الأحد، 9 أبريل 2006

Home – Accueil الرئيسية

TUNISNEWS
6 ème année, N° 2148 du 09.04.2006

 archives : www.tunisnews.net


التساؤلات حول الوضع الصحي لبن علي تتجدد اللجنة العالمية للدفاع عن البروفيسور د.المنصف بن سالم: الاضراب عن الطعام يدخل يومه الحادي عشروالسلطة تتمادى في سياسة صم الاذان الجزيرة.نت: المعارضة تجدد دعوتها لإطلاق الحريات في تونس   رويترز: أحزاب تونسية معارضة تشن هجوما شديدا على حكومة بلادها إسلام أون لاين: الشموع للدعوة للحرية في تونس كلمة: أخبار العدالة حبيب الرباعي: حلّق، حتى لا تضيق بزحام الأزقّة   الحبيب مباركي: شهادات ميلاد الاستبداد.. على يد النظام التونسي: مواقف من محنة الإسلاميين في تونس الطاهر العبيــدي: نصيحة لا تقرؤوا هذا المقال.. طالبة من الجامعة التونسية: حمامة تزور بيت منصف بن سالم د.خالد الطراولي: في ذكرى مولد الرسول الكريم (ص): عندما تغيب الأمة ويحضر الرجل أم معاذ: صرخة غريب الأستاذ عبد الرؤوف العيادي: انتصرت المحاماة المستقلة وخاب « التجوّعيون محمد الحمروني: في جلسة عاصفة للمحامين : العميد يتوعد بمحاسبة المسؤولين عن الشغب شهاب القرقني: المحاماة: جلسة.. جدل.. ازمة شوقي:  ملاحظات عادية جدا محمد العروسي الهاني: لمسة وفاء في ذكرى وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله د.خالد شوكات: الإسلاميون العرب… بين تشجيعهم على الديمقراطية ودفعهم إلى التطرف محمد مواعدة: في إشكاليـة… الإســلام والديموقراطيــة الدكتور المنجي الكعبي: المحنة بحقوق الإنسـان فـي عصـر الإرهـاب (2 من 2) علي بدوان: الإسلام السياسي بين البراغماتية والأيديولوجية


Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).

 

التساؤلات حول الوضع الصحي لبن علي تتجدد

 

للمرة الأولى منذ « التغيير » لم يشرف الرئيس زين العابدين بن علي هذا الأحد 9 أفريل 2006 على مراسم إحياء الذكرى السنوية للشهداء في مقبرة السيجومي.

 

المواقع الرسمية التونسية (وكالة إفريقيا تونس للأنباء « وات » وموقعي « أخبار تونس » و « Infotunisie« ) لم تُورد (إلى حد إعداد هذا التقرير) أي معلومة أو إشارة حول سبب هذا التغيب غير المعتاد. من جهته، اكتفى التلفزيون الرسمي « تونس 7 » ببث تقرير « وثائقي » تاريخي عن المناسبة في نشرته الرئيسية (الساعة الثامنة مساء) أقحم فيه صورا لبن علي في الإحتفال بذكرى الشهداء للعام الفارط وصورا أخرى عن زيارته الأخيرة إلى قبر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في المنستير يوم 19 مارس الماضي، عشية الإحتفال بالذكرى الخمسين للإستقلال.

 

السؤال الذي يطرحه الجميع بإلحاح اليوم: ما هو سباب هذا الغياب المفاجئ (حيث أن بن علي قام ببعض الأنشطة العادية أيام 3 و4 و5 و6 و7 أفريل الجاري) وما هي حقيقة الوضع الصحي لرئيس الجمهورية التونسية؟ خصوصا وأن العديد من المصادر (من داخل البلاد ومن السلك الدبلوماسي ومن الخارج) تؤكد بأساليب شتى أن الوضع الصحي للرئيس التونسي « غير مُطمئن » على أقل تقدير.

 

ونحن في « تونس نيوز » نعتقد أن من حق كل مواطن تونسي أن يعرف وبشكل واضح ودقيق حقيقة الأمر. فالمسألة لا تتعلق بشخص عادي بل بالمسؤول الأول في البلاد الذي تتركز في يديه كل السلطات تقريبا وتتوقف عليه الأغلبية الساحقة من القرارات الحيوية للشعب التونسي برمته ولكل فرد وعائلة فيه.

 

لذلك ندعو الرئيس التونسي والسلطات العمومية بشكل عام إلى التعامل مع هذا الموضوع الدقيق بكل ما يلزم من شفافية ووضوح. ومع احترامنا لحق كل فرد في احترام خصوصياته وكينونته ومع تمنياتنا بالشفاء لكل مريض أو مصاب، نطالب – وبشدة – بأن يتم التعاطي مع الشعب التونسي الراشد والواعي بكل دقة وأمانة من خلال نشر كل المعطيات عن الوضع الصحي لرئيس البلاد بشكل دوري ومن طرف الأطباء التونسيين والأجانب (إن وُجدوا) المشرفين على علاجه.

 

فريق « تونس نيوز »

9 أفريل 2006


المجرم سامي بورغيدة يدوس على المصحف الشريف

 

قام المجرم سامي بورغيدة مدير سجن برج العامري سيء الذكر والذي أصبح المساجين يسمونه بوغريب تونس من شدة التنكيل الذي يتعرضون له في زنزاناته الباردة والضيقة والمظلمة، قام هذا المجرم خلال حملة تفتيش مفاجئة بدوس المصحف الشريف برجليه وركله وسب الجلالة.

 

وعندما تصدى الاخ السجين السياسي الياس الرمضاني له وللحراس المصاحبين له والمشاركين في الجريمة اعتدوا عليه بالعنف ونقلوه إلى جناح العزلة حيث بدأ إضرابا عن الطعام احتجاجا على الاعتداء على المصحف.

 

وللملمة القضية وزيادة في التنكيل به قامت إدارة السجون بنقل الاخ إلياس الرمضاني إلى سجن الهوارب الذي يبعد أكثر من مائة كيلومتر عن مقر سكناه. 

 

(المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 9 أفريل 2006 على الساعة 8 و25 دقيقة مساء بتوقيت لندن)

 


السلطة تنكل بالأخ فرج الجامي

 

قامت السلطات السجنية بحرمان الأخ فرج الجامي الذي يخوض إضرابا عن الطعام من أجل المطالبة بتحسين وضعيته من زيارة عائلته وتسلم ملابسه.

من ناحية أخرى بلغنا أن السلطة قامت بنقل الشيخ محمد العكروت الرئيس الأسبق لحركة النهضة من سجن قابس إلى سجن 9 أفريل على إثر تدهور شديد في وضعيته الصحية حيث أوقف إضرابا عن الطعام بدأه قبل أكثر من خمسين يوما. 

 

(المصدر: موقع نهضة.نت بتاريخ 9 أفريل 2006 على الساعة 8 و8 دقائق مساء بتوقيت لندن)

 


 

بسم الله الرحمن الرحيم اللجنة العالمية للدفاع عن البروفيسور د.المنصف بن سالم أوربا في 9-04-2006 بيان

الاضراب عن الطعام يدخل يومه الحادي عشر والسلطة تتمادى في سياسة صم الاذان

صبيحة هذا اليوم الأحد الموافق ل 9 أفريل 2006 قام الطبيب  والعضو في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان الد.محمد أحمد علولو مرفوقا بعضو من هيئتها المديرة  بزيارة تفقد وفحص لصحة  البروفيسور بن سالم وكل من زوجته وابنه وفي تقرير شفوي , سجل الفحص الطبي وبصفة أولية خللا في دقات قلب الد.بن سالم مما دعى الطبيب محمد علولو الى مطالبة الد.منصف الى التعجيل بفك الاضراب كما وعده بالقيام على تسجيل أدق على نبضات القلب مع حلول اليوم الموالي هذا وتراجع وزن البروفيسور المنصف وفي مؤشر خطيرالى مستوى الأربع كلوغرامات أما عن الابن أسامة بن سالم ,فان نتائج الفحص الأولي تكون قد رصدت بعض الصعوبات في التنفس نتيجة أعراض سابقة لمرض الربو تضاعفت مع دخول الاضراب يومه الحادي عشر ومن جهة ثانية فان أعراض الدوار والشعور بالارهاق الشديد بدت ظاهرة على كل المضربين عن الطعام وفي اطار أمني بحت رصدت لجنتنا العالمية المضايقة  الشديدة التي تعرض لها بعض الطلاب الذين جاؤوا في زيارة تضامنية لزميلهم أسامة حيث عمدت الفرق الأمنية المرابطة أمام منزل العلامة بن سالم الى الاصرار على اقتيادهم الى مقرات شرطة المدينة واذ تبلغ اللجنة الرأي العام الوطني والعربي والدولي بهذه التطورات ,فانها تدعو مجددا كافة المضربين الى ايقاف هذا الاضراب لما يشكله على صحتهم من خطر حقيقي,غير أنها تحمل السلطات التونسية المسؤولية الكاملة فيما يمكن أن يصيبهم من ضرر بدني أو صحي أو نفسي هذا ونذكر وسائل الاعلام العربية والدولية وكل المدافعين عن حقوق الانسان في العالم  كما كل السياسيين والأكاديميين الشرفاء بواجبهم الأخلاقي والفعلي أمام تداعيات هذه المظلمة الخطيرة عن اللجنة العالمية للدفاع عن البروفيسور د.منصف بن سالم الرئيسة : د.فيولات داغر المنسق : مرسل الكسيبي
 

أحزاب تونسية معارضة تشن هجوما شديدا على حكومة بلادها

تونس (رويترز) – هاجمت خمسة احزاب تونسية معارضة يوم الاحد بشدة حكومة بلادها متهمة اياها بملاحقة المعارضين والتضييق على الحريات والخلط بين السلطات لتعزيز هيمنتها على الحكم. وجاء تجدد هجوم المعارضة على الحكومة في افتتاح اعمال المجلس الوطني للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض الذي يستمر يومين بحضور منظمات واحزاب سياسية وشخصيات حقوقية. وقال امين عام الحزب الديمقراطي التقدمي نجيب الشابي في افتتاح المجلس « في هذا الظرف الزمني دقيق من تاريخ البلاد الذي يتزامن مع الاحتفال بعيد الشهداء اصبح الوضع السياسي يتسم بالجمود والانغلاق واصبحت السبل الامنية هي الانجع لقمع كل معارض يواجه السلطة ». واعتبر ان النجاحات الاقتصادية التي تحققت للبلاد لا يمكن ان تخفي ما حصل من اخطاء كبرى في حق المجتمع ولا يجب ان تكون ذريعة لتأجيل المسار الديمقراطي والاصلاح السياسي في البلاد. وشكك الشابي في قدرة الحكومة الحالية على تنفيذ وعودها في المجال الاقتصادي خلال الفترة المقبلة في ظل جمود سياسي لا يشجع على الاستثمار حسب تعبيره. وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وعد خلال خطابه الاخير بمناسبة احتفال تونس بالذكرى 50 لاستقلالها عن فرنسا بمضاعفة الدخل الفردي مرتين وتقليص نسبة البطالة باربع نقاط الى 10 بالمئة خلال العقد المقبل. واشادت واشنطن وعديد من العواصم الغربية مرارا بالسياسة الاقتصادية والاجتماعية الناجعة لتونس لكن حثتها على مواصلة اصلاحاتها السياسية وتوسيع هامش الحريات. وطالب الشابي سلطات بلاده بمراجعة قانون الصحافة والقانون الانتخابي وقانون الاحزاب وقانون التظاهرات وتعديل الدستور بشكل ينهي « نظام الحكم الفردي المطلق واختلاط السلطات في يد الحكومة ». لكن الحكومة تقول ان المشهد السياسي اصبح يتميز بتعددية لم تكن موجودة من قبل وانها تدعم المعارضة ماديا لحثها على مشاركة فعالة. واعتبر مصطفى بن جعفر امين عام التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات ان الوضع الذي وصفه بالمتردي في البلاد يحتاج لاصلاح سياسي جذري وفوري للشروع في اعادة البناء. وناشد الحكومة « اطلاق حرية التجمع والتعبير واطلاق المساجين السياسين لتوفير مناخ ملائم للعمل السياسي. » وتقول السلطات التونسية انه ليس لديها اي سجين سياسي وان جميع الحريات متاحة بشكل جيد في البلاد وانه لم يسجن احد بسبب ارائه. ووصف مسؤولون حكوميون زعماء من المعارضة بانهم مناوئون يسعون للمتاجرة بمصالح بلادهم والاستقواء بالاجنبي على حساب المصلحة العليا للوطن. وتميز افتتاح المجلس الوطني للحزب الديمقراطي التقدمي وهو حزب علماني بحضور ممثلين عن حركة النهضة الاسلامية المحظورة. وقال زياد الدولاتلي من حركة النهضة انه « لا مستقبل لديمقراطية في تونس تقصي اي حزب سياسي مهما كان توجهه الايديولوجي ». واعتبر ان إقصاء اي حركة من المشهد السياسي يعرقل مشاريع التنمية في البلاد وان الضرورة تقتضي التنوع والاختلاف بما ينتج قوة وتعددية فعلية. وكان الدولاتلي يشير الى تحالف حركة النهضة الاسلامية مع احزاب يسارية ضمن هيئة 18 اكتوبر للحقوق والحريات التي انشئت ابان قمة للمعلوماتية بتونس العام الماضي للمطالبة باطلاق الحريات وسن عفو تشريعي عام. ونددت الحكومة التي لاتسمح بقيام حزب سياسي على اساس ديني بتحالف 18 اكتوبر معتبرة انه تحالف مريب يضم قوى ظلامية في اشارة للنهضة. لكن حمة الهمامي زعيم حزب العمال الشيوعي غير المعترف به قال ان » قمع الحريات من طرف الحكومة وانغلاق الافق السياسي هو الذي وحد بين اطياف متناقضة ». من جهته طالب عبد الرؤوف العيادي من حزب المؤتمر من اجل الجمهورية وهو ايضا غير معترف به السلطات « بتسامح داخلي وحقيقي والغاء قاعدة الاقصاء والتهميش والولاء. » ويناقش الحزب الديمقراطي التقدمي خلال مجلسه الوطني سبل تفعيل هيئة 18 اكتوبر الحقوقية التي اثارت جدلا واسعا لضمها تيارات متباعدة لتكوين جبهة مضادة للحكومة.

من طارق عمارة (المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 9 أفريل 2006 نقلا عن وكالة رويترز للأنباء)

 

 

المعارضة تجدد دعوتها لإطلاق الحريات في تونس

طالب معارضون تونسيون من أحزاب يسارية وإسلاميون من حزب النهضة المحظور السلطات بالسماح بحرية التعبير وحرية عقد الاجتماعات والإفراج عن المعتقلين السياسيين. وقال رئيس الحزب الديمقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي خلال اجتماع المجلس الوطني لحزبه، إن تلك المطالب تشكل برنامجا مشتركا من أجل الحرية وهي تسبق أي تحرك لبسط الديمقراطية. وكان الشابي يلمح لمطالب مجموعة « 18 أكتوبر من أجل الحقوق والحريات » التي أسسها ثمانية معارضين نفذوا العام الماضي إضرابا عن الطعام استمر أكثر من شهر. وأضاف أن برنامج المؤتمر المقبل للحزب الديمقراطي يتمثل في إنهاء السلطة المطلقة واستقلال القضاء وإصلاح القوانين التي تنظم الحياة السياسية. وتضم مجموعة 18 أكتوبر الحزب الديمقراطي التقدمي ومعارضين من مختلف الاتجاهات بما فيها حزب النهضة الإسلامي المحظور منذ نحو 15 عاما. وأكد زياد الدولاتلي أحد قادة النهضة في وقت سابق عقب الإفراج عنه أن حزبه انضم إلى ميثاق إستراتيجي مع اليسار لبناء مجتمع تعددي ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان وحرية خيار الشعب. وكانت الحكومة التونسية وبعض الصحف انتقدت في الآونة الأخيرة التحالف والتقارب الذي جمع تلك الأحزاب اليسارية مع الإسلاميين. (المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 9 أفريل 2006 نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية)


الشموع للدعوة للحرية في تونس

تونس – عقبة الحميدي ووكالات – إسلام أون لاين.نت/ 9-4-2006 إضاءة الشموع في شرفات المنازل كانت الوسيلة المبتكرة التي لجأت إليها حركة « 18 أكتوبر » التونسية المعنية بالدفاع عن الحريات؛ للاحتجاج على الوضع السيئ للحريات في البلاد في ظل القمع الذي يلاقيه المتظاهرون. جاء ذلك فيما دعا معارضون يساريون وإسلاميون من حزب النهضة المحظور رسميًّا إلى السماح بحرية التعبير والتظاهر والإفراج عن المعتقلين السياسيين. وأرسلت حركة « 18 أكتوبر » مئات الرسائل عبر الهاتف الجوال إلى عامة التونسيين تدعوهم إلى إضاءة الشموع في شرفات منازلهم في ذكرى « عيد الشهداء » الموافق 8 و9 إبريل احتجاجًا على واقع الحريات في تونس. ويحتفل التونسيون في هذين اليومين بذكرى خروج التونسيين في تظاهرات تطالب ببرلمان وطني منتخب في عام 1938 كبديل عن البرلمان الموالي للمستعمر الفرنسي.
« استرجاع نضال الشعب »
وحول هذه الطريقة المبتكرة في الاحتجاج، قال العياشي الهمامي المعارض التونسي البارز وعضو الحركة لـ »إسلام أون لاين.نت » الأحد 9-4-2006: « رأينا أن نختار هذا الشكل الإبداعي كوسيلة للاحتجاج وللمطالبة بالحرية، وليعبر الناس عن أنفسهم وبشكل واضح مع ضمان سلامتهم من القمع الذي يواجهونه خلال خروجهم للشارع للتعبير عن مطالبهم ». وأوضح أن توقيت الاحتجاج « محاولة لاسترجاع المعارضة لنضال الشعب التونسي وكسر احتكار السلطة لمثل هذه المناسبات. التاسع من إبريل ليس ملكًا للحكومة، وإنما هو ملك للشعب التونسي بأكمله ». وأشار العياشي إلى أنه لأول مرة تتوجه المعارضة التونسية إلى مقبرة شهداء 9 إبريل وتضع باقة من الزهور، وتترحم على أرواح الشهداء بعد أن تقف دقيقة صمت إحياء لهذه الذكرى. وبدوره قال حمة الهمامي الأمين العام لحزب العمال التونسي (يساري) وعضو حركة « 18 أكتوبر » لـ »إسلام أون لاين.نت »: « التجمعات ممنوعة والخروج للشارع لأي شكل احتجاجي ممنوع. إضاءة الشموع في شرفات المنازل كانت شكلاً احتجاجيًّا، ونهدف من ذلك لطرد الخوف وتنويع أشكال النضال ». وأكد أن الدافع وراء هذا التحرك هو « الاحتجاج على غياب حرية التعبير والتنظيم وعدم إجراء انتخابات حرة ونزيهة تسمح بتشكيل برلمان يمثل كل الشعب التونسي ويعبر عنه ». وقال الهمامي: إنه رغم مرور 50 عامًا على استقلال تونس عن الاستعمار فإنه لم تُجرَ انتخابات حرة ديمقراطية واحدة في البلاد، مما أدى إلى تشكيل برلمان صوري. واعتبر الهمامي أن يومي 8 و9 إبريل عام 1938 « يعنيان السيادة والحرية والديمقراطية؛ خرج الشعب التونسي وقتها رافضًا وجود برلمان صوري موالٍ للاحتلال… واليوم نجد أنفسنا في نفس المربع.. صورة برلمان ولا برلمان ». وعن مدى استجابة التونسيين لدعوة حركة « 18 أكتوبر »، قال العياشي: « الوقت لا يزال مبكرًا لتقييم هذا التحرك خاصة في ظل تعتيم إعلامي من الصحف التونسية وهو ما دفع الترويج لدعوتهم للاقتصار على الجوال والإنترنت ».
افتتاح المجلس الوطني
وبالتزامن مع دعوة الحركة للاحتجاج، هاجمت شخصيات سياسية معارضة الحكومة التونسية متهمة إياها بملاحقة المعارضين والتضييق على الحريات والخلط بين السلطات لتعزيز هيمنتها على الحكم. جاء ذلك خلال افتتاح المجلس الوطني للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض الأحد 9-4-2006 والذي شهد حضورًا بارزًا لقيادات من المعارضة التونسية ومنظمات وأحزاب سياسية. وقال أمين عام الحزب الديمقراطي التقدمي نجيب الشابي في افتتاح المجلس: « في هذا الظرف الزمني دقيق من تاريخ البلاد الذي يتزامن مع الاحتفال بعيد الشهداء أصبح الوضع السياسي يتسم بالجمود والانغلاق، وأصبحت السبل الأمنية هي الأنجع لقمع كل معارض يواجه السلطة ». وطالب الشابي سلطات بلاده بمراجعة قانون الصحافة والقانون الانتخابي وقانون الأحزاب وقانون التظاهرات وتعديل الدستور « بشكل ينهي نظام الحكم الفردي المطلق واختلاط السلطات في يد الحكومة ».
حركة النهضة
كما ألقى زياد الدولاتلي القيادي البارز في « حركة النهضة » الإسلامية المحظورة والسجين السياسي السابق كلمة الحركة في افتتاح المجلس الوطني، وهي أول مرة منذ أكثر من 10 سنوات يتحدث فيها قيادي إسلامي علنًا باسم النهضة داخل تونس بعدما تعرضت له الحركة من اعتقالات طالت أعدادًا كبيرة من أعضائها. وقال الدولاتلي: « إنه لا مستقبل لديمقراطية في تونس تقصي أي حزب سياسي مهما كان توجهه الأيديولوجي ». واعتبر أن « إقصاء أي حركة من المشهد السياسي يعرقل مشاريع التنمية في البلاد. الضرورة تقتضي التنوع والاختلاف بما ينتج قوة وتعددية فعلية ». وبدوره اعتبر مصطفى بن جعفر أمين عام « التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات » المعارض أن « الوضع المتردي في البلاد يحتاج لإصلاح سياسي جذري وفوري للشروع في إعادة البناء ». وناشد بن جعفر الحكومة « إطلاق حرية التجمع (التظاهر) والتعبير وإطلاق المساجين السياسيين لتوفير مناخ ملائم للعمل السياسي ». فيما طالب عبد الرءوف العيادي عضو حزب « المؤتمر من أجل الجمهورية »، وهو غير معترف به أيضًا، السلطات « بتسامح داخلي وحقيقي وإلغاء قاعدة الإقصاء والتهميش والولاء ». ويتعرض نظام الرئيس التونسي لانتقادات منتظمة من جانب منظمات دولية ومنظمات تونسية غير حكومية وأخرى معارضة على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان، وتقييده لأنشطة المعارضة ولحرية الصحافة، كما تؤكد هذه المنظمات، وهو ما تنفيه السلطات التونسية. وتتهم المعارضة التونسية النظام الحاكم بأن سجونه تحوي ما يزيد عن 500 سجين سياسي أغلبهم من حركة النهضة، وهو ما ينفيه باستمرار نظام الرئيس زين العابدين بن علي. (المصدر: موقع إسلام أون لاين.نت بتاريخ 9  مارس 2006 )

 

 
أخبار العدالة  
 
الأستاذ عبد الرؤوف العيادي

تعاون أمني على حساب من؟

خلال استنطاقه من طرف الدائرة الجنائية بالمحكمة العسكرية الـــدائــرة يـــوم 2006/03/24 صرح المتهم سيف الله بن حسين المحال في ثلاث قضايا من أجل ذات الوقائع بما يوحي بتوسع الفكر الإستنساخي في « جمهورية الغد » من المجال العدلي- أنه قضى أياما عديدة خلال إيقافه بمخافر أمن الدولة بوزارة الداخلية- وهو يجيب عن أسئلة يطرحها عليه بواسطة الفاكس قاضي تحقيق فرنسي وآخر انقليزي وقد كان يدون أجوبته كتابيا، حتى أنها اتسعت إلى ما لا يقل عن ألفي صفحة كاملة ! وقد عبرت بذلك السلطة عن دخولها مجتمع المعلومات من بابها الخاص- باب البوليس !. ممنوع الأذان! المتهم سيف الله بن حسين روى كيف اعتدى عليه أعوان طلائع السجون بصورة وحشية بعد تجريده من جميع ثيابه بسبب رفعه الأذان داخل السجن، مما خلف له آثارا عديدة بأنحاء جسمه، إلا أنه أصر على حقه لم يثنه الإعتداء على مواصلة الأذان عند موعد الصلاة قائلا للمحكمة  » لقد فاتهم أنني مستعد للموت دون ديني! ».

مقاطعة الأستاذ العياشي الهمامي

أشار الأستاذ العياشي الهمامي إلى كتيبة « التجوّعيين » قائلا أنهم يرددون مَا تطلبه منهم وزارة العدل، وأنه لو تصدر إليهم التعليمات بتغيير الموقف من النقيض إلى النقيض لما ترددوا في ذلك طالما أنهم وعاء بدون فكر عندها هاجت عناصر « التجوّع » وماجت، وتظاهر بعضهم بأنه يتجه نحو المنبر حيث الأستاذ العياشي لتأديبه وافتعال أجواء الفوضى والتمرد على رئاسة الجلسة، وَ كان زميل علق متجها إليهم صحيح إنكم من حزب « التجمع  » ولستم من حزب ديكرت!

