريدون أن يعطوا الشرفاء المناضلين من أعضاء الجمعية دروسا في الأخلاق كان الأجدى بهم أن يلقنوها لأنفسهم و إني أعتبر قرار تجميد العضوية قرارا باطلا فيه تجاوز للسلطة. و من السخرية و الضحك على ذقون القراء أن يلجأ الانقلابيون للحديث عن محاولة الرئيس الحالي تسمية رئيس جديد للجمعية و هم يعلمون حق العلم و لا أظنهم يجهلون قانون الجمعيات أو القانون الأساسي للجمعية من كون أعضاء الهيئة المديرة و من بينهم الرئيس يقع تعيينهم بواسطة الانتخابات و لا تقع تسميتهم من طرف الأعضاء و أنا أرى من باب السخرية الحديث عن مثل هذا الموضوع و بمثل هاته الطريقة. أكتفي بهذا لوضع حد لأي جدال و أرجو أن لا أضطر للعودة مرة أخرى للجواب على ترهات و تفاهات و أدعو جميع أعضاء الجمعية إلى لمّ الشمل مذكرا إياهم بأن ما يجمعنا هو عمل تطوعي نقوم به لوجه الله و لا نرجو من ورائه جزاء و لا شكورا من أحد غيره و الله الهادي إلى سواء السبيل. رئيس الجمعية الأستاذ محمد النوري
(المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » (اليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 8 سبتمبر 2007)
أرسلت نسخة إلى تونس نيوز لم نتمكن من فتحها
اتحاد العمال المهاجرين التونسيين بباريس نعي
ينعى اتحاد العمال الهاجرين التونسيين بباريس المناضل التونسي محمد الحبيب بوحوش، الذي وافاه الأجل بباريس يوم الجمعة 7 سبتمبر 2007، ونرجو من الله أن يسكنه فسيح جنانه، ويرزق أهله وذويه مزيدا من الصبر والسلوان. كما نعلم أصدقاء الفقيد أن موكب الدفن سيتم يوم الثلاثاء على الساعة الثالثة بعد الظهر، Montrouge – porte d’orl?ans بمقبرة بمدينة باريس عن المكتب الرئيس فتحي التليلي
تونس تنفي تعذيب اثنين من معتقليها سابقا في جوانتانامو
تونس (رويترز) – نفت السلطات التونسية يوم السبت اتهامات وجهت لها من منظمة دولية تعنى بحقوق الانسان بتعذيب اثنين مشتبه بهما بالارهاب تسلمتهما من واشنطن بعد الافراج عنهما من معتقل جوانتانامو بكوبا. واتهمت منظمة مراقبة حقوق الانسان « هيومان رايتس وتش » التي تتخذ من واشنطن مقرا لها في تقرير نشرته يوم الاربعاء الماضي السلطات التونسية باساءة معاملة معتقلين سابقين في جوانتانامو بعد عودتهما الى تونس. واعتقلت تونس عبد الله الحاجي ولطفي الاغا في 18 يونيو حزيران الماضي بعد ان تسلمتهما من واشنطن بسبب ما وصفته بأنه « تتبعات جزائية ضدهما ». وقال مسؤول تونسي رفيع رفض نشر اسمه ان « الاغا والحاجي لم يتعرضا الى اي نوع من سوء المعاملة منذ عودتهما من جوانتانامو وان الشرطة القضائية اعتقلتهما فور وصولهما الى الاراضي التونسية وسلمتهما الى القضاء. وقد تمتعا بكامل حقوقهما وفقا للقانون ». ونفى ان يكون الحاجي والاغا محتجزين في الحبس الانفرادي وقال ايضا ان « السلطات سمحت لمحاميهما وعائلتيهما وممثلي الصليب الاحمر بزيارهما في السجن ». وكان سمير بن عمر محامي المعتقلين قال لرويترز الاسبوع الماضي ان السجينين ليسا في زنزانات انفرادية ولا يتعرضان للتعذيب لكنه ناشد السلطات تغيير زنزاناتهم مراعاة لظروفهما حيث قال ان كلا منهما يقيم في غرف ضيقة مع ثلاثة نزلاء اخرين يتعمدون استفزازهم بشمتهم وسب الجلالة. وأكد المسؤول الحكومي ان تونس « بلد يسود فيه القانون والقانون يحمي نزلاء السجون ولايسمح باي شكل من العنف او المعاملة اللانسانية في السجون التونسية ». وكان لطفي الاغا قد ابلغ محاميه ان الامريكان بتروا اصابعه اثناء اعتقاله بمعتقل جوانتامو في كوبا. واعتقل الحاجي في 2003 في باكستان حيث كان يعمل كتاجر للاقمشة على يد القوات الباكستانية التي سلمته الى واشنطن حليفتها في مكافحة الارهاب. كما اعتقل الاغا في نفس العام على الحدود بين افغانستان وباكستان. ويقول مدافعون عن حقوق الانسان انه لا يزال على قائمة التونسيين المعتقلين بسجن جوانتانامو في خليج كوبا عشرة مواطنين اخرين. (المصدر: وكالة رويترز للأنباء بتاريخ 8 سبتمبر 2007)
حفاظا على موقعها في المشهد الثقافي:
باريس تعزّز حضور اللغة الفرنسية في تونس.. في مواجهة تمدّد اللغة الأنقليزية.. وتخوّفات من بعض النخب على الهوية 5،1 ملايين أورو لاصــــلاح برامـج اللغة الفرنسيــــــة في تونــــــس
تونس ـ الصباح – كثفت فرنسا في الآونة الأخيرة من حضورها في المشهد التربوي والتعليمي في تونس، على خلفية التوسع الذي عرفته اللغة الانقليزية خلال السنوات الأخيرة، وحفاظا على موقعها في المشهد الثقافي بالبلاد، سيما وهي تحتل موقعا متقدما بين الاستثمارات الأجنبية بتونس، عبر تصدرها المرتبة الأولى.. فقد شهدت الفترة القليلة الماضية تطورات لافتة على مستوى تعزيز الوجود الثقافي والتعليمي الفرنسي بتونس، ضمن سياق أوسع يرتبط بالحرص الفرنسي على الإبقاء على لغة فولتير، في مقدمة اللغات المستعملة في تونس، خصوصا في ضوء دخول اللغة الانقليزية « على الخط » في سكة التنافس الثقافي بين البلدين.. اتفاقية ثنائية العنوان الأول لهذا الحرص الفرنسي المتحفز، جاء عبر توقيع فرنسا وتونس في غضون الأسابيع القليلة الماضية، على اتفاقية تعاون في مجال التعليم العالي بتمويلات تقدر بنحو 5.1 مليون أورو.. وتخص هذه الاتفاقية، برنامجا لإصلاح وتعصير تعليم اللغة الفرنسية في مستوى التعليم العالي.. وسيسمح هذا البرنامج بتعصير التعليم في أقسام اللغة الفرنسية بالجامعات التونسية، ودعم تنويع الشعب وملاءمتها مع سوق الشغل، بالإضافة إلى تشجيع الشعب التطبيقية وشعب الامتياز، وضمان تكوين مستمر للمدرسين، فضلا عن إيجاد شعب جديدة تهم تعلم اللغة الفرنسية لأغراض مهنية والترجمة والمقاربات الاتصالية وغيرها.. كما يرمي البرنامج من ناحية أخرى، إلى تعصير مناهج اللغة الفرنسية لغير المختصين في لغة فولتير.. جامعات جديدة لكن تعزيز الحضور الثقافي الفرنسي، لم يقتصر على بوابة تعصير المناهج التعليمية التونسية المتعلقة باللغة الفرنسية، بل اتجه اهتمام الدوائر الفرنسية إلى إنشاء جامعات متخصصة في تدريس اللغة الفرنسية، بمناهج فرنسية ويشرف عليها مدرسون فرنسيون وتقدم شهادات فرنسية، تماما مثلما يتم في الجامعات الفرنسية.. وعلمت « الصباح » في هذا السياق، أنه يجري الإعداد حاليا، لمشروع إنشاء فرع لجامعة « دوفين » الفرنسية في تونس بتمويلات خاصة، تشارك فيه عدة أطراف مالية تونسية.. ويأتي هذا المشروع، كتتويج للمحادثات التي جرت بين الحكومتين خلال الأسابيع المنقضية، وأثمرت اتفاقا يقضي بإنشاء هذا الفرع في العاصمة أو بأحد الضواحي القريبة منها.. وسيتولى هذا الفرع للجامعة الفرنسية ـ بموجب الاتفاق الثنائي ـ تسليم الشهادات التي تقرر أن تكون لها ذات القيمة العلمية للشهادات المسلمة من جامعة « دوفين » الأم الواقعة بقلب العاصمة الفرنسية، باريس.. ويُعدّ مشروع إقامة فرع لجامعة « دوفين » الفرنسية في تونس، الذي بات جاهزا من النواحي المالية والإدارية والتربوية، الأول من نوعه في منطقة المغرب العربي، بما سيجعله حاضنة للطلبة التونسيين والمغاربيين الذين اتجهوا منذ عقود، وبخاصة منذ أربعينيات القرن المنقضي، للدراسة بباريس، قبل أن تتحول فرنسا إلى قبلة للطلبة التونسيين بعد استقلال البلاد، حيث يؤم الجامعات الفرنسية في الوقت الراهن ما يزيد عن عشرة آلاف طالب تونسي، مرسمين بالدوائر الجامعية الفرنسية في اختصاصات مختلفة، سيما منها الآداب الفرنسية والحقوق والعلوم السياسية وغيرها.. ويعدّ هذا الرقم في تطور متزايد من عام إلى آخر، فقد كان عددهم خلال العام 2000 في حدود 6 آلاف طالب، يتوزعون بين 60% من الذكور و40% من الإناث.. ويوجد من بينهم نحو 34% في اختصاص العلوم و21% في الآداب والعلوم الإنسانية و21% في العلوم الاقتصادية والاجتماعية و16% في العلوم الطبية و6% في مجال الدراسات الحقوقية والقانونية.. فيما يوجد حوالي 50% من مجموع الطلبة التونسيين المرسمين بالجامعات الفرنسية، ممن يزاولون تعليمهم بالمرحلة الثالثة.. في نفس السياق أيضا، تتردد معلومات عن وجود مساع عملية لفتح مؤسسات تربوية خاصة (في مستوى التعليم الثانوي)، تدرس بالمناهج الفرنسية ووفقا للنمط الفرنسي، وتمنح تلاميذها شهادات معترف بها في الجامعات الفرنسية والتونسية على حد السواء، وفق بعض المصادر المطلعة.. استبعاد الهجرة لكن تعزيز هذا الحضور الفرنسي في المشهد الثقافي والتربوي التونسي، لا يهدف إلى استئناف وهج اللغة الفرنسية في البلاد فحسب، وإنما كذلك معالجة موضوع تدفق المهاجرين التونسيين بعنوان الدراسة بباريس، وهو الموضوع الذي بات يؤرق الفرنسيين.. لذلك يسعى الفرنسيون إلى تطويق مصادر الهجرة، وفي مقدمتها الطلبة الذين أضحت الإجراءات المتعلقة بمنحهم تأشيرة دخول التراب الفرنسي تخضع إلى قيود دقيقة، بذريعة أنهم سيكونون جزءا من طالبي الشغل إثر تخرجهم، وهو ما يفسر التخوف الفرنسي الكبير من هذا النوع من الهجرة على أهميتها الثقافية والاقتصادية والسياسية لفرنسا.. وعلى الرغم من استفادة فرنسا الكبيرة من المهاجرين التونسيين والمغاربيين من ذوي الكفاءات الجامعية، باعتبارها « أدمغة » تحتاجها فرنسا في صراعها مع الأوروبيين على استقطاب العقول المغاربية والعربية، إلا أن ذلك لم يحل دون انزعاج السلطات الفرنسية من هذا النوع من الهجرة، على اعتبار أنه يشكل عامل ضغط متفاقم على سوق العمل هناك وعلى الموازنة العامة للحكومة، بالإضافة إلى الخشية من « انفجار قنبلة » العمل بشكل متزايد في البلاد، بما يمكن أن تكون له تداعيات أمنية وسياسية، تحرص الحكومة الفرنسية على عهد الرئيس الجديد، نيكولا ساركوزي، على تجنبها.. والملاحظ في هذا السياق، أن فرنسا التي تعدّ خبيرة في استقطاب الأدمغة العربية، قياسا ببقية الدول الأوروبية، مهدت في واقع الأمر لكيفية انتقاء الصفوة من العقول التونسية، من خلال دعمها المادي والبيداغوجي والفني لبعض المؤسسات الجامعية المقامة في تونس وحتى في بعض الدول المغاربية الأخرى.. مصير اللغة العربية غير أن « معركة الذكاء »، كما أطلق عليها الرئيس الفرنسي عند مجيئه إلى تونس نهاية شهر جوان المنقضي، في إشارة إلى وجود توافق تونسي فرنسي بشأن قضايا التعليم واللغة والثقافة والبحث العلمي بشكل عام، تحتمل في الواقع وجها آخر شديد الأهمية يتصل بمستقبل اللغة العربية والثقافة العربية التي تشهد على امتداد أكثر من عقد من الزمن، تراجعا لافتا للنظر وسط التلاميذ والطلبة التونسيين، وذلك برغم الجهود الجبارة التي بذلت في تونس في مجال التعريب الذي طال الكثير من المواد خلال العقود الثلاثة الماضية، في خطوة دلت على بعد نظر تونسي.. لكن هذه الخطوة لم تؤت أكلها بالشكل اللازم، سيما في ضوء انضمام اللغة الانقليزية إلى حلبة التنافس على المشهد الثقافي في تونس.. ويبدو الهيكل الطلابي التونسي أمام حالة تشويش متزايدة بين الثقافة المحلية المطالب باكتسابها، واللغتين الفرنسية والانقليزية اللتين أصبحتا لغة العصر وجزءا أساسيا من الثقافة الحديثة بأبعادها الجيو بوليتيكية.. فأي وجهة للتعليم الفرنسي بتونس؟ وما هي تداعيات ذلك على اللغة العربية؟ ولعل السؤال الأكثر إثارة للنقاش هو ما إذا كان الأمر يتعلق بـ « تعايش ثقافي » أم بـ »اختراق فرنسي » وأجنبي.. الأمر يحتاج إلى نقاش جدي بعيدا عن أي شوفينية ثقافية أو لغوية أو تربوية… صالح عطية (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية ? تونس) الصادرة يوم 9 سبتمبر 2007)
شباب يعودون أدراجهم لتعلّم الصنعة: إقبال على المدارس الإعدادية التقنية.. ومراكز التكوين المهني
تونس-الصباح كشف الإقبال المنقطع النظير على التسجيل في المدارس الإعدادية التقنية التي ستفتح أبوابها هذا العام لاحتضان تلاميذ لهم مؤهلات علمية ومهارات تطبيقية لإعدادهم للالتحاق بمسالك التكوين المهني عن رغبة الكثير من العائلات التونسية في عودة أبنائهم إلى « الصنعة ».. جرابهم شيء من الخبرة والحرفية. ولا شك أن المدارس الإعدادية التقنية البالغ عددها 32 مدرسة (بكلفة جملية قدرها 5 مليون دينار) ستوفر وفق ما هو مقرر تكوينا ذا صبغة تقنية وتطبيقية يساهم في إكساب التلاميذ مؤهلات عامة في مجالات صناعية كبرى مثل البناء والأشغال والخدمات والسياحة والفنون والصناعات التقليدية مع دعم قابلية التلاميذ لمتابعة تكوين مهني في مستوى شهادة الكفاءة المهنية والمستويات الموالية وهي توفر تكوينا عاما في اللغات والعلوم الاجتماعية يساعد على تنمية شخصية التلميذ.. وينتظر أن تستقطب هذه المدارس نحو 4974 تلميذا.. وبالإضافة إلى هذه المدارس فإن الكثير من الأسر شجعت أبناءها الناجحين في البكالوريا على الالتحاق بمسالك التكوين المهني نظرا لأنها توفر اختصاصات مطلوبة في سوق الشغل.. ويتزامن الإعداد للعودة المدرسية مع تنظيم أيام إعلامية جهوية بمختلف ولايات الجمهورية لاستقطاب قرابة 12 ألف منقطع عن التعليم لأسباب غير تأديبية تتراوح أعمارهم بين 15 و20 سنة في مسالك التكوين المهني.. وعلمنا أن هذه الأيام الجهوية للتكوين المهني التي انطلقت يوم 7 سبتمبر الجاري ستتواصل إلى غاية يوم 15 من نفس الشهر.. وهي تهدف إلى تعريف هؤلاء الشبان بجهاز التكوين المهني والتسجيل المباشر لطالبي التكوين منهم.. والملاحظ أنه في ظل انتشار البطالة في صفوف الشباب وخاصة أصحاب الشهادات العليا أصبح هناك توق لتعلم حرفة واختيار اختصاص يؤدي مباشرة إلى سوق الشغل.. ويمكن تفسير ذلك بما شهدته طاقة التكوين المهني من تطور حيث بلغ عدد عروض التكوين خلال السنة التكوينية الحالية (2007ـ 2008): 57 ألف عرض منها 52 ألف عرض بالقطاع العمومي و5 آلاف عرض بالقطاع الخاص. وذلك مقابل 52 ألف عرض خلال السنة التكوينية الماضية. وتتمثل الاختصاصات الجديدة في تقني سامي في التغليف والتعبئة وتقني سامي في الصيانة ومصلحة بعد بيع السيارات وتقني سامي في تكييف الهواء وتقني سامي في مراقبة الجودة في الصناعات الغذائية مستشار حريف بمراكز النداء (تقني سامي) ومساعد ممرض (مؤهل تقني مهني) وعون في الإحاطة الحياتية (شهادة الكفاءة المهنية). أشغال ثقيلة دعما للبنية الأساسية ينتظر أن تشهد مراكز التكوين التابعة لوكالة التونسية للتكوين المهني خلال السنة القادمة استكمال أشغال إعادة هيكلة خمسة مراكز وانطلاق أشغال إعادة هيكلة أربعة مراكز وإعداد الدراسات الخاصة بستة مراكز تكوينية.. وبالنسبة للمبيتات سيتم استكمال بناء ثلاثة مبيتات وإعداد الدراسات الخاصة بنحو 11 مبيتا. ونظرا لأن هناك قطاعات ذات أولوية فقد تقرر تطوير عدد العروض بها على غرار قطاعات البناء والأشغال العمومية (6600 عرض) واللحام والتركيب المعدني (2060 عرضا).. وفي المقابل تم التخفيض في عروض التكوين في بعض القطاعات وفسح المجال فيها للقطاع الخاص على غرار الوظائف الإدارية (752 عرضا). ويذكر أنه تمت مراجعة 18 اختصاصا وتطويرها إلى 54 مهنة جديدة في البناء (14) والخشب والأثاث (9) ومثلها في الأشغال العمومية.. وفي اللحام والتركيب المعدني (8) ومثلها في سياقة معدات الحظائر والكهرباء (6). وتقرر تنفيذ برنامج تكوين خصوصي في إطار تعاقدي مع المؤسسات الاقتصادية خاصة في مجلات البناء والأشغال العمومية واللحام.. ويبلغ عدد المستفيدين المتوقع خلال سنة 2007 ألف مستفيد بكلفة تقدر بنحو 250 ألف دينار في الشهر وسيتم سنة 2008 إضافة 2000 متكون.. ولا شك أن إقبال الشباب على التكوين المهني المفضي إلى سوق الشغل سيساهم في الحد من معضلة البطالة.. وبالإضافة إلى ذلك فقد تبين أن التكوين المهني سيساعد مستقبلا الشبان الراغبين في الهجرة إلى الشمال على الحصول على التأشيرات بسهولة نظرا لحاجة هذه البلدان إلى اليد العاملة المختصة والمؤهلة. سعيدة بوهلال (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية تونس) الصادرة يوم 9 سبتمبر 2007)
مانويل سيلفا يشهر إسلامه
أشهر جيلسون مانويل سيلفا لاعب قلب هجوم النجم الساحلي التونسي لكرة القدم إسلامه وخطب فتاة تونسية من مدينة سوسة السياحية معقل الفريق. وذكرت الإذاعة التونسية أمس السبت أن سيلفا (20 عاما) الذي يحمل جنسية دولة جزر الرأس الأخضر فضل ?الاستقرار الرياضي والعاطفي? في تونس وصرف النظر عن العرض ?المغري? لفريق هرتا برلين الألماني دون أن يعلن عن تفاصيل هذا العرض. (المصدر: صحيفة « الخليج » (يومية الشارقة) الصادرة يوم 9 سبتمبر 2007)
قطاع الالبان في تونس
تونس واس – يراقب السوق المحلى للالبان فى تونس الازمة الحالية على مستوى تراجع الانتاج العالمى للالبان ومشتقاتها وإرتفاع أسعارها تحسبا للتأثيرات والانعكاسات المحتملة على السوق التونسية . واكدت مصادرالسوق المحلى ان تونس لن تلجأ الى إستيراد حليب الشرب والحليب المجفف والزبدة لتوفير الانتاج اللازم لتغطية السوق الداخلية رغم أزمة تراجع الانتاج العالمي وإرتفاع أسعار كل من الحليب المجفف بنسبة فاقت 100 بالمائة والزبدة التى زادت أسعارها بنسبة 60 بالمائة . وتوقعت ان يبلغ الحجم الاجمالى لانتاج تونس من الالبان حتى نهاية العام الحالى مليار لتر مقابل 972 مليون لتر السنة الماضية . وأوضحت أن تونس التي توقفت عن إستيراد الالبان منذ ثلاث سنوات وفرت 35 مليون لترا لتغطية حاجيات العودة المدرسية وإستهلاك شهر رمضان الكريم . (المصدر: وكالة الأنباء السعودية (واس) بتاريخ 9 سبتمبر 2007)
مقر جديد للتلفزيون التونسي
تونس واس- طرحت تونس مناقصة دولية لتهيئة وتجهيز استوديوهات البث والإنتاج في المقر الجديد الذي سينتقل إليه التلفاز التونسي قريبا وفق مواصفات متطورة. وينقسم مشروع التجهيز الذي سيتم تمويله بقرض ياباني بقيمة 075 ر4 مليون ين ياباني حوالي 30 مليون دولار إلى مرحلتين تتمثل الأولى في توفير تجهيزات رقمية لبث برامج القناتين الرسميتين قناة 7 و قناة 21 وتجهيز استوديوهات البث والإنتاج وفق مواصفات متطورة جدا. وفي مرحلة لاحقة سيتم إعداد ثلاثة استوديوهات أكبر حجماً تشتمل على تقنية احدث للإنتاج التلفزي والسينمائي. وفي ضوء ذلك ينتظر أن يقبل فنيو التلفاز التونسي على تدريبات وعمليات تأهيل شاملة لمواكبة التطورات التقنية التي سيتم إدخالها على مؤسستهم. ويمتد المقر الجديد للتلفاز التونسي على مساحة 50 ألف متر مربع فيما تصل المساحة الإجمالية للأرض التي أقيم عليها المشروع على 5 ر6 هكتارات. وسينفصل التلفزيون التونسي بذلك عملياً عن الإذاعة الرسمية التي ظل يتقاسم معها نفس المبنى ويخضع معها إلى وقت قريب لإدارة واحدة قبل أن يتقرر فصلهما منذ اشهر إلى مؤسستين مستقلتين بإدارتين مختلفتين. (المصدر: وكالة الأنباء السعودية (واس) بتاريخ 9 سبتمبر 2007)
