TUNISNEWS
7 ème année, N° 2288 du 27.08.2006
الحزب الديمقراطي التقدمي- جامعة بنزرت: بيــــــان الصباح:الحـزب الاجتماعـي التحـرري:ثابت يتمسك بشروط المصالحة وبن عافية يقدم أولى المبادرات الشروق:خاص: كامل التفاصيل حول تيسير اجراءات الطعن بالتعقيب وحق «المتهم» في حضور محاميه في مرحلة التحقيق الشروق: إذاعة « تونس بلادي »: مساحة بث في تونس… والإشهار ممنوع! أي أر تي: الفيفا ترفض الاعتراف برئيس الاتحاد التونسي عبدالباقي خليفة: أكاذيب النظام التونسي وزبانيته
رســـالة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي رقم 10 سقوط الحاجز النفسي والدخول إلى التاريخ من جديد الحبيب أبو وليد المكني: هل يكون حزب التحرير مسؤولا عن المحاولة الإرهابية الفاشلة ؟ نصر الدين بن حديد: الاندحار العسكري الصهيوني – هل كان شارون على حقّ؟؟؟؟ راشد الغنوشي: تبدع شعوبنا كلما تخففت من وطأة الدولة برهان بسيّس: أفكـــار النقـــاش محمد حداد : التحليل السياسي والفتوى الطائفيّة الصباح: حوار مع يوسف الصدّيق – عن أيّة عقل نتحدث عندما تضربنا إسرائيل؟ البحري العرفاوي: يوسف الصدّيق والمخاتلة الدينيّة ! السيد ولد أباه:الولاء: للعقيدة أم للوطن؟ مصطفى اللباد :الكلّ ينتظر موعد أول أيلول (سبتمبر) … «الكومنترن الإيراني» يعزّز حضوره الإقليمي بعد الحرب على لبنان الصباح: جنرال في الجيش اللبناني لـ«الصّباح»:«حزب اللّه» لن يكون قادرا على خوض حرب أخرى مع إسرائيل قبل عامين الحياة: المغرب والإرهاب الحياة:أمير «الجماعة السلفية» يسحب دعمه للمبادرة الرئاسية ومصير «التائبين» بيد بوتفليقة … الحياة:مصر: جماعة «الإخوان» تتهم السلطات بـ «سياسة عدوانية» الجزيرة.نت: فيصل مولوي: نرفض نزع سلاح حزب الله والمقاومة ضرورية
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
لمشاهدة الشريط الإستثنائي الذي أعدته « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين »
حول المأساة الفظيعة للمساجين السياسيين وعائلاتهم في تونس، إضغط على الوصلة التالية:
الحزب الديمقراطي التقدمي
جامعة بنزرت
بنزرت في 26-08-2006
بيــــــان
تتابع جامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي بانشغال بالغ حالة السجين السياسي السيد طارق الحجام المقيم في إيطاليا و أصيل عوسجة من ولاية بنزرت و الموقوف بالسجن المدني بتونس منذ 24 مارس 2006 بعد ما سلمته السلطات الإيطالية إلى السلطات التونسية على إثر مشاركته في حرب البوسنة مما خلف له إعاقة دائمة جعلته عاجزا تماما عن القيام بشؤونه الخاصة وقد سبق أن صدر حكم غيابي بعشر سنوات ضده سنة 1999 بتهمة المشاركة في هذه الحرب .
وأكدت التقارير الطبية المشخصة لحالة السجين طارق الحجام انه يعاني من أمراض نفسية حادة ينتج عنها فقدان التوازن و حالات من الهذيان مرفقة بنوبات صرع وقد منحته المصالح الطبية بإيطاليا إقرارا بسقوط نسبته %100 .
و نظرا لخطورة الحالة الصحية و النفسية للمعتقل طارق الحجام فإن جامعة بنزرت للحزب الديمقراطي التقدمي:
– تدعو إلي إيقاف محاكمته و إطلاق سراحه.
– تطالب السلطات بتوفير العلاج المناسب له.
– تناشد المنظمات الحقوقية والإنسانية والمدافعة عن المعوقين مراسلة السلطات التونسية للإفراج عنه.
عن الهيئة
الكاتب العام: مراد حجي
قالوا… كلمات مسطورة
اليوم الحركات الإسلامية تقدم أولوية وتؤخر أخرى وأنا طبعا لا ألوم الحركات الإسلامية فقد ضُربت في 1954 وفي الستينيات وضُربت في كل مكان وآخرها عندكم في الدول المغاربية.. الهاشمي مكي في تونس يخرج بعد عشرات من السنين لا يتكلم ولا يبصر ويموت بين يدي زوجته رحمه الله ميتة والله يبكي عليها الوحش فضلا عن الإنسان.. فلذلك الإسلاميون مظلومون أخي.. لكن ينبغي عليهم أن يمتلكوا الشجاعة ويتقدموا للجماهير.
سعود الهاشمي/ أكاديمي وباحث سعودي
فى برنامج « الشريعة والحياة » على قناة الجزيرة – تاريخ بث الحلقة 6/8/2006
تحية الأخوة و السلام
إخوتي في تونس نيوز تابعت مثل غيري من القراء نبأ تعرض نشريتنا الالكترونية الرائدة إلى عملية القرصنة التي نعرف مدبريها و لكن نحسب أنها لن تزيدكم إلا الإصرار على المضي قدما في القيام بواجبكم الإعلامي النبيل.
و لا يسعني إلا التضامن معكم و الدعاء لكم بالنجاح و التوفيق
أخوكم حبيب أبو وليد المكني
الحـــــــزب الاجتماعــــــي التحـــــرري:
ثابت يتمسك بشروط المصالحة وبن عافية يقدم أولى المبادرات
تونس – الصباح: جدد السيد المنذر ثابت الذي صعد للامانة العامة للحزب الاجتماعي التحرري في منتصف جويلية الماضي لــ«الصباح» تمسكه بالشروط التي وضعها قصد المصالحة المطروحة مع عدد من التحرريين والمتمثلة اساسا في تقديم كل من يرغب في المصالحة والعودة لهياكل الحزب تقييما ذاتيا لمسيرته سواء وهو داخل الحزب او خارجه وعلى ان يوضح فيه كل واحد مدى اضافته للتحرري ورؤيته المستقبلية له. تفاعلات… وقد قال ثابت لــ«الصباح» «لسنا مستعدين للمصالحة مع من تورطوا في ممارسات سابقة اضرت بالحزب وخصوصا باموره المالية… ونحن على استعداد لقبول الحوار مع كل من يختلف معنا في أفكاره السياسية بشرط ان لا يكون متورطا في مثل تلك الممارسات التي يعرفها اصحابها»… واضاف قائلا «انني مستعد للحوار مع كل من يرغب فعلا في الاصلاح دون البحث عن المواقع صلب الحزب ودون الدخول في مهاترات مفادها القدح في شرعية القيادة الجديدة التي صعدت اثر مؤتمر استثنائي يتوجب احترام مقرراته لانه منطلق جدي للاصلاح الفعلي للحزب فهذا المكتب السياسي الجديد هو عبارة عن لجنة انقاذ للتحرري».. وتفاعلا مع ما طرحه ثابت قدم السيد الهادي بن عافية (عضو مكتب سياسي سابق ودخل للتحرري منذ السنة الاولى لتاسيسه 1988) تقييما في هذا الصدد تحصلت «الصباح» على نسخة منه.. وجاء فيه بخصوص الأمور المالية للحزب قوله: «لقد ساهمت في تمويل الحزب من اموالي الخاصة في عدة مناسبات عندما كان الحزب لا يشمله التمويل القانوني (بشهادة رئيسه السابق وامينه للمال انذاك السيد المنجي الخماسي وكذلك السيد العربي بن علي)… ولم اتمتع ولو بمليم واحد من اموال الحزب الذي شمله التمويل القانوني بداية من شهر مارس 2000.. وقد تم تجميدي قبل حصول الحزب على القسط الاول من التمويل وذلك بسبب اعتراضي على اسناد منحة شهرية قارة لاعضاء المكتب السياسي المنبثق عن مؤتمر فيفري 1999.. وبقي الحال هكذا حتى مارس2006 تاريخ استدعائي من طرف رئيس الحزب السابق وتكليفي بمهمة مستشار لديه، مكلف بالاعلام مع ثلاثة زملاء اخرين..» انتظارات.. وتساؤلات وفي انتظار ما سيتمخض من – نتائج – عن اولى هذه التفاعلات ستتجه الاهتمامات الى مدى التجاوب الفعلي للمنذر ثابت ومن معه مع هذه المبادرات سواء فيما يتعلق بالهادي بن عافية او بعدد من اطارات التحرري الذين بقوا خارج التركيبة الحالية للقيادة الجديدة وذلك على غرار السيدين جميل السعيدي ممثل التحرري في مجلس النواب وحسني لحمر الكاتب العام السابق للحزب.. ويبدو ان عملية المصالحة المطروحة بقيت بين اخذ ورد صلب مختلف اعضاء القيادة الجديدة وكذلك فيما بينها وبين عدد من التحرريين اصبحوا خارج هياكل الحزب التي يتم الاستعداد لتركيزها وذلك على غرار الجامعات الجهوية التي مازال الحزب يفتقدها واضحت تمثل محل تساؤلات شأنها في ذلك شأن مدى توفق ثابت بالتركيبة الحالية للمكتب السياسي في تجسيم اصلاح فعلي ومصالحة جدية مازالا لم يتحققا في التحرري منذ سنوات، لطفي بن صالح (المصدر: جريدة « الصباح » التونسية الصادرة يوم 27 أوت 2006)
خاص:
كامل التفاصيل حول تيسير اجراءات الطعن بالتعقيب وحق «المتهم» في حضور محاميه في مرحلة التحقيق
* تونس ـ الشروق
علمت «الشروق» أن المنظومة العدلية ستشهد اضافتين هامتين خلال الفترة القليلة القادمة وتأكد لـ»الشروق» أن المشرع قطع خطوات عملية في اتجاه مزيد تبسيط اجراءات الطعن بالتعقيب ومزيد تأكيد حقوق المظنون فيه أثناء مرحلة التحقيق.
وبحكم نصوص قانونية جديدة ستعرض على مجلس النواب مع مفتتح السنة البرلمانية الجديدة للمصادقة النهائية فإن الطعن بالتعقيب يرفع لدى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه وهو ما ييسر اجراءات الطعن بالتعقيب ويسهل عمل المحامين ويدعم حقوق المتقاضين.
يذكر أن أحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية أن يرفع الطعن فيها لدى كتابة محكمة التعقيب بواسطة محام لدى التعقيب غير أن هذه الطريقة أفرزت عدة صعوبات من أبرزها ان قصر رفع الطعن على كتابة محكمة التعقيب يفرض على المحامين المنتصبين داخل الجمهورية التنقل الى العاصمة من أجل اتمام اجراءات الطعن بالتعقيب بما يتسبب في ضياع للوقت والجهد والأموال خاصة اذا كان الحكم المطعون فيه صادرا عن محكمة بعيدة عن العاصمة بالاضافة الى أن بعد المسافة في أغلب الأحيان بين المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ومحكمة التعقيب دفع بالمحامين الى تكليف زملائهم في العاصمة بايداع عرائض الطعن بالتعقيب نيابة عنهم وقد نتج عن هذه الطريقة أحيانا بعض المساوىء خاصة اذا سها المحامي المناب عن القيام بايداع عريضة الطعن في الآجال المحددة لها وهو ما يترتب عنه آثار وخيمة تلحق بحقوق المتقاضين مع أن قصر الطعن بالتعقيب لدى كتابة محكمة التعقيب دون سواها من شأنه أن يخلق تفاوتا بين الطاعنين بحسب مكان تواجدهم فالطاعن المتواجد بالعاصمة مثلا يتمتع بأجل الطعن بالتعقيب كاملا في حين أن الطاعن المتواجد في منطقة بعيدة لا يتمتع واقعيا بنفس الأجل باعتبار احتساب وقت التنقل إلى العاصمة.
ولضمان نجاعة تنفيذ الاجراء الجديد أقر المشرّع الزام كاتب المحكمة الذي تلقى مطلب التعقيب بأن يعلم فورا كاتب محكمة التعقيب باحدى الوسائل التي تترك أثرا كتابيا بتلقي المطلب ثم يوجه اليه ملف القضية.
وحفاظا على تناسق اجراءات الطعن حماية لمصالح المتقاضين تضمن مشروع القانون أن الاجراءات اللاحقة لتقديم عريضة الطعن والواردة بمجلة المرافعات المدنية والتجارية المتعلقة بمحتوى عريضة الطعن أو الأجال المعتمدة فيها تبقى دون تغيير وتتم بكتابة محكمة التعقيب.
وتواصلا مع ما شهدته المنظمة الجزائية من تطور في اتجاه ايجاد المزيد من الضمانات وتأكيدا لحقوق المظنون فيه أثناء التحقيق تضمن مشروع قانوني جديد اقرار حق المظنون فيه في اختيار محام للحضور معه لدى مأمور الضابطة العدلية المكلف بموجب انابة من قاضي التحقيق.
وعلى هذا الأساس تضمن المشروع الجديد تنقيح أحكام الفصل 57 من مجلة الاجراءات الجزائية وذلك باضافة فقرتين جديدتين تكرسان حق المظنون فيه في اختيار محام للحضور معه لدى الباحث المناب وفي ذلك تدعيم لحقوق المظنون فيه في هذا الطور كما نظم المشروع الاجراءات الواجب اتباعها لضمان الحق وتتمثل في اعلام ذي الشبهة بهذا الحق واعلام محاميه بموعد البحث وعدم امكانية اجراء البحث الا بحضوره ما لم يعدل المظنون فيه عن اختيار المحامي صراحة أو يتخلف المحامي عن الحضور بالموعد المنصوص على كل تلك الاجراءات بالمحضر. خالد الحداد (المصدر: صحيفة « الشروق » التونسية الصادرة يوم 27 أوت 2006)
إذاعة « تونس بلادي »:
مساحة بث في تونس… والإشهار ممنوع!
* تونس «الشروق»: إذاعة «تونس بلادي» تجربة تونسية في قلب الكيباك بكندا انطلقت في 21 مارس 2005 بمناسبة عيد الشباب هذه الإذاعة الخاصة التي بعثها الإعلامي التونسي فوزي عبد الكافي في كندا يمكن التقاط بثّها عبر الانترنات في كل مكان من العالم وهي تبث 24 ساعة على 24 ساعة وبرامجها تهدف أساسا إلى التعريف بتونس واللغة الفرنسية هي المعتمدة في البث.
هذه الإذاعة أعدت شبكة جديدة ستنطلق في شهر سبتمبر وهدفها استقطاب السياح والطلبة الأجانب للدراسة في تونس والتعريف بالتجربة التونسية في التنمية البشرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتحديث والحركية الثقافية من خلال التعريف بالفنانين والمبدعين التونسيين.
البث في تونس
بعد عام وبعض أشهر على ولادة هذه الإذاعة أراد السيد فوزي عبد الكافي تطوير هذه التجربة من خلال الربط المباشر مع إذاعة تونس الدولية في مساحة بث تمتد على ساعتين وقال السيد فوزي عبد الكافي لـ»الشروق» إن المفاوضات جارية الآن مع الإدارة العامة لمؤسسة الإذاعة والتلفزة للاتفاق حول الصيغة النهائية للبث المشترك. وأكد صاحب هذه الإذاعة أن الهدف الأساسي الآن هو الدخول إلى حياة التونسي بعد أن نجحت الإذاعة في أن تكون حاضرة في حياة التونسيين في المهجر الأوروبي وتحتل فرنسا المرتبة الأولى في عدد مستمعي هذه الإذاعة الشابة إضافة إلى ألمانيا وروسيا وإيطاليا. ويعمل في هذه الإذاعة فريق عمل من ستة عناصر كلّهم متطوعون من الطلبة المؤمنين بدور الإذاعة في تقديم خطاب إعلامي تونسي انطلاقا من الكيباك إلى كل العالم. نور الدين بالطيب (المصدر: صحيفة « الشروق » التونسية الصادرة يوم 27 أوت 2006)
شيكات دون رصيد .. تسجن تونسيا نصف قرن !
أصدرت محكمة تونسية عقوبة السجن لمدة 470 عاما ضد رجل أعمال مزيف لم يتجاوز الـ40 من العمر بعد أن ورط نفسه في إصدار عدد كبير من الشيكات دون رصيد .
وقالت صحيفة « الصباح » إن هذه ثاني أطول عقوبة بالسجن في تاريخ البلاد بعد حكم صدر منذ سنوات بحبس رجل لمدة 950 عاما بعد إدانته في جرائم لم توضح الصحيفة طبيعتها .
وقالت الصحيفة إن المحكمة تلقت بعد إيداع رجل الأعمال المزيف السجن المدني ببنزرت « 60 كم شمال شرق العاصمة التونسية » ثماني قضايا جديدة ضده مما قد يزيد فترة حبسه الإجمالية إلى أكثر من 500 عام .
(المصدر: صحيفة الراية القطرية الصادرة يوم 27 أوت 2006)
الفيفا ترفض الاعتراف برئيس الاتحاد التونسي
هيثم صبري
رفض جوزيف بلاتر، رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم « الفيفا »، الاعتراف رسمياً بالرئيس الجديد للاتحاد التونسي لكرة القدم على لبيض الذي تم تعيينه في العاشر من أغسطس الجاري بدلاً من لحمودة بن عمار الذي قدم استقالته.
بعث الفيفا برسالة خاصة للاتحاد التونسي يبلغه بعدم الاعتراف بعلى لبيض، بسبب تعيينه من قبل الاتحاد، في حين أن قانون الاتحادات يؤكد ضرورة انتخاب الرئيس وليس تعيينه.
وكان وزير الرياضة التونسي عبد الله الكعبي قد عين على لبيض وأربعة أعضاء آخرين في حين تم انتخاب باقي الأعضاء من قبل الجمعية العمومية.