الأستاذ فوزي وحملة مقاومة العقرب!

الأستاذ فوزي بن مراد توجه إلى كتيبة « التجوعيين »الذين حاولوا منعه من مواصلة تدخله بافتعال الإحتجاج تارة وبالصياح تارة أخرى- بالقول إذا عادت العقرب عدنا لها بالنعال. كما تحدى تهديداتهم بأنه جرّب السجن ولا يخفيه أن يعود إليه وَ تناول بجرأة سلوك الوزارة وأذنابها ممن جاءوا لتنفيذ مخططها في فرض « إشرافها » على المحاماة. أحدهم علّق بأن الأستاذ فوزي الذي يشدك تعليقه على الأحداث بمنهجه التحليلي الطريف والدقيق في آن بأنه في الذكرى الأولى لقمعه وافتعال محاكمة لـَهُ وهو يقوم بواجبه داخل قاعة الجلسة- أعلن بداية حملة مقاومة العقرب!

الأستاذ كسكروت، هو أيضا حضر ضمن الكتيبة

بدأ حياته قاضيا ثم استقال ودخل المحاماة وما أنْ ظفر بأموال منوبته العجوز التي تعرضت لحادث مرور خلف لها سقوطا كبيرا بعد توليه تنفيذ الحكم الصادر لفائدتها، حتى « ورّاها من الجمل وذنو » واستولى على البقية يبدو تعويضا منه لسقوطه الأخلاقي الذي فاق السقوط البدني للمسكينة التي علمت بفعلته على سبيل الصدفة فرفعت ضده شكوى في الخيانة الموصوفة إلاّ أن الإجراءات القضائية شفعت بإجراء « سياسية »(وفق منظور السلطة) انتهت إلى صدور حكم لطيف بإدانته قضى بالسجن مع تأجيل التنفيذ مقابل انضمامه إلى خلية التجوعيين بالجهة. مرّ أمامي وكنت ضمن أعضاء مجلس الهيئة المنتصب كمجلس تأديب سنة2004 وقد حضر الجلسة صحبة عدد لا يقل عن خمسة محامين ليتولوا الدفاع عنه والواقع أن إدانته لا جدال فيها بعد صدور الحكم القضائي- إلا أنه كان يرمي من استجلاب العديد من المحامين التلويح بوجود  » باكو » أصوْات وكانت الحملة الإنتخابية لتجديد الهياكل قد بلغت آخر أطوارها! أذكر أن بداية تدخلات الأستاذ المذكور العنيفة كانت بمناسبة الندوة التي حاولت جمعية المحامين الشبان عقدها لمناقشة تنقيح الدستور إذ كان يصيح مقاطعا الأستاذ محمد عبو المشرف على الندوة: » مشكلتنا الخبز آش دخلنا في السياسة! » وكرر السيناريو للمرة الألف فارضا إلى جانب نظرائه من التجوعيين عدم عقد الندوة، يومها حصل على تسمية « الأستاذ كسكروت ». يوم الجلسة العامة شاهدته يطاول الصياح حتى يسجل حضوره بصوته الذي يتميز بحشرجة تجعله غير مسترسل رغم المجاهدة- والعبرة بالمشاركة!

الأستاذ عضروط : التباكي لمزيد الإستطعام

عندما دعا أحد الزملاء يوما بمكتب المحامين لجلسة طارئة للنظر في موضوع الإعتداء على زميله صاح الأستاذ عضروط يزينا من الإجتماعات خلينا نأكل الخبز، أجابه زمنها أحد الحاضرين أن المحاماة هي رسالة وليست مهنة العضاريط. هذا الأستاذ عبر عن سخطه للطريقة التي يتم التصرف بها في مال هيئة المحامين- معلما الحضور أن أحد أعضاء الهيئة يسافر ظاهريا للمشاركة في بعض الندوات وواقعيا يعرج إلى أحد البلدان الأوروبية للإتصال بابنه حيث يزاول تعليمه. لكن التباكي لا يكون بعين واحدة، إذْ انحبست دموعه في العين الثانية، فلم يبك على المال العام الذي تمول السلطة به سفراته هو وسواه من أعضاء الخلية لتلميع صورة السلطة البوليسية. كما حاول جهده جعل النشرة الصحية التي قدمها حول وضعه الخاص مبررا للدفاع عن وجهة نظرا الوزارة في الإنخراط في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، البعض رأى في ذلك طلبا لمزيد الإستطعام من المال العام، « وَ ما نُوحي إلاّ على روحي! »

 
(المصدر: موقع مجلة كلمة الإلكترونية بتاريخ 9 أفريل 2006)


 

حمادي الحبالي مجددا أمام المحكمة

أحيل السجين السياسي السابق حمادي الجبالي والمفرج عنه مؤخرا على مكتب التحقيق الرابع بتهمة إرشاء عون سجون مقابل إخراج رسالة إلى زوجته أثناء إقامته بسجن الناظور. ويحال بنفس التهمة زوجته وحيدة الطرابلسي وعون السجون كمال الكعبي و السجناء محمد الشملي وحسن الخذري. واستجابة لطلب المحامين أجّل الاستنطاق إلى يوم 5 ماي القادم.

إضراب عن الطعام في السجون

يواصل السجناء السياسيون في سجون برج الرومي والناظور والمسعدين والمهدية وصفاقس و 9 أفريل إضرابهم عن الطعام الذي بدأه البعض منهم منذ آخر شهر فيفري 2006 للمطالبة بإطلاق سراحهم بعد أن يئسوا من إطلاق سراحهم بمناسبة عيد الإستقلال رغم الوعود التي قد تكون أعطيت لبعضهم، وللاحتجاج على الممارسات غير القانونية والاستفزازات والمضايقات اليومية. ومن بين المضربين الشيخ محمد العكروت (52 يوما) ورمزي بالطيبي وخالد الدريسي وعلي الزواغي وعلي شنيتر وسامي الفتيتي والهاشمي بكير وعلي الغضبان ونبيل النوري ومحمد بوعزة وفيصل المهذبي وأيمن الهذلي واحمد البوعزيزي ولطفي الجباري وفتحي الورغي ورضا البوكادي. وعبرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن انشغالها لظاهرة تعدد الإضرابات عن الطعام التي يشنها السجناء السياسيون مطالبين بتحسين ظروفهم السجنية أو إحترام حقوقهم المضمونة بقانون السجون أو من أجل إطلاق سراحهم. وطالبت بفتح بحث جدي في قضايا التعذيب ضد السجناء ومعاقبة كل من تثبت إدانته في إقتراف هذه الجريمة.

بعد الانتحار جاء.. الفرج

بعد إقدام المواطن علي الورغي على الانتحار حرقا بمدينة ماطر بسبب قلة ذات اليد والظروف الاجتماعية المتدهورة قامت السلطات المحلية بالاتصال بزوجته لطيفة الورغي (35 سنة) العاطلة عن العمل وفي كفالتها 4 أبناء ومكنتها من كشك لبيع السجائر وبعض المواد الغذائية ومنحة شهرية. هذه « اللفتة » التي جاءت متأخرة جدا وإن كانت مطلوبة في حالة إنسانية كحالة هذه الأسرة فإننا نخشى أن تدفع كل من ضاقت به الحال ولم يجد حلا على إضرام النار في جسده حتى تنتبه السلطات إلى وضعية أسرته. قتل بالإشاعة عاشت عائلة حمّه الهمامي، مساء الإثنين 27 مارس 2006 ساعات طويلة من الفزع، إثر تلقي زوجته الأستاذة راضية النصراوي مكالمات هاتفية من عدّة شخصيات للتثبّت من أخبار تتحدث عن مقتل زوجها. و راجت هذه الإشاعة في جهات مختلفة من البلاد في نفس الوقت عندما تغيّب حمه الهمامي عن منزله لقضاء بعض الشؤون الخاصة.

إعلام أم إشهار؟

أشارت « الموقف » في السنة الماضية إلى وقف توزيع الطبعة الدولية من الصحيفة المغربية الأسبوعية المستقلة « ماروك هبدو »، وكانت تلك الصحيفة آخر مطبوعة مغاربية تُوزع في تونس في ظل تغييب الصحف المغربية الأخرى والجزائرية والموريتانية وغيرها… لكن فوجئ القراء مؤخرا بالسماح لصحيفة مغمورة تُدعى « لاغازيت دي ماروك » بالتوزيع في تونس. وبطل العجب عند تصفح الأعداد الموزعة فهي تحتوي على مقالات دعائية في تلك المساحات التي اعتادت الحكومة على شرائها بأموال دافعي الضرائب. ويسهل التعرف على تلك المادة الإشهارية من أقلام المرتزقة الذين يوقعون عليها بالمداد المستخرج من الأوراق الخضراء. (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 354 بتاريخ 7 أفريل 2006)

 

 

* ندوة  تنظم في تونس وبمبادرة من وزارة الاتصال والعلاقة مع مجلس النواب ومجلس المستشارين ندوة حول الصحافة الإلكترونية وذلك يوم الخميس 13 أفريل الجاري.

* إقصاء عمدت إدارة مهرجان ربيع القيروان الدولي إلى إقصاء الشاعر البحري العرفاوي من فعاليات هذا المهرجان بعد أن سبق ووجهت له الدعوة ووقعت برمجته. إقصاء غير مبرر وغير مقبول مهما كانت دوافعه لأنّ في توجيه الدعوة للشاعر البحري العرفاوي إقرارا بأحقيته في إلقاء قصائده بصرف النظر عن مواقفه السياسيّة.

* منتدى اجتماعي

تتواصل الاستعدادات لعقد المنتدى الاجتماعي التونسي الذي يلعب الاتحاد العام التونسي للشغل دورًا بارزًا في وصل مكوناته. وفي هذا الصدد علمت الوحدة أنّ المنتدى سينعقد بالعاصمة يومي 22 و23 أفريل الجاري. وقد شرعت لجان أعدت للغرض في ضبط مختلف الجوانب المتصلة بعقد المنتدى. * نشاط تتواصل مختلف اللجان الناشطة في صلب المجلس الأعلى للاتّصال اجتماعاتها واتصالاتها بمختلف المؤسسات والهياكل الفاعلة في المشهد الإعلامي. وتتواصل إلى جانب ذلك الاجتماعات الدورية للمجلس. وتيرة النشاط الملحوظ إلى جانب الأجواء الإيجابية التي يتم في إطار تبادل الأفكار والمقترحات تدفع إلى التأكيد على أن المقترحات التي سيتمّ تقديمها ستكون حاملة لعديد التصورات. * ترويج  تبذل مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات جهدًا لافتا للإسهام في إثراء الحياة العلمية وفيي كشف جوانب هامة من الذاكرة الوطنية. هذا الجهد يقع التعاطي معه حاليا، وفي مستوى بعض الإدارات والوزارات بشيء من الإجحاف وبتجاهل يبدو غير مفهوم، ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى أن الوزارات المعنية لا تقتني منشورات مؤسسة التميمي ولا تقدم لها ما توفره لغيرها من مختلف أنماط وأشكال الدعم. وضعيّة تبدو في حاجة إلى تدخل سريع.

* دور المجتمعات المدنية

 ما دمنا مع أخبار مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات نشير إلى المؤتمر القادم للفكر العربي المعاصر الذي سينتظم في إطارها السنة القادمة سيسهم بدور المجتمعات المدنية في تفعيل آليات القرار السياسي. * ظاهرة  ظاهرة أضحت لافتة في الفترة الأخيرة وتتمثل في اقدام عديد الوزارات ومصالح الإدارات العمومية على التقاعد القانوني أو التمديد لمدة سنة قابلة للتجديد مرتين. اللجوء إلى مثل هذه الأساليب يقلص من إمكانيات الانتداب ويحرم الإدارة من حماس الكفاءات الشابة. هناك ظاهرة أخرى تتصل بالأولى وتتمثل في لجوء بعض الإدارات إلى انتداب متقاعديها بموجب عقود عمل مغرية تضاف إلى جراية التقاعد وتنعكس تبعاتها سلبًا على الموازنات المالية للإدارات والشركات. * احتفال  في إطار الاحتفال بيوم الأرض، احتضن مقرّ جمعية صوت الطالب الشابي، يوم الجمعة 31 مارس الفارط تظاهرة ثقافيّة متكاملة تجدّد من خلالها التأكيد على التمسك بالأرض وعلى أولوية ثقافة المقاومة. (المصدر: صحيفة « الوحدة » الأسبوعية، العدد 495 بتاريخ 8 أفريل 2006)


حوار مع الأستاذ سمير ديلو:

المطلوب إلحاق القطاع بركب..الموالاة!

 

* هل ألقت الظروف التي دارت فيها الانتخابات الأخيرة للمحامين الشبان بظلالها على هذه الجلسة ؟

 

بالطبع، فهذه الجلسة العامة الخارقة للعادة تأتي في ظرف يحمل سمتين.:

 

الأولى سعي السلطة إلى ضرب استقلالية المحاماة عبر سنّ قوانين تجعل هذا القطاع تحت السيطرة المباشرة لوزارة العدل بتنقيح القانون المنظم للمهنة بشكل يمسّ من اعتبارها مهنة حرة مستقلة (مثل الإشراف على معهد المحاماة، وإلحاق المحامين بالصندوق القومي للضمان الاجتماعي في خصوص التغطية الاجتماعية …)

 

الثانية السعي إلى المساس من الدور الرئيسي للمحامين كمدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان وحصر نقاط الحوار في المسائل المعيشية الصرف، وذلك عبر إصرار التجمعيين على فرض جدول أعمال لا يشمل الاعتداءات التي تطال المحامين ولا يطالب بإطلاق سراح الأستاذ محمد عبو….

 

* هل أن التجاذبات الحادة التي حصلت حول القضايا المطروحة هي مجرد اختلاف في وجهات النظر أم أنها انعكاس للتجاذبات السياسية التي يعيشها القطاع ؟

 

للأسف، فإن الخلفيات السياسية هي التي تحرك التجاذبات بشكل رئيسي، فجملة المتدخلين من المحامين التجمعيين كانوا يدافعون عن وجهة نظر الحكومة ويهاجمون الهيئة ويجرحون ممثلي هياكل المهنة، أما الحساسيات السياسية المعارضة فرأت من واجبها أن لا تغرق في الحسابات على نحو يمكن أن يلهيها عن مدار الخلاف الرئيسي وهو ضرب استقلالية المهنة وإلحاق القطاع بركب..الموالاة

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 354 بتاريخ 7 أفريل 2006)

 


تجويع القضاة
في خطوة غير مسبوقة في تاريخ القضاء التونسي أقدمت وزارة العدل وحقوق الإنسان في تونس على اتخاذ إجراء عقابي موجع ومهين في حق بعض القضاة النشطين صلب جمعية القضاة التونسيين وتحديدا صلب هياكلها الشرعية. و قد أبلغت وزارة العدل بتاريخ 29 مارس 2006 القاضيين محمد الخليفي عضو الهيئة الإدارية وعبد الباقي كريد العضو السابق فيها بخصم ستة عشر يوم عمل عن كل شهر من اشهر ديسمبر وجانفي وفيفري الماضية (أي من تاريخ انعقاد المؤتمر الانقلابي في 04 ديسمبر 2005 ) مما يؤدي بصفة آلية إلى حرمانها من ثلثي أجريهما باعتبار أن هذا الخصم يتسلط على الأجر الخام دون الأجر الصافي (خصم ألف دينار تقريبا عن كل شهر). كما أضافت الوزارة نفس العقوبة للقاضيين وليد الرحموني ورياض عاشوري (تطاوين). وتبرر وزارة العدل هذا الإجراء بتغيب القضاة عن عملهم وذلك في المدة المشمولة بالخصم. ومن الواضح أن الغاية من هذا القرار هي الانتقام من كل من استبسل في الدفاع عن الشرعية وفي منع محاولات وزارة العدل تدجين جمعية القضاة بفرض مكتب تنفيذي صوري يدير شؤونها، علما وان القاضي السيد محمد الخليفي كان قد رفع قضية مدنية في إبطال أعمال مؤتمر تنصيب الانقلابيين وقد اضطر فيما بعد إلى طرح القضية احتجاجا على الخروقات الصارخة للقانون التي صاحبتها ويأسا من صدور حكم عادل. وهنا يخشى أن يمتد هذا الإجراء إلى العديد من القضاة الرافضين للمكتب التنفيذي المنصب كما يخشى أن يؤدي إلى تدهور فجئي وكارثي للوضع الاجتماعي للقضاة المعاقبين وان يؤثر ذلك على توازنهم المالي فحسب بل أيضا على أدائهم المهني وعلى رسالتهم النبيلة . (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 354 بتاريخ 7 أفريل 2006)  

خصم مرتبات القضاة

عبرت لجنة الدفاع عن المجتمع المدني بالقيروان عن مساندتها للقاضيين محمد الخليفي وعبد الباقي كريد اللذان ابلغا عن طريق وزارة العدل وحقوق الإنسان بخصم شهرين من مرتبهما بدعوى الغياب دون مبرر. وقالت اللجنة انه وقع استدعاء بعض القضاة من طرف التفقدية العامة التابعة للوزارة العديد من المرات بنفس الدعوى. واعتبرت اللجنة في بيان لها وقعه مسعود الرمضاني مختلف الإجراءات التأديبية، بما فيها خصم المرتب، مواصلة لمخطط السلطة الرافض لاستقلال القضاء كما يضمنه دستور البلاد وكل المواثيق الدولية. كما اعتبرت أن ضرب الهياكل الشرعية لجمعية القضاة يأتي ضمن استهداف كل الجمعيات المستقلة ومنها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ونقابة الصحافيين وغيرها- وهي جمعيات ترفض الوصاية وتتمسك باستقلاليتها. وأكبرت اللجنة صمود القضاة وتمسكهم بجمعيتهم الشرعية رغم كل الضغوطات ، كما دعت كل مكونات المجتمع المدني للوقوف إلى جانب الهياكل الشرعية لجمعية القضاة والقيام بمبادرات ملموسة للدفاع عنها والضغط من أجل تكريس احترام استقلالية الجمعية والقضاء عموما.  (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 354 بتاريخ 7 أفريل 2006)


 

بسم الله  الرحمن الرحيم

سـنـة أولـى حـوار

يمر اليوم التاسع من أفريل عام كامل على انطلاق موقع etwww.alhiwar.n  …

وبهذه المناسبة تتقدم أسرة الحوار نت إلى كل الأعضاء على ما بذلوه  من  جهود لاستمراره رغم الصعوبات الجمة التي لاقتنا …

كما نشكر كل الزوار والمحبين الذين ما فتئوا يتواصلون معنا باستمرار الأمر الذي مكـّننا من بلوغ مرتبة متقدمة جدا بين ملايين المواقع المتنوعة حسب تقييم الكسا العالمي المتخصص في تقييم المواقع…

لقد كان  من أهم الصعوبات  وجود المستضيف القادر على تأمين  عمل المنتدى الكتابي دون توقف. وكانت تلك النقطة السوداء في مسار هذه  السنة…ونحن إذ نضيء هذه  الشمعة الأولى في درب طويل نأمل أن تكون مساهمة ولو بسيطة في تحقيق أهداف الموقع  التي أسس من أجلها الواردة بصفحة من نحن: http://www.alhiwar.net/about.htm

كما نخبركم أننا بعون الله  وتوفيقه  سنقيم ندوة حوارية حول الحوار نت :الواقع والآفاق . وسيدعى لها جملة من المختصين وسنوافيكم عنها بمزيد من التفاصيل بحول الله .

ونجدد لكم  الدعوة لزيارتنا والمشاركة بكل حرية ومسؤولية. ونعلمكم انه تم اعادة فتح المنتديات الكتابية www.alhiwar.net/vb وتم اتخاذ الإجراءات الكافية بعد التوكل على الله  لعدم توقفها ثانية بحول الله.

فمرحبا بكم معنا من أجل كلمة حرة واعية ومسؤولة للجميع.

والله  من  وراء القصد

إدارة الحوار نت

 


حلّق، حتى لا تضيق بزحام الأزقّة

بقلم: حبيب الرباعي               

 

تيه العارفين.

 

عبر أحد العارفين، بأن النظام التونسي، والأزمة التي أحدثها لا نظير لهما عبر ظرفي الزمان والمكان.

ودليله على ذلك أن للنظم القديمة والمعاصرة صور محددة، واضحة المعالم، اختلفت في حسنها وقبحها ولكنها اتفقت في أن لها ملامح   ومواصفات سميت بها. إلا ما كان من النظام التونسي وما أحدثه.

وقد يرجع العجز في فهم طبيعة النظام التونسي، إلى أن جهود المهتمين بالشأن السياسي في البلاد كبيرة من جهة متابعة الأحداث الظاهرة. إلا أنها متابعات جزئية لا تغطي كل الأحداث ولا تدرك من يقف وراءها ولا أهدافهم من ذلك، ولا حقيقة الصراعات القائمة بين أصحاب النفوذ والمصالح.

فيمكن أن يقول الكــــل، أنا الذي قرّرت في هذا الشأن، ويمكن أن يقولوا في حالات أخرى، هو ولست أنا.

 

إذا لم تفهم أمرا، فأعد النظر فى أدوات بحثك، قبل أن ترهق نفسك بتكرار المحاولات.

 

الظلم والقهر، الاستبداد بالسلطة وقمع الرأي المخالف، إحتكار ثروات البلاد والإستئثار بها، القسوة في معاملة المواطين حيث ما ولّوا وجوههم….. هذه قضايا تؤلم وتؤرق كل صاحب ضمير، مسلما كان أو كافرا، تقيا كان أو ضعيف إيمان، عالما أو جاهلا.

 

ويضاف إلى القضايا الــمـــؤلــمــة آنفة الذكر، أن نرى منهجية الإخباريين ـ الذين يرصدون الأحداث في البلاد ـ ، كلاسيكية لا تتناسب مع زماننا. فنحن في أغلب الأحيان محرومون من أن تقدّم لنا صور للواقع ثلاثية الأبعاد (عميقة، بحيث تغوص في أعماق القضايا التي تطرحها. وعالية، من حيث المعايير التي تقيّم بها الأحداث ـــــ  ممتدة، بحيث لا تقتصر في تحليل الوقائع على زمن وقوعها ، بل تربط الوقائع ربطا زمنيا معقولا، أي الحيثيات التي سبقت حدوثها، وما يمكن أن ينتج عنها في المستقبل، كما تشمل كل البلاد ولا تقتصر على أماكن دون أخرى ــــ واسعة، تغطي كل القطاعات وكل الفئات الإجتماعية ).

 

فغياب هذه الأبعاد في تحليل أي خبر هو السبب الرئيسي في تقديري الذي جعل صاحبنا العارف بالواقع التونسي، غير قادر على التعبير عن فهمه لطبيعة النظام التونسي. 

 

هذا النظام الذي لا يمكن أن تفهمه، وتفهم أدائه والقوى المؤثرة داخله، من خلال حدث هنا وموقف هناك، وآخر مناقض له، وخبر من وراء الكواليس غير ثابت وفي بعض الأحيان غير مجدي…….

ثم إن هذه القنوات الإعلامية الألكترونية التي بين أيدينا الآن، والتي تجتهد في تقديم صورة عن تونس لا يمكن أن تحقق لمتتبعها رصيدا تراكميا يساعد على فهم درجة الأزمة والإختناق الذي تعيشه البلاد. فهنا خبر إقتصادي، يليه خبر ذا طابع اجتماعي، وثالث إنساني ورابع أمني وخامس في العلاقات الدولية، وسادس درس وعظي، وسابع ردّ وشتائم…..

 

بين الماشي على الأرض والمحلق فوقها، تفاوت في شمولية النظر.

 

تصوّرت حال الإخباريين والمهتمين بالشأن السياسي في تونس على النحو التالي:

 

باريس في أول يوم من أيام العطلة الصيفية الذي تقع فيه أكبر حركة نقل ـ منها وإليها ـ خلال السنة،. تشهد أيامها العاصمة الفرنسية أشغال صيانة في أغلب طرقاتها، مع إضراب في قطاع النقل العمومي، وآخر لسائقي الشاحنات، يضاف إلى ذلك كله، أن شرطة المرور لا تملك إلا دراجات عادية للتجوال في الشوارع لنقل صورة عن وضع المرور، وغير مجهزة بهواتف جوالة للتواصل مع المركز.

 

فهل بإمكان ضباط شرطة المرور أن يتعرفوا على المتسببين في  حالة الإختناق؟ وأن يضعوا خطة واضحة لإنقاذ المدينة من الشلل الكامل؟، وهم الذين لا تصل إليهم الأخبار إلا متباعدة زمنيا، وبشكل جزئي لا يعبر عن الحقيقة كاملة لضعف الوسائل المستخدمة في رصد حركة مرور رهيبة .

 

إن حال المهتمين بالشأن السياسي في تونس، أقرب إلى حال ضباط شرطة المرور المطروح عليهم إنقاذ المدينة من حالة الإعاقة الكاملة، بمثل التشعب الذي ذكرت وبمثل الأدوات المستخدمة في تشخيص الحال.