امتنان الإطارات الدينية لعناية رئيس الدولة بالدين الإسلامي الحنيف
ثمنت الإطارات الدينية رعاية الرئيس زين العابدين بن علي الكريمة للدين الإسلامي الحنيف وعنايته الفائقة بالقائمين على شؤونه وفاء لهوية تونس الحضارية التي نزلها سيادة الرئيس المنزلة التي هي بها جديرة منذ التحول. وأعرب الإطارات الدينية المجتمعون في لقائهم السنوي بتونس في نطاق الاستعدادات الجارية لاستقبال شهر رمضان المعظم في برقية لرئيس الدولة عن اخلص آيات الإكبار للأهمية التي يوليها لترشيد الخطاب الديني المستنير وتطويره بما يجعله مسايرا لمقتضيات العصر ومواكبا لمشاغل المواطنين وتطلعاتهم منوهين بجهود سيادته الخيرة والمتواصلة من اجل ترسيخ صورة الإسلام الناصعة وإعلاء منارته وقيمه الزكية الموسومة بالاعتدال والوسطية والتسامح والتفتح بعيدا عن كل أشكال الانغلاق والتعصب والعنف والتطرف. كما عبروا عن الاعتزاز بمبادرات رئيس الدولة الجليلة المتتالية التي تجسم حرصه الدؤوب على تشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان بما يسهم في نشر ثقافة السلام والوئام والتضامن بين الأمم والشعوب مؤكدين وفاءهم الدائم لرئيس الدولة وتجاوبهم العميق مع خياراته الإصلاحية الصائبة التي مكنت تونس من تحقيق أوفر المكاسب والانجازات وأكسبتها دعائم النماء والاستقرار والرقي والازدهار وجلبت لها الاحترام والإعجاب في مختلف المحافل الإقليمية والدولية. (المصدر: موقع « أخبار تونس » (رسمي) بتاريخ 8 سبتمبر 2007)
كتبه عبدالحميد العدّاسي سأقول كلمات صريحة محِبّة للخير والمصلحة العامّة رغم ظاهرها (الكلمات) القاسي، راجيا أن تُفهم دون تحريف قد يمنعها من النشر أو تأويل قد يُنشئ لي بها فصول محاكمة من أجل التعدّي على الحقوق العامّة(1)، أو توليد يشهد به بعضُهم على « نهجي التكفيري »(2) غير المرحّب به طبعا في هذا العالم المتفتّح: فقد خسرنا الكثير على المستوى الخُلقي في تونس حتّى رأينا الأمَة تلد ربّتها، وحتّى رأينا الحفاة العراة رعاء الشاء وأزواجَهم يتطاولون في البنيان المادي وغيره من البنيان الهادم المانع للاحتماء، وحتّى رأيناهم ينسجمون في حركة « مساواة » خادمة للوضاعة مخطّطين لِصَوْغ مجتمع تونسي « معاصر » يكون الكلّ فيه سواسية: فلا كبير يُحترم ولا عالم يُوقّر ولا صاحب تجربة يُرجع إليه، ولا عفيفة تُنكح باطمئنان(3) ولا رجل يُؤتمن بارتياح ولا غيرة تُحرّك مُدافَعَة ولا مروءة تردع أو تمنع تردّيا… وما يُقرأ في الصحف المحلّية يمنع كلّ مناقشة مكذّبة لهذا الطرح… ففي تونس اليوم الكثير من الفساد، ووراء هذا الفساد الكثير من المفسدين العاملين بالأساس في الميدان الثقافي والتعليمي والإعلامي على وجه الخصوص. وما يزيد من فسادهم وإفسادهم هو هذا الخنوس الذي أصاب بعض النخبة الذين لا زالوا حتّى الآن ? الله يحفظ ? خارج دائرة التردّي الكلّي … فكلماتنا لم تعد صادقة مانعة وعلاقاتنا لم تعد مبدئية داعمة للخير ثابتة. ولقد عجبت لبعض النّاس (والإسلاميين منهم) يُغلظ القول في مناقشة فكرة قد تكون صائبة أو يوغل في الاحتكاك على مدارج لا يُحسن الارتقاء عليها، ثمّ لا يجد القدرة بعد ذلك على تسمية المفاسد الواضحة باسمها كي يساعد النّاس بمعرفتها على الإقلاع عنها. وكم يؤسفني بل ويؤلمني(4) أن يقول أحدُهم لمخطئ متعمّد أو فاسد مصرّ على الفساد: الـ(…..) الفاضل(ة)… ليجعل كلّ أخطائه البيّنة الصريحة « فضيلة » ترشَحُ زكيّة من فاضل أو فاضلة، ليس على متلقّيها إلاّ القبول والتسليم بها، أو في أقصى الحالات مناقشتها بالألفاظ المتخيّرة التي لا تسبّب للـ »فاضل(ة) » حرجا ولا له، هو، اتّهاما أو محاكمة أو طردا من عالم « الفضيلة »… ولقد أردت الوقوف هنا عند أمور ثلاثة وقع التأكيد عليها كثيرا من طرف عناصر الحماية الأماميّة والجانيّة والخلفيّة لثقافة التردّي وإشاعة اللاّمعروف في البلاد، وذلك من خلال ردودهم الدّفاعيّة: 1 للبيت ربّ يحميه: كانت هذه الكلمة ? وإن قيلت في الجاهليّة ? تترجمم عن مدى إيمان عبدالمطّلب بالله ويقينه في قدرته الكاملة للدّفاع عن البيت الحرام. وتجد اليوم الكثير من النّاس يردّدها (قولا أو فعلا) ويتمثّل بها أو يردّد قرينتها: « الدين لله والوطن للجميع »، ليس محاكاة لإيمان وقناعة عبدالمطّلب وإنّما لتعريّة المتديّن منّا وجعله على هامش الحياة: فليس من حقّه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنّ الدين لله وهو وحده سبحانه القادر على هداية النّاس كما قدر زمن عبدالمطّلب على حماية البيت من فيلة أبرهة، كما ليس من حقّه إقحام الدّين في السياسة أو الحياة العامّة لأنّ الوطن للجميع، و »الجميع » (وإن كانوا قلّة منحصرة في مجموعة المغيّرين)، لا يقبلون (دفاعا منهم عن قدسيّة الدين) إقحام المقدّس في الأمور الوضعية المتقلّبة. أي أنّهم لا يريدون تدخّلا من الله في « صغائرهم »، لأنّ هذه دنيا وهم أدرى بدنياهم (أستغفر الله وأتوب إليه). والمنطقي عندهم: أن يظلّ الله سبحانه وتعالى في عليائه دون أن يكون مِن خَلقه (ممّن سلّم وأسلم أمره كاملا لله) مَن يجالسهم أو يذكّرهم بحقّ الله عليهم… فللبيت ربّ يحميه يعني لديهم عدم ذكر البيت وعدم ذكر ربّه أيضا… ولذلك فلمّا يتخلّى الأدب عن البعض فيهم فيُنطقه بما لا يتناسب مع الله ومع رسله أو لا يتناسب مع أسلافنا الصالحين ومع هويّتنا التونسية العربية الإسلامية ثمّ يجد من الملتزمين بهويّة بلادنا من يقاومهم بالكلمة (ليّنة كانت أم خشنة)، لا يعيرون اهتماما لجانب ربّهم أو هويّتهم بل تراهم يكثّفون الأضواء على « الضرر » الذي لامسهم ويكثرون الصياح لاستنكار ما حلّ بهم في وطن الدّين فيه لله وليس لأحد غيره… 2 مثلك يا أبا بكر لا يُخرج: هذه كلمة جاهلية أخرى قالها ابن الدغنّة سيد قبيلة القارة لسيّدنا أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، وقد لقيه مهاجرا إلى الحبشة بعد أن اشتدّ عليه الأذى من قريش. وقد قوبلت لدى « الديمقراطيين العَلمنيين المتفتّحين على الإنسانية جمعاء » في تونس بدعوة الدول الأوروبية (العاملة بأخلاق ابن الدغنّة) إلى التضييق على المهجّرين التونسيين ? وخاصّة الإسلاميين منهم ? وذلك بتطبيق إجراءات صارمة (يستعرضونها في مقالاتهم الناطقة بالفرنسية) تنغّص عليهم حياتهم وتلجئهم إلى دكتاتوريتهم… أقول: بأنّ هذا المستوى متدنٍّ جدّا وينمّ عن كبر الخسارة التي لحقت بنا في نسيجنا المجتمعي التونسي. فما نحن (التونسيين) ? والله ? إلاّ أهل كرم ونجدة وغيرة. وما كان فينا متملّق ولا متزلّف ولا قوّاد (إلاّ بعض الاستثناءات). ولقد عجبت لهؤلاء يشاركون الديكتاتورية بسكوتهم لقتلنا وسجننا وإخراجنا من ديارنا ثمّ لا يجدون بعد ذلك الصبر على رؤيتنا نعيش عيشة « مرّة » في الغرب الذي لم يقبلوا منه تحلّيه بإنسانية يدّعون كذبا العمل على إشاعتها في الآفاق… لو كنّا أغنياء مثل العراق لوجب علينا التحوّط والخشية من خيانة هؤلاء الذين لن يتباطؤوا أبدا في الاحتماء بالخارج لمحاربتنا. ولكن وقد حمانا الله (إلى حدّ الآن) بفقرنا، من المستعمر، فقد سارع هؤلاء إليه في بلاده التي فتحها للضعفاء أمثالنا بقوانينه الخادمة للحرّيات يؤلّبونه علينا كي يسلّمنا لقمة سائغة للجلاّدين في تونس أو في غوانتنامو حيثما كانت… فلا بارك الله في هذا الرهط من التونسيين، وتعسا لهم ما أوضعهم… وأمّا البلاد التي نعيش فيها ونرجو لها ولأهلها الخير فيدرك أهلها مظالم حكّامنا وهم ? مع ذلك – يرقبون انضباطنا للقوانين التي لم نجد فيها ما يمنعنا من العيش إلاّ ما كان من بعض الصعوبات الناتجة عن اختلافاتنا من حيث الدين والثقافة، ولعلّ الظروف الإقتصادية إلى جانب المعرفة الميدانية لخسّة العملاء تمنع أهل هذه البلاد من صرف بعض الفلسات الإضافية لسماع فحيح هؤلاء. ويبقى قبل ذلك وبعده، الله خير حافظا وهو أرحم الرّاحمين… 3 الحديث عن المرأة: الواقع أنّ هؤلاء (المغيّرون) قد أخطأوا لمّا حرموا آباءنا وأمّهاتنا من استشعار مهامّهم الأبويّة والأموميّة، وقد أخطأوا لمّا حرموا أطفالنا دفء الأسرة وحنوّ الأمّ وعطف الأب لمّا أقنعوهم بالتمرّد على المجتمع الأبوي وكسر كلّ طوق وقطع كلّ حبل. ومع ذلك فهم لا يتورّعون أبدا في اتّهام الإسلامي بــــ »إساءته » إلى المرأة، ليتّخذوا من ذلك ذريعة يظنّون أنّها كافية لإسكاته.. ولقد تمنّيت على هؤلاء أن يقرؤوا بعض الشهادات التي قد تجعلهم يقتنعون ? على الأقلّ – بعدم أهليتهم للدّفاع عن المرأة(5)… وسوف أكتفي في هذا الباب بنقل فقرة من مقال للمرحوم الشاب زهير اليحياوي. يقول زهيرٌ رحمه الله في معرض حديثه عن « نساء الانتماء » بعد تجربة السجن التي فرضها عليه الظلمة المتخلّفون: » عائلات الانتماء هم أيضا انتماء وإن كانوا خارج السجن. هم بالآلاف وعقدة الذنب تحركهم بوعي أو بدونه. هم أيضا يدفعون الثمن باهظا ويسألون عن ساعة الخلاص ولا من مجيب. كم من أمّ تعاني في صمت وهي تتذكر الحديث النبوي « يولد الإنسان على الفطرة… » هل كان عليها أن تمنع ابنها من دخول المسجد وتشجعه على ارتياد المقاهي أو التسكع؟ كم من زوجة تتساءل عن سبب اختيارها لزوج ذي خلق بعد أن صدت في وجهها جميع الأبواب وما مدّ لها من أحد يد المساعدة. هل تطلق زوجها و تنسى؟ كم من أخت؟ كم من جدة؟ كم من عمّة؟ كم من خالة؟ كم من قريبة؟ كم من جارة وجدت نفسها في خطوط المواجهة والرسول أوصاها خيرا بجيرانها » لقد أثبتت المرأة بطريقة تدحض كل شك وتزيل كل غشاوة عن الأبصار بأنّ مَن لا يزال يعاند ويصر على معاداة حرية المرأة ومساواتها بالرجل إنّما هو جاهل وأحمق و ناكر معروف وطوبى لمن كانت إلى جانبه وقت الشدائد على الأقلّ امرأة واحدة متعلمة وواعية شكلت ولا تزال سنده الوحيد ومصدر فخره واعتزازه بنفسه. آن الأوان لسحب البساط من تحت قدمي النظام الذي شكلت إنجازات ونضالات بنات شعبنا ورقة رابحة يواجه بها ألدّ خصومه وأعدائه في الداخل والخارج. لقد انخرط في لعبة قذرة قوامها المنّ والعطاء المشروط والترهيب من كلّ مشروع مجتمعي آخر. النساء في تونس أثبتن أنهنّ في غنى عن وصيّ من هذا الجانب أو ذاك. وإن كان لابد من تعلم دروس من السجن و تجاربه المريرة فهي أن النساء « قوامات على الرجال » متى شئن. »(6) الكلام الذي قاله زهير رحمه الله بليغ جدّا دقيق جدّا، أرسل به أيحاءات إلى كلّ الأطراف، ولِمَن قد يقع في أسر الالتباس أذكّر بأنّ « نساء الانتماء » هم زوجات أو نسب « المنتمين » الذين عرفهم زهير رحمه الله في سجنه… ــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1): كتب لي بعضهم لائحة اتّهام جمّع فيها فصول تقضي بحق كلّ التونسيين في محاكمتي لأجل رأي قلتُه حول مقالة… وقد تمنّيت عليه وعلى أمثاله أن ينظر بجنبات بيته ليمنع بالكلمة الطيّبة ? دون اللجوء إلى المحاكم – الفواحش التي تملأ الأرجاء، والمظالم التي ستوقع السُّقُفَ على الرّؤوس لا محالة، كما حصل مثلا مع هذا الشيخ الطاعن في السنّ والذي عُنّف من طرف المسؤول الحزبي المعربد في البلاد بجهة حمّام سوسة، مثلما كتب عنه السيد عبدالحقّ تحت عنوان: يحدث في دولة القانون، المنشور على صفحات تونس نيوز بتاريخ 4 سبتمبر 2007… (2): أعجبني في هذا الباب مقال أخي الذي أحبّه ولا أعرفه « أبو أنيس »، وهو بعنوان: لماذا يخاف العلمانيون كلمة الكفر. (3): « بكارة اصطناعية.. ملاذ لتونسيات قبل الزواج »: تحت هذا العنوان بيّن المقال تهافت التونسيات ذوات العلاقات الجنسيّة المحرّمة (والحداثيون يتساءلون: من حرّمها ولماذا؟!) « … وتقول نادية وهي ممرضة تعمل بمصحة خاصة بضواحي العاصمة تونس: يوميا، نستقبل ما لايقل عن 51 حالة مماثلة في مصحتنا »، قلت: ولك ? أخي، أختي ? أن تتساءل عن عدد المصحّات المماثلة في البلاد كي تخلص إلى عدد المصلحات للبكارات، كما لك أن تشكّ بعد ذلك في كلّ مَن ومَا حولك، وحسبنا الله ونعم الوكيل…(والحداثيون يقولون: لماذا لا ترون من المرأة إلاّ هذا الجانب المادّي وتغفلون أو تتعامون عن أهمّ ما فيها: إنسانيتها؟!…) (4): أعلم أنّه ليس من السياسة أن أعبّر هذا التعبير، ولكنّي أعلم كذلك أنّ بداية تأليه البشر تبدأ بالمجاملة وتنتهي بالمطالبة (إذا غفلت يوما عن تلك المجاملة)… (5): المرأة لا تنتظر من الرّجل دفاعا عنها (فهي لديّ أجلّ منه شأنا)، ولكنّها تنتظر منه اعترافا لها بحقوقها وبأفضليتها في بعض المواقع، كما اعترفت له هي بأفضليته في بعض المواقع الأخرى (والحداثيون يقولون: بأنّني قد أشير بهذا إلى دورها في التنشئة والتربية، ويعيبون عليّ هذه الرجعيّة المقيتة!..) (6): « نساء الانتماء » كتبه التونسي متاع تونيزين بتاريخ 25 ? 11 ? 2003.
الشمس تشرق على جميع التونسيين.. لكن!
بقلم: د. محمد الهاشمي الحامدي قبل مائة عام، لم يكن أحد من التونسيين الأحياء حاليا قد ولد بعد. وبعد مائة عام، لن يبقى من التونسيين الأحياء اليوم أي شخص على الأرجح، وسيكون هناك تونسيون آخرون يعيشون في بلاد الربيع والخضرة وزيت الزيتون. باختصار شديد: كل واحد منا، نحن التونسيين، مجرد عابر سبيل. وإلى أن يأتي الوقت لنعبر للحياة الأخرى، لملاقاة رب العالمين، يسرني أن اؤكد لجميع إخوتي وأخواتي من التونسيين بأن الشمس تشرق علينا جميعا. ومن العبث، والسفه، والتخلف العقلي، أن يقضي بعضنا كل عمره في محاولة حجب نور الشمس عن مواطنيه الآخرين، لأنهم لا يفكرون مثله، ولا يحبون ما يحب ويكرهون ما يكره. إن الكراهية المستشرية بين النخب التونسية، و »النفخة »، والتعصب، والضيق بالمخالفين، والقسوة الهائلة تجاههم، كل هذا يجعلهم « مسخرة » و »أضحوكة » أمام شعوب العالم المتحضرة. وبينما يستعد الأوربيون لتسيير رحلات جديدة للمريخ، وصناعة طائرات جديدة تطير بأسرع من سرعة الصوت، ينشغل كثير من التونسيين بأمور أكثر أهمية، من نوع ما يلي: ـ من يتحكم في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهو سؤال تستغرق الإجابة عليه سنوات عديدة، وما زال من دون جواب. مع أن المنطق يقتضي، أنه إذا كان الجميع متحمسين للدفاع عن حقوق الإنسان، فلينشئوا عشرين جميعة تتنافس في خدمة هذا الهدف النبيل!! وأفضل من ذلك أن يكف كل تونسي، طوعا، عن انتهاك حقوق الإنسان! ـ ماذا نفعل بالإسلاميين، أو أنصار حزب العمال الشيوعي، وآخرين أمثالهم. هل يسمح لهم بتكوين أحزاب أم لا. مع أن هؤلاء جميعا يسمح لهم بالنشاط في أوروبا وإصدار البيانات وتنظيم التجمعات. وكان أولى وأجدر أن تستوعبهم بلادهم لا البلدان الأجنبية. ـ من يقود جمعية الدفاع عن المساجين السياسيين ومن ينطق باسمها، مع أن الأمر في أصله تطوع في خدمة أناس يحتاجون للسند والنصير، وكان بوسع المختلفين أن يشكل كل منهم هيئة لهذا الغرض، ما دامت هذه الهيئات كلها طوعية وليس لها رخصة قانونية تبرر الصراع حولها كما هو شأن الرابطة. ـ فلان لا يجد المجال للحصول عن جواز سفر، أو تطلب منه شهادة بطالة لقبول استلام مطلبه، والجهات المختصة لا تمنحه تلك الشهادة!! وتجري الأيام، والشهور، والسنون، والحلم جواز سفر. مع أن الناس في أوروبا يحصلون على جوازات سفرهم بالبريد، ولا توضع فيها خانة للمهنة، لأن حق التنقل مكفول للجميع، بشرائع الأرض والسماء. ـ واهم من يحصر الإنتقاد في دائرة السلطة. فكثير من المنتسبين للمعارضة يستحقون الدخول في كتاب غينيس للأرقام القياسية في كل الآفات التي تعاني منها تونس المعاصرة، آفات الكراهية المستشرية للآخرين، و »النفخة »، والتعصب، والضيق بالمخالفين، والقسوة الهائلة تجاههم. ـ العالم من حولنا يتقدم بسبب الحرية، وجرأة الناس على الجتهاد، وتقديم آرائهم المختلفة في شؤون السياسة والعلوم والاقتصاد والدين والمجتمع وأي شأن آخر من شؤون الحياة. ونحن واقفون بالمرصاد، يتربص بعضنا ببعض، نخترع الحيل والنظريات التي تبرر للإقصاء، والإستبداد، وتقديس ما لا يستحق التقديس من آراء وهيئات وأشخاص. ـ عندما نختلف، لا نختلف اختلافا موضوعيا كبقية الناس. ولكننا نلجأ لكل صنوف الاستهزاء والتحقير والتكبر، وإذا كانت لدينا سلطة استخدمناها لحجب المخالفين وحرمانهم من نور الشمس. ـ قبل يومين كتبت أرد على أخي برهان بسيس وهو يقول إن الإسلاميين في مجموعهم متطرفون، ودعوت لتمكينهم من حرية العمل السياسي، هم وجميع التيارات السياسية والفكرية الأخرى في بلادنا. فرد علي عدد من التونسيين بأسماء مستعارة، متجاهلين تماما الفكرة الأساسية التي هي محل خلاف بيني وبين الأخ برهان، ومتوقفين فقط عند قولي إنني إذا عدت يوما لتونس، وفكرت في الإنتماء لحزب من الأحزاب، فسيكون من الخيارات التي أفكر فيها الانتماء للتجمع الدستوري الديمقراطي. وبعد ذلك، توالت الشتائم ومدونات السب والكراهية. كأن الحزب الدستوري ليس هو حزب الحركة الوطنية، وحزب الإستقلال، حزب الثعالبي وبورقيبة وصالح بن يوسف وعلي البلهوان وأحمد بن صالح ومحمد مزالي وقطاع عريض من النخب الوطنية المؤثرة في القرن العشرين. ـ إخواني وأخواتي الأعزاء في تونس العزيزة: الشمس تشرق علينا جميعا. صدقوني، وتونس تستوعبنا جميعا، سواء كنا دستوريين أو شيوعيين أو إسلاميين أو قوميين أو علمانيين أو غير مسيسين أصلا. أرجوكم: لنجعل الحرية دواء ما في حياتنا العامة من كراهية وإقصاء وقطيعة. لنحسن الظن بعضنا ببعض. ولنجرب لخمس سنين فقط، فضيلة التواضع، والقوة الهائلة للكلمة الطيبة فيما بيننا. ـ يا أهلي وبني وطني: نحتاج إلى الحرية والحب والكلمة الطيبة.