(المصدر: موقع تلفزيون أي أر تي، بتاريخ 27 أوت 2006)
الرابط: http://82.201.143.69/artsportstv/Arabic/News.asp?NewsID=199949
أكاذيب النظام التونسي وزبانيته
» لست بالخبّ ولا الخبّ يخدعني » عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عبدالباقي خليفة (*) لم أشارك منذ فترة طويلة في النشاط الاعلامي على الساحة الوطنية ، وذلك بقصد التوقف قليلا ، والوقوف على الربوة ، لعلي أخلص إلى موقف نهائي في كيفية التعاطي مع الشأن السياسي ، والتعامل مع نظام ميكافيلي أمعن في إخفاء جرائمه ،وأدمن على صالونات التجميل والحلاقة ، التي اتخذت اشكالا مختلفة بما فيها البرامج التلفزيونية الخارجية المدوفعة الأجر. وقد تبين لي أن الاستسلام واليأس وإلقاء القلم ورفع اليد هو ما يريده النظام من المعارضة، ولا سيما من يساهم في خدمة قضية بلده اعلاميا . لقد أعدت قراءة الاحداث والمواقف التي ظهرت في المدة الأخيرة ، بل قصص وذكريات كثيرة ، اختلطت مع بعضها البعض ،تراثية وسياسية وفلسفية واجتماعية ،منها ما هو جدي ومنها ما هو هزلي . كان أكثرها تراجيدية تلك التي لا ترى أي فائدة من الكتابة ، أو بوصف أحد المتساقطين بتعبير فتحي يكن » لا تصل إلى آذانهم » أما أكثرها هزلية فهي التي ذكرتني بذلك الموقف التراثي الذي وجد فيه ( أحد الغيورين ) نفسه مندفعا لقطع شجرة تعبد من دون الله ، وعندما وصل إلى المكان ظهر له الشيطان في شكل رجل ضخم يدافع عن تلك الشجرة ، ولم يكن له بد من مصارعته وقد تمكن من الانتصار عليه ، وعندما هم بقطع الشجرة أغراه الشيطان بالمال و(تسوية وضعيته ) في حال تراجع عن قراره بقطع الشجرة ، فضعف المسكين أمام الاغراء ، لا سيما وأن آخرين تحسنت أوضاعهم من خلال صفقات مماثلة ، ووافق على أن يجد في كل صباح دينارا تحت مخدته ، لكنه لم يحصد سوى فساد النية وشعر بأنه خدع ، وعزم على قطع الشجرة من جديد ، بيد أنه هزم في مواجهته للشيطان هذه المرة ، ولما سأله عن سبب انتصاره في المرة الاولى وهزيمته في المرة الثانية قال له الشيطان « لقد كان غضبك في الاولى لله ، أما غضبك هذه المرة فلنفسك ولذلك انتصرت في الاولى وهزمتك في الثانية « . كان ما جرى في لبنان مادة للكثير من الكتبة والقولجية ، ولا سيما ممن انتدبوا لاختراق الاتجاه العروبي والاسلامي ، فكما للنظام اشخاص يكلفهم باختراق التنظيمات والتجمعات السياسية ، باتخاذ مواقف تبدو ضده ، هناك أشخاص معنيون بالمزايدات على العروبيين والاسلاميين في برامج معينة ، وصحف معينة ، لكن سقطات أقلامهم وألسنتهم بل نظراتهم وايماءاتهم تفضحهم دائما . مثل قول أحدهم وهو ينتقد الموقف الصهيوني من اعتقال المسئولين الفلسطينيين » يلتقطهم من الشوارع كالقطط » وهو تعبير ينم عن حقد دفين وعداء منقطع النظيرللضحايا . أو قول آخر وهو يحاول أن يظهر نفسه بمظهر المدافع عن حزب الله وانتصاره مقابل هزيمة اسرائيل » اسرائيل وأميركا لن تتركا حزب الله » ويكرر ذلك كمن يتلبسه أمل طال انتظاره . أما موقف النظام التونسي من كل ذلك ، فيمثل فضيحة بكل المقاييس . ففي بداية العدوان أعلنت أبواق النظام عن حملة لجمع التبرعات ، وحملة للتبرع بالدم ، ولكننا لم نسمع أن قطرة دم واحدة أرسلت للبنان لا أثناء النزيف و لا بعده . لم نسمع بأي مبلغ مالي تم تحويله إلى لبنان لا أثناء العدوان و لا بعده وإنما كان هناك خبر فضيحة هو ارسال 15 طنا من المواد الغذائية للبنان بعد أسبوع من وقف القتال . وبالمقابل رأينا الدول التي كانت فعلا لها موقف مساند للبنان تقيم حملات للتبرع على التلفزيون مباشرة و تعلن حجم التبرعات أولا بأول و لم نشاهد أي من ذلك في وسائل الاعلام الرسمية . فهل كان ذلك شعارات للمزايدة والمتاجرة السياسية الرخيصة ، أم أن الشعب لا يثق بنظام أدمن سرقة مقدرات الشعب و الاستئثار بها ؟ . اعتقاد الكثيرين ، الاثنين معا . في أثناء العدوان أقام عدد من الرؤساء ووزراء الخارجية مؤتمرات صحافية تحدثوا فيها عن مواقفهم ، الايجابية و السلبية ، على اختلاف التقديرات ، هل عقد بن علي مؤتمرا صحافيا واحدا أو حتى وزير خارجيته ؟ بل لم يتم اجراء أي اتصال مع الرئيس لحود أو رئيس الوزراء السنيورة . هل أجرى الرئيس بن علي اتصالات مع الرئيس بوش والعزيز ألمرت يطابهما فيه بوقف العدوان لا سيما و أن الابواق تشيد في كل مناسبة و غير مناسبة بالثقة المتبادلة بين الطرفين ؟ هل أدان تزويد أميركا لاسرائيل بالاسلحة ؟ هل دعا إلى وقف اطلاق النار فورا في موقف صريح بعيدا عن عبارة تونس تدعو المجتمع الدولي و ما إلى ذلك ؟ هل يمكن مقارنة الموقف التونسي مما حصل في لبنان بموقف الرئيس الفنزويلي تشافيز أو رئيس وزراء عبدالله بدوي في ماليزيا أو رئيس وزراء تركيا رجب طيب أوردوغان ؟ . لماذا دعا بن علي لعقد مؤتمر قمة عربية بعد العدوان وليس أثناءه ، وليس لديه برنامج لهذه القمة ،وهو ما قاله الرئيس السوري بشار الاسد » إذا لم يكن هناك برنامج وأجندة تناقشها القمة فلماذا تعقد » ؟ لقد كان يريد أن يحظى بشرف الدعوة لعقد القمة ، دون أن يكون لها ما تناقشه ، والجميع يعلم من اتخذ موقفا سياديا لاجهاض قمة سابقة لان بيانها الختامي كان سيتضمن تنديدا بمقتل الشهيد أحمد ياسين رحمه الله . وفي الوقت الذي شاهدنا فيه الرئيس ايميل لحود ورئيس الوزراء فؤاد السنيورة يشكران دولا بعينها ليس من بينها النظام التونسي ، هرول البعض إلى السفير اللبناني في تونس يستجدون منه تصريح شكر هزيل ، بل ومثير للسخرية ، وبين هذا وذاك بون شاسع في عالم الدبلوماسية . كان من المواقف الغريبة والمتناقضة إلى حد تبدو كاريكاتورية بامتياز ، موقف الشاعر أدونيس فرغم اعرابه عن احترامه للسيد حسن نصر الله في حوار مع قناة دبي مؤخرا و قوله حرفيا » الخزي و العار لمن انتقد نصر الله وحزب الله » وقال » طالما ان الجيش غير قادر على الدفاع فلتتقدم المقاومة » لكنه وبالفعل الخنس الاديولوجي فقد التركيز حيث لم يعجبه الانتماء العقائدي لحزب الله ، فرغم أن اسرائيل قامت على أساس ديني » أرض الميعاد » و » شعب الله المختار » ووجود أساس ديني للدعم الاميركي لاسرائيل ، وهو ما يطول شرحه هنا . حاول أدونيس ايهامنا بأن الراية الاسلامية ستدفع » اسرائيل لتقول للغرب انظروا العرب لا يزالون يرفعون راية الدين » ( هكذا ) ورغم الحرب الصهيونية على ما هو اسلامي في العالم قاطبة فهو يقول بأن اسرائيل » تريد أن تحشر العرب تحت الراية الدينية » حسب تعبيره . لكنه طالب رؤساء الانظمة العربية ب » الاقتداء بحسن نصر الله من حيث مقارنة القول بالعمل » . لكن الأغرب من موقف أدونيس ، هو مواقف ( الفليك الاعلامي ) في تونس الذي حاول التفريق بين حزب الله والسيد حسن نصر الله و » المذهبية الاسلامية » بتعبير الدكتور محسن عبدالمجيد ، وهو تفريق يحاول مواصلة حرب الاسئصال التي يتعرض لها الاسلاميون في تونس ، ويخفي الموقف الحقيقي من الاسلاميين بما في ذلك حماس و حزب الله . وهو انكار ينفيه ما يقوله اللبنانيون على مختلف مشاربهم من أن حزب الله تنظيم عقائدي . وهو ما دفع بالرئيس بوش لتكرار أخطائه باشكال مختلفة عندما عبر عما وصفه ب » الفاشيين الاسلاميين » لقد واجهت اسرائيل عربا غير العرب الذين تعرفهم ووطنيين غير الطنين الذي نسمعه منذ عقود وزعامة غير الزعامات الكرتونية التي تبدو أسودا ضد شعوبها و نعامة مع أعدائها . أما الذين يتحدثون عن الخسائر، فقد تزامن العدوان على لبنان مع فيضانات أودت بحياة الآلاف في الهند وجنوب شرق آسيا و نيجيريا و حوادث في الصين . وقد كنت ممن تابع زلزال بم في ايران وتسونامي في جنوب شرق آسيا و استمعت لتعليقات مختلفة حول الموضوع لم يعجبني أكثرها و كنت ولا زلت أعتقد بأن ذلك مصدر الهام كبير لنا ، وهو أن لا نخشى من خسائر حروب التحرر من الامبريالية والاستبداد معا إذا كان الضحايا ثمن الكرامة والحرية لمن يبقى على قيد الحياة. (*) كاتب تونسي
رســـالة اللقـــاء رقم 10
سقوط الحاجز النفسي والدخول إلى التاريخ من جديد
د.خالد الطراولي*
ktraouli@yahoo.fr
انتهت الحرب الغاشمة على لبنان ووضعت أوزارها أو تكاد، وسوف تنالها كسابقاتها التحاليل والتفاسير السياسية والعسكرية على السواء. لعل الخبراء العسكريين قد أفسحت لهم هذه الحرب على مفاجآت وأحداث سوف تنال النصيب الأكبر في التخطيطات المستقبيلة للحروب وفي المدارس العسكرية وفي الصناعات الحربية القادمة.
لن يختلف اثنان أن عديد المسلمات العسكرية قد سقطت في هذه الحرب، في مستوى التخطيط والأسلحة المستعملة، والتي أثبتت دون أدنى شك أن معادلة الانتصار أصبحت جدّ معقدة، ولم تعد تقتصر فقط على التقنيات الحديثة والمتطورة وكثرة الجند والذخيرة، ولكنها أصبحت تلامس العدد والعدة والتكوين الفردي وما يصحبه من استعداد روحي ونفسي، وما يتبعه من أهداف تتجاوز منطق الجغرافيا العسكرية المحدودة، ليطأ بنا معاقل التاريخ والحاضر، والذي يصبح فيه لبنان جزءا صغيرا من عالمية حضارية واسعة، تشكل الأحداث الأخيرة بداية إرهاصات تحول كبير وغير منتظر.
منهجيات العجز وثقافة الهزيمة!
يروى عن ستالين وعن غيره مقولة اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، ويبدو أن هذه الطريقة في التعامل مع الآخر، قد مثلت منهجية استعملتها السياسة الإسرائيلية في إيصال خطاب الهيمنة والقوة والجبروت، حيث اقتنع الجميع غربا وشرقا بأسطورة الجيش الذي لا يقهر، ولعل الاقتناع وصل حتى أصحاب القرار الإسرائيلي، فكانت هذه المقولة طافحة في كل الخطابات والأقوال والاستراتيجيات حتى أصبحت مسلمة وبديهية غير قابلة للنقاش. اقتنعت أمريكا بصحتها وبنت عليها استراتيجيا كاملة جعلت من إسرائيل راعية لمصالحها وحارستها الوفية في منطقة غاب فيها الصديق والرفيق، وزادها المحافظون الجدد تركيزا بعد أن طعّموها ببهارات دينية متطرفة… واقتنع المجتمع الدولي بها وأضحى لا يتورع عن حماية الظالم وإيجاد كل التبريرات لأفعاله وقراراته، ولو كان الظلم بواحا والمظلوم رضيعا أو عجوزا، فكان الحياء واللامبالاة أو الخوف مبررا لمساندة عمياء دون أي وازع أخلاقي أو قيمي… واقتنع العرب وتدحرجت سلوكياتهم ومواقفهم الرسمية نحو « سلام » عاجل وبأي ثمن، وعلى حساب عديد الثوابت بدعوى العجز عن مجاراة الخصم الذي أضحى لا يقهر ولا يهزم. ولو راجعنا كل القرارات والمفاوضات والاستراتيجيات التي بنى عليها النظام الرسمي العربي أبجدياتها، لوجدناها تنطلق من هذه المسلمة، مما جعل كل مقاربة للمواجهة تنبثق من منهجية استسلام وواقعية مغشوشة وبراغماتية غير مدروسة.
ولم تبق هذه الممارسة داخل القصور ومراكز القرار ولكنها نزلت إلى الشارع وأحبطته وأفقدت آماله ونزعت أحلامه، فظهرت الكثير من ثقافة الانسحاب، والتقوقع على الذات، في أقصاها واللامبالاة في أدناها، وبقي الشارع العربي والإسلامي بعيدا عن الحراك ولو أن ومضات تشتعل من هنا وهناك يقع قمعها في المهد، غير أنها لم تمثل أبدا مسارا سليما واعيا ومتواصلا، ومبنيا على ثقافة مغايرة وتشكلِِ جديد ونهائي لعقلية فرد ومجموعة.
المحطة الانتقالية
لا يسع المتصفح لورقات تاريخنا القديم والمعاصر إلا أن يلاحظ أنه غلبت على محطاته السقوط والشهود كما هي حالات كل الحضارات، غير أن ما يسترعى الانتباه خاصة، أن بين هذه الأحوال فترات تشكل مرحلة انتقالية نحو العلو أو نحو النزول، وتمثل هذه المرحلة الأساس في توجه خط الحضارة أو التحضر نحو التشكل الإيجابي أو السلبي. هذا المرحلة الانتقالية الهامة هي محطة نفسية ثقافية تسعى إلى تشكيل عقلية الثقة في النفس والكفاءة والنجاح والانتصار على مستوى الفرد والمجموعة، وتكرس الثقافة الحامية لذلك والبانية لأسسها. وهو ما يؤكده النص القرآني على دفعتين، دفعة إيجابية تمثل الانتقال النفسي نحو الصعود والشهود « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم »[الرعد11] و دفعة سلبية تمثل الانتقال النفسي نحو السقوط والانهزام « ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم » [الأنفال 53]
إن التغيير الذاتي كما يقول عماد الدين خليل » عملية شاملة تغطي الطاقات البشرية كافة، عقلية وروحية وأخلاقية وسلوكية وجسدية، وأي تجزيء في الرؤية أو الموقف يقتل المحاولة في المهد، ولكننا بتأكيدنا على التشكل أو التغيير العقلي إنما نعتمد ضرورة منهجية تضع في الاعتبار دوما سلما للأولويات فتبدأ بالأهم فالمهم فالأقل أهمية…[حول إعادة تشكيل العقل المسلم، كتاب الأمة، 1982 ص 141]
دروس من التاريخ القديم
وفي التاريخ القديم لهزائمنا ودون الإبحار في الأمثلة والتعمق في التأكيد لضيق المقام، تتجلى بداية التجربة الإسلامية الأولى في عهد الرسالة حيث حضرت هذه النقلة النفسية التي أحدثها المقدس القولي والفعلي لدى مجموعة صغيرة لا يمكن بمنطق العقل السليم أن تخرج مهاجرة وتستوطن أرضا غير أرضها وتذهب في حرب ضد جماعة يفوقونهم عددا وعدة بالأضعاف فكانت بدر وكان الانتصار وكانت الدولة.
هذه الحالة الإيجابية لتشكل العقل المسلم في هذه المحطة الانتقالية اصطحبتها نقلة نفسية وثقافية تمثلت في تكون روح الانتصار وثقافة المقاومة والصمود لدى الفرد والمجموعة. وسوف تتعدد هذه النفسية المجاهدة والمشبعة بروح البذل والعطاء والثقة في النفس طوال عهد الرسالة والصدر الأول من الإسلام، وما غزوة مؤتة وما تبعها من فتوحات إلا نماذج تصطبغ غالبا بتفوق مادي رهيب في الضفة المقابلة، وتميز نفسي وثقافي متضخم في جانب أصحاب الدين الجديد.
في مقابل هذه المرحلة الانتقالية التي سبقت بسنين إرهاصات العالمية الإسلامية الأولى، ومثلت دفعة إيجابية للتشكل العقلي والنفسي، تواجهنا تجربة الأندلس كنموذج سلبي ولانطلاق العد العكسي لبداية النهاية لهذا العرس الإسلامي الذي طال قرونا وغطى بحضارته وثقافته كل أرجاء المعمورة. لقد مثلت حالة الأندلس في أيامها السوداء وحلول غروبها المحطة الانتقالية نحو العدم، حيث هيمنت بعض المواقف والممارسات السلبية التي شكلت إرهاصات النهاية ونواقيس الفناء. فقد هيمنت ثقافة الخوف والانسحاب وتشكلت عقلية الهزيمة، وتضخم العدو في المخيال الشعبي الإسلامي قبل أن يتشكل حقيقة على أرض الواقع. فتزعزعت الثقة في النفس ولاذ الفرد والمجموعة بثقافة سلبية منهزمة، سبقت الارتداد والفرار والسقوط.
لقد كانت ظاهرة ملوك الطوائف في الأندلس (27 إمارة) تعبيرا سياسيا واجتماعيا لمشهد عام منسحب ومهزوم ومشتت، حتى وصل الأمر أن يحكم أحد ملوكها ابن الأحمر مملكة غرناطة باسم ملك قشتالة الإسباني ويؤدي له الجزية في مقابل بقاءه في السلطة، وأعانه بالجند والقوة لحصار إشبيلية المسلمة وسقوطها كما يروي ابن خلدون. ولم تقف ثقافة الهزيمة عند باب القصر بل دخلت المجتمع كافة واستوطنت العقول والوجدان، حتى إن بعض المسلمين لبس الحداد حزنا على مقتل الأسبان في إحدى المواقع بعد وفاة ملكها مجاملة وخوفا!
لقد غابت ثقافة الممانعة والمقاومة وتخلى الفرد والحاكم والرعية عن دورهم الاجتماعي فوقع المحظور وسقطت الأندلس رغم تواجد لامس الألفية من الزمن. إن هذه المحطات الخطيرة في حياة الشعوب والمجتمعات إذا لم ينتبه إليها في الإبان، فإنها تزداد غوصا وتركيزا وتصبح من المسلمات في ذهنية الفرد، وتصير مقاومتها مغامرة أو من المستحيلات، وكلما طالت المدة صعبت معها الممانعة والعودة.
من الكمّ إلى الكيف أوتشكّل ثقافة وعقلية الممانعة
أما في حاضرنا فإن قرنا كاملا قد توارى وهو يحمل في بعض ثناياه ثقافة الهزيمة والانسحاب، وفي مراجعتنا للمواجهة التي جمعت العرب بإسرائيل منذ النكبة، والتي شكلت ولا تزال مكوّنا أساسيا في وجودنا وسلوكنا ومواقفنا ونماذجنا في التنمية ومناشط النهوض، نلاحظ تشكل عقلية الانسحاب والخوف التي تزداد تمكنا إثر كل حرب عربية إسرائيلية، حيث تمكنت في عقلية الفرد والمجموعة صورة نمطية للجندي الإسرائيلي الذي لا يقهر وللدولة المهيمنة التي لا تغلب، وللواحة الديمقراطية الوحيدة التي تعيش بين أخلاب برابرة محيطين بها. فكانت مواقفنا هزيمة واستراتجياتنا هزيمة، وأصبحنا ندعو إلى السلام بمنطق الاستسلام، وندخل مناطق ونمضي المعاهدات وشعارنا سلّم سلّم…
لقد مثل الانسحاب الإسرائيلي الأول عن لبنان في الثمانينات، المسمار الأول الذي يُدقّ في نعش هذه الثقافة المنسحبة، وبداية العد العكسي نحو تشكّل عقلية مغايرة تناقض الأولى وتبني سلوكا جديدا متميزا. كان هذا الانسحاب بداية مسلسل كونت أطرافه إقامة الجدار العنصري في فلسطين، ثم الخروج من غزة، ثم بالهزيمة الأخيرة في الجنوب اللبناني. ولقد أنشأت الانتفاضات الفلسطينية المتكررة والمتواصلة محطات مصيرية في تشكل هذا المسار الجديد وتأكيد تجذره.
إن تغير المسارات الإنسانية في كل مظاهرها الإجرائية والحضارية في بلوغها نقطة الصفر التي تنعكس بعدها الظاهرة من السلب إلى الإيجاب أو العكس، يتطلب خضة أو هزة تزعزع المسلمات وتستنهض النفوس وتخطّ توجها آخر في عقلية الفرد والمجتمع وفي ثقافته، تؤدي لاحقا إلى تغير تدريجي في سلوكياته ومواقفه. فتكون الهزة بداية الدخول في هذه المرحلة الانتقالية التي تكسر الحاجز النفسي لدى الفرد والمجموعة التي أسسته المرحلة السابقة وتقوم ببناء وجدانهم ونفسياتهم وثقافتهم وحتى مخيالهم. ولقد مثلت الكثير من الحروب هذه الدفعة نحو تغيير مسارات حضارات ودول في التاريخ القديم أو القريب.
وما وقع هذه الأيام هو مواصلة مسار قد بدأ كما أسلفنا منذ الثمانينات في مغادرة إسرائيل لجنوب لبنان، غير أنه تميز بوضوح هذا التوجه وتأكيده. إن هذه النقلة التي أحدثتها الأوضاع الحالية على مستوى الأمة العربية والإسلامية من إسقاط حاجز نفسي رهيب، ضل يهيمن على دوافع الفرد العربي والمسلم وعلى أحلامه وآماله، إن هذه النقلة النوعية تشكل في نظري أهم انتصار يتجاوز منطق الكمّ الذي وقفت عنده الكثير من الأقلام والمواقف، ليبرز بكل قوة منطق الكيف الذي لا يقف عند ضفاف لبنان وما جاورها، ولكنه يرمي بردائه الفضفاض والحالم والواعد على كل أصقاع البلاد العربية والإسلامية، ويدفع بها مجددا إلى الدخول في التاريخ من باب كتب على يافطته : هنا تبدأ لحظة الصفر الحضارية وتتشكل عناصر عالمية إنسانية جديدة.
* رئيس اللقاء الإصلاحي الديمقراطي (تونس)
صحيفة السياسة الكويتية الصادرة يوم السبت 26 أوت 2006
المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net
هل يكون حزب التحرير مسؤولا عن المحاولة الإرهابية الفاشلة ؟
الحبيب أبو وليد المكني
عاد الحديث بكثافة غير مسبوقة في أوروبا عامة و ألمانيا خاصة عن موضوع الإرهاب و علاقة المسلمين به ، فخصصت له الصحافة المكتوبة والمسموعة و المرئية مساحات كبيرة من برامجها . و كان واضحا التركيز على موقف الجاليات المسلمة من الإرهاب و دورها في التصدي له و التضييق على محترفيه ، و توالت النداءات التي يطلقها السياسيون لتتجاوز هذه الجاليات مستوى التنديد بهذه العمليات و تبرئة الإسلام منها إلى القيام بدور أهم في الكشف عن العناصر المشبوهة والإبلاغ عنها والتعاون مع السلطات الأمنية حتى يتسنى التضييق على الإرهابيين المحتملين و إحباط مخططاتهم و حماية المواطنين من شرهم …
1 ـ الجاليات الإسلامية تشعر بأنها في حالة حصار
وتجد الجاليات المسلمة نفسها في موقف صعب ، لأنها موزعة بين حرصها الشديد على إثبات براءتها من الإرهابيين ، و إقناع الأوروبيين بعدم الربط بين الإسلام وهذه العمليات الإرهابية من جهة ، وواجب القيام بمسئوليتها في حماية المجتمعات التي تقيم فيها و الذي أضحت مجتمعاتها التي تفخر بالانتماء لها من جهة أخرى . إلا أنها لا تدري كيف تقوم بهذا الواجب ، والقوم يضعونها بالكامل موضع الشبهة و يخلطون بين تعاليم الإسلام و الإرهاب و يبحثون في مواضيع يظنون أنها مقبولة لدى المسلمين مثل فكرة الإسلام الأوروبي ولكنها في الحقيقة مسائل قد تتعارض مع جوهر عقيدة المسلم وانتمائه لدينه…
هذا عن الجاليات الإسلامية بصفة عامة أما القائمون على المرافق التابعة للمسلمين من مساجد ومصليات و نوادي ، و العاملين في الهيئات الإسلامية من جمعيات و منظمات و أحزاب فتجد نفسها في حرج أكبر لأن أصابع الاتهام توجه إليها بشكل مباشر أو غير مباشر ، دون أن تعرف على وجه الدقة ماذا عليها أن تفعل حتى تبعد الشبهات عنها ، وتأتي بعض الإجراءات الظالمة التي تتخذها السلطات في حق بعض المراكز لتزيد في الحرج و تشعر المسلمين أنهم محل إدانة في قضايا لم يستكمل التحقيق فيها و أنهم مدعوون للدفاع عن أنفسهم و الانخراط في معارك إثبات الوجود والحقوق و قد كان الظن عندهم أنهم ينعمون بحرية افتقدوها في بلدانهم الأصلية .
و إذا كانت الجالبة الإسلامية في أوروبا نشعر أنها في حالة حصار ظالم لا تعرف ماذا تفعل لرفعه فإنها في ألمانيا بالخصوص تعيش على وقع التحقيقات في عملية إرهابية فاشلة توجه فيها التهمة إلى حزب التحرير الإسلامي . و تثير التساؤلات عن أبعاد هذه التهمة و تبعث على الظنون الكثيرة.
2 ــ اتهام حزب التحرير و الإشكاليات المطروحة
حزب التحرير . تأسس على يد تقي الدين النبهاني منذ أزيد من نصف قرن و ينتشر أتباعه في مختلف البلدان الإسلامية ، كجماعات عاملة في ميدان الفكر و الدعوة غير منخرطة في حركات الاحتجاج التي تقوم بها أطراف وطنية أخرى إسلامية و علمانية ، و باستثناء ما تناقلته الأخبار عن دوره في أحداث بعض بلدان آسيا الوسطى ، لم يسجل لهذا الحزب نشاط ميداني مناهض للسلطات الحاكمة عدا المواقف المتكررة لأنصار هذا الحزب التي ترفض الاعتراف بالأنظمة القائمة و تنادي بنصرتها لإقامة نظام الخلافة من جديد .