 

لقد بات التجهز بطائرات استطلاع فوق العواصم الكبرى، لتقديم صور حية ومباشرة عن واقع حركة المرور في الأوقات غير العادية بالخصوص، أمرا طبيعيا.

 

ولا ينتفع ضابط المرور بالنظرة الشمولية التي تقدمها الصور من أعلى، ولا يملك القدرة على إدارة حركة المرور على نحو يقي مدينته من الإختناق، أو يسهل سير الحركة في حالة توقفها… إلا بعد خبرة طويلة نظرية يتدرب خلالها على خريطة المدينة ونماذج لصور قديمة التقطت من أعلى، تظهر حالات من الإزدحام متفاوتة التعقيد مصحوبة بالحلول الممكنة للخروج منها. كي لا يجهد نفسه بالبحث والنظر أثناء الحدث.

 

فلو اهتم الضابط المكلف بحماية مدينة ضخمة مثل باريس، بما ينقله الأعوان من توصيف لألوان السيارات وهيأة السائقين وأعمارهم وأجناسهم وأصولهم العرقية، ـ وإن كانت حقائق ـ لأصبح الأمر عبثا.

 

كذا الأمر بالنسبة لمن يطرح على نفسه مشروعا عظيما للتغيير في البلاد ويفتقد صورا لنماذج مماثلة.

فشأن الإخباريين الذين يقدمون صورة من هنا وأخرى من هناك، هو شأن أعوان المرور الذين تخصصوا في ذلك. ومن يطرح على نفسه مشروعا تغييريا  فتكفيه صورة من أعلى، مع ما يطلب من تفاصيل إن احتاج إليها.

 

حلق بدون طائرة.

 

لقد كانت دعوة الحق التي جاء بها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية، تمرّ بشدة وتضييق ومحن في كل الإتجاهات.. من تأليب للقبائل الوافدة على مكة ضد المسلمين، مع التشهير والسخرية بهم وتكذيب وإقصاء كامل للمسلمين لأن يشاركوا كغيرهم في الحياة الطبيعية في مكة، علاوة على التعذيب.

 

في هذه الظروف الصعبة ينزل على المسلمين أصحاب المنهج القويم والمشروع التغييري الشامل، ، قصص أغلبها بعيد زمنيا، مثل قصة قوم نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وموسى وعيسى عليهم السلام ، وبعضها الآخر كان قريب الحدوث مثل قصة أصحاب الفيل. قصص كانت نموذجا في الشورى والديمقراطية مثل قصة ملكة سبأ، وأخرى لا نظير لها في الدموية مثل قصة أصحاب الأخدود….

 

ولقد اختار المولى عز وجل ـ وهو أعلم بحاجيات المسلمين وقائدهم عليه الصلاة والسلام ـ  أن ينزل وحيا يتلقاه هو وصحبه الكرام، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، بمثابة صور شاملة  لأوضاع عاشها المؤمنون من قبلهم، منها ما يغطي هذا الجانب، ومنها ما يغطي جوانب أخرى، وبين هذه الصورة وتلك يتعلم المسلم سر المزيج الرائع بين إرادة المستضعفين في إزاحة الظلم والقهر والإستبداد، وإرادة المولى جل ثناؤه بالمن عليهم، لا بمجرد رفع حالة الظلم والإستبداد عنهم، بل بتمكينهم من الإشراف على إدارة شؤون البشر، على منهج يرضاه سبحانه. وهذا أمر لا يقدر عليه إلا العلي القادر المقتدر وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين ونمكن لهم في الأرض….َ

 

إن الله سبحانه وتعالى أنزل على المؤمنين الهدى من عنده، لا ليضغط عليهم، فيحد من حركتهم ويحرمهم من رؤية موضوعية لواقعهم، أو أنه جعل الهدى أمرا لا يدركه الإنسان مهما حاول القفز، بل يسر لهم الهدى وحملهم عليه ورفعهم به إلى أعلى، ليرى كل طلب له، حركة العالم بعيدا عن الزحام المزعج، والتفاصيل المضيعة، والجزئيات الملهية، والمظاهر الخادعة.  فترتاح برؤيتهم العالية نفوسهم وتصفى عقولهم، فتنقّى برامجهم من الزوائد المعيقة، ويقربوا من الصواب في الحلول التي يطرحونها.

 

يقول جل من قائل : « وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ » فالهدى، والعلو خاصيته، يحمل المسلم إلى أعلى لأنه يتحرك به وعلى أساسه،. مع ضمان رؤية شاملة لحركة الحياة وصور نموذجية حصلت حقيقة في العلاقات السياسية والإجتماعية الإقتصادية وغيرها، تساعده على حل أي وضعية في تلكم المجالات بيسر مهما تعقدت.

 

أعود لقول الرجل الرشيد المسكون بأوضاع تونسنا الحبيبة، والذي عبر عن صعوبة فهم النظام التونسي على وجه الدقة كما ذكرت في أول هذه السطور. فأقول له لا تتوقف عن مسيرتك في متابعة أحداث البلاد ولكن اجعل لنفسك أوقات تحلق خلالها أعلى و كلام الله  تعالى يضمن لك ذلك، فقد آنست فيك صلاحا والله حسبك.

 

من أجل ذلك..

 

سامح الله ثلة من أحبابنا الطيبين الذين كان لهم تأثير على غالبية إخوانهم في بداية الثمانينات، فقد بثوا في ذلك الوقت فكرة مفادها: أن الرجوع في كل حدث إلى قصص الأنبياء والسيرة النبوية لنفهم كيف نتصرف، يصرفنا عن المبادرات الجادة والسريعة، لما في القصص والسيرة من اختلاف للعلماء وما يسببه التمحيص والتحري من إضاعة للوقت بحثا عن أصوب الأقوال وأصحها.

 

ولقد حوّلت هذه الفكرة أبناء الصحوة الإسلامية إلى ما يشبه طوابير شرطة المرور الذين تتوفر لديهم تفاصيل عن حركة المرور، وحرمتهم من رؤية علوية تمكنهم من التصرف بنجاعة وسرعة.

فتحولت مجالسنا من تذاكر وتدبر إلى « مشدقة » لا تزيد الإنسان إلا صداعا في الرأس وتيها في فهم الواقع.

ولخبر الرهط التسعة في القرآن الكريم، خير من عدد لا يحصى من المقالات التي قرأتها ونسيتها.

 

تحية طيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

شهادات ميلاد الاستبداد.. على يد النظام التونسي مواقف من محنة الإسلاميين في تونس

الحبيب مباركي – سويســـرا في أواخر سنة 1993 غادر الأخ الواثق بالله الساري السجن بعد أن انتهت محكوميته، وقد كان خروجه من سجن آخر , نقل إليه و لم أكن معه فيه , غير أنني فوجئت بوجوده سنة 1998 في السجن مرة أخرى فعبرت له عن حزني الشديد لعودته غير أنه عبر لي عن بالغ سروره لعودته هذه بعد أن مر بتجربة ما بعد السجن, فالسجن كما أكد لي أحب إليه من الممارسات الخسيسة التي تفتقت عليها القريحة الإجرامية للنظام. أن يكون السجن أرحم من خارجه فهذه تبدو لأول مرة صورة مقلوبة ولكن في الحالة التونسية ومع نظام الجنرال بن على فإن الصورة منسجمة جدا مع طبيعة النظام التونسي وما بيت له من كسر عظم , وإذلال , وإهانة للإسلاميين بتونس, وقد نقل لنا الأخ الواثق بالله الساري  صورة عن الممارسات المذلة التي يقترفها النظام تجاه المسرحين من سجونهم , وفى وقائع حدثت معه أكد أن النظام أخضعه إلى سياسة التوقيع في 10 مراكز أمنية يوميا, وفى أماكن مختلفة من ولاية القصرين وقد رُتبت مواعيد حضوره للمراكز الأمنية المختلفة بالشكل الذي لم يعد متاحا له حتى العودة إلى مقر سكناه لتناول وجبة غداء , فالمواعيد تنطلق على الساعة الثامنة صباحا و تنتهي عند الساعة السادسة مساءا يطوف خلالها الأخ على المراكز الأمنية الـعشرة ,وفى المساء يعود إلى البيت منهكا لا يقوى حتى على الوقوف, وقد كانت زوجته الكريمة تحضر له الماء الساخن كي يضع فيه ساقيه للتخفيف من الألم الذي ينهش رجلاه من أثر الطواف اليومي المرير والمبرمج لإنهاكه, وقد كان من فرط شعوره بالقهر والظلم لا يتمالك عن البكاء تحت أنظار أسرته ومن عزائه أن والده كان يخفف عنه محنته ويدعوه للصبر, ويرق لحاله بقلب أبوي رحيم على فلذة كبد يسحقها قهر الذكور وما هم برجال . واستمر حاله هكذا حتى بلغ وأسرته إلى درجة الخصاصة والحرمان , إلى أن وقع تقليص مواعيد التوقيع في المراكز الأمنية , ففكر في البحث عن عمل يعوله و أسرته , وفى أحد الأيام التقى بعد صلاة الصبح في المسجد بأحد المصلين فتحادثا سويا في موضوع الشغل ومن حسن حظه أن هذا المصلى يملك حماما فعرض عليه العمل معه بعد أن استشعر حجم المأساة التي يرزح تحتها وأسرته وقد دار بينها الحديث همسا ولكن كما يقول المثل التونسي « الليل بعويناته والنهار بوذيناته » فتونس بلد العسس والمخبرين وميليشات النظام, فقد استقرأ أحد « القوادة » حديثهما فبلغ الأمر للبوليس ,وفى ليلة استلام العمل كان الأخ الواثق بالله في الموعد لاستلام عمله ولكن فوجىء بقول صاحب العمل أنه لا يستطيع تشغيله ذلك أن الأمر بلغ « الحاكم » وقد تلقى تنبيها شديد اللهجة من البوليس يهدده بغلق الحمام في ما إذا شغله. وفى محاولة أخرى منه لإعالة أسرته تدبر الأخ الواثق بالله مبلغ لا يستهان به وهو ما قيمته 30 دينارا تونسيا كاملة من أحد أصهاره  للتجارة, وقصد السوق باكرا واشترى ما تيسر له من خضار واكترى « بسكولة » وانتصب بالسوق للبيع وما لبث أن جاء « الحاكم » متمثلا في 6 أعوان بوليس بزى مدني يعرفهم , طلبوا منه اصطحابه إلى مركز الأمن القريب للتحقيق بتعلة أن هناك شخص بالمركز ذكره في التحقيق ويريدون أن يكافحه » , فرد الأخ قائلا: وما مصير « السلعة » التي اشتريتها , فقالوا له بمكر: سيبقى أحدنا يحرسها حتى تعود فالأمر لا يحتاج الكثير من الوقت, ومع أن الأخ يعرف هذه الأساليب فإنه لم لا يستطع أن يرفض طلبهم فرافقهم إلى مركز الأمن , وهناك طلبوا منه الانتظار حتى تتم « المكافحة » وبقى  الأخ في الانتظار الذي امتد من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة الواحدة ظهرا دون أن تتم المكافحة المزعومة , وعند الساعة الواحدة أتاه أحد الأعوان وقال له : الآن تستطيع الانصراف, هكذا ببساطة متناهية , فاحتج الأخ على الموقف ومصير « السلعة » التي تركها , فقال له العون باستصغار: أنصحك أن تنصرف بدون أي نقاش ، فعاد الأخ إلى السوق يتفقد « النصبة « فلم يعثر على أثر مما ترك , فتجرعت النفس مرة أخرى مرارة القهر والظلم البواح. ولم يعدم النظام كل وسيلة من وسائل الحصار والتجويع و الهرسلة والإذلال فلاحق الأخ حتى عند الجزار الذي كان يشترى منه  « الرأس و الكراع » فقط ولا يطمع في غيرهما, ونختم بأحد الحوادث المضحكة المبكية , ففي أحد الأيام ذهب الأخ الواثق بالله إلى جاره , صاحب المجزرة كي يشترى منه كعادته رأس أو أحد « كرعين البقر » فتوسل له الجزار أن لا يأتيه للمحل ثانية , درءا للمشاكل وبأن نصيبه الذي كتبه الله له سيصله إلى حيث هو, فكان كل ليلة وعلى ساعة متأخرة في انتظار رزقه الذي يأتيه رميا من بيت الجيران , فأصبح كل ما سمع أثر رمية يعرف أن جاره الطيب قد أرسل له ما كتب الله له بقذفة « معلم » يستقر معها الكيس في صحن البيت . وهذا غيض من فيض وسنجتهد إن شاء الله تعالى في أن نمدكم بمواقف أخرى حدثت مع بعض الإخوة ستبقى وصمة عار على جبين الجنرال حاكم تونسي الفعلي ونظامه وشهادة ميلاد محنة سوداء موحشة بدأت بالإسلاميين وأتت على الجميع ولم تستثن إلا من ركن للنظام وأدان له بالولاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده.

 

نصيحة لا تقرؤوا هذا المقال..

الطاهر العبيــــــدي taharlabidi@free.fr أنتم يا أنتم يا من تختارون المنافي وتتركون بلادكم العربية، مسقط رؤوسكم مسقط طموحكم، مسقط أحلامكم، ومسقط قبوركم… أنتم يا من تكفرون بحرية التصفير، وحرية وأد الضمير، وحرية التنهد، والتثاءب بالعيون وحرية  الرقص وهز البطون، ما الذي يدفعكم إلى التخلي عن أوطانكم، أوطان العطالة وأوطان المستقبل المستحيل…  أنتم يا من تتنكرون لكل هذه النعم في وطنكم العربي الكبير، فما الذي يغريكم بالرحيل، إلى لندن وباريس وستوكهولم وامستردام وأوسلو عاصمة انتصارنا العظيم، وغيرها من بلدان وعواصم الغرب… ما الذي يغريكم باللهث وراء تأشيرات من أجل السفر إلى هذه البلدان، حيث تقضون ساعات وأيام طويلة، وأنتم مرميون في طوابير بائسة ذليلة، أمام السفارات والقنصليات، تتزاحمون كما تتزاحم الأغنام والبعير، تحلمون بالهجر والرحيل ومغادرة الوطن العربي الكبير، وطن الحلم المبتور، والمستقبل المنثور، والأجر المكسور، والهتاف المأجور…   أيعقل أن يتم  التخلي عن الوطن والعروبة والحياة السعيدة، والعيش في برودة المنافي وصقيع الغربة، فعلا هذا كفر بنعمة العيش في الدول العربية الصديقة والشقيقة والرقيقة والعتيقة، ولأدلل على فداحة خسارتكم، سأروي لكم هذه الحكاية التي تجسّد خيبة اختياركم، وتجعلكم تعضّون أصابعكم ندما على ما فاتكم من فرح وسعادة، في مسقط جوعكم، ومسقط همومكم، ومسقط رزقكم، ومسقط نهبكم، ومهد إذلالكم ومهد هوانكم، ومهد بؤسكم ومهد سجنكم،  .. تقول الحكاية العربية التأليف والتوزيع والدلالة، أن هناك رجل أمريكي ثري عنده كلب يدلله ويحبه ويعيش أفضل من ملايين الآدميين على هذه الأرض، وللكلب خادم خاص، بالإضافة إلى طاقم كامل يهيئ له سبل الراحة والسعادة، باختصار الكلب لا ينقصه أي شيء، ابتداء من الأكل والتنزه والسفر والسباحة وحلق الشعر،               وحضور المهرجانات و الحفلات الراقصة والصاخبة، وركوب السيارات الفاخرة والعلاج، وأطنان من اللباس من أرقى المغازات الخاصة بالكلاب ذات الحظ السعيد… ومع ذلك فقد ألمّت بالكلب حالة اكتئاب، فما عاد يأكل ولا يشرب، وأصبح دائم الشرود لا يمرح كعادته، وصار حزينا طول اليوم يعاني من التأزم، فتم إستدعاء طبيبا يختص بعلم النفس الحيواني، ليكشف عن الحياة النفسية والجنسية للكلب، ويشخّص العوامل البسيكولوجية المؤثرة على مزاج الكلب، فاقترح هذا الطبيب النفساني إرسال الكلب إلى بلاد أخرى، لتغيير نمط الحياة وربما لكسر الرتابة، فسارع هذا الثري، إلى حجز تذكرتين في الدرجة الأولى  للكلب ومرافقه للسفر إلى سويسرا، وبعد يومين اتصل الأمريكي الثري بالفندق الفخم ذي النجوم التي لا تحصى بكلبه ومرافقه الخاص، ليطلع على أحواله والاطمئنان على صحته، فنبح الكلب نبحة تدل على عدم سعادته بوجوده بسويسرا، وعدم تغيير نفسيته التي ظلت كما سافر، ومن جديد حجز له ولمرافقه الساهر على راحته إلى الإقامة بالنورويج، وبعد يومين اتصل بفندق الكلب، فرد عليه بنبحة تعبّر عن الضجر والملل، والتأزم النفسي من وجوده في هذه البلاد، وهنا استاء الثري، وظل كل مرة يرسله إلى إحدى العواصم الأوربية المشهورة، عله ينقذ كلبه من حالة الاكتئاب المفاجئ، غير أن لا شيء تغيّر بالنسبة للوضعية النفسية لكلبه العزيز، حتى اهتدى في الأخير إلى إرسال كلبه ومرافقه إلى الوطن العربي، إلى وطننا العريق الجميل الشاسع، ذي القدرات الأرضية والبشرية والمناخ الطبيعي الذي نحسد عليه، إلى حيث يعيش إخواننا وأبناء جلدتنا، ينعمون بالشمس والهواء، ويتمتعون بحرية الضرب وحرية الجوع وحرية الإهانة والذل المستديم… ولأنه لا توجد عندنا نحن العرب فنادق للكلاب، ولأننا جميعا سواسية كأنياب القانون، نعيش كما تعيش الأنعام، تفترسنا الحكومات، ويضربنا البوليس كما يضرب الراعي الأبقار والأغنام، ولأننا محشوّين في مساكن بائسة كما تحشى الأوراق في صناديق الانتخاب، أو مكدسون منذ الاستقلال في سجون الظلم والظلام.. فلم يهتد الرجل الأمريكي الثري إلى عنوان كلبه، وهنا طلب من الحكومة الأمريكية التدخل للبحث عن كلبه ومرافقه، ولأننا نحن العرب جميعا دون استثناء متهمون لدى أمريكا، فقد استنفرت السفارات الأمريكية في الدول العربية بكل عيونها ومخابراتها التي ترتع في بلداننا، من أجل العثور على الكلب المحظوظ ومرافقه، وفي هذا الصدد شنت حملة إعلامية شعواء بالتهديد والوعيد، ومعاقبة أي دولة عربية تتعرض بسوء للكلب، الذي يعتبر مواطنا أمريكيا، فهو يملك جواز سفر ودفتر ادخار في البنك، ودفتر تلقيح، وله حلاق خاص، ويتمتع بحرية السفر، وحرية التجول والسهر، وحرية النباح وحرية الاعتراض، وحرية النوم مثله مثل المواطنين الأحرار… وعلى إثر التحرّك الأمني والإعلامي الكبير، عثرت إحدى السفارات الأمريكية في إحدى العواصم العربية على الكلب ومرافقه، ولقد أصيب الثري الأمريكي بالذهول، لما سأل كلبه عن أحواله النفسية، ذهل وهو يسمع نباح كلبه المتواصل المليء بالفرحة والسعادة، ذهل وهو يتلقى إجابة كلبه  » أنه سعيد جدا، وسوف لن يغادر هذه البلاد المريحة، سأله صاحبه ولماذا لم تعجبك سويسرا وباريس والسويد وفينا وكل العواصم الأوروبية، وأعجبتك الدول العربية يا عزيزي،
أجابه الكلب يا صاحبي  » بصراحة الحياة هنا شكل ثاني العيشة هنا عيشة كلاب بصح وصحيح… »

الأحد 9 أفريل 2006 – صفاقس- 

حمامة تزور بيت منصف بن سالم

من حمامة تونسية إلى حمامة أروبية:

لقد سمعت أختي  العزيزة مؤخرا في قناة تونس 7 عن مرض خطير يسمى بأنفلونزا الطيور يوقع يوميا بعشرات الطيور فما كان مني و أنا العربية الأصيلة إلا أن أسأل عن أخبارك عساك أن تكوني بخير. و قبل أن أستودعك الله أنصحك صديقتي أن تلزمي مكانا آمنا كأمن بلدي حتى تنتهي أزمة هذا الوباء القاتل. والسلام.   فردت عليها الحمامة الغربية : إنني و الحمد لله بخير و أشكر لك اهتمامك بأخباري. كما أنني دائما أتابع مستجدات بلدك عبر المحطات الفضائية. و راعني أن سمعت يوما أنكم في تونس تكبتون الحريات و تقمعون الأباة و لا تدخرون جهدا في تعذيب العلماء و المثقفين بل وكل من يفكر في إطلاق جناحيه ليحلق في سماء الحرية. أفما سمعت عن العالم الدكتور منصف بن سالم المضرب عن الطعام هو و عائلته منذ أكثر من 10 أيام بسبب معانات دامت 19 سنة, بين حرمان من أبسط الحقوق المدنية و ملاحقات البوليس في كل مكان. أوليس هذا مثالا للجور و الظلم و الاستبداد. أرجوا ألا أكون قد أحزنتك بمثل هذه الأخبار. بلغي سلامي إلى كل الطيور التونسية.  والسلام.   حين قرت الحمامة التونسية رسالة صديقتها سارعت إلى منزل الدكتور منصف بن سالم فكان أول ما اعترضها سيارات البوليس تطوق البيت. دخلت, و حطت على الشرفة فسمعت البطون تتضور جوعا و القلوب تئن لوعة, و رأت العيون دامعة و الوجوه شاحبة. نعم لقد بلغت الحكومة التونسية أقصى درجات الظلم حتى طالت العلماء و الجامعيين بل حتى أزواجهم و أبناءهم حتى لم يعد لهم شيء يساومون به أغلى من صحتهم. أدركت الحمامة أن صديقتها محقة, فطارت هائمة حزينة حتى وصلت إلى كلية العلوم التي أسسها الدكتور منصف. و كالعادة اجتازت الحمامة مركز البوليس المنتصب في مدخل كل كلية بل و كل مؤسسة تعليمية في تونس, و جعلت تتجول في أرجائها و تتذكر يوم كان الدكتور الفذ يفتح مكتبه إثر بزوغ الشمس, و يداعب مسامعها صوته في قاعات الدرس و جرى في مخيلتها التفاف الطلبة حوله. تذكرت مواقفه مع الطالب و الأستاذ و العامل. تذكرت يوم كادت شمس تونس أن تشرق. وصلت الحمامة إلى وسط الساحة, باكية المقلتين دامية القلب مرتجفة الأعضاء, حلقت طويلا في السماء ثم اتجهت إلى العلم المرفرف تسترجع صورة البلد الذي لطالما افتخرت به. أحست بألم شديد في جسمها الصغير, لفضت أنفاسها الأخيرة حسرة على وطنها… ثم سقطت. ماتت الحمامة, ماتت لأنها رمز للحرية و لم تعد في ربوع هذا الوطن العزيز سماء تحتوي أجنحتها.                                                                  طالبة من الجامعة التونسية.


