TUNISNEWS
10ème année,N°3645du 16 .05 . 2010
archives : www.tunisnews.net
الحرية لسجين
العشريتين الدكتور الصادق شورو
ولضحايا قانون الإرهاب
حــرية و إنـصاف:أخبار الحريات في تونس
سمير النفزي:بيان الى الراي العام
مواطنون:جرجيس: مضايقات بالجملة
بيان التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات في العيد السادس عشر لتأسيسه
مواطنون:العيد العالمي لحرية الصحافة حصيلة العشرين سنة الأخيرة من العمل الإعلامي في تونس
عبداللطيف الفراتي:الانتخابات البلدية وتداعياتها
د خالد الطراولي:إلى النخبة الإسلامية العائدة، السؤال الذي يقض المضاجع!
مواطنون:حوار مع الأستاذة خديجة الشريف أمينة عامة للفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان
مواطنون:لا تنسوا هؤلاء في عيد العمال
هادي يحمد :رسالة مفتوحة إلى صديق يسألني » لماذا لا تعود إلى البلاد » ؟ » من يعرف محمد علي فداي » ؟!
تونس في دوامة الرقابة: «الحق مع» المدونين
خالد شوكات:خدمة الديمقراطية بالتقسيط!
محسن مرزوق:بكاء السياسة وسياسة البكاء
جابر القفصي:العقل الأخلاقي العربي 3 تأليف المرحوم: د. عابد الجابري
علي شرطاني:حركة التهويد وضم المقدسات 3/1الإسلامية للتراث اليهودي لماذا؟
المرصد التونسي:في الأردن … احذروا اهانة الوزراء انها تسبب الاعتقال
(Pourafficher lescaractèresarabes suivre la démarchesuivan : Affichage / Codage / ArabeWindows)To read arabictext click on the View then Encoding then Arabic Windows)
منظمة حرية و إنصاف التقرير الشهري حول الحريات وحقوق الإنسان في تونس
أفريل 2010
https://www.tunisnews.net/15Avril10a.htm
الحرية لسجين العشريتين الدكتور الصادق شورو الحرية لكل المساجين السياسيين حــرية و إنـصاف 33 نهج المختار عطية 1001 تونس الهاتف / الفاكس : 71.340.860 البريد الإلكتروني :liberte.equite@gmail.com تونس في 02 جمادى الثانية 1431 الموافق ل 16 ماي 2010
أخبار الحريات في تونس
1) البوليس السياسي يضطهد سجين الرأي السابق رضا قصة: اعتقل أعوان البوليس السياسي منتصف نهار اليوم الأحد 16 ماي 2010 الشاب رضا قصة (30 عاما) واقتادوه إلى منطقة الشرطة بمدينة سوسة . علما بأن أعوان البوليس السياسي اعتقلوا الشاب رضا قصة بتاريخ 22 فيفري 2010 يوم زفافه وتسببوا في إلحاق ضرر بعائلته التي حرموها من الفرحة والابتهاج بمناسبة زواج ابنها. وتجدر الإشارة إلى أن الشاب رضا قصة تعرض للمحاكمة على أساس »قانون الإرهاب » اللا- دستوري وقضى بالسجن مدة عامين ونصف العام، ومنذ خروجه من السجن سنة 2008 وهو يتعرض لعديد المضايقات من قبل أعوان البوليس السياسي. 2) حتى لا يبقى سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو عيدا آخر وراء القضبان: لا يزال سجين العشريتين الدكتور الصادق شورو وراء قضبان سجن الناظور يتعرض لأطول مظلمة في تاريخ تونس، في ظل صمت رهيب من كل الجمعيات والمنظمات الحقوقية، ولا تزال كل الأصوات الحرة التي أطلقت صيحة فزع مطالبة بالإفراج عنه تنتظر صدى صوتها، لكن واقع السجن ينبئ بغير ما يتمنى كل الأحرار، إذ تتواصل معاناة سجين العشريتين في ظل التردي الكبير لوضعه الصحي والمعاملة السيئة التي يلقاها من قبل إدارة السجن المذكور. عن المكتب التنفيذي للمنظمة الرئيس الأستاذ محمد النوري
انا سمير النفزي الصحفي بالطريق الجديد و طالب بجامعة بطرابلس العاصمة الليبية شعبة القانون اتوجه الى الراي العام في تونس بالبيان التالي : تم منعي من السفر يوم الجمعة 14 ماي 2010 على مستوى النقطة الحدودية راس الجدير بالجنوب التونسي اثناء تواجدي هناك للدخول الى ليبيا لاجراء الامتحانات التي انطلقت يوم السبت 15 ماي 2010 رغم استظهاري بكل الوثائق التي تدل عل مزاولتي لتعليمي في ليبيا و حملي لجواز سفر حديث و قد تم اعلامي باني ممنوع من السفر بناءا على تعليمات صادرة من ادارة الحدود و الاجانب بوزارة الداخلية و ذلك بعد احتجازي من الخامسة صباحا توقيت وصولي الى الحدود الى منتصف نهار يوم الجمعة كما وقع تسليمي استدعاء الى مصالح امن الدولة . و امام اصراري على السفر لانتفاء الموانع قررت الدخول في اعتصام في المعبر الحدودي تم خلال ذلك تهديدي باستعمال العنف و حل بالمكان عدد كبير من البوليس بالزي الرسمي و المدني و تم اخراجي عنوة من المعبر و نقلي الى مركز شرطة بنقردان و منه الى منطقة الشرطة اين وقع استجوابي بطريقة فجة و توجيه اسئلة فيما يخص نشاطي النقابي و السياسي و لما رفضت الاجابة و تمسكت بحقي في السفر و حقي في التعليم تم ترحيلي قسرا في احد اللواجات المتوجهة من بنقردان الى تونس كما رافقتنا سيارة مدنية الى ان ابتعدنا من ولاية مدنين . هذا و قد سبق و ان فوتت علي امتحانات السداسي الاول في شهر جانفي المنقضي من طرف وزارة الدااخلية بعد ان تقدمت لتجديد جواز سفري في شهر اكتوبر 2009 و لم اتسلمه الا في فيفري 2010 اي بعد نصف سنة تقريبا . و منذ 2004 و انا محروم من حقي في الترسيم في الجامعة التونسية ، هذا الامعان في المتابعة و الملاحقة و المنع فيه انتهاك صارخ للقانون و اعتداء على حق التعليم و حق السفر المكفولان دستوريا في الوقت الذي نسمع فيه الخطااب الرسمي يصر على علوية القانون و الالتزام به لذلك فاني مستعد لخوض كافة الاشكال النضالية من اجل حقي في السفر و حقي في الدراسة و ادعو كل مكونات المجتمع المدني من جمعيات احزاب وطنية و شخصيات حقوقية لمساندتي في استعادتي لحقوقي .