سياسة الهيمنة من خلال مشهد عرس وحجاب طفلة
باسط بن حسن كانت مشاهد حفلة العرس في إحدى القرى السّاحليّة التّونسيّة مملّة إلى حدّ القرف. رجال هجرتهم المتعة منذ زمن بعيد يجلسون مصطفّين على كراسي من البلاستيك وعلى وجوههم وجوم مواكب العزاء. نساء اجتهدن بمكر المساحيق والثّياب لإخفاء ألم أجساد مترهّلة بفعل عذابات عبوديّة الواجب اليوميّ. بعض فتيات يتمايلن باحتشام كاذب على ايقاعات موسيقى مرعبة، وفتيان هرموا قبل الأوان يحلمون بثمار جنّات ما فتئت تنأى عنهم. الكلّ في انتظار عريس وعروس ما زالا يتخبّطان في الخارج بين براثن إجراءات الزفّة الطّويلة والمكلفة والمرهقة. إجراءات رتيبة تمتصّ الرّغبة في التّمتّع بالآخر ومع الآخر وتحوّل الاقتران بين إنسانين إلى منظومة إخصاء رهيبة، بعد أن تزجّ بالجميع في مصنع بيروقراطيّة العادات. ولكن ثمّة شيء وحيد كان يبدّد مللي وعزلتي. أصوات مرحة لأطفال يلعبون لعبة التّخفّي والظّهور أو « الغميضة » في فناء المنزل. كانوا مثل جوقة ملائكة مرحة يختفون فيسود صمت مثقل بلهفة التّرقّب، ثمّ يظهرون فجأة فتلعلع في الفضاء ضحكات فيها نزق اللّقاء ومتعة هتك كلّ الأسرار. هذه اللّعبة التي يعشقها كلّ الأطفال هي ذاتها التي تحرّك مغامرتنا مع اللّغة وعلاقتنا مع الآخر. إنّها المراوحة الدّائمة بين الإخفاء والإظهار وبين الحجب والتّعرية وبين المنح والمنع. هذه اللّعبة الإنسانيّة الكبرى هي التي صانت ما تبقّى من طفولة الإنسان ومنحت فضاءات للكتابة والإبداع الفنيّ والفكر النّقديّ والعلم والسّياسة القائمة على حرّية المشترك. ولكن لم يكن لهذه اللّعبة أن تبدع تجاربها التي ما زلنا نتغذّى من ثمارها لولم تصارع قوى الهيمنة على المتعة، أي قوى الهيمنة على السّلطة، ولو لم تذهب بعيدا في استكشاف معاني الحرّية والمساواة بإكراهاتها والتباساتها. كانت لعبة « الغميضة » المعنى الوحيد الذي وهبني إيّاه الأطفال لإشاحة البصر عن حفلة فظاظة هجرتها معاني الأسرار. حفلة عرس كلّ شيء فيها كان مضخّما وممنوحا بفجاجة. ولكن هذا المعنى لم يدم طويلا. هوّة من الفراغ سرعان ما انفتحت وابتلعت المرح. فجأة خرجت طفلة صغيرة من مخبئها لتلاحق بقيّة الأطفال في لعبهم. لقد أحدث ظهورها في كلّ الحضور على اختلاف حكاياتهم أو لا حكاياتهم صدمة يحدثها عادة اكتشاف اللاّمألوف. كانت الطّفلة مثل بقيّة الأطفال تماما ومختلفة عنهم تماما في الوقت نفسه. لقد ألبست الطّفلة الحجاب. كانت تجري وراء الأطفال وتقف بين الفينة والأخرى لتمسح عرقا غزيرا يتصبّب على وجهها من وراء حجاب رأسها الأسود، أو تعدّل فتحات سروالها الأسود الطّويل والفضفاض لتحافظ على إيقاعات خطواتها الصّغيرة وتتجنّب التّعثّر والسّقوط. كانت الطّفلة تجرجر حجابها في تلك اللّيلة الحارّة مثل المحكوم عليهم بالأشغال الشّاقّة المؤبّدة، وقد كانت السّلطات العقابيّة في بلدان عديدة تضع لهم كرة حديديّة ثقيلة تلازمهم في حركتهم إلى يوم مماتهم. ففي كلتا الحالتين يكون لهذه الأثقال التي تضاف إلى الجسد الحرّ مهمّة مرعبة وهي تذكير الكائن بالذّنب، بل جعل الذّنب أمرا ملازما لجسد الكائن يعيش به ويتآلف معه. إنّها الألفة التي تتحوّل تدريجيّا إلى استسلام واعتراف بالقدر المحتوم، بل تتحوّل في بعض الأحيان إلى إيمان بأنّ ما فرض على الكائن غصبا ومن خلال الهيمنة على إرادته كان نابعا من طبيعته الإنسانيّة المختلفة والدّونيّة. إنّها حرّية اختيار أن لا يكون الكائن حرّا. الذّنب الذي ستحمله الطّفلة كامل حياتها كقدر واختيار هو كونها مشروع جسد أنثى مختلف لا يمكن أن يتحرّك خارج سلطة ذكوريّة تتحكّم في المتعة من خلال سلطة الانتصاب. انتصاب الذّكر المهيمن على الفضاء العامّ والخاصّ. الانتصاب الذي يتغذّى مثل وحوش الأساطير من التهام متعة الغير واحتوائها إلى حدّ الفناء وإفناء المجتمع. كلّ علاقاتنا بالسّلطة في بلداننا التي بلا تاريخ للمتعة القائمة على الحرّية والمساواة هي محاولات دائمة للحجب العنيف للمختلف ومتعته. كانت الطّفلة التي لا تتجاوز خمس سنوات تسحب حجابها مثل كفن. كانت تسحبه إلى حيث تحاول سلطات الانفراد بمتعة الحياة إقناعها بضرورة الاختيار الحرّ لكره الحياة. منذ نعومة أظفارها، كما يحلو للغتنا القول، يفرض عليها أن تغادر حكاية جسدها ومغامراته وارتباكاته. إنّه الكفن الماديّ والرّمزيّ الذي يذكّرها دائما بضرورة قتل الجسد وكرهه واعتباره دمّلا يجب حجبه عن نفسها والآخرين لتقديمه هبة مطلقة للذّكر محتكر المتعة حسب طقوس معيّنة لا تملك لها ردّا في غالب الأحيان. إنّها طقوس تبادل الأنثى بين الذّكور تحت مسمّيات عدّة كالعفّة والشّرف والأمومة المقدّسة التي تتحوّل إلى قوانين وأعراف يضعها الذّكر المهيمن على السّلطة في المجتمع. إنّ الكفن في الحقيقة هو الذي يسحب الطّفلة ومن ثمّ المرأة نحو صياغة تبدو في الظّاهر حرّة وواعية، ولكنّها تخرجها طوعا من المنافسة على السّلطة في المجتمع. إنّ مجموعة الحجب التي أبدعتها مجتمعاتنا للهيمنة على المرأة تتجاوز خرقة القماش لتتجسّد أيضا في مظاهر أخرى مثل التّهميش من الحياة السّياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة والتّجهيل والعنف والختان وجرائم الشّرف. هذه الحجب أسلحة في الحرب الدّائرة منذ دهور بين الذّكر والأنثى من أجل السّيطرة على السّلطة وإدارتها. والذّكر في مجتمعاتنا ميّال إلى التّعبير الفجّ والمباشر عن هيمنته. أمّا الأنثى فقد استطاعت رغم كلّ الإكراهات أن تخاتل المنع والاستبداد وأن تجد لها على مرّ تاريخنا منافذ لمساءلة سلطة الذّكر المطلقة وإرباكها وبناء هوامش سلطة موازية. ولكنّ هذه الهوامش لم تتحوّل في يوم من الأيّام إلى مراجعة جذريّة لمفهوم السّلطة في مجتمعاتنا، لأنّ الذّكر عندنا لا يقبل المنافسة في الانتصاب ويحتكر المتعة التي تتحوّل إلى احتكار لمتعة السّلطة. لذلك لا تسعى الحجب إلى القمع المطلق للمرأة ومحوها من الوجود، فالمرأة قادرة على المغامرة مهما كانت ظروف حبسها وتهميشها، بل تسعى إلى أن ترتسم في ذاكرة جسد المرأة كعلامات طريق تذكّرها دائما وأبدا بخطوط حمر لا يمكن أن تخترقها لتقوّض أركان السّلطة المطلقة. هذا هو أساس الاستبداد عندنا إذ يُستنسخ على الدّوام في حالات لامتناهية ويمتدّ ليشمل المجتمع ككلّ. إنّ مجتمعاتنا لا تربّي على الحرّية وحقوق الإنسان بل تربّي على ثقافة استبطان المنع والإكراه وتبرير استعباد المرأة الذي تحوّل في نهاية الأمر إلى عبوديّة للّرجل. إنّنا أمام مشهد فاجعة حضاريّة تهذي فيه المرأة من عنف حجبها ويهذي الرّجل من ثقل أوزار سلطته التي تدمّر كلّ رغبة حرّية. عبدان هما المرأة والرّجل تتشابك أصفادهما وتفترق أحيانا ولكنّ النّتيجة واحدة وهي تأجيل كتابة تاريخ حرّية المجتمع. لقد عاشت المرأة في العقود الأخيرة مغامرة فذّة على درب المطالبة بحقوقها في المساواة والعمل والتعليم والصّحة الإنجابيّة وتطوير قوانين الأحوال الشّخصيّة والمشاركة في الحياة السّياسيّة والثّقافيّة. هذه المغامرة، وإن حقّقت نتائج متفاوتة من بلد عربيّ إلى آخر، فإنّ ثمرتها الأساسيّة تمثّلت في زعزعة الهويّة المغلقة للمرأة وفتح مصيرها على هويّات متعدّدة. لقد تحوّلت رغبة الحرّية لدى المرأة إلى مطالبة بالحقوق وسعي إلى التّمتّع بها وتحويلها إلى قاعدة ملزمة. وبما أنّ كلّ مطالبة بالحقوق تنتج عنها بالضّرورة مطالبة بإعادة توزيع السّلطة على أساس المساواة والحرّية والعدالة والكرامة، فإنّ ردّة الفعل على بحث المرأة عن تأسيس هويّات جديدة انطلاقا من حقوق الإنسان للنّساء كان بالرّفض العنيف أحيانا وبمحاولة الاحتواء أحيانا أخرى. لقد انبرت سلطة السّياسة المغلّفة بالدّين والعادات والتّقاليد للتّشكيك في مفهوم المساواة وتنسيبه والسّخرية منه وحجبت رؤية المرأة الوليدة والهشّة بحجب ماديّة وأخرى رمزيّة وضعتها أمام خيار صعب: مواصلة مغامرة تأسيس هويّاتها الجديدة وبالتّالي تحمّل العراء الوجوديّ والمجتمعيّ والضّياع، أو العودة إلى حضيرة السّلطة المهيمنة وعيش حرّية الخضوع. هذا هو الخيار المقترح اليوم على المرأة. فعلى المرأة أن تفكّر اليوم مليّا قبل أن تختار حقّها في التّصرّف الحرّ في جسدها وعقلها أو أن تواصل أحلامها المعرفيّة أو أن تؤخّر سنّ زواجها لتختار من يهفو إليه قلبها. ففي مصنع الاستبداد، حوّلت مجتمعاتنا الاستبداد العبوديّة، إلى حرّية، وحوّلت المطالبة بالحقّ إلى شذوذ يجلب على صاحبه الضّياع وبؤس العزلة. ولم تكتف مجتمعاتنا بالحجب التّقليديّة والعنيفة لمحاصرة المرأة، بل أضافت إليها حجبا من منتجات عصر ما بعد الحداثة. لقد تحوّلت الفتيات الصّغيرات والنّساء إلى سلعة تعرض بفجاجة في برامج الإشهار السّلعيّ والكليبات والسّتار أكاديمي. هذه المجتمعات التي تحضّ على ضرورة وضع الحجاب والنّقاب هي نفسها التي حوّلت جسد المرأة إلى سلعة مبتذلة للعرض وإثارة الغرائز. فمالكو قنوات العفّة والأخلاق هم أنفسهم الذين يستبيحون جسد البنات والنّساء كسلعة. لا يوجد تناقض بين الأمرين إلاّ في ظاهر الأشياء بينما اللّعبة العميقة والفاجرة هي لعبة السلطة. إنّها محاولة جديدة ومتجدّدة لسجن المرأة في قدرها كأداة متعة سلبيّة. نساء وبنات يمكّنّ الذّكر المهيمن من عيش تهيّآته حول العفّة ومكارم الأخلاق من جهة، ونساء وبنات يمكّنّه من عيش متعته الغريزيّة في وحدته من جهة أخرى. كلّ النّاس أدوات متعة للمتسلّط الذي يوزّع عليهم الأدوار حسب حاجاته. إنّه مطلق الحضيض الذي يسحب طفلاتنا وأطفالنا نحو حضيض المأساة. حضيض لا يمكن أن تسائله سوى إرادة رجال ونساء يستشرفون أفقا للكرامة البشريّة والمساواة. المصدر موقع الأوان الرابط http://www.alawan.com/index.php?option=com_content&task=view&id=1691&Ite
مصادر الفكر التكفيري: كيف يقرأ الفقهاء القرآن
د. سلوى الشرفي لماذا تستسهل بعض الحركات السياسية الدينية تكفير المخالفين لآرائها، رغم تأكيدها على الإيمان بحق الاختلاف وحرية الرأي و التعبير، مما يدفعنا للاحتياط من إعلانات الإيمان بالديمقراطية وحقوق الإنسان التي تطلقها هذه التيارات ؟ وتجعلنا هذه الظاهرة نستخلص بأن المعيار الأساسي في تحديد طبيعة فكر ما لا يتمثل فقط في طبيعة المصطلحات السياسية المتداولة لغويا وفي مرجعياتها، بل في طبيعة الأسس المعرفية للفكر السياسي. وعليه فإن أهم سؤال يمكن أن يطرح على تيار سياسي، هو السؤال المتعلق بمصدر معرفته وكيفية استقائها وتفاعلها مع معطيات الواقع. وفي حالة التيارات السياسية التي تستلهم معرفتها من الدين، يبدو تحقيق التوازن بين الفكر والواقع صعبا، بالنظر إلى اعتقادها بأنها تنهل معتقدها حصريا من كلام الله، ما يجعلها لا تعرف للحق إلا وجها واحدا. و الحقيقة أن المسألة هي مسألة تقدير شخصي ليس لها من معيار سوى ما تعتقده هذه التيارات « حقا ثابتا » أو « باطلا مطلقا » اعتمادا على طريقتها الخاصة في قراءة النص والتراث الديني وفي فهمها لهذين المصدرين. ويترتب على هذا الاعتقاد نتائج خطيرة تتمثل أهمها في تكفير كل من يخالف هذه الرؤية الإيديولوجية. إنه عقل يعتمد إيديولوجيا من أكثر الإيديولوجيات انغلاقا وتطرّفا، لاعتقاده بأن منظومة قيمه تنبع من المقدس وليس من العقل البشري، مما يسمح له بتكفير كل من يفكّر خارج هذه الدائرة الفكرية وإن تعلّق الآمر بمسائل بسيطة تخص المعاملات. وتتعامى هذه التيارات عن الفوضى الفقهية أو حتى التناقض التام الحاصل في المنظومة القيميّة التي تسميها شريعة، والتي تظهر في الاختلاف الفكري لجلّ الحركات الإسلامية وكذلك في قوانين دول تعلن أنها تعتمد على الشريعة. ونحن لا نقصد تلك الدول التي تكتفي بالإعلان بأنها مسلمة، بل نقصد دولا تطبق يوميا على البشر ما تقدمه على أنه شرع الله، ومنها السعودية والسودان وإيران وباكستان وأفغانستان طالبان سابقا. و تدّعي هذه الدول جميعا، رغم اختلافهم وتناقضهم في قضية واحدة، الاستناد إلى مصدر واحد وهو الشريعة الإسلامية. فإذا كان الاختلاف في التشريع الوضعي مفهوما ومطلوبا لأنه يتوافق مع ظروف كل بلد وخصوصياته، ولأنه يعلن مصدره البشري ويقبل الخضوع للنقد والتعقيب البشري، فالمشكل مع ما يسمى بالقانون الإلهي هو عدم اعترافه ببشريته التي يفضحها هذا الاختلاف الدنيوي العادي، ولا يقبل بالتالي التعقيب البشري، بل ويجعل كل من يخالف ذلك عرضة للتكفير والقتل. هذه هي الأسباب الأساسية لنشوء الفكر التكفيري بخصوصياته التالية: – الإيمان بعدم كفاية العقل البشري المحكوم حسب رأيه بظروف المادة، والعاجز عن الوصول إلى الحقيقة مباشرة مما يبرر التضييق على مجالات عمل العقل. – الإيمان بإطلاقية حقائق ما يقدمه كشريعة، والاعتقاد في استحالة خضوع هذه الحقيقة للتعقيب الإنساني. – البحث لكل طارئ عن مكانه في منظومة القيم التي يُعتقد راسخا بأنها تمثل الحقيقة الوحيدة التي استوعبت كامل المعرفة الإنسانية، فإذا لم يجد للمستجدّ مكانا فيها نبذه ووضعه في دائرة الخارج عن الدين. – عدم القدرة على التمييز بين المعتقدات والعبادات باعتبارها ثابتة، وبين المعاملات المتغيرة. وقد تولّدت هذه التحريفات من الاكتفاء بالنقل عن السّلف، وإن خالف هذا السّلف القرآن ذاته، وإن كان هذا السّلف يعبّر عن مجرد إيديولوجيا. لذلك، ولفهم آلية اشتغال العقل التكفيري يجدر بنا البحث في آلية اشتغال عقل هذا السّلف ومصادر حقيقته وأهداف خطابه. يؤخذ حكم الشريعة من القرآن والسنة والقياس وإجماع الصحابة والعلماء وأخيرا الاجتهاد. وتحمل الأحكام الاجتهادية الطابع الثقافي لكل من الشخصيات التي قامت بها، وهو ما يفسر وجود خمس مدارس في الفقه الإسلامي معترف بها رسميا، أربعة مدارس سنيّة و مدرسة جعفريّة. فحين يتحدّث المسلمون عن الشريعة فإنهم يقصدون غالبا الفقه المشار إليه، أي أن الأمر يتعلق بالنهاية بقانون بشري وضعي لا يكفي استناده إلى النص القرآني، ناهيك عن الحديث والإجماع، لإضفاء صفة القداسة عليه، خاصة أن قاعدة السلم الهرمي للمصادر المشار إليها لم تطبق دائما بالصرامة والانضباط المطلوبين نظريا، بسبب غموض بعض الأحكام في القرآن وضعف بعض الأحاديث، وبسبب طبيعة البشر المتأثرة بالتقلبات السياسية. وهو أمر ينطبق على جامعي الحديث وعلى الصحابة والفقهاء. فهؤلاء يتشددون تارة تشددا مبالغا فيه بحرفية النص، ويتحللون تارة تحللا تاما من بعض النصوص الواضحة، وذلك حسب موازين القوى ومتطلبات السياسة أو حتى بسبب قصور ذهني. وقد يصيب هذا القصور بعض الفقهاء الكبار، مثال ذلك فتوى الشافعي التي تجيز للرجل التزوج بابنته من الزّنا. كما رأى أبو حنيفة أن من تزوج امرأة لا يحل له نكاحها كأمه أو ابنته أو عمته فوطأها لا يجب عليه الحدّ و لو اعترف بأنه يعلم بأنها محرّمة عليه، و إنّما يعاقب على فعله بعقوبة تعزيريّة. و يسقط أبو حنيفة الحدّ في هذه الحالة للشبهة. و بيان الشبهة، عنده، أنه قد وجدت صورة المبيح، وهو عقد النّكاح الذي هو سبب الإباحة، فإذا لم يثبت حكمه، وهو الإباحة، بقيت صورته شبهة دارئة للحدّ. كما قال ابن حزم في حديث الرسول في الماء الراكد: « لا يبولنّ أحدكم في الماء الدّائم الذي يجري ثم يتوضأ منه » (1) و قد رأى ابن حزم أن الوضوء من ذلك الماء حرام أما شربه ووضوء الغير به فهو حلال، رافضا بذلك قياس الشّرب بالوضوء على البائل نفسه، و قياس غير البائل على البائل. كل ذلك تشددا في التمسك بظاهرية النص ورفضا لتعليل أحكام الشّرع وربطها بحكمة أو بمصلحة. فأجاز بذلك أن يكون المنهي عنه مأمورا به، كما في المثال المذكور، وأن يكون المأمور به منهيا عنه، كما في تفسيره لحديث: « البكر تستأذن و إذنها صمتها » (2)، ومن الواضح في هذا الحديث أن صمت البكر يدل على رضاها غير أن ابن حزم رأى أنها إذا تكلّمت بالرضا فلا ينعقد النكاح عليها، لأنه خلاف الحديث النبوي(3). ومن هنا نفهم، قياسا، كيف أن حتى النص القرآني القطعي الدلالة لا ينجو من التقلبات والتأويلات المتناقضة ومن التحويرات عن طريق الاجتهاد رغم وجود القاعدة القائلة: لا اجتهاد في ما ورد فيه نص. و هذا يجرنا إلى الحديث عن طريقة التعامل مع المصدر القرآني. ليس من اليسير فهم كل معاني القرآن. وقد تقود صعوبة الفهم أحيانا إلى الخطأ، غير أن هذا الأمر وعلى خطورته، يظل مقبولا طالما أن الخطأ حاصل عن حسن نية، مع أن سببه يكون في الغالب اختيار منهج غير ملائم، غير أن أخطر الممارسات إطلاقا تتمثّل في إعلاء الحديث (وهو رواية أشخاص) على القرآن من قبل بعض الفقهاء لأسباب اجتماعية بحتة مثل ممارسة ختان البنات على أساس أحاديث ضعيفة و متعارضة مع مقاصد النص الداعية إلى حفظ النفس، وحديث منع تولي المرأة منصب الولاية الكبرى رغم عدم تنصيص النص على ذلك. أما أغلب الانحرافات فسببها سياسي كما سنرى ذلك. إعلاء الحديث على النص اعتبر البعض أنّ السنة يمكنها نسخ القرآن، ويظهر ذلك في حكم الردّة مثلا. فقد جاء في القرآن « ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة و أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون » (البقرة 217) لقد أرجأ القرآن إذن العقاب إلى الآخرة، ربما تحسبا للخطأ فيظل القرار والحكم في بد الله الذي يعلم ما بالصدور. غير أن الفقهاء، ولأسباب سياسية، اعتبروا أن جزاء المرتد في الدنيا هو الإعدام لحديث: « من بدل دينه فاقتلوه » وبهذه الطريقة تم نسخ القرآن بالسنة. وهو أمر في منتهى الخطورة لأنه، وإلى جانب عدم احترام السّلم الهرمي للقانون الإسلامي، فإن المسألة تتعلق بالحدود، وبأقصى حدّ و هو قتل النفس. كما تم نسخ بعض الآيات مع الإبقاء على التلاوة مثلما جاء في حكم الصوم في سورة البقرة « وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين » بحيث تصبح ممارسة الصوم ممارسة تطوعية لا تتحمل الإكراه ولا العقاب « فمن تطوع خيرا فهو خير له، وإن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون » البقرة 184 وقد جاءت أغلب التناقضات الفقهية نتيجة لهذه الظاهرة. ومن أهم الخلافات والتناقضات، رفض الخوارج اعتماد السنّة كمصدر للتشريع. والحقيقة أن الحديث مهما كان متواترا لا يرقى إلى درجة القرآن فضلا عن إمكانية نسخ إحدى آياته، أي إبطال العمل بها. فالقرآن لا ينسخه إلا القرآن استنادا إلى الآية: « ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها » لكن الفقهاء اعتبروا نسخ القرآن بالحديث جائزا. والأخطر هو رفض جماعة السنة في عديد الحالات تحكيم القرآن في الأحاديث، وهي قاعدة خطيرة تنزّل الرواية منزلة القرآن، بل و تعليها عليه. فهم يعتمدون أحيانا الحديث ولو خالف القرآن. وحيث أن السنة هي تبيين للقرآن فإن هذا التبيين إنما يكون في حدود القرآن ولا يتجاوزه. وعلى هذا يمكن نبذ كل ما ينسب إلى الرسول مما يخالف نصوص القرآن. غير أن عديد الفقهاء في قرننا هذا، وكذلك بعض الإسلاميين يواصلون تحكيم الحديث في النص ويكفّرون على أساس ذلك الناس بل ويهدرون دمهم، كما أشرنا إلى ذلك في مسألة الرّدة، ويواصلون الاعتداء على الأعضاء الحميمة لبنات صغيرات بدعوى أن الختان ممارسة إسلامية، وغير ذلك من البدع المتخلفة التي تظهر المسلمين في شكل شعوب متوحشة. وبعدها يستغربون من الصورة السلبية المروجة عن المسلمين في حين أنهم رسموها بأنفسهم لأنفسهم. إعلاء النقل على العقل يرفض كذلك العديد من الفقهاء التخلي عن النقل لفائدة العقل في فهم النص، أي أنهم يرفضون تجاوز المنطوق إلى المدلول والأخذ بالمقاصة وتبني مبدأ تاريخية نزول النص. فالإمام الشافعي مثلا يرى استحالة تطبيق القرآن بمعزل عن أسباب النزول، وهي منهجية تسمح بالتمييز بين المعتقدات باعتبارها ثابتة وبين المعاملات المتغيرة. ولكن هذا التنظير يظل غالبا بين دفتي الكتب. فالإخوان المسلمون في مصر، ورغم انتمائهم تقليديا إلى هذا المذهب، فضلوا المذهب الوهابي البدوي المتشدد، فعادوا بالمجتمع المصري إلى الوراء مع الإدّعاء بأنهم صححوا العقيدة وأنتجوا صحوة إسلامية. ويحتج المتشبثون بحرفية النص وظاهره بآية: « ولا مبدل لكلمات ربك » دون التوقف عند المعنى العميق لهذه الآية التي تتعلق بالقضاء والقدر وليس بالمعاملات. وإلا كيف أمكن تبديل عديد الأحكام القرآنية القطعيّة من طرف الخلفاء الراشدين أنفسهم وأولهم عمر ابن الخطاب، اعتمادا على مبدأ « لكل حكم علة يدور معها » أو بدعوى الضرورة السياسية؟ لقد اتسمت قراءة النص القرآني بالضعف بسبب اعتماد منهج يجعل الحديث أعلى من النص ويشدد الخناق على العقل. ويظهر ذلك في طغيان منهج القراءة النصيّة. طغيان منهج الشرح على المتون يفصل البعض النص على دلالاته ولا يأخذون الألفاظ في معناها المجازي والرمزي بل في معناها الاصطلاحي فقط لاعتقادهم بأن « اللسان العربي يفيد العموم في التكليف إلزاما للإنسان مطلقا عن الزمان والمكان »، أما التأويل فهو محصور في النصوص الظنية وتتوقّف وظيفته على فك الألغاز والتعبيرات المبهمة، بطريقة تجعلها متطابقة مع النصوص القطعية. كما أن الأخذ بالمقاصد لا يتعدّى حرفية النصّ، أي أن المقاصد متماثلة عندهم مع النص. فالمصلحة العامة ومتطلبات الواقع لا تؤخذ عندهم بالاعتبار إذا أدّت إلى تعطيل الأساليب والأشكال التطبيقيّة التي جاء بها الوحي. وهكذا فإن تجريم الزنا في القانون الوضعي لا يعتبر كافيا في نظر الفقهاء إذا لم يطبّق حكمها كما جاء في النصّ أو في الحديث (الجلد أو الرجم). وعلى هذا فإنهم ليسوا مستعدين لتبني مناهج التفسير التي تتطلب الأخذ بالغايات وبما وراء النص من معطيات تاريخية وللبحث عن إرادة المشرع من خارج النص، حتى يتسنى تغيير الأحكام بما يتماشى مع متطلبات الواقع دون خرق الغاية التي جاءت من أجلها. وقد أوقع هذا المنهج بعض الفقهاء في أخطاء كبيرة وانتهى ببعضهم إلى أفهام غريبة ينكرها الشرع والعقل كما رأينا ذلك في الأمثلة المذكورة سلفا. و في المقابل نجد تحليلات لا يقبلها شرع ولا عقل مثل الإفتاء بجواز زواج المسيار، أو قطع الآيات من سياقها وبترها، مثل آية تعدّد الزوجات حيث لا يؤخذ في الحسبان ما يبرّرها نصّا وبوضوح تام، و هو القسط في الأيتام، ولا يذكر ذلك إلاّ نادرا و من طرف المطالبين بمنع رخصة التعدّد. و قد اتضح في عديد من الحالات أن السند الشرعي الذي يرتكز عليه أغلب الفقهاء، سواء كان من القرآن أو من السنة، ليس فيه ما يفيد التمييز الاجتماعي القائم حكما ضدّ المرأة أو الضعيف اجتماعيا أو الذمي، لأن الأمر يتعلق غالبا بتفسير أو تأويل أو بتر من النوع الذي أشرنا إليه. و مع ذلك يواصل اليوم المتشبثون بفقه السلف اعتماد هذه التأويلات واعتبارها من المسلمات. كما اجتهد الخلفاء الراشدون في عديد القضايا مع توفّر نصوص صريحة وأعلوا الرأي على النص (قال عمر، مثلا، ليبرر تعطيل حكم المؤلفة قلوبهم: « لا حاجة لنا فيهم ») و يبرّر بعض العلماء مثل هذه التجاوزات بالضرورات السياسية. يقول الشيخ الطاهر ابن عاشور في ذلك: « إن المعاملات موكولة إلى تدبير ساسة الأمة » وما زالت هذه الممارسات السياسية المتلفعة بجلباب الدين والتي تعلي الرأي على مع الأميركان في الحرب ضدّ العراق سنة 1991، وهي فتوى مخالفة نصا وروحا للآية الصريحة 28 من سورة آل عمران. و لو طالب اليوم مصلحون، من خارج السّاسة، بالعمل بالمثل في نصوص خاصة بالمعاملات لاتهموا بالكفر. النص الواضح متواصلة إلى اليوم مثل فتوى علماء السعودية التي برروا بها مشاركة جيوش المسلمين هذا فيما يخص القرآن و النصوص قطعية الدلالة، أما بالنسبة للحديث فأمره أكثر تعقيدا وخطورة. المراجع: (1) أحمد والترمذي والنسائي وصحيح الجامع الصغير (94-75). (2) صحيح الجامع الصغير (298). (3) أورد هذه الأمثلة الشيخ يوسف القرضاوي في مقال « أسس ومرتكزات السياسة الشرعية » نشر على ثلاث حلقات في جريدة الشرق الأوسط بدءا بتاريخ 17-1-1998 ص. (المصدر: موقع « الأوان » بتاريخ 9 سبتمبر 2007)