في ذكرى مولد الرسول الكريم (ص)

عندما تغيب الأمة ويحضر الرجل

د.خالد الطراولي ktraouli@yahoo.fr مناجاة الدقائق الأخيرة من الليل الحضاري من وراء اللحود، من وراء الحدود، بعيدا في الزمان والمكان، تفصلني عنك يا سيدي الكريم البحار والأخاديد، ولكن قلبي عنك ما نفصل…أردت مناجاتك أردت مخاطبتك، مساررتك  وأنت من أنت في عليائه، وأنا الفقير في أرضه وتحت سمائه، أهنئ نفسي أم أعزيها؟ بماذا أبدأ شكواي وعن ماذا أحدثك، وقد انسدل ليلنا قبل ليلي، وتلألأت النجوم وخاب نجمي… تركتَ يا سيدي بلاد بلقيس واحدة، فصار لعقود طوال اليمن يمنين، وكاد لبنان أن يصبح لبنانين، والسودان في الطريق إلى سودانين، حتى « بلغ الإعجاز لدينا أنّ الواحد منّا يستطيع أن يُكوّن من نفس فرقة ناجية، ثمّ لا يلبث نصفه الأيمن أن يعلن انشقاقه على نصفه الأيسر » !!. هل تعلم يا سيدي أننا أصبحنا كثرة حتى أنك تجد آثارنا في كل ناحية من هذه الأرض، لكننا لم يُجْدِ كمّنا، فالكيف قد انحسر وغاب..، أصبحنا أذلة مستضعفين، نمشي الهوينا، نحاذي الجدران على استحياء، حتى لا نوقظ الجيران أو نستثير غضبهم وويلاتهم..، وضعنا المشانق ومحاكم التفتيش لمن خالفنا الرأي من أبناء جلدتنا، من بين أحفادك، وكثرت جرائمنا، وانتزعنا الرأفة والرحمة من قلوبنا، حتى حفرنا المقابر الجماعية لأبناء وطننا، ورششنا المواد السامة على أطفالنا وعجائزنا، ونسينا ما تركته فينا… حتى قيل فينا « أن امتيازنا الوحيد هو أننا شعب بإمكان أي مواطن فيه أن يكفّر جميع المواطنين، ويحجز الجنة التي عرضها السماوات والأرض..له وحده » !!.  يروي أنس رضي الله عنه أن أعرابيا دخل المسجد ثم قام يبول داخله وأصحابك يصيحون به: مه مه (أي اترك)، فقلتَ لهم يا سيدي « لا تزرفوه دعوه » (لا تقطعوا بوله)، فترك الصحابة الأعرابي يقضي بوله، ثم دعوتَه وقلت له برفق ولطف: « إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ». ثم التفتَّ إلى أصحابك قائلا إنما بُعثتم مُيسّرِين ولم تُبعَثوا مُعسّرِين، صبّوا عليه دلوا من الماء. فقال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدًا!!!… متفق عليه. وأرهبنا الناس يا سيدي… حتى ذاقوا ذرعا بنا، ولولا أن دينك سمح معقول، وسهل الاستساغة والقبول، لنبذه الناس من حالنا، فقد فتناهم بضعفنا وفقرنا وتخلفنا، وكادوا يربطون دينك بسلوكنا وتصرفاتنا، ونسينا أننا أصحاب مشروع رحمة ورفق ولطف وإنسانية   … قيل لك يا رسول الله أدع على المشركين، فقلت: « إني لم أُبعث لعانًا، وإنما بُعثت رحمة ». رواه مسلم لعلك يا سيدي تسأل عن أحفاد حمزة وخالد وعلي والقعقاع وسعد وعقبة وطارق..، لعلك تسأل عن من خلف بن الخطاب و بن عبد العزيز في حكمهم وعدلهم وسؤددهم، إني لأستحي حياء العذراء عن إجابتك! هل أقول لك عجزت النساء أن يلدن أمثالهم؟ أم أقول لك عجزنا أن نكون أتباعهم؟، هل أقول ظلمَنا الناس وما كنا لأنفسنا ظالمينَ؟، أم أقول لك… بأيد مرتعشة، وألسنة مضطربة… حتى لا تفهم قولي..، حتى لا أجرح مشاعرك..، حتى لا أبخس آمالك فينا..، حتى لا تقول عنا يوم نلقاك سحقا سحقا، فما هم أصحابي، ما هم أحبابي، ما هم من أمتي.. عذرا يا سيدي لن أجيب، لن أجيب، لن أجيب…   هذه حالنا يا سيدي ولكن بشائرك لم ننسها ولن ننسها، وهي آمالنا وأحلام يقظتنا، ودافعنا إلى النهوض والتوكل وعدم التواكل… « إن الله زوى لي الأرض – أي جمعها وضمها – فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها. . رواه مسلم حملت يا سيدي هموم الأمة وأردتها عالية بين الأمم، وتركتها وأنت راض عنها، فكان الأجداد وبنوا حضارة، ثم خلف الأحفاد و أضحوا أجلافا إلا من رحم ربك وهم قليل، يتذللون على موائد الغير ويأكلون الفتات ويعيشون مع الأموات.. كان مشروعك مشروع أمة سهرتَ عليه الليالي، كنتَ منتصبا بالليل قائما بالنهار..، وما أنصفناك.. عذرا يا سيدي فقد أنصفك الغير وما أنصفك قومك، وهذا ملاذي وخلاصي فاسمع يا سيدي هذه الكلمات على حياء من تقصيري وجهلي لعلها أن تزيد أملي وتنزع إحباطي وتفتح عيناي على عظمتك ورحمتك.. فهذا الإنكليزي برناردشو يُحيّ ذكراك وهو من غير ملتك، اعتبارا لشأنك واحتراما لمشروعك  » إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالداً خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة »!!. وهذا الأمريكي (مايكل هارت) يجعلك الأول بين العظام في التاريخ وقد غفلنا عن عظمتك وتجاهلنا مركزك ومكانتك  » إن اختياري محمداً، ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني والدنيوي « !!!. وهذا الفرنسي لا مرتين لا يهضمك حقك ولعله قد هضمناه لما تنكرنا لإرثك واستحيينا من حمله عاليا بين الأمم  » إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد « !!!. ولم يسع رجلا في سماحته كغاندي إلا أن يبادلك لطفه وتقديره، وقد تناسينا سلوكك ويومك وليلك ورفقك وزهدك  » : لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته « !!! وهذا الروسي تولستوي يتنبأ لك ولمشروعك بالسيادة رغم هناتنا وضعفنا وكأننا قد استبدلنا الله وجعل شرف الحمل لغيرنا  » يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة. « !!!. إرهاصات عذرا يا سيدي على الإطالة، فقد غلب أجفاني نوم الحياة، وبدأت أحس بنداء الفراش، وإني أعلم أنك قد أنصتَّ لشكواي، ولعلها كانت تنفيسا لغلياني، فشكرا على إنصاتك، شكرا على جهدك، شكرا على مولدك!. أعلم أني لم أطيب خاطرك ولكن هذه حالي وحال أمتك… ولكني أود أن أهمس لك بكل لطف بكل رفق بكل محبة وأنا أودعك، بأنه رغم الداء والأعداء، رغم المطبات والأزقة، رغم المنافي والأخاديد..، مازلت متفائلا… وأن إرهاصات النهوض قد غلبت وداعات المثوى الأخير، وأن المارد قد تمدّد، والرماد قد تمرّد، والأفق قد تلبّد، والضمير قد تنهّد، والسيّد قد تسيّد، وإن الصبح لقريب…!     
(المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي:  www.liqaa.net)


 
صرخة غريب

أم معاذ –  ألمانــــــــــــــــــــيا أيا روح رفرفي فى شموخ فوق أوتاري واعزفي ترنيمة داوود فى خشوع ووقار و يا طير غرّدي واتركي التّسبيح للأشجار وعلّمي الإنسان  كيف يكون الوفاء للأوطان *********** واتركي العين تذرف عبرات الشوق اللّهيب واعتقي القلب من عبوديّة الصّمت الرّهيب واصرخي فى الكون صرخة الحرّ العنيد سنرجع يوما يا وطني ونكسر كل قيد من حديد *********** فراق الأحبة والخلاّن ألم يمزّق أحلامي عيش الغريب وحشة تطحن أفكاري همس العذارى ثورة تفجّر بركاني فسحقا لمن باع الوطن وهجر الأسوار *********** فيا وطنى تذكّرني ولا تنساني تذكر إسمى وعنواني تذكرني طفلة رقصت على شذى ألحانك تذكرنى صبيّة صلت على بساط رمالك تذكرنى امرأة تلحّفت برداء أنوارك *********** تذكرني ولاتنسانى…. تذكر اسمي وعنواني فيك حبي ..فيك أملي .. فيك جملة أشعاري فيك تعلّمت كيف أكون ..فيك تعلّمت كيف أثور فأنت تاريخ أجدادي ومستقبل أحفادي فإن مت دونك يا وطني فاعلم أني لا أبالي

 


انتصرت المحاماة المستقلة وخاب « التجوّعيون

بعد اضطرار العميد إلى رفع الجلسة العامة انتصرت المحاماة المستقلة وخاب  » التجوّعيون »

 
الأستاذ عبد الرؤوف العيادي انعقد ت الجلسة العامة الإستثنائية للمحامين يوم السبت غرة أفريل2006، لتنظر في ملفين هامين يتعلق الأول بمشروع بعث المعهد الأعلى للمحاماة ويتصل الثاني بالتغطية الإجتماعية للمحامين، في ظرف بدا هو أيضا استثنائيا بعد قرار السلطة اعتماد خطة السطو على منظمات المجتمع المدني بأسلوب الإنقلاب الذي أصبح في هذا العهد عقيدة ونهج وممارسة لدى رموزها، كيف لا وَ قد كان الطريق الذي أوصلها يوم11/07/ إلى سدة الحكم ثم هو ثبّتها به على مدى 18 عاما، حتى كاد تاريخها يختزل في حلقات من مسلسل من انقلابات شملت أحزاب الديكور وعديد المنظمات وحتى الدستور ذاته. وَ ما هو استثنائي في هذا الظرف هُو إصرار السلطة على هذا النهج بالرغم من أنه فقد بعض أهم شروط نجاحه وهو التعتيم بما ييسّر عليها المغالطة والتضليل، هذا الشرط تحديدا أصبح عسير المنال، فالألسن حُــلـــّت مــنــهـــا عــقــدٌ وَ فضاءات التعبير انتزعت منه مساحات خاصة بوجود الأنترنت وبعض الفضائيات، ممّا أدى شيئا فشيئا إلى تنامي الشعور بابتذاله وَ تحوّل إلى طقس عقائدي تغلبه عليه الأدوار والحركات المسرحية ومظاهر العنف الــمـادي واللـفــظي وَ هذا مَا حصل فعلا بالجلسة العامة المذكورة. الخطة كانت معدة سلفا وَ هْو فرض تصديق الجلسات العامة على لائحتين أعدّتا في مقرات « التجمع الدستوري » تضمنتا تزكية مشروع القانون الذي يتعلق بأحداث معهد أعلى للمحاماة خاضع لوزارة العدل وَ إلحاق المحامين بنظام صندوق الوطني للضمان الإجتماعي. كلمة العميد الأستاذ عبد الستار بن موسى والتي استهل بها الجلسة العامة أكد على رفض الهياكل الشرعية من مجلس الهيئة ومجالس الفروع لمشروع الوزارة الذي يهدف إلى ضرب استقلالية المحاماة كما أكد على إجماعها في رفض مشروع الإنضمام إلى الصندوق الوطن للضمان الإجتماعي والتمسك ببعث صندوق خاص بالمحامين. ثم فتح باب الحوار إلا أن مجموعة « التجوعيين » ألفت كتيبة اتخذت لها مكانا على يمين المنصة حيث يجلس العميد وأعضاء مجلس الهيئة برز فيها على وجه الخصوص أعضاء « تجوّعوا » فأكلوا من ميزانية مجلس « النواب » وميزانية « المستشارين » التين رصدتا من المال العام لمكافأة منفذي التعليمات في « تجوعيّة » الإنقلابات انضم إليهم من أعوزته الشهادة العلمية فأدلى بشهادة حزبية لعبد الله القلال الذي اتصل بعميد سابق ليعيد ترسيمه بالمحاماة بعد صدور قرار تعقيبي عن المحكمة الإدارية في اعتبار شهادة الإجازة وهو أقصى ما بلغه مستواه العلمي لا تخول له الإنضمام إلى المهنة، ومن طفح كيل الإجرام لديه خيانة وتحيلا فاتت به المساومة لينضم إلى هذه الكتيبة التي راحت تقيم التدخلات بالــــسـبّ الــجــمــاعي وَ التباري في النطق بعبارات الفحش والبذاءة ثم بمحاولة التوجه إلى المنبر للتهديد بالعنف المادي، وَ هْو مَا جعل العميد يكابد الأمريّن في محاولته المسك بزمام الأمور وَ تأمين تواصل الجلسة العامّة التي أرادتها أفراد تلك الكتيبة أن تجري وفق أهوائها، بالتصدي للرأي المخالف بالتشويش والسب والشتم وَ التهديد، والتطاول على العميد ذاته الذي اعتبر بعد صبر ومصابرة أن ظروف السير العادي للجلسة العامة غير متوفر وقرر رفعها- وبذلك فشلت الخطة في ترهيب الحاضرين ودفع العديد منها إلى مغادرة قاعة الإجتماع لتمرير اللائحتين التين وفرضهما على من بقية بالقاعة. فشلت إذا الخطة أمام وحدة الهياكل وتمسكها بالإستقلالية وَ رفض العميد إدارة الجلسة العامة بشروط فئة تحللت من كل الضوابط الأخلاقية وتطاولت وعربدت، والحضور الواسع للمحامين المستقلين الذين تصدوا لتلك الخطة باليقظة والحزم المطلوبين. سلطة07/11 البوليسية سوف تقييم المسألة من الناحية التقنية وَ ستقف على نقائص في التنسيق بين وزارة الداخلية ولجان التنسيق وتقييم أداء أعوانها من « محامين » ونظاميين وستعيد رسم خطة انقلاب جديدة، وَ ذلك شأن كل من قصر عن فهم مقتضيات السياسية واستيعاب عبر التاريخ، فالمحاماة التونسية التي قاد أبناؤها تحرير الأوطان، لا يمكن أن يقودها القطعان ممن امتهن الإساءة والبذاءة والعدوان، وَ مهنة الحق والبرهان سوف لن يكون بها لمن اختار العنف والإنقلاب منهجا وسلوكا مكان. من شاهد ورأى كيف انسحب « التجوّعيون » خائبين بعد أن أسمعهم العديد المناضلين كلمات تقريعا وتأنيبا، يستحضر المثل القائل ذهب الحمار يطلب قرنين فعاد مصلوم الأذنين.

 
 
(المصدر: موقع مجلة كلمة الإلكترونية بتاريخ 9 أفريل 2006)

في جلسة عاصفة للمحامين : العميد يتوعد بمحاسبة المسؤولين عن الشغب

محمد الحمروني

 

« نظرا لاستحالة مواصلة الجلسة بسبب الأجواء الصاخبة التي أصرّ البعض على إثارتها، قررت الهيئة الوطنية للمحامين رفع الجلسة وهي تتحمل مسؤوليتها في ذلك وستقوم بمحاسبة المسؤولين عن هذا الشغب  » بهذه الكلمات وبنبرة حادة جدا أعلن عميد المحامين الأستاذ عبد الستار بن موسى إيقاف الجلسة الخارقة للعادة التي دعت إليها الهيئة الوطنية للمحامين عشية السبت 1 افريل الجاري لمناقشة ما اصبح يعرف بقضية المعهد الأعلى للمحاماة ومسألة التغطية الاجتماعية.

 

ملاسنات حادة

 

وكان بعض المحامين التجمّعيين منعوا الأستاذ العياشي الهمامي من مواصلة كلمته وطالبوه بسحب ما جاء فيها، وقاموا بالتجمع حول منصّة العميد مما تسبب في حالة كبيرة من الهرج واضطر العميد إلى التهديد برفع الجلسة. ولكن الهمامي ختم تدخله قائلا « حفاظا على مواصلة سير الجلسة، وحتى لا أسمح للبعض ممن يريدون إيقاف أعمالها بتحقيق غايتهم، أتنازل عن حقي في مواصلة تدخلي، أمّا أن اسحب ما جاء فيه فهذا لن يتم إلا على جثتي« .

 

وتم بالفعل مواصلة الجلسة لكن بدا واضحا أن الأجواء أصبحت في غاية من الاحتقان، وصار كل تدخل يقاطع بالاستهزاء والسخرية والاتهام بالكذب والتلفيق وهو ما حصل مع الأساتذة العياشي الهمامي وخالد الكريشي وفوزي بن مراد.

 

في المقابل أصرّ محامون من تيارات مختلفة على مقاطعة تدخّل الأستاذة عبير موسى عندما ألحت على قراءة وعرض لائحة خاصة بها على التصويت. وكان للتدخل الحازم للعميد الكلمة الحاسمة عندما أعلن أن كل اللوائح يجب أن تسلم له وتقع قراءتها في نهاية الجلسة. ثم تطورت الأمور باتجاه مزيد من التوتر خاصة بعدما طلب العميد ممن لا يحملون صفة المحامي مغادرة القاعة، وأشار إلى وجود اثنين من « الغرباء » وطلب منهما الخروج من الجلسة. وبعد هذه المشادّة استهدف بعض محاميي « التجمع » في مداخلاتهم عميد المحامين شخصيا ، إذ اتهمه بعضهم بأنه يريد الاستفراد بالقرار والهيمنة على المعهد الأعلى للمحامين.

 

وكانت النقطة التي أفاضت الكأس إصرار المحامين التجمّعيين مرة أخرى على مقاطعة الأستاذ فوزي بن مراد بينما كان يلقي تدخله، كما أصروا على سحب الكلمة منه احتجاجا على ما ورد في تدخله من كلام غير لائق في نظرهم، وهو ما دفع العميد بعد استشارة باقي أعضاء الهيئة، إلى رفع الجلسة والتأكيد على أن الهيئة ستنظر في الأشكال العقابية لكل من أصرّ على إرباك الجلسة ومنعها من مواصلة أشغالها بالقوة.

 

مدار الخلاف

 

رغم أن المواضيع التي طرحت للنقاش وهي التغطية الاجتماعية وتوحيد المدخل إلى المهنة أي المعهد الأعلى للمحاماة، إلا أن النقاش الأساسي والخلفية الحقيقية لكل التدخلات تركّزت حول استقلالية المهنة. وانقسمت الآراء حول هذه النقطة إلى قسمين :

 

الأول متفق بصفة عامة مع الطرح الذي قدمه العميد في مداخلته. وشمل هذا القسم مجموع الحساسيات السياسية المعارضة، والتي يبدو انها كانت في تناغم مع ما اتخذته الهيئة من قرارات. ويرى هؤلاء أن أيّ نقاش سواء كان حول المعهد أو صندوق التغطية الاجتماعية، يجب أن يضع في مقدمة اهتماماته استقلالية المهنة. وهو ما شدد عليه العميد بن موسى عندما قال « إن الاستقلالية والحرية والكرامة ثوابت المحاماة التونسية التي لن نتخلى عنها.. والمحامون مهما اختلفت الوانهم مطالبون بالدفاع عن هذه الثوابت » وبخصوص المعهد يرى العميد أن الخلاف الرئيسي مع الوزارة يتمثل في طبيعة المعهد، وتم تشكيل لجنة مصغرة تجمع ممثلين عن وزارة العدل والهيئة لمتابعة الموضوع، إلاّ أن المحامين فوجئوا بالمشروع الذي قامت وزارة العدل بإعداده وعرضه على مجلس النواب دون أن تلتفت إلى اللجنة التي تم تكوينها للغرض.

 

وبخصوص المعهد دائما قال بن موسى أن الخلاف مع الوزارة يشمل أيضا مسألة الإشراف. ففي حين تصر وزارة العدل على أن يكون الإشراف على المعهد من اختصاصها هي ووزارة التعليم العالي، ترى الهيئة أن هذا سيمسّ من استقلالية المهنة كما رأت فيه إقصاء للهيئة الوطنية للمحامين عن الإدارة والإشراف وإعداد البرامج الخاصة بالمعهد، رغم كونها طرفا رئيسيا في الموضوع. واعتبر العميد أن القانون المطروح للمصادقة عليه من قبل مجلس النواب مرتجل ولا يخدم مصالح المحاماة. وختم قائلا إن الهيئة الوطنية للمحامين قررت في جلستها يوم 31 مارس رفض المشروع المعروض على مجلس النواب والمطالبة بسحبه.

 

وبخصوص الصندوق المتعلق بالتغطية الاجتماعية للمحامين ذكر العميد انه وفقا لما هو معمول به لدى الصناديق الخاصة بالحماية والتغطية الاجتماعية في عديد الدول العربية من الأردن إلى المغرب، وبناء على ضرورة المحافظة على استقلالية المهنة وبالنظر إلى الوضع الحالي للصناديق الاجتماعية الوطنية في تونس، فان الهيئة الوطنية للمحامين قررت في مجلسها الأخير المحافظة على وضعية الصندوق الحالي . وختم العميد بالتأكيد على استعداد المحامين للدفاع عن مطالبهم بكل الوسائل النضالية الممكنة والمشروعة وقال أن » الهيئة ليست معزولة عن محيطها الداخلي والخارجي والمحامون سيدافعون عن مطالبهم كما فعلوا دائما ».

 

اما الفريق الثاني المتمثل في محاميي التجمّع الدستوري الديمقراطي، فاعتبر أن الاستقلالية لا تكتمل إلا بإشراف الدولة على المعهد، وإلحاق صندوق الحماية الاجتماعية بإحدى الصناديق الوطنية أي الصندوق الوطني للضمان لاجتماعي أو الصندوق الوطني للحيطة والحماية الاجتماعية . وقالت التجمعية الأستاذة عبير موسى أنه  » لا تعارض بين تمويل الدولة للمعهد والاستقلالية، وان المس من تلك الاستقلالية يقع عن طريق التمويل الأجنبي والهبات الواردة من الخارج سواء في شكل تربصات أو دورات أو غيرها ». واعتبرت أنه لا يعيب المحامي أن يكون تلميذا تشرف على تكوينه الدولة، كما لا يوجد تناقض بين التعليم بمختلف مستوياته، الذي تشرف عليه الدولة والاستقلالية، « فلا تناقض حسب رأيها بين الاستقلالية وإشراف السلطة على معهد المحاماة » وفي نفس السياق تحدث زميلها الأستاذ الحبيب عاشور قائلا أن  » الاستعمار ما زال يعشش في أذهان البعض.. ويؤسفنا أن تكون هذه الجلسة تحت مراقبة أجنبية ». وكان عاشور يقصد بالمراقبة الأجنبية حضور ضيف من رابطة العمداء الفرنسيين أشغال الجلسة.

 

يذكر أن الجلسة شهدت انطلاقة عادية لاعمالها عدا بعض التعليقات إذ القى العميد كلمته التي بدأها بالتأكيد على ضرورة التحالف والتكاتف بين المحامين موضحا أن المهنة لا تستمد قوتها من أي طرف كان، وهو ما يدعو المحامين إلى نبذ خلافاتهم وتوحيد صفوفهم. وأشار العميد إلى الوضع المادي للمحامين وما يشهده من ترد بسبب ما تعرفه المهنة من إغراق، إذ انها تستقبل سنويا اكثر من 400 محام وسيصل العدد خلال هذه السنة أو السنة القادمة إلى 600 محام جديد. وبخصوص الوضع المعنوي للمحامي قال بن موسى أن المحامين يطالبون بإلغاء الفصل 46 المتعلق بالإحالة الحينية للمحامي دون حماية أو حصانة، كما يطالبون بوقف الاعتداءات الكيدية على المحامين وعلى مكاتبهم.