سمير النفزي
1- تعرض الأخ أحمد الماقوري، عضو المجلس الوطني للتكتل إلى مضايقات شديدة عند عودته من بنقردان إلى مقر سكناه بجرجيس. و قد استوقفته بوابة أمنية مرتين خلال رحلة لا تتجاون 44 كلم، و في كل محطة تم استجوابه و طلب منه أن يحرر على ورقة أسماء العائلة التي زارها و أرقام هواتفهم، بل استغرب أحد الأعوان أن يغادر الأخ أحمد ماقوري جرجيس دون استئذان؟؟ و كأنه يخضع لشكل من أشكال الرقابة أو صدر في شأنه حكم يمنعه من التنقل؟؟ تأتي هذه المضايقات في إطار المراقبة الأمنية المشددة و الواسعة للمنطقة في علاقة بالزيارة السنوية لكنيس الغربية في جزيرة جربة وهي أقدم كنيس يهودي في إفريقيا يأتي إليه آلاف الزوار من كل أنحاء العالم. وعلاوة على الشعائر الدينية المعتادة فان هذه المناسبة تشهد تظاهرات احتفالية خصوصا في الكازينو المجاور. و لئن كان من الطبيعي أن يسهر جهاز الأمن على أن تتم هذه الزيارة في أفضل الظروف فإنه من غير المقبول أن تتحول إلى مناسبة للتضييق على المواطنين سواء تعلق الأمر بحرية التنقل لقضاء شؤونهم أو حتى في حرية الدخول إلى بيوتهم مثلما حدث للمواطنين القاطنين قرب المعبد حيث أجبروا على البقاء على قارعة الطريق و لم يتمكنوا من الالتحاق بمنازلهم إلا في ساعة متأخرة من الليل. 2- أكّد الشاب عبد الغفار ڤيزة في مراسلة إلى مواطنون مرفوقة بشهادة طبية تؤكد تعرضه للعنف، أنّه تعرض يوم السبت 1 ماي الجاري إلى الضرب داخل مركز الشرطة بمدينة جرجيس بعد تحويل وجهته من قبل أحد الأعوان بالزي المدني. وذكر عبد الغفار أنّه تم احتجازه لدى الشرطة لمدة ساعتين دون مبرر واعتدي عليه لفظيا وماديا، مشيرا إلى أنّ هذا الإجراء التعسفي يتكرر في عدة مناسبات وبالخصوص بالتزامن مع فترة الزيارة السنوية لكنيس الغريبة بجزيرة جربة المجاورة لمدينة جرجيس. و يشير عبد الغفار إلى أنه تعرض إلى محاولة دوس من طرف سيارة إثر رفضه تسليم الشهادة الطبية لأحد أعوان الأمن المعروف، و قد نجا بأعجوبة؟؟ . علما بأن الشاب عبد الفغار بن محمد قيزة هو ابن المناضل و عضو المجلس الوطني الأخ محمد قييزة و هو أيضا سجين رأي سابق سُجن سنة 2003 ضمن قضية مجموعة شبان جرجيس من أجل تهمة الإبحار على شبكة الانترنت، وقضى ما يزيد عن 3 سنوات سجنا. في انتظار جواز سفر – ما زال الأخ منصف بلهيبة عضو المجلس الوطني للتكتل ينتظر الحصول على حقه في جواز سفر يضمنه الدستور، إضافة إلى المضايقات المتكررة من طرف عناصر من جهاز الأمن و خاصة عند ما يذهب إلى المسجد أو عند مغادرته له. – نفس المشكل يتعرض له الشاب بلال قيزة و هو عضو في مجلس إطارات التكتل تقدم منذ مدة طويلة بطلب جواز سفر و لكنه، و بدون سبب، لم يتمكن من الحصول عليه. (المصدر: صحيفة « مواطنون »، لسان حال التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 132 بتاريخ ماي 2010 )
بيان التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات في العيد السادس عشر لتأسيسه ( 9 أفريل 1994- 9 أفريل 2010 )
تونس في 9 أفريل 2010
في مثل هذا اليوم من سنة 1994 بادرت ثلة من أبناء و بنات تونس بالإعلان عن تأسيس حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات، و قد رفعوا هذا التحدّي رغم صعوبات الظرف « من أجل تونس، ووفاء لشهداء ملحمة التحرير الأبرار، ومواصلة لتضحيات كل من ناضل من أجل الديمقراطيّة والحريات منذ فجر الاستقلال، وتفاعلا مع المبادرات المتنوعة التي قامت بها القوى الديمقراطية والتقدمية في السنوات الأخيرة قصد توحيد صفوفها « ، و اعتبروا آنذاك أنه » أصبح من الأكيد، ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين وبعد 38 سنة من الاستقلال، إزالة كل العراقيل التي تمنع، على مستوى النصوص الدستوريّة والقانونيّة وعلى مستوى الممارسة، تجسيم التفريق الفعلي بين السلطات والفصل الواضح بين دواليب الدولة وأجهزة الحزب الحاكم، مهما كان هذا الحزب، إذ عندئذ يمكن لنا أن نتقدّم بخطى ثابتة نحو تجسيم دولة القانون واحترام قواعد التداول على السلطة وتكريس المساواة بين المواطنين دون اعتبار لانتماءاتهم الحزبيّة و بعيدا عن كل إقصاء أو تمييز « . و في بيانهم التأسيسي قدموا مشروعا أوليا يتلخّص في المحاور التاليّة: « -1- استقطاب القوى الديمقراطيّة الوطنيّة ووضع الحد لما تعانيه من تشتّت وتهميش، رغم ما قامت به من أعمال جليلة وما قدّمته من تضحيات عظيمة، وذلك حتّى تساهم في بلورة و إنجاز مشروع بديل شامل يقطع مع سلبيات نظام الحزب الواحد ويربط بين السياسي والاجتماعي وبين الوطني و القومي وبين المادي والثقافي، ويضمن نوعيّة من الحكم تحرّر طاقات مجتمعنا الكامنة وتقي شعبنا من كل أشكال الاستقالة والإحباط وتمكّنه من