فالأصل أن هذا الحزب يرفض الانخراط في المنظمات و الجمعيات و النقابات باعتبارها تشكيلات لم يعرف وجودها عصر النبوة و بالتالي فلا يقرها الإسلام حسب رأيه . وأنه ملتزم بالمنهج التغييري الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه و سلم ، لا يحيد عنه قيد أنملة وهو لأجل ذلك يعارض كل الهيئات الإسلامية الأخرى في أهدافها و توجهاتها …
الأصل أن هذا الحزب لا يطرح على نفسه الانخراط في أي نوع من الاحتجاج قبل أن يتوفر له السند القوي الذي يطمئن لنصرته ، لكنه يتهم الأول بتدبير عملية إرهابية على الأرض الألمانية و هذا يجعلنا نطرح أسئلة كثيرة أهمها تتعلق بتصنيف المرحلة التاريخية التي يمر بها هذا الحزب حسب رؤيته الخاصة ، إذ لعله اليوم قد وجد النصرة التي يبحث عنها فانطلق في » عملياته الحرية » أو أن الأمر ليس إلا تأثرا لبعض أتباعه بمناهج تنظيم القاعدة لا تقرهم عليه قيادات الحزب … ونحن لا نستطيع أن نرجح أحد الاحتمالين لجهلنا الكامل بما يجري داخل هذا الحزب و لكننا نعبر عن خشيتنا من أن يكون اتهامه بتدبير هذا العملية الفاشلة هو في الحقيقة عمل مخابراتي له غايات أبعد من هذا الحزب قد يكون منها القيام بتجربة مع طرف ضعيف ثم تعميمها على بقية الأطراف العاملة في الحقل الإسلامي . و نأمل أن نكون مخطئين في هذا التوجس .
3 ـ المطلوب هو رفع الحرج عن المسلمين
لا يسعنا إلا أن نعبر عن تفهمنا العميق لما تشعر به الشعوب الأوروبية عامة و الشعب الألماني خاصة من خوف و عدم اطمئنان على أرواحهم وممتلكاتهم ونحن نشاركهم هذه الخشية و الخوف إلا أن ما دأب عليه بعض المسؤولين الألمان من تصريحات و تلميحات وصلت إلى اتخاذ بعض الإجراءات التي نواها غير مبررة في حقنا ، تجعلنا نشعر بعدم الاطمئنان على مستقبلنا في هذه البلاد و تضعف حماسنا للقيام بواجبنا في الدفاع عن هذا الوطن ، و لم يتأخر الكثير من ممثلي الجالية الإسلامية في هذا البلد من التعبير عن هذا التوجس و الخشية لمحاوريهم من المسؤولين في مناسبات عديدة ونأمل أن تقوم السلطات بالإجراءات التي ترفع عن المسلمين بمختلف انتماءاتهم هذا الحرج ، حتى يتوفر المناخ السليم الذي من شأنه أن يجعل الجميع يتحمس للقيام بواجبه في التصدي للإرهاب بشتى أنواعه بما يخدم مصلحة الجميع في التعايش في كنف الحرية و التسامح و الاحترام .
الاندحار العسكري الصهيوني:
هل كان شارون على حقّ؟؟؟؟
نصر الدين بن حديد (*)
بعيدًا أو بالأحرى تجاوزًا لما يريد البعض ـ عن خيانة أو غباء أو مرض ـ التأسيس له من طعن في الانتصارات الباهرة التي أنجزتها المقاومة الإسلامية الباسلة، ومهما قدّم الأعداء وطوابيرهم المتعدّدة ـ داخل لبنان وخارجه ـ ما يرونه من «قراءات موضوعيّة»، أو «آراء وطنيّة» بخصوص العدوان الصهيوني الأمريكي على لبنان وما انتهت إليه المعادلة في أبعادها العسكريّة والسياسيّة، يمكن الجزم بأنّ المقاومة الإسلامية الباسلة استطاعت بما أنجزته كسر العديد من المسلمات التي لم يكن يخطر بالبال أنّها قابلة للدحض، حيث أنّ المنظومة الصهيونيّة لم تكن تتّكل فقط على الأسلحة المتفوّقة والقدرة على تفعيلها، بل أيضًا ـ وهنا تأتي الأهميّة ـ على إقناع الطرف المقابل بعبثيّة الصمود أو حتّى مجرّد التفكير في مواجهة الجيش الصهيوني، فما البال بالمهاجمة والتحدّي…
وجب الاعتراف أنّ الصهاينة استطاعوا النجاح وبنسبة تكاد تكون شاملة في «إقناع» القيادات السياسيّة العربيّة بعبثيّة «الخيار العسكري» ومن ثمّة جاءت قمّة فاس مؤسّسة أو هي «مبشّرة» بما سمّاه الرئيس أنور السادات «العبور نحو السلام»…
غلبة الجيش الصهيوني ـ على الأقلّ ـ مقابل الجيوش النظاميّة العربيّة صارت جزءا مؤسّسا للحقائق الثابتة، في حين جاء القول جهرًا أو استعارة ـ من قبل النظام الرسمي العربي ـ بأن تكون المقاومة سواء في فلسطين أو لبنان ـ في أقصى الحالات ـ مجرّد أدوات لتحسين شروط التفاوض، إن لم يتمّ العمل على إفشالها وتقويضها ومنع المدد عنها…
اعتبر الصهاينة التفوّق العسكري الكامل والمطلق والساحق الضامن الوحيد لوجود الكيان وديمومته، سواء كانت قياداتهم السياسيّة منخرطة ضمن «مسارات سلميّة» أو هي في قطيعة مع الأطراف العربيّة…
يمكن القول أنّ الاجتياح الصهيوني للبنان سنة 1982 سجّل في الآن ذاته «قمّة مجد» هذا الجيش وأيضًا بدء «تقهقره»، حين لم يخضع الانحسار لمعطيات سياسيّة ورغبة إراديّة، بل كانت المقاومة اللبنانيّة ومدى ما أبدته من قدرة على توجيه الضربات الموجعة، المحدّد الأوّل والأساسي لسياسة التراجع هذه، التي توّجتها «عمليّة الفرار» سنة 2000.
الانتفاضات الفلسطينيّة المتتالية أظهرت عجزًا صهيونيّا مقارنة بالفوارق الضخمة في القدرات والتسليح، إلاّ أنّ «القراءات» سواء من قبل المحلّلين أو من داخل المؤسّسة العسكريّة ذاتها حاولت الإيحاء بأنّ الجيش ـ بحكم تركيبته وبنيته ـ مجهز ومؤهل لمواجهة الجيوش أكثر من الدور «البوليسي» الذي انخرط فيه…
الأكيد والذي لا يقبل الدحض هو أنّ الانتصار الذي نعيشه لم تأت به الصدفة وأنّ الانكسار الصهيوني لم يكن نتيجة «قلّة الحظّ»، بل يجزم الصهاينة أنفسهم أنّ جيشهم كان «خارج الواقع» وأنّ المقاومة الإسلامية الباسلة جاءت «داخل الفعل وفي قلب المعادلة»، سواء من حيث الإعداد والتجهيز أو التنفيذ والانضباط والفاعليّة…
السؤال الذي يهزّ المؤسّسة الصهيونيّة بجميع تفرّعاتها السياسيّة والعسكريّة، يخصّ أسباب هذه الهزيمة وكيفيّة حدوثها، ليس فقط ضمن البحث عن تحميل الأفراد وتجريم المسؤوليين، بل من خلال البحث واستقصاء مواطن هذا «هذا الخلل» ودرجة سريان «هذا السرطان» ضمن النسيج الصهيوني، مقارنة أو استنادًا إلى ما سمّاه شمعون بيرز معادلة «الوجود والفناء»…
جاء المشروع الصهيوني منذ نشأته توسّعيّا وإقصائيّا، بل أنبنى على النفي والإلغاء، في استناد إلى الموروث التلمودي الذي يحضّ على الإبادة والإفناء… أيضًا ونتيجة لهذه القناعات تأسّست العقيدة العسكريّة على ضرورة التوسّع الدائم والمستمرّ، حيث أكدّ «الأباء المؤسّسون» على أهميّة «الصباريم» [اليهودي/الإسرائيلي المولود على أرض فلسطين] مالك المبادرة وصاحب الريادة، في تناقض ونفي وإلغاء لليهودي «الكلاسيكي»، القادم من «الغيتو» الأوروبي، حيث الانطواء والانكفاء والقبول والخنوع والتسليم…
الفلسفة والإيديولوجيّة والممارسات الصهيونيّة استبطنت جميعها القوّة والسطوة والتوسّع والقبول فقط برضوخ المحيط العربي، لكنّها بدأت مع أرييل شارون تؤسّس لممارسة الانكفاء والتراجع أو ما يسمّى «الانسحاب الأحادي»… مثّلت خطوة شارون سواء في غزّة أو حين راح يبني الجدار في الضفّة مفارقة صارخة سواء مع «الطقوس» الصهيونيّة ذاتها من جهة، أو مع قناعات هذا الرجل وممارساته، حيث كان وبقي طوال حياته من دعاة التدمير الكامل أوّلا ومن بعد ذلك الاستيطان الواسع الذي يقلب الحقائق ويغيّر الواقع سواء من باب ابتلاع الأرض أو جعل «المفاوضات» تصطدم مع «هذا الواقع المستحدث»…
ما الذي جعل شارون يبحث ليس فقط عن تحديد ثوابت ماديّة وحدود بيّنة للكيان الصهيوني، بل ـ وهنا تكمن الخطورة ـ في تغييره مسار صهيونيّة وجعلها ـ كما كان حال اليهود عبر التاريخ ـ حركة «من الطرف نحو المركز»، بعد أن جاءت كنها وماهيّة وتأسيسًا حركة من «المركز نحو الطرف»؟؟؟
هذا السؤال وما يمكن أن ينشقّ أو يُشتقّ عنه من أسئلة، يتعدّى ـ مهما كانت التأويلات ـ البعد أو الأبعاد الآنيّة ـ أيّ لحظة اتّخاذ القرار ـ ليمسّ البنى الذهنيّة والفكريّة والعقائديّة للمشروع الصهيوني برمّته وأيضًا الأدوات الماديّة المؤسّسة له…
تبدو الغرابة أن يأتي هذا التراجع من قبل من كان الصهاينة يرونه «ملك إسرائيل» أو هو «البلدوزر» الذي قال ذات مرّة عن غزّة غداة نكسة 1967 أنّها بالنسبة له في مقام نهاريا أو غيرها من المستعمرات الواقعة ضمن العمق الصهيوني على أرض فلسطين!!!
بدا جليّا أن نجاح شارون في تمرير الانسحاب من غزّة وترسيخ الجدار في صورة التجلّي المادي والمباشر لحدود هذا الكيان، لم يأت نتاج إيمان وقناعة أو إجماع النخب السياسيّة والعسكريّة بأهميّة هذه الخطوة وجدواها، بل ـ وهنا تكمن الخطورة ـ بسبب فقدان أو عدم وجود شخصيّة قادرة على المزايدة على شارون بماضيه الدموي والاستيطاني وعجز الجميع ـ دون استثناء ـ عن تخوينه، وإن لم يسلم من حركات الرفض والمعارضة…
هل كان شارون يرى في هذا الانسحاب أو التراجع مجرّد «استراحة محارب» [تكتيكيّة] أم بداية وشروع لتحديد المشروع الصهيوني [الاستراتيجي] ضمن أفق جغرافي واضح؟؟؟ ومن ثمّة يأتي السؤال ـ المعرفي أساسًا ـ عن قدرة الصهيونيّة في ملاءمة الواقع على الأرض من جهة بالمرجعيات والمعتقدات التي من خلالها تأسّس الكيان وكانت المنظومة في شكلها الأوسع والأشمل؟؟؟
الأكيد والذي لا يقبل الدحض أيضًا هو أنّ المشروع الصهيوني فقد القدرة على التوسّع، وفقد أيضًا قدرة السيطرة على ما يحتلّ من أراض، ولم يكن من السهل عليه الانطواء والتقهقر والتراجع دون المسّ بالجذور المؤسّسة لهذا الفكر أو ممارساته!!!
يرى الأستاذ محمد حمزة غنايم في كتابه «طريق شارون»، منشورات «المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية»، رام الله 2001، وتمّ نشر ملخّص مطوّل عنه ضمن الموقع الإلكتروني «عرب 84» :«وفي هذا الاختيار بين «اليهودي الاسرائيلي» (التشديد هنا على اليهودي) وبين «الإسرائيلي اليهودي» (التشديد هنا على الإسرائيلي)، فإنه [أيّ شارون] يختار الإمكانية الأولى. عندما سُئل قبل سنوات ماذا يهمّه أكثر، الشعب اليهودي أم دولة إسرائيل، اختار الهوية اليهودية بلا تردد.»…
إذا اعتبرنا أنّ المشروع الصهيوني جاء نفيًا لما يمكن أن نسمّيه «الإرث اليهودي» عبر صياغة أو إعادة تشكيل «الفرد» ضمن تعريفات جديدة، يمكن القول أنّ خيارات شارون «الانسحابيّة والانطوائيّة» وتفضيله لليهودي الإسرائيلي على الإسرائيلي اليهودي، تأتي من باب قناعته بعدم قدرة الصهيونيّة أو فشلها أو عجز عن حمل الحلم الشعب اليهودي والتأسيس له… هل يعني«تغليب الهويّة اليهوديّة على الديناميكيّة الصهيونيّة» اعترافًا صريحًا بعدم قدرة الصهيونيّة على البلوغ بمشروعها أو مشاريعها إلى منتهاها دون التصادم مع «الأصول المؤسّسة للهويّة اليهوديّة»؟؟؟ وهل أنّ هذا الصدام ـ إن لم نقل القطيعة ـ هي من طبائع الأشياء ومسلّماتها ضمن «جدليّة الممارسة فقط» أم هي مرتبطة بماهية المشروع الصهيوني وكنهه؟؟؟
هل كان الانسحاب من باب العودة إلى «غريزة الغيتو» من تقوقع وانفصال والبحث عن صفاء الكيان اليهودي الذي باركه وأيّده الرئيس بوش الثاني، أم مجرّد «غريزة العسكري» الذي يأمر جنوده بالتراجع عند الاصطدام بعدوّ صلب ومن ثمّة البحث عن تحديث الخطّة أو إعادة صياغتها؟؟؟
هذه الأسئلة ضمن أبعادها الفلسفيّة والأيديولوجيّة، وأيضًا الفكريّة والسياسيّة والعسكريّة دون أن نغفل مناحي الحياة الأخرى، تمثّل جميعها ما يمكن أن يشتغل عليه الفكر الصهيوني راهنًا، ليس حصرًا ضمن البحث «الأكاديمي والفكري» بل ـ وهنا تكمن الأهميّة ـ حين مسّت معادلة «الوجود والفناء» الشارع الصهيوني من خلال صواريخ المقاومة التي واصلت السقوط إلى آخر لحظة، في عجز كامل من قبل الآلة العسكريّة عن تحييدها، دون أن نغفل فشل «الهجوم البرّي»…
إعلان سماحة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله أنّ هذا النصر هو استراتيجيّ بكلّ معنى الكلمة يأتي ضمن مستويات عدّة، أهمّها وأشدّها تأثيرًا في العمق الصهيوني تجذّر القناعة لدى عدد متزايد من المفكرين والساسة والعسكريين وبالتالي من العوام، بأنّ الصهيونيّة تحمل بذور الفشل والفناء في ذاته…
المخيال الصهيوني استنادا إلى «السبي» أنبنى على فكرة أنّ الخلاص يكمن حصرًا في السعي الدؤوب والعمل المتواصل على تحطيم «الآخر» تدميرًا كاملا، وقد لزم لهذه الفكرة أو أسّس لها «تقديس الذات» و«تدنيس الآخر»، سواء عبر مقولة «شعب الله المختار» أو حصر هذا الآخر ضمن صورة «الغونيم»… أسّست الصهيونيّة لصورة العربي أو المسلم المتخلّف والعاجز ـ مهما حاول ومهما بذل من جهد ـ عن الارتقاء إلى مرتبة «الإسرائيلي» الذي يمثّل الصورة الأمثل والتجسيد الأفضل للحداثة الغربيّة، ليبقى هذا العربي وهذا المسلم أسير صور «الغدر والعجز والهوس الجنسي». ضَرَبَ حزب الله هذه الصورة لدى المخيال الصهيوني بل دكّها وحطّمها، حين أثبت ـ بما لا يدع للشكّ ـ أنّ «هذا العربي وهذا المسلم» يملك القدرة على التأسيس لفعل [بالمفهوم التراكمي] قادر على بناء «حداثة أخرى تناقض وتنفي الحداثة الصهيونيّة/الغربيّة»…
جاءت أصوات عديدة من داخل الكيان الصهيوني متحسّرة لغياب شارون والقول أنّه الوحيد القادر على «إعادة سيناريو 82»، لكنّ شارون الذي انسحب من غزّة بفعل المقاومة الباسلة، كان سيغادر فلسطين المحتلّة بكاملها بفعل المقاومة الباسلة في لبنان…
(*) صحفي جزائري مقيم في تونس
تبدع شعوبنا كلما تخففت من وطأة الدولة
راشد الغنوشي
إذا فسدت الدولة باغترابها عن شعبها وتعسرت مهمة إصلاحها تحولت عبئا عليهم في السلم وبالأخص في الحرب بسبب احتكارها امتلاك السلاح واستعماله، كما هي حال الدولة العربية المعاصرة، فكان مقدار ما يصيبون من النجاح في الدفاع عن أنفسهم مساويا لمقدار تخففهم من وطأتها والتضييق من سلطتها وانتزاع حقهم في حمل السلاح للذود عن حياضهم في مواجهة العدوان وبالخصوص من قبل عدو يفوقهم قوة وبطشا وسندا.
ظهر ذلك في الصومال وأفغانستان وفلسطين ولبنان والعراق بعد سقوط الدولة. ولم تكن عجبا انطلاقة الإسلام الأولى من جغرافية سياسية مماثلة.
وتقدم المواجهة مع العدو الصهيوني الذي أخضع وأرعب دول المنطقة وبطش بجيوشها في أكثر من موقعة، مثلا على عجز جيوش الدول المركزية في المواجهة مقابل النجاح المتحقق على يد المقاومة الشعبية في حال ضعف سلطات الدولة (لبنان) أو غيابها (فلسطين).
لقد أمكن للصهاينة أن يبطشوا في أقل من أسبوع بثلاث دول مركزية تحتكر السلاح. ورغم أن حرب رمضان 1973 عدلت الصورة قليلا فإن الكلمة الأخيرة كانت للصهاينة، وما استردت سيناء باهظا إلا منزوعة السلاح.
والأفدح إخراج الدولة الأقوى من ساحة الصراع مع عدو لم يتخل عن إستراتيجيته في الهيمنة على المنطقة، حيث تم تهميش مصر -المقصد الرئيسي لتأسيس الكيان الصهيوني- تاركة فلسطين وبقية دويلات العرب للافتراس أو الاحتواء.
وشعر الفلسطينيون بفداحة تركهم لمصيرهم يصارعون عدوا عجزت عنه جيوش العرب مجتمعة، فحاولوا أن يتخذوا من جوارهم قواعد انطلاق لتحرير أرضهم، إلا أن الأبواب سدت في وجوههم وارتكبت المجازر لتجريدهم من سلاحهم (الأردن)، وتكررت ملاحقتهم في لبنان، حيث أفادوا من تنوع التركيب المجتمعي وضعف الدولة المركزية، فتولى الأشقاء خطة تضييق الخناق عليهم، وفرض عليهم الرحيل بعيدا عن حدود الكيان الصهيوني، ليظل آمنا ومحروسا من دول تستمد شرعيتها الدولية وتمويلها من ذلك الدور.
فلم يبق أمام فلسطينيي الداخل وهم يرون تصاعد وتيرة نهب أراضيهم وتدمير مقدرات حياتهم من قبل عدو متوحش نهم، بينما المنظمة هجرت بعيدا، والمحيط العربي غير مبال، إن لم يكن متآمرا، لم يبق أمامهم وقد ارتقت مستوياتهم العلمية والإيمانية إلا أن يتسلموا زمام قضيتهم بأنفسهم فانفجرت في أواخر الثمانينيات انتفاضتهم الأولى التي كشفت عما تتوفر عليه الجماهير من طاقات للمقاومة غير محدودة إذا تمت تعبئتها لصالح قضية صحيحة، وفي غياب دولة القمع، فكانت أول وأضخم تحد يواجه الدولة العبرية المتوحشة، إذ واجهت صنفا جديدا من الأعداء ومن المعارك لا تسعف معه الوسائل المعتادة في حسم المعارك العسكرية.
هاهنا شعب لا وصاية عليه من أحد خلافا لبقية الشعوب العربية التي اطمأنت إسرائيل والنظام الدولي إلى حسن قيام الدول بجيوشها وأمنها وإعلامها بمهمة لجمها واستحلالها وتدجينها.
هاهنا فراغ لابد من سده، فبدأت المساومات مع منظمة جاهزة مشردة تتلمظ بحثا عن سلطة تشبع من خلالها عطشها إلى بهرج الحكم وملاذه أسوة بعصابات الحكم في أرض العروبة. وهكذا التقت الرغبة المحلية مع الرغبة الإسرائيلية والدولية في ملء هذا الفراغ وتخليق سلطة تتولى تدجين شعب متوفر على قدر من النخوة والحرية والكرامة رغم كل ما فقد، فكانت نكبة أوسلو التي حولت أقوى وأغنى منظمة للتحرير مجموعة احتكارات مالية وعصابات أمنية تم تدريبها وتسليحها على عين إسرائيل لتنهض بنفس الدور الذي ينهض به النظام العربي: تدجين الشعب، وتجريده من السلاح، وملاحقة المجاهدين وإجهاض كل جهد مقاوم، الأمر الذي فاقم الكمد والحسرة والغضب وبالخصوص مع تصاعد الغطرسة الإسرائيلية وإقدام شارون على قدح الزناد لمّا وطئت أقدامه النجسة الأقصى، فالتهبت الأرض المحتلة بانتفاضة ثانية أشد بأسا وجوبهت بقمع صهيوني أعتى، أشفى أحقاده التلمودية من كل شيء فلسطيني حتى السلطة التي صنعها، طفق يدمرها تدميرا، وانتهى إلى اغتيال رأسها، وهو ما كاد يعيد المشهد الفلسطيني إلى أصله: احتلال/مقاومة، بعيدا عن ضباب اسمه السلطة وبالخصوص في الضفة الغربية حيث بلغت المهزلة أن اعتقل نصف وزرائها وثلث المجلس التشريعي وفيهم رئيسه.
فهل بقي للسيد عباس وهو لا يتحرك قيد شبر إلا بإذن من المحتل، ما يحمله على التردد في الإعلان عن حل هذه السلطة عودا إلى حقائق الأمور بدل التمسك بالوهم وإعفاء المحتل من تبعات الاحتلال، وبالخصوص في الضفة، بينما الأمر في غزة أقل فجاجة حيث أجبر الاحتلال على الانسحاب ولم يقو إلا على ممارسة عدوانه بالقصف والتدمير واحتلال بعض الأطراف شبيها بما يفعل في لبنان حيث هاهنا ساحة أخرى شبيهة بفلسطين من حيث خفة وطأة الدولة على شعبها لا بسبب عفة، فالملك حسب ابن خلدون طبيعته الانفراد لو قدر، وإنما نتيجة للتركيب اللبناني المتميز بالتنوع والتوازن وتوزيع أنصبة أسهم الشركة على أكثر من عشرين شريكا، وهو ما رشح لبنان من وقت مبكر لإيواء المنظمة قبل أن يتألب عليها الذئب الإسرائيلي مع النظام الدولي والإقليمي، عندها دخل مسرح أحداث الشرق الأوسط لاعب جديد –وغالبا ما تتحول الأحداث المحلية في هذه المنطقة أحداثا دولية بسبب الأهمية الإستراتيجية لها- أعني المقاومة اللبنانية مستفيدة من نفس الخاصية: قوة المجتمع وضعف الدولة، ووجود دول مستعدة لمد يد العون، وهو ما أتاح لقوى مجتمعية أن تفصح عما تتوفر عليه من مخزون إيمان وتضامن واستعدادات للبذل والفداء غير محدودة، طالما أذاقت أعداء الإسلام صنوفا من النكال وجللت جيوشهم بعار الهزيمة ما واجهتهم وجها لوجه متحررة من أوهاق الدولة. حصل ذلك في الجزائر وفي أفغانستان وفي الصومال وفي لبنان سنة 2000 ويتكرر اليوم في أبهى صورة، حيث فشل أقوى جيش في المنطقة في أن يحقق أيا من أهدافه المعلنة: استرداد الجنديين، القضاء على حزب الله، وإبعاد صواريخه عن الحدود. لقد ظل تعهد السيد نصر الله منذ اليوم الأول: لا عودة للجنديين دون تفاوض وتبادل للأسرى، بلا أدنى خدش، وظلت صواريخ المقاومة -أمطار الصيف- لآخر ساعة تنهمر حمما على عمق الكيان الصهيوني وتفرض على ربع سكانه الاختباء في الملاجئ أو الهجرة، فيتذوقون الكأس التي طالما جرعوها الفلسطينيين واللبنانيين.
الارتباك الحاصل اليوم في قمة هرم العصابة الصهيونية وتقاذفها مسؤولية ما حصل وتأليف لجان المحاسبة شاهد على الهزيمة النكراء التي أحاقتها المقاومة للمرة الثانية بالجيش الذي لا يقهر! بما جرده هو ووحداته المنتخبة من أهم أسلحته: الرعب، وتلك من أمارات ساعة أي كيان استيطاني مغتصب، وهو ما صرح به أحد رموزه المؤسسة « شيمون بيريز « إنها معركة وجود ».
صحيح أن قطعان « الجيش الذي لا يقهر » ترك قصفها المركز على مقومات الحياة المدنية بشرا وحجرا دمارا هائلا وأشلاء ممزقة للصبية والنساء والشيوخ وتجار الخضر وقوافل الإغاثة والإسعاف وحتى جنود الأمم المتحدة، ولكن ذلك لا يغير من حقائق الأشياء شيئا: انهيار قوة الردع الجبارة، بمركافاتها وبوارجها ووحداتها الخاصة، أمام عزائم ثلة من المؤمنين من أبناء الجنوب مصممين على الذود عن قراهم ووطنهم ودينهم، فوجد الجيش الذي لا يقهر نفسه في حالة إرباك ورعب يأتيه الموت من كل مكان ولا يدري كيف يحمي نفسه.
ورغم القنابل الذكية التي زوده بها الشريك الأميركي والرعاية الدولية والإقليمية والتمديد له، آملا تحسّن وضعه، فقد اضطر بعد 34 يوما من الحرب المفتوحة للقبول بوقف القتال يائسا من أن ينال كسبا يستر الوجه أمام قطعانه المفجوعة المعتلة وأسياده الذين أوكلوه مهمة ضبط المنطقة وتأديبها، وأملوا أن يقدم لهم عوضا عما لاقوه من جحيم في العراق وأفغانستان فما أتاهم بغير مزيد من الهزائم.
كيف يستثمر النصر؟ ذلك هو الشغل الشاغل اليوم لكل القوى ذات العلاقة محليا وإقليميا ودوليا:
– محليا: رغم أن السيد نصر الله كان توفيقه في إدارة المعركة السياسية لا يقل روعة عن توفيقه في إدارة المعركة ميدانيا اتزانا وحرصا على وحدة الموقف الوطني، فكان جوابه لاستفزاز جنبلاط « لمن سيهدي هذا النصر؟: » لكل اللبنانيين » ورغم تماسك الجبهة الوطنية خلال العدوان فإن بوادر التفكك بدت على بعضها والجثث لمّا ترفع من تحت الأنقاض مركّزين الأضواء على سلاح حزب الله وواجب إخلائه من جنوب الليطاني بل نزعه جملة، مستظهرين بقرار دولي لم يفصح عن ذلك، وبحجة شكلية: أن السلاح يجب أن يظل احتكارا في يد الدولة، حتى وهم يعلمون يقينا أن ذلك مطلب إسرائيلي وأنه ليس الجيش اللبناني الضعيف هو العاجز عن مواجهة إسرائيل بل جملة الجيوش العربية مجتمعة، وأن المجاهدين الأبطال هم أبناء قرى الجنوب دافعوا عن ديارهم فمن ذا الذي له مصلحة في تجريدهم من سلاحهم وإقصائهم من قراهم غير العدو الصهيوني.
بل من ذا يقدر على ذلك وقد انهارت دونه أضخم آلة عسكرية؟ هل من المعقول في شيء أن تكون جائزة حزب الله على صموده الرائع في وجه أعتى جيش في المنطقة والعودة لشعبه بهذا النصر المبين، هي معاقبته بتجريده من سلاحه بينما في الأعراف العسكرية يجرد القادة من رتبهم بسبب الخيانة والهزيمة وليس نتيجة للصمود والبلاء العظيم والنصر المبين؟ هل يستحق الفريق الناجح في مجال الرياضة العائد إلى قومه مجللا بالبطولات الإهانة والإحالة إلى المعاش؟ عجيب أمر عرب هذا الزمان!
أليس من حق حزب الله بل من واجبه أن يدافع عن سلاحه وعن مرابطته بقراه في الجنوب للدفاع عنها في وجه عدو قام على الاجتياح والتوسع وبالخصوص أن لبنان تحول إلى عقدة ومركب نقص لهذا الجيش الذي لا يقهر. من يضمن لأهل الجنوب ومجاهديه بالذات ألا يغير عليهم الذئب الصهيوني للانتقام والثار؟ الحقيقة التي يجب على الفرقاء اللبنانيين أن يعترفوا بها أن قانون اللعبة وموازين القوة قد تغيرا. لبنان الأمس لن يكون نفسه.
-عربيا: معظم النظام العربي من أفصح منه ومن أسرّ كان يتمنى ويتوقع أن يأتي الاجتياح الإسرائيلي على حزب الله في أيام معدودات، بعضه بدوافع سياسية تتغشى بغلاف طائفي زائف، ومعظمهم إن لم يكن جميعهم يخشون من تأثير انتصار إسلامي في لبنان يرفع من طموحات ومعنويات مد إسلامي في بلادهم هم في حرب صامتة أو معلنة معه، غير أن موقفهم آل إلى حرج بصمود حزب الله وتحول الرياح لصالحه فهرولوا يقدّمون لأنفسهم بالإعلان عن تخصيص مساعدات للبنان وبطاطين وتبرع بالدماء وإعلان أيام تحزّن. وكلهم متوجسون من هذه السابقة: انتصار قوة شعبية ذات توجه إسلامي وانعكاساتها على أوضاعهم خاصة وقد بلغ إفلاس النظام العربي حد العجز عن الاجتماع لإصدار بيان شجب.
وبالمقابل فقد أبرزت الحرب السادسة انتصار إيران وسوريا وحماس والشارع العربي والإسلامي الذي تحرك من إندونيسيا إلى المغرب وعبر الشتات قافزا فوق كل الدعوات الطائفية النشاز، ومن وراء ذلك كل القوى المناهضة للعولمة، وكان الرئيس هوغو شافيز أبرزها.
– دوليا: عبرت الحرب السادسة عن مدى التشابك بين الإستراتيجية الأميركية والصهيونية لدرجة أن شيراك فوجئ في اجتماع الثمانية ببطرسبورغ بالرئيس الأميركي يقول « هذه ليست عملية إسرائيلية وافقت عليها الولايات المتحدة لكنها عملية الولايات المتحدة تنفذها إسرائيل ».
يعلق الصحفي تيري ميسان بعبارة أدق : »إن خطة تدمير لبنان قدمتها إسرائيل إلى الإدارة الأميركية قبل العام الماضي، وفقا لما أفادت به سان فرانسيسكو كرونيكول « (صحيفة الحياة 4-8-2006).
ومعنى ذلك أن الشرق الأوسط الجديد الذي جاءت خطة اجتياح لبنان في سياقه إزاحة لعقبة أساسية من طريقه: المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية تمهيدا للإطاحة بالممانعة السورية والإيرانية بالإخضاع أو التدمير، مرة أخرى أجهضته المقاومة بفضل الله.. وانتصرت الجماهير. ــــــــــــــ كاتب تونسي المصدر:الجزيرة (المصدر: الجزيرة بتاريخ 27 أوت 2006)
أفكـــار النقـــاش
بقلم: برهان بسيّس انتهت الحرب على لبنان ودخل الحدث أروقة التجاذب الديبلوماسي لتنسحب بطولات المحاربين لفائدة ذكاء المناورين ومناورات الساسة القادرة وحدها على فرز النصر من الهزيمة وحساب مقدار الخسائر والغنائم.
زاوية ثاوية في جيوب من تفاصيل الحدث اللبناني تستحق الانتباه في ما وراء التعليق الوصفي المتابع للأحداث. وهذا الانتباه يملك حظوظا كافية لقدر من الموضوعية والتوازن على الأقل في طرح الأسئلة نظرا لمرور لحظة المعركة الحامية واستقرار مساحة زمن كافية لجعل أحكامنا وتحاليلنا أكثر جدية ورصانة. أثناء الحرب تدخلت مساهمات عديد المثقفين لتضبط بعض القراءات والمواقف تجاه ما يحصل على أرض لبنان ضمن تصوّر لم ينفر عن انقسام الموقف السياسي تجاه تحديد هوية الفعل العسكري لحزب اللّه أكان مغامرة أم مقاومة؟!! والحقيقة فإن أسئلة مهمة جلبت الانتباه في هذا السياق عكست هواجس نقدية جديرة بالنقاش مهما اختلف معها الرأي خاصة أنها كانت لمثقفين تونسيين عبروا عنها من خلال مقالات على مواقع الكترونية – ولم تجد لها أي صدى على منابرنا الإعلامية الداخلية الغائبة للأسف كعادتها عن دائرة الحوار أو الأفكار الجدالية المثيرة وهذا موضوع آخر وإن كان مملا لفرط استقراره!!! – برزت في هذا السياق كتابات السيدة رجاء بن سلامة وسلوى الشرفي كمرآة عكست موقفا تقليديا مضى من داخل رغبة فكرية محمومة للتمايز مع انطباعية «الحسّ العمومي» و«اندفاعية الغوغاء الشعبوية» إلى استحضار موقف الحق العلماني تجاه حزب اللّه الأصولي الذي لا يمكن لمقارعته الكفاحية لإسرائيل أن تشفع له طبيعته كمشروع أصولي استبدادي وفق ما ذهبت إليه هذه الكتابات. لست في هذه المقالة بصدد نقاش نصوص الدكتورتين الجديرة فعلا بالنقاش إذا ما توفرت مناخاته المناسبة ولكني أردت إطلاق بعض الملاحظات المتحركة في فلك ذات الانشغالات والهواجس. أنا شخصيا استمعت لعديد الملاحظات من قبل بعض الأصدقاء الذين لم يوافقوني موقفي المتحمس للمقاومة اللبنانية التي يقودها حزب اللّه والذي عبّرت عنه سواء عبر الكتابة الصحفية في هذه الزاوية بالذات أو عبر مداخلاتي في بعض البرامج على فضائيات عربية وكان جوهر الخلاف عبارة عن سؤال اشكالي مفخخ: «كيف يمكن لعلماني أن يتحمس ويساند حزبا أصوليا؟!» وأذكر أن أحد مقدمي البرامج الحوارية على احدى الفضائيات لخّص لي هذا السؤال بشكل مباشر وواضح ومخاتل متسائلا: «كيف يمكن التوفيق بين معاداة تنظيم أصولي في تونس ومساندة آخر في لبنان؟!!» لن استحضر إجابتي الحرفية على هذا السؤال ولكن لا بأس من التذكير ببعض المسائل المهمة في سياق جدل الأفكار هذا. حين نكون علمانيين تفرض علينا آلية التفكير النقدي في قواعدها الكلاسيكية أن نرفض الفكر المطلق كمضمون وكطريقة ومنهج، يعلمنا فكر الأنوار الحداثي التنسيب و مغالبة الأفكار الماقبلية ويعطينا علامات الخطر التي تنبهنا إلى أننا بصدد التحوّل إلى متطرفين باسم مواجهة التطرف حين تغوينا الأفكار المطلقة والأحكام القيمية فنسقط في إعادة انتاجها باسم مقاومتها ندّعي امتلاك الحقيقة في قلب المعركة ضد دعاة امتلاك الحقيقة وننتج أصوليتنا العلمانية المتطرفة في مواجهة دعاة الأصولية الدينية المتعصبة، نقاوم عالم الفوبيا العقائدية والسياسية بمقدّمات محتفية ببهرج التحليل النفسي في نقد الذهان والعصاب ومختلف مظاهر الاختلال السيكلوجي لنكتشف أننا أيضا لا نقل مرضا عن الآخرين عدى أنهم مصابون بفوبيا الأنوار ونحن مصابون بفوبيا اللحي والعمائم. هم يرفضون أنوارنا، كل أنوارنا بمكاسبها ومطباتها ونحن نرفض لحيّهم وعمائمهم قبل أن تنطلق ألسنتهم أو تنطلق حركة أيديهم!!! أعتقد أن مصحة التمريض النفسي تسع الجميع!!! حزب اللّه اللبناني قد أخذ من لبنانيته أكثر مما أخذ من أصوليته بما يجعلنا كنسبيين نفكر ألف مرة قبل أن نطلق عليه ترسانة الأحكام القيمية التي اعتدنا إطلاقها كلما تعلق الأمر بحركة أصولية. حزب اللّه لا يرفع اليوم شعار الدولة الإسلامية في لبنان ولا تطبيق الشريعة، ولم يتورط في معاداة فنان أو مبدع أو قصيدة أو فيلم أو مفكر أو أديب ولم يهاجم مريدوه يوما محل رقص أوقاعة سينما أو كنيسة أو مقهى مفتوحا أثناء شهر رمضان. حزب اللّه لم يطلق رصاصة على لبناني يختلف معه في الأفكار ولم يرم خصومه بماء النار أو يسيطر بالعنف على اتحادات الطلاب أو النقابات المهنية في لبنان. حزب اللّه يقدم نفسه كسياسة وكبندقية كمشروع لمقاومة إسرائيل ويضع خلفيته العقائدية فقط في ميدان هذه المعركة أما في الداخل اللبناني فإنه يتصرف بعلمانية ذكية أكثر نضجا وديموقراطية من بعض العلمانيين العرب الذين لا ينقصهم سوى إعلان تأسيس تنظيم قاعدة آخر، قاعدة علمانية استئصالية لا تقل فاشية عن قاعدة بن لادن والظواهري. لحزب اللّه أخطائه في الداخل، هذا لا شك فيه، هو يملك علاقة ارتباط عقائدي وسياسي بطهران وهو ما لا يخفيه أو ينكره تماما بمثل ما تملك أحزاب العالم جميعها علاقات تعاطف ومراجع ومساندة مع عواصم عديدة بدءا بالأحزاب المتضامنة مع كوريا الشمالية وكوبا انتهاء بالأحزاب المساندة لأمريكا فهل يمكن مثلا الطعن في وطنية الأحزاب المنخرطة في «الاشتراكية الدولية» باسم أن هذا الانخراط يمس من ولائها الوطني؟!!. سياسات المحاور الداخلية والإقليمية مشهد تقليدي في عالم السياسة بما يجعل من شبهة ارتباط حزب اللّه بأجندة إيرانية أو سورية مطعن فاتر قليل الموضوعية والحال أنه لا أحد كان بالإمكان أن يصف الرئيس الحريري بأنه كان خادما لأجندة سعودية أو فرنسية أو غيرها وهذا أمر غير موضوعي أيضا بالتأكيد. في مواجهة موقف صريح من حزب اللّه كان لا بد لأي رأي مبدئي وذكي أن يضع في حسابه بعض المقاربات الجوهرية: – مقاومة حزب اللّه وصمودها حققت شعبية كاسحة لا يمكن حين تصرف ضمن الساحات الإقليمية أن تكون لفائدة العلمانيين والديموقراطيين بالنظر لواقع التشريط الاجتماعي والسياسي القائم فهي للوهلة الأولى ضخ للمكاسب في رصيد تنظيمات الإسلام السياسي وتزداد هذه الحقيقة رسوخا حين يكون تصرف بعض العلمانيين بذات الخلفية الأصولية المغلقة فتنسحب من أرض مواجهة استراتيجية حارقة كمواجهة إسرائيل لتنكفئ على مناقشات صالونية ارستقراطية تخص موقف الفقه العلماني من شرعية مساندة رجل يحمل فوق رأسه عمامة ضد إسرائيل بخلفية الحلال والحرام العلماني، وهو انكفاء لن يفعل سوى ترك الساحة الفكرية والسياسية خالية لتكون مرقصا يحتفي فيه جمهور الإسلام السياسي بشعبية لا أعتقد أن حزب اللّه فكّر في إهدائها لتنظيمات الإخوان المسلمين أو غيرها. – إن الانتباه لمثل هذه التداعيات باتخاذ مواقف علمانية أكثر نضجا وذكاء من ظاهرة «حزب اللّه» تحديدا خارج دائرة الكسل الفكري في جعل كل التنظيمات العقائدية في سلة واحدة يمنح امكانية ترويض الشعبية الكاسحة التي حققتها المقاومة اللبنانية وحمايتها من الاستثمار الأصولي الذي إذا ما تغافلنا عن نبضه في أوساط الشارع العميق سيأتي اليوم الذي يزحف فيه على الأخضر واليابس. حين يكون لنا موقف متوازن من حزب اللّه خارج دائرة الفوبيات المعطلة قد نجلب احتراز بعض اللاعبين الدوليين الكبار لكننا سننجح بالتأكيد في ترويض الجزء الآخر الأهم في معادلة الاستقرار: الناس. شعرة من لحية نصر اللّه أصبحت اليوم منطقة مقدسة في ذهن الملايين، الأكيد أن في الأمر أخطاء صارخة لكن هذا هو الأمر!!! هل نتأقلم أم ننعزل؟ العزلة في رأيي ستكون الهدية المثلى للإخوان المتربّصين!!! (المصدر: ركن « البعد الآخر » بجريدة « الصباح » التونسية الصادرة يوم 27 أوت 2006)
التحليل السياسي والفتوى الطائفيّة
محمد حداد من مخاطر الخلط بين لغة السياسة ولغة الدين ومنزلقات التدخّل في تفاصيل الشأن السياسي بجبّة المتديّن ما نشهده حاليّا من انحراف خطير نحو الخطابات والمواجهات الطائفيّة. فكأنّ شؤون الشرق الأوسط تتعانق مع معركة »صفّين » و »الجمل » وكأنّ المسافة التاريخيّة والجغرافيّة التي تفصل نيويورك عن الكوفة تتلاشى لينبعث الخصام من جديد عن الأولى بالإمامة أهو عليّ أم معاوية. ولئن كانت العداوة بين الشيعة والسنّة مستمرّة إلى التاريخ العربي المعاصر، وكان قيام الثورة الإيرانيّة سنة 1979 قد أعاد تأجيجها لأسباب يطول شرحها، فإنّ ما تشهده السنوات الأخيرة من تطرّف في المواقف، وقد بلغ حدّه الأقصى بمناسبة الحرب الأخيرة على لبنان، يدفع إلى دقّ نواقيس الخطر، لا من أجل الانتصار للسنّة أو الشيعة، ولا بقصد التقريب بين المذاهب أو أهلها، ولكن من منطلق إدراك خطورة الخلط بين التحليل السياسي والفتوى الطائفيّة، خاصّة أنّ ما نراه من استخفاف للقوى الكبرى بالقانون الدولي والمبادئ الأخلاقيّة الإنسانيّة سيكون عاملا مساعدا على عودة لغة قديمة تنازع السياسة بالمعنى الحديث مصطلحاتها ومفاهيمها. وكانت المواجهة الطائفيّة قد استحكمت على خلفيّة الملفّ العراقي، وتحديدا بعد تسليم مهامّ الإدارة إلى العراقيّين سنة 2004، فبدل أن تواجه المواقف السياسيّة بعضها البعض مرجّحة ما هو الأقرب لتحقيق مصلحة البلد وأهله، اندلعت حرب الفتاوى بين الذين يجوّزون التعامل مع المحتلّ باعتباره كافرا ومن لا يجوّزون. وتعدّت العراقيّين الذين هم وحدهم أصحاب الشأن ليصبح الحسم بشأنها في أيدي الذين نصّبوا أنفسهم خلفاء الإسلام وكبار علمائه. فهذا شيخ مرموق يفتي بجواز التعامل مع المحتلّ »الكافر » وحجّته أنّ يوسف كان في خدمة حاكم مصر الوثني. وفات الشيخ أنّ يوسف كان عبدا والعبد في خدمة مولاه، لذلك قال يوسف : »إنّه ربّي أحسن مثواي »، فهل يرغب الشيخ أن يتحوّل العرب عبيدا في خدمة الربّ الأمريكي؟ وإذا كانت قصّة يوسف حجّة في جواز خدمة »الكافر » فهل تكون أيضا حجّة في إعادة العبوديّة؟ ثم أجابه شيخ آخر من كبار شيوخ الفضائيّات فأفتى بجواز قتل كلّ أمريكي موجود على أرض العراق. وفاته أن القتل أمر خطير وليس شأنا يفتى حوله في وسائل الإعلام. والذين سينفّذون فتواه لن يتوفّر لهم الوقت الكافي للتأكّد هل المعتدى عليه أمريكي أم فرنسي أم كندي، هل هو في العراق للقتال أم هو صحافيّ أم عضو في منظّمة خيريّة أم طبيب، هل أن القنبلة ستصيب من وضعت له أم تصيب معه أو بدلا عنه أبرياء من العراقيّين أنفسهم؟ أمّا الحرب اللبنانيّة فقد أجّجت حرب الفتاوى بسبب أنّ »حزب الله » هو حزب شيعيّ، فكان الجدل صاخبا هل يجوز للسنّة نصر الشيعة، وكأنّ هذا هو المشكل. فلئن كان التحفّظ سياسيّا على مغامرة »حزب الله » موقفا مفهوما فإنّ تحويل ذلك إلى صياغات طائفيّة هو أمر مؤسف ومرفوض. ولم يكن لائقا أن يقدم بعض الشيوخ في المشرق على الفتوى ضدّ الشيعة وتحريم مساندة »حزب الله » لهذا السبب تحديدا، فضلا عن العودة إلى قاموس من الكلمات كان المفروض أن تظلّ مدفونة في كتب التاريخ، مثل »مارق » و »رافضي » و »ناصبي ». وكان أتعس من هذا أن يتصدّى للردّ على هؤلاء الإرهابي العالمي الملقّب بالشيخ الظواهري، وقد أفتى على قناة »الجزيرة » بجواز تقديم النصرة والمعونة للشيعة، مع أنّ زعيمه بن لادن وممثّليه في العراق ما فتئوا يفتون بعكس ذلك، وقد تحوّلت العراق إلى مباراة للتفجير : هؤلاء يفجّرون مراقد الأئمّة الشيعة، وأولئك يفجّرون مساجد السنّة، ودماء العراقيّين تسيل أنهارا على مرأى من المحتلّ. كيف يكون الشيعة »إخوانا » في لبنان و »روافض » في العراق؟ ولقد اختلطت الأوراق أشدّ الاختلاط بمناسبة الحرب اللبنانيّة وانقلبت الأدوار بالمقارنة بالعراق. فــ »المقاومة » في لبنان شيعيّة، وهي في العراق سنيّة أساسا. فكيف تكون مشروعة في حالة ومذمومة في حالة أخرى؟ ولماذا اجتمعت القناة »اقرأ » مع القناة »روتانا » على تغييب الحدث مع ما تعوّدت عليه في مناسبات أخرى من استدرار الفتاوى والمشاعر؟ وكيف يساند »الإخوان المسلمون » منظمة »حزب الله » شديدة الصلة ببلد يعاقب بالإعدام من ينتمي إلى »الإخوان المسلمين »؟ وكيف يطلق على أحد المواقع المشهورة »مسلم نت » إذا كان الشيعة في نظر أصحاب الموقع مجرّد عملاء لإيران، مع أنّ كلمة مسلم تشمل الجميع : السنّة والشيعة والعرب والفرس؟ ما من حلّ لتفادي الطائفيّة إلاّ إبعاد الدين عن القضايا السياسيّة التفصيليّة التي ينبغي أن تعالج بالتحليل والاستدلال ولا شيء غيرهما. (المصدر: مجلة « حقائق » التونسية، بتاريخ 21 أوت 2006)
الأستاذ يوسف الصدّيق: ** إصدار المعنى من القرآن الكريم عملية لا يجب أن تتوقف إطلاقا ** أقول للدعاة إلى العقل تنقصكم ثورة كانطية
** عن أيّة عقل نتحدث عندما تضربنا إسرائيل؟
يوسف الصديق، هذا المفكر المثير للجدل باعتباره قارب بعض التخوم التي يعتقد حملة الأقلام أنهاذات مزالق، ولم يعبر يوسف يوما عن انزعاجه من الجدل، وما يقلقه فعلا هو أن بعضهم تحدثوا عنه أو تهجموا عليه دون أن يطلعوا على فحوى مؤلفاته التي يدعو فيها الى التدبر والتأمل وخاصة القراءة من أجل فهم جديد للقرآن وفق رؤى وتصورات يساعد عليها البحث بامكانياته وآلياته الجديدة والمختلفة.