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 354 بتاريخ 7 أفريل 2006)


المحاماة: جلسة.. جدل.. ازمة

شهاب القرقني عقد المحامون مساء السبت 1 افريل الجاري جلسة عامة دعت اليها الهيئة الوطنية وخصصت اساسا لبلورة موقف من مسألتين هامتين وهما ملف التغطية الاجتماعية وبعث المعهد الاعلى للمحاماة. الجلسة العامة شهدت ضعف حضور عموم المحامين مقابل تجند واضح للمحامين المنتمين للاحزاب والتيارات السياسية وهو ما يقيم الدليل مرة أخرى على وجود حالة استقطاب سياسي واضحة وبارزة ومعلومة داخل قطاع المحاماة. واذا كان الاستقطاب السياسي قد يبدو، في حدود معينة معقولا ومقبولا وذلك للاتصال الوثيق لمهنة المحاماة بالشأن العام وبكل ما له علاقة بالقانون فان تجاوز هذا التسييس لحدود المهنة وتغلبه عليها قد يضحي عاملا معيقا لتطور المهنة ولمحاولات تطويرها. وغلبة التسييس كانت واضحة في ما أحاط مؤخرا بانتخابات الجمعية التونسية للمحامين الشبان من ملابسات وفي الاجواء التي أقل ما يقال عنها أنها كانت متشنجة بالنسبة للجلسة العامة التي انعقدت يوم السبت 1 افريل الجاري. وحدة الاستقطاب حكمت على الجلسة بأن تكون نهايتها شبيهة بذيل السمكة على حد التعبير الفرنسي المعروف وظلت القرارات معلقة لأن العميد الاستاذ عبد الستار بن موسى قد رفع الجلسة بعد أن تولت محامية حاضرة قراءة مشروع لائحة دون ان تكون الجلسة العامة قد فوضتها للقيام بذلك. وفي انتظار ما ستأتي به الايام القادمة من قرارات وما ستفرزه من تفاعلات بالنسبة لما جرى ولما تعيشه المهنة عموما من جدل فان وقائع جلسة السبت 1 افريل تحمل بعض الدلالات التي لا يمكن ان تخطئ في التفطن اليها العين. وأول هذه الدلالات تتمثل في انفراط عقد التحالف الانتخابي الضمني الذي أدى إلى فوز الأستاذ عبد الستار بن موسى بالعمادة، اشارات الانفراط انطلقت في 2004 مع انتخابات الهيئة المديرة للمحامين الشبان لتتواصل في سياق تفاعل مع مستجدات سياسية وقراءة متباينة للاصلاحات التي تعرفها المهنة، حكمت على بعض المنتمين للتيارات اليسارية، أو لنقل لبعضها، بالتباعد. وفي صورة ما اذا ظل الوضع على حاله فان التحالفات الانتخابية ستبنى في الانتخابات القادمة للهيئة، والتي ستجري سنة 2007، بكيفية يمكن ان تؤدي الى احد أمرين وهما فوز مرشح ينتمي للحزب الحاكم بالعمادة أو تغلب شخصية تنتمي للتيار السياسي المتشدد الذي سيحول المسائل النقابية الى أدوات للمواجهة السياسية مع السلطة. هناك مسألة أبرزتها الجلسة العامة الاخيرة وتتمثل في أن التباين حول قراءة الاصلاحات الاخيرة يبدو بارزا بين الهيئة الوطنية وسلطة الاشراف، لكأن لكل طرف لغة تختلف تماما عن لغة الطرف الاخر، فبقدر ما تبدو الازمة التي عيشها مهنة المحاماة واضحة وجلية بقدر ما يبدو من الاجحاف انكار اهمية المبادرات التشريعية التي اتخذت مؤخرا لفائدة المحامين وجاء بعضها على حساب مهن أخرى كالمستشارين الجبائيين. ان الوقائع تبرز ان هناك تباينا في القراءة بين الطرفين قد لا تتحمل كامل مسؤوليته الادارة، خاصة وان بعض المحامين يبدون حرصا مبالغا فيه على الاستقلالية بكيفية تحول المهنة الى ما يشبه الجزيرة المعزولة وتعيق اتصالها المنطقي والهيكلي ببعض المؤسسات. وهذه النزعة الاستقلالية المبالغ فيها يمكن ان تلعب دورا سلبيا فيما يتعلق بالاصلاحات المتأكدة ونعني أساسا مسألة التغطية الاجتماعية. أما الدلالة الثالثة بالنسبة لوقائع جلسة يوم السبت الفارط فتتمثل في صعوبة المرحلة القادمة بالنسبة للهيئة الوطنية للمحامين ولعميدها الاستاذ عبد الستار بن موسى. فاذا كان من السابق لاوانه انجاز جرد يقيم حصيلة ولو اولية للفترة السابقة فان حالة الاستقطاب السياسي الحادة وانطلاق التفكير في الانتخابات القادمة للهيئة والعمادة ستقلص من مجالات الحوار بين كل الاطراف وستحد من مردودية الحوار وذلك لغلبة الاعتبارات والحسابات الانتخابية، وهو ما يعني انه لن تكون هناك مكاسب أخرى بالنسبة للمحامين. وهنا يطرح سؤال يبدو هاما لانه يشكل نقطة التقاء وتقاطع كل حسابات المرحلة الحالية وهو لمصلحة من ستكون هذه الوضعية؟ وكيف ستكون ملامح الهيئة القادمة للمحامين؟ وهل سيعيد الاستاذ عبد الستار بن موسى الترشح للعمادة وهو الذي قد سبق وأن نأى بنفسه منذ انتخابه؟ الايام القادمة ستأتي بملامح أجوبة أخذت بعض معالمها تتوضح لأن الاستقطاب السياسي الذي تقوم عليه التوازنات داخل مهنة المحاماة هو الذي سيحكم مستقبل المهنة وسيوجهه. (المصدر: صحيفة « الوحدة » الأسبوعية، العدد 495 بتاريخ 8 أفريل 2006)  

خوصصة اتصالات تونس.. واقتراحات لتوظيف المداخيل

محمد مهدي الطباخ وأخيرا أسدل الستار على عملية بيع 35 بالمائة من رأس مال اتصالات تونس. وبعد أن توقع الجميع وكل متابع للعملية أن فرانس تيليكوم ستفوز خاصة بعد الحركية الاعلامية التي قام بها مسؤولي الشركة، واتصالاتهم المتعددة بتونس، فان خروجها من السباق منذ الدور الاول أثار الاستغراب، وتركت المنافسة بين عملاقين لا يقلان أهمية عنها وهما فيفندي يونيفرسال وتي كوم الاماراتية. وفي الدور الثاني، ظهرت القوة المالية الخليجية، وقدمت عرضا لم يكن في حسبان أي شخص، فات جميع التصورات حول المرابيح التي سوف تجنيها الدولة من عملية البيع. وتنتمي شركة تي كوم الى مجموعة دبي هولدينغ وهي مجموعة تكونت في أكتوبر 2004 ويترأسها ولي عهد امارة دبي ووزير الدفاع الاماراتي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وتتكون هذه المجموعة من عدة شركات تنشط في عدة قطاعات كالتكنولوجيات الحديثة ووسائل الاعلام والصحة والسياحة والعقارات والصناعة والطاقة و حتى البحث العلمي و المشاريع الخيرية. أما في تونس ، فهذه المجموعة حاضرةمنذ مدة في مجال الاعمال، فهي مساهمة بنسبة 12 بالمائة من رأس مال شركة سوموسير التي تنتمي لمجموعة عبد الناظر. و قد فازت تي كوم بهذه الصفقة بعرضها في الدور الثاني مبلغا يساوي 3052.400 مليون دينار، وهو مبلغ فات كل التقديرات والتكهنات اذ يمثل هذا الرقم 25 بالمائة من ميزانية الدولة للسنة الحالية البالغة 12 مليار دينار. وعلى ضوء هذا تصبح القيمة الجملية لاتصالات تونس 8721.143 مليون دينار، وإذا اعتبرنا ان العدد الجملي للمشتركين في اتصالات تونس يقدر ب 4.7 مليون مشترك (3.5 مليون مشترك في الهاتف الجوال و 1.2 مليون مشترك في الهاتف القار)، تصبح قيمة المشترك 1855 دينار. وتعتبر عملية الخوصصة هذه تاريخية، اذ أنها فاقت مرابيح الخوصصة التي قامت بها الدولة منذ 1987، والتي شملت 149 شركة، سواء خوصصة كلية او جزئية، والتي حصرت حتى أكتوبر 2005 بـ 2.4 مليار دينار. ويبقى السؤال المطروح و الذي يتداول في الأوساط الاقتصادية، ماذا ستفعل الدولة بهذه الأرباح الخيالية و هذه السيولة الهائلة في الاقتصاد التونسي؟ على ضوء التقرير الشهري الذي صدر من البنك المركزي لشهر مارس 2006 والذي قدر نسبة التضخم بـ4.2 بالمائة في الثلاثي الاول لسنة 2006 كنتيجة للارتفاع المتواصل لأسعار المحروقات في السوق العالمية، فإننا، ومن منطلق جريدة الوحدة، نقترح ضخ هذه العائدات من العملة الصعبة في السوق المالية التونسية و ذلك للتفريع من قيمة الدينار التونسي، وفقا لمبدأ العرض والطلب، وبالتالي نستطيع التخفيض من كلفة استيراد المواد الخاضعة للأسواق العالمية والتي يحدد سعرها عالميا كالمحروقات، فنخفف العبء على صندوق التعويض. أما بالنسبة لواردات المنتوجات الأخرى الاستهلاكية، فان إعادة تقييم العملة التونسية سيخول الترفيع من كميات الواردات دون تحمل المزيد من الخسارة في سوق الصرف. وبالتالي وفود المزيد من الواردات سيحد من نسبة التضخم خاصة إننا أمام موسم صيفي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك. ويبقى التحدي قائما أمام الشركات الوطنية التي توجه بضاعتها للسوق الداخلية، فيجب عليها اذا التحسين من الجودة وتحسين الإنتاجية وذلك دون تحمل العامل عملية الضغط على قيمة التكلفة. ويعتبر هذا التحدي وطنيا لكل الشركات التونسية أمام تزايد البضائع الأجنبية في السوق المحلية وكذلك تحديا للدولة وسياستها المالية للحفاظ على قيمة العملة الوطنية. (المصدر: صحيفة « الوحدة » الأسبوعية، العدد 495 بتاريخ 8 أفريل 2006)  

ملاحظات عادية جدا

شوقي 1/ يبدو أن الجماعة قد أدركوا سبب تفشي العنف في ملاعب الرياضة واستقروا حول الحلول السحرية التي ستجتث هذا الغول البغيض وتقتلع أسبابه من جذورها..والحل ببساطة شديدة هو أن يكف الإعلام عن التهويل بعدم نشر تصريحات رؤساء الأندية وأخبار النوادي وربما أن يلغى الرياضة من اهتمامه أصلا. مسكين هذا الإعلام فهم يحملونه أكثر من طاقته ويريدون أن يضيقوا حريته التي نفخر بها ويريدون منه أن يتحمل وزر خطأ لم يقترفه وعودوا فقط إلى تصريحات رؤساء الأندية وهي تصريحات مسجلة وموثقة وستدركون أنهم يتحملون قسطا وافرا من المسؤولية..هذه المسؤولية التي يريدون الآن التنصل منها ورفع أيديهم عنها. وإذا كنا ندين العنف مهما كان شكله ونرجو الشفاء للطفلة أميرة التي كانت ضحية هذا الغول الأعمى فالتسيير الرياضي القائم على الاعتباطية والمحاباة والتشنج ساهم ولو بشكل غير مباشر في ما حدث فهذا التسيير حول مجرد مقابلة في كرة القدم إلى مسألة وجود ومن يكون الأقوى..ولا يهم كيف..ووضع هالة سرمدية حول أسماء الحكام ولفها بطابع غامض وجعل لكل مراقب مراقب ولكل تقرير تقرير..لماذا هذا كله..ومن يتحمل مسؤوليته..وهل كان لا بد أن ننتظر حجرا يرمى بأميرة في أحد المستشفيات حتى ندرك خطورة المسألة. 2/ نعتقد أنه من الضروري إعادة النظر في القوانين الرياضية وتطويرها وتطبيقها بكل صرامة مهما كان اسم الفريق إذ لا فرق بين الأندية فالذي يجمع بينها هو ممارسة الرياضة وغرس قيمها في وجدان الشباب وتلك هي الغاية الأسمى وليس التناحر من أجل مباراة لأن الملايين التي يتقاضاها هؤلاء الرياضيين هي أموال عمومية..أموال الذين يريدون الاستمتاع بفنون الرياضة وليس بجنونها. 3/ صباح الثلاثاء الماضي استمعنا على أمواج إذاعتنا الوطنية إلى معلومات على غاية من الأهمية والخطورة.. معلومات ربما ستغير من مجرى حياتنا ونسق تفكيرنا وتدخل بنا من بوابة القرن الثاني والعشرين دون أن نبذل جهدا..لا يتعلق الأمر باكتشاف علمي باهر أو بنظرية فلسفية أو اقتصادية..ولا يتعلق أيضا حتى بتراجع أسعار الأسماك..إنما الأمر على غاية من البساطة والسذاجة أحيانا..معلومات حول كيف نفهم المرأة من حركاتها..متى تكون راغبة في رجل ومتى تكون نافرة منه..وهذا هو العلم وإلا فلا… 4/ بثت التلفزة الوطنية الفضائية ليلة الثلاثاء الماضي برنامجا خاصا حول مهرجان الأغنية..وفي اعتقادي فهذا المهرجان لا يستحق أكثر من خبر يذاع في النشرة الإخبارية..فرغم ارتفاع قيمة الجوائز المالية وما رافق المهرجان من دعاية فقد كشف مرة أخرى حجم الأزمة التي تعيشها الأغنية التونسية وتراجع مستواها بعد منذ أكثر من عقد من الزمن..ورغم ما أنجز من ندوات وألقي من محاضرات لتشخيص السبب فملايين الكلمات التي قيلت لم تزد أزمة الأغنية إلا استفحالا. هل هي أزمة كلمات أم أزمة ألحان أم أزمة إبداع..الأزمة في اعتقادي هي أزمة ذائقة فنية باتت مفقودة..لم نعد نحتمل الجمال بعد أن غزتنا الفنون المشوهة..لم يعد هناك من حرج أن يرتع مغنو الأعراس في تلفزتنا ومهرجاناتنا..ولم يعد هناك حرج أن نحتفي بمغنيات المطاعم ونعتبرهن سفيرات الأغنية التونسية..هكذا بكل بساطة نشكل الذائقة الفنية لدى ناشئتنا. 5/ كما هي العادة دائما.. يأتي العمال فيقومون بأشغالهم الليلية فيقلقون راحة المتساكنين ثم يغادرون دون أن يسووا الأرض التي حفروها.. يتركون الحفر لبضعة أسابيع لنعاني نحن أزمة سير جديدة قبل أن ينتبه المسؤولون. (المصدر: صحيفة « الوحدة » الأسبوعية، العدد 495 بتاريخ 8 أفريل 2006)
 


مشاريع جديدة لصيانة المقابر

 

تفتق ذهن بعض المسؤولين عن فكرة عبقرية لتشغيل أصحاب الشهادات، إذ أعدت مصالح وزارة البيئة والتنمية المستديمة مؤخرا مطبوعة صغيرة في شكل جذاذة بيانية لمستلزمات بعث مشروع لفائدة حاملي الشهادات العليا يهمّ « تعهّد وصيانة المقابر ».

 

وحسب الجذاذة التوضيحية يتمثل العمل في هذا المشروع في التنظيف وإزالة الأعشاب الطفيلية وفي رفع الفضلات البلاستيكية والأتربة وفضلات البناء وتعهد الممرّات والنباتات والأشجار وصيانتها. وقالت الوزارة أن المعدات الضرورية للمشروع هي جرار صغير بكلفة 14 الف دينار ومعدّات خفيفة قدّرت بـ 8 آلاف دينار. أمّا الجانب البشري، فعلاوة على رئيس الفريق الذي هو صاحب المؤسسة والذي قدّرت مرابيحه الشهرية بـ 1000 دينار، هناك عدد من العملة بما يلزم عاملين اثنين في الهكتار الواحد المتعاقد عليه من المقابر، وذلك بأجرة تبلغ 300 دينار للعامل الواحد في الشهر.

 

ويشترط على المترشح، زيادة على حمله شهادة عليا، حصوله على تكوين في مجال إحداث المؤسسات وتكوين الباعثين وأن يكون متفرّغا كليا وشخصيا للمشروع.

 

أما في موضوع التمويلات فيطالب الباعث بتوفير 10% على الأقل من القيمة الجملية لمشروعه مع تمتعه بقرض من البنك التونسي للتضامن لاقتناء المعدات وتوفير المال المتداول الضروري وهو بمقدار 25% من قيمة الاستثمار.

 

هذا المشروع ليس خياليا بل هو من الابتكارات الهادفة إلى القضاء على البطالة. وليس المهم هنا من سينجح من الحاصلين على الشهادات العليا في الفوز بقرض لتمويل صيانة المقابر وتهيئتها لموتانا رحمهم الله؟ ولكن السؤال المحير ما هو دور البلديات إذا كان الحاصلون على الشهادات العليا مصيرهم السهر على صيانة المقابر؟

 

(المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 354 بتاريخ 7 أفريل 2006)

 


صفقة « اتصالات تونس » سمَمت العلاقات التونسية – الفرنسية

ألقت عملية بيع جزء من رأس مال « اتصالات تونس » إلى شريك أجنبي ظلالا كثيفة على العلاقات التونسية – الفرنسية بعدما فازت بها شركة « تيكوم » التي يوجد مركزها في دبي. وكانت شركتان فرنسيتان بارزتان في قطاع الإتصالات هما « فرانس تيليكوم » و »أونيفرسال فيفندي » خاضتا السباق مع أربعة شركات منافسة للظفر بالصفقة، لكن حدثت مفاجأة أذهلت الجميع حين كانت الصفقة من نصيب الشركة الإماراتية التي ليس لها باع طويل في الميدان. ويبدو أن الإعتبار المالي هو المقياس الوحيد الذي روعي في إسناد 35 بالمائة من رأس مال « اتصالات تونس » لشركة « تيكوم »، بينما هناك مقاييس أخرى تؤخذ عادة في الإعتبار مثل القدرة على نقل التكنولوجيا والإلتزام بالإستفادة من خبرة المهندسين التونسيين ومدى تأمين الإمكانات التدريبية للكفاءات التونسية في قطاع مستقبلي مثل قطاع الإتصالات. وكان رئيس « فرانس تيليكوم » تعهد للسلطات التونسية بتشغيل 12 ألف مهندس وفني تونسي في صورة فوز شركته وبجعل تونس مركزا إقليميا لتطوير تكنولوجيا الإتصالات، علما أن لدى هذه الشركة في الصين مثلا 40 ألف مهندس وفني يعملون في ورشاتها ومخابرها هناك. والظاهر أن إخفاق الشركتين الفرنسيتين في الفوز بأهم صفقة في تاريخ مسار الخوصصة في تونس ترك آثارا سلبية في العلاقات السياسية بين العاصمتين بعدما كانت باريس تُعتبر السند الأول للحكومة التونسية في المحافل الأوروبية والدولية. ونتيجة لتلك « الصداقة الخاصة » أحجمت باريس، خلافا لعواصم أخرى، عن توجيه انتقادات لأوضاع حقوق الإنسان في تونس، بل إن كبار المسؤولين الفرنسيين دأبوا على إغداق الثناء على « المعجزة التونسية » مما أثار مؤاخذات لاذعة في وسائل الإعلام الفرنسية. والأرجح أن طبقة من الجليد أصبحت تغطي الطريق بين باريس وتونس في أوج الربيع، مما أدى إلى تأجيل البحث في كثير من الملفات التي كانت على مائدة العلاقات الثنائية. وفي هذا الإطار تأجلت الزيارة التي كان وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي يعتزم القيام بها إلى تونس يومي 21 و22 أفريل الجاري ليقود وفد بلاده إلى اجتماعات اللجنة العليا المشتركة. وأوضحت مصادر فرنسية أنه سيرافق الرئيس شيراك في زيارته الرسمية المقررة لمصر في تلك الفترة. لكن هذه التطورات تحمل دلالات كبيرة بشأن مستقبل العلاقات الثنائية، خصوصا أن الأغلبية اليمينية الحاكمة حاليا في باريس كانت ومازالت أقرب الحلفاء للحكومة على الصعيد الدولي، فبمن ستُعوَض صديقا بهذا الحجم؟  (المصدر: موقع pdpinfo.org نقلا عن صحيفة « الموقف » الأسبوعية، العدد 354 بتاريخ 7 أفريل 2006)


 

تونس في 08/04/2006

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة و السلام على أفضل المرسلين

 بمناسبة عيد الشهداء 9 افريل 

الحلقة الثالثة

 

في إطــار دعم الذاكرة الوطنية ومن أجل الحفاظ عليها تم هذا الأسبوع إحياء ذكرى وفاة الزعيم الحبيب بورقيبة كما تم قبلها احياء ذكرى 2 مارس 1934 الذكرى 72 لمؤتمر قصر هلال المنعقد في يوم 02 مارس 1934 لإبراز أهمية هذا الحدث التاريخي الكبير الذي شكل منعرجــا حاسما في تاريخ الحزب والبلاد. ويأتي هذا الاحتفال الذي أشرف عليه الرئيس زين العابدين بن علي بنفسه تنفيذا لما جــاء في الخطــاب الذي ألقــاه في إختتام أشغــال اللجنة المركزية للتجمع الدستوري يوم 7 فيفري 2004.

 

وكان قد سبق هذا المؤتمر التاريخي لقاء أول مساء يوم 03 جــانفي 1934 في ليلة من ليالي شهر رمضان المعظم. وبعد الإفطــار عاد الزعيم الشاب الحبيب بورقيبــة صحبة الأستاذ الطــاهر صفر صديقه في النضــال والحركة الوطنية إلى قصر هلال في ليلة ليلاء واجتمع بالقوم وشرح المواقف وبين الأسباب وطرح الإشكالية وأطنب في الحديث وسرد الأحــداث وأطــال في الشرح فحصل الإقناع بعد تردد وازداد الحماس بعد الانكماش وصفق الناس بعد الفتور وحُمل الزعيم على الأكتاف والأعناق بعد عدم ترحيب قبل الغروب والشح بشربة ماء… و شربة الماء كان ثمنها اغلى وأعظم وجــاءت بالنصر والاستقلال وبناء الدولة.

 

وكان اللقــاء الأول لحسم الخلاف.. ونادى أحرار قصر هلال بمؤتمر خارق للعادة في نفس المكان في المدينة.. وساندهم المناضلون الأحرار في كل مكان.. وجــاءت مبادرة المناضل المرحوم البشير بن فضل بعقد مؤتمر خارق للعادة بقصر هلال سماه المناضل وناس بن عامر رحمة الله بالانشقاق المبارك.. وانعقد المؤتمر التاريخي الذي كان بحق المنعرج الحاسم في تاريخ الحزب  الحر الدستوري التونسي، وانبثق عنه مكتب سياسي للحزب أطلق عليه: « الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري التونسي ».

 

وأسندت رئــاسة الحزب للدكتور محمود الماطري وتوزعت بقية المسؤوليات بين الحبيب بورقيبــة (الكتابة العامة)- الطــاهر صفر (مساعده)- محمد بورقيبــة( أمين مـال)- البحري قيقة –مساعده) رحمهم الله جميعا.

 

ومع المكتب  السياسي انتخب « مجلس ملّى موسّع » للحزب.. فشق الحزب طريقه الطويل ورسم خطة جديدة واستراتيجية واضحة المعالم وطريقة متطورة للعمل السياسي بأكثر شمولية والتصاقا بالشعب واتصالا متينا بقواعده ومناضليه.. واتضحت الخطّة العلنية لتوعية الشعب والإصداع بحقوقه وطلباته المشروعة في الحرية والسيادة والإستقلال وتحرير الوطن  والمطــالبة ببرلمان تونسي منتخب.

 

وتحركت القيادة الحكيمة وشعرت فرنسا الإستعمارية بخطورة الوضع وانتشار الوعي السياسي والحس الوطني وإتّساع رقعة النضـال وشمولية الرسالة الوطنية ولمس الإستعمار الفرنسي والمقيم العام الفرنسي هذا التطوّر الإيجــابي لقيادة الحزب الجديد فعمدت السلطــات الفرنسية بقوة وطغيان إلى فرض الطــاعة العمياء وضرب القيادة السياسية وإبعــادها إلى الجنوب.. فكان يوم 03 سبتمبر 1934 أول يوم ظــالم من طرف الإستعمار الفرنسي على قيادة الحزب وأُبعد الزعيم الحبيب بورقيبة إلى قبلي بالجنوب الغربي أنذاك التراب العسكري ومعه الطــاهر صفر ثم وقع نقلهما يوم 03 أكتوبر 1934 إلى برج البوف صحبة بقية أعضـاء الديوان السياسي الدكتور الماطري والبحري قيقة ومحمد بورقيبة.. وكانت نقطة البداية لشرارة الكفاح الوطني ولبداية الملحمة النضــالية واختبرت السجون والمنافي والإبعاد والغربة والظلم والقساوة معادن الرجـال ومدى صبرهم وقوة جأشهم وعزيمتهم وإخلاصهم  وقوة أيمانهم.

 

وبعد مرور سنتين في الإبعاد والسجون بدأ التململ والخشية والخوف على المصير المجهول.. وفي الأثناء بدأ الحوار والنقاش حول موضوع الاستسلام وطلب الصفح والعفو.. ولكن المداولات طــالت وأصر الزعيم الشاب الحبيب بورقيبة على عدم الإستسلام والرضوخ والخوف والإهــانة والإستكانة.. وأمام إصرار الجماعة اقترح الزعيم الشاب في سن 33 عاما في محطة 1936 تدوين محضر كتابي للتاريخ يعود إليه المناضلون..

 

وفعلا رفض الزعيم الإستسلام وواصل النضــال بنفس العزيمة والروح النضـالية وحمل مشعل القيادة ورئـاسة الحزب وجــاءت معارك النصر.. المعركة بعد الأخرى.. إنطــلاقا من معركة 08 و09  أفريل 1938..  ثم هجرة الزعيم عام 1945 إلى الشرق.. وفي عام 1949 عاد الزعيم إلى أرض الوطن.. وبعدهــا قام بجولة في الخارج للتعريف بالقضية الوطينة عام 1951 وهي رحلة دامت 11 شهرا.. ثم جــاء وقت التهيئة للمعركة الحاسمة 1952 وانطلقت شرارة الكفاح المسلح فجر يوم 18 جانفي 1952 وصعد المناضلون إلى الجبال.. وفي نفس اليوم عمدت فرنسا الإستعمارية إلى إعتقال الزعيم للمرة الثالثة وتواصلت المعركة الحاسمة إلى يوم 31 جويلية 1954 تاريخ زيارة منداس فرانس رئيس الحكومة الفرنسية إلى تونس حيث أعلن مبدأ الإعتراف بالإستقلال الداخلي.. ومنذ يوم 31 جويلية 1954 بدأت حكومة التفاوض في وضع اللمسات الأخيرة للإستقلال الداخلي.. وكان الزعيم الحبيب بورقيبة من منفاه بفرنسا يتابع المفاوضات.. وكلما مر الجانب التونسي بصعوبة أو خلل أو توقفت المفاوضات إلا ووقع الإتصال بالمجاهد الأكبر  لتذليل الصعوبات وإيجــاد المخرج وإستئناف المفاوضات.. وذكر ذلك المؤرخ الفرنسي دومينيك شوفاليي في محاضرة محورها « بورقيبة لحظة قدر سياسي » .

 

وفي غرة جوان 1955 قرر المجـاهد الأكبر الحبيب بورقيبة العودة إلى أرض الوطن في يوم تاريخي مشهود لم يسبق له مثيل.. وعاد القائد الفذ حاملا لواء النصر والحرية.. وإستقبله الشعب التونسي في وحدة وطنية صماء قائدها الفذ وزعيمها المجاهد الأكبر في أروع إستقبال..