بسم الله الرحمان الرحيم
الإستبداد في لباس ديمقراطي .. سلوك علماني متطرف
يُنصِب بعض العلمانيين أنفسهم أوصياء على الديمقراطية أو ما يحيل عليها من حقوق وحريات وكأن أمهاتهم ولدتهم ديمقراطيين أو أنهم قدموا إلى المجتمع من » محميات ديمقراطية طبيعية » , وهو موقف غريب لا يتوافق مع أبسط مفاهيم الديمقراطية في إحترام آراء الآخرين ومراعاة وجهة نظرهم بل وحقهم في الإختلاف مع هذه الحراسة الفكرية التى يمارسها بعضهم , وخاصة من يتبنى منهم إتجاها راديكاليا في العلمانية لا ترى الديمقراطية إلا قرينة الإلحاد ومحاربة الدين , وهذة الفئة تنكر على الإسلاميين وجودهم السياسي والفكرى في مجتمعهم العربي الإسلامي في حين لا ترى أي غضاضة في إمتدادها الفكري مع مدارس فكرية مندثرة أو تكاد ليس لها تاريخ يربطها بالديمقراطية ولا حتى بالمجتمع الذى تعيش فيه تسعى هذه الفئة التى عجزت عن المصالحة مع محيطها ومجتمهعا وبقاءها في برجها الفكري العاجي أن تنبش عن مفردات ومعاني تتمعش منها لتصور نفسها في صورة الضحية المضطهدة فكريا والمهددة من قبل تيار أجازت في حقه كل المفردات التى تحيل على التخلف والرجعية الفكرية والسياسية وكتبت في حقه ما يشبه المدونات والمسودات المسهبة التى نظّرت لإضطهاده وإستباحته فقتل منه من قتل وسجن من سجن وشرّد من شرد , في حين تبحث هذه الفئة على مجرد كلمات في بعض النصوص الغير مرجعية للإسلاميين كي تستخرج منها مصطلح التكفير أو ما معناه , وهذه قضية طالما إستنجد بها بعض العلمانيين المتطرفين ليعزفوا على وترها و ليصوّروا أنفسهم أنهم أبطال التنوير والتقدمية في مواجهة تيارا جوّزوا في حقه كل نقيصة , وهي الخطوة التى تسبق إضطهاده تحت شعارات شوفينية مثل شعار : لا حرية لأعداء الحرية , ولعل القاموس العلماني في الشتم السياسي والفكرى للتيار الإسلامي أصبح يعكس ثقافة متأصلة لدي العلمانيين المتطرفين فكريا وسياسيا حتى تحول إلى عقدة لديهم , ولم ينىء بنفسه عن ذلك إلا بعض العلمانيين الذين تصالحوا شكليا مع الهوية الإسلامية لبدهم وأمتهم إن السؤال الغائب أو المغيب من قبل هذه الفئة هو إذا ما كان من الممكن أن يتحقق الإصلاح السياسي المنشود في البلاد من دون وجود التيار الإسلامي ؟ .. قد لا يتورع هؤلاء عن الإجابة عن السؤال بالإيجاب وهو ديدنهم في إقصاء تيار سياسي عريض في الشارع , ويبدو أن تونس بقيت الإستثناء في ذلك ونخبها العلمانية من دون تعميم ما تزال تصر على السير في الطريق المسدود والهروب إلى الأمام ولعل سلوك السلطة هو جزء من هذا التوجه لدي الفئة العلمانية الراديكالية بقيت تونس الإستثاء الشاذ الوحيد اليوم من بين كل العالم العربي والإسلامي , يقصى فيها التيار الإسلامي ولا يسمح له بالتواجد القانوني ولا حتى بالتواجد الرمزي وهذا يعود بداية إلى تأصيل فكري علماني يكفر سياسيا وفكريا الإسلاميين ويمنعهم من الوجود ويستعمل في سبيل ذلك كل الوسائل الغير قانونية والغير شرعية كالإعتقال والتعذيب والقتل والإستهداف الأمني الشامل . من المحيط إلى الخليج يتاح للتيار الإسلامي المشاركة السياسية وتشكيل هيئات وأحزاب وجمعيات والمشاركة في الإنتخابات وإصدار الصحف والمجلات ومعارضة السلطات بالرغم من أن بعض تلك الدول تشهد تجاذبات سياسية وحتى أمنية بين الحكم وبعض فصائل العمل الإسلامي ولكن لم تتذرع تلك الأنظمة الغير ديمقراطية بشهادة العلمانيين أنفسهم بأي حجة حتى وإن كانت حقيقية لمصادرة حق الإسلاميين في الوجود كغيرهم من التيارات السياسية والفكرية الأخرى بالعودة إلى المحيط الجيوسياسي التونسي لا نجد أي قطر من أقطار المغرب العربي تتسلط فيه المظالم على التيار الإسلامي كما هو حاصل في بلادنا مع الأسف , حتى ليبيا القذافي التى ترفع شعارات تمنع مخالفة » الثورة » أقدمت على خطوات جدية في المصالحة مع إسلامييها من مثل إلغاء أحكام بالإعدام وتسريح أصحابها وإعادة الممتلكات التى صودرت خلال الفترة الماضية إلى مالكيها , وأيضا إعادة الكثير من المفصولين عن العمل إلى وظائفهم ودعوة المغتربين إلى العودة إلى وطنهم بضمانات من طرف واحد من قبل السلطات الرسمية بأن لا يتعرض لهم أحد , وقد نقل لي أحد الإخوة الليبيين أن تعليمات صارمة صدرت للأمن الليبى بحسن معاملة الوافيدين إلى زيارة وطنهم وقد تحققت لأحدهم العودة بعد أكثر من 30 عاما من الغياب عن البلاد وكان متهما بتهم خطيرة أعدم بسببها بعض أفراد أسرته وقد عاد مجددا إلى موطن هجرته دون أن يتعرض إلى أي مضايقة أو أذى يتحول بعض العلمانيين إلى مربع آخر لا يقل خطورة على الديمقراطية التى يعلقون عليها غوغائيتهم وهو التحالف مع الدكتاتورية ليتحولوا إلى جلادي العصر سياطهم تنضح ديمقراطية في توزيع العذاب على خصومهم الفكريين الذين عجزوا على مقارعتهم في ساحة العمل الميداني سواءا في السياسة أو في سواها فإستعانوا بالإسبداد للإستقواء به عليهم , وهو ما يجعلهم غير مؤهلين للحديث عن الديمقراطية الفكرية والسياسية بعد أن مارسوا الإسبداد في أبشع صوره . لقد إندس الكثير من العلمانيين المتطرفين في أجهزة الدولة خلال العقدين الماضيين ليسوموا الإسلاميين التعذيب والقمع وليعبّروا بصريح عباراتهم أن مهمتهم هي القضاء على التيار الإسلامي في البلاد وهي المهمة التى لم تتحقق لهم من حق التيار الإسلامي في تونس وبهويته السياسية والفكرية الإسلامية أن يتواجد على ساحة العمل السياسي في تونس وهو حق مكتسب مهما طال الزمن لا يحق للسلطة وللعلمانيين المتطرفين سواء كانوا من داخل النظام أو من خارجه ممارسة المنع ومصادرة هذا الحق تحت تبريرات لا تخدم إلا الإستبداد وإطالة أمده على البلاد والعباد , وما لم يتواجد التيار الإسلامي على ساحة العمل السياسي فإنه لا أمل في تحقيق إصلاح سياسي وهذا ما يزكيه الواقع صابــر : سويســرا
مغاربيا : التطرف على الضفتين والتجديد والاعتدال هو المخرج
مرسل الكسيبي*- : مايحصل من تطورات خطيرة في الجزائر الشقيقة على مدار الأيام والأسابيع الأخيرة في ظل التخطيط الغادر لاستهداف الرئيس المناضل عبد العزيز بوتفليقة وقبل ذلك بفترة وجيزة محاولة الاغتيال الدموية التي تربصت برئيس الوزراء السيد عبد العزيز بلخادم عندما وقع نسف محيط رئاسة الحكومة بسيارة مفخخة ذهب ضحيتها أبرياء في عمر الزهور علاوة على اعاقات وجروح بليغة استهدفت أطفالا فقد بعضهم حاسة الابصار … وقبل ذلك بأيام معدودات وفي فترة تزامنت مع تطورات الوضع الجزائري باتجاه عودة العنف بحيوية الى مدن وحواضر الجزائر , كان المغرب الشقيق يعيش هو الاخر على دوي ودموية انفجارات الدار البيضاء ومدينة مكناس , حين تحولت أجساد بشرية ملغومة الأفكار الى عبوات ناسفة تحرق الأخضر واليابس وتعصف بأمن المملكة المغربية التي تشهد أوج اصلاحات سياسية واقتصادية حثيثة على عهد الملك الشاب محمد السادس . لم تكن تونس هي الأخرى مع مطلع السنة الجارية بمنأى عن تيار الخراب المدمر , حيث شهد البلد الذي افتخر كثيرا بقوة جهازة الأمني وبانجازاته الحداثية وبتطوره التنموي صدمة سياسية هزت النخبة والرأي العام ,حين عاش البلد على مدار حوالي ثلاثة أسابيع مصادمات عنيفة مع ظاهرة مسلحة غريبة عن تسامح التونسيين وصبرهم على نمط بطيء جدا من التطور السياسي والاصلاحي . اليوم يشهد المغرب الأقصى حفلا سياسيا ديمقراطيا حقيقيا وهو يعانق أجواء الاستحقاق الانتخابي التشريعي , وسط منافسة قوية بين 33 حزبا سياسيا منها أربعة أحزاب لم تخفى حقيقة مرجعيتها الاسلامية , غير أن مافاجأ المراقبين أو قل لفت انتباههم كان تراجع نسبة الناخبين جراء تفشي ظاهرة اليأس لدى شرائح واسعة من الأوساط المعدومة والمحرومة من التمدرس وأساسيات الحياة كحق السكن اللائق وحق العلاج وحق العمل الكريم …, هذا علاوة على مقاطعة أكبر التيارات الاسلامية وهو تيار العدل والاحسان لهذه الانتخابات .. جملة هذه المعطيات الأخيرة التي تفسر تراجع نسبة الاقبال على العملية الانتخابية بالمغرب ثم الطريقة التي خطط بها لاستهداف الرئيس بوتفليقة مع دلالات تصريحاته حول موضوع محاولة الاغتيال الفاشلة والدموية , بالاضافة الى معطيات أخرى توضح الحاح بعض الأطراف النافذة سلطويا في تونس على تعطيل الحركة الاصلاحية التي بدأت في شكل عفو رئاسي خاص على دفعات متتالية من المعتقلين في قضايا سياسية …, كل هذه المعطيات تؤكد مرة أخرى أن منطقة المغرب العربي تعيش حالة من الصراع الحاد بين طبقات حاكمة بعضها يتسلل من مدارس علمانية وبين معارضات يشكل الاسلاميون بمختلف تلويناتهم عصبها الحي . تقف المنطقة بين قطبين متصارعين ومتضادين اختارا في المغرب والجزائر بحسب مايبدو في أعلى جبل الجليد طرائق المنافسة الديمقراطية والتدافع الانتخابي و الفكري والسياسي , وفي تونس المزاوجة بين المعالجة السياسية البطيئة جدا والحل الأمني الذي مازال يلقي بظلاله على كل الفضاء العام . التطرف في المواقف السياسية والفكرية والجنوح الى منطق العنف ليس اليوم حكرا على بعض اصحاب القرار في بلاد المغرب العربي , بل ان من حمل لواء السلاح ضد الدولة والمجتمع ليفجر ويفخخ اللحوم البشرية ويستلذ برؤية دمائها المزهقة والمراقة في حواضر باتنة والجزائر العاصمة والدار البيضاء ومكناس والعاصمة تونس ومدينة نابل , كل هؤلاء يشكلون مدرسة دموية اختطفت الاسلام من محضنه المشرق . لايقف هؤلاء المتطرفون الدينيون أو المنتسبون الى الدين لوحدهم في واجهة العرض السياسي المغاربي , بل ان من يقدم منطقا عدميا سياسيا من خلال كفران جهود الدولة التحديثية في مجالات التنمية والاصلاح السياسي والحقوقي كما هو حاصل في المغرب الأقصى ومن ثمة يدعو في غير مسؤولية سياسية وأخلاقية الى مقاطعة الانتخابات وافشالها , بل انه لايكف عن اشاعة أجواء التيئيس من كل خطوة ايجابية باتجاه التطوير والاعتدال الصادر عن المؤسسة الملكية المغربية …, ان أمثال هؤلاء وان كانوا حقيقة لايحملون مشعل العنف ولواءه , الا أنهم يوفرون لشرائح المتطرفين الحقيقيين مناخا مناسبا من الاحباط واليأس كي تنشط فيه خلاياهم المدمرة … ان مقاطعة العدل والاحسان هذا التيار الاسلامي الواسع والعريض للانتخابات المغربية يشكل مظهرا من مظاهر عدم النضج الفكري والسياسي الذي مازالت تعاني منه الحركة الاسلامية .., اذ عوضا عن المشاركة والمساهمة مازال بعض الاسلاميين يفكرون بمنطق ثوري يحلمون فيه باستبدال مؤسسة ملكية دستورية قائمة وتاريخية ومتجذرة وقوية بأخرى مجهولة الهوية تستمد منظورها من أحلام فقه الزعيم والموجه الروحي ! ولايخلو الحقل العلماني والاسلامي المغاربي من متطرفين يحملون لواء الاستئصال والحل الأمني وافساد مناخات الوئام والمصالحة وهو ماعناه يوم أمس الرئيس الجزائري بوتفليقة حين دعى في وضوح الشمس والنهار الى التمسك بخيار المصالحة الوطنية كبديل عن خيار العنف المدمر ليحمل مسؤولية مايحصل للجزائر الى طرفين ذكرهما حصرا في غير حياء أو مداورة « الإسلاميين المتطرفين والعِـلمانيين المتطرفين المرتدِّين » وليس الارتداد في تقديري قطعا دينيا ولكنه بحسب مايفهم من تقدير الرئيس بوتفليقة سياسي ,وقد يكون هدف من خلال محاولة اغتياله ايقاف انفتاحه على تيارات هجرت العنف وقررت الانخراط في مسار المصالحة ولاسيما في ظل ماتردد من تصريحات اعتزمت الاعتراف بحزب قانوني لمن تخلى عن أساليب العنف المسلح . أما تونسيا فلا زالت اللحظة تعيش على اوهام البعض العيش في منأى عدوى ظاهرة التطرف المدمر والمخرب الذي ضرب المغرب والجزائر , ومن ثمة فان منطق الاستئصال مازال يعشش كرؤية سياسية لدى بعض لوبيات الحكم , اذ لازال الخلط بالغا بين أنصار التطرف والاعتدال ولازال المنطق السائد في توجيه القرار الرسمي هو عدم التعاطي قبولا وايجابا مع مدرسة الاصلاح الاسلامي وان كان غاية في التوسط والاعتراف بالاخر المخالف . واذا كانت المسؤولية في هذه القراءة السياسية التي تلقي بثقلها على بطئ وتيرة الاصلاح وتعطلها أحيانا في الساحة السياسية يتحملها أساسا اللوبي العلماني الراديكالي, فان الخطاب الاسلامي السائد والمعارض , مع حرص بعض الاسلاميين التونسيين على التمسك بمواقعهم وزعاماتهم ,ساهم هو الاخر في تلبيد الأجواء السياسية التونسية بقراءتين غير متجددتين التا على نفسهما الهيمنة الاعلامية والسياسية على الفضاء العام ومن ثمة تعطيل قطار الاصلاح تونسيا. ان مسؤولية مايحدث اليوم في تونس من تراجع للاشعاع السياسي والتألق الاصلاحي في مقابل حداثة وتقدم تنمويين متطوران على بقية بلدان المنطقة , ان مسؤولية ذلك تتحمل من قبل قوى الضغط الراديكالي داخل المؤسسة العلمانية الحاكمة كما قوى المحافظة القيادية والسياسية والمالية داخل التيار الاسلامي الذي يغلب عليه التوسط والاعتدال فكرا مع تقلص وضمور في اليات الابداع والتجدد السياسي البشري والزماني .. المنطقة المغاربية تعيش اليوم أمام تحدي التجديد في النخب الحاكمة والمعارضة فكرا وممارسة وعناصر بشرية , كما أنها تعيش تحدي الاعتدال باتجاه محاور الاداء السياسي النسبي والمشارك الذي يقطع مع منطق التدمير والحرق كما منطق العدمية السياسية الذي يرى في كل منجز حكومي خرابا ومحصلة تنموية فاشلة , كما يرى في الوطن بدون قيادته وتصدره للحلبة السياسية وهيمنته على الفضاء العام فشلا للتجربة الديمقراطية ومخادعة للجمهور وتحايلا على القانون والدستور … انه تحدي كبير على الضفتين النخبويتين حكما ومعارضة ومن ادعى أنه قد امتلك ناصية التألق والنجاح والاكتمال فهو يجانب قطعا الحقيقة كما يجانب أساسيات وثوابت التجربة الديمقراطية التي تبنى بسواعد الجميع وتنفتح على الجماهير وافكارها وهمومها وقواها الشبابية الصاعدة التي لاتحتمل التحقير أو التدجين . *- رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية : (المصدر: صحيفة « الوسط التونسية » (اليكترونية – ألمانيا) بتاريخ 9 سبتمبر 2007)
من أجل إصلاح جاد وعميق في أساليب واليات التصرف في الموارد البشرية رسالة صريحة إلى مسؤول
محمد مسيليني لقد سبق أن تناولنا على صفحات هذه الجريدة موضوع التصرف في الموارد البشرية وأكدنا بأنه من شروط النجاح في المرحلة المقبلة إعادة النظر في الأسلوب المتبع في التصرف في الموارد البشرية واعتماد آليات علمية حديثة في هذا المجال. ولأننا على يقين من أن الكثير من المسؤولين في هذا البلد يؤدون واجبهم في كنف الانضباط والقانون والاجتهاد فإننا نتوجه بهذه الرسالة إلى جمهور لا فرق عنده بين الشأن العام والشأن الخاص كما نلفت نظر الحكومة إلى تفاقم جملة من الممارسات والسلوكات التي تهدد مصداقية الدولة و المجتمع وبنيته. السيد فلان: إننا على يقين انك ما كنت أن تكون في هذا الموقع لولا إمكانياتك العلمية وتجربتك الطويلة ووطنيتك العالية وسمو أخلاقك ونظافة اليد. انك حقا الشخص المناسب في المكان المناسب وفق ما تتطلبه المرحلة. الم تجمع كل الجرائد على ذلك ولكن اسمح لنا بالهمس في أذنك أن نفس هذه الجرائد ستقول عن خليفتك ما قالته عنك، إنها تكتب وتنشر ما يطلب منها. ندرك جيدا أن تحملك لهذه المسؤولية وهذه الخطة يكلفك الكثير من الوقت والجهد والتضحيات في مقدمتها التضحية براحتك وراحة عائلتك. نعلم انك لا تخطيء أبدا ولا يأتيك الباطل من بين يديك ولا من خلفك وحتى الأخطاء التي تقع هي إما من فعل من سبقك أو مساعديك الذين لم يرتقوا إلى مستوى فهمك وإدراكك للأشياء أو هي تقع على عاتق من طلب منك ذلك . انك تتلقى الكثير من المكالمات والتوجيهات من أعلى وحتى من أطراف لا سلطة إدارية أو قانونية لها عليك. لذلك كله نجد لك العذر كل العذر بتغيير مكتبك وأثاثه بمجرد حلولك. كما انه من حقك تغيير الإطار المحيط بك وخاصة الكاتبة والسائق والحاجب لان من تركهم سلفك ليسوا في المستوى وغير قادرين على تحمل أعباء المرحلة ولا ضرر إن تراكم عدد الذين لا شغل لهم ويتلقون أجورا ورواتب وعلاوات. ستعيد النظر في الهيكل التنظيمي للإدارة أو المؤسسة في حدود الإمكان لأنك في حاجة ماسة لمساعدين يتفهمون تصوراتك وخططك. انك في حاجة إلى من تأتيك بالتقارير والأخبار عن المؤسسة أو الإدارة وعن فلان وعلان. إنك في حاجة ماسة إلى من تكون علاقاته السياسية والإدارية واسعة فتقربه ليكون لك مستشارا وأداة وصل وتواصل مع الإدارة والحزب الحاكم لأنك ببساطة لا تثق كثيرا بما يرد عليك رسميا وتريد دائما أن تفهم ما وراء السطور وما تخفيه الأخبار. إن الأخبار السيارة قد تكون عندك أهم حتى تحمي نفسك من المستقبل ومخاطره. انك في حاجة إلى جليس أو نديم يؤدي الكثير من الخدمات والشؤون فلا ملامة أن اخترته من بين المحيطين بك أو حتى لو جاء معك من موقعك القديم. انك في أمس الحاجة لمساعدين ممن يستطيعون الاستيعاب السريع لبرامجك وتصوراتك ومن الأفضل من الذين لا ينطقون كلمة « لا » ويجيدون استعمال كلمة « نعم ». أما المشاكسون والذين يبدون رأيهم ويمكن أن يقولوا « لا »ّ، فإنه من الأحسن إبعادهم قدر المستطاع عن مراكز القرار. كل هؤلاء في حاجة للاحسان وما جزاء الإحسان إلا الإحسان وأنت رجل عربي كريم ما دام جيبك لن يمس. هذا في حاجة إلى ترقية إدارية أو وظيفية وذالك يكفيه سيارة إدارية وثالث يفعل ما يريد بدون رقيب ما دام مقربا من حضرة المسؤول الأول ورابع يريد وظيفة أو أكثر لابنه أو ابنته واحد أقاربه وأصدقائه. ولكن نوصيك بالحذر الشديد، فالجماعة يمكن إن يستغلوا القرب منك وطيبة قلبك وثقتك فيهم للقيام بأشياء غير قانونية وخطيرة في بعض الأحيان. نعلم انك في حاجة للقيام ببعض الجولات التفقدية في المناطق التابعة لسلطتك فتخرج في قافلة كبيرة من المساعدين والمقربين وتقوم خطيبا تحت تصفيق الحاضرين فتعد بحل كل المشكلات وتوفير كل ما يطلب من مشاريع وإعانات. بعدها تذبح الذبائح وتقام الموائد الفاخرة على شرفك وشرف مرافقيك من عرق البسطاء والفقراء. لست مسؤولا عن ذلك ولم تطلب من احد شيئا ولكنهم كرماء حتى النخاع عندما يقف أمامهم مسؤول محلي أو حزبي. لا مانع عندنا أن تمشي في الأرض مرحا مرفوع الرأس ولا تكلم أحدا إلا من رحم ربك. إن إفشاء السلام والتحية على الناس في موقع العمل عادة سيئة لا تليق بمسئول في مقامك. ولا مانع عندنا من أن تنزل من سيارتك الفاخرة تحاكي انتفاخا صولة الأسد، إنها من طباع الكبار والذين لا يستطيعون الاختلاط بعامة الناس والرعاع من هذا الشعب. إذا طلب ذو حاجة (من غير أصدقائك أو ممن أوصوك عنه) مقابلتك فليعد يوما آخر أو أن ينتظر لأنك مشغول ولا تكاد تنهي اجتماع عمل حتى تدخل في اجتماع آخر أوانك في مكالمة هاتفية مع مسؤول كبير ولا يحق لأحد أن يسمع ما تقول. إن مشاغلك العديدة ورغبتك في تطوير العمل في المؤسسة أو الإدارة تتطلب إعداد أو حضور بعض الندوات والملتقيات العلمية والتكوينية ومن الأفضل أن تكون في أوروبا أو بعض الدول البعيدة. إنها فرصة للتكوين والسياحة لا تكلف المؤسسة أو المجموعة الوطنية الشيء الكثير. أما تقرير المهمة الذي تطالب به الوزارة الأولى فهو مجرد بعض الجمل الروتينية التي تعود عليها كل موظفي الدولة. لا نلومك إذا سمحت لزوجتك المصون ولابنك المدلل باستعمال السيارة الوظيفية للفسحة والتنزه مع الأصدقاء والخلان وإذا حصل مكروه فالموضوع لا يتطلب أكثر من تدخل بسيط ليتغير المحضر وتصبح أنت من كان يقود السيارة. لا ضرر إن سمحت للزوجة والأبناء باستعمال خطوط الهاتف الإدارية متى شاءوا وكيفما أرادوا، أو آليات الاتصال الحديثة للسهر مع العائلة والأحبة والأصدقاء ، فمن واجب المجموعة الوطنية أن توفر لك ولعائلتك كل أسباب الراحة. تستطيع أن تتلقى هدية أو حسنة وبإمكانك استغلال موقعك لطلب خدمة لك أو لأحد أفراد عائلتك ( بدءا من سحب رخصة سياقه لتجاوز السرعة المسموح بها ومرورا بمنحة في الخارج لطالب تحصل على شهادة البكالوريا بالإسعاف وانتهاء ببعث مشروع أو اقتناء قطعة أرض والبناء بدون رخصة) من زميل في موقع مهم فما جزاء الإحسان إلا الإحسان. القانون منع الرشوة وشدد عليها ولا يهتم بالهبات والإحسان إذا كان هناك فرق بين الاثنين طبعا. فهذه شركة أشغال مستعدة لتقديم خدمة لمساعدتك على أشغال منزلك وهذا صاحب نزل في منطقة سياحية يهدي للعائلة أسبوع ترفيه وثالث رئيس بلدية يمكنك من قطعة ارض لابنك أو ابنتك ورابع رئيس مدير عام لمؤسسة وطنية يستطيع أن يعفيك من بعض الخدمات ورابع وخامس وسادس إلى آخره فحتى شركات الكهرباء والماء والهاتف لا تستطيع أن تطالبك بدفع استهلاكك المنزلي ما دمت في موقع المسؤولية. لا أحد يمكن أن يتوجه لك باللوم وأنت تنفذ كل ما يطلب منك بدون نقاش ولا ملاحظات بل تحاول دائما أن تبحث عن المبررات. المهم أن تبقى في موقعك وأن ترتقي السلم، فالطموح مشروع. يتطلب الأمر في بعض الأحيان البحث عن الثغرات الموجودة في القانون أو غياب الرقابة واستغلال النفوذ لكسب بعض المكاسب لك وللعائلة. لا تشغل نفسك كثيرا فلن تسأل يوما من أين لك هذا ولم نسمع بان أحدا حوكم في قضايا فساد أو استغلال نفوذ ومركز إلا من تجاوز بعض الخطوط الحمراء التي يعرفها كل الناس في تونس. الشيء الوحيد الذي عليك أن تنتبه له هو معرفة الخطوط الحمراء حتى لا تصطدم بها. ندرك انك متفان في عملك إلى درجة انك لا تتمتع بإجازات دورية وسنوية لأنك لا تستطيع الابتعاد عن مركزك ولا تثق كثيرا في من ينوبك أو يساعدك. ثم حتى عندما تضطر للراحة لأسبوع فان هاتفك الجوال لا يتوقف عن الرنين. وحتى عندما يحين موعد الإحالة على المعاش والتقاعد فانك لا تترك وسيلة من أجل الاستمرار في الخدمة وذلك لا ن خروجك سيترك فراغا كبيرا ولا يمكن تعويضك بسهولة. كل ما سبق ذكره مبرر وما علينا نحن أبناء هذا الشعب غير تصديقك ما دمت في المركز ولكن اسمح لنا في نهاية هذه الرسالة ان نوجه لسيادتك بعض النصائح البسيطة. عليك أن لا تنسى سيدي ذلك المثل العربي الشهير الذي يقول: لو كانت دامت لغيرك فما كانت لتصل إليك. تذكر أن العظيم شارل ديغول فتح يوما نافذته فوقع نظره على مقبرة فقال :هذه المقبرة تحوي الكثير من الذين كنا نتصور أنه لا يمكن تعويضهم. عليك أن تلتفت حولك قليلا وتحاول أن تتفكر في الأمر وتتذكر أن كل ما قيل نريد منه الإصلاح ولا شيء غير الإصلاح. إن التصرف في المال العام يا سيدي بغير وجه حق حرام قانونا وشرعا وهو كمن يأكل السحت أو كمن يأكل مال الناس بغير حق. عليك أن تعامل الناس كأصحاب حق وكمواطنين، فلا تمشي في الأرض مرحا فلن تبلغ السماء وعليك أن تتذكر انك بشر يخطئ ويصيب ينجح ويفشل وانه يمكن أن تكون يوما في حاجة لأي مجهود إنساني بسيط. لا تغتر بمركزك أو قربك من بعض مراكز النفوذ. بل عليك الالتزام بالقانون واللوائح الداخلية والضمير وتكون لك الشجاعة في قول « نعم » في موقعها وقول « لا » في موقعها. كن سويا فيحتار فيك كل الناس وليس « عدوك » فقط كما يقال. ومع المصلحة العامة والقانون. هـــــكــــذا يــــرى فـــيــــك الـــمــــواطــــن وطــــــــــنه (المصدر: صحيفة « الوطن »، لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي(أسبوعية – تونس) العدد 12 الصادر يوم 7 سبتمبر 2007)