أخذ مصيره بيديه حتّى ينحت بنفسه، وعبر مؤسسات وتنظيمات ديمقراطيّة ممثلة، حاضره وملامح مستقبله. -2- دعم سمات التفتّح والتسامح في المجتمع حتّى يكون متشبّعا بالقيم المستنيرة النابعة من الحضارة العربيّة الإسلامية ومتفاعلا مع التطوّر البشري المعاصر، لمواجهة تحدّيات المستقبل بعيدا عن كل أشكال الانغلاق والتعصب. -3- تجسيم دولة القانون، دولة التونسيين جميعا، وإنماء حقوق الفرد وحماية حقوق الإنسان والتقدّم المتواصل في طريق المساواة في الحقوق والواجبات بين كل أفراد المجتمع رجالا ونساء. -4- دعم الثقافة الوطنيّة، وفتح حوار وطني شامل لضبط مشروع مجتمعي يخلّص شعبنا من الاستلاب ويجسّم مصالحة فعليّة بين التأصل في حضارتنا وتاريخنا والتفاعل مع الثورة العلميّة والتقنيّة المعاصرة، فنتمكّن عندها من الإسهام في تطوير البشريّة وتقدّمها. -5- اعتبار بناء المجتمع الديمقراطي هدفا استراتيجيّا والعمل على إنجازه بالمفهوم السياسي الذي يضمن استقلال العدالة ويفرّق بين السلطات ويفتح للمؤسسات الدستوريّة والتنظيمات السياسية والنقابيّة والإنسانيّة المجال للقيام بدور الرقيب والاضطلاع بمهمّة السلطة المضادة، مع التأكيد على ضرورة إشاعة قيم الديمقراطيّة وسط المجتمع والارتقاء بوعي المواطن حتّى يكون مقتنعا وقادرا على ممارسة مواطنته في مختلف أطر حياته اليوميّة. -6- رفع القيود والمكبّلات التي تحد اليوم من حريّة الإعلام وحريّة التعبير وتجعل وسائل الإعلام السمعيّة والبصريّة أدوات دعاية طيّعة في خدمة السلطة والحزب الحاكم، وذلك بمراجعة جذريّة لقانون الصحافة حتّى نضمن إعلاما تعدّديّا ديمقراطيّا متحرّرا ونعيد الاعتبار والمسؤوليّة للصحافيين ونحمي مهنتهم الشريفة من التطفّل والرداءة. -7- توخّي الأساليب السياسية السلميّة والحوار المستمرّ بين كل مكوّنات المجتمع مهما تباينت توجّهاتها ظرفيّا أو أصليّا، مع احترام الرأي المخالف وحقّ الأقليّة في كل الحالات، بهدف تجسيم المصالحة الوطنيّة الحقيقيّة. -8- اعتماد سياسة اقتصاديّة تضع هيكلة الاقتصاد الضروريّة في خدمة العدالة الاجتماعيّة والتنميّة، وتقطع مع تخلّي الدولة عن مسؤولياتها في هذا المجال، وتفرض الشفافيّة الكاملة على التصرّف في الأموال العموميّة، وتفسح المجال للمبادرة الوطنيّة، وتشجّع الجهد، وتكافئ الإبداع والابتكار، وتعيد الاعتبار للعلم والمعرفة، وتحمي القوى العاملة بالفكر والساعد، وتنظّم مساهمتها الفعليّة في بناء اقتصاد وطني قادر على المنافسة يعطي الأولويّة لتلبية الحاجيات الأساسيّة للمواطنين ويجسّم بينهم توزيعا عادلا للموارد الوطنيّة ولثمرة الإنتاج « . و لقد مرت ست عشرة سنة على تأسيس حزبنا، حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات، قضينا نصفها الأول نناضل لكسب الترخيص والحال أنّه حق بديهي يضمنه الدستور، أما نصفها الثاني الذي جاء بعد الترخيص فقد مضى في المطالبة بالاعتراف الحقيقي الذي يجعل من الترخيص القانوني أداة للمشاركة الفعالة في الحياة العامة في إطار تعددية سياسية تقر بالتنوع و تحترم الرأي المخالف. إلاّ أنّ ما يؤسف له أنّ ما طالبنا به و دعونا إليه، بهدف تكريس المواطنة الحقيقية و خدمة لمصلحة البلاد و تنميتها و مناعتها حاضرا و مستقبلا، لم يتجسّم على أرض الواقع و لم يتعدّ الخطاب الإعلامي الدّعائي الذي تحاول به السلطة إخفاء تقاعسها في الوفاء بالوعود الديمقراطيّة التي قطعتها على نفسها و في إنجاز الإصلاح السياسي الذي لم يعد يحتمل التأجيل. و إنّ التعدديّة الحقيقية لا تزال غائبة سواء على الصعيد السياسي و ما يقتضيه من حرية الحركة و العمل لكل الأحزاب دون تمييز أو في الفضاء الإعلامي و ما يفرضه العصر من احترام لحرية الرأي و التعبير و النشر، أو في المجتمع المدني و ما يستوجبه عمل الجمعيات من حرية و استقلالية. و هكذا كانت المحطات الانتخابية الوطنية المتوالية مناسبات مهدورة لم تعكس تغييرات المشهد السياسي إطلاقا و لم تساعد على التقدّم بالوطن في مجالات التنمية السياسية. إنّ التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات، وفاء منه لأرواح شهداء تونس الأبرار و للمبادئ التي تأسس عليها، يعتبر أنّ الوضع الذي تمر به البلاد على غاية من الدقة لما لذلك من علاقة بمستقبلها و خاصّة باستحقاقات سنة 2014 وقضية التداول الديمقراطي على السلطة. و إنّ التكتل الديمقراطي يؤكد، في هذا الصدد، على أهمية الحوار الذي انطلق منذ مدّة بين أطراف المعارضة الديمقراطية لتدارس أوضاع بلادنا من مختلف الجوانب و طرح مايستلزم إصلاحها من مبادرات و تحركات مشتركة تمهّد لتوحيد المواقف. عن المكتب السياسي الأمين العام د. مصطفى بن جعفر