 

وبعد 09 أشهر أحرزت تونس على استقلالها التام يوم 20 مارس 1956 أي انه تم تتويج الاستقلال الداخلي بعد 09 أشهر فقط رغم محاولات التشكيك.. وبذلك أزيح الشك وجدّ الجد واتضحت الرؤية وتأكدت سياسة المراحل وصدقت نوايا الخير والعزيمة الصادقة وانبلج فجر الصحوة السياسية وبرزت بوضوح الرؤية الصائبة وانشرحت صدور المناضلين الذين اجتمعوا يوم 15 نوفمبر 1955 في مؤتمر البعث بصفاقس على مبايعة الزعيم الحبيب بورقيبة وتأييد سياسة المراحل والتمسك بها كخيار إستراتيجي.

 

ثم جــاءت مراحل بناء الدولة العصرية على يد الزعيم محرر الوطن.. فتم بحول الله وعونه وتوفيقه بنـاء دولة الاستقلال حجرة بحجرة ولبنة بلبنة.. من حكومة وطنية برئــاسة المجـاهد الأكبر الحبيب بورقيبة يوم 14 أفريل 1956 .. إلى تونسة إدارة الأمن الوطني في 18 أفريل 1956 .. إلى تونسة الإدارة الجهوية (سلك الولاة والمعتمدين) في 23 جوان 1956 .. إلى تونسة إدارة الجندرمة وبعث سلك الحرس الوطني في 06 سبتمبر 1956 .. إلى تونسة الجيش الوطني في 24 أكتوبر  1956  .. إلى تونسة الديوانة في 09 ديسمبر 1956 .. وقبلها إصدار مجلة الأحوال الشخصية وتحرير المرأة يوم 13 أوت 1956 .. إلى انتخاب المجلس التأسيسي الأول عام 1956 .. ثم الإعلان التاريخي من قبل المجلس التأسيسي المنتخب القاضي بإلغـاء النظــام الملكي وإبداله بالنظـام الجمهوري..  وإسناد رئـاسة الجمهورية للزعيم الرئيس الحبيب بورقيبة يوم 25 جويلية 1957 .. إلى تركيز دواليب الدولة العصرية والمؤسسات الدستورية وإصدار أول دستور رائد وعصري يوم غرة جوان 1959  التى كانت سنة أول إنتخابات رئاسية وتشريعية عامة.

 

فما تم إنجازه يعتبر ثورة عارمة في كل المجــالات.. ومعارك عنوان الجــلاء خير شاهد على إستراتيجية وسياسة القائد وحكمته وبعد نظره وهو المهندس الرئيسي لنجـاح معارك الجلاء.. انطلاقا من معركة رمادة بالجنوب التونسي.. إلى معارك الشمال بجندوبة والكاف وعين دراهم وساقية سيدي يوسف.. والأحداث الدامية لحوادث الساقية الشهيدة.. والملاحم الرائعة بين الشعبين التونسي والجزائري.. و التعاون والتضامن المتين بين الحزبين و قيادة البلدين.. والتلاحم القوي بين الشعبين في النضال والكفاح المسلح الرائع.. والتضامن في أبهى صوره وأروع تضحياته وأجمل ذكرياته..

 

وجاء هذا التتويج التاريخي يوم 15 أكتوبر 1963 بالجلاء العسكري الفرنسي على قاعدة بنزرت المناضلة بعد كفاح مرير وتضحيات جسام في أروع صورة واصدق استبسال ونضال شهد به العالم.. وتم البناء السياسي الشامخ في يوم 12 ماي 1964 بتحقيق الجلاء الزراعي وتأميم الأراضي الفلاحية.. وتونسة الأرض وتحريرها من المعمرين الفرنسيين والأجانب.. وبذلك تم استكمال السيادة الوطنية بعد كفاح دام 30 سنة وشهرين وعشرة أيام.. انطلاقا من 2 مارس 1934 إلى يوم 12 ماي 1964 .. وهذا التاريخ يوحي بعهد الحماية يوم 12 ماي 1881 .. ومن الصدف انه وقع الإمضاء على نفس الطاولة التي تم إمضاء معاهدة الحماية عليها يوم 12 ماي 1881 ..

 

ومما تجدر الإشارة إليه أن الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله كان حريصا الحرص الشديد على انجاز البناء السياسي بما في ذلك الجلاء العسكري و الزراعي حتى تبقى تونس منيعة حرة مستقلة ابد الدهر..

 

وحرص بصفة علنية على عدم إعطاء الفرصة لأي نوع من التبعية الاستعمارية بما في ذلك عدم السماح لأي دولة أجنبية باستغلال قواعد عسكرية في تونس أو اعتراف علني أو ضمني بدولة الصهاينة أو السماح لعلم إسرائيل أن يوجد في بلادنا العربية.. وتلك هي عبقرية القيادة..

 

وما خطاب أريحا يوم 03 مارس 1965 في فلسطين إلا تأكيد على احترام الشرعية الدولية واحترام حقوق الإنسان وكرامة الشعوب وحقها في تقرير المصير مما يجعل العالم اليوم يحترم مواقف تونس ويقدرها ويؤيدها.

 

وما وصلت إليه بلادنا اليوم من تقدم وازدهار ومناعة واستقرار ورقي وسمعة في العالم  اجمع وإشعاع دولي ومصداقية يعود أساسا وقبل كل شيء إلى المنعرج التاريخي الحاسم الذي حصل يوم 02 مارس 1934 أي إلى مؤتمر قصر هلال.

 

وفاء لروح الزعيم المجاهد الأكبر

 

في صبيحة يوم الخميس 6 افريل 2006 انتقل وفد من أعضاء جمعية الوفاء للمحافظة على تراث الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله إلى مدينة المنستير لتلاوة فاتحة الكتاب على روحه الطاهرة في ذكرى وفاته السادسة.. وفي روضة آل بورقيبة التقى الوفد المتركب من السادة: محمد العروسي الهاني، عبد الحميد العلاني، عمر بن حامد، وجعفر لكحل، بآل بورقيبة و الأصدقاء الأوفياء المخلصين في طليعتهم السيد الحبيب بورقيبة الابن و السيدة حرمه ونجله المهدي بورقيبة رفقة السادة احمد قلالة، محمد بن نصر، محمد السخيري عبد الله بشير، صالح البحوري، محمود مزالي و الحبيب الورداني وعدد من المناضلين.

 

وبعد تبادل التحية وأطراف الحديث حول حياة الزعيم الراحل تحول الوفد إلى ضريح الزعيم لتلاوة فاتحة الكتاب على روحه بعد الاستماع إلى تلاوة الشيخ المقرئ والدعاء.. ثم تقدم السيد محمد بن نصر الوالي السابق بالمنستير وشرع في الدعاء كعادته ترحما على روح الزعيم في مثل هذه المناسبة.. وبعد ذلك انتقل الحاضرون إلى المتحف التاريخي الخاص بصور وذكريات الزعيم وملابسه المتواضعة و أدوات العمل التي كان يستعملها المجاهد الأكبر في الكفاح التحريري.. وفي هذا المكان وقف الجميع لحظة مؤثرة للغاية واستعرضوا بخيال واسع وبقلوب خاشعة وبفكر متدبر متأمل متعجب متأثر بعظمة هذا الرمز الخالد و العملاق التاريخي المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة..

 

و في إحدى الصور المؤثرة صورة نجل الحبيب بورقيبة الابن معز الذي ولد يوم 14 مارس 1956 قبل وثيقة الاستقلال ب6 أيام وقد لاحظنا في الصورة المجاهد الأكبر يقبل حفيده ابن الأسبوع بحضور والديه وجدته مفيدة وبحضور المناضل حسن بن عبد العزيز في هذه اللحظة المؤثرة تذكرت شخصيا ذكريات وطنية وشريطا طويلا لمدة 50 سنة وقلت في نفسي: من هو الإنسان الذي يحكم على نفسه طيلة 22 سنة ونصف أن يكون محروما من لذة الحياة وزينتها قال تعالى  » المال والبنون زينة الحياة الدنيا «  صدق الله العظيم، هذا الرمز طيلة 22 سنة لم يذق طعم الحياة وراحة البال ومتعة الدنيا وترك الأهل و الزوجة و الابن الوحيد و حتى الأحفاد و الأصدقاء من اجل الوطن الغالي والشعب الوفي..

 

و بعد استعراض شريط الصور غادرنا الروضة في تأثر بالغ وشديد وفي ساحة التربة ذكر المناضل احمد قلالة أن هذه الأرض التي بنيت عليها روضة آل بورقيبة اشتراها الزعيم من ماله الخاص..

 

وهناك فتح أمامنا طريق الكلام لنتحدث عن مناقب و خصال ومآثر وبصمات الرمز العملاق الزعيم الحبيب بورقيبة.. واخذ كل واحد منا يعدد خصاله وذكر بعضهم ما اطلع عليه في موقع الإنترنت تونس نيوز وقال انه شيء جميل يستحق التشجيع رحم الله الزعيم الخالد واسكنه فراديس جنانه.

 

1 – عند الدخول إلى التربة وجدنا عددا من الأجانب جاؤوا لزيارة الضريح وقاموا تلقائيا بتصويرنا في غياب مصور تونسي و الأجانب أكثر من التونسيين..

 

2 وجدنا عددا قليلا من الوطنيّين في البهو مثل الأخ محمد حفصة الوالي السابق وعضو مجلس المناضلين حاليا..

 

3 لاحظنا عند دخول الروضة مسؤولا محليا متقاعدا وبعد التحية غادر الروضة قبل حلول السيد الحبيب بورقيبة الابن .. قلت في نفسي رحم الله من قال  » الدنيا مع الواقف  » وهذا يذكرني بوفاة المرحوم الصادق بوصفارة رحمه الله الذي تحمل رئاسة البلدية بحمام الأنف من 1957 إلى 1987 .. و عند وفاته هناك من يراقب المعزين وكم عددهم وبدون تعليق.. كما تذكرت مسؤولا محليا بحمام الأنف يوم 6 نوفمبر 1987 كان ينادي الدكتور بوصفارة بالأب الروحي ويوم 8 نوفمبر1987 عيد الشجرة قال لبوصفارة لا أعرفك من اليوم وبدون تعليق..

 

قال تعالى « انك ميت وإنهم ميتون ثم إنّكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون  » صدق الله العظيم.

 

محمد العروسي الهاني

مناضل دستوري كاتب عام جمعية الوفاء للمحافظة على تراث الزعيم الحبيب بورقيبة – تونس

 


 

الإسلاميون العرب… بين تشجيعهم على الديمقراطية ودفعهم إلى التطرف

 
د.خالد شوكات*
النزعة الاقصائية لا تزال هي الطاغية في الفكر والسياسة العربيين, وعندما يقرر طرف ما سواء كان متربعا على كرسي الحكم, او في المعارضة, ان يقصي خصما ما, عمليا او نظريا, فانه لن يعجز ابدا عن اختلاق المبررات الايديولوجية والسياسية الكافية لتبرير ذلك الاستئصال و الافناء, لكن النتيجة كانت باستمرار مواصلة ذات التاريخ, القائم على « الغلبة والقهر », والمتمسك بسيرة الامة التي تجيء فتلعن اختها. المشروع الديمقراطي العربي كما يجب ان يكون قطيعة مع واقع الطغيان والاستبداد الذي ميز طبيعة الحكم العربي الاسلامي قرونا, فانه يجب ان يكون – ولا يمكن ان يكون الا كذلك- قطيعة مع الفكر والممارسة الاقصائيين, فالديمقراطية ان لم تطمئن جميع التيارات والاحزاب على حقها في الوجود والحركة السلمية, فانها ستدفع اطرافا كثيرة الى مناصبتها العداء والعمل جاهدة على عرقلة مسارها. تقرير مركز السياسة الخارجية الاميركي الاخير, الذي صدر فى شهر مارس الماضي بعنوان  » الديمقراطية, الارهاب والشرق الاوسط », خرج في رأيي بخلاصة جيدة تؤكد صحة الافكار الانفة, والتي تنصح الراغبين في دعم الديمقراطية في المنطقة العربية باتاحة الفرصة امام كافة التيارات والاحزاب والقوى السياسية للانخراط في العملية التعددية, وعدم استبعاد او حرمان اي طرف ما دام هذا الطرف راغبا في الانخراط في هذه العملية, مهما كانت التقديرات الاولية غير ايجابية, او تضمنت اشارات ظاهرية الى انها عدو للديمقراطية. التعامل الامثل مع الاسلاميين العرب كان الموضوع الرئيس للتقرير الاميركي, وخلافا ربما لتقدير ورغبة الكثير من الساسة والمثقفين الليبراليين والعلمانيين في العالم العربي, وبحسب الخبراء الاميركيين الذين ساهموا في صياغة وتحرير التقرير, فان الحركات الاسلامية ليست كلها من صنف واحد, على الاقل فيما يتعلق بالموقف من الديمقراطية, وانه من الافضل عدم تصنيف الاسلاميين جميعا في خانة اعداء الديمقراطية. منطلقات اصحاب التقرير الاميركي برأيي صبت في اتجاه كسر الثنائية التي تعمل بعض الانظمة العربية على ابقاء الادارة الاميركية متبنية لها, والتي تؤكد على ان البديل الذي ستحمله رياح التغيير الديمقراطي في العالم العربي لن يكون سوى بديل اصولي قاتم, اكثر معاداة من اي طرف اخر للولايات المتحدة ومصالحها الضخمة في المنطقة, وانه لا حل سوى غض الطرف على ممارسات هذه الانظمة القمعية, خصوصا في ظل ضعف وهوان وعدم شعبية التيارات الليبرالية والعلمانية, التي شكلت البديل للانظمة الديكتاتورية في مناطق اخرى من العالم استجد فيها تحول ديمقراطي. واذا كانت الانظمة العربية تدافع عن مصالحها واستمرارها في الحكم عندما تبذل مساعيها لتكريس هذه الرؤية الاقصائية على الصعيد الدولي, فان التيارات الليبرالية والعلمانية في العالم العربي, ستكون مخطئة تماما اذا ما كان لديها ايضا قناعة مماثلة, تجعلها راضية بما تراه اهون الشرين, ملحة على التعامل بدورها على تعامل تعميمي خائف ويائس مع الظاهرة الاسلامية, مصغية في اعماقها الى الاتجاه الراديكالي داخلها, الذي يصور الحركات الاسلامية في مجملها, حركات تقية غامضة تبطن غير ما تظهر, وغير مؤهلة ابدا للاندماج في السياق الديمقراطي التعددي. لقد اثبتت تجارب الحكم في العالم العربي, انه ليس ثمة اسهل سياسيا وايديولوجيا من حل الاقصاء والاجتثاث, فهذا الحل يتطلب فقط عقلية امنية مستعدة لممارسة سياسة الارض المحروقة وتبرير كافة الجرائم والانتهاكات في حق خصم سياسي, غير ان هذا الحل هو في حقيقة الامر مزيف واناني لقضايا صعبة, تفلح اساليب البتر والكي في تاجيل النظر فيها, لكنها لا تفلح في ايجاد مخارج نهائية مفيدة لها, فاقصاء جبهة الانقاذ في الجزائر عن الحكم سنة 1992 على سبيل المثال, جمد النظر في قضية الاسلاميين لفترة, لكنه لم يجد حلا حقيقيا للقضية, وكذلك الامر بالنسبة لدول عربية اخرى اتبعت ولا تزال اساليب مشابهة, لربما افلحت انظمتها في كسر شوكة الحركات الاسلامية لحقبة من الزمن, لكنها عجزت بلا ريب عن انهاء الملف الاسلامي. ان يملك المرء موقفا معاديا للدين – وهذا حق لاي شخص-, يجب الا يعني استعداد ذلك المرء الى اعلان الحرب على الدين, وان يكون لدى المرء تحفظات واعتراضات كثيرة وجوهرية على تيار سياسي معين يتخذ من الدين مرجعية, لا يجب ان يعني موافقة ذلك المرء على الايمان بانه ليس ثمة حل غير شن حرب مقدسة على ذلك التيار, وتبرير جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية قد ترتكب بحقه. واذا ما استسلم العقل العربي الليبرالي والعلماني لهذه الرؤية الاقصائية وهذا النوع من التحليل السياسي, فانه سيكون بذلك قد ساهم في تعميق المشكلة الاسلامية المطروحة بقوة, من خلال الدفع باحد التيارات السياسية الكبرى الى اليأس والى مزيد من العنف والتطرف, في حين سيكون الاجدى والانفع تشجيع هذه التيارات على مزيد من النقد والتغيير والمراجعة, وعلى مزيد من الاندماج في نسق مشترك يقوم على الايمان بفضائل الحرية والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة والتباري على اساس البرامج السياسية وخدمة المواطنين والمصالح العامة, بديلا عن المزايدات والتشكيك في النوايا وخطاب الاقصاء المتبادل. لقد اثبتت تجارب كثيرة, اخرها ما وقع في فلسطين والعراق, وقبل ذلك في المغرب واليمن والكويت والاردن, انه بمقدور الاسلاميين الانخراط في عملية سياسية تعددية وديمقراطية قائمة على التعايش بين مختلف التيارات, وبامكان هذه التجارب ان تتعمم في مختلف البلدان العربية الاخرى, وان يكون الاسلاميون من خلالها رافدا قويا من روافد التغيير الديمقراطي, وعاملا مساعدا على نجاح عمليات الاصلاح السياسي المرجوة, بعيدا عن سيناريوهات الانقلابات والمؤامرات والزلازل والبراكين التي يسعى البعض الى تصويرها تخويفا للخارج والداخل على السواء من المشاركة في التغيير او مساندته. انه ليس اسهل من العمل على اجتزاء العبارات واخراجها من سياقاتها النصية واللعب بمفرداتها لاثبات الحجة على طرف ما وبيان فساد نيته وبرامجه, كما ليس اسهل من نعت الاسلاميين جميعا بانهم مصاصو دماء متلهثون للسلطة كفرة بالحرية اعداء للانسانية…الخ, غير ان الاصعب هو الدفاع عن لغة التعايش وخطاب التشجيع على النقد والمراجعة واعادة البناء والتاسيس لاوطان تسع جميع ابنائها على اختلاف تياراتهم ومشاربهم ورؤاهم, وشخصيا لا املك تصور عالم عربي بدون اسلاميين او قوميين او يساريين او ليبراليين, فاذا كان قدر العيش المشترك حتميا, فلماذا ندفع بتاريخنا في اتجاه مسار الاقصاء والافناء والتصفيات الجسدية?. لقد وصلت حركة حماس الى السلطة, ولا احسب ان حماس قد وضعت لنفسها برنامجا سريا يقضي بافناء التيارات الوطنية والعلمانية والليبرالية والقومية والمسيحية الاخرى, كما وصل الاسلاميون في العراق الى السلطة, ولا احسب ان لديهم برنامجا سياسيا يهدف الى اقامة دولة ثيوقراطية تعلق على المشانق رؤوس الشيوعيين او الاكراد او الاشوريين مثلما فعل من قبل صدام والبكر و عارف. وتقديري ان الاسلاميين قد يصلون غدا, في المغرب او موريتانيا او مصر او سورية او تونس الى السلطة, لكنهم لن يسعوا ابدا الى اقامة دولة دينية توتاليتارية قائمة على حزب واحد وتيار واحد وبرنامج واحد, وليس هذا الاعتقاد من باب السذاجة الفكرية او السياسية او الثقة المفرطة بالنوايا الحسنة, انما تقدير موضوعي ينطلق من قناعة بان تاريخ الدول الدينية والشمولية قد ولى, وبانه لن يكون امام الاسلاميين الا طريق واحد لخدمة مرجعيتهم الفكرية والدينية والسياسية, وهو طريق الاندماج في المشروع الديمقراطي, تماما كما اقتنع المؤمنون المسيحيون واليهود والبوذيون وسائر اصحاب المرجعيات الروحية, بانه ليس ثمة افضل لهم لخدمة ايمانهم من دولة محايدة تضمن لهم ولغيرهم العيش بحرية وامان وتسمح لهم ولغيرهم بحق الحركة والتعبير عن ارائهم والدعوة السلمية الى افكارهم. انني ادرك ان الاسلاميين محل كره ومقت شديد لدى الكثير من ابناء التيارات الفكرية والسياسية العربية الاخرى, لكن المشاعر, يجب الا تكون هي المحدد في بناء المستقبل, بل العقل والقيم الانسانية النبيلة هي التي يجب ان تحكم, والرأي عندي ان تشجيع الاسلاميين العرب لكي يكرروا نموذج اردوغان, خير من دفعهم الى ان يكونوا على غرار طالبان..ان الديمقراطية مشروع تعايش وتسامح بين التيارات والاحزاب والاديان والمذاهب والطوائف, لا مشروع اقصاء وتصفية وافناء. * كاتب تونسي, مدير مركز دعم الديمقراطية في العالم العربي – لاهاي chouket@planet.nl
 

(المصدر: صحيفة « السياسة » الكويتية الصادرة يوم 9 أفريل 2006)

 