التكوين المهني: تطوير للتعليم أم ترقيع له؟
بقلم: كمال الساكري sekrikamel@yahoo.fr بعد حذف منظومة التكوين المهني من تعليمنا على إثر القرار التعسفي لمحمد الشرفي وزير التربية السابق وتصفية الورشات وآلاتها الباهظة والتفريط فيها بأبخس الأثمان وإدخال بلبلة في صفوف مدرسي المهني والتقني ومحاولته طردهم لولا تصدي النقابة آنذاك تحت ذريعة تطوير منظومة التعليم بتونس والنسج على منوال الدول الغربية المتقدمة هاهي وزارتنا وبعد حوالي خمس عشرة سنة تعود إلى التكوين المهني من جديد. فهل هي عودة اضطرارية تمليها عوامل التسرب المرتفعة في منظومتها التربوية وضرورة تجسيم إجبارية التعليم إلى سن السادس عشر أم هي عودة اختيارية فرضتها متطلبات الاقتصاد الوطني المنفتح والساعي إلى الاندماج في العولمة والاستفادة من فرص التشغيل الجديدة وكسب رهان المنافسة الاقتصادية وتكوين كوادر قادرة على مواكبة التطور التكنولوجي ومواجهة الأوضاع المستجدة وإيجاد حلول وجيهة لها؟ وقبل الإجابة عن هذه الإشكالية يستحسن أن نقدم المعطيات المتعلقة بالمدارس الإعدادية التقنية. تشرع وزارة التربية والتكوين بداية من السنة الدراسية 2007/2008 في فتح مدارس إعدادية تقنية يتوقع أن يكون عددها 32 مدرسة على أن يقع تعميمها تدريجيا في قادم السنوات. ويلتحق بها « التلاميذ الذين أنهوا السنة السابعة من التعليم الأساسي والذين لهم مؤهلات علمية ومهارات تطبيقية » (أنظر المنشور الوزاري عدد 61/10/2007 بتاريخ 20 أوت 2007). وتحدد الوزارة الأهداف من هذه المدارس: احتضان التلاميذ اللذين لهم مؤهلات عملية وتطبيقية وإعدادهم للالتحاق بسلك التكوين المهني. الارتقاء بالتكوين المهني إلى مسلك نجاح يقبل عليه الشبان اختيارا لا يضطرون إليه عند فشلهم. تجسيم إجبارية التعليم إلى سن السادس عشر. الشروع في الربط بين منظومتي التربية والتكوين منذ المرحلة الإعدادية من التعليم الأساسي. ضمان تدفق الشبان نحو السلك التكوين المهني بالأعداد الكافية. وإن سعي الوزارة إلى تحسين صورة التكوين المهني لدى التلامذة والأولياء على حد السواء بعد أن اقترن بالفشل واحتضان الفاشلين في التعليم وضعف التكوين العلمي وحقارة التدريبات المهنية واليدوية ووضاعتها اجتماعيا من بناء وحدادة جعلها تغير آليات التوجيه فيصبح التوجيه إلى التكوين المهني اختياريا بعد أن كان إلزاميا لشريحة عمرية متقدمة في السن بعد نجاحهم في السادسة ابتدائي. أما اليوم فيوجه إلى المدارس التقنية كل من يرغب في ذلك من التلامذة الذين نجحوا في السابعة أساسي سواء كانوا صغارا في السن أم متقدمين فيه ضعاف النتائج أو ممتازين المهم هو مدى استعداد التلاميذ ورغبته تزكيهما نتائجه في بعض التعلمات ذات الصبغة التطبيقية والتكنولوجية إضافة إلى مساندة الولي لاختياره. أما فيما يتعلق بالبرامج فإنها تجمع بين التكوين التكنولوجي التطبيقي (الآلية، الكهرباء، التركيب المعدني، البناء، النجارة والتركيب الصحي والتجارة والخدمات، السياحة… إلخ). والتكوين العام في اللغات والعلوم والاجتماعيات أما لغة التدريس فمزدوجة تختص العربية بالتربيات والاجتماعيات وتشرّف الفرنسية كالعادة بالعلوم والتقنيات وتدوم الدراسة سنتين تتوزع على أربع سداسيات » يخصّص السداسي الأول لاستكشاف المجالات المهنية (الصناعة والبناء والخدمات) ويتداول التلاميذ على مختلف الورشات للاطلاع، في نطاق الأنشطة الخصوصية، على المجالات المهنية الفرعية المؤسسة التربوية » (نفس المرجع السابق). ثم بداية من السداسي الثاني يتم توجيه التلاميذ إلى أحد المجالات المهنية الثلاثة ويتواصل تكوينه فيه حتى نهاية السنة التاسعة. ويختتم هذا التكوين بشهادة ختم التعليم الإعدادي التقني » والجدير بالملاحظة أنه بإمكان التلميذ أن يغير مساره الدراسي من المسلك التقني والمهني إلى المسلك العام والعكس بالعكس كلما أراد ذلك وتوفرت الشروط الدنيا المناسبة لإعادة التوجيه. أما الجديد كل الجدة فإنه بإمكان المتحصل على شهادة ختم التعليم الإعدادي التقني أن يواصل دراسته ضمن المسلك المهني هذه المرة بعد أن كان مسلكا تقنيا لمدة سنتين تتوج بشهادة الكفاءة المهنية (CAP) والتلميذ حرّ في أن يلتحق بالحياة العملية أو يواصل دراسته فإذا اختار المسلك التقني المهني فإنه مطالب بالتكوين سنتين أيضا ويختتم « بمؤهل التقني المهني » (BTP) المفضي إما إلى الحياة العملية والتكوين المستمر أو إلى الدراسة العليا مدة سنتين لتشفعا بمؤهل التقني السامي (BTS) أما إذا اختار الحاصل على شهادة الكفاءة المهنية التكوين المهني فحسب فإنه سيدرس سنتين هو أيضا تختتمان ببكالوريا مهنية مفضية بدورها إلى الحياة العملية أو التعليم العالي. إن مثل هذا التعريف بإمكانه أن يساعدنا على الإجابة عن الإشكالية الكبرى. هل التكوين المهني المطروح اختيار أم اضطرار؟ لا شك في أن تأمل أهداف التكوين المهني وبرامجه ودرجاته ومراحله المختلفة وما اتسم به من إلحاح على اختيار التلميذ لا إلزامه وفتح باب تغيير المسار من التكوين المهني إلى التعليم العام والعكس بالعكس كلها مؤشرات تعكس رغبة الوزارة والسلطة في معالجة مشاكل التسرب المدمرة ماديا ومعنويا لمواردنا عامة والموارد البشرية خاصة تلك الألوف من الأيفاع الذين يغادرون المدرسة بلا مؤهل مهني يساعدهم على الاندماج في الحياة العملية فيستفيدون ويتجنبون جحيم البطالة وآفاتها ويفيدون المجتمع بما يقدمونه من خدمات وأعمال نحن أحوج ما تكون لها إزاء تطور التكنولوجيا وما تتطلبه من فنيين ومهرة يقومون بأعمال الصيانة ويطورون الصناعة والتكنولوجيا محليا. إننا في حاجة إلى ثورة مهنية تقنية تعيد بناء تصوراتنا عن التكوين المهني وتجلي صورته المشرقة في التربية والتعليم والإعلام والبرامج والمناهج والثقافة. آن الأوان كي تقطع مع الثقافة الزائفة الممجدة للآداب والفنون المحتقرة للمهن والحرف. أين تلك الثقافة الممجدة لإبداع اليدين؟ (يذهب مال الجدّين وتبقى صنعة اليدين). هل غادر شعبنا متردم الصور وانفتح على روح العصر عصر التكنولوجيا والاتصال والصناعة؟ إن توجه السلطة والدولة إلى التكوين المهني في الاتجاه الصحيح وإن جاء متأخرا ولكن ضمان نجاح هذا التوجه يتطلب توفير أسباب النجاح. صحيح أن الاعتمادات المالية باهظة من أجل بناء المدارس التقنية العصرية والجديدة وتجهيزها… وبالرغم من ذلك فبالإمكان التغلب على هذا الأمر ولو بالاقتراض. ولكن الأصعب حقا في نظري هو إعداد الناشئة إعدادا جيدا في الأساسي حتى إذا بلغ السابعة وتهيأ للتوجيه إما للتعليم العام أو التكوين المهني وجدنا تلامذة ممتازين أينما اتجهوا نجحوا واستوعبوا العلوم وحذقوا المهن والحرف وإذا ما دخلوا الحياة العملية أتقنوا عملهم وأبدعوا. ذلك ما نرجوه حقا وتهون في سبيله أعباء الديون والتقشف والضيق المادي. أما أن نضع مشروعا جبارا للتكوين المهني ونهمل تكوين التلامذة مثلما هم عليه الآن من ضعف في المستوى فأمر غير مقبول إذ يوشك أن ينقض كل البناء ويجعل من إصلاح التعليم وإدخال التكوين المهني مجرد إجراءات ترقيعية من شأنها أن تخفف من نسب التسرب ظرفيا ويجعل هدف النهوض بالشبان والعباد والبلاد بعيد المنال…
(المصدر: صحيفة « الوطن »، لسان حال الاتحاد الديمقراطي الوحدوي(أسبوعية – تونس) العدد 12 الصادر يوم 7 سبتمبر 2007)
بقلم: عاشق الخضراء قبل كل شئ شخصيا ليس لي أي عداوة ضد الدكتور الحامدي وثانيا تونس هي البلد الذي فيه ولدت وإليه أحن دائما ووسط تربتها سأدفن ولذالك فليس لأحد الحق الشك في وطنيتي فلا الهاشمي ولا بسيس ولا اليحياوي ولا بن علي فكلنا سنزول والوطن فقط الوطن سيبقي شامخا أما عن إستعارة الأسماء فأعتقد أن الدكتور نسي أننا لانعيش في واحة من الديمقراطية وفي خصوص الأسطر التي كتبتها تعليقا علي ما تفضلت به أقول لك الأتي أنا مثلك تماما ولد سيدي بوزيد كل سنة أمضي إجازتي الصيفية هناك لكن دعني أقول لك صراحة أنت تعرف أهالي سيدي بوزيد معروفون بتربية المواشي صدق يا أخي (السرقات في النهار والقايلة) صدق بالله ياأخي محمد (جارتنا ما تكسب في الدنيا كان بقرة حلوب من حليبها مصدر رزقها الوحيد سرقت لها البقرة فبقيت تتألم ) وتستغيث وكان من الأجدر بالمستقلة أن تنقل مثل هذه الاستغاثات لا أن تنقل لنا كلمة السيدة ليلي بن علي ثم بإمكانك أن تسأل أهلك الحوامد عن المستشفي الجهوي بسيدي بوزيد وعن المرأة الحامل وهي في حالة مخاض كم عمولة الرشوة المطلوب تسديدها للطبيب ليقوم بواجب مهني أذكر السيد الحامدي بأن الطريق الرابطة بين نصرالله وسيدي بوزيد لا تزال علي حالها منذ عشرات السنين ورغم أنها ليست طريق فرعية بل رئيسية للحافلات الوطنية والسياحية أخي في إحدى المرات علقت علي الوضع في مصر بالقول مبارك مستعد لبيع كامل الوطن من أجل التوريث نعم وهو كذالك لكن أريد أن أسأل الدكتور إن الفساد في تونس حديث العامة الكل يتحدث عن فساد العائلة الحاكمة في تونس فقط قناتكم بل شخصكم ذهب إلي أبعد من ذالك عندما وصفت الوضع بواحة الأمن أعتقد أنك ذهبت بعيدا في ذالك نعم هناك إستقرار في تونس وبطبيعة الشعب التونسي شعب أمن محب للاستقرار لكن عليك أن تعلم أن الرشوة والمحسوبية مستشرية بشكل مهول فسلوكيات غالبية أعوان الأمن توحي لك بأنهم والموظفون عموما لك بأن وجودهم ليس لخدمة المواطن بل غير ذلك تماما ورغم أن الوضع ليس بتلك السوداوية القاتمة لكن أجزم بأن الوضع إذا استمر علي هذا النحو فإن الوضع سيكون جد مؤلم خاصة ونحن بدأنا نسمع عن تسرب الفساد إلي مؤسسات التعليم التي طالما كانت هذه الأخيرة مفخرة تونس الحبيبة لكن نحن نؤمن بأن بتونس الحبيبة رجال بعضهم بالداخل وبعضهم بالخارج وهناك أيضا من هم بالسلطة لكن – وما أمر لكن للجميع – أقول تذكروا أنه في كل وطن مزدهر هناك رجال ضحوا بالغالي والنفيس من أجله واتقوا الله في وطننا العزيز وتذكروا أن الأقدام ستدوس من تستباح الوطن والأعناق ترفع من يعمل لعزة الوطن. والسلام (المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 9 سبتمبر 2007)
حاميها حراميها
بقلم: المنجي الفطناسي الرئيس زين العابدين بن علي يهتم بنشاط وبرامج وزارة الشؤون الدينية ( اتجهت عناية الرئيس زين العابدين بن علي لدى اجتماعه اليوم الأربعاء بالسيد بوبكر الاخزورى وزير الشؤون الدينية الى نشاط الوزارة وبرامجها في الفترة القادمة . واطلع رئيس الدولة في هذا السياق على الإجراءات التي تم ضبطها استعدادا لشهر رمضان المعظم وخاصة منها ما يتعلق بتهيئة بيوت الله بما يوفر لروادها أسباب الراحة عند أداء الشعائر ويضمن حسن انجاز الأنشطة المندرجة في نطاق التوعية الدينية من دروس ومحاضرات وندوات تستهدف تجلية مبادئ الإسلام السامية وقيمه السمحة . واهتم سيادة الرئيس كذلك بالمسابقات القرآنية الدولية والوطنية و الجهوية التي تقام خلال شهر رمضان المبارك ). طبعا وهل هناك رجل يغار على الدين الإسلامي في تونس مثله ، وهل هناك من يفرح بقدوم رمضان مثله ، وهل هناك من يوقر المقدسات ومظاهر التدين مثله اسألوا إن شئتم المساجد في عهده ، اسألوا الكتاتيب ، اسألوا الحجاب ، اسألوا السجون ، اسألوا كلية الشريعة وأصول الدين اسألوا الأخلاق . لقد استحق لقب حامي الحمى والدين عن جدارة بسبب تفانيه في خدمة القيم والمبادئ السامية. الرجل حريص على الإطلاع على الإجراءات التي تم ضبطها استعدادا لشهر رمضان المعظم وخاصة منها ما يتعلق بتهيئة بيوت الله بما يوفر لروادها أسباب الراحة عند أداء الشعائر ويضمن حسن انجاز الأنشطة المندرجة في نطاق التوعية الدينية من دروس ومحاضرات وندوات تستهدف تجلية مبادئ الإسلام السامية وقيمه السمحة . هذه الإجراءات الخاصة بالمساجد ( ومن خلال تجارب السنين الماضية ) يمكن تلخيصها في الأمور التالية : – زرع أكثر ما يمكن من الجواسيس والمليشيات داخل بيوت الله لإرهاب المصلين ومراقبة كل شاردة وواردة وكتابة تقارير كاذبة وباطلة.( بعضهم يتصنت على المصلين حتى أثناء السجود). – تنحية كل إمام يثبت أن صوته جميل وقراءته حسنة ويؤثر في المصلين ويجعل الإقبال على المسجد متزايدا. – منع إلقاء المواعظ والدروس والمحاضرات منعا باتا والويل والثبور لمن تحدثه نفسه بفعل ذلك حتى وإن كان من أهل الذكر. – إغلاق المساجد مباشرة بعد الصلاة وإخراج المصلين عنوة وبكل الوسائل اللائقة والغير اللائقة. (روى لي أحد مواطنينا بالخارج أنهم منعوه من صلاة ركعتي نافلة وقالوا له صليهم في دارك). – القيام من حين لآخر بحملات أمنية مكثفة بعد خروج الناس من صلاة التراويح واعتقال أعداد هائلة من الشباب بغية ترويعهم وصرفهم عن المساجد. – تشديد الحملة على المحجبات ومضايقتهن باستمرار واقتيادهن إلى مراكز البوليس حيث يتم إجبارهن على كتابة التزام والتعهد بعدم ارتداء الحجاب من جديد.كما وقع في رمضان الفارط ( سمعت من مهاجر أن أحد اعوان الأمن المرابطين أمام مسجد بالجنوب التونسي قال حين فوجئ بالعدد المهول للمحجبات الخارجات من المسجد بعد صلاة التراويح ( آخي ولينا في السعودية ) فردت عليه إحداهن بكل شجاعة ( هذا أفضل رد على رئيسك إلي يحب يخرجنا من ديننا ) . ولا أدري عن أي أنشطة مساجدية يتحدث سيادته ( ويضمن حسن انجاز الأنشطة المندرجة في نطاق التوعية الدينية من دروس ومحاضرات وندوات تستهدف تجلية مبادئ الإسلام السامية وقيمه السمحة). هذا ما يحضرني على مستوى اهتمام سيادة الرئيس بالمساجد. أما فيما يخص عنايته بالشهر الكريم فهي تفوق كل تصور ومن الإجراءات المتخذة في هذا الشأن : – تصوير وسائل الإعلام الرسمية لرمضان على أنه شهر استهلاك وتبشير المواطنين بأن الدولة وفرت لهم كميات هائلة من البيض والدجاج والغلال ( واستغلال الفرصة لرفع الأسعار) ، وانه شهر لهو وطرب وصخب وأن التلفزة التونسية أعدت لهم ما لذ وطاب من الفقرات الترفيهية التي تتزامن مواعيدها عادة مع موعد صلاة التراويح ( الأمور محبوكة جيدا والفاهم يفهم ) وأن وزارة الثقافة جهزت لهم برنامجا ثريا من المهرجانات والمسرحيات والحفلات ودعت لذلك خيرة النجوم والفرق كل ذلك من أجل مساعدة الصائم على عتق رقبته من النار. – تعمد تغييب هذه الوسائل للمعاني السامية لرمضان وفضائله ومزاياه كالعمل فيه للحصول على التقوى والتدرب على الصبر والإستعلاء والإنتصار على الشهوات وتحقيق التكافل الإجتماعي في أبهى صوره وصوم الجوارح والتصدي للظالم.ونصرة المظلوم. – ظهور وعاظ سوء وواعظات متبرجات على شاشة التليفزيون يلبسون على الناس دينهم ويضلونهم. (ويبينون لهم أن الدين في القلب وليس مظاهر حجاب ولحية وصلاة ودعوة للخير وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وقول كلمة حق عند سلطان ، لا الدين ليس هذا يكفي أن يكون قلبك نظيف وعلاقتك يالناس جيدة فأنت أفضل متدين في العالم حتى وإن لم تصم ولم تصلي حتى وإن شربت الخمر وزنيت وسرقت وظلمت وأشركت بالله وأكلت حقوق الآخرين فإن الله غفور رحيم ) . – إعطاء الضوء الاخضر للمطاعم والمقاهي وتشجيعها كي تفتح في نهار رمضان وتستقبل الأفواج الكبيرة من العصاة المجاهرين بالإفطار .( وقد ازداد عددها في عهده أضعافا مضاعفة ) .وهذا داخل في الحرية الشخصية طالما أنه ليس لباسا طائفيا. – إقامة مأدبة إفطار لكبار السن والعجز وضعاف الحال وتكتمل المسرحية بدخول سيادة الرئيس عليهم فجأة ويقاسمهم طعام الإفطار ، ياله من رئيس متواضع ، ياله من أب رحيم ، ياله من شيطان رجيم (الله وحده يعلم هل يصوم أم لا ) . – تنشيط حركة بيوت لعب الورق والقمار فرمضان هو شهر الميسر في أغلب أحياء العاصمة بتشجيع ورعاية وحراسة من البوليس لأن بعض بيوت القمار والميسر يرتادها كبار الشخصيات من رجال دولة وقضاة ورجال اعمال. – . التشجيع على السفور والتبرج والإنحطاط الأخلاقي في الشوارع والنزل وفي بيوت الدعارة وعلى الشواطئ ( يروي لي أحدهم أن السائحات يتجولن شبه عاريات تماما في نهار رمضان المعظم في أحياء تونس وأسواقها أمام أعين الصائمين ). – إحياء ليالي رمضان وخاصة العشر الأواخر منه بالمزود والكافيشانطا والراقصات العاريات تقربا إلى الله وابتغاء مرضاته. ( تشبيك متزمت ياأخ كيف تلقى الزهو والطرب لا تبدلوا لا بشقاء ولا بتعب ) سمعت أن إحدى الراقصات سبق لها أن أدت فريضة الحج ( وهي ترقص لابسة من غير هدوم الجمهور يصفق ويشجع قائلا : الله الله عليك يا حاجة ) . ونأتي في آخر هذا المقال إلى المسابقات القرآنية الوطنية والجهوية التي اهتم بها سيادته والتي تقام خلال شهر رمضان المبارك. ليسمح لنا سيادته بسؤال من سيشارك في هذه المسابقات إذا كان المصحف في عهدك يمزق ويداس بالأقدام ويرمى في بيت الخلاء ، وإذا كان من يريد أن يعلم الناس القرأن أو يتعلم فعليه أن يقدم طلبا لأمن الدولة وللوالي والمعتمد والعمدة ورئيس المركز وهؤلاء جميعا يطالبونه طوعا وكرها بالعمل لحسابهم ومدهم بكل أخبار المساجد وروادها إن أراد الحصول على ترخيص. أطن أن هناك جهة واحدة يمكنها أن تشارك وتفوز في هذه المسابقات وهي المساجين الإسلاميين الذين قضوا نصف أو ربع أعمارهم في سجونك والذين كافئهم الله عز وجل بحفظ كتابه الكريم. أسال الله العلي القدير أن يهديك يا بن علي فإن رفضت وكل المؤشرات تدل على أنك رافض للهداية فأساأله أن يجازيك بما فعلت. (المصدر: موقع « الحوار.نت » (ألمانيا) بتاريخ 9 سبتمبر 2007)
هلّلوا… زمّروا…. طبّلوا
تحيّة إكبار إلى حكومة الكويت المناضلة…
نصر الدين بن حديد
nasrbenhadid@yahoo.fr
نزل الخبر كالصاعقة، حطّ على الرؤوس كمثل ما تفعل الكواسر الجائعة بالصيصان الطريّة… هي مصيبة أو فاجعة أو علينا أن نوقظ النيسابوري أو النقشبندي أو ابن منظور، علّهم مجتمعين يصنعون لفظًا يعطي الحدث ما يستحقّ…. لقد قرّرت حكومة الكويت إغلاق المكاتب الإعلاميّة في الخارج!!!
قد يجد البعض أنّ الحدث لا يستحقّ هذا التهليل وهذا التزمير وهذا التطبيل، بل أضيف أنّ فاجعة الحصار في غزّة ومنجزات حكومة دايتن في رام الله وغير ذلك ممّا يعيش العراق ونراه في السودان ونشهده في الصومال ونغفل عنه في الشيشان، تذوب جميعها أمام هذا القرار الشجاع والأصيل…
بقدر ما نكبر هذا القرار، حين رأت حكومة الكويت الفاضلة أنّ «مالها السائب» علمّ أبناء «الحلال» من أشباه الصحفيين وأنصاف الكتّاب تلفيق الحقائق وتزيين الوقائع والضحك على الذقون وبيع الهواء معلّبًا، ليتحوّل أصحاب «الدشداشة» لدى قسم كبير من هؤلاء الذين احترفوا الكتابة بقدر العطاء، إلى حنفيات ماشية «ترشّ» في غدوّها و«تفرش» في إيابها، ليكون القول بقدر الحساب والأحاسيس «الصادقة» بحساب العطايا، بقدر ما ننادي بإجتماع قمّة عاجل وأكيد لقادة الدول العربيّة، بغية تدارس هذا القرار الخطير، الذي سيجعل ـ إن شاء الله ـ مقاولات الكذب ومصانع النفاق تتهاوى بل تفلس، علّنا نعيد صرف «مال الحرام هذا» على أبناء غزّة الذين لم ينزع الجوع عنّهم عزّة النفس، ولم يتركوا البندقيّة وقد سال الدم من أقدامهم العارية.
وصلت حكومة الكويت الفاضلة إلى حقيقة بسيطة وجليّة، لم تكن تحتاج إلى مثل هذه السنين وأساسًا إلى مثل هذه الملايين من الدولارات والدنانير الكويتيّة الرنّانة، حقيقة أنّ كثرة المال وسخاء العطاء ليس له من نتيجة سوى جمع المتملّقين وليس صنع حقيقة جديدة.
نقولها ـ دون أدنى فذلكة ـ ونرجو ونأمل أن تكون حكومة الكويت قد أيقنت أن المال السائب يعلّم الحرام، وأنّها تحتاج إلى الانجازات على أرض الواقع أكثر من حفنة من المتملقين شتموا صدّام حسين بقدر الدنانير الهابطة على رؤوسهم وأعادوا صياغة التاريخ وقراءة الجغرافيا بحساب «المحسّنات» التي لم يكن يبخل بها أمراء الكويت وأتباع أتباعهم ممّن احترفوا شراء الذمم وبيعها بأسعار فاحشة لأمراء يدفعون من أجل «معسول الكلام» أكثر ممّا يدفعون من أجل فلذات أكبادنا في العراق ولبنان والسودان…
تعيش الكويت أزمة «البدون» وتشكيل للمواطنة والهويّة وفق مراتب عجيبة ودرجات غريبة، لكنّها أورثتنا ـ بعد أن أغلقت المراكز الإعلاميّة ـ فئة «البدون كرامة»، الذين سيتوزّعون على مدى البلاد العربيّة، يؤجرون أصواتهم ويبيعون ذممهم…
نأمل أن يكون هذا الإغلاق فال خير وإعلانًا لعودة الروح إلى الأنظمة التي أدمنت شراء الذمم ودفع أموال الشعوب الكادحة وتبديد ثرواتها من أجل «معسول الكلام»، حين يتظاهر القائل بالصدق والسامع بالتصديق، ونتظاهر نحن بالصمت!!!
نأمل من حكومة الكويت أن تتحمّل مسؤوليتها أمام الله والتاريخ والضمير، فعليها أن تشرف وتسرف في علاج من أدمنوا مديحها واختلاق الأقاويل ونسج الأكاذيب وافتعال التاريخ والكذب على الجغرافيا… بعضهم راح به العمر وليس من نظام آخر يقبله وثان أدمن «المديح» وصار لا يقوى على قول الصدق أو حتّى الصمت… وثالث أعاد إخراج المقالات التي حبّرها علّه يغيّر اسم حاكم الكويت بمن فتح خزائنه… حين تيقّن أنّ الدينار الكويتي لا يختلف مذاقه أو لونه أو رائحته عن الريال السعود أو الدولار الأمريكي أو حتّى «الشيقل» الصهيوني [عفوًا الإسرائيلي].
نرى في الأفق تجّار الكلام ومتعهدي المديح وقد فركوا الأيدي، ليجدوا في هذا اللفيف من المرتزقة من يرغب في أن يمدح ويشتم ويسبّ من شاء صاحب الدفع…
نرفع الأمر إلى جمعيّة الصحفيين التونسيين ونقول أنّ الأمر يهمّ «الاستقرار» في هذه البلاد، ليكون لمثل هؤلاء الجماعة بعض مال «صندوق التآزر» وما يجود به أهل الحلال وفاعلي الخير… علينا أن نرحم أذلاّء القوم حين صاروا أكثر ذلاّ، وانحطّ بهم الوضع إلى أسفل الدرك…
أللهمّ، لا شماتة… بل عبرة نسوقها…
من رموز العلم والإصلاح التربوي
الأستاذ الحجّة المجتهد العلاّمة: محمد الطّاهر بن عاشور في ذكراه الرابعة والثلاثين (34): (1296 ـ 1393هـ) (1877 ـ 1973م)
لهذه الأسباب تم اختياره عضوا عاملا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة
بقلم: الأستاذ صالح بن عبد الجليل لقد أدركته في أوّل فجر الاستقلال وقد بلغ من الكبر عتبا (80 سنة) وأنا في السنة الخامسة من التعليم الثانوي الزيتوني يوم كنت نازلا بالمدرسة الشمّاعية في سوق البلاغجية قرب جامع الزيتونة وأدرس بجامع سيدي البشير في باب الفلّة المواد السمعيّة من فقه وأصوله وتفسير مذاهبه وحديثه ورجاله والمواد الكتابيّة الأخرى في مكتب ابن عبد اللّه معهد ابن رشد حومة الصبّاغين وهي الرياضيات والعلوم الطبيعية والتّاريخ والجغرافيا والفرنسية وفنون العربية نحوًا وصرفًا وبلاغة، وكنت أتردّد في غير أوقات الدّراسة على المكتبة العبدليّة للمطالعة وهي الكائنة على يمين الداخل من الباب الرئيسي الشرقي لجامع الزيتونة من صحن الجنائز وكان الجامع قبل ذلك العام معمورًا بأهله من فحول العلماء والمشائخ الأجلاّء وتلاميذهم النجباء من شباب تونس المتوثبة والجزائر المناضلة وغيرهم، وقد كان رحمه الله يتردّد على تلك المكتبة في قسمها الداخلي (المقصورة) لضبط وإحصاء وصيانة المخطوطات الثمينة المتراكمة فيها، فكنّا ونحن تلاميذ لم نتجاوز العقد الثاني من العمر نرمُقه وهو يجتاز صفوف المطالعين في صمت عنيف وحيويّة لا تناسب 80 سنة كالحبّة المارقة من الذّخيرة الحيّة، وكان في ذلك الوقت قد أُزيح عن مشيخة الجامع وفروعه لتحلّ محلّه وزارة التربية الوطنية التي جمعت تحت أنظارها جميع أصناف التعليم الموجودة طيلة عهد الاستعمار البغيض الذي جاء بإدارة العلوم والمعارف الفرنسية لتوجه التعليم الرسمي الحكومي (الفرنكو غرب) بطريقة الفرنكفونية الاستعمارية الراسخة، فلمّا توحّد التعليم بحكم استقلال البلاد كان التعليم الأصلي بمراحله كلّها بالعاصمة والدواخل هو كبش الفداء لهذا التوحيد بحيث ألغي كلّيا شكلا ومضمونا وحوته وزارة المعارف فأفرغت أصله وسمّت فروعه المعاهد الثانوية الزيتونية وأوقفت مددها من التلاميذ في انتظار أن تُكمّل مشوارها بمن فيها من التلاميذ والمدرّسين، أمّا تعليمه العالي فقد أُحدثت له (الكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين) وجُعل مقرّها موضع إدارة الأوقاف المنحلّة والكائنة في نهج جامع الزيتونة الآن قبالة مكتبة النجاح وقد كان يسمّى (نهج الكنيسة) لأنّ فرنسا فتحت به كنيسة صغيرة هي الآن فرع بلدي لبلدية العاصمة وعُيّن على رأس هذه الكلّية التي كادت تكون فارغة تماما في أوّل أمرها لأنّ كل المتخرّجين من طلبة وتلاميذ الجامع وحتّى فروعه بشهادة التحصيل أو (الأهلية) كلّهم وغيرهم قد استوعبتهم الأماكن الشاغرة ضمن الوظائف الحكومية بحكم استقلال البلاد وخروج الأجانب منها في التعليم وخاصّة الابتدائي لما فيه من احداثات واسعة والأمن بقسميه والجيش الوطني والعدلية والمالية والبلديات.. الخ.. ممّا جنّب وقوع البلاد في بدء استقلالها في أي عجز إداري أو تسيير ذاتي عكس ما وقع في الجزائر المجاورة الخالية من مثل جامع الزيتونة إلاّ من بعض محظوظي أبنائها الدارسين بالجامع في تونس، والفضل كلّه للّه وحده ولأسلافنا وأجدادنا الفضلاء الذين حافظوا وعملوا بالفكر وبالساعد على استمرارية العمل الدؤوب بهذا المعقل الأصيل للتعليم والتربية طيلة ما يزيد عن ألف سنة بداية من 114 هـ في عهد الوالي الأموي عبد الله بن الحبحاب ثمّ ما لبث أن أصبح يؤدّي دوره التعليمي الأصيل إلى جانب دوره التعبّدي المقدّس الأوّل عبر العصور والدول إلى عهد الاستعمار الفرنسي (75 عاما) الذي حاول بكلّ جهده أكثر من مرّة وضع يده عليه وتسييره كما يسيّر بقيّة المعاهد التعليمية الأخرى فلم يتمكّن من ذلك إلى أن جاء عهد الاستقلال المجيد فعطّل المسيرة وأسقط التعليم الأصلي بالضربة القاضية والنهائية وأظهر التعليم الرسمي الذي كان امتدادا لتعليم إدارة العلوم والمعارف الفرنسية تقريبا ورئيسها الاستعماري العريق القادم من الجزائر المستشرق الماكر ?ماشويل? وقد كان لشيخنا الوقور صولات وجولات إصلاحية مشهودة لتعليم هذا المعهد العريق منذ مطلع القرن 20 عقب تخرّجه من الدراسة فيه حيث كان شابّا نشيطا متشبّعا علما ومعرفة ونضجا وطنيّا وغيرة على الأصالة والإسلام والمسلمين في هذه الربوع يعمل مدرّسا ناجحا في المعهدين الأصيلين جامع الزيتونة والمعهد الصادقي المحدث لمؤازرة ودعم التعليم الزيتوني من عهد خير الدين باشا الذي كان يلتهب شوقا ويندفع حماسا لخدمة الأمّة وتحقيق مناعتها في وجه الغاصبين المتربّصين بها من كل جانب مثله في ذلك مثل جمال الدين ورفيقه محمد عبده بمصر وثالثهما عبد الرحمان الكواكبي بدمشق الشام وكلّهم سواء في مقارعة الخطوب المحيطة بالأمّة ومقاومة طبائع الاستبداد والمعضلات الاجتماعية والسياسية المعرقلة للتقدّم الشامل وتحقيق نتائجه البعيدة الأثر والمتسامية عن مظاهر الانحلال ونشر الفساد، ولقد قضّى معظم حياته وعمره الطويل المبارك في التعليم والتربية برحاب كعبة العلوم والمعارف الشرعية واللّغوية والأدبيّة، وكان مغرما بالآداب العربية وفقه لغتها والتفنّن في أسرارها العميقة واشتقاقاتها المتشعّبة في صرفها ونحوها وبيانها وبديعها شعرا ونثرا، وشعاره هو: لا تلمني في هواها.. أنا لا أهوى سواها، ما لقومي ضيّعوها.. فدهاهم ما دهاها.. وكان مهتمّا خاصّة بشرح (ديوان الحماسة) للبحتري فقد أبدى فيه ضلاعة وامتيازا دلّتا على سموّ الذّوق وعمق التحليل وسعة الإطلاع، يقول أحد تلاميذه ومريديه (كنّا نفزع الى حلقة دروسه وكُلّنا آذان صاغية مبهوتين بمتانة اللّغة وسلامة العبارة وحسن الانتقاء والاستشهاد بما يدعم رأيه ويعزّز مذهبه في الشرح والبيان… فكان طرازا جديدا علينا يشدّنا الى متابعته ويهزّنا بصرامة إلقائه واستشهاداته البليغة الفصيحة من الشعر الجيّد والنثر المتين الذي يحفظه من ديوان الحماسة وشروحه… ودرسه كان يستمر دون انقطاع مُدّة تربو عن الساعتين لا يرجع إلى ورقة ولا إلى كتاب معه في تسلسل ممتع وأسلوب رائق عميق يناقش المؤلّفين والمفسّرين والشرّاح ويقرع حججهم بحجّته ويردّ تخريجاتهم يُلقيها من عنده بعد أن يصقلها صقلا عجيبا… الخ) من كتاب أعلام من الزيتونة ج 1 بداية من ص 240، وهو أوّل ما ظهر في موضوعه سنة 1996 تـ: الشيخ القاضي محمود شمّام. وإلى جانب التّدريس بالمعهدين الأصيلين (الزيتونة والصادقية) كان لا يفتأ يشارك في نشاط الجمعيات الثقافية بالمحاضرات والتوجيه فكانت محاضراته على منبر جمعية قدماء الصادقية (تـ 1875م) والجمعية الخلدونية (تـ 1886م) لا تكاد تتوقّف أو تنقطع إلى جانب التحرير في الصّحف والمجلاّت السيّارة… حتّى طارت شهرته لا بين الطلبة والأساتذة فقط بل في أوساط الشعب ونُخبه المثقفة بل حتّى خارج البلاد فقد وقع اختياره عضوا عاملا رسميّا بمجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة والمجمع العلمي بدمشق الشام بعد أن عيّنته حكومة الباي في تونس عضوا قارّا في (النظارة العلمية) السّاهرة على سير وإصلاح التعليم الأصلي في جامع الزيتونة وكانت هذه فرصته المرتقبة للإصداع بآرائه الإصلاحية للتعليم عموما من حيث المناهج والمحتوى وللتعليم الزيتوني خاصّة من حيث الطّرق والممارسة فكان همّه الشاغل أن يُحوّله إلى مؤسسة علمية عصريّة مستنيرة وأصيلة وشاملة لتوجّهات الحياة ومستجيبة لمطالب الأمّة وحاجاتها المستحدثة دون تنكّر لعراقتها ومجدها الرّاسخ وقد دوّن آراءه الإصلاحية هذه في كتابه المفقود الآن (أليس الصبح بقريب) وفيه من الإيحاء بمطالب الناشئة التونسية الزيتونية بالخصوص ما يستحق التوقّف والاهتمام كالخروج من عتمة التزمّت العلمي والعيش في بطون الكتب الصّفراء وتحت أقبيّة الجوامع والأماكن العتيقة والمتداعية إلى آفاق الحداثة الواعية والفضاءات الصحّية اللاّئقة بعمر الشباب وحياة العصر ونهضته. المشروع الإصلاحي القويم: هو الذي يجذّر أصالة التعليم والثقافة ويُبقي على مقوّمات الهويّة ويعمّق الإحساس بالانتماء الحضاري للعروبة والإسلام في هذه المنطقة وغيرها… وهذا ما عمل على تحقيقه شيخنا الطاهر بن عاشور رمز الدعوة الإصلاحية التعليمية في زمانه بتونس خصوصا بعد زيارة الداعية المربّي الشيخ محمد عبده الأولى والثانية حيث حاضر على منبر الخلدونية داعيا إلى هذا المشروع الإصلاحي التربوي الشامل للتعليم بالأزهر والزيتونة في ذلك الوقت وطارت شهرة شيخنا الكريم بدعوته الملحّة إلى إصلاح برامج التعليم الزيتوني وطرق تدريسه وأساليب نهضته وتوعيّة رجال التعليم فيه الذين يمثّلون في نظر الشيخ حجر الزاوية في هذا الإصلاح المنشود ضاربا صفحا عن عرقلة المتزمّتين والمتحجّرين منهم المتشبّثين بإبقاء ما كان على ما كان…، وإصلاح التعليم عند الشيخ ينطلق في حياة الطفل ابتداء من ترسيخ تعليم اللّغة العربيّة وتثبيت قواعدها والغوص مع اشتقاقها وفنونها والاستمتاع بآدابها لتكون الأداة الطيّعة لفهم الدين الإسلامي عقيدة وشريعة ومعاملة من مصادره الأساسية والإبحار في فسيح مقاصد الشريعة وأصول التشريع الإسلامي… بما يضمن للمسلم المعاصر الصلاح والفوز بل الرّيادة والمناعة والتقدّم في الحياة الدّنيا والآخرة، وهذا حق ثابت ومشروع لكل مسلم في هذا المغرب الإسلامي المتوثّب نحو العزّة والسيادة. يعني ترسيخ ثوابت الهويّة من اللّغة والدين في مهجة الطفل ثمّ العروج به إلى آفاق العلوم التجريبية والصحيحة بطرق بيداغوجية سليمة تُعطي كل شيء ما يستحق من الوقت والعناية سواء من طلاّب العلم أو رجال التعليم، وقد انتشرت هذه الأفكار في صفوف الزيتونيين عامّة ورسّخت في نفوسهم الرّغبة الملحّة في الإصلاح والتطوّر والنهوض بمؤسّستهم في كل الأحوال…، وسرعان ما تحوّلت الأماني والخطب إلى حركة طالبيّة منظّمة نشيطة تشنّ الاضرابات عن الدّروس احتجاجا وتناوِيء الحكومة بمطالبها تهديدا وهذا ما أكسبها عطف الشعب ومساندة رموز الحركة التحريريّة الواسعة، واشتدّت مظاهر الهيجان في صفوف طلبة الجامع فأبعد الشيخ بن عاشور عن مهام التّدريس والاحتكاك بالطلبة وعُيّن قاضي قضاة المالكية ثمّ شيخ الإسلام لكامل المملكة، غير أنّ تفاقم الوضع بجامع الزيتونة ونجاح الطلبة في تنظيم اضراب عن الدّروس مع الاعتصام عن الطعام بالجامع ومظاهرات صاخبة في الشارع، الأمر الذي أنطق أمير الشعراء خزندار رحمه الله فقال: الحال في المعهد الديني مُنصدع … يرثى لحاله حتّى حامل الوزر الحال في جامع الزيتونة اضطربت … تفاقم الأمر عن طيّ وعن نشر… الخ. ومع تنامي الحركة الوطنية وتزايد الوعي بأهمّية الإصلاحات الزيتونية كأحسن ردّ على ما تقدّم به القطب الاستعماري الفكري المستشرق الفرنسي الماكر الذي عيّنته دولته على (إدارة العلوم والمعارف) الفرنسية في اجتماع اللجنة الحكومية لإصلاح التعليم التي يرأسها الوزير الأكبر تقدّم بمساع لإدخال التعليم الزيتوني تحت أنظار إدارته، لأنّ بلاده الدولة الحامية ـ كما يقول ـ تعتبر جامع الزيتونة معقلا يقف صامدا في وجه انتشار وتغلغل الحضور الفرنسي في تونس فيجب ترويضه وتطويعه تحت إدارة المعارف للدولة الحامية مثل معهد الصادقية والعلويّة ولكن العناصر البارزة في اللجنة مثل الشيخ سالم بوحاجب ومحمد مناشو واضرابهما الذين يريدون المحافظة على هذا المعهد الديني الأصيل بعيدا عن دنس الأيدي الأجنبية ومن ورائها الاستعمار الفكري والثقافي الخبيث تصدّت لهذه المساعي بقوّة حتّى بقيت إدارة الجامع تابعة مباشرة للوزارة الكبرى تحت أنظار الباي ولا صلة لها إطلاقا بإدارة المعارف الفرنسية، ومع تنامي الحكومة الإصلاحية وتزايد الوعي الوطني والقومي عامّة بفضل كثافة التواصل الإعلامي أثناء الحرب العالمية الثانية أقدمت حكومة الباي في خطوة جريئة على إعادة تعيين الشيخ ابن عاشور على رأس إدارة التعليم بالجامع الأعظم وفروعه في العاصمة وخارجها فتقبّل المهمّة الشاقّة قَبولاً حسنا وأنبتها نباتا حسنا بجدارة واقتدار، وعُدّ ذلك نصرا للحركة الإصلاحية ونجاحا لنشاط الشبيبة الزيتونية، ولمّا هدأت الحرب ومخاطرها في تونس شرع في تنفيذ برنامجه الاصلاحي وانضمّ إلى صفّه المدرّسون اللاّمعون بالجامع بزعامة نجله الأغرّ وهو الأستاذ القدير والمناضل النقابي المؤسّس المعروف بغيرته الصادقة على محارم الإسلام وتراث المسلمين أينما كانوا والمجاهر بعمق مشاعره الوطنية نحو جامع الزيتونة ورجاله وطلاّبه والتصدّي بحزم لكل من يروم المساس بحقوقهم وأعني به الوطني الصادق والعلاّمة البحر محمد الفاضل بن عاشور برّد اللّه ثراه وجعل الجنّة مأواه (تـ 1970)، ونقاط هذا المشروع الجاد نجملها في (3): أ ـ التوسيع من نطاق الفروع الزيتونية لتشمل كامل أنحاء القطر فضلا عن العاصمة التي بها الجامع الأعظم مركز التعليم الأصلي وثلاثة فروع في الجامع الحفصي وفي الجامع اليوسفي وجامع صاحب الطابع، وفعلا ظهرت الفروع الزيتونية في أهم المدن بالدواخل التونسية حسب الامكانيات المتاحة والمتواضعة، ففي كل جامع كبير من كل بلدة معتبرة في الساحل والوسط والجنوب تركّز معهد تعليمي أصيل يدعى (الفرع الزيتوني) لإيواء طلبة وتلاميذ الجهة في غالب الدواخل التونسية بل تجاوزتها إلى القطر الجزائري الشقيق حيث ركّز فرع زيتوني أو أكثر في عمالة قسنطينة شرقي القطر الشقيق رغم محاصرة قوى الاستعمار الباغية هنا وهناك. ومن تلك الفروع العاملة والنشيطة الفرع الزيتوني بمدينة مساكن التي لا تبعد عن مركز الولاية والمدينة الضخمة سوسة التي بها فرع زيتوني أسبق لا تبعد أكثر من 12 كم وكذلك في مدينة جمّال والمكنين القريبتين من مدينة المنستير مركز الولاية التي بها فرع سابق أيضا.. ولقد كان فرع مساكن أرحبها وأنشطها وأنجحها وأفيدها لأهالي المنطقة وما جاورها من مشيخات وأرياف بعيدة يقدم تلاميذها للدراسة بالجامع الكبير المنتصب في قلب المدينة مع الاستقرار والسكنى بالزوايا المحيطة به إحاطة السوار بالمعصم مثل زاوية سيدي علي الزرلي وزاوية سيدي علي بن خليفة وزاوية ابن عبد الله والصغير وجامع هلال… الخ، وكان أهل البرّ والإحسان من البيوت الموسرة لا يتأخّرون عن مساعدة هؤلاء التلاميذ القادمين من عروش الهمامة والمرازيق والسواسي والجلاص فضلا عن العمادات القريبة والمحيطة بمدينة مساكن مثل الكنائس والبرجين وبني كلثوم والمسعدين وسكّان الغروس وغابة مساكن، يُقدّمون لهم عطايا الصدقات والزكاوات ليستعينوا على تكاليف الدراسة والحياة ويرتّبون لهم الوَجبات الغذائية الجاهزة في الصباح والمساء لعلمهم أنّ الانفاق على طلاّب العلم والمغتربين من أهمّ وأنفع أبواب الإنفاق في سبيل اللّه و (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة واللّه يُضاعف من يشاء واللّه واسع عليم) 261 ـ البقرة ـ وكان هدف الشيخ من تعميم الفروع الزيتونية التي تجاوز عددها سنة 1956 الاستقلال 26 فرعا تضم في العاصمة وكامل القطر ما يزيد عن 26 ألف تلميذ وتلميذة بين العاصمة والدواخل في حين أنّ تعداد الشعب التونسي لا يكاد يتجاوز (2,5) مليون، كان هدفه قطع الطريق على مدارس ومعاهد الفرنكو غرب التي تسيّرها وتنفق عليها وترغّب التلاميذ في دخولها بالهدايا والمساعدات المادية من ملابس وأحذية (إدارة المعارف الفرنسية برئيسها الأخير سطون باي) تفعل ذلك كي تتمكّن من فرنسة وتغريب أكبر عدد ممكن من الناشئة التونسية تحبّبهم في لغتها ونهضتها وتاريخها تنمّقه كما تشاء وتظهر أبطالها وعلماءها وثقافتها… وتطمس في نفوسهم معالم بلادهم وتاريخها وأمجادها الغابرة وتزرع في عقولهم أنّهم في حماية ورعاية الإمبراطورية الفرنسية المترامية من بلاد الإفرنج إلى ما وراء البحار… واستمرّ هذا المدّ المبارك ببعث الفروع الزيتونية منذ تولّي الشيخ إدارة الجامع ثانية سنة 1945 إلى بداية عهد الاستقلال حيث توقّف انبعاثها ونشاطها وتبدّل حتّى اسمها فأصبح الواحد منها يسمّى: المعهد الثانوي الزيتوني، وأُلغيت إدارة مشيخة الجامع الأعظم وفروعه لتدخل تحت وزارة المعارف الوطنية في تونس المستقلّة وذلك ضمن مشروع توحيد التعليم بجميع أصنافه ومراحله تحت سلطة الوزارة المذكورة. وهكذا أضاع التعليم الأصلي وفروعه الذي كان يملأ ذكره الدنيا ويشغل الناس في الداخل والخارج، لأنّ الرئيس السابق حضرة المجاهد الأكبر وأعضاده الميامين استخفّ قومه فأطاعوه بعد أن استلب أمنهم وأمانهم واسترق ثقتهم فأخذ يعدهم ويمنّيهم فاتّبعوه وصفّقوا له حتّى عَلاَ في الأرض أرض الوطن وجعل أهلها شِيعًا وأحزابا يستضعف طائفة منهم هم أبناء الزيتونة بشيبهم وشبابهم، واللّه سمعتها بأذني من فم شيخ طاعن في السنّ بلغ أعلى مراتب سلّم القضاء التونسي الآن، قال: لمّا استوى الأمر لبورقيبة ومسك بمقاليد الأمور كلّها أوصى جميع دواوين الحكومة وأقسام الوظيفة العمومية بوضع حرف (ز) أمام اسم كل موظف زيتوني مهما كان وفي أيّ مجال، وأحسب أنّ هذا ما كان يفعله مدير إدارة (العلوم والمعارف الفرنسية) منذ نشأتها على أساس الحقد والتّضييق على التعليم الزيتوني وأبنائه. أليس هذا من علامات الجهاد الأكبر الذي كان (رئيسنا المحبوب) يصرّ على أن يُنادى به ؟. بـ : النقطة الثانية من المشروع الإصلاحي العاشوري الذي ساد ثمّ أُبيد، هي إلحاق إدارات تلك الفروع الناشئة في بدايتها كمشروع أهلي خيري أي بمجهود المتطوّعين من الأهالي الحريصين على مصلحة أبنائهم وتعليمهم التعليم الأصلي بما أوتوا من إمكانيات فإذا مشى المشروع وأخذ طريقه أُلحق بإدارة المشيخة من الناحيتين التنظيمية والتّسيير الإداري من قبول التلاميذ وتنظيم امتحاناتهم وضبط برامج تعليمهم وتعيين المدرّسين وخلاص أجورهم وإجراءات عملهم ونقلهم وتفقّدهم وترسيمهم وترقيتهم.. الخ. وكان التعليم بتلك الفروع على قسمين: قسم الشعبة العلميّة التي تكاد تكون حسب المناهج الأولى العاديّة في التعليم الزيتوني، وقسم الشعبة العصريّة التي يركّز منهجها على توفير حصص الرياضيات والعلوم الطبيعيّة (علم الإنسان والحيوان والنّبات) واللّغات الأجنبيّة فرنسية وأنليزيّة، كلغة فقط أي لا يُدرّس بها أي مادّة في البرنامج. ويستمرّ التعليم في هذه الفروع 4 سنوات تختم بامتحان شهادة (الأهليّة) فمن فاز بها يصبح أهلا لمواصلة المرحلة الثانية من التعليم الزيتوني بالعاصمة أي (3 سنوات) تختم بشهادة (التحصيل) والفائز بها بإمكانه أن يدخل معترك الحياة العمليّة أو يلتحق بالتعليم الجامعي داخل أو خارج البلاد، .. الخ. وشهادة التحصيل بنوعيها العلمي والعصري تخوّل لحاملها الدّخول إلى أيّ كلّية من جامعات الشرق العربي إلى أن يحصل على الأستاذية أو الإجازة في العلوم الإنسانية مثل الآداب واللّغة والفلسفة والتاريخ والجغرافيا والتربية وعلم النّفس الخ.. أو العلوم التجريبية مثل الفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية والرياضيات (الحساب والجبر والهندسة) وفعلا ذهبوا إليها ودرسوا في القاهرة وبغداد ودمشق وبيروت ورجعوا بالإجازة كلّ في اختصاصه وباشروا التّدريس كأساتذة مجازين في التعليم الثانوي بكل كفاءة واقتدار ومازالت ذكرياتهم وصُورهم عالقة بالأذهان فأفادوا واستفادوا وبتحقّق الاستقلال المجيد انقلبت الآية وتبدّلت لغة التّدريس وتفرْنَسَتْ أسماء المواد فوجد هؤلاء أنفسهم على هامش العمل فالتحق من التحق بالجزائر أو بليبيا لأنّ تعليمهما عربي اللّسان في جميع مراحله لأنّ وباء الفرنكوفونية أخطأهم ولم يصبهم رغم الدّاء والأعداء، والتحق البعض بوظائف إداريّة مختلفة. ج : النقطة الثالثة في هذا المشروع الإصلاحي التربوي هي تحوير البرامج التعليمية الزيتونية أو تطعيمها بما يضمن نجاعتها وجدواها في الحياة العملية الحديثة، فقد كانت مواد التعليم طيلة العقود السابقة بالزيتونة مركّزة بالخصوص على مواد الفقه وأصوله وتاريخ التشريع الإسلامي ومصادره والتفسير وعلومه والحديث ومصطلحه مع الأدب العربي وعصوره واللّغة العربيّة وفنونها.. وعلوم الكلام والتوحيد والمنطق ولكل هذه المواد كتب محدّدة بأسمائها ومؤلّفيها ومرتّبة ترتيبا تصاعديا حسب تصاعد سنوات الدراسة بالجامع وفروعه وأكثرها عتيقة جدّا مضت عليها قرون وقرون ومتداولة في الأزهر والزيتونة وفي فاس بالمغرب الأقصى منذ عهد الأندلس وما بعده… فلمّا جاء المشروع الإصلاحي العاشوري قلّص من عدد تلك المواد المتشابهة وحصصها لإفساح المجال للمواد العلمية الحديثة مثل: علم الإنسان وعلم الحيوان وعلم النبات والرياضيات كلّها وتاريخ البلاد وجغرافيتها البشريّة والطبيعيّة وكلّها تدرس بلغة عربية سليمة في كتب مبسّطة وبأقلام وخبرات تونسية أو عربية مع دراسة اللّغة الفرنسية كلغة فقط وكذلك الأنليزيّة في الشعبة العصرية المستحدثة. وكلّ ذلك في نطاق التفتّح على واقع الحياة وإزالة مظاهر الرّجعيّة والتمسّك بالمُحنّطات ومسايرة الحياة الحديثة، الذي هو في الحقيقة الشغل الشاغل لطلاّب الزيتونة منذ القدم من أجله قاموا بإضراباتهم ومظاهراتهم وتأسّست لذلك لجنتهم العتيدة (لجنة صوت الطالب الزيتوني) ورئيسها الشيخ محمد البدوي العامري التي كانت مرفوعة الرّأس مسموعة الكلمة في أوساط الطلبة أينما كانوا تنطق بألسنتهم وتطالب بحقوقهم وتقود مسيرتهم التعبوية ومظاهراتهم الاحتجاجية التي كان لها دويٌّ يهزّ أرجاء العاصمة فترتعد منها القوى الباغيّة وتردّ على التحرّك السلمي المدني المنظّم بقوّة الحديد والنّار يعقبها القمع الشديد والسّجن والتعذيب، كما حصل في مظاهرة 15 مارس 1954 ـ التي سقط فيها الطالبان النّجيبان محمد المرزوقي ومحمد حمزة عدا الجرحى والمقبوض عليهم…، وقد أعطت تلك الجهود النّضاليّة والتضحيات الطالبيّة ثمرتها فاستجابت الحكومة إلى بعض مطالب الحركة وبنت (الحيّ الزيتوني) بالعاصمة ، معهد ابن شرف الآن كمبنى عصري ضخم لسكنى ودراسة التلاميذ… ثمّ أذنت الحكومة بالشروع في البناية الفخمة الكبرى لتكون مقرّ الجامعة الزيتونية بمختلف كلّياتها المبرمجة في المكان المرتفع بشارع (9 أفريل الآن) المسمّاة كلّية الآداب والعلوم الإنسانية وقد وضع حجر الأساس فضيلة الشيخ الطاهر بن عاشور في حفل طالبي مشهود، ولمّا تمّ انجاز الجناح القبلي الجنوبي من البناء الفخم بطابقيه انتقل إليه تلاميذ الجامع وأعطي إسم معهد ابن خلدون الثانوي الزيتوني يديره الأستاذ القدير الشيخ محمد العربي العنّابي رحمه الله وهذا المعهد هو الذي أكملنا فيه دراسة المرحلة الثانية من التعليم الثانوي حتّى شهادة التحصيل العلمي، ولمّا انتهى التعليم الزيتوني بجميع مراحله ثمّ إنجاز بقية الأجنحة من البناء غربا وشرقا وشمالا لتصبح كما هي الآن مقرّ الجامعة التونسية الأولى، والملاحظ أنّ طرق التربية والتعليم وأسماء المواد في الثانوي والعالي فقدت لغتها وعروبتها وتَفَرنَسَتْ كل تلك المواد العلميّة وغيرها… التي كنّا درسناها جميعا وامتحنّا فيها ونجحنا بحمد الله بلغة عربية سليمة ومازالت كتبها العربية عندنا وأسماء وصور أساتذتها حيّة ماثلة في الذاكرة وأصبحت الرياضيات بأقسامها الثلاثة والكيمياء والفيزياء والعلوم الطبيعية بأنواعها كلّها بالفرنسية حتّى بعض المواد الإنسانية مثل التاريخ الإسلامي وجغرافيّة البلاد العربية والفلسفة وعلوم التربية وعلم النّفس، بل انّ الأدب العربي ولغته تستدعي لهما الجامعة الناشئة المستعرب الفرنسي الماكر (بلاشير). قيل لأنّ السيد وزير التربية درس عليه في السربون فأراد أن يكرّمه في آخر أيّامه وقد فقد بصره وجهده فكانت تأتي به وترجع طائرة على حساب الجامعة يعني كمن يودّ الحصول على العسل البلدي من ناب أفعى رقطاء، وقديما قيل: لكل داء دواء يستطب به … إلاّ الحماقة أعيت من يداويها. أمّا رجال تلك المواد العربية من المدرّسين الكبار فأحيل منهم على التقاعد والصغار تحوّلوا إلى الجزائر وليبيا في الستينيات لأنّهما فازا بنفسيهما من الفرنكوفونية ـ البغيضة. شهادة حق: نشرت مجلّة (الهداية) التونسية في عدد (152) رمضان/ شوّال 1423 هـ الملاقي نوفمبر/ديسمبر 2002م شهادة حيّة كتبها بيده أ.د/يحيى بوعزيز من الجامعة الجزائرية الشقيقة جاء فيها صفحة 74 تحت عنوان: أفضال الزيتونة على المسيرة الثقافية والعلمية والتربويّة بالجزائر: للزيتونة وعلمائها ومشائخها وأيمّتها ووعّاظها أفضال كبيرة وكثيرة جدّا على الجزائر وعلى الشعب الجزائري خاصّة منذ أواخر القرن 19 والنّصف الأوّل من القرن 20 وحتّى الاستقلال الوطني وذلك في ميدان الفكر والثقافة والتربية والتعليم… وكانت عقود الثلاثينيات وما بعدها أكثر زَخما واكتظاظا بالطلبة والتلاميذ الجزائريين في الجامعة الزيتونية ـ آنذاك ـ بأعلامها الكبار وطلاّبها الكُثر، فكان التوجّه إلى هناك من جموع طلبتنا جماعات ووحدانا للتعلّم والتزوّد بالمعارف والعلوم والآداب والفنون وبالخبرة في طرق التدريس والتربية والتعليم والتوجيه والتكوين: ووجد جميعهم حسن الاستقبال والإيواء والعطف والرّحمة وكل الدّعم والنّجدة والمساعدة، بحيث استقبلهم علماء الزيتونة بكل ترحاب وعلّموهم وزوّدوهم بمختلف العلوم والمعارف والفنون في جميع مناحي الحياة وقد تخرّج على أيديهم علماء كبار أدّوا دورا كبيرا ورائدا في الحفاظ على الوجه العربي الإسلامي وقت المحنة الصليبيّة في الجزائر، ولعلّ من أبرزهم الشيخ عبد الحميد بن باديس صاحب القول الشهير: شعب الجزائر مسلم … وإلى العروبة ينتسب. من قال حاد عن أصله … أو قال زاغ فقد كذب. ويعتبر العلاّمة المرحوم محمد الطاهر بن عاشور شيخ الجامع وفروعه أحد أبرز علماء تونس الذين قدّموا كلّ العون والتّأييد اللاّمحدود للطلاّب الجزائريين فقد أوصى المسؤولين حوله أن يحلّوا كلّ المشكلات التي تعترض الطلبة الجزائريين… فكان بالنّسبة إليهم الأب الحنون والولي الرّحيم، وعلى غراره نذكر بالخير والتقدير نجله الكريم محمد الفاضل وآخرين معه يعدّون بالعشرات إن لم نقل بالمئات… أهمّ آثار الشيخ ومخلّفاته: بالإضافة إلى النّزعة الإصلاحية الطّاغية عليه والجهود المستمرّة في سبيل النّهضة بالتعليم الزيتوني وإرسائه على قواعد عصرية وأصيلة… انتمى إلى سلك القضاء الشرعي فكان في قضاة المالكية كالعَلَم في رأسه نار، ولمّا أزيح عن مهامه الإدارية والتعليميّة وألحق التعليم الزيتوني برمّته بوزارة المعارف الوطنية منذ أوّل الاستقلال بحكم توحيد كل أنواع التعليم الموجودة قبله، ظهر له اهتمام خاصّ بضبط وترميم المخطوطات في مكتبة العبدليّة وجامع الزيتونة العريقة، ثمّ انّه كان أوّل من حاضر بالعربية في تونس على منبر جمعية قدماء الصادقية والجمعية الخلدونية وقد اشترك مع زميله وصديقه الشيخ محمد الحضر حسين في إصدار أوّل مجلّة عربيّة بتونس هي مجلّة ?السعادة العظمى? في بداية ق 20 ومقالاته كثيرة مبثوثة في صحف زمانه ومجلاته التونسية والمشرقية إلى جانب عضويته الدائمة في المجامع العلمية واللّغويّة بالقاهرة ودمشق، أمّا الكتب والرسائل التي طبع بعضها في حياته وبعضها بعده في الأدب واللّغة والنّقد والفقه ومقاصد الشريعة وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام والتفسير ورجاله ولايزال الناس يتنافسون في اقتناء كتبه وآثاره الخصبة من معارض الكتب والمكتبات شرقا ومغربا لما فيها من التحقيقات والأنظار والفتاوى النيّرة والدّاعمة لثقافة التسامح والتيسير ورفع الحرج في العبادات والمعاملات وأشهر آثاره الذي يتقاطر الناس على اقتنائه الآن هو كتاب تفسيره للقرآن المجيد المسمّى ?التحرير والتنوير? اختصارا (لتحرير العقل السديد وتنوير الفكر الرشيد) بما لا يدع مجالا للشّك في أنّه رجل العصر ورائد المصر جازاه اللّه عن كلّ الأمّة كلّ خير ورحمة وثواب، وقد صدق أحد تلاميذه وهو يودّعه يوم وفاته بالعاصمة 12 أوت 1973 ودمع العين يغمره: وداعا يا شيخي وشيخ زمانه … وداع محبّ للمُهيمن خاضع تركناك له خير وديعة … فما كان إلاّ حافظا للودائع. وبعد، فهذا هو طود العلم النافع والعمل الصالح الذي ملأ ذكره الدّنيا وشغل الناس في بيئته ووقته فحقيق على كل الذين في أعناقهم أفضاله ومزاياه من أجيال النصف الأوّل من القرن 20م الذين أنقذتهم الفروع الزيتونية من الجهل والفاقة والضياع في داخل القطر وخارجه في تلك الأيّام العصيبة والسّنين العجاف، حقيق على كل هؤلاء وغيرهم أن يترحّموا عليه ويذكروه بما يستحق وينشروا خصاله كل يوم 12/8 من كل عام، فقد كان رحمه الله شديد العطف على أبنائه، عظيم الثقة في ربّه، كثير الاعتداد بنفسه لا يخشى في الحق لومة لائم ولا يراعي إلاّ جانب اللّه عند الشدائد. طلب منه الرئيس بورقيبة أن يُصدر فتوى تدعو الشعب إلى الإفطار في شهر رمضان وخاصّة في الجيش الوطني وإدارة الأمن وحضائر الشغل لأنّهم جميعا في حالة تعبئة للخروج من التخلّف الشامل وقال كلمته المشهورة (أفطروا لتقووا على عدوّكم) وهي كلمة حق أريد بها باطل… فأبى واستعصم بمنزله في المرسى فناله عن ذلك غضب السلطة، مع الشّتم والثلب والبهتان..، ولم يتزعزع، ولمّا رُزئ في آخر حياته بفقد مهجة نفسه ومحطّ آماله وإنسان عينه وهو نجله المفضّل: محمد الفاضل بالمرض الخبيث في الكبد الذي لم يمهله طويلا، حيث توفّي يوم 20 أفريل 1970م عن سن 61 عاما وخرج الناس بالآلاف في موكب جنازته خاشعين مترحّمين ملتاعين تعبيرا صادقا عن الحبّ العميق. تقدّم والده الشيخ الوقور في عزّ وإباء ليؤدّي بالناس صلاة الجنازة على الفقيد الراحل بكل قوّة شخصيّة ورباطة جأش وثقة وإيمان بقضاء اللّه وقدره. وانتصب واقفا يكبّر اللّه، ولسان حاله يقول: وتجلّدي للشامتين أُريهم … أنّي لريب الدهر لا أتزعزع وإنّ الخلود والبقاء الدّائم والعزّة الخالصة للّه ولرسوله وللمؤمنين. (المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية نقابية تونس) الصادرة يوم 8 سبتمبر 2007)
أحمد بن صالح في سيمنار الذاكرة الوطنية (2): موقف اتحاد الشغل من الصراع البورقيبي ـ اليوسفي لم يكن عاطفيا…
** أيدنا السياسة القومية وبذلنا جهودا للمصالحة
رحلة الاستاذ أحمد بن صالح الوزير المتعدد الحقائب سابقا مع ?تصحيح أخطاء? المؤرخين وعديد الصحافيين شملت ما قيل عن نشاطه بـ ?السيزل? وما أشيع عن علاقته مع اليهود، وقد انتهز فرصة استضافته من طرف مؤسسة التميمي للبحث والمعلومات لتسليط الأضواء على الفترة الصعبة من العمل السياسي والنقابي ، وذلك بعد أن خصصنا حلقة الاسبوع الفارط لتجربة التعاضد كما تحدث عنها مهندسها الاساسي. مدخل الضيف ـ المحاضر كان بالاشارة الى ما اثارته بعض وسائل الإعلام التونسية والأجنبية عن علاقات مفترضة لقيادات تونسية بالدولة الصهيونية الاسرائيلية، وقد أوضح في هذا الاطار انه كان يجتمع مع عديد الاصدقاء من المفكرين العرب في باريس على غرار المفكر والفيلسوف المصري عبد الرحمان بدوي، ومن بين المواضيع التي عادة ما تقع إثارتها ما يجري في الوطن العربي الكبير ومن بينه فلسطين حيث كون اليهود ?الكيبوتزات? فضلا عن التقدم الملحوظ في نشاط ?الهستدروت?. وأبرز ان ذلك الحديث كان بين سنتي 1946 و1948 اي انه لم تكن اسرائيل موجودة أصلا في حين تفاجئه ?جون أفريك? بالحديث عن ميله (أي أحمد بن صالح ) لليهود ولاسرائيل وما الى ذلك من كلام لم تقع فيه مراعاة الظروف التاريخيةوالملابسات الحقيقية التي قيل فيها هذا الموقف أو ذاك، ثم تطرق إثر ذلك الى ملابسات انخراط الاتحاد العام التونسي للشغل في السيزل من ناحية وظروف تمثيله للاتحاد في هذه المنظمة النقابية العالمية مبرزا ان المرحوم فرحات حشاد ?جرني وأقنعني بالدخول الى هذه المنظمة، فقد كنت في البداية ضد الانضمام الى ? السيزل? حيث اقترحت تكوين جماعة أو منظمة نقابية تبدأ بشمال افريقيا ليقع تطويرها وتكون مواقفها مبنية على الحياد الايجابي. وأردف قائلا إنه كثير الاعتزاز باستعمال عبارة او مصطلح ?الحياد الإيجابي? واستنباطه قبل مؤتمر باندونغ، علما أن المؤتمر كان لتأسيس حركة عدم الانحياز بزعامة كل من جمال عبدالناصر وجواهر لال نهرو والماريشال تيتو. حكايات من السيزل الانضمام للسيزل لم يكن محل إجماع في البداية، وقد تجلى ذلك في ما عبر عنه بن صالح ?بضرب البونية?(أي التنافس الكبير وليس التصادم والتشابك بالأيادي) في المؤتمر الذي اتخذ قرار ?الدخول? . المواقف تباينت الى حد كبير، ولما رصد المرحوم فرحات حشاد هذا الاختلاف الذي ظن في البداية انه موقف أربعة أو خمسة أشخاص فقط بادر بإتخاذ موقف قال عنه بن صالح لم ير مثله في الزعامات التونسية فعوض أن يلجأ الى الخيار المعتاد وهو التصويت برفع الأيادي دعا الى التصويت السري نظرا لأهمية القضية بالنسبة الى المنظمة الشغيلة ومستقبلها ، وكما هو معلوم فان التصويت السري يكفل شفافية اكبر في اتخاذ الموقف وتحمله للمسؤولية من كل فرد سيجد نفسه أمام ضميره وليس امام التوازنات والحسابات وما الى ذلك. وكانت نتيجة التصويب رفض حوالي 100 شخص للانضمام وقبول 400 نقابي للموقف الذي سانده حشاد (اي الانضمام للسيزل)، وبتلك الطريقة تعرف كل النقابيين على حجم المعارضة الحقيقية للمسألة، وأعطوا درسا في الديمقراطية التي ينبغي أن يقبل الجميع بمقتضياتها وقراراتها. ومن الغد ـ يواصل أحمد بن صالح حديث الذكريات اتصل به فرحات حشاد ليعلمه بأنه اختاره لتمثيل اتحاد الشغل في السيزل وان عليه حزم حقائبه في اقرب الآجال للسفر الى بروكسال. بن صالح تمسك بالرفض لعدة اسابيع، ثم اتصل به حشاد مجددا يوم 4 أوت 1951وتحديدا في سوسة وذلك لإقناعه أمام النقابيين، لكن لم يغير المتحدث موقفه. حشاد لازم بن صالح الى أن خرج كل النقابيين، من الاجتماع ثم اصطحبه في سيارته الى الواحدة صباحا حيث تواصلت رحلة الاقناع التي عبر عنها بن صالح بالقول حشاد مرجني وتمكن في النهاية من اقناعي عندما قال تخيل لو يمثل اتحاد الشغل شخص لا يتمتع بالكفاءة المطلوبة، فما كان من المتمنّع إلا ادخال صحة ليك علما أن حشاد استعمل عبارات عامية وصف فيه الشخص غير الكفء بطريقة حادة نوعا ما. وكشف من ناحية اخرى ان بحوزته عديد الرسائل التي بعث بها اليه المرحوم حشاد تمنى أن يجد يوما من يقبل بإصدارها? وعبر في ذات الاطار عن اعتزازه بزعامة حشاد وإخلاصه وتضحيته. كما كشف عن انه صاحب اقتراح نقل جثمان المرحوم الشهيد فرحات حشاد الى العاصمة ، وأكد انه كان شاهد عيان على بقاء جثة الشهيد سليمة لم يمسها أي سوء وذلك بعد 3 سنوات من استشهاده ودفنه وكأنه دفن أمس. في المشرق العربي خلال حديثه عن الشهيد فرحات حشاد عرّج بن صالح على أزمة الصراع البورقيبي اليوسفي في تلك الفترة، وقد طلب صالح بن يوسف حضور الجنازة، لكن عددا من النقابيين أقنعوه بعدم الحضور وقد تفاعل إيجابيا مع هذه الدعوة ووصف بن صالح ما قيل من أن فرحات حشاد دخل القبر وحده (أي دون القيام بالإجراءات العادية للدّفن ودون حضور زملائه) بـ ?قلة الحياء? وأردف قائلا بـ ?أننا قمنا باللازم?. التأبين قام به كل من الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف وقد ذكر عبد العزيز العروي في حصته الإذاعية التي تم بثها بعد الدفن بيوم واحد بأن التأبين الذي قام به أحمد بن صالح كان استثنائيا ووصفه بأنه ?أحسن ما سمع من القول وعلّق المتحدث في مخبر التميمي على الحادثة قائلا إن تلك الكلمات التي ذكرها العروي سأظل معتزا بها ما حييت. وعن ذكرياته في بدايات نشاطه بـ ?السيزل? ذكر انه بعد سفره الى بروكسال قامت الثورة المصرية، فما كان من بن صالح إلا أن طلب من الكاتب العام ان يسمح له بالقيام بجولة في مصر خصوصا وفي المشرق العربي عموما لاستقطاب النقابات المصرية والمشرقية ، وقد كان الرّد بالموافقة سريعا وفوريا. النقابي أحمد بن صالح روى بعض ?الطرائف? التي كان شاهد عيان عليها في رحلته المشرفية في مصر ولبنان وسوريا، وذكر أنه دخل بجواز سفر مزيف الى سوريا وذلك بسبب انتهاء صلاحيته كاشفا ان عملية التزييف أمنها صديق تشيكي هارب من حكم ستالين. السوريون كشفوا التزوير لكن مرت الامور بسلام رغم كل شيء، علما أن السلطات البلجيكية حجزت جواز السفر واحرقته مع إلزامه بدفع خطية قدرها 100 فرنك، وللاشارة فان التزوير كان لتمديد الصلاحية بـ 6 أشهر، وقد كان لـ ? تدخلات الاصدقاء? اثر ايجابي لاحتواء القضية في بلجيكيا. وروى أحمد بن صالح انه اطلع في تلك الزيارة الى سوريا ولبنان على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، فما كان منه إلا أن أعدّ تقريرا مفصلا وموثقا بالصور وطلب بأن يكون التقرير على جدول أعمال مؤتمر ?السيزل? المنعقد بستوكهولم في جويلية سنة 1953. الكتابة العامة للسيزل وافقت على عرض قضية اللاجئين على المؤتمر علما أن التقرير تضمن تشنيعا بالمسؤولين الاسرائيليين وكان إعداده بالتعاون مع أمين المال… ولمّا وصل بن صالح الى بروكسال سأله بعض المسؤولين في المنظمة كما اذا كان يقبل لقاء رئيس النقابات الاسرائيلية الهستدروت (اسرائيل دخلت السيزل في ذلك المؤتمر، وقد دخل لبنان السيزل في نفس الوقت وهو ما اعتبره بن صالح مكسبا هاما ) … بن صالح اتجه نحو النقابي الاسرائيلي الذي بادر بأن مسكه من يده ثم قال ?أنت الشاب التونسي الذي يريد بناء مستقبله السياسي علي ظهر اليهود?… وعلق بن صالح على ذلك بالقول أنه قطع اللقاء ثم رجع ?والسم يتقاطر منه?. ووجد النقابي التونسي الشاب نفسه أمام مفاجأة كبرى حيث غاب موضوع اللاجئين عن جدول الأعمال، كما أنه لم يجد أيّ أثر للتقرير الذي كان من المفترض عرضه على المؤتمر فضلا عن اخفاء النسخة الثانية والوحيدة منه والتي تركها في مقر المنظمة ببروكسيل !!!ولم تفته الاشارة الى أنه كان الموظف العربي والافريقي الوحيد في السيزل في ذلك الوقت، وهو ما يؤكد صعوبة العمل التأسيسي وجسامة المهام الملقاة على عاتقه… مؤتمرالسيزل بتونس ونفى أحمد بن صالح خلال مداخلته الرئيسية في مؤسسة التميمي للبحث والمعلومات أن تكون له أية علاقة فضلا عن التنسيق مع اليهودي كوهين حضرية وشدد على أنه لا صحة لما قيل عن أنه (أي بن صالح) قبل بعقد مؤتمر السيزل بتونس في بداية الخمسينيات على أن تحضره اسرائيل دون ان يرفع وفدها علم الدولة الصهيونية وأشار الى أنه عندما تم اتخاذ قرار عقد المؤتمر بتونس لم يدخل بعد المكتب التنفيذي، كما أن تعيينه ناطقا رسميا باسم المؤتمر كان بمبادرة من مسؤولي السيزل أنفسهم ولاعتبارات لا صلة لها بمسألة عقد المؤتمر في حدّ ذاته أو بحضور الاسرائيليين. كما شدد على أنه قام بأدوار هامة واساسية لإدخال اتحاد العمال الجزائريين الى السيزل، فضلا عن الجهود المضنية والمعاناة التي واجهها خلال الدفاع عن القضايا والمصالح الكبرى للعرب ، من ذلك أنه نجح بفضل شبكة علاقاته من قبر دعوة الفرنسيين ?الناتو? للدخول في مواجهة الثورة الجزائرية وقمعها تحت ذريعة أنها ثورة بولشيفية. وأضاف أنه كان سندا ?وواسطة? لعديد الدول العربية والافريقية سواء لدخول السيزل أو للدفاع عن قضاياها خاصة انه كان رئيس لجنة إفريقيا والشرق الأوسط. دعم القضية الفلسطينية وفي إطار سرد مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية ذكر أن عديد مشايخ العرب كانوا ضد التقسيم في حين أن الزعيم الحبيب بورقيبة كان مع التقسيم بل دعا الى حمل السلاح من أجل تطبيق القرار الأممي في هذا الشأن وتحدث عن أنه في أحد إجتماعات المجلس الوطني للاشتراكية الدولية كان جالسا باعتباره ممثلا لحركة الوحدة الشعبية الى جانب الطيب السحباني ممثل الحزب الاشتراكي الدستوري في ذلك الوقت وقد تكلم جنرال اسرائيلي بعنجهية وصلف، فما كان من رئيس المجلس الوطني إلا أن أرسل كاتبته لبن صالح ناقلة اليه طلبا بالتدخل للرد، وبالفعل كان الرد وكان التصفيق في كل أرجاء القاعة بالرغم من أن التصفيق في مثل تلك اللقاءات لم يكن من التقاليد أو من الممارسات المألوفة. بن صالح استشهد بمواقف بورقيبة بالرغم من أنه كان في المنفى، وقد بادر السحباني بشكر بن صالح فرد عليه بالتأكيد على أنه لا دخل بين القضايا الداخلية والشخصية من ناحية والقضايا القومية من ناحية اخرى. وكشف الاستاذ أحمد بن صالح أنه كان وراء إلقاء الزعيم ياسر عرفات خطابا في ?منظمة الاحزاب الاشتراكية الدولية…? وقد تولى بن صالح شخصيا إبلاغ الشهيد عصام السرطاوي بموافقة رئيس الاشتراكية الدولية حضور عرفات ، علما أن اغتيال السرطاوي كان بعد لقائه ببن صالح بفترة وجيزة للغاية، كما أن بن صالح لم يرد حضور ذلك الملتقى حتى لا يقال بأنه عمل على إقناع الاشتراكية الدولية بفسح المجال امام الزعيم الفلسطيني ليظهر في الصورة. وصحح بن صالح ما يقال عن ان الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران هو أول زعيم غربي يستقبل عرفات، فالصحيح هو أن المستشار النمساوي برونو كرايسكي هو أول من التقاه، لكن الدوائر الاعلامية والسياسية الغربية ضللت الرأي العام باللعب على وتر التباين بين عبارتي الرئيس والمستشار. العرب وأوسلو وأوضح السياسي والنقابي التونسي انه إثر توقيع إتفاقية اوسلو بين الاسرائيليين والفلسطينيين تم عقد مؤتمر قومي عربي حضرته 120 شخصية عربية، وكان هاني الحسن أول من تكلم حيث شنّ حملة على ياسر عرفات ثم سار شقيق الحوت في نفس المسار وكان الجميع ضد أوسلو … وعندما جاء دور بن صالح تحدث بما لم يتحدثوا به حيث انطلق من التجربة التونسية مشددا على ضرورة أن نعتبر أوسلو مجرد معركة وليست نهاية للمطاف مع ضرورة ضمان حق المعارضة في النشاط والتعبير عن رأيها من ناحية وضمان عدم هرولة الدول العربية نحو التطبيع، وذكر بن صالح أن بلاغ الجامعة العربية الصادر بعد يوم واحد من هذااللقاء جاء مطابقا لما قاله حرفيا فيما يتعلق بعدم الهرولة نحو التطبيع. أحمد بن صالح بدا معزولا في قاعة اللقاء وحتى خارج النزل، لكنه فوجئ بهاني الحسن الذي شن حملة على أوسلو يتصل به ويقول له بأنك (أي بن صالح) على صواب، ثم طلب رقم الهاتف ليتصل به… وعلق المحاضر بالقول أنه لا يزال الى هذه اللحظة في انتظار الاتصال وأضاف بأنه فوجئ بهاني الحسن في غزة ثم فوجئ به وزيرا للداخلية معتبرا ذلك صدمة. الموقف من اليوسفية ووصف الوزير متعدد الحقائب في ستينيات القرن الماضي ما تناقلته بعض الصحف والمجلات في الفترة الاخيرة عن موقف اتحاد الشغل من اليوسفية بدد العيب حيث اعتبرته موقفا عاطفيا. فالاتحاد العام التونسي للشغل عقد مجلسا وطنيا ونظر في الاتفاقيات (الحكم الذاتي). وصوت الجميع ـ ما عدا واحدا فقط ـ على تأييد السياسة القومية الوطنية الحالية… وأكد بأن علاقته بصالح بن يوسف كانت جيدة وكشف عن انه خلال تلك الفترة استدعى بن يوسف ممثلين عن الاتحادات المهنية الثلاثة وذكر ان الاستدعاء كان بصفته صديقا وليس ككاتب عام للحزب ، وقد كان الفرجاني بلحاج عمار (اتحاد الاعراف) على يمينه وبن صالح (اتحاد الشغل) على يساره. وعندما طلب بن يوسف من بن صالح الحديث قال أنه لا يوجد في تونس من لا يقول بأن الاتفاقيات ثوب ضيق ، وعلينا ان نمزقه بوحدة صماء وببرنامج اقتصادي واجتماعي حوله اجماع ، وأضاف بأنه ليس رجل قانون لكنه يكتفي بالقول انه لو وجد في الاتفاقيات فصل واحد ينص على إمكانية تنظيم انتخاب لمجلس تأسيسي نصوغ فيه دستوا للبلاد فإنني لن اتردد في القبول بها. وبعد أن انفض الاجتماع اتصل محمد جراد من اتحاد الاعراف ببن صالح ليعانقه قائلا ?متعتنا?. وشدد على أنه لم يقل كلمة سوء وحيدة في بن يوسف، وأنه تقابل معه في ستوكهولم ولم يترك بن يوسف يغادر الى بروكسيل حتى يحضر لقاء ?الاشتراكية الدولية? وأعطاه فلوس لشراء كسوة! وروى بن صالح تفاصيل لقاء جمعه بالحبيب بورقيبة قبل صدور قرار طرد بن يوسف من الحزب . اللقاء انعقد في منزل بورقيبة بالبلفيدير وحضره الفرجاني بالحاج عمار وحسن عبد العزيز وكان أحمد الزاوش الى جانب بورقيبة. استقبل بورقيبة ضيوفه وهو جالس في السرير، وبعد أن سلم على الزائرين توجه الى بالحاج عمار وقال له ?العب كارطة بورقيبة يا فرجاني ? ثم تدخل بن صالح ليطلب من بورقيبة تأجيل إصدار بلاغ طرد صالح بن يوسف وذلك ليعطي لهم فرصة الاجتماع به، وقد كان لهم ما أرادوا ، لكن مسعاهم باء بالفشل، علما أن السيد عمر فضة تدخل ليذكر أنه عند لقاء بن صالح ببورقيبة كان بلاغ الطرد جاهزا وممضى من أعضاء الديوان السياسي وقد كتبه علي المزوغي في حين نفى بن صالح ذلك نفيا كليا. نقل الاحداث بأمانة السيد أحمد بن صالح اوضح في ردود على بعض التدخلات بأن العديد من المؤرخين لم ينقلوا الاحداث بأمانة واعتمدوا الكذب، منتقدا اعتماد بعض الصحفيين على رواية كاتب يهودي، مشددا على أنه لا يتحذ موقف ضد اليهود ، بل إن كل تحركاته كانت على أساس إيجاد حل للقضية الفلسطينية على أساس القانون الدولي ، أما إذا تكلم الناشط النقابي أو السياسي بطريقة مختلفة فلن ينصت اليه أي شخص في المنظمات الدولية. وللإشارة فإن أحد المتدخلين دعا الاتحاد العام التونسي للشغل الى تعليق صورة أحمد بن صالح مع بقية الزعماء النقابيين، وذلك في اطار العمل الذي انطلق فيه الاتحاد ـ والمتعلق بإعادة الاعتبار الى كل الزعماء. اعداد: أيمن الردادي (المصدر: جريدة « الشعب » (أسبوعية نقابية ? تونس) بتاريخ 8 سبتمبر 2007)
الخبير التونسي في الشؤون التركيةمحمد العادل:
وصول عبد الله غول للرئاسة تحوّل جذري… والإنقلاب العسكري مستبعد
أجرى الحوار محسن المزليني mezlini@yahoo.fr شبه كثير من الملاحظين الإنتخابات التركية ثمّ تولّي عبد الله غول رئاسة الجمهورية بالزلزال نظرا لتداعياته وارتداداته داخليا وإقليما. ومحاولة من « الموقف » الإحاطة بهذه الأبعاد كان هذا الحوار مع الأستاذ محمد العادل الخبير التونسي في الشؤون التركية ، وأستاذ العلاقات الدولية بأكاديمية العلوم و الفلسفة و رئيس مركز العادل لدراسات الاستراتيجية بأنقرة . ويجدر التنويه أنّ نصّ الحوار لم يكن ممكنا ينشره كاملا في الصحيفة كاملا نظرا إلى طوله. س : استراتيجيا: ماهي دلالات وصول عبد الله قول إلى منصب رئاسة الجمهورية ؟ محمد العادل: إن فوز عبد الله قول بمنصب رئاسة الجمهورية يؤكّد بوضوح بأنّ تركيا تشهد تحولات بارزة على مختلف المستويات السياسية وخاصّة الثقافية، إذ عنى ذلك تقدّم جيل جديد لتولي المناصب القيادية في الدولة. وهو ما يعكس ايضا تحولا جذريا في قناعات الناخب التركي الذي بدأ يتخلّى عن نزعة » التقديس » للمبادئ الكمالية. كما يشير هذا الواقع الجديد إلى أن الديمقراطية بدأت تتحول في تركيا الى ثقافة عامّة سواء على المستوى الشعبي أو في إطار العلاقة بين المؤسسات الدستورية ، فاحترام المؤسسة العسكرية للعملية الانتخابية و نتائجها يشير الى ان ذهنية الجنرالات الاتراك اليوم بدأت في التغير عما كانت عليه نظرة أسلافهم حتى مرحلة آخر انقلاب عسكري عام 1980. لكن رغم هذا الإحترام لخيار الشعب، فإن انزعاج النخبة الكمالية من تولّي عبد الله قول منصب الرئاسة قد يرشح البلاد في المرحلة المقبلة إلى حالة من الصراع بين الجبهة الكمالية العلمانية من جهة و الجبهة الليبرالية المحافظة حالما يشعر التيار الكمالي أنه بدأ يخسر امتيازاته … س : على ضوء هذا التوتر هل يمكن ان تشهد تركيا انقلابا عسكريا ؟ محمد العادل: أعتقد بأن المؤسسة العسكرية و حزب الشعب الجمهوري الكمالي قد فاجأتهم نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، فرغم المسيرات المليونية الحاشدة التي سيّروها أو كانوا وراءها قبيل الانتخابات اختار الناخبون الأتراك حزب العدالة و التنمية مرة اخرى ، لذلك أرى بأن المؤسسة العسكرية تتعامل مع هذه المرحلة بحذر شديد حيث ان الجنرالات الأتراك لا يريدون الظهور أمام الرأي العام التركي بأنّهم يقفون ضدّ خيار الناخبين، و هذا ينطبق أيضا على الانتخابات الرئاسية في تركيا لأن فوز الحزب العدالة اُعتبر ضمنيا تصويتا لصالح ترشيح عبد الله قول لمنصب رئاسة الجمهورية. إنّ هذا التوتّر مُرشّح إلى أن يتصاعد حينا وينخفض أحيانا أخرى لأنّ الحزب تعوّد على ممارسة سياسية مرنة وإن كانت دقيقة وحاسمة على عدم إعطاء الحجّة لخصومه، كما أنّ الترحيب الأوروبي بفوز الحزب بل وبفوز عبد الله غول بالرئاسة يجعل احتمال حدوث انقلاب عسكري يلامس الصّفر. الموقف: لو نعود إلى العملية الانتخابية، ما هي أهم النتائج و الدلالات التي كشفت عنها؟ محمد العادل: أكدت النتائج أن الناخب التركي اصبح يتمتع بنضج سياسي ذي بال ، حيث انه لم يختر حزب العدالة التنمية على أسس إيديولوجية و إنما اختاره لأنه يعتقد بأنه الحزب الأصلح لهذه المرحلة ، خاصة و أن الحكومة حققت خلال الخمس سنوات السابقة استقرارا سياسيا و اقتصاديا بارزا ونجحت في تنفيذ إصلاحات مهمة دعّمت حضور المجتمع المدني و مبادئ حقوق الإنسان و الحريات العامة و الخاصة و حاربت الفساد الإداري و ضيقت الخناق على المافيا الاقتصادية . و يكفي الإشارة إلى أن الرصيد الانتخابي للتيار الإسلامي في تركيا لا يتجاوز في أقصاه 25 بالمائة ، و هذا ما يؤكّد أن العدالة و التنمية نجح في كسب أصوات من مختلف التيارات العلمانية الكمالية و القومية و الأكراد أيضا أهّلته مرّة أخرى لتشكيل الحكومة بمفرده . و أعتقد أن الإقبال الشديد على صناديق الاقتراع الذي بلغ نسبة 85 بالمائة في انتخابات 22 جويلية يؤكّد بشكل جليّ روح المسؤولية التي يتحلّى بها الناخب التركي. فقد عكس تصويته رضى على أداء حكومته العدالة و التنمية وحسم المعركة السياسية التي جرت قبيل الانتخابات و التي نتج عنها تشكيل جبهتين أساسيتين هما جبهة الكماليين و العلمانيين من جهة و جبهة المحافظين و الإسلاميين من جهة أخرى . س : كيف بدا لك أداء حزب العدالة و التنمية و حكومته خلال الخمس سنوات الماضية؟ محمد العادل: أعتقد بأن أداء حكومة العدالة و التنمية كان ملفتا للنظر و محطّ تقدير قطاع كبير من الشعب التركي ، حيث استطاعت هذه الحكومة أن تحقق استقرارا اقتصاديا بارزا انعكس ذلك جليا في حجم التجارة الخارجية التركية الذي تجاوز 200 مليار دولار ، و كذلك ارتفع حجم الصادرات التركية خلال منتصف العام الجاري إلى اكثر من 80 مليار دولار ، بالإضافة إلى ذلك قطعت حكومة العدالة و التنمية الطريق أمام سياسة الاستدانة من الخارج و التي كانت الحكومات السابقة تنتهجها بشكل دائم ، بل و تمكنت هذه الحكومة من تقليص ديونها الخارجية بنسبة كبيرة ، و حققت استقرارا للعملة التركية و حاربت أشكال الفساد الإداري و المالي و ضيّقت الخناق على المافيا الاقتصادية التي كانت تستغل نفوذها داخل المؤسسات السياسية ، و كل ذلك ساعد تركيا على استقطاب استثمارات كبرى عربية و أوروبية .. أمّا على الجانب السياسي فقد قادت حكومة العدالة و التنمية حملة إصلاحات سياسية ركّزت فيها على تعزيز رصيد الحريات و حقوق الإنسان ، و عزّزت دور منظمات المجتمع المدني ، و قامت بتعديلات دستورية جزئية كضمان لهذه الإصلاحات ، و في ما يتعلّق بسياستها الخارجية فسعت لتحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية فأعادت صياغة علاقاتها مع الصين و روسيا و البلدان العربية و الأفريقية ، في الوقت الذي عززت أيضا علاقتها مع كل من الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة الأمريكية و حافظت أيضا على علاقاتها التقليدية مع إسرائيل . س : ما هي ابرز التحديات التي تواجه حكومة العدالة والتنمية خلال المرحلة المقبلة؟ محمد العادل: فيما يتعلّق بملفاتها الرئيسية المقبلة، أعتقد بأن حكومة العدالة و التنمية ستواصل مسيرة الإصلاحات السياسية و الاقتصادية التي بدأتها ، لكن يبدو أنها تراهن على المساندة الشعبية و قطاعات المجتمع المدني لإدخال تعديلات دستورية واسعة أو ربّما صياغة دستور جديد لتركيا يتوافق مع المرحلة و يحقق طموحات الأجيال التركية المقبلة حيث ان الدستور الحالي لتركيا صاغه الجنرالات الذين قادوا الانقلاب العسكري عام1980. غير أنّ هذا التمشّي محفوف بالمخاطر كما أنّه سيحتاج إلى جهود كبيرة لتأسيس حوار شامل مع مختلف مكونات المجتمع التركي و أطيافه المختلفة و مؤسساته للتوصل إلى صيغة توافقية حول ذلك الأمر، كما يبدو أن الحزب سيعمل على تنفيذ تعهداته بتأمين مزيد من الحقوق السياسية و الثقافية للمواطنين الأكراد و العمل على دمج الأحزاب الكردية في تركيا في الخارطة السياسية بما يهيّئ الأرضية لحلّ سياسي للقضية الكردية بعيدا عن التعامل الأمني و العسكري الذي انتهجته جميع الحكومات التركية السابقة مع المسألة الكردية ، و لعلّ مشاركة حزب كردي بحوالي 20 نائبا في البرلمان التركي سيساعد حكومة العدالة و التنمية على هذه الخطوات . س : ما هي المتغيرات الاستراتيجية التي يمكن أن نعتبرها حاسمة بعد هذه الانتخابات؟ محمد العادل: اعتقد أن نتائج الانتخابات البرلمانية في تركيا قد عكست بشكل واضح تراجعا كبيرا للعلمانيين و الكماليين لصالح التيارات اللبرالية سواء كانت إسلامية أو قومية أو يسارية ، و هذا يعني أن الثقافة السياسية للشعب التركي تشهد تحولا هامّا اعتقد بأنه تطور طبيعي يتناسب و شروط المرحلة ، و معظم المحلّلين في تركيا يتفقون على أن الكمالية و العلمانية المتطرّفة تتراجع بشكل تدريجي و أكبر دليل على ذلك النتيجة الهزيلة التي حصل عليها حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال اتاتورك نفسه و يعتبر من أقدم الأحزاب التركية التي تصنّف بالكمالية ، ويبدو أن فوز حزب العدالة و التنمية مرة أخرى و تراجع هذه الأحزاب قد دفع بعض أنصار هذا الطّيف الدعوة إلى تجديد الفكر الكمالي بما يناسب الأجيال الجديدة في تركيا ، و في تقديري ان هذا التيار التجديدي داخل الكماليين سيتعاظم دوره في المرحلة المقبلة. ومن شأن ذلك أن يشكل عامل توازن في الخارطة السياسية التركية. كما يمكن الحديث عن تحوّل العدالة و التنمية إلى حركة ائتلاف وطني تجمع العديد من التيارات الوطنية أبرزهم الإسلاميين المعتدلين و العلمانيين اللبراليين و القوميين المحافظين. ولعل الملفت للنظر هو نجاح الحزب في استقطاب شخصيات من الطائفة العلوية التي عرفت بمناصرتها للأحزاب الكمالية دوما، وأيضا أطر الحوار التي فتحها مع الأقليات الدينية من اليهود و الطوائف النصرانية المختلفة. س : اذا كيف ترون مستقبل العلاقة بين العلمانيين و الاسلاميين في تركيا ؟ و هل يمكن أن تشهد تركيا أزمات سياسية كالتي حدثت خلال حكومة نجم الدين اربكان عام 1996؟ محمد العادل: المرحلة التي تعيشها تركيا اليوم مختلفة تماما ، كما أن حزب العدالة و التنمية مختلف بشكل كلّي عن الحركة الأربكانية التي تصنّف نفسها بأنها حركة إسلامية ، أما مسألة العلاقة بين العلمانيين و الإسلاميين في تركيا ، فيجب الإشارة هنا إلى أن هذه التيارات تنظر إلى بعضها البعض على أنها تيارات وطنية و أنها مهما اختلفت من الناحية الفكرية أو توترت العلاقة كما هو حاصل الآن إلاّ أنّها تضع المصلحة الوطنية دائما فوق كلّ اعتبا. و بناء على ذلك أعتقد ان العلاقة بين العلمانيين و الإسلاميين لن تصل إلى حدود القطيعة الخطيرة لسببين رئيسيين: الأول حالة التطور التي يشهدها التيار الاسلامي نفسه في التفكير و الممارسة إذ أنّ نضج ثقافة المشاركة باتت تشكّل لديه صمّام أمان ، مكنته من التحالف مع العلمانيين في حكومة واحدة و هو ما حصل في وقت مبكر عام 1974 ، امّا السبب الثاني فهو ان العلمانيين أيضا في تركيا يتحوّلون تدريجيا نحو اللبرالية و التيار التجديدي داخل الحركة الكمالية سيخلّص الكماليين تدريجيا من نظرتهم التقديسية لإيديولوجيتهم مما سيحولهم الى تيار وطني أكثر اعتدالا . س : من الواضح ان الدولة التركية بدأت تتوجّه بشكل جدّي نحو إقامة علاقات تعاون متينة مع البلدان العربية و الأفريقية ، فما هو الدّافع إلى هذا التوجه الآن، وما هي إحتمالات تطوّره؟ محمد العادل: لابدّ من التنويه أوّلا إلى أنّ العلاقة بالخارج في كلّ بلاد العالم تحتاج أوّلا إلى حسن إدراك الذاتية بداية بمعنى تحديد كلّ دولة لهويتها ثمّ لأهدافها وأولوياتها، ولعلّ تركيا طيلة الفترة الماضية أي قرابة 70 سنة كانت مرتبكة في تحديد نقاط إرتكازها الثقافي والتي بدونها تفقد الكيانات توازناتها، وهذا لا يعني الهويات السرمدية الثابتة وإنما إحداثيات. إنّ هذا الإرتكاب أثّر على قدرة تركيا على تطوير علاقاتها شرقا وغربا فلا هي متحمّسة لشرقيتها وانتمائها الإسلامي القديم وقد كانت مركز خلافته، ولا هي قادرة على نفيه والتوجّه إلى الغرب الذي لم يبد هو أيضا تحمّسا لقبولها في إطاره، بالنّظر إلى جملة من الآثار التي خلفتها الفترة العثمانية على الذاكرة الأوروبية، غير أنّه مع وصول العدالة والتنمية إلى سدّة التسيير فقد بدأ بحسم الأمور والبحث عن المصلحة التركية كقيمة محرّكة لتوجهاتها وليس إرث الماضي سلبا أو إيجابا فكان أن تحسّنت العلاقات مع الصّين رغم جرح تركستان، الإقليم الذي افتكته الصين من الأتراك، كما تطوّرت العلاقة مع روسيا بالرغم من الندوب التي تركها الصراع التاريخي بين الجارين. أمّا التوجّه التركي نحو البلاد العربية و الأفريقية توجّه استراتيجي يهدف لتحقيق الشراكة في مجالات مختلفة يأتي التعاون الاقتصادي على رأسها ، و يبدو أنّ تركيا حقّقت نسبيا خطوات هامة في هذا الاتجاه ، سواء في مجال حضور الاستثمارات التركية في البلاد العربية و الأفريقية أو استقطاب استثمارات عربية داخل تركيا ، و أعتقد أن البلدان العربية يمكنها أن تستفيد من استقطاب المستثمرين الأتراك في حال تقديم امتيازات محدّدة لهم ، كما أن البلدان العربية في القارة الأفريقية مثل تونس و مصر و المغرب يمكنها ان تحقّق شراكات اقتصادية مع المستثمرين الأتراك الذين يتوجهون نحو البلدان الأفريقية في هذه المرحلة . و التعاون العربي التركي يجب في تقديري أن يتجاوز حدود المجال الاقتصادي ليشمل التعاون فيما بين الهيئات الثقافية و الاعلامية و المؤسسات الأكاديمية ، و منظمات المجتمع المدني ، و هذا يتطلّب من البلدان العربية بشكل خاص تحديد أولوياتها في علاقاتها مع تركيا ، كما أن العلاقات العربية التركية لا يجب أن تبقى فيما بين الحكومات و الأجهزة السياسية فقط بل على منظمات المجتمع المدني و النخب الفكرية و الثقافية و الاعلامية أن تقوم بدورها في هذا الاتجاه . وهو توجّه بدأ يقلق الأطراف الأوروبية نظرا إلى أنّ هذا الإمتداد الواعد يهدّد مناطق نفوذها التقليدية. س : كثيرا ما يتردّد السؤال هل أنّ تجربة العدالة و التنمية في تركيا يمكن ان تكون نموذجا للإستنساخ في العالم العربي، فكيف تنظرون إلى هذه المسألة؟ محمد العادل: حزب العدالة و التنمية جاء ليجيب على متطلبات المجتمع التركي ، و بالتالي فهو يمتلك خصوصيات مرتبطة بالواقع السياسي و الاجتماعي التركي ، و لا اعتقد انه من المصلحة استيراد فكرة و أسلوب العدالة و التنمية لأنه يتحرّك في ساحة لها خصوصيتها ، لكني اعتقد بأن النخب السياسية العربية يمكنها أن تستفيد من تجربة حزب العدالة و التنمية التركي وفق حاجة و متطلبات المجتمعات العربية و واقعها السياسي و الاجتماعي أيضا . حاوره محسن المزليني
Home – Accueil – الرئيسية