(المصدر: صحيفة « مواطنون »، لسان حال التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 132 بتاريخ ماي 2010 )
العيد العالمي لحرية الصحافة حصيلة العشرين سنة الأخيرة من العمل الإعلامي في تونس
ملف من إعداد عادل الثابتي كان التقرير المقدم يوم 4 ماي 2009 من قبل المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين برئاسة الزميل ناجي البغوري حول حرية الصحافة في تونس مؤذنا بانطلاق حملة ضد رئيس النقابة وأعضاء المكتب المتمسكين باستقلالية المهنة والمؤمنين برسالة الإعلام الحرّ في بلادنا ، إذ تمّ رفض مضمون التقرير من قبل صحفيين موالين للسلطة أعضاء في مكتب النقابة. وانطلقت حملة لإعادة النقابة إلى السرب. وكان مؤتمر 15 أوت. وكانت سلسلة الجلسات القضائية التي لم تمكِّن النقيب الشرعي ومكتبه من العودة إلى شارع الولايات المتحدة حيث يوجد مقر النقابة. وتميزت الساحة الإعلامية بسطوة صحافة المجاري وعربدتها في ظل عدم قدرة كل ضحاياها على مقاضاتها . « مواطنون » مواكبة منها لهذه التطورات أرادت بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة طرح الأسئلة التالية على إعلاميين تونسيين، وذلك لمحاولة الإحاطة بالأسباب العميقة التي أنتجت مثل هذا الوضع : 1/ كيف تقيّمون العشرين سنة الماضية من مسيرة الإعلامي التونسي ؟ 2/ خلال العشر سنوات الأخيرة ركز الخطاب الرسمي على رداءة المشهد الإعلامي ولكن التطوّر لم يحصل . أين يكمن الخلل حسب رأيكم؟ 3/ إذا كانت كل الأطراف في المجتمع المدني وأحزاب المعارضة الجدّية تُجمع على تقييم مشترك لوضع الإعلام حاليا، فما الذي منعها من العمل المشترك لمواجهة هذا الوضع؟ ناجي البغوري – عشرون سنة صعبة على الإعلام التونسي- 1/ العشرين سنة الماضية تعتبر من أصعب الفترات التي مرّ بها الإعلام التونسي حيث تراجع التنوع على مستوى العناوين الصحفية. كما تصاعدت وتيرة الانتهاكات بحق الصحف والصحفيين من محاكمات وسجن واعتداءات جسدية ومعنوية وطرد تعسفي؛ وعلى الرغم من التطوّر النوعي الذي شهده الإعلام على مستوى العالم والتطوّر الرهيب الذي عرفه الإعلام على المستوى المكتوب والمسموع والمرئي وظهور الفضائيات والانترنت فإن الإعلام التونسي واصل سباته العميق وظل خارج عصره يعزف أنشودة المعتاد غير عابئ بالتغييرات المتسارعة التي شهدها العالم وقد ساعد على ذلك وجود مناخ عام من الانغلاق الفكري والسياسي وهيمنة الحزب الحاكم على كل الشؤون العامة من المنظمات وفضاءات عامّة وتراجع دور أحزاب المعارضة والمنظمات المستقلة وانحسار الأصوات الناقدة والمختلفة وكان الإعلام أوّل المنخرطين في هذا التوجه ليتحوّل في أغلبه إلى أداة دعاية سمجة للحزب الحاكم . مع بداية الألفية الجديدة بدأت محاولات قليلة في كسر هذا الطوق، مثل بعض صحف المعارضة وبعض المواقع الإلكترونية وبعض الفضائيات التي تبث من خارج تونس ماديا ومعنويا. إلا أن هذه المحاولات واجهت الحصار والتضييق ماديا ومعنويا. ولم تستطع أن تصنع ربيع الإعلام التونسي الذي ظل حلما مؤجلا. 2/ فعلا لاحظنا في السنوات الأخيرة تطورا على مستوى الخطاب بالنسبة للسلطة وكان هناك انتقاد لأداء الإعلام، لكن هذه التصريحات تعبّر عن الحالة المرضية التي تعيشها البلاد ليس في ملف الإعلام فقط بل في عديد الملفات الأخرى مثل الملفات السياسية وملفات حقوق الإنسان والمؤسسات الدستورية واستقلال القضاء وكنا دائما نلاحظ خطابا يدعو إلى التحرير والتطوير، تقابله ممارسة من نفس جهة الخطاب تعمل على إدامة الأمر الواقع المختلف كليا عن هذا الخطاب. أي أن خطاب السلطة لتطوير الإعلام في السنوات الأخيرة لم يكن إلا بغرض التمويه والاستهلاك الخارجي ردا عن انتقادات منظمات دولية ولذرّ الرّماد على العيون وطنيا وقطع الطريق أمام المنتقدين الحقيقيين والداعين الحقيقيين لتطوير المشهد الإعلامي، فلو كان للسلطة حقا رغبة في تطوير المشهد الإعلامي لما عطّلت صدور وتوزيع الصحف التي لا تكرّر خطابَها ولما سجنت الصحفيين المستقلين المنتقدين لها .ولقامت بإزالة ترسانة القوانين المعرقلة للعمل الصحفي وحرية الصحفيين. 3/ يجب القول أن الواقع صعب جدا حيث تميّزت السنة المنقضية بالانقلاب على ممثل الصحفيين النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بمجرد إصدارها تقريرا ينتقد الوضع الراهن ورفضها تزكية مرشح التجمع للانتخابات الرئاسية كما أن المبادرة التي تبنتها صحف « الطريق الجديد » و »مواطنون » و »الموقف » وتجمع حولها أكثر من مائتي شخصية من مختلف المشارب هي أهم الشخصيات الوطنية للمناداة بحرية الإعلام في البلاد تمّ إجهاضها في المهد وقامت الشرطة السياسية في أكثر من مرّة بمنع اجتماع هذه اللجنة في أحد مقرات الصحف الثلاث فكيف يمكن الحديث عن التنسيق بين الرافضين لتردي الإعلام في بلادنا؟ إذا كانت حرية التنظم وحرية الاجتماع وحرية التظاهر وحرية التعبير غير مضمونة لقد وصل الأمر بالحكومة إلى محاصرة مقرات الأحزاب القانونية وصحفها ومحاصرة منازل الصحفيين المستقلين والناشطين السياسيين والحقوقيين وفض لقاءاتهم حتى إن كانت بين اثنين أو ثلاثة في مقهى . ومنع الندوات القانونية المعلن عنها، لكن ذلك لا يمنع أصحاب النوايا الطيبة والمدافعين عن حرية هذا البلد في امتلاك صحافة تليق به من العمل و تكثيف المحاولات رغم كل العراقيل. أكدّت التجارب أنّ كل المعارك التي خاضتها الشعوب والمجموعات من أجل الحرية كانت نتيجتها لصالح طالبي الحرية، وإن حركة التاريخ لا يمكن أن تعود إلى الوراء سيما وأن الحرية بشكل عام أصبحت واقعا كونيا. ورغم شدّة الانغلاق وحالة الإحباط التي تنتابنا أحيانا فإنّ النضال من أجل تحقيق مطلب حرية الصحافة والتعبير والرأي في تونس أمر حتمي لا تراجع عنه. سمير ساسي سكرتير تحرير جريدة « الموقف » عشرون سنة من العناء وأطراف المعارضة لا تجمع على تشخيص موحد لهموم القطاع لا يحتاج المتابع للشأن الإعلامي في تونس إلى كبير عناء ليدرك الوضع المتردي الذي يعيشه الإعلام ، وهو وضع يتسم بحالة من « الانضباط » لكل ما هو رسمي لا تسمح له بان يتحرك خارج « السرب » وهو ما ولد إعلاما معوقا لا يطرح من القضايا إلا هوامشها ولا يمس المشاكل الحقيقية للمواطن وللقراء. انضباط نتج عن حالة « الرعب » التي يفرضها قانون الصحافة و ملحقاته ، رعب أنتج مراقبة ذاتية حولت المشهد الإعلامي إلى مشهد كارثي تغلب عليه ثقافة الاستهلاك والفضائح والتمجيد والدعاية الممجوجة، طبعا وجدت بعض الاستثناءات التي تجاهد أن تكون خارج السرب الرسمي وان تعيد للإعلام التونسي أيام جريدة « الرأي » إلا أن هذا الجهد بدوره يحتاج إلى تقييم نقدي ووقفة تأمل تجيب عن التساؤل الجوهري الذي يقض مضاجع الإعلاميين المستقلين والملتزمين: لماذا فشلنا إلى حد الآن في فرض استقلال الإعلام والارتقاء به إلى مستوى مُسَمَّاه كسلطة رابعة؟ في الحقيقة ليس هناك أي خلل بين الخطاب الرسمي وبين الممارسة لان هذا الخطاب لم يطرح على نفسه يوما ان ينفذ ما يقول وقد استعذب سياسة القول الناعم الذي يزين للمتابع واقعا مفترضا يجعل منه مرجعا لمحاسبة كل المحتجين ضد الانتهاكات والإخلالات، يعني أن الخطاب الرسمي منسجم ومتفق مع ذاته يعني ما يقول فهو لا ينوي أن يجاوز إلى الفعل وهذه من أهم « النجاحات » التي حققتها السلطة في إدارة الشأن العام في تونس لكن المؤسف أن كل مكونات المجتمعين المدني والسياسي لم تدرك جوهر هذه السياسة وظلت تحاسب السلطة عن المفارقة بين القول والتطبيق وهو عين ما تهدف إليه السلطة أن تتركنا ندور في حلقة مفرغة وفي حالة من الانتظارية غير الفاعلة طالما أن بيدها الحجة التي توهم المتابعين أن نيتها حسنة في النهوض بقطاع الإعلام ، رغم « أن النية الحسنة لا تبرر الحرام » كما يقال ولكن في موضوعنا هناك نية مبيتة للوصول إلى هذه الحالة من الصراع داخل دائرة زخرف القول التي لا تغني عن الواقع شيئا. أن لا أوفقك القول بان هذه الأطراف تشترك في التشخيص أو تُجْمِعُ على القول بتردي الإعلام وان بدا لنا هذا التوافق فإنما ذلك لا يعدو الحقيقة الخطابية لأنّ الإجماع أو الاشتراك يقتضي الانطلاق من أرضية مشتركة أو مرجعية محددة نقصد بها هنا النظرة لإعلام مستقل حر يؤسس لعلاقات مواطنية بصرف النظر عن أي اعتبار وهذا غير حاصل إلى حدّ الآن لتحصن كل طرف بما يميزه عن غيره اختلافا مانعا من الالتقاء (المصدر: صحيفة « مواطنون »، لسان حال التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 132 بتاريخ ماي 2010 )
الانتخابات البلدية وتداعياتها
انتهت الإنتخابات البلدية الرابعة عشرة منذ الإستقلال والخامسة منذ تغيير السابع من نوفمبر بالنتائج المعلنة، وأتت بعدها عمليات (انتخاب) الممثلين البلديين في الثمانية وسبعين مجلسا بلديا عرفت تعددية تمثيلية. وإذا كان المنتخبون الممثلون للتجمع الدستوري اطمأنوا على حالهم في 186 بلدية بلا منافسة حيث ارتقوا كلهم إلى المستشارية ( هو لا مان) كما يقول المثل الفرنسي فإن الأمر لم يكن كذلك في تلك البلديات التي عرفت منافسة عدة قائمات في الغالب وخاصة البلديات الكبرى، فقد كان واجبا على الفائزين جميعهم أن يمروا بامتحان اختيار اعداد منهم للجلوس في اجتماعات المجلس البلدي الجديد. وإذا كانت المجلة الإنتخابية اقتضت نجاح القائمات التي لم تعرف منافسة بأكملها، وهذه كلها كانت من الحزب الحاكم، فإنها حددت مقاييس معينة للنجاح في البلديات التي عرفت منافسة قائمتين أو أكثر. واقتضت المجلة الإنتخابية في فصلها 154 في هذه