في إشكاليـة… الإســلام والديموقراطيــة

بقلم: محمد مواعدة لم يكن في الحسبان أن أشارك ببحث في الندوة التي قامت بتنظيمها مؤسسة التميمي للبحث العلمي عن «دولة القانون واتخاذ القرار السياسي في المغرب العربي 1955/2005» أيام 29، 30 و31 مارس 2006. وبذلك اكتفيتُ خلال الجلسات العلمية الأولى بالمشاركة في النقاش وبالخصوص تصحيح بعض الجوانب وتدقيق جوانب أخرى سواء منها ما يتعلق بمفاهيم فكرية وسياسية أو بشخصيات تاريخية كان لها تأثيرها البارز والتاريخي مثل الزعيم الحبيب بورقيبة والرئيس بومدين والملك الحسن الثاني… رحمهم الله. لكن قضايا فكرية نظرية برزت خلال النقاش ولم تجد حظّها من التعمق والحوار خلال الجلسات المتتالية… وأثناء حوار تقويمي لهذه الجلسات مع بعض الجامعيين وبالخصوص مع الأخ العزيز الدكتور عبد الجليل التميمي مدير المؤسسة ومدير هذه الندوة أثناء هذه اللقاءات الجانبية تبين أنه من المفيد جدا تخصيص هذه القضايا النظرية بجلسة خاصة هي الجلسة الختامية. وتلبية لطلب ملح وصادق تعهَّدتُ بتقديم مداخلة في الجلسة الختامية تتناول موضوع هو من اقتراحي: « إشكاليات المسألة الديمقراطية في المغرب العربي ». وقدمتُ هذه المداخلة شفويا على أن أقوم بتسليم النص التحليلي الشامل إلى الأخ التميمي لاحقا… وهذا ما تحقق. وقد أشرت بإيجاز شديد جدًّا الى أهمّ الاشكاليات وأبرزها اعتمادًا على مستوى المشاركين المتميزين من الباحثين والجامعيين من تونس والجزائر والمغرب… وأغتنم هذه المناسبة للتأكيد على أن أغلب هؤلاء المشاركين هم من الباحثين الذين يشرّفون البحث مغاربيا وعربيا… انهم من الشباب الذين عليهم تطوير هذا المجال مستقبلا حتى يتخلص البحث العربي من أسلوب الوصف والتكرار والاجترار… الى أسلوب التحليل والتفكيك لواقعنا العربي والاسلامي المريض… هذا الأسلوب الذي يمكننا من تجاوز الأزمة التي نعيشها والتي أصبحت مزمنة بل متفاقمة… كما يمكننا أيضا من مواجهة ما تقوم به مراكز الأبحاث الغربية وبالذات الأمريكية ضدنا وضد حضارتنا العربية والاسلامية. ولا شك أن ما تتعرض له حضارتنا وثقافتنا حاليا من تهجّم ومحاولات تهميش وتزييف واختراق يفرض على الباحثين العرب والمسلمين المزيد من تحمل المسؤولية ومن بذل الجهد الفكري والنظري وتجنب المهاترات والسطحيات حتى نعيد لحضارتنا وثقافتنا وديننا الاسلامي الحنيف المنزلة التي يستحق… وصورتها الناصعة والحقيقية… وأغتنم هذه المناسبة لأشير الى أنني تناولت ما تتعرض له حضارتنا العربية الاسلامية من تهجم وما يتهدَّدها من أخطار داخلية وخارجية، تناولت ذلك كله في بحث قدّّمتُه في ندوة عربية انعقدت بالقاهرة خلال شهر ديسمبر 2005، وعنوان البحث « مقومات الهوية العربية بين التحصين الثقافي وأبعاد الاختراق والتشويه ».  وأقوم حاليا بمراجعة أبحاث هذه الندوة الهامة جدًّا، وبكتابة المقدمة النظرية لكتاب يحوي هذه الأبحاث سيصدر خلال الأشهر القريبة القادمة ان شاء الله. منطلقـــات وخلال مداخلتي الشفوية التي قدمتُها في ندوة مؤسسة التميمي العلمية، تناولت أهم الاشكاليات التي تتعلق بالمسألة الديمقراطية ومن بين هذه الاشكاليات علاقة الاسلام بالديمقراطية. وأغتنم هذه المناسبة للتأكيد على ما يلي:  1)- أن علاقتي بالحضارة العربية والاسلامية هي علاقة عضوية فأنا من أبناء هذه الحضارة واعتز بالانتساب اليها، وبما قدمته للحضارة الانسانية من اثراء واسهامات في جميع مجالات المعرفة. واضافة الى تدريسي بالجامعة التونسية ـ قسم الترجمة ـ لجوانب عديدة من هذه الحضارة: الفكرية والعلمية منها خاصة، فتعمقي في مراجعتها وكنوزها المختلفة، منذ مرحلة ما قبل الاسلام الى اليوم… هو بالنسبة لي عمل يومي… لا ينقطع ولم يقتصر اطلاعي بل دراستي على المؤلفات التاريخية والأدبية والفكرية والدينية… بل تجاوز ذلك الكم الضخم جدًّا من الكتب… الى كتب التفسير والحديث… وعلم الأصول والفقه… لكل ذلك فانني عندما أتناول قضية تتعلق بالاسلام وبالحضارة العربية والاسلامية فانني أقوم بذلك باعتباري أنتمي الى هذه المنظومة من الداخل…… ومن غيرتي عليها وحرصي على المساهمة في دعمها وتصحيح صورتها وتعميق دورها الحضاري الانساني. وفي هذا الاطار أؤكد على أنني في حياتي وعلاقاتي العامة ـ فما بالك بالعلاقات الحضارية السليمة ـ اعتمد على مقولتين شهيرتين للرسول صلى الله عليه وسلم، مفادهما:  2)- « أنصر أخاك ظالما أو مظلوما » ان نصرة الأخ مظلوما مفهومة… لكن كيف اذا كان ظالما فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم، بما معناه: بنصحه وارشاده.  3)- الحديث الشريف: « صديقك من صدَقك لا من صدّقك » صدَقك: كان معك صادقا. صدَّقك (بتشديد الدال) وافقك تزلفا في كل شيء ولو كان خطأ.  4)- من الضروري ـ في هذه المناسبة ـ التأكيد على الجوانب التالية: I) –  لا بد من التفريق بين العبارات التالية: – الدين الاسلامي – الفكر الاسلامي – التاريخ الاسلامي فاذا كان التاريخ الاسلامي يتعلق بمختلف المجالات ويشمل المراحل التي تعاقبت على الأمة الاسلامية طيلة قرون، فان الفكر الاسلامي يتعلق بالجوانب النظرية والتحليلية المتصلة بالدين الاسلامي، أما الدين ذاته فله مصدران أساسيان هما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة اضافة طبعا الى الاجماع والاجتهاد في مجال الأحكام. ومن المعلوم أن القرآن الكريم هو أساس هذه المصادر، والعديد من المفكرين والباحثين لا يعتمدون الا هذا الكتاب المقدس نظرا لما شاب السنة من ظواهر أثناء جمع الحديث، وهو ما جعـل عبارة «الاسلام القرآني» يتزايد استعمالها وترديدها في كلّ ما يتعلق بالدين الاسلامي، وخاصة في هذه الظروف. ولا بد من التذكير أيضا بأن الدين الاسلامي هو عقيدة وشريعة. واذا كانت العقيدة لا مجال للجدل فيها، فان الشريعة وما يتعلق بها من أعمال الفقهاء وتأويل المفسرين هي عمل بشري يخضع الى عديد التأثيرات الانسانية والظرفية والحضارية… وأغتنم هذه المناسبة أيضا للتأكيد على أهمية أسباب النزول في تفسير الآيات القرآنية وهو أمر كثيرا ما يغيب عن أذهان من يستشهدون بهذه الآيات في مناسبات عديدة ولذلك يسقطونها اسقاطا على مواضع وأحداث تختلف تماما عن المناسبات التي نزلت فيها هذه الآيات… في كثير من الأحيان. لقد كان الوحي الالهي في علاقة جدلية بين الأرض والسماء، وكان محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الواسطة، وقد اصطفاه الله تعالى لهذه المهمة النبيلة، ولذلك قال ما قاله في خطبة الوداع، وهي معروفة. II) – والخلاصة من ذلك أن كلّ ما يتعلق بالبشر ـ في الاطار الاسلامي ـ وبأفعالهم وممارساتهم هو عمل قابل للنقاش والتقويم، والقبول والرفض. ألم تقع الاشارة في مناسبات عديدة ومختلفة الى أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، هو بشر مثل بقية البشر؟ وقد كان الصحابة رضي الله عنهم لا يترددون في ابداء رأي مخالف لرأيه صلى الله عليه وسلم، اذا تأكدوا من أنه ليس بوحي من عند الله. ولهذه الاعتبارات فمن حق المسلمين العارفين بالاسلام وقيمه وبالتاريخ الاسلامي ومراحله ومنعرجاته… ان يقوموا بتقييم هذا العمل أو ذاك الموقف لهذه الشخصية الاسلامية أو تلك في اطار الاحترام الكامل والتقدير… واعتبارا للظروف المعنية. أما الذين يسعون الى اضفاء القداسة على كل من له صلة بالاسلام دون تمييز فانهم يهدفون الى الوصول الى قداسة أقوالهم وأعمالهم ومواقفهم هم دون غيرهم مؤكدين احتكارهم لهذا الدين الحنيف… ولذلك ألحقوا به شتى الأضرار وأخطرها. III) – هنالك مقولتان تحتاجان الى تدقيق وبكامل الوضوح والمسؤولية هما: – أن الاسلام صالح لكلّ زمان ومكان. نعم انه فعلا صالح لكلّ زمان ومكان ولذلك واجه كلّ العقبات والعراقيل وصروف الزمن… ومنعرجات الجغرافيا. ولذلك بقيتْ الحضارة العربية والاسلامية شامخة مستمرة منذ ما يزيد عن 14 قرنا ومازالت… ولكن كيف هي هذه الصلوحية الدائمة بل الخالدة زمانا ومكانا ؟ ليست طبعا بالمحافظة الكاملة والشاملة والتفصيلية على ما كان عليه المسلمون الأوائل وكأن التاريخ لا يتقدم الى الأمام. ان هذه الصلوحية قائمة وباقية بقدرة ديننا الحنيف على التلاؤم والتكيف مع مختلف الحضارات التي تعامل معها وتفاعل بصورة ايجابية. انها بقدرة الاسلام على هضم الحضارات والثقافات الأخرى من فارسية وهندية وبيزنطية… والأخذ والعطاء معها دون انغلاق وتكلس وجمود وتعصب أعمى… – انطلاقا من المقولة السابقة، هناك مقولة أخرى هي: أن القرآن يحوي كل شي من صغيرة وكبيرة انطلاقا من الآية الكريمة «وما فرطنا في الكتاب من شيء»، وهذه الآية طبعا صحيحة وصادقة وهو موقفنا من القرآن الكريم الذي نكن له كامل التقديس. انه الكتاب السماوي المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، رغم ما صاحب عملية الجمع من ظروف منذ عهد الخليفة أبي بكر الى عهد عثمان… وهي معروفة في الدراسات القرآنية. وقد أحسن الصحابة صنعا باتلاف كلّ ما هو خارج المصحف المحدد ضمانا لوحدة الأمة الاسلامية. ومن المعلوم أن القرآن الكريم هو من الميزات الأساسية التي اختص بها الاسلام عن بقية الأديان السماوية من يهودية ومسيحية، ذلك أن الكتابين المقدسين التوراة والانجيل يختلفان عن القرآن الذي هو وحي مباشر من الله الى نبيه الكريم عن طريق جبريل كما هو معلوم. وهنالك جوانب عديدة فكرية ودينية وعلمية… يمتاز بها القرآن الكريم عن الكتابين الآخرين… وقد قمتُّ شخصيا بدراسة مقارنة بين هذه الكتب الثلاثة أرجو أن تسمح الظروف بنشرها ان شاء الله. على أن الايمان بأن القرآن يحوي كل شيء لا يعني أبدّا أننا نجد في القرآن جميع الاكتشافات الحديثة بأسمائها وأشكالها وفاعليتها… وما سبقها وما سيأتي بعدها الى أن يبعث الله الأرض ومن عليها وما عليها. اننا نعتقد أن القرآن يحوي التوجهات الكونية الكبرى، أما ما يتعلق بالانتاج البشري الجزئي فذلك يندرج ضمن هذه التوجهات العامة، وضمن القدرة التي أعطاها الله للانسان حتى يستحق عن جدارة أن يكون خليفة الله في الأرض، ويستحق أيضا أن يحمل الرسالة التي اختاره الله لها والتي عجزت الجبال وكل الكائنات عن حملها. والذي دعاني، بل اضطرني الى تدقيق هاتين المقولتين هو ما نجده شائعا عند البعض ممن له فهم خاطئ وسخيف لهما. من ذلك أن أحد «الأساتذة» المشاركين في ندوة مؤسسة التميمي العلمية أشار الى أن القرآن يتضمن مفاهيم الديمقراطية وتعدد الأحزاب كما هو عليه الشأن حاليا أي سنة 2006م. فكان جوابي ما يلي وقد حدث هذا فعلا وليس طرفة أو اختلاقا: أن حوارا دار بين متحدثين فقال أحدهما: – الأول: ان القرآن يحوي كل صغيرة وكبيرة … الى يوم يبعثون. – الثاني: كيف ذلك ؟ ائت لي بكلمة: كوكاكولا. – فأجاب الأول: قال تعالى: «تركوك قائما»، كوك… ان هذا التأويل السخيف لا يليق بالقرآن الكريم، انه كتاب أرفع من هذه الترهات… انه كتاب ذو أبعاد انسانية وكونية اضافة الى قداسة مصدره. الاسلام… والديمقراطية أبدأ بالتأكيد على أن اهتمامي بل انشغالي بهذه القضية يعود الى سنوات عديدة سابقة، بل أستطيع القول منذ الستينات من القرن الماضي وذلك لسببين أساسيين: – أولهما انتسابي العضوي والنضالي الوطني والحضاري. – ثانيهما: ايماني بدور الاختيار الديمقراطي في استقرار مجتمعنا وأمتنا العربية والاسلامية، وفي تحقيق التنمية والتقدم. ولهذا الاعتبار الجوهري، فانني أعيش هذه القضية الاشكالية (Problématique) معايشة دائمة أعتقد أن أغلب المثقفين والباحثين العرب والمسلمين، وعلاقاتي المستمرة معهم تؤكد ذلك، أغلبهم يعانيها بالمتابعة والتأمل والتعمق… والمراجعة. وقد عبرت عن مواقفي هذه ازاء المسألة المطروحة في مناسبات فكرية وعلمية مختلفة، في تونس وفي العديد من الأقطار العربية. ونظرا الى أن هذا المجال، لا يسمح بالتحليل الملائم، فانني سأكتفي بالاشارة الى الجوانب الهامة التالية:  -1) – لابد من الحسم في أن كلا من الاسلام والديمقراطية، كلا منهما ينتمي الى منظومة عقائدية وفكرية مختلفة. ودون الدخول في تحليل لغوي ومفاهيمي لصيغة العنوان،  » الاسلام والديمقراطية « ، ودور حرف العطف ـ الواو ـ في هذه الصيغة، اذ هناك فرق بين هذه وبين القول مثلا، جاء علي ومحمد  وصالح… دون الدخول في هذا المجال من التحليل نكتفي بالاشارة الى أن: – الاسلام يمثل منظومة عقائدية ودينية شاملة، وظهر في بيئة وظروف محددة رغم أنه موجه للانسانية جمعاء في جميع الأزمنة والأمكنة والظروف والأحوال. – أما الديمقراطية فهي منظومة فكرية ذات أبعاد تربوية وثقافية وسياسية ومجتمعية، نبعت من ظروف محددة منذ المرحلة اليونانية. وقد شهد هذا المفهوم تطورات عديدة في مستوى المضمون كما شهد عديد النماذج في مستوى التنظيم والممارسة. وأغتنم هذه المناسبة للتأكيد على أن القول بأن الاسلام شيء والديمقراطية شيء آخر جديد… لا يمس أبدا من قيمة الاسلام ونظرته الشمولية للانسان وللكون. والمدرسون والأساتذة يعرفون أننا عندما نقول ان المسرح ـ مثلا ـ هو فن دخيل على الأدب العربي… هذا لا يمس في شيء من قيمة الأدب العربي الذي نجد فيه فن المقامة مثلا وهو فن لا نجده في آداب أخرى عالمية…  -2) – ان الاسلام يتضمن توجهات عامة يدعو فيها الى العدل والشورى واحترام الذات البشرية، وما قام به الرسول في المرحلة المدنية. ولكن الاسلام لم يقدم لنا نموذجا دقيقا في الحكم والتنظيم السياسي. أما نظام الخلافة فهو أمر مستحدث، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وانطلاقا من اجتماع سقيفة بني ساعدة، (هذا رغم تشكيك بعض الباحثين المتميزين في ما أورده المؤرخون القدامى عن هذا الحدث).  -3) – هناك جوانب تحتاج الى تأمل ونظر منها: – ما يمكن أن نطلق عليه بآلية التفكير الوحداني الانفرادي انطلاقا من: – الله جلَّ وعلا واحد. – الرسول صلى الله عليه وسلم واحد. – القرآن الكريم، كتابنا المقدس واحد. – الامام في الصلاة واحد، والاصطفاف والاستواء وراء الامام وبصورة دقيقة جدا جدا. هذه الظواهر مع التأكيد على ثقافة الطاعة: – الطاعة المطلقة للامام في المذهب الشيعي. – طاعة حاكم ظلوم أولى من فتنة غشوم كما هو عند المالكية مثلا… وهو حديث نبوي شريف.. بقطع النظر عن صحة سنده.  -4) – أما التاريخ الاسلامي فنكتفي بالاشارة الى: I) ـ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، هو عهد بدء الرسالة وبدء نشأة الدولة. هذا العهد له مكانة خاصة يستحق طبعا كامل التقدير وما قام به الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم سواء في مكة أو بعد ذلك في المدينة، هو مثال نادر يستحق التأمل والاعتبار… وقد يستغرب القارئ عندما أقول أن كتب السيرة النبوية، وسيرة ابن هشام بالخصوص هي من النصوص التي أعود اليها باستمرار… تأكيدا لقيمة الرسول صلى الله عليه وسلم، الانسان والنبي صاحب الرسالة الانسانية النبيلة… والمثال والنموذج لكل من يؤمن بقضية ويسخّر لها حياته وكامل طاقاته… II) – عهد الصحابة: وقد كان عهد الخليفة أبي بكر مواصلة لترسيخ ما تحقق، ومواجهة حروب الردة التي كادت تقضي على ما تحقق لولا حزمه وصلابته ازاء هذه القضية. أما عهد الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب فهو الذي أكد تأسيس الدولة العربية والاسلامية بما عرف عن شخصية عمر، الفاروق، من صرامة وحسم وحزم وتحمل مسؤولية… أي الخصال الضرورية واللازمة لبناء الدولة واقامتها وخاصة في ظروف تتقاسمها عوامل وتجاذبات عديدة، منها الفتوحات، ومنها نوازع ومطامح العديد من الصحابة بمناسبة بروز مكاسب الغنائم والأراضي (الفلاحة…) والممتلكات الناجمة عن الفتوحات في الشام… والعراق… فشخصية عمر التي كانت معروفة بالشدة والغلظة زمن الجاهلية وبالمهابة والمكانة المتميزة لدى قريش، هي التي مثل دخولها للاسلام منعرجا حاسما في نصرة الدين الجديد. وما كان يتميز به من صرامة ومن صفات حاسمة هي التي كان لها التأثير الفاعل والمؤثر في توجيه الدولة الجديدة،والمجتمع الجديد. ولذلك فعندما نقول: ان عمر بن الخطاب لم يكن ديمقراطيا، فاننا نعني أن المنظومة الديمقراطية هي مفهوم غربي حديث لا يمكن أبدا أن يطلق على الخليفة عمر، وهذا ليس استنقاصا لمكانته ودوره أبدا بل انه من باب التجني القول بأن ابن الخطاب ديمقراطي لمجرد أنه قال: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وقال عنه المبعوث الفارسي عندما وجده نائما تحت شجرة يتوسد يده: « حكمت فعدلت فنمت ياعمر ». فمفهوم العدل والحرية في العهد العمري بل وفي العهد الاسلامي الأول ليس هو المفهوم السائد حاليا… في عهدنا هذا… وغيره من المفاهيم مثل مفهوم الاشتراكية، الذي لا يمكن اطلاقه في تلك المرحلة… وهو ما يدعونا الى الاستغراب عندما نجد عناوين مثل: «أبو ذر الغفاري الاشتراكي»… وهذا الاستغراب لا ينقص في شيء من قيمة الصحابي المتميز أبي ذر الغفاري المعروف بدفاعه عن الفقراء… وبمعارضته للأغنياء والسلطة في عهده مما جعل الخليفة عثمان بن عفان يعاقبه بنفيه… الى أن توفي على حال لا داعي للاشارة اليها. ان الخلافة الاسلامية شهدت ممارسات لا علاقة لها اطلاقا بالعدل بمفهومه القديم… فما بالك بمفهومه الحديث… وماذا نقول عن معركة الجمل بين علي وأنصاره وبين السيدة عائشة وأنصارها من الصحابة… نعم من الصحابة.. ومعركة صفين… واغتيال عثمان… وعلي… وما تلى ذلك من أحداث دموية… أما بعد مرحلة الخلفاء الراشدين فقد انقلبت الخلافة الى ملك عضوض حسب عبارة العلامة التونسي ابن خلدون. هذا هو التاريخ الاسلامي كما يرويه القدماء جميعهم دون استثناء. والعودة الى مصنفات هؤلاء ـ مثل الطبري ـ تمكن القارئ من الاطلاع على تفاصيل وأحداث وممارسات تتناقض تمام التناقض مع ما جاء به الدين الاسلامي الحنيف وما نص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة… وهو ما عبر عنه في كثير من الأحيان المؤرخون القدماء مع ما يصاحب ذلك من التصريح بمشاعر مؤلمة عند تعرضهم ووصفهم لأحداث مأسوية… III) – ولئن كان التاريخ الاسلامي مليئا بأساليب حكم بعيدة كل البعد عن العدل فقد صاحب ذلك معارضات دينية وسياسية واجهت الخلفاء والأمراء، قادها العديد من العلماء والفلاسفة والأدباء الذين تفخر بهم امتنا وثقافتنا… وقد تحملوا جراء مواقفهم الجريئة أبشع أنواع القمع والتعذيب… الى الاعدام… باسم الاسلام… أما الأغلبية الساحقة من «المثقفين العرب والمسلمين » (اقتباسا لعبارة الدكتور محمد عابد الجابري من كتاب له في هذا الموضوع ). فقد سايرت الواقع القائم بالمساندة والمدح شعرا ونثرا وبالتنظير لما كان يسمى بالآداب السلطانية. محاولات توفيقية… وتلفيقية على أن المتابعة لمسارات الفكر الاسلامي وكيفية تعامله مع هذا الاختلاف بين الاسلام والديمقراطية ـ باعتبارها مظهرا من مظاهر الحداثة ـ يلاحظ عديد المحاولات لتجاوز هذا المأزق وهذا الوضع الاشكالي. وقد برزت هذه المحاولات بالخصوص انطلاقا من القرن التاسع عشر ميلادي بما ذهب اليه الاصلاحيون العرب والمسلمون من الدعوة الى الاقتباس من الحضارة الغربية ما يتلاءم والشريعة والسعي الى التوفيق بين مقولات الحرية مثلا والعديد من المفاهيم المتعلقة بهذا المجال، وبين مفاهيم العدل والشورى كما جاءت في الاسلام. ولا شك أن المهتمين العرب والمسلمين بهذه القضايا الفكرية يعرفون مدى تشدد الفقهاء والعلماء المسلمين ومعارضتهم لمثل هذه المحاولات واتهام أصحابها بالكفر باعتبارهم يسعون الى ادخال مفاهيم غربية… وهي نفس المواقف التي يطلقها حاليا العديد من القيادات الاسلامية «المعاصرة». ان العلاقة بين «دار الاسلام» و«دار الكفر» عند هؤلاء هي المقابلة… والحرب. على أننا نلاحظ وجود محاولات أخرى فكرية يقوم بها قياديون اسلاميون يرومون من خلالها اثبات ايمانهم بالاختيار الديمقراطي المعاصر وأن هذا الاختيار لا يتناقض مع التصورات الاسلامية. لكن هؤلاء جميعا، وهم كثيرون ـ يختمون تحاليلهم النظرية ـ مع أهميتها ـ بعبارة «التلاؤم مع الشريعة الاسلامية» بصورة التعميم الذي يثير العديد من الأسئلة أكثر مما يقدم من الاجابات. أما «الديمقراطية الايرانية»، فالدستور الايراني يؤكد ولاية الفقيه ويعطي للامام خامنئي حاليا كامل الصلاحيات اذ هو فوق جميع المؤسسات «المنتخبة»… والتي هي  نفسها  تخضع في جميع مراحل اعدادها والقيام بها الى غربلة دقيقة يقوم رجال الدين والمرجعيات المعروفة في المذهب الشيعي. الادارة الأمريكية… و »الاسلام الديمقراطي » اضافة الى الموروث الثقافي والسياسي الذي يظهر حدة الاشكالية القائمة بين الاسلام والديمقراطية، برز عامل جديد خلال هذه المدة وهو سعي الادارة الأمريكية الحالية بتوجيه مباشر من «المحافظين الجدد» الى ما يطلقون عليه «الاسلام الديمقراطي» ونظرا الى أهمية هذه القضية بل الى خطورتها فاننا سنعود اليها في مقال تحليلي لاحق. ونكتفي في هذه المناسبة بالاشارة الى أن الجيل الجديد من هؤلاء المحافظين ـ المسيحيين الصهاينة ـ ومن خلال أبحاث نظرية وفكرية وسياسية معمقة دعا الادارة الأمريكية الحالية بقيادة جورج بوش الابن الى التعامل مع التنظيمات والمجموعات الاسلامية التي ترفض العنف وتتبنى العمل السياسي والأسلوب الديمقراطي. وفي هذا الاطار، تتوالى البحوث والدراسات… والندوات واللقاءات «الأمريكية والاسلامية»، وفي هذا الاطار أيضا يتبنى العديد من قيادات هذه الجمعيات والتنظيمات الدعوة الى التعامل مع الادارة الأمريكية الحالية والعمل «على ازالة الكراهية الشائعة في المجتمع العربي والاسلامي ضد هذه الادارة » (هكذا في النص)… ولا أعتقد أن هؤلاء ومن يساندهم أو يشاطرهم هذا الموقف من «تيارات ديمقراطية أخرى» لا يدركون أن الادارة الأمريكية الحالية لا تقوم بذلك تقديرا للاسلام، وانما لتغطية فضائعها وعدوانها على العراق وفلسطين… ومختلف مخططاتها ضد أمتنا العربية والاسلامية… الحاضر منها والقادم وهو أخطر. وخلاصة الأمر في هذا المجال، هو أن هذا التداخل الأمريكي الاسلامي يزيد من تعقيد الوضع لأبعاده الجديدة. اننا أما قضية يتداخل فيها: الامبريالية الأمريكية والاسلام والديمقراطية… وهو مزيج يحتاج الى تفكيك دقيق… قد نعود اليه لاحقا. ما العمل؟ ان التعامل مع هذا الواقع المعقد، على الأقل في طرفيه: الاسلام والديمقراطية، يفرض تجنب محاولات التلفيق وقد فشلت… والقيام بأبحاث أعمق ظهر البعض منها أخيرا في عدة أقطار عربية واسلامية… منها تونس… والمغرب… ولعل الموقف السائد هو في نظرنا ما يتبناه عدد من الباحثين منهم الدكتور عابد الجابري والذي يتمثل في ضرورة ترسيخ قيم الحداثة ومنها الديمقراطية وحقوق الانسان… ترسيخها في مجتمعاتنا مع العمل على تبيئتها وتوطينها وتأصيلها داخل المنظومة العربية والاسلامية. على أن هذه العملية التوطينية والتبييئية والتطورية لا يمكن أن تقتصر على جانبنا الحضاري فقط، بل لابد لها أن تعمق النظر في الطرف الثاني: القضية الديمقراطية نفسها. ذلك أن المتابع لما يدور في البلدان الغربية جمعيها في المجال الديمقراطي في مستوياته: النظرية والمؤسساتية والمجتمعية، ليلاحظ أن هذا المجال يعيش مخاضا ضمن التحولات العميقة التي يشهدها العالم حاليا… تحولات متسارعة تفرض علينا النظر في انعكاساتها على أمتنا العربية والاسلامية… وماذا ينبغي أن نفعل حتى نساهم في توجيه هذا المخاض… فاعلين فيه… عوض أن نبقى كما هو وضعنا حاليا… مجرد متفرجين مستهلكين… (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 9 أفريل 2006)

المحنة بحقوق الإنسـان فـي عصـر الإرهـاب (2 من 2)