في الجزء الأول من الحوار الذي نشرناه في عدد أمس (السبت 26 أوت 2006، التحرير) استعرض يوسف الصديق، وهو الأستاذ المختص في الفلسفة والاعلامي القدير على مدى أكثر من 30 سنة وضعية المفكرين والباحثين العرب والمسلمين في بلاد الغرب، وهو يرى أنهم 3 أنواع: نوع انخرط في لعبة الحرب على الاسلام ونوع استجاب لرغبات المؤسسات العلمية والثقافية الغربية التي تخفي السياسة المعادية للعرب والاسلام دون أن ينزلق في التصادم مع الاسلام والمسلمين، ونوع ثالث يحمل رغبة في العيش في البلاد الاوروبية للاستفادة من الحريات ويباشر البحث العلمي والفكري بكل حرية، وهو لا يهدف الى الاساءة الى أحد، انما يريد أن يكون منطلقا بكل حرية في فكره لتطوير الفكر العربي أو لتعريف الغربيين بالاسلام وبالحضارة العربية الاسلامية. وهذا النوع الثالث يجد الكثير من الصعوبات وعليه أن يقاوم وأن يصمد، وهو ولئن يتمتع بحريته المتاحة له فإنه في حاجة الى دعم ليواصل نضاله على جبهتين: جبهة تطوير الفكر الاسلامي وتحديث الفكر بصفة عامة في الوطن العربي، وجبهة مقاومة الصدام ضد الاسلام والمسلمين ومحاولة اجراء الحوار مع الآخر بكل ندية. واليوم ننشر بقية الحديث. * أستاذ يوسف، إذا كانت لديك رغبة في تطوير الفكر العربي والإسلامي فلماذا تنشر مؤلفاتك بالفرنسية؟ – أنت تعرف أني أتقن العربية جيدا، وأنت تعرف أن أول عمل لي نشرته بالعربية والفرنسية بهدف توضيح المصطلحات الفلسفية للتلاميذ والطلبة والأساتذة أيضا حتى لا تختلط عليهم المفاهيم ويحدث لديهم سوء فهم الفلسفة، ومع هذا كتبت مؤلفاتي الفكرية بالفرنسية واعتقد ان ذلك يمثل مشكلا حقيقيا وكبيرا، ان لغتي العربية تستلزم وجود متكلم وسامع، وان وجد المتكلم فالسامع غير موجود فتوجهت اذن الى الفرنسية. واليوم بعد ان حامت حولي خلافات وخلافات لا اريد الرد عليها، فاني قررت ان ادخل في مرحلة جديدة تتمثل في نشر مؤلفاتي الفرنسية بالعربية وسأبدأ بكتاب «لم نقرأ القرآن». لقد لاحظت أن عددا كبيرا من الذين كتبوا عن هذا الكتاب اما لم يفهموا المصطلحات التي استعملتها، أو أنهم أثاروا قضايا من العنوان أو من كتابات الآخرين. في البداية قلت يجب أن أتقرب الى وسائل الاعلام العربية بكل أنواعها حتى أشرح أو أوضح دون أن أرد على أحد، ومؤخرا سجلت معي «الجزيرة الفضائية العربية الواسعة الانتشار برنامجا من 4حلقات بعنوان «مسارات» وضحت فيها بعض المسائل، واني مصر على مواصلة التعامل مع الاعلام العربي لأني أعتقد بكل صدق أن جمهوري المستهدف في كتاباتي هم العرب. * كتابك الأول: القرآن: قراءة جديدة، ترجمة جديدة، وكتابك الذي أثار لغطا واسعا بعنوان «لم نقرأ القرآن» لماذا هذا الاهتمام بالقرآن في فرنسا في حين أن الغربيين في حاجة الى فهم بعض القضايا البسيطة التي يتعمد أعداء الاسلام والمسلمين تحريفها؟ – أولا أنا لا أتوجه ا لى الجمهور الغربي وان كان يعنيني جدا، فجمهوري المستهدف كما أسلفت هو الجمهور العربي.. واني أهتم بالقرآن لأنه يمثل جغرافية ذاتي وهو ديني، وتاريخي وحضارتي، ولذا رأيت من المفيد أن أهتم بما يمثل هذه الجغرافيا الذاتية. وللعلم أن كتابي الأول هو في الأصل أطروحتي العلمية لنيل شهادة دكتوراه الدولة في الفلسفة وكنت أنوي نشره منذ عام 1982 ولم أفعل إلا سنة 2005، أي في غضون السنة الماضية. لماذا هذا التأخير. في الواقع أعددت نفسي لنشر الكتاب عام 1994 لكن الموجة العارمة ضد الكاتب سلمان رشدي وقضية ضرب النساء في البلاد الاسلامية جعلتني أتراجع لأني فهمت آنذاك أن التوقيت ليس في صالح الكتاب ثم ان مخاطر سوء فهم محتواه قد تستغل ضد المسلمين. إذن تجنبا للبلبلة تأخرت في النشر. ويشهد الأستاذ توفيق بكار أننا كلما التقينا في باريس إلا وطالبني بنشره، وكان من حين الى آخر يعرض علي دراسة أو مقالا ويسألني: أليست هذه أفكارك؟ أليست هذه الفكرة موجودة في أطروحتك؟ سيواصل البعض نهشها مادامت في الجامعة نائمة ولذا عليك نشرها وإلا فإنها ستنشر في مقالات الغير ولذا تجرأت ونشرتها بعد أكثر من 20 سنة من اعدادها. وبكل بساطة لا أبحث إلا عن قراءة جديدة للقرآن، قراءة بعيدة عن التفاسير التي وضعها العلماء والمشايخ قديما، نعم يجب أن نستفيد منها، نعم يجب أن تكون معيننا على الفهم لكن المفكر العربي قادر على فهم القرآن من جديد. في البداية درّست في باريس مسألة كتبت حولها نصا بعنوان «أوهام القراءة في القرآن» بينت فيه ان البعض يتصورون أنهم يقرؤون القرآن والحقيقة أنهم لم يقرؤوا القرآن. علينا أن نعترف بذلك كما أن البعض يتوهمون أن اللّه حرّم كذا.. وحلل كذا وعندما نسألهم أين جاء التحريم، أو أين جاء هذا الحلال يقولون لك هذا موجود في القرآن وتبحث في القرآن فلا تجد لا سورة ولا آية في ذلك اطلاقا، بكل صراحة هناك أفكار رائجة عن القرآن غير صحيحة ومعلومات غير موجودة في القرآن. لنعترف اننا نتحدث عن القرآن كثيرا دون أن نقرأه. لذا كان كتابي «لم نقرأ القرآن». وهذه المسألة تصح عن الاحاديث النبوية فالكثير من الناس يقول لك هذا الأمر لا يحبه النبي محمد صلّى اللّه عليه وسلّم واذا ما بحثت لا تجد شيئا صحيحا. ألا نعرف أن الامام البخاري، طيب الله ثراه قال بأنه وجد 170 ألف حديث نبوي لكن صحيحه لا يضم غير 4 آلاف فقط أي أنه استعمل آلياته العلمية على طريقته آنذاك وحدد ما هو صحيح في الأحاديث النبوية. ألا يمكن اليوم أن ننظر الى هذه الأحاديث بمعايير أخرى، وبقراءة أخرى فالعصر تغير ولا بد من أن نبحث في الأحاديث النبوية على طريقة البخاري. ثم أني أقول بضرورة قراءة أخرى للقرآن وهذه القراءة لا تسيء الى القرآن بل تزيد الناس اقترابا من الاسلام، وعمقا في فهم القرآن. لقد كلمنا ا للّه بالقرآن، وهو الكتاب المقدس الوحيد الذي يتوجه فيه اللّه الى المؤمنين ويكلمهم ولذا فان اللّه أعطى المؤمن قيمة عليا وكلمه من خلال القرآن وجعله خليفته على الارض، أي أن هذا الانسان قادر على فهم صحيح للقرآن وفهم دائم وكلما طرأ أمر جديد على الناس في هذا الزمن أو ذاك يتغير الفهم وتتغير القراءة، ان القرآن لم يأت لعصر واحد،، انما جاء لكل العصور والى يوم القيامة، ولذا لا يمكن أن يتوقف فهمنا للقرآن على قراءات ثابتة بل يجب أن تكون متحركة ومتجددة وتعتمد الآليات الجديدة المطروحة أمامنا. ولذا أدعو الى قراءة القرآن من جديد ولا أريد أن أجادل الذين يتحدثون عن القرآن وهم لا يعرفون شيئا عنه ويعودون الى بعض السور من حين الى آخر إما أنه قرأه فهو لم يفعل أليس من العيب أن يتصدى البعض للدفاع عن الاسلام وهو لا يعرف القرآن او هو يكتفي بالوسطاء.. ونحن نعرف بأن لا رهبانية في الاسلام ولا وساطة بين الله والمؤمن. * هناك من فهم بأنك تنادي بضرورة اعادة ترتيب القرآن؟ – أبدا، لم أفعل انما فهم البعض ذلك وهم على خطإ، لقد قلت بأن جامع القرآن لم يلتزم منهجا زمنيا في ترتيبه، فقط لاظهار الدور العظيم للمؤمن وقدرته على التصرف. وهذه الفكرة لم أطرحها على القارئ العادي انما توجهت بها الى العلماء لتدبّر أمرها، أي أن المسألة علمية. هلا عرفنا أن علم أسباب النزول لم يتبلور إلا بعد نزول القرآن بـ5 قرون. واليوم أليس من الممكن النظر بعلم في القرآن من جديد. أما المواطن فإنه يمكنه أن يعيش حياته الدينية دون وساطة، وهو ليس مطالبا بما هو مطلوب من العلماء والباحثين. إني مؤمن بأنه في الامكان أن يظهر «طبري» آخر فلماذا نبقى دوما عند الطبري الذي عرفه كل العلماء ويمكن اليوم أن يكون لنا علماء في حجمه واعظم. ان اصدار المعنى من القرآن الكريم عملية لا يجب أن تنتهي ولا يجب أن تتوقف الا بنهاية الدنيا، أي بيوم القيامة بعض مفكرينا اليوم يشيدون بالمفهوم الديموقراطي الغربي القادم من عمق الفكر اليوناني، في حين انهم ينتقدون مفهوم الشورى في الاسلام ويعتقدون أن الشورى ليست من الديموقراطية. ان الديموقراطية في أثينا كانت أقل بكثير من القرآن، لقد كانت تقصي المرأة وتقصي العمال، وتقصي الغرباء عن المدينة في حين أن الشورى لا تقصي أحدا، وبالتالي فهي أكثر عمقا من ديموقراطية أثينا. ومفهوم الشورى في الاسلام وقع اهداره في البلاد الاسلامية بتركيز الوراثة في الحكم فالوراثة هي التي ألغت الشورى في الحضارة الاسلامية وتمسك بها الحكام وتمسك بها الباحثون والعلماء الذين يعيشون في فلكهم. أليس من حقنا إذن أن نطالب بقراءة جديدة للقرآن حتى نتبين حقيقة القرآن والحقائق التي ركزها المسلمون لمصالحهم وجعلوها بمثابة الدين وهناك من يعتقد أنها من الدين ومن القرآن. في سورة النور: فهم الناس على مدى القرون أنها تنتهك وضع المرأة، في حين أنها سوره عمرانية وقد أحدثت ثورة كاملة في تأسيس أخلاق العلاقة بين الرجل والمرأة. ولذا أتوجه الى الناس جميعا بأن يقرؤوا القرآن حتى يفرقوا بين ما دعا اليه القرآن.. وبين ما ركزه المسلم في الذهنية العامة الى درجة التقديس. أنا لا أحب تكفير الناس ولكني أرى أن الذين يدعون الى غلق أبواب القرآن كفّارا، لأنهم لا يساعدون على التطوير والتجديد. * أنت تعتبر أن كتابك قد أسيء فهمه: فإلى جانب مسألة الايقاع الزمني للسور وقد وضحتها هل هناك مسألة أخرى أسيء فهمها؟ – أعتقد أن مقولة قتل قابيل لهابيل هي الخيطيئة الاولى في الماورائيات الاسلامية هي مقولة عندي صحيحة بصريح القرآن الكريم علما وان الخطيئة الاولى في المسيحية هي الجنس يعني أن الخطيئة الاولى عندنا هو القتل، وبعض الاقلام فهم أني أرفض القتل مهما كانت أسبابه الشرعية وغير الشرعية ويكبر سوء الفهم الى أني أدعو المسلمين الى عدم القتال. إذا قرأنا الآية 30 من سورة المائدة سنفهم أن القاتل يحمل اثمه واثم قتيله، (ستبوء بإثمي أنا). إذن الانسان ما دام حيا له اثمان افتراضيان فاذا قتل فالقاتل يبوء باثم من قتل. هذا المعني لا يجب أن يفهم أني ضد القتال، فمن أين وجدوا هذا «التخريج». أنا أقول بما تؤكده الآية الكريمة «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها» وبعرض هذه الآية أرى أن الشيطان يمكن أن يزين للمؤمن الفجور فيظنه تقوى فهل في هذا الفهم دعوة الى رفض القتال الشرعي. ان المسلم مسالم ولكنه يقاتل من أجل الحق دون أن يعتدي. إني أدعو الى أخذ الحق بالقتال فهل يعقل مثلا أن أكون ضد المقاومة اللبنانية التي تحارب من أجل تحرير الأرض اللبنانية، أنا معها بل أرسل لها قبلاتي. القتال سنّة بشرية وقد جاء الدين الاسلامي فقنّنه. * لماذا كلما هاجمت اسرائيل العرب وعملت فيهم آلياتها وجرائمها إلا وصمت المفكرون العرب.. وبعد أن تنتهي الحرب الاسرائيلية على العرب يتحركون ويكتبون بأن العرب لا يفكرون، وبأن العرب لا يعقلون وهم عاطفيون ويواصلون جلد الذات الى حد القرف وكأنهم بذلك يؤيدون اسرائيل ويدعون العرب الى الاستسلام، لكن لمن لاسرائيل المعتدية وكأنها هي العقل وهي الحكمة؟!! – أبدأ بقضية ذاتية، منذ عام 1970 وأنا أسافر الى المشرق العربي، وقد ترددت دائما على الاردن ولبنان وقمت لما كنت صحفيا بتغطية احداث الحرب الاهلية اللبنانية. وكلما وطأت قدمي بلدا عربيا بدون أن أشعر تحضرني: أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفداء» وأتساءل مع الشاعر العربي: أنتركهم يغصبون العروبة بغير صليل السيوف» أقول ذلك وأبكي صدقني أنا يوسف الصديق مازلت ابن الشيخ الزيتوني لم أتغير انما أطرح مسائل فكرية تفيد الجميع حسب اعتقادي. أما أولئك الذين يقولون بأن العرب غير عقلانيين ويدعون الى العقل فأقول لهم: أنتم تنقصكم ثورة كانطية. إن الفيلسوف كانط يقول «العقل محل بلبلة وخلط» لو قرأتم «نقد العقل المحض» لفهمتم أن العقل محل انفراط. وأقول لهم: ان العقل ليس مؤسسة السليم.. انما الفكر هو المؤسسة ونحن نفكر ولنا نظامنا وهذا النظام يتطور وفق تفكيرنا. أنا أحترز من العقل لأنه خال من الحضارة ومن التاريخ وادعو الى الفكر. لو قرأ هؤلاء كافكا وسان برس وبلانشو وهنري ومانشو فانهم لن يجدوا في أعمالهم عقلا انما يجدون فكرا، والمطلوب هو الفكر وليس العقل. الفكر هو الفهم، وهو الذي يؤسس الحضارة. العقل أفهمه بمعنى التدبر ونحن العرب معروفون بالحكمة والتدبر وان بدا للبعض عكس ذلك. ونحن العرب قبل كانط طرحنا قضية العقل واعتبرناه قاصرا وخطرا في حين ان الفكر هو الاستقامة وهو النظام. فكيف تطالبني أن أكون متعقلا أمام أمتي مثلا، فهل لي عقل عندما أرى ما تفعله اسرائيل ضد العرب، فكيف نطالب العرب بالعقل في مثل هذه الظروف من يطالب بذلك يلتقي مع الخونة يجب أن نتدبر الأمــــر ويجب أن نفكر في وضعنا. العقل الحقيقي هو أن نكون ضد هتلر الذي أساء الى كل الانسانية وأن نكون ضد اسرائيل التي أساءت وتسيء الى الانسانية فكيف يمكن للعقل أن يكون ضد هتلر ومع اسرائيل، انه الخور بعينه أما الفكر فهو الذي يزخر بالحضارة وبالتاريخ ومن خلاله نتحرك. (المصدر: جريدة « الصباح » التونسية الصادرة يوم 27 أوت 2006)
يوسف الصدّيق والمخاتلة الدينيّة !
البحري العرفاوي في حوار خاصّ مع مجلّة »حقائق » (العدد 8) أثار الصدّيق دخانا كثيفا داخل الحقل الدّيني معتمدا أساسا آيات قرآنيّة يوظّفها توظيفا رخوا لتشكيل ملامح خطاب يريده أن يصل »إلى عامّة الشباب » حتّى »نقلّص إلى أبعد الحدود التطرّف والإرهاب باسم الإسلام ». وإذ نكبر في المفكّر الصدّيق حماسته في الدّفاع عن الإسلام وحرصه على تنقيته ممّا شابه وحجب عمقه الإنساني ونزوعه العقلاني، فإنّه من الضروري الكشف عمّا بدا »مخاتلة » دينيّة، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون مجرّد سوء فهم لآي القرآن في ما سنشير إليه. بين الإجرام والدّفاع عن النفس علينا أن نفرّق بين ما هو مثالي إطلاقي في الخطاب القرآني وبين ما هو عملي تطبيقي تقتضيه الوقائع والأحداث، أي بين ما نتمنّى أن يحصل وبين ما يجب أن نفعل. إنّ القرآن رسم الهدف الأقصى لعلاقات إنسانيّة يتعايش ويتعاون ويتعارف فيها النوع الإنساني دون تمايز أو تقاتل تجمعهم الهويّة الإنسانيّة والاستفادة المشتركة مما سخّر لهم من الثمرات وعناصر الطبيعة. ولكنّ القرآن بواقعيّته ذكر أنّ مظالم سوف تحصل وأنّ هذا الكائن البشري سيرتكب اعتداءات وجرائم وأنّه لابدّ من أن يؤخذ على يده بالقدر الذي يحقق الأمن والسلم. القرآن لم يقل إنّ على المظلومين والمعتدى عليهم أن يمدّوا خدّهم الأيسر بعد الأيمن، ولم يقل إنّ عليهم أن يفرّطوا في أرضهم وعرضهم ومالهم للمحتّلين واللّصوص… هذا خطاب رخو يروّجه الصدّيق حين يزعم بأنّ قدر المسلم الصالح هو التعرّض للأذى والقتل دون ردّة فعل حتّى ينال مرضاة ربّه ! »إنّ المسلم الصالح هو الذي يكرّر كلّ يوم : أنا لن أقتل، لن أقتل ولن أسرق ولن أكون سببا في إيذاء غيري، حتّى يلقى ربهّ وهو راض عنه… فما دام المسلم حيّا فهو عرضة للشرّ ولقتل غيره وهو ليس آمنا على نجاته ولا رسول الإسلام كذلك… ». نعم إنّ المسلم مسالم لا يقتل ولا يؤذي لا بيده ولا بلسانه ولا حتّى بنظراته… ولكن ماذا إذا تعرّض لاعتداء واحتلال ؟ ماذا إذا أصبح مهددا في أرضه وعرضه وماله ودمه وثقافته ؟ ! هل عليه أن يتحمّل حتّى يلقى الله وهو راض عنه ؟ ! لم نعلم أنّ الله يرضى لعباده مسلمين وغير مسلمين المذلّة والمهانة والخنوع »ولقد كرّمنا بني آدم ». الصدّيق يناقض نفسه فهو من ناحية يعتبر القصّ القرآني رمزيّا ولكنّه حين يتعلّق الأمر بابني آدم يأخذ القصّة على أنّها تأسيس لمبدإ أخلاقي ثابت وهوأن يقبل الواحد منّا بدور »هابيل » فيكون قتيلا يطهّر من آثامه!! أي »رهبانيّة » هذه يا يوسف!! وأيّ فلسفة تعلّمنا أن نمدّ رقابنا للقتلة حتّى لا نكون متزمّتين أو إرهابيين !! »فلمّا أعطيك خدّي الثاني لا يبقى عندي خدّ آخر فأدفعك إلى نفسك حتّى تقول : لقد استوفيت الخدين فأنا هنا في وضع الجلاّد ». علينا إذن أن نستلقي للعدوانيين يشبعون ساديّتهم ونهمهم وجشعهم حتّى يكتشفوا بأنّهم جلاّدون!! وإذا متنا تحت الجلد ولم ننتفع بعودتهم إلى رشدهم فسنلاقي الله وهو راض عنّا!! »فما دمت حيّا عليّ إثم وأنت كذلك أمّا إذا قتلتني فستأخذ إثمي معك وتبرّئني »!! هل أن أكون حيّا هو »إثم » ؟ » هل علينا أن نعرّض أنفسنا على أوّل قاتل حتّى نتطهّر من آثامنا؟ إذا كان في ظاهرة القتل هذه المزايا فلماذا يحرص الصدّيق على مواجهة التكفيريين الإرهابيين… دعهم يطهّروننا من آثامنا!! أم أنّ القتل المطهّر هو فقط الذي تصنعه طائرات وصواريخ وقنابل المحتلّين!! أيّ مخاتلة هذه يا يوسف! وإذا كان السيد يوسف الصديق -برهبانيّته- مستعدّا لتقبّل »القتل » مطهّرا من الإثم فنأمل أن يتقبّل هذا النقد الهادئ كاشفا لبعض المزالق الخطرة والمخاتلة الدينيّة التي لا تنطلي على أمّيّ، ناهيك عن ذي عقل أو قراءة واقعيّة للقرآن الذي »لم يقرأه بعد »!! وأدعو يوسف أخيرا إلى زيارة العراق وفلسطين لترويج خطابه هذا!! (المصدر: مجلة « حقائق » التونسية، بتاريخ 21 أوت 2006)
الولاء: للعقيدة أم للوطن؟
السيد ولد أباه
سمعت أحد قادة الرأي في العالم الإسلامي من علماء الدين يجزم بوضوح لا لبس فيه أن الإسلام لا يعترف بمفهوم المواطنة ولا بالكيانات الوطنية الضيقة، فالولاء الوحيد الذي يقره هو ولاء العقيدة لا ولاء الوطن الذي نعته بالشوفينية المرفوضة.
يطرح هذا القول إشكالية فكرية وإجرائية معقدة في الساحة الإسلامية التي تعرف هذه الأيام استقطابا حادا بين المتشبثين بالخيار الوطني والمتمسكين بالصف العقدي. ولهذا الاستقطاب آثار عملية بادية للعيان كشفت عنها الأزمات المشتعلة في المنطقة سواء تعلق الأمر بفلسطين أو العراق أو لبنان.
ففي الموضوع الفلسطيني يشتد التناقض بين منطق التسوية السلمية بحسب معايير الشرعية الدولية، والتفاوض الثنائي الذي تتبناه الحركة الوطنية الفلسطينية من منطلقات وطنية واقعية (خط الرئيس محمود عباس ومنظمة فتح) ومنطق الصراع الحضاري والقومي الذي تعتمده حركات المقاومة الإسلامية بدعم واسع من التيار القومي الإسلامي(خط حكومة حماس)
وفي الملف العراقي يصل الصدام الى حده الأقصى وإن التبست خيوطه على خطي المواجهة الطائفية والإقليمية، حيث يرفع بعض ناشطي المجموعات الشيعية شعار الخصوصية الوطنية للتحرر من تركة النظام القومي البعثي، وان كانوا في الآن نفسه طرفا في لعبة إقليمية إيرانية تؤطرها وشائج القرب الطائفي.
وفي الطرف الآخر تتأرجح حركة المقاومة بين التيار الرافض للمعادلة الجديدة من منطلق مواجهة الاحتلال والتمسك بالسيادة الوطنية والتيار الراديكالي الذي يستند في حربه الإرهابية على الدولة الجديدة على منطق الشرعية العقدية (القاعدة والتنظيمات الموالية لها).
وفي الساحة اللبنانية حيث المعادلة الطائفية المعروفة تتصادم الاتجاهات وفق خطوط تصدع عديدة من آخر تجلياتها الحرب الأخيرة التي قادها حزب الله على الخطين.
وقد ينظر إلى الظاهرة في سياق أوسع، تناوله الصديق برهان غليون في كتابه الهام «المحنة العربية الدولية ضد الأمة» الذي درس فيه تعايش الزمنين الوطني والقومي في الوعي السياسي العربي المعاصر، بيد أن ما يهمنا في هذا الحيز هو إبراز نتائج هذا التعايش في الواقع السياسي العربي.
فغني عن البيان أن الانفصام القائم في الساحة العربية الإسلامية بين أنماط الوعي الوطني والقومي والعقدي لا أثر له في السياق الغربي حيث استطاعت الدولة الوطنية أن تشكل إطارا اندماجيا واسعا يستوعب ويتجاوز الانتماءات الخصوصية في نسق المواطنة، كما تمكنت في الآن نفسه عن طريق آليات التنظيم السياسي التعددي من استيعاب التنوع العقدي وإدارته سلميا.
ولقد عجزت الدولة العربية الإسلامية عن تأدية هذه الدور لجملة أسباب يطول ذكرها نقف من بينها على سببين محوريين:
أولهما: طبيعة التركيبة المجتمعية التي لا تزال تغلب عليها أشكال الانتماء ما قبل المدنية الحديثة بنظامها الهرمي التراتبي الذي يولد كوابح فعلية ضد تجذر الدولة المركزية الناشئة التي تعيد إنتاج التركيبة ذاتها لأسباب عملية.
وقد أطلق عالم الاجتماع الموريتاني عبد الودود ولد الشيخ على هذا النموذج تسمية «الدولة السلطانية الجديدة». فما يميز هذه الدولة عن الدولة السلطانية الوسيطة هو هذا الائتلاف بين البنية البيروقراطية المركزية (التي هي نتاج النسق السياسي الحديث) والتركيبة العصبية الأهلية من حيث وظيفتها المزدوجة في أرضية السلطة.
ثانيهما: الطابع العقدي للدولة التي لم تستطع الانتقال من المقاربة بالجوهرية للقيم الجماعية (أي تحديد نسق مسبق للنموذج المجتمعي) إلى المقاربة الإجرائية التي هي السمة المميزة للديمقراطيات الحديثة.
ولا يعني الأمر هنا حصر الإشكالية في الحوار الزائف حول العلمانية، وإنما النظر في طبيعة الدولة نفسها التي لم تعد شرعيتها قائمة على الهوية العقدية وإنما على التعاقد المدني المولد لقيم الاجتماع المشتركة والحاضن لحرية الوعي والتعبير. لقد تولد عن هذا الخلل في قيم المواطنة تحول الانتماءات الأهلية والعقدية والآيديولوجية إلى خطوط تصدع في تركيبة الدولة ذاتها وكأننا أمام مشاريع دول متصادمة وليس أمام مشاريع مجتمع متضاربة ضمن نسيج وطني موحد.
وتشكل هذه الخلفية عائقا جوهريا من عوائق التحول الديمقراطي في البلدان العربية لغياب دائرة الإجماع الوطني التي تقتضيها المنافسة السياسية كشرط من شروط التحكم السلمي في الصراع الاجتماعي ـ السياسي القائم.
وإذا كانت الدساتير الوطنية تنص بوضوح على مجموعة من الثوابت الأساسية التي تؤطر وتوجه العمل السياسي، إلا أن هذه النصوص الشكلية نادرا ما تعبر عن قيم متقاسمة ومجمع عليها، بل هي في الغالب اقتباسات من النصوص الدستورية الأوروبية، مما يفسر سهولة انتهاكها وتوظيفها في مسارات وسياسات متعارضة.
لقد كشفت التحقيقات البريطانية الأخيرة حول الخطة الإرهابية المجهضة التي كانت تهدف إلى تفجير الطائرات المتجهة لأمريكا حقيقة مؤسفة لا بد من الإقرار بها، وهي عجز الأجيال الجديدة من أبناء المهاجرين المسلمين إلى الغرب عن الاندماج النشط في بلدانهم التي ولدوا فيها وسهولة اقتناصهم من دعاة الإرهاب والتطرف، مما ينم عن خلل خطير في وعي المواطنة التي تصطدم لدى الكثيرين بالولاء العقدي، غير مدركين أن المكسب الأكبر لعصور الحداثة هو تحويل الدولة من حصن العقيدة إلى فضاء ضيافة يستوعب الجميع.
(المصدر: صحيفة الشرق الاوسط الصادرة يوم26 أوت 2006)
الكلّ ينتظر موعد أول أيلول (سبتمبر) …
«الكومنترن الإيراني» يعزّز حضوره الإقليمي بعد الحرب على لبنان
مصطفى اللباد (*) سكتت المدافع وانقشع غبار المعارك لتبدو صورة المشهد اللبناني والإقليمي مختلفة إلى حد كبير عن حالها قبل العدوان الإسرائيلي، إذ تغيرت التوازنات والأوزان الإقليمية واختلطت الأوراق والحسابات المحلية في شكل يضع منطقتنا أمام حقائق جديدة وبما يتجاوز الحدود السياسية لمسرح العمليات العسكرية لبنان. هندسة الخراب الإسرائيلية المرسومة بطائراتها المغيرة والموزعة على مناطق لبنان لم تستطع أن تطمس محدودية القوة الإسرائيلية الشاملة، بعد أن فقدت آلتها العسكرية هيبتها في المنطقة. خرج «حزب الله» من المعركة ونفوذه المعنوي يتعزز بعد أن أفشل العدوان وبقي سلاحه وترسخت تحالفاته الإقليمية. نجحت واشنطن بنفوذها الطاغي على النظام الدولي في الخروج بقرار مجلس الأمن الرقم 1701، الذي لم يعكس الواقع العسكري على الأرض، ما ساهم في تعديل النتيجة استراتيجياً لتصبح نصف انتصار فقط لمصلحة «حزب الله» بدلاً من إخفاق إسرائيلي كامل. أما الأوزان الإقليمية المترتبة على نتائج الحرب فلا يمكن ضبطها بقرار دولي يحدد الرابحين والخاسرين بقدر ما تترجم وفقاً لموازين القوى على الأرض. ولما كانت الحال كذلك يبدو واضحاً أن النفوذ الإقليمي الإيراني، الذي استهدفته واشنطن بالحرب التي جرت على أرض لبنان، قد زاد حضوراً على حضوره. وإذ أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس أثناء القصف الجوي المتواصل للأهداف المدنية اللبنانية أن الحرب هي «ميلاد» لشرق أوسط جديد، فإن رياح المعركة جاءت بصورة جديدة للشرق الأوسط لا تطابق ما اشتهته. حيث أثبتت الحرب، في ظل عجز إسرائيلي عن حسمها عسكرياً طوال أكثر من شهر وبتغطية أميركية عسكرية وديبلوماسية كاملة، أن هناك توزيعاً جديداً للأوزان الاستراتيجية بدأ في فرض نفسه على الخريطة الإقليمية، وهو التوزيع الذي يعكس بدقة اللحظة التاريخية الراهنة. ولأن التغيرات الكمية تحدث تغيرات نوعية، مثلما أثبت هيغل في ديالكتيكه الشهير، فقد أحدثت التغيرات السياسية والاستراتيجية الكمية في منطقتنا منذ احتلال أفغانستان 2001 والعراق 2003 وأخيراً حرب لبنان 2006 تغيرات نوعية عميقة الأثر، تمثلت في بروز نفوذ إقليمي إيراني قل نظيره في تاريخ إيران والمنطقة. ويعود هذا النفوذ إلى جملة من العوامل والأسباب يأتي في مقدمها الاخفاقات السياسية المتوالية لإدارة المحافظين الجدد الحاكمة في واشنطن. صحيح أن إيران نسجت بدأب وصبر «سجادتها الإقليمية» الممتدة من حدودها الغربية مروراً بالعراق وسورية وجنوب لبنان، حتى صارت «الحدود الإيرانية – الإسرائيلية» أمراً واقعاً في جنوب لبنان، إلا أن الآلة العسكرية الأميركية المنفلتة من عقالها في منطقتنا، قدمت أثمن الهدايا لإيران كي تمدد نفوذها الإقليمي في عموم المنطقة كما لم تفعل من قبل في تاريخها. والاخفاقات السياسية الأميركية في العراق تحديداً سمحت ببروز إيران كلاعب أساسي في بلاد الرافدين المحتلة أميركياً، وهي مفارقة تتكرر يومياً منذ احتلال بغداد وحتى كتابة هذه السطور. ولأن المرجعية الدينية والسياسية لـ «حزب الله» هي إيران، الداعم الحصري للحزب، فمن الطبيعي أن تكون نتيجة حرب لبنان 2006 عاكسة لنفوذ الأطراف المتحاربة ومن وراءها تحالفاتها الإقليمية. وهكذا يصب الانتصار المعنوي والعسكري لـ «حزب الله» في نهر المصالح الإقليمية لإيران، التي خرجت من هذه الحرب وهي في حال إقليمي أفضل مما كانت عليه قبل اندلاعها. ربما استهدف القرار 1701 في المقام الأول إلغاء «الحدود الإيرانية – الإسرائيلية» عبر دفع قوات «حزب الله» إلى ما وراء نهر الليطاني، وهي نتيجة لم يستطع الجيش الإسرائيلي تحقيقها على أرض المعركة، ولكن الحدود السياسية للدول ليست سوى متخيل نظري لا وجود فيزيقياً له إلا على الخرائط، الأمر الذي يجعلها بالنهاية ترجمة للتوازن القائم إقليمياً ودولياً. ولئن ارتبط تاريخ لبنان منذ استقلاله في العام 1943 بالتوازنات الإقليمية التي جعلته بؤرة للصراع الإقليمي وترمومتراً لا يخيب في قياس حرارة الأوزان الإقليمية المختلفة، إلا أن الجديد هذه المرة هو اعتراف القوة العظمى الوحيدة بقواعد اللعبة هذه ومحاولتها التأثير سلباً في نفوذ إيران الإقليمي من الباب اللبناني عبر نزع سلاح «حزب الله». كان التصور الأميركي الحاكم قبل الحرب يستند الى القدرة الإسرائيلية على إنجاز مهمة نزع سلاح الحزب في فترة زمنية لا تتجاوز أسبوعين، مع مراعاة توفير الغطاء الدولي اللازم، وحصر العمليات العسكرية في مناطق وجود الشيعة في لبنان (الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية) واستثناء العاصمة بيروت من القصف الجوي لضمان تحييد الألوان الطائفية اللبنانية الأخرى في المعركة. أما الحسابات الإيرانية فانطلقت من فرضية أن المعارك العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، ستضغط على النظام العربي الرسمي في شكل غير مسبوق، خصوصاً في ظل فشل عملية السلام والعربدة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يتيح لإيران أحسن الفرص في ترجمة هذا الضغط لمصلحة تمددها المعنوي في المنطقة، وهو ما أثبتته الحرب بالفعل. كما بنيت الحسابات الإيرانية على معرفة الصلابة العقائدية والقتالية لمقاتلي «حزب الله»، وفرضية أن هذه الصلابة ستمنح إيران فرصة توجيه الرسائل، العسكرية منها والسياسية، إلى القوى الإقليمية والدولية. وتطابقت الحسابات السياسية لكل من واشنطن وطهران من زاوية أن المعركة التي دارت على أرض لبنان هي «بروفة» لمعارك عسكرية مقبلة. وفي حين استعرض الطيران الإسرائيلي قدراته التقنية الأميركية وقنابله «الذكية» القادرة على اختراق التحصينات تحت الأرض في إشارة إلى المنشآت النووية الإيرانية وإمكان استهدافها، أبلى مقاتلو «حزب الله» أحسن البلاء في منع تقدم القوات الإسرائيلية وفي حصد الآليات والمدرعات الإسرائيلية بالمضادات الإيرانية المعدلة. وزاد «حزب الله» من جرعة الرسائل باستهدافه المدن الإسرائيلية بالصواريخ الإيرانية، حتى طاولت هذه الصواريخ تدريجاً حيفا وما بعد حيفا، تاركاً رسالة لواشنطن هي أن طهران تستطيع بالفعل استهداف تل أبيب المكتظة بالسكان بصواريخها من طراز شهاب – 3 في حال تعرضها لهجوم أميركي. طورت إيران أوراقها الإقليمية ببراعة، وإضافة إلى تحالفها الإقليمي وموقعها الجغرافي المطل على الخليج وقدرتها على تعطيل مرور النفط منه إلى الأسواق الدولية، فقد عمدت إلى ترقية وضعها الأيديولوجي تجاه العرب الشيعة ليصبح في وضعية يمكن مقارنتها بوضعية الاتحاد السوفياتي السابق إزاء الشيوعيين في بلدان العالم المختلفة. ووفقاً لهذا التطوير صارت إيران بعد ربع قرن من ثورتها الإسلامية بمثابة المرجعية السياسية للشيعة في العالم، وعلى هذا المقتضى صبت نضالات الشيعة في لبنان وقضاياهم العادلة من أجل تحرير مزارع شبعا – احتسبوا أم لم يحتسبوا – في مصالح إيران الإقليمية، تماماً كما استثمر الاتحاد السوفياتي السابق نضالات الشيوعيين في بلدانهم المختلفة لتصب في مصالحه الدولية. وبسبب غياب «المشروع العربي»، لم يتبق في المنطقة من مشاريع إقليمية سوى مشروعين: الأول من إعداد المحافظين الجدد يهدف إلى فرض شرق أوسط جديد منزوع الهوية وبقيادة إسرائيلية، والثاني في المقلب الأخر يرمي إلى الهدف ذاته، أي إلى قيام شرق أوسط جديد، ولكن بقيادة «الأممية الشيعية» أو «الكومنترن الإيراني» وتحالفاته الإقليمية. وفيما «السياسة العربية» متشككة حيال المشروعين وفاقدة القدرة على فرض مشروع مغاير، تمضي المنطقة في طريقها إلى تصعيد جديد حول الملف النووي الإيراني. فقد ضغطت واشنطن – المفلسة سياسياً واستراتيجياً أمام المناورات والمداورات الإيرانية – على دول مجلس الأمن لتمرير القرار الدولي 1696 أثناء العدوان على لبنان، والذي يمهل إيران حتى نهاية الشهر الجاري لإيقاف تخصيب اليورانيوم، وإلا ستواجه بعقوبات بحسب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. لكن العقوبات الدولية المتوقعة على إيران لن تسهم في تحييد طموحاتها الإقليمية، بل سيتم تنفيسها – في ضوء خبرة المنطقة في السنوات الثلاث الماضية – احتقاناً إقليمياً إضافياً في جوارها الجغرافي، وبما يجعل بداية الشهر المقبل مرحلة جديدة من التصعيد النوعي في المنطقة. أثبت «العقل السياسي» الإيراني، في غير مناسبة، حضوره كقوة إقليمية نافذة في المنطقة، وباستخدام إمكانات أقل بما لا يقاس من إمكانات واشنطن وتحالفاتها في المنطقة، وفي المقابل ما زالت إدارة المحافظين الجدد تتخبط من ورطة إلى أخرى وتهرب إلى الأمام بحل أزماتها بالقوة العسكرية المجردة من تصورات سياسية تأخذ في الاعتبار مصالحها من ناحية، ومصالح حلفائها في المنطقة من ناحية أخرى. ما لم تدركه الإدارة الأميركية حتى الآن، أن التناقض الأساسي في منطقتنا يقوم من زاوية النظر العربية على الصراع العربي – الإسرائيلي، في حين يبقى التنافس الإقليمي مع إيران في مرتبة التناقض الثانوي. ما زال للدول العربية بعض القدرة على الإيذاء والعرقلة، وإن فقدت القدرة على المشاركة في فرض الإيقاع في المنطقة بسبب سياسة المحافظين الجدد، التي تضعف قدرة الدول العربية على القيام بأدوارها الإقليمية في شكل يحفظ الحد الأدنى من مصالحها ويضع الطموح الإقليمي الإيراني في حجمه الطبيعي. ولئن ساهمت إيران في سعيها الحثيث إلى القيام بدورها الإقليمي على حساب الأدوار العربية في طمس ترتيب التناقضات السالفة، إلا أن استمرار التعنت الأميركي في الاستجابة إلى الحد الأدنى من المطالب العربية لحل الصراع مع إسرائيل من شأنه أن يسوق المنطقة في طريق إجباري بقيادة «الكومنترن الإيراني». (*) خبير في الشؤون الإيرانية والتركية – القاهرة. (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 21 أوت 2006)
جنرال في الجيش اللبناني لـ«الصّباح»: «حزب اللّه» لن يكون قادرا على خوض حرب أخرى مع إسرائيل قبل عامين
«نزع سلاح حزب اللّه» خسارة للبنان ومقاتلوه مكسب دفاعي»
* من مبعوثتنا الخاصة إلى لبنان:منى اليحياوي بيروت ـ الصباح حول الأوضاع الأمنية في الجنوب اللبناني وما إذا كان الوضع يرجح اندلاع الحرب من جديد بالاضافة إلى مواضيع نزع سلاح «حزب الله» وانتشار القوات الدولية والعلاقات مع اسرائيل وغيرها من المواضيع كانت محور اللقاء الذي جمعنا مع جنرال في الجيش اللبناني طلب عدم الكشف عن هويته. * كيف تقيم الأوضاع الأمنية في الجنوب من وجهة نظر عسكرية؟ وما هي توقعاتك؟ ـ من هنا الى شهر أو شهرين لن يكون هناك تحرك عسكري لا من قبل اسرائيل ولا من قبل «حزب الله»… اسرائيل لا تزال غارقة في مشاغلها الداخلية التي تفجرت بعد الحرب وهناك عمليات تقييم داخلي اسرائيلي لنتائج الحرب وهناك حتى محاسبات للجنرالات وللقادة العسكريين والسياسيين.. وتجرى الآن داخل اسرائيل عمليات اعادة حسابات وترتيب أوراق تتعلق بالتدريبات العسكرية وتحضير الجيش وهذا يتطلب وقتا… كذلك الأمر بالنسبة لـ«حزب الله» الذي فقد بدوره الكثير من قوته خاصة أنه فقد التواجد السكاني في القرى الجنوبية الذي كان يسهل حركة عناصره ويمثل غطاء للمقاومة لأن طريقة القتال التي يعتمدها الحزب في حربه تتطلب هذا الغطاء وتتطلب وجود مبان تحمي مقاتليه من قصف الطائرات لكن اسرائيل قامت بتدمير عدد من القرى تماما ولم تترك فيها منزلا واحدا.. أية سيناريوهات لإسرائيل و«حزب الله»؟ * ماذا عن السيناريوهات المتوقعة بعد انتهاء الطرفيين من اعادة ترتيب أوراقهم؟ ـ لا أحد بامكانه أن يتكهن بذلك لكن هناك حقائق ميدانية لا يجب تجاهلها في هذا الاطار ويمكن أن نستدل بها اذا ما كان الوضع سينفجر من جديد.. كان من الواضح في الفترة الأخيرة من الحرب أن الحزب تراجع أداؤه بشكل كبير ولو تواصلت العمليات العسكرية 5 أيام أخرى فقط لكان الحزب قد انهزم واستسلم.. لقد لا حظنا أن اسرائيل خلال الأيام الأولى من الحرب لم تكن قادرة على التقدم داخل لبنان سوى أمتار قليلة وكبدها ذلك خسائر كبيرة لكنها في الايام الأخيرة من الحرب تمكنت من التقدم 30 كلم داخل الجنوب.. وكما ذكرت في البداية فان السبب يعود الى فقدان الحزب قدرته على التحرك بحرية وتنفيذ عملياته التي كانت تنطلق من بين المدنيين ووسط القرى وكانت مجموعات الحزب تتحرك ضمن مجموعات مقسمة لا يتجاوز عدد كل منها 5 مقاتلين يتحركون ضمن اطار محدد لهم يزودون فيه بما يحتاجونه.. لكن تواصل القصف وتدمير البيوت وتهجير السكان شل حركة الكثير منهم… أعتقد أن الحزب لن يكون قادرا على خوض حرب أخرى مع اسرائيل قبل عامين اذا لم يكن أكثر خاصة وأن عديد الصعوبات والانتقادات سيتعرض لها «حزب الله» من قبل القاعدة الشعبية حتى الشيعية نفسها وذلك بسبب الأوضاع الاجتماعية التي ستطفو على السطح قريبا وواقع المهجرين والذين فقدوا منازلهم.. تحديات الفترة المقبلة * أنت تتحدث اذن عن فقدان الحزب لشعبيته لكن الحزب وعد باعادة تعمير ما دمرته اسرائيل وقد كسب بذلك المزيد من الشعبية لمسناها من خلال زياراتنا للمناطق المنكوبة.. في المقابل سجلنا انتقادات للحكومة لتأخرها في المشاركة في مساعدة المنكوبين؟ ـ نحن الشعوب العربية دائما ما نصفق للرابح تلك طبيعتنا فنحن شعوب تحركنا العاطفة أكثر من العقل… بعد أسابيع قليلة ستفتح السنة الدراسية أبوابها وبعد شهور قليلة سيحل فصل الشتاء وسيستيقظ الذين فقدوا منازلهم وعملهم على واقع لن يكون من اليسير تجاوزه قبل مدة من الزمن حينها سيبدأ التذمر والمطالبة… تدخلات الحزب الحالية في مساعدة المتضررين الآن لا تتعدى تقديم مبلغ من المال لاكتراء منزل لكن أين سيتم ذلك؟ الأكيد أنه لن يكون في الضاحية ولا في الجنوب الذي تعرض للتدمير الكلي تقريبا اذا سيكون الحل أمام هؤلاء بيروت الغربية وهناك أسعار الكراء مرتفعة والأكيد أنها سترتفع أكثر في ظل تزايد الطلب وحتى ان تمكن هؤلاء من الحصول على مسكن هل سيكفيهم المبلغ طيلة هذه الفترة وماذا عن حصولهم عن عمل وأين سيدرس أولادهم… الحديث عن عدم تدخل الدولة ليس صحيحا لأنه في نهاية الأمر هي التي ستتحمل الجزء الأكبر من عمليات اعادة الاعمار… ما قدمه الحزب هو عبارة عن حقنة مورفين للمريض في انتظار قدوم الطبيب.. دور الجيش في الدفاع عن لبنان * يتحدث الكثيرون عن عدم قدرة الجيش على الدفاع على لبنان وعجزه عن الدخول في معركة مع اسرائيل.. ماذا ترد على هذا الطرح؟ ـ ليس صحيحا أن الجيش اللبناني غير قادر على الدفاع على لبنان… نحن لم ندخل الحرب الأخيرة لأنه كان سينظر الى ذلك على أساس أن الدولة هي التي تخوض هذه الحرب والشعب كذلك… الجيش قادر على الاضطلاع بمهامه والدليل على ذلك أن عملية الانزال الأخيرة التي قامت بها اسرائيل في صور بعد الاتفاق على وقف اطلاق النار أحبطها الجيش اللبناني وليس مقاتلي «حزب الله»…وحتى في السابق أي في الحروب السابقة كان الجيش قادرا على مواجهة اسرائيل…في أحد المعارك السابقة أذكر أن الجيش الاسرائيلي طلب هدنة بعد 36 ساعة لاسعاف الجرحى… نحن عندما نخوض حربا هدفنا حماية الشعب.. في المقابل «حزب الله» يخوض المعارك من داخل المدنيين وهي طبيعة منهجه القتالي وهي حرب العصابات… * هل افهم من حديثك أنك مع نزع سلاح الحزب الذي هو مطلب اسرائيل وأمريكا في نهاية المطاف؟ ـ لا من قال هذا الحديث؟ نزح سلاح الحزب هو خسارة للبنان لأن مقاتلي الحزب وطريقة قتالهم مكسب دفاعي للبلاد لا يجب التفريط فيه.. على الدولة أن تدعم الحزب وتموله وعلى هذا الأخير أن ينجح في اثبات دفاعه عن مصالح لبنان وليس عن مصالح جهات غربية وهذا الموضوع هو بين يدي أمينه العام حسن نصر الله… لكن تمويل الدولة للحزب لا يجب أن يكون مشروطا بمعرفة عناصره وتجريده من طبيعة عمله السرية التي هي نقطة قوته.. العلاقات مع سوريا والملف النووي الإيراني * كيف تقيم العلاقات السورية اللبنانية بعد التطورات الأخيرة؟ ـ العلاقات اللبنانية السورية سيئة للغاية وستبقى والخلاف أو المشكل بين البلدين هو قائم منذ القدم… * لكن سوريا لم تقف الى جانب لبنان في هذه الحرب؟ ـ أبدا سوريا استفادت من الحرب على لبنان على جميع الأصعدة…حتى التهجير الذي حصل خلال الحرب استفادت منه سوريا ماديا حيث انتعشت أسعار الكراء والنقل.. * هل أنت مع انتشار القوات الدولية على الحدود السورية اذا؟ ـ أعتقد أن ذلك ضروري لمراقبة ما يحدث على الحدود من انتهاكات سوريا للأرض اللبنانية وأعمال أخرى… وهذا يحدث في الكثير من الأحيان سيما في ظل غياب ترسيم الحدود الى الآن * هل يمكن أن تندلع حرب اقليمية في المنطقة تكون فيها سوريا وايران طرفين سيما ان ايران لم تستجب للمطالب الدولية بشأن برنامجها النووي؟ ـ ايران ستستجيب لمطالب الدول الغربية بشأن برنامجها النووي في القريب العاجل والمسألة لا تتعدى مسألة وقت وايران ليس من مصلحتها الدخول في حرب… (المصدر: جريدة « الصباح » التونسية الصادرة يوم 27 أوت 2006)
المغرب والإرهاب
محمد الاشهب ثلاث سنوات مرت والمغرب لم يغادر مربع القلق الذي أحدثته فجوة الهجمات الانتحارية في الدار البيضاء، وما تبعها من الاعتقالات والمتابعات القضائية وأحكام الإعدام وجيل الاصلاحات التي طاولت الحقل الديني والقضاء الاجتماعي والمقاربات الأمنية. ومع ذلك تنفجر بين الفينة والأخرى معطيات حول تفكيك خلية إرهابية هنا وهناك. والأرجح أنه مثلما تجرب السلطات تقصي دهاليز الإرهاب الأعمى في طور التخطيط واستقطاب الانصار داخل البلاد أو في محيطها الأقرب، تسابق التنظيمات ذات الصلة في مساحات الزمان والمكان للإعلان عن وجودها. إن الواقع المغربي ليس هدفاً. قد تلتقي معتقدات خاطئة وملغومة لجهة استخدام البعد الديني في تصريف ردود فعل أخلاقية ضد مظاهر الانفتاح المناقضة لمفهوم «أسلمة» المجتمع باعتباره المظلة التي يحتمي بها المتطرفون الجدد على غرار «الخوارج» القدامى. وقد تجد لها متنفساً في الاستسلام الى مشاعر دفينة في رفض الانصياع الى قيم التحديث والتعايش وتقبل الآخر، لكنها تبقى متأثرة بأحداث وصراعات تدور في مواقع أخرى، أقربها أن غالبية الخلايا التي تم تفكيكها في المغرب خلال السنوات الثلاثة الفائتة ركزت على استقطاب المتطوعين الراغبين في الانضمام الى المقاومة العراقية في غضون استمرار الاحتلال الأميركي، واتخذت لها مواقع للتدريب في مناطق عازلة عند مثلث حول الساحل جنوب الصحراء، كون تضاريسها مشابهة لأفغانستان وذات امتداد صحراوي تحجب فيه رقابة الحدود والتحركات وتجارة الأسلحة والتهريب والهجرة غير الشرعية. وفيما استطاع بعضها أن ينفذ الى العراق عبر تنظيم محكم له امتدادات في بلدان أوروبية يضم شباناً غاضبين متحدرين من أصول مغاربية، استبدل آخرون مفهوم «الجهاد» في العراق بجهاد في الداخل، ما يعني أن مصدر تفريخ الإرهاب واحد، أكان يضرب في مصر أو السعودية أو إندونيسيا أو مدريد أو لندن أو غيرها، طالما أن هناك بؤر توتر متزايدة تغذي الشعور باليأس وتزيد في تنامي الأحقاد. لم يحدث للدول العربية مشرقاً ومغرباً أن كانت عرضة لهذا النوع من الصدام الذي يزيد عن كونه حركة تمرد أو احتجاج، كما في ردود الفعل المختلفة التي تترتب على معطيات اجتماعية وسياسية وثقافية. فقد كان الانفلات الأمني يحدث بمبررات محدودة في الزمان والمكان، غير أنه لم يكن يرتدي الطابع الراهن في فترة يرفع فيها شعار الحرب على الإرهاب متقدماً على ما عداه من الحروب والأسبقيات. ومنطق الأشياء يفرض أنه كلما اشتدت ضربات الحروب الوقائية والمباشرة كلما تراجعت الظاهرة، إلا أن عكس ذلك ما يسري مفعوله. ليس بسبب أن الحرب على الإرهاب تختلف عن المواجهات الملموسة لاقتفاء أثر عدو ملموس فقط. وليس لأن نفوذ هذه الحرب يتجاوز الاستراتيجيات المتعارف عليها في أي مواجهات عسكرية واقتصادية فحسب، ولكن لأن هذه الحروب تشعبت فصولها وتباينت أهدافها، وبالتالي انعكست تداعياتها على صعد مختلفة، وبدا أن الدول العربية نتيجة انتكاسة الحرب في بعدها الكوني، مرشحة أكثر من غيرها لأن تدفع الثمن. ففي أي حال لم تكن الأوضاع الداخلية في أي بلد عربي على حدة أسوأ مما كانت عليه، بالنظر الى تغلغل الوعي الاصلاحي وهبوب نسائم التوجهات الديموقراطية ورسوخ الاعتقاد في إحداث التغييرات الملائمة بارتباط مع الخصوصيات، وبالتالي لو أن هذه الأوضاع كانت وحدها سبباً في تنامي التطرف لحدثت مغامرات إرهابية سابقة في اختراق النسيج العربي، بما هو أخطر من الانفلات الراهن. ما يعني أن هذه الحرب ستظل محدودة التأثير ما لم ترافقها حروب من نوع آخر ضد الاحتلال وضد إهانة الكرامة والمشاعر وحق المواطنة. وفي الجانب العربي تبرز الحروب ضد الفقر وانعدام المساواة بدرجة لا تقل أهمية عن باقي المعارك الكونية. (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 27 أوت 2006)
أمير «الجماعة السلفية» يسحب دعمه للمبادرة الرئاسية ومصير «التائبين» بيد بوتفليقة …
مهلة ميثاق المصالحة الجزائري تنتهي غداً… وتجاذب بين مؤيدي التمديد والداعين لإغلاق باب التوبة
الجزائر- محمد مقدم تتوقف عقارب ساعة السلم والمصالحة الوطنية في الجزائر بين غد الاثنين وبعد غد الثلثاء، مع انتهاء العمل بأحكام ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وسط تصاعد الجدل بين أنصار «التمديد» والمطالبين بإغلاق «باب التوبة» أمام المسلحين. وبرزت خلال الأشهر الستة التي أقرها ميثاق السلم والمصالحة مشكلات جدية حالت دون عودة ناشطي «جبهة الإنقاذ» من الخارج أو المسلحين في الجبال، وهي قضية «الضمانات» التي دفعت حسان حطاب، أمير ومؤسس «الجماعة السلفية»، إلى التراجع عن قرار سابق بتزكية ذلك الميثاق. بدأت قوات الجيش الجزائري عمليات عسكرية واسعة ضد معاقل الجماعات الإسلامية المسلحة في مناطق وسط وشرق الجزائر في محاولة للضغط على التنظيمات الرافضة لمسعى السلم والمصالحة الوطنية. وذكرت مصادر أمنية جزائرية لـ «الحياة» أن هذه العمليات، التي ستتكثف خلال الأيام القليلة المقبلة، تهدف إلى «الضغط على الناشطين الذين يرفضون المسعى الرئاسي». وأضافت أن «السلطات ستتعامل بصرامة مع الذين يرفضون مسعى السلم والمصالحة الوطنية». وبدأت السلطات حرباً نفسية» ضد المسلحين ومعاونيهم، وذهبت إلى حد تأكيد احتمال اغلاق شبكات الهاتف الجوّال لعزلهم في المناطق الجبلية. وقالت اشاعات أيضاً إن السلطات ستعمد إلى قطع الكهرباء وعزل المناطق الجبلية بالكامل من أجل استعمال أسلحة «محظورة دوليا»، في خطوة تعزز الضغط النفسي لدفع المسلحين أو ذويهم إلى مراجعة مواقفهم خلال الساعات الأخيرة قبل إغلاق «باب الرحمة» في 28 آب (أغسطس) الجاري. وقال وزير الداخلية الجزائري يزيد زرهوني إن مسعى السلم والمصالحة الوطنية حقق «نتائج إيجابية». وكشف أن « بين250 و 300 مسلح سلموا أنفسهم بسلاحهم إلى السلطات المختصة للاستفادة من تدابير ميثاق السلم والمصالحة»، إضافة إلى تسلم ملفات 45 ألف شخص تعرضوا إلى أضرار بسبب تصاعد أعمال العنف منذ مطلع العام 1992. وكانت تقديرات رسمية أشارت بداية العام إلى أن عدد المسلحين المطلوبين لدى القضاء بلغ نحو 1000 مسلح بينما أفادت معلومات أمنية بأن «عدد المطلوبين في جرائم إرهاب لا يتجاوز 1350 مسلحاً». ويبدو أن هذه الحصيلة هي وراء انقسام المواقف بشأن جدوى تمديد المهلة لأعضاء الجماعات المسلحة للاستفادة من تدابير ميثاق السلم، أو الاكتفاء بالإجراءات القانونية الحالية التي ينتهي العمل بها رسميا غداً الاثنين لتنقضي بعده مهلة الستة أشهر التي منحت للمسلحين للاستفادة من العفو الرئاسي. ويخوض، معركة تمديد المهلة، عدد كبير من المحامين، الذين يطالبون بالتمديد لتمكين القضاء في مختلف الولايات من الفصل في ملفات موكليهم المسجونين من سنوات ولم يستفيدوا من تدابير السلم والمصالحة الوطنية بسبب عجز المحاكم عن معالجة ملفاتهم في ستة أشهر فقط. واعترف وزير العدل الجزائري الطيب بلعيز بصعوبة الفصل في كل القضايا التي رفعت منذ بداية العمل بميثاق السلم والمصالحة الوطنية في نهاية شهر شباط (فبراير) الماضي، مؤكداً أن عدد الملفات الباقية «لا يتجاوز 500 ملف». وأشار إلى أن اللجنة الوطنية المكلفة بتطبيق إجراءات الميثاق عاكفة على دراسة الملفات المتبقية «حالة بحالة لفئات الدعوى العمومية والعفو واستبدال العقوبة». ودعت بعض القوى السياسية إلى اعتماد القوة و«الضرب بيد من حديد» تجاه من يرفضون عرض العفو. وقال وزير الداخلية يزيد زرهوني خلال زيارة للمبنى المركزي للأمن الوطني قبل أيام إن «سياسة مكافحة الإرهاب ستتواصل حتى بعد انتهاء أجل تطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية». ووجه نداء إلى «كل الأشخاص الذين لم يسلموا أنفسهم بعد ليغتنموا الفرصة التي تتيحها لهم أحكام الميثاق»… والا سنقاتلهم بكل الوسائل». في المقابل يتمسك عدد من المسؤولين والسياسيين بضرورة تبني خيار «السلم والمصالحة» حتى بعد انتهاء الآجال القانونية. ودعا رئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم، وهو أيضا الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، إلى إعطاء «أمل» للمسلحين في إمكان الاستفادة من تدابير الميثاق مستقبلاً. وأوضح في لقاء مع قيادات الحزب في ولاية بجاية (300 كلم شرق) أن «السلم والمصالحة لا يرتبطان بأجل أو مكان»، مشيراً إلى أن «المصالحة لا تقصي أحداً، إلا من أقصى نفسه أو أقصته مواد الميثاق». وبحسب بلخادم فانه «من غير المعقول، ونحن ننادي باستتباب الأمن والسلم الاجتماعيين، أن نقصي أيا من المسلحين الذين يبدون النية في التوبة بعد انتهاء المهلة، بحجة أن الأبواب أغلقت». لكن رئيس الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم» العضو في الائتلاف الرئاسي الشيخ أبو جرة سلطاني اعترض على هذا المسعى وقال إن حزبه «يعارض تمديد الآجال من دون إيصاد باب الرحمة». وجاءت هذه التصريحات المتناقضة بعد أقل من أسبوع على النداء الذي أطلقته أحزاب «التحالف الرئاسي» الذي يدعم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى «وجوب احترام الآجال القانونية المحددة في النصوص المتضمنة تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية». وجاء ذلك في بيان وقعه قادة التحالف الذي يضم مجتمع السلم، وجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي بزعامة رئيس الحكومة السابق أحمد أويحي. وعلى المستوى الرسمي، تواجه الوزارات المكلفة متابعة الملفات التي تخص المسلحين في الجبال أو السجون، هي أيضاً، مواقف متباينة. وزير العدل الجزائري الطيب بلعيز نفى في تصريحات رسمية، «وجود أي استعداد لتمديد المدة المحددة في الميثاق». وأضاف أن «الشعب كان رحيما و غفورا إلى ابعد درجات». لكن وزير الداخلية يزيد زرهوني المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الجماعات الإسلامية المسلحة، رفض الحسم في تمديد الآجال القانونية للميثاق، مفضلاً أن يتولى الرئيس الجزائري نفسه تقدير الحالات، باعتباره صاحب الاختصاص في مثل هذه القضايا المصيرية. وللمرة الأولى منذ سنوات، تتحول قضية «التمديد» إلى مسألة تهم أيضاً تنظيمات حقوق الإنسان وقطاعاً واسعاً من المحامين الذين وجدوا أنفسهم في أوضاع صعبة بسبب «غموض» نصوص القانون، لا سيما المتعلق منها بالمتهمين بالمشاركة في تنظيمات مسلحة في الخارج، أو ما يسمى «الإرهاب الدولي». وكان أفرج عن الكثير منهم في إطار تدابير انقضاء الملاحقات القضائية قبل أن تقرر السلطات إعادة توقيفهم، بحجة «أخطاء قضائية» في قراءة قانون السلم كما قال وزير العدل. ورأى عدد من المحامين أن في إمكان الرئيس بوتفليقة انتهاز العرض الذي يوفره ميثاق السلم من أجل «طي الصفحة بشكل نهائي من خلال التمديد والنظر بجدية في العراقيل التي أثبتتها الأشهر الستة المشار إليها في نص الميثاق». واعتبرت المحامية فاطمة بن براهم أن إغلاق باب المصالحة ضمن المهلة التي حددها الميثاق «سيخلق نوعاً جديداً من الخطر الذي يهدد البلاد»، وبررت المطالب بتمديد الآجال القانونية إلى «عدم تمكيننا من الاطلاع على ملفات بعض المحكومين». وأضافت: «هناك الآن من لا يزال في السجن ويجهل إن كان مستفيداً من المصالحة أم لا، وفي الحالة الثانية يمكننا التدخل بالطعن أو بإجراءات مناسبة، وكل هذا لا يحدث». لكن هذه المبررات لا تجد صدى في أوساط الناشطين في مجال حقوق الإنسان، ومنهم رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بوجمعة غشير الذي انتقد بشدة مواقف الأوساط التي تدعو إلى تمديد مهلة المصالحة الوطنية، واصفاً هذا التوجه بـ«غير المنطقي، لا قانونا ولا أخلاقا، باعتبار أن الإرهابيين المعنيين يرفضون تدابير المصالحة والعودة إلى المجتمع والتوبة». تشدد وميدانياً تسارعت التطورات بين صفوف الجماعات الإسلامية المسلحة بإتجاه المزيد من التشدد حيال مبادرة السلطات، بعد إعلان حسان حطاب (أبو حمزة)، أمير ومؤسس «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» عن موقف مفاجئ قرر فيه «سحب تزكية ميثاق المصالحة» الذي كان قد دعمه الخريف الماضي. ورأى «أبو حمزة» في بيان نشرته صحف جزائرية، وأكده مصدر مقرب من حطاب لـ «الحياة»، أن «النظام الحالي لا يختلف عن سابقه في إخلاف الوعد والمخادعة والمخاتلة وعقد الصفقات المشبوهة وازدواجية المعايير». واتهم السلطات بـ «التردد في إنجاح مسعى المصالحة»، مشيرا إلى أن الجماعة السلفية «ترى أن هذا المشروع لا يكرس إلا الحقد والتفرقة والكراهية بين الجزائريين». ودان حطاب مواقف الحكم وقال إنه «لن يقع في مكر النظام وخداعه ولن ينخدع في سياسة الاستدراج والانفراد للأطراف والصفقات المشبوهة وشراء الذمم»، مشيرا إلى أن الجماعة السلفية للدعوة والقتال أصدرت بيانها الذي يقول «إنه إذا تمت المعالم الكبرى لهذا العفو من جميع جوانبه فستدلي الجماعة برأيها قبولا أو رفضا أو وصولا إلى حل وسط، وبعدما تمت الخطوط العريضة لميثاق السلم والمصالحة فإن الجماعة السلفية ترى أن هذا الميثاق خدعة كسابقاتها». وشبه حطاب أحكام الميثاق بالخطة التي «تفرق بين الجزائريين وتجعلهم طبقات، طبقة مدافعة عن الجمهورية وطبقة إرهابية، وهذه العنصرية بعينها». ولفت إلى أن قيادة التنظيم المسلح، الذي يقول إنه لا يزال يتزعمه رغم تنحيه عن الإمارة في أب (أغسطس) 2003، «لن تتجرع علقم الخيانة التي ذاقها سابقها من الجماعات». وأعلن رفضه المشروع و«مواصلة النضال والكفاح بالطرق المشروعة لاسترداد حقوق الشعب المهضومة وإنصاف المظلومين». وإن كان عدد الناشطين المستعدين للتخلي نهائياً عن العمل المسلح غير معروف، فإنه وفي المقابل، لا يعرف مدى تأثير هذا البيان على الراغبين في التخلي عن العمل المسلح قبل انقضاء الآجال القانونية. وباستثناء «أبو حمزة» ومن معه من نشطاء «الجماعة السلفية» الذين كانت السلطات تراهن عليهم لدعم مسعى السلم والمصالحة، لا تزال غالبية قيادات «الجماعة السلفية» تعلن صراحة رفضها لهذا المسعى وكان أبو مصعب عبد الودود وإسمه الحقيقي عبد المالك دردقال أصدر سلسلة بيانات عبر فيها عن موقف التنظيم المسلح الرافض لمبادرة السلطات. تلغيم الطرق لمواجهة «الحرب النفسية» وبعد فترة هدوء دامت ستة أشهر عزل خلالها المسلحون عن عائلاتهم تجنباً لأي تأثر بخطة السلطات، بدأت الأوساط المتابعة للشأن الأمني الجزائري تسجل في الفترة الأخيرة نشاط خلايا مسلحة في بعض المدن الكبرى. وإن كانت غالبية الاعتداءات هي تلغيم الطرق أو الشواطئ، فإن تحركات التنظيم المسلح أثارت رد فعل سريع لدى الجهات الأمنية التي بادرت إلى شن سلسلة عمليات «محاصرة» لشل نشاطه أو الضغط عليه وتجنب تردي الاوضاع الأمنية قبل شهر رمضان الذي يعتبر فترة نشاط «الجماعة السلفية». وإذا كانت التطورات الميدانية لا تبعث على التفاؤل رغم الأرقام «الإيجابية» التي أعلن عنها وزير الداخلية وتحدث فيها عن استسلام 300 مسلح منذ نهاية شباط (فبراير) الماضي، فإن التحركات العسكرية و»الحرب النفسية» ضد الجماعات المسلحة تبعث على الاعتقاد بأن السلطات مصممة على إدارة أكثر تشدداً. وينظر كثيرون الى الرئيس بوتفليقة كـ»صمام أمان» لخطة السلم والمصالحة من خلال احتفاظه بحق قانوني تضمنته الفقرة الأخيرة من الميثاق، وفيها: «يمكن أن يتخذ رئيس الجمهورية في أي وقت كل الإجراءات الأخرى اللازمة لتنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية». ويقول محللون إنه وبموازاة السياسة الامنية، ستواصل الأجهزة (وخصوصاً الاستخبارات العسكرية) الاتصال بتلك الجماعات عبر «التائبين» أو عائلاتهم لاقناعهم بضرورة التخلي عن النشاط المسلح ولا سيما أن الرئيس بوتفليقة جدد موقفه بأن «المصالحة لا تستثني إلا أولئك الذين خانوا الأمة وارتكبوا جرائم لا تغتفر ولا يسري عليها التقادم». لكن هذه التعهدات تبقى بحسب الكثيرين بحاجة إلى «ضمانات». فقد صرح «رابح كبير» وهو أحد أبرز قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، في الخارج، بأنه كان سيعود إلى الجزائر قبل نهاية شهر تموز (يوليو) الماضي لكنه أرجأ في أخر لحظة قراره «لأسباب إدارية» رفض توضيحها. كما أن العديد من قيادات الحزب المحظورة في الخارج ترفض العودة إلى الجزائر «ما لم تتوافر ضمانات» بعدم ملاحقتهم أو التضييق عليهم خصوصاً بعدما أوقفت السلطات عدداً من المحسوبين على الإنقاذ بمجرد عودتهم إلى الجزائر للاستفادة من تدابير ميثاق السلم والمصالحة، وحولت ملفاتهم إلى «الحق العام» في قضايا هي في الأصل، بحسب فريق كبير من المحامين، «تخص الإرهاب والأزمة الوطنية». (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 27 أوت 2006)
مصر: جماعة «الإخوان» تتهم السلطات بـ «سياسة عدوانية»
القاهرة – محمد صلاح وجهت السلطات المصرية ضربة جديدة إلى «الإخوان المسلمين»، إذ قبض على 17 من قيادييهم، في مقدمهم الرجل الثاني في الجماعة أمينها العام الدكتور محمود عزت وعضو مكتب الإرشاد لاشين أبو شنب. وأفادت مصادر الجماعة ان أجهزة الأمن حاصرت مساء اول من امس منزل مدير ومالك «حضانة الأبرار» أسامة الحسيني في قرية محلة أبوعلي في مدينة دسوق في محافظة كفر الشيخ، وقبضت على من فيه واقتادتهم إلى مخفر شرطة المدينة. واتهمت الجماعة، في بيان، السلطات بأنها «ماضية في سياستها العدوانية تجاه أكبر فصيل معارض بهدف تحجيم نشاطه وإيقاف انتشاره». وقال البيان «اننا لن نمل ولن نتوقف عن دعوة الحكام لإعادة حساباتهم… وانتهاج منهج الإصلاح والتغيير والحرية والاستقلال، والإقلاع عن الظلم». وقالت مصادر الجماعة إن قوات الأمن داهمت منازل المقبوض عليهم، وصادرت أجهزة الكمبيوتر والأوراق الشخصية. وأكدت زوجة أسامة الحسيني ان قوات الأمن صادرت كل محتويات مبنى «حضانة الأبرار»، إضافة الى أربع سيارات خاصة تعود ملكيتها الى مقبوض عليهم. وحذر مدير مستشفى طيبة الدكتور خالد مصطفى في طنطا من إمكان تدهور الحال الصحية لابو شنب (75 عاماً) المصاب بشلل نصفي، في عدم تقديم رعاية طبية مناسبة له. وقدم النائبان عن «الإخوان» السيد عسكر وعلي لبن سؤالين إلى كل من وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي ووزير الصحة حاتم الجبلي ورئيس مجلس الشعب (البرلمان) الدكتور أحمد فتحي سرور حول دواعي اعتقال أبو شنب، وهو نائب سابق. وأحيل المعتقلون على نيابة أمن الدولة العليا التي وجهت اليهم تهمة الانضمام الى جماعة محظورة، وأمرت بحبسهم خمسة عشر يوما على ذمة التحقيق. ورأى المراقبون ان هذه الاعتقالات تعد بمثابة رسالة إلى «الاخوان» مفادها ان النظام سيظل يراقبهم ويجهض اجتماعاتهم. يذكر ان قياديين آخرين من «الاخوان» بينهم عصام العريان ومحمد مرسي لا يزالون في السجن بعدما ألقت السلطات القبض عليهم أثناء مشاركتهم في تظاهرة مناهضة للحكومة في أيار (مايو) الماضي. من جهة أخرى، قررت محكمة جنايات شمال الجيزة الإفراج عن 11 من قيادات «الإخوان» كانوا اعتقلوا منذ أكثر من خمسة شهور، بينهم الدكتور حلمي الجزار والدكتور أحمد سليم والدكتور حسن البرنس. وكانت محكمة جنايات شمال القاهرة رفضت الأحد الماضي طعن المتهمين في استئناف قرار النيابة بتجديد حبسهم، إلا أن محكمة جنايات شمال الجيزة عادت وقررت الإفراج عنهم. (المصدر: صحيفة الحياة الصادرة يوم 27 أوت 2006)
« دور إيران بلبنان طبيعي وناتج عن تقصير العرب »
فيصل مولوي: نرفض نزع سلاح حزب الله والمقاومة ضرورية
حاوره في بيروت: محمد النجار (*)
رفض الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان الشيخ فيصل مولوي الدعوات لنزع سلاح حزب الله معتبرا أن المقاومة التي يمثلها حزب الله لا تزال ضرورية، كون لبنان لا يزال مهددا من قبل إسرائيل، داعيا إلى حوار معمق حول مستقبل سلاح المقاومة. وانتقد القيادي السني اللبناني غياب الدور العربي عن لبنان، معتبرا أنه أعطى إيران دورا هناك، لكنه شكر إيران على دورها في دعم الشعب اللبناني ومقاومته وقال إن الدور الإيراني في لبنان « طبيعي ». وفيما يلي نص الحوار:
نريد أن نسألك بداية عن الوضع اللبناني الداخلي بعد العدوان الإسرائيلي ورؤيتكم في الجماعة الإسلامية للعدوان ولما انتهت إليه الحرب؟
العدوان الصهيوني على لبنان لم يكن منتظرا بالحجم الذي جاء فيه، قبل العدوان كان هناك حوار وطني واسع حول المقاومة وجدوى استمرارها وسلاحها انطلاقا من قرار مجلس الأمن رقم 1559 وبعض الظروف اللبنانية المتعلقة بهذا الموضوع، والحوار هذا لم يصل إلى نتيجة كون الموضوعات المطروحة على طاولة البحث تحتاج لحوارات طويلة.
جاء الاعتداء بهذا الشكل الهمجي الواسع وكانت ذريعته أسر الجنديين الإسرائيليين من قبل حزب الله، وهذه الذريعة لم تكن لتؤدي إلى الاعتداء الواسع، خاصة وأنه تم أسر جنود من قبل في لبنان وفلسطين ولم يقدموا على مثل هذا العمل، لكنهم أخذوا هذه الذريعة للقيام بالعدوان الواسع فحركوا الفكرة التي تقول ما هي جدوى سلاح المقاومة وأنه لا بد من نزع سلاح حزب الله من خلال محاولة إظهاره كسلاح سبب الدمار للبنان الذي لم يكد يتعافى من ويلات الحرب الأهلية ولم يكتمل بناؤه من جديد.
ولكن خلال الحرب أظهر اللبنانيون جميعا تفاهما واسعا جدا، وصمودا منقطع النظير حتى الذين كانوا لا يرون جدوى للمقاومة اضطروا للوقوف في خندق المقاومة، لأنهم رأوا أن هناك عدوا غازيا للبنان، والمقاومة أثبتت جدواها وأنها تستطيع أن تقف أمام العدوان الصهيوني أيا كان حجمه، وأن تدافع عن لبنان وهذا لم يكن منتظرا لا من جيش نظامي في لبنان ولا في غير لبنان.
كما أن الصمود من المقاومة ساعد على إيجاد وحدة وطنية جامعة ضد العدو الصهيوني كما ساعد الدبلوماسية والحكومة اللبنانية على أن ترفض الضغوط الدولية، بل أن تمارس ضغوطا للخروج بقرار من مجلس الأمن يراعي نوعا ما الظروف اللبنانية، كما أن الدول العربية وقفت موقفا قويا نسبيا في مجلس الأمن بعد أن صمدت المقاومة.
الآن توقف العدوان مع أنه من الممكن أن يعود في أي وقت، لكن هذا التوقف أتاح المجال للناس أن يعودوا للحوار وأن يبحثوا ويفكروا، وبطبيعة الحال سيطرح من جديد موضوع سلاح المقاومة.
هو طرح فعلا وهناك أطراف لبنانية تطالب بنزعه
كان خطأ من بعض الشرائح اللبنانية طرح هذا الموضوع بعد توقف الأعمال الحربية فورا، ونعتقد أن لبنان لا يوجد أمامه حل لهذه القضايا إلا بالحوار.
أين تقفون من المطالبات بنزع سلاح حزب الله إذا؟
لا بد للمقاومة اللبنانية الإسلامية أن تستمر مهما كانت الظروف طالما أن العدو الصهيوني على الأبواب، وطالما أن لديه أطماعا عقائدية تاريخية وأن الرأي العام الدولي لا يستطيع أن يمنعه من تحقيق أطماعه فلا حل لنا إلا أن تكون لنا مقاومة ذاتية، وبطبيعة الحال قد ينزعج من المقاومة بعض اللبنانيين، لما قد تؤثره على الوضع اللبناني ووضع اقتصاده لكن لا بد من حوار بين الجميع بعد أن تزول الظروف الحالية.
نحن نأمل أن يتوصل اللبنانيون لصيغة تحفظ سلاح المقاومة والوحدة الوطنية حول سلاحها.
هناك نشر للجيش في الجنوب في الوقت الحاضر ترافقت مع مطالبات من قوى لبنانية رئيسية وأطراف دولية بنزع سلاح حزب الله أو على الأقل ابتعاد المقاومة إلى شمال الليطاني، أين تقفون من ذلك كله؟
لا نرى أن في انتشار الجيش مشكلة على الإطلاق، هو جيش الشعب اللبناني كله، لكن الإشكال أن الجيش لا يسمح له بقدر من السلاح يتوازن فيه مع العدو الإسرائيلي بحيث يستطيع صد أي اعتداء إسرائيلي، لذلك إذا دخل في معركة مع جيش نظامي آخر لا يستطيع أن ينتصر، هذه مشكلة حقيقية إلى أن يتمكن جيشنا اللبناني من التسلح ويستطيع أن يقاوم فعند ذلك يمكن مناقشة نزع سلاح المقاومة.
المقاومة ليست في النهاية جيشا ظاهرا فإذا وقع العدوان تشارك المقاومة الجيش في صده، ونحن نرى أن نزع سلاح حزب الله هو شرط إسرائيلي عجز الإسرائيليون والأميركيون عن تنفيذه من خلال الحرب، فهل يريد البعض أن يعطي أعدائنا ما يريدون دون مقابل.
بعيدا عن الآمال والتمنيات وبصراحة ألا ترون أن الخلاف الموجود بين الفرقاء اللبنانيين ممكن أن ينفجر في أي لحظة، خاصة أن ما نسمعه من السياسيين في الإعلام غير ما نسمعه منهم في الواقع وما نراه على الأرض؟
لا أظن أن الخلافات السياسية يمكن أن تنفجر في الشارع، لأن اللبنانيين معتادين على الحوار والصراعات السياسية وعلى رفع سقف هذه الصراعات دون أن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية، هناك خلاف سياسي عميق لكن الجميع يعتبر أن لا حل إلا بالتوافق على حد أدنى يرضي الجميع، ويمكن أن تقع فتنة مذهبية طائفية يمكن أن يحركها الاستعمار والموساد ويمكن أن تجد بعض العقول الضيقة التي تسير فيها، لكننا نراهن على وعي اللبنانيين في الإجمال.
العلاقة مع سوريا هي ملف مطروح أيضا، هناك من رأى أن سوريا هي مشكلة كما هي إسرائيل، وآخرين يقيمون تحالفات معها، أين انتم في الجماعة الإسلامية من العلاقة مع سوريا؟
نحن نعتقد أن لبنان وسوريا محكومان بجغرافيا وتاريخ ووحدة مصير ولا يستطيعان أن يخرجا من هذا الإطار، بطبيعة الحال أن خطاب الرئيس بشار الأسد الأخير كان فيه إشارة غير موفقة يمكن أن تساعد في الاحتقان السياسي وأن تقسم اللبنانيين بين من هم مع إسرائيل وبين من هم ضد إسرائيل، وهذا نعتبره خطأ غير صحيح.
اللبنانيون عندما تكون هناك إسرائيل فهم كلهم ضدها، وعندما تكون هناك سوريا كلهم مع سوريا بشكل متفاوت طبعا، منهم من هو مع سوريا إلى درجة الوحدة والتكامل، ومنهم من هو مع سوريا في القضايا العامة مع المحافظة على سيادة لبنان واستقلاله الكامل، لكنك لن تجد لبنانيا مهما كان موقفه يقيم قطيعة مع سوريا، بل تجد أن كل اللبنانيين يقيمون قطيعة مع إسرائيل.
نحن من جانبنا نطالب اللبنانيين أن يتجاوزوا الإشكالات التي حصلت في الماضي بسبب الوجود السوري وبسبب اغتيال الرئيس الحريري والعودة إلى جذور الوحدة.
ولكن هناك أطرافا لبنانية ترى أن الحرب التي وقعت وما قام به حزب الله كان بالوكالة عن إيران وبأجندة سورية إيرانية، هل توافقون على هذا التوصيف، وأيضا هل تعتقدون أن إيران تتمتع بنفوذ في لبنان يهدد استقراره كما يقول بعض اللبنانيين؟
نحن نعتقد أن دور إيران في لبنان دور طبيعي جدا، وهو الدور الذي كان يجب أن تقوم به الدول العربية وهي التي قصرت في هذا الدور، فإذا تقدمت إيران بما لها من علاقات حميمة مع جزء من الشعب اللبناني وما لها من تطلعات ضد العدو الصهيوني، فلا يمكن أن يقال أن الشعب اللبناني يخوض معركتها، لأنها هي التي تقود معركة الشعب اللبناني.
ولأن هذه المعركة هي معركة مع إسرائيل، وليست مع أميركا وخصوم إيران، وبما أنها مع إسرائيل فهي معركة الشعب اللبناني الذي تقدمت إيران لدعمه وهو دور نشكرها عليه، ونطالب الدول العربية أن تقوم بدورها في لبنان، أما إلقاء الاتهامات هنا وهناك فهو غير جائز على الإطلاق.
أريد أن أسألك عن الجماعة الإسلامية التي غابت عن المجلس النيابي الحالي ولم تأخذ حصتها من التمثيل في الشارع السني، مستقبلا هل لديكم خطط للعودة إلى المجلس النيابي من خلال تحالفات مع أطراف سياسية معينة؟
نحن كحركة إسلامية عاملة في الشأن السياسي اللبناني منذ فترة طويلة جدا وهذا العمل أحد انعكاساته العمل في مجلس النواب، نحن منعنا من الدخول إلى مجلس النواب في فترات سابقة لظروف كثيرة.
ما هي هذه الظروف؟
ظروف كثيرة أشبه بفيتو على دخولنا من خلال منعنا من الدخول في تحالفات مناسبة، ولو دخلنا لا نعطى حصتنا، نعتقد أن هذه الممارسات لم تعد موجودة وبالتالي يمكن دخولنا في الحلبة الانتخابية بشكل طبيعي، أما أن ننجح أو لا ننجح فهذا بمقدار نشاطنا وتجاوب الشعب معنا، لكننا مصممون على خوض المعركة الانتخابية القادمة.
هل هناك تحالفات مع أطراف محددة؟
لم يطرح حتى الآن أي تحالف مع أي جهة على الإطلاق.
هل خياراتكم مفتوحة على كل الأطراف؟
نعم.
ألا يوجد فيتو على أي طرف لبناني؟
لا نهائيا، وإن كنا نفضل التحالف مع الجهات التي نلتقي معها سياسيا.
مثلا حزب الله؟
حزب الله نلتقي معه على جوامع سياسية كثيرة واحتمال التحالف بيننا وبينه قائم، واحتمال أن لا يقع قائم أيضا لأن الوجود السني في مناطقهم الانتخابية ليس قويا، لكن هذا لا يلغي احتمالات التحالف مع أي طرف إلا إذا كان عميلا لإسرائيل أو يناقضنا تماما في الشعور بعداوة إسرائيل وضرورة مقاومتها، رغم أن هذا التمثيل غير موجود في لبنان، خاصة أن كل التحالفات هدفها الفوز فقط، ونحن سنبحث عن تحالف على موقف سياسي.
هناك حديث عن حوارات بينكم وبين تيار المستقبل وتحديدا مع الشيخ سعد الحريري؟
لم يفتح للآن أي حوار يتعلق بالانتخابات على الرغم من أن التواصل قائم، لكن موضوع الانتخابات لم يفتح لا مع تيار المستقبل ولا مع غيره.
(*) مراسل الجزيرة نت
(المصدر: موقع الجزيرة.نت بتاريخ 27 أوت 2006)