الحال أن تنال القائمة التي جاءت في المرتبة الأولى من حيث أهمية عدد الأصوات على نصف المقاعد، ثم إنها تدخل في سباق مع القائمات المنافسة بطريقة النسبية مع اعتماد أكبر البقايا، وليس هذا مجال شرح هذه الطريقة التي تعد الأعدل مطلقا خاصة عندما تأتي مصاحبة للتصويت الأغلبي (نصف المقاعد للقائمة الأولى ترتيبا)، وربما توفرت فرصة أخرى للدخول في التفاصيل، وفي هذا السباق فإن القائمات تتقاسم المقاعد الباقية بالنسبية كما رأينا، لكن دون أن تنال أي قائمة مهما كان عدد الأصوات التي حصلت عليها أكثر من نصف تلك المقاعد (50+25 في المائة ) أي في الجملة 75 في المائة من المقاعد، وتلك هي الثغرة التي مكنت الإرادة السياسية ممثلة في مقتضيات الفصل المذكور أعلاه المعارضات من الحصول على مقاعد في المجالس البلدية التي رشحت فيها قائمات، بشرط أن لا تقل النسبة المتحصل عليها على 3 في المائة وهي العتبة الضرورية للإستفادة من هذا المقتضى. إذن وإذا طرحنا البلديات التي لم تترشح فيها المعارضات ( 186 بلدية) استصفتها قائمات التجمع الدستوري منفردة وحصلت فيها على كل المقاعد، فإن هناك في أقل التقديرات إجراءات أخرى : أولا في مستوى التجمع الدستوري الحاكم الذي ينبغي عليه أن يعين بالطريقة التي يراها المستشارين المنتخبين والذين سيسحبهم لتمكين المرشحين المعارضين من دخول تلك المجالس وفقا لما رأينا مما يعود لهم من مقاعد.( القرعة) ثانيا وفي مستوى الأحزاب أو القائمات المعارضة من تعيين كل حزب أو قائمة من بين مرشحيه ووفقا لما عاد له من مقاعد الممثلين له في المجالس الجديدة. وهذه العملية مؤلمة وتكاد تكون جراحية، فهؤلاء وعدديا استحقوا النجاح سواء لعدد الأصوات التي حصلت قائماتهم عليها وهي غالبا أعلى مما حصلت عليه القائمات المعارضة لولا السقف الذي حدد لعدد المستشارين عن كل حزب مهما كان عدد الأصوات التي حصل عليها. وأولئك من المعارضين وبفعل القانون الإنتخابي نجحوا ولكن لا بد من الإختيار العددي المناسب من بينهم. ففي بلدية مثل العاصمة تونس التي تعد 60 مستشارا بلديا فإن 15 من المقاعد تذهب للمعارضات لتتقاسمها، وعلى هذا الأساس فإن 15 منتخبا على قائمات التجمع الدستوري نجحوا ووجب سحبهم، لترك مقاعدهم للمعارضين، هكذا اقتضى القانون واقتضت طريقة النسبية التونسية، وفي بلديات مثل صفاقس أو سوسة التي تعد 40 مستشارا لكل منهما وجب على التجمع الدستوري سحب 10 من ممثليه في كل واحدة منهما ليحل محلهم ممثلون للأحزاب المعارضة. ومن المفروض أنه قد تم ذلك خلال اليومين المواليين للإنتخابات بالإعلام بالترتيب النهائي لقائمات كل حزب في مركز الولاية، وهكذا يتم اعتماد عضوية من يستحق وفقا للقانون في المجلس البلدي الجديد، وفي حالة عدم قيام رئيس القائمة بذلك فإنه يقع اعتماد القائمة بالترتيب الواقع عند تقديم الترشحات. وفي الأسبوع الموالي للإنتخابات وبعد 10 أيام على مرورها تجري عملية تحويل الصلاحيات، وفي الأثناء يواصل رئيس البلدية المتخلي تسيير الشؤون الجارية دون حق في اتخاذ القرارات التي يمكن أن تلزم البلدية. ** تطور في القانون الإنتخابي بشأن البلديات وفي التمثيلية: – ينبع هذا التطور من إرادة سياسية عميقة في تمكين المعارضات من الدخول في الحياة الإجتماعية المحلية ذات السند الدستوري، – دون أن تكون وهذا ما أبرزته النتائج الرسمية للإنتخابات على قدرة على ذلك من حيث عدد الأصوات المتحصل عليها ـ – بعكس الإنتخابات التشريعية حيث يتم اعتماد النسبية خارج إطار المنتخبين بالطريقة الأغلبية المطلقة على القائمات في دورة واحدة، أي بحصول انتخاب كل المرشحين، ثم إضافة مقاعد مخصصة على حدة للنسبية، فإن الإنتخابات البلدية اعتمدت ميكانيكية أخرى تقوم على إدماج النسبية في العملية الإنتخابية بالأغلبية، (بعد استصفاء 50 في المائة من المقاعد لفائدة الحزب المرتب أولا) بحيث يؤدي الأمر إلى انسحاب أعداد من المترشحين للحزب الأول ترتيبا ( في هذه الحالة التجمع الدستوري الديمقراطي) وصعود عدد من المعارضين بالنسبية. – على سخاء هذه الطريقة بقطع النظر عن نتائجها، فإنها تترك مرارة في نفوس الذين تم سحبهم، من قائمات التجمعيين، وفي نفوس الذين لم يقع اختيارهم في قائمات المعارضات ليصعدوا للمجالس الجديدة. – وفي ما عدا هذا فإن العملية كلها إيجابية، فالمستشارون المعارضون يمكن أن يقدموا دماء جديدة، ويثروا الحوار الداخلي، ويا حبذا لو تكون الفرصة مواتية لاختيار واحد منهم كنائب للرئيس في البلديات الكبرى حيث عدد المستشارين كبير. عبداللطيف الفراتي رئيس التحرير الأسبق (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 ماي 2010)
إلى النخبة الإسلامية العائدة، السؤال الذي يقض المضاجع!