بقلم: الدكتور المنجي الكعبي تنشر «الصباح» اليوم الجزء الثاني من رد الدكتور المنجي الكعبي على الحديث الذي كان أجراه الزميل صالح عطية مع رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان الدكتور الطيب البكوش ونشرته صحيفتنا بتاريخ 24 مارس الماضي والذي تركز خاصة على قضية الرسوم المسيئة للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. وكانت «الصباح» نشرت أمس (8 السبت أفريل 2006، التحرير) الجزء الأول من هذا الرد. 7 – نشر الثقافة الديمقراطية.. لا نفهم كيف يفهم رجل حقوقي، يقول إنه تأمل في تجارب الامم فرأى من راهنوا «على تنمية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على حساب الحقوق المدنية والسياسية» مخطئين. فمبلغ علمنا أن الحقوق كلّ متكاملٌ، وإنما توزيعها وتقسيمها هو أمر تفسيري وتحليلي وتنظيري فقط.. وأنها بمقياس ، كمقياس الحرارة، لكل حق منها، لا يمكن أن نرى بعضها تحت الصفر والحق الآخر فوق الصفر قليلا، والبقية درجات فوق المعدل العادي أو المطلوب.. وككل صاحب مسؤولية يتصور المثقف نفسه الرجل الذي لا غنى عنه لحركة الاشياء من حوله وربما دوران الارض من حوله!. وهكذا يركز لنا السيد الطيب البكوش على «أن نشر التعليم والتربية على حقوق الانسان مثلا من شروط الثقافة الديمقراطية»، أي ان الديمقراطية والسياسة الرشيدة تمر من معهده.. ولا بأس من ذلك، لولا هذه المساحة الواسعة التي منحها لمعهده لكي لا يرى الناس من حوله في الاحزاب والنقابات والجمعيات تنتج الاستبداد وتقاوم الاستبداد في الوقت نفسه! حسب عبارته.. ومع ذلك يصف هذه النقابات والجمعيات بالمستقلة !! وهذا يذكرنا بمقولة بعض الحقوقيين في المطالبة بالتربية من أجل الديمقراطية، ولا يكادون يلتفتون الى من يطالبون بديمقراطية التربية أولا، أي حق الآباء على سبيل الاولوية باختيار نوع التربية الذي يعطى لأولادهم، لا أن تتولى الدولة برغمهم تربية أبنائهم على حقوق – ولو على حقوق الانسان – تُفضي الى الاعتراف بحق الاستقواء بالاجنبي والتمييز في الحقوق بين انسان خصم وانسان موال والتراجع الوقتــي عنهــــــا في ظروف المجتمعات المضروبة بالاحتــــــلال وبالتهديـــد والعدوان وبمقولات التغيير في معنى السيادة وما الى ذلك.. 8- الذين خدموا «حمــاس» عــن وعــي وعن غير وعي !! كل الناس ينظرون لصعود « حماس » للسلطة على أنه ديمقراطية فلسطينية – فلسطينية أخّرت « فتح » وقدّمت « حماس » في الاصوات، ولكن السيد البكوش فاجأنا بكون النتيجة من حقها أن تكون عكسية! كيف؟ لأنه احتسب الاصوات التي خسرتها « فتح » بين المتنافسين من المترشحين من صفوفها. أي أنه يتأسف على غفلة الفتحاويين لأنه كان بإمكانهم تشكيل النتيجة قبل الانتخابات..عن طريق ادخال النسبية بدل القوائم والبرامج في العملية الديمقراطية.!! فإذا كانت « فتح » غير قادرة على ذلك تحت تأثير الشارع الفلسطيني ولهيب المقاومة تحت وقع القصف الاسرائيلي العشوائي على المخيمات والبلدات وعلى المارة والسيارات.. فكيف العمل ولم التأسف على وضع بعيد عن أراضينا أو التدخل في أمر يعيبنا التدخّل لتحويره بإرادة أجنبية عن مفاهيم أصحابه للديمقراطية ؟ ولا أفهم شخصيا كيف يفسر لنا كما يفسر الاوروبيون والامريكيون بأن « »حماس » استفادت من عقاب جزء من الناخبين لـ »فتح » نتيجة تناقص المصداقية والثقة في قيادتها.. فهل أدرانا لماذا إذن الديمقراطية ولماذا الانتخابات.. أم هو يتأسف على أصوات عقابية وضعتها « حماس » في جيبها للوصول الى السلطة.. فزيفت بذلك النتيجة !! ثم لماذا لا يرى التداول بين « فتح » و »حماس » على السلطة هو نتيجة منطقية للتحرك الاسرائيلـــــي باتجـــــاه اقتضاء المزيد من التنازلات عن الحقوق الدولية المقررة للفلسطينيين وفي ظل إجراءات قمعية واستيطانيـــة أكثر فأكثر استحواذا على الاراضي المحتلة؟.. وما الذي يسوّغ له أن يقول إن « حماس » «لم تدّخر جهدا لإفشال المفاوضات والاتفاقيات بين السلطة الفلسطينية واسرائيل» منذ اسلو الى الانتخابات الاخيرة ؟.. فهذا تدقيق واتهام غريب من رجل حقوقي.. والموقف غير ذلك الا بتقدير الامريكيين والاوروبيين.. وكان ينبغي أن يراه بالعين العربية الراعية لحقوق الفلسطينيين تحت مظلة من يكون من ممثليهم الشرعيين والحقيقيين. ولأنه أستاذ التوازن في المواقف، يقول إيه ولا في نفس الوقت، ولا يغضب هذا ولا يرضي ذلك، ويرفض لهذا ويرفض لذاك، ويخشى من المزالق.. ولذلك، وبعد أن لاحظ المعايب في تصرفات « حماس » يقول لنا «تماما كما أن حكام اسرائيل لم يفوّتوا فرصة لنسف الحلول السلمية، فخدموا « حماس » سياسيا عن وعي وعن غير وعي»، ولا نعجب لو تَبَلّغ حزبُ « أكاديما » بهذا التقديـــر لعملهم الحكومي في عهد شارون ثم في عهد نائبه أولمرت، أو لو شاع بمناسبة حملتهم الانتخابية الاخيرة لأشبعوه تكذيبا ونفيـــا.. ! وهنا نصل الى رأيه حول « الرأي العام العالمي العاجز » و »العالم العربي المغلوب على أمره » إزاء ارهاب الدولة الذي تمارسه اسرائيل بسبب « حماس ». نعم بسبب « حماس »، أما كيف ذلك؟ فيقول لنا السيد رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان:«إن حكام اسرائيل.. استغلوا مقاومتها لمزيد التصلب والرفض وممارسة ارهاب الدولــــة» ! إذن ما الحل أمام رأي عام دولي عاجز وعالم عربي مغلوب على أمره بتقديره ؟ الحل، «لا يرى بادرة تفاؤل من المنظور القريب بالنسبة الى القضية الفلسطينية ما دام الوضع العربي والدولي على ما هو عليه». ولنا أن نتفاءل على أية حال بكلمة « القريب » على لسانه.. ولكن المهم هو التساؤل كيف يكون التحول في الوضع الدولي والعربي دون أن تتدخل المقاومة لتحوّله الى جانبها.. هل هو وضع هنا وهناك ثابت أو قضية محسومة لا تشكّلها الا اسرائيل ؟ قطعا، لا. ولكنها الرؤى الغالبة التي تصنعها قوى الاعلام الاجنبية هي التي تُنطقنا بمنطقها دون وعي، وخاصة من قبل أولئك المثقفين المدعين المعرفة بالامور دون غيرهم، بحكم اتصالهم بمنابع الاعلام والثقافة الغربية وعدم التفاتهم للشارع العربي والمقاوم العربي.. ولا ينظرون للتغييرات على الميدان وكيف أن اسرائيل والفلسطينيين معًا انزاحوا عن مواقعهم الاصلية المتدابرة، وأصبحوا وجها لوجه، صوت المقاومة وصوت التفاوض.. يعلو هذا إذا خفت ذاك والعكس بالعكس، وإسرائيليون يذوقون اخلاء المستوطنات، وجدار عازل متحرك من الخوف، وخارطة طريق أكثر ضبابية، وضربة موجعة بضربة موجعة أو هدنة بهدنة، وكلٌّ يجري نحو هدفه الوهمي أو هدفه المأمول.. الى أن يؤلف الله بين الشعبين كما كانوا أو أفضل مما كانوا في سالف العصور. والمنظور الفلسطيني لا قريب ولا بعيد، ولكن يصنعه في يومه وغده النضال الفلسطيني، بكل ما هو مشروع دوليا للنضال من أجل مقاومة الغازي والمحتل.. وليس مغلوبًا من سلاحه الايمان بحقه ! والرأي العام يصنعه من يؤثر فيه أكثر بالنضال والتضحيات وصدق العزم وقوة الهمــة. 9 – الاسلام السياســي فـي الحاضـــر والتاريــــــخ ويرمي بالخلط مفهوم « الاسلام السياسي ».. ويكاد ينكره في السياسة تماما لولا أنه يتفطن في آخر حديثه ليستثنى المقاومة ويعتبر المشاعر الدينية عاملا مهما من عوامل الصمود في وجه الغاصب المحتل، ولا يرفع الدين الى مقام العامل الاهم أو الحاسم..، ويمنح الدين فقط رتبة المعاضد للمشاعر الوطنية والقومية لا المحرّك لها أو المؤثر فيها. وهذا تحليل يأباه التاريخ الاسلامي قديما وحديثا ولا أدرى الى اية أمة يشير حين يقول «ان تاريخ الامم يدل على أن هذا الخلط كان مفسدة للدين وللسياسة معا، وسببا هاما في استفحال عوامل الحروب والفتن.. إذا لبست عمامة الدين». وهذا فيه تمحل كثير على التاريخ، وخاصة تاريخ الفتوح، واستهجان غير مبرر لهيئات الناس وما يلبسون في حروبهم أو حياتهم العامة. وقبل أن تشيع كلمة السياسة في المجتمعات الاسلامية كان الدين بمعنى السياسة ولذلك يقال السياسة الشرعية. لان المعنى اللغوي في الدين هو الهدْي والاتجاه والمنهج والطريق والمنحى، والسياسة بذلك المعنى، وساس الناس أو قاد الناس أو دان بدين كذا أو دين فلان أي أذعن له وأسلم زمام قياده اليه.. لأن الانسان مدني بالطبع اي اجتماعي والدين كذلك. فليس للفرد دينه وحده يكون فيه القائد والمقود. والناس أحوج ما يكونون للقيادة ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه أو ما معناه :إذا كنتم ثلاثة فأمّروا عليكم أحدكم. والدين أمر ونهي والسياسة كذلك.. ولذلك يخطئ الاستاذ البكوش في قوله «الاسلام دين لا يستقيم وصفه بالسياسي». ويخطئ أكثر حين يحكم «بأن بعض الحركات السياسية تسعى الى احتكار الدين واستعماله سلاحا من أجل الحكم»، لأن هذا التقدير يخدم فقط غرض المتحلل من الدين أو العاجز عن استعمال سلاح يمتكله خصمه أفضل منه.. فأمريكا اليوم تمنع السلاح النووي عن غيرها فهل نتّهمها بأنها تسعى لاحتكاره من أجل الحكم؟ نعم تحتكره من أجل الهيمنة. وماذا في ذلك من عيب بمفهوم المنافسة على النفوذ. لكن العيب أن يعجز غيرها عن استعمال سلاح أقوى منه.. كالمقاومة الدينية في العراق أو في الاراضي المحتلة أو في جنوب لبنان أو في افغانستان أو في أية بقعة اخرى من العالم.. فإن سلاح الايمان لديها بقضيتها هو الاقوى والاكثر فاعلية على الارض.. وفي كل استعمال هناك تطرف، سواء للدين أو للعوامل الاخرى المساعدة على الحرب أو على المقاومة والصمود.. وهذا تقدير الخطأ فيه والمبالغة فيه راجع للمستعمل وليس راجعا للدين أو للقومية أو للوطنية. ومن هنا المنع في بعض الانظمة لاستخدام الدين في دولة دينها الاسلام واستخدام الحزبية على أساس عرقي في دولة لغتها العربية وانتماؤها عربي بالتاريخ والمصير.. ومنعه بالقانون كذلك لتبقى الدولة هي سيدة الموقف الديني والعربي حتى تُلجئ جميع الاطراف المدنية الى اقتداح عبقريتها في برامج تنموية عامة، لا تمييز فيها بين مواطن وآخر الا بالولاء للوطن وقوة الانتماء للهويــــة. لكن الاسقاطات الفجة بين الماضي والحاضر تحرّف أحيانا قراءة التاريخ لينطبق الشاهد على الغائب أو العكس بشكل اعتسافي.. فمن علّمه أن الفتنة الكبرى هي التي «زُرعت بذورها الاولى منذ اللحظة التي توفى الله فيها رسوله» حتى يتخذها عبرة للحاضر ؟! فالفتنة الكبرى أو ما سماه طه حسين رحمه الله على منوال المستشرقين بالفتنة الكبرى عرفت جذورها قبل وفاة النبيء وقبل قيام الاسلام بين العرب، وبين القبائل في المدينة وبين الانصار والمهاجرين، بسبب العصبية وما هو في معناها من السلطة والنفوذ والجاه وما الى ذلك. وهذا طبيعي وواقع في كل الامم قديما وحديثا، فمن يقول بأنه اليوم لا تمر فرنسا بفتنة من أجل التنافس على الرئاسة بعد عام.. فقط نسميها ثورة طلبة أو أحياء أو عقد شغل للشباب قابل للنقض بعد سنتين أو بعد عام كما يتجه التعديل به أو تعليقه، بعد تدخل رئيس الدولة في بيانه من أجله قبل يومين. والمعتقدات وضعية كانت أو دينية كلها حركت مسار التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لانها كانـــــت بمثابة الواعز والوازع والمحرك الفكري والثقافي.. ويستغرب المرء لمنطقِ يخوّل الدينَ للمقاومة ولا يخوّله للدولة حين يقول «مفهوم السياسة.. تعالج قضايا مادية أرضية وهي مصالح البشر وعلاقاتهم ومعاملاتهم الدنيوية اليومية القابلة للتطور والتغير في كل حين ومفهوم الدين يعالج قضايا روحية سماوية وهي علاقة البشر بالخالق».. وهذا درس غريب، أن يقدم الدين الاسلامي بهذا المفهوم للتلميذ أو يتحرك به مسؤول أعلى في معهد عربي حقوقي.. وأن تقدّم السياسة بهذه المناكرة والمباعدة والمغالقة بينها وبين الدين!.. والحال أن المحافظين الجدد في البيت الابيض وغيره وحزب انجيلا مركل وغيرهم في ألمانيا لا يتبرأون من الدين بهذه البراءة.. ونحن نلقي ظلال الشك على كل متدين أو مقاومة دينية بحجة الحداثة والتقدمية أو رهبة من امريكا، أو احتطابًا في حبل ودّها! وليكن رأيه هكذا في السياسة والديانة «منذ ربع قرن» وأنه ماكث عليه ولا يتحول عنه، أو كما قال «لم أر بعد ما يحملني على تغييره»، فهذا مما لا يُنتفع به كتوجيه سديد في التعليم، لان حقائق الامور في الحياة العملية ليست بهذا القدر من الثبات، وإلا تصبح من الاعتقاد الذي يناصب الاعتقاد الحق دوره ويجحده حقه في الثبات والديمومة. وكم في مجتمعاتنا من المفاهيم والرؤى التي يتبناها أصحابها في غفلة من آبائهم وعن غير تربية صحيحة فترسخ لديهم وقتا، وربما يدفع بهم نزق الشباب أو الاندفاع الجماعي بالعدوى الى إملائها على من دونهم أو تحت تأثيرهم للانطباع بها.. ثم تجد بعضهم يرتد عن تلك الافكار ويتأسف عن سالف عهده بحَمْل الناس عليها في دائرة تأثيره وربما حتى في أسرته القريبة.. كما حدث في تلك الاعترافات المثيرة على يد الراحل المرحوم الصديق المأسوف على فقده نور الدين بن خذر، في كتابة مشهورة كتبها بعد السابع من نوفمبر حين ظهرت بشائر عودة تونس الى محطيها الاسلامي والعربي.. وتوسطت بين تطرفين قديمين اليمين واليسار. *** وكنت أحب قبل أن اختم أن أوجه تحية للمعهد العربي لحقوق الانسان الذي تستضيف بلادنا مقرّه وتقدر دوره وتدعم نشاطه؛ وأحيي من ورائه داعميه الموقرين، كلاّ من المفوضية السامية لحقوق الانسان بالامم المتحدة واليونسكو واليونيسيف وصندوق الامم المتحدة الانمائي، وأحيي كذلك الهيئة العلمية ومجلس ادارته، متمنيا التسديد لخطاه والتوفيق لأعماله ولا أنسى أن أذكّر هنا تنويها بتقديره أنه، وببالغ الحبور لنا، تحصّل بدعم من مركز الامم المتحدة لحقوق الانسان على جائزة اليونسكو الدولية لتدريس حقوق الانسان، وحظي حتى الآن بصفة منظمة غير حكومية مرتبطة بإدارة الاعلام في الامم المتحدة، والصفة الاستشارية الخاصة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للامم المتحدة، وصفة منظمة غير حكومية ذات علاقة رسمية استشارية لدى اليونسكو.. وملاحظ لدى المنظمة الدولية للفرنكوفونية، ومراقب لدى اللجنة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب.. وصفة مراقب لدى اللجنة العربية الدائمة لحقوق الانسان. .. محييا في الوقت نفسه رئيسه الصديق الدكتور الطيب البكوش، الذي لا تجحد أهليته وكفايته الحقوقية والنقابية والنضالية، ولا تتخلف سعة صدره بحرية النقاش وروح المبادرة بالرد والتعليق. وقد أكون وأنا أناقش الأفكار جرحت مشاعره هو أو غيره ، فليعذر لمعتذر ، لأن صلة الكلام بين الواضع والموضوع لا تسلم من التداخل . 10 – حكومة الدانمارك محقّة ! ولكن قبل أن نختم ليس على غير وتيرة الرسومات الكاركاتورية كما بدأنا، نلاحظ لمعهده الموقر أن الندوة التي أشرنا اليها، في طالعة حديثنا، والتي استوفى فيها البكوش أفكاره هذه وغيرها كان ينبغي أن تولي لمقام العقيدة الى جانب حرية التعبير ما تستحقه في مناخ تونسي سليم. فالتعبير في عنوانها «بحرية التعبير واحترام المقدس» غير مشتق الا في جانب منه من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، حيث المعنى هناك حماية المقدس وليس احترامه وحسب.. فللمقدس حرمة كما هو معلوم ولذلك يجري التعبير الشائع في أدبياتنا الاسلامية بتونس باتجاه حماية المعتقد وفي معناه الدين، ونقول الدولة تحمي حمى الدين. فالحريات تحترم ولكن المعتقد من حيث حرمته يُحمــــــــــى . ونصوص حقوق الانسان تنطق بذلك لا محالة. وموضوعنا في هذه الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في المادة 7 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لا المادة 19 حصرًا التي اشار اليها البكوش . تقول المادة 7 : «الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الاعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز». وتلك الرسومات انتهكت هذا الاعلان بالتحريض على معتقدات الآخرين، ولم يتمتع المسلمون المتقاضون لدى مملكة الدانمارك بسبب هذه الرسومات بالحماية المقررة لهم في القانون من جانب حكومتها. أي أن الموضوع كله ليس حرية التعبير بالرسومات أو بغيرهـــا، بل حماية المعتقد من التمييز الديني والتعصب والتحريض.. ونقصد بغيرها المادة 30 في الاعلان العالمي نفسه لحقوق الانسان وهي التالية: «ليس في هذا الاعلان أي نص يجوز تأويله على نحو يفيد انطواءه على تخويل أية دولة أو جماعة أو أي فرد أي حق في القيام بأي نشاط أو بأي فعل يهدف الى هدم أي من الحقوق والحريات المنصوص عليها فيه.». وتلك الرسومات الساخرة ،  كما لا يخفي عن عين ، الا عن عين جهول أو متحامل، هتَكتْ أو هدمت الحق في حماية معتقد المسلمين. وحكومة الدانمارك بتصرفها، كأنها خوّلت في قوانينها أو أوّلـــــتْ ما يفيد انطواءها على التخويل لرسام الكاريكاتور المعني بالامر حق القيام بنشاط يهدف الى هدم حق المسلمين الدانماركيين وغيرهم في حماية دينهم وعدم السخرية بنبيهم الكريم. ولذلك فحكومة الدانمارك الموقرة ليست محقّة بعكس ما جاء على لسان السيد رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان، في التغطية التي كتبتها آمال موسى عن تلك الندوة في جريدة الصباح، والتي جاء ما يفيد معناها في هذا الحديث له مع محاوره صالح عطية، من الجريدة نفسها. تونس في 1/4/2006 (المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 9 أفريل 2006)

الإسلام السياسي بين البراغماتية والأيديولوجية

علي بدوان (*)

 

لم تكن حركات وأحزاب الاسلام السياسي في المنطقة العربية على درجة من النضج وحسن التجربة لتدير تحالفات متوازنة في البلدان التي أتيح لها فيها المشاركة في الانتخابات البرلمانية، اللهم سوى الحالة السورية في سنوات الاستقلال الأولى عندما أستطاع المراقب العام آنذاك الشيخ مصطفى السباعي أن يخطو خطوات معقولة في تكريس منطق التحالف الانتخابي مع أطياف أيديولوجية مختلفة في الشارع السوري، متجاوزاً حالة «التزمّت الأيديولوجي» لصالح «التعايش» والبراغماتية السياسية وتوسيع الفضاء السياسي أمام حركة الاسلام السياسي، إلا أن التجربة لم تلبث أن لفظت أنفاسها بعد رحيل الشيخ السباعي، وبعد قيام الوحدة وحصول القطيعة بين النظام الناصري والحركة الاخوانية.

 

وفي الظرف الراهن، للمرة الأولى في التاريخ العربي المعاصر، يجلس ممثلو الجناح الاسلامي السياسي في الموقع القيادي تحت قبة البرلمان باعتبارهم الكتلة الأولى من حيث العضوية، بعدما فازت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وتصدرت الموقع القيادي الفلسطيني في الداخل بعد سنوات طويلة من القيادة المباشرة لقوى وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وتحديداً حركة فتح.

 

فالصعود الديموقراطي للجناح السياسي الاسلامي في فلسطين، وارتقاء حماس الى الموقع القيادي المتنفذ، وضع حركة الاسلام السياسي العربية أمام اختبار «النجاح من عدمه» وهو بالطبع اختبار قاس، في ظل تجارب عديدة لقوى ومشارب أيديولوجية عربية مختلفة تم وأدها في مهدها، ولم تستطع أن تنطلق قاطرتها نحو اشتقاق تجربة جديدة ومغايرة للواقع القائم.

 

وبكل وضوح وشفافية، فإن تيار الاسلام السياسي في فلسطين على محك القيادة المسؤولة للمرة الاولى بعد مشوار طويل قطعته الحركة الاسلامية في فلسطين والبلدان العربية وهي جالسة على مقاعد المعارضة من دون أن تحترق أصابعها بنيران السلطة باستحقاقاتها ومثالبها في عالم يموج بالمتغيرات. وانطلاقاً من هذا المعطى، فإن حركة حماس مطالبة بضرورة أخذ الوقائع في الاعتبار، والا فإن مصير حركة العمل السياسي الفلسطيني، بما فيها حركة الاسلام السياسي ستكون مغلقةً، وستصطدم بالجدار الدولي.

 

الاسلام السياسي في فلسطين أمام تجربة هي الأولى في الحالة العربية بشكل عام، ويتوقف على حركته وامكانية عبوره طريق النجاح النسبي مآلات حركة الاسلام السياسي المعتدل في المنطقة العربية بأسرها لسنوات قادمة، وفي هذا المقام فان المزج النسبي والمزاوجة بين الأيديولوجي والسياسي ضرورة لا غنى عنها أمام امتحان النجاح لحركة حماس في الساحة الفلسطينية.

 

ان فتح النوافذ أمام الاسلام السياسي في فلسطين، وتحديداً أمام حركة حماس، يتطلب منها الانتقال من موقع البعيد عن الاطار التمثيلي الأوسع للشعب الفلسطيني، والمقصود منظمة التحرير الفلسطينية، لصالح الاندماج تحت مظلتها الائتلافية باعتبارها المرجعية الشاملة لكل الفلسطينيين في الداخل والشتات، والطرف المسؤول عنهم في نهاية المطاف. فالسلطة الوطنية الفلسطينية جزء من منظمة التحرير الفلسطينية، وتحت قيادتها. وانضواء حركة حماس داخل أطر ومؤسسات منظمة التحرير سيعطيها دفقاً جديداً مؤثراً، يغذي تجربتها في ظل ارتقائها مواقع المسؤولية في السلطة الوطنية الفلسطينية. ويوفر للاسلام السياسي الفلسطيني سبل النجاح في اطار قاعدة «اللعبة الديموقراطية» التي توافق عليها الفلسطينيون.

 

(*) كاتب فلسطيني – دمشق.  

(المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 8 أفريل 2006)


Home – Accueil الرئيسية

أعداد أخرى مُتاحة

Langue / لغة

Sélectionnez la langue dans laquelle vous souhaitez lire les articles du site.

حدد اللغة التي تريد قراءة المنشورات بها على موقع الويب.