د خالد الطراولي ktraouli@yahoo.fr لعلنا لن نعيد حديثا مللنا سماعه عن دور النخبة في عملية التغيير، لعلنا نكرر إلقاء أحرف على أسطر مضطربة تجمع الخاصة والعامة في طوابير تسعى إلى استنهاض الكلمة والفعل… لكننا نجزم أن للنخبة منزلة ومقاما، هي النموذج عند البعض وهي القاطرة عند البعض الآخر وهي القدوة والمستقر والملاذ عند الكثير لم يخطر على بالي وأنا أصافحه أن يبادلني منذ اللحظات الأولى بسؤال عجيب غريب : « لولا وجودك على النات لظننتك من العائدين » قلت : سامحك الله وهل نسيت موقفي من العودة؟ قال: بلى ولكن سبحان مغير الأحوال، من كان يظن أن قامات وقيادات بمستويات عالية تعود منفردة في خلاص شخصي دون أي اعتبار لمن صحبهم من عامة الناس وقواعد الحركة؟؟ صمتت… ثم جاء السؤال الحاسم الذي أيقضني من غفلتي ووضع على كتفاي أرطالا من الأثقال، كانت تذكرة وعلما واستفزازا. قال صاحبي بكثير من الحسرة والتأسف : صحبناهم أو تبعناهم ثم عادوا وتركونا! أليس من الواجب أن يكون الربان أول من يستقبل الراكبين وآخر من يغادر السفينة؟ نالني الصمت لحظة ظننتها ليال جمر حمراء، قال الرجل كلمات جمعت السياسة والاجتماع ومنظومة من القيم والأخلاق دون أن يدري، ثم تواصل الحديث تباعا وكان من ورائه هذا المقال… هموم مهاجر كنت ولا أزال أحمل فكرة العودة الحاملة للمشروع، كنت ولا أزال أؤمن أن الخروج كان مع مشروع جماعي ولن تكون العودة إلا معه، كنت ولا أزال أرى أن خدمة المشروع تطلب إطارا من الحرية وأن في غيابها يغيب المشروع ويموت، كنت ولا أزال مصرا أن عودة الأجساد لا تهمني وأن عودة الفكرة والكلمة هي الهدف والمبتغى، كنت ولا أزال أدعي أن مطالب النخبة والصفوة أكبر بكثير من الهموم العادية لعامة الناس وأن مسؤوليتها مضاعفة أمام الله والتاريخ والجماهير لأنها تمثل خليطا جميلا وحالما بين القدوة والمسؤولية وخدمة الناس، فالنخبة الناجحة هي النخبة التي تعمل للغير ولا تنتظر جزاء ولا شكورا ففرحتها في الدنيا أن ترى العامة تعيش رفاهة الروح والجسد وحرية الكلمة والمجلس، وفرحتها في الآخرة رضاء رب كريم ولعله استبشار رسول وقد وجد من يحمل عنه هموم أمته من بعده… كان تبريري لموقفي الرافض للعودة الفردية والخلاص الشخصي، يتمثل غالبا في هذه الرباعية التي ذكرتها في مقالات سابقة [انظر سلسلة المقالات « العودة ومؤتمرها أين الخلل » و »دور النخبة »] عن دور المهجر في عملية التغيير، وفي رفض العادية للمشروع ولحامليه ثم التساؤل عن عدم امكانية الزرع في أرض جدباء ليس للحرية وأخواتها مبيت ليلة أوضحاها. وأخيرا عن فقدان ورقة جيدة في الضغط السياسي من أجل دفع ولو بسيط لحلحلة الواقع المتجمد [أتحدث خاصة عن النخبة]. لم يكن في الحقيقة البعد القيمي والأخلاقي للمسألة غائبا عن تفكيري، لكني استبعدته حتى لا يتنزل الحديث في إطارات ومنازل لا أريدها وهي تلامس الفضائل والرذائل والمحاسن والخبائث ولعلها تقترب بخطورة من مواقع الإيمان والمعتقد ومن منازل الخيانة والفرار يوم الزحف، فلا مزايدة في حب الأوطان وفي خدمتها ولا مواجهة بين ضفاف الكفر والإيمان ولا تنابز بالألقاب، فالإطار مدني بامتياز، اجتهادي خالص لا عصمة فيه ولا قدسية ولا أستاذية، غير أن الزاوية التي طرقها صاحبي والسؤال الذي لا يترك الحليم على حلمه يجد له موقعا في النفس ويتطلب أكثر من تفكر وتقدير وموقف وخطاب : « صحبناهم أو تبعناهم ثم عادوا وتركونا أليس من الواجب أن يكون الربان أول من يستقبل الراكبين وآخر من يغادر السفينة؟ المسؤولية الأخلاقية وراحة الضمير سوف يكون للعاطفة شيء غالب في إجابتي ولكن العقل لن يترك المقام، سوف يكون للوجدان حضور لكن حكومة الضمير لن تخلي المكان. نعم هناك إشكال إن صحت فرضيته، فإذا كانت الهجرة فردية إثر هجمة أمنية ضد المشروع وحامليه وكانت خلاصا لفرد ولمشروعه الذي يحمله وكان للنخبة الدور البارز من باب « هاجروا إلى الحبشة ففيها ملك لا يظلم عنده أحد » أو كما قال الرسول الكريم فإن النخبة حملت دور المخلص والقائد والدافع، ولها من الجميع كل شكر وزيادة، غير أنها تحمل ولا شك جانبا من أسباب دفع هؤلاء إلى المغادرة والهروب، ومهما كانت مراجعتنا أو نقدنا لهذه الأسباب في خطئها أو صحتها، غير أنها كانت ودون أدنى شك وراء محنة التهجير هروبا من واقع مرير! خرجت العامة وغادرت الأوطان لأنها آمنت بمشروع وطبقت خطة. سارعت القواعد إلى الفرار وركوب المخاطر وترك الأهل والأحبة لأنها استيقنت أن خطتها التي عملت على تنزيلها تمثل احدى الحسنيين. فمن هذه الزاوية تحمل النخبة مسؤولية حقيقية لممارستها، ولو كان الإطار العام سليما ويسمح بالمحاسبة لروجعت فيما ذهبت إليه، وهذه المراجعة ليست اتهاما ولا تعييرا ولا عيبا، ولكنه إثبات لقيم المراجعة والمحاسبة التي تستشرف المستقبل بأدوات واعتبار واستخلاص للنتائج. غير أن المسؤولية الأخلاقية تبدو أكثر ضغطا عندما لا يكون لسلامة الإطار امكانية المراجعة والمحاسبة، فتأخذ على عاتقها كاملة مهمة احتضان واقع القواعد والسهر على سلامته، ومن هذه الزاوية يصبح اصطحابهم وملازمتهم حتى تنجلي العاصفة واجبا أخلاقيا ومسؤولية قيمية تمنع أي تخل أو انسحاب. لا شك أن هناك مرارة عند الكثير من تخلي النخبة وتملصها عن مسؤوليتها، لا شك أن بعضهم يحس بأنه أصبح يتيما على مائدة اللئام…، لا شك أن ما يدور بخلدهم هو عزلتهم وفرديتهم واستفراد السلطة بهم… لا شك أنهم يعتقدون أنهم لا يحملون أسماء وعناوين براقة جنبت النخبة العائدة من صولات ومضايقات وأن مصيرهم لا يخلو من مناطق التوجس والخوف والرعب…لا شك أن الشيطان قد دخل عليهم من باب التساؤل عن مدى أهلية واستحقاق كل هذه التضحيات الجسيمة التي نالت أجسادهم ووجهة حياتهم ومصير أسرهم وذويهم لتكون النهاية بمثل هذا العنوان الذي يفتقد كثيرا من منازل الحياء. قبل أن أختم هذا الحديث غير المرتب أحيانا أعيد سرد التساؤل للمرة الثالثة في هذا المقال حتى لا ينساه القارئ العزيز فيتولى مشاركتنا الاجابة عليه : « صحبناهم أو تبعناهم ثم عادوا وتركونا أليس من الواجب أن يكون الربان أول من يستقبل الراكبين وآخر من يغادر السفينة؟ يُروى أن الإمام أبو حنيفة رأى غُلامًا أمامه حفرة كاد أن يقع فيها فقال له : إياك يا غُلام أن تسقط، فقال الغُلام : بل إياك أنت يا إمام أن تسقط ، فإن أنا سقطتُ , سقطتُ وحدي ، ولكن إن أنت سقطتَ سقطَ العالَم معك! ماي 2010
حوار مع الأستاذة خديجة الشريف أمينة عامة للفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان تعزيز الحضور التونسي
حاورها عادل الثابتي بعد أن انتُخِبت السيدة سهير بلحسن خلال المؤتمر السابق للفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان رئيسة لهذه المنظمة الدولية الحقوقية تعزز الحضور التونسي خلال المؤتمر الأخير – المؤتمر 37 – المنعقد بإيريفان عاصمة أرمينيا أيام 8 و9 و10 أفريل 2010 بانتخاب الأستاذة خديجة الشريف الرئيسة السابقة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أمينة عامة، هذا إضافة إلى إعادة انتخاب السيدة سهير بلحسن على رأس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان . وبعد التهنئة الحارّة للأستاذة خديجة الشريف، وجهت لها « مواطنون » الأسئلة التالية احتفاء بالمناسبة واستيضاحا لفعاليات هذا المؤتمر: 1/ ما هي العوامل التي ساهمت في صناعة هذه الثقة الدولية في الحقوقيين التونسيين؟ وكيف تمّ انتخابك؟ تعتبر تونس أول بلد عربي وإفريقي نشأت فيه رابطة للدفاع عن حقوق الإنسان وهي الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وجميع الحقوقيين في العالم يعترفون بهذا الدور، وقد كانت أولى المنظمات العربية والإفريقية التي تنخرط في الفدرالية، وهذا لا يعني أنه لم توجد رابطات أخرى في المغرب العربي أو إفريقيا فيما بعد. وانتخابنا في المؤتمر السابع والثلاثين للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان من قبل المنظمات المشاركة انبنى على نظرة للنضال الحقوقي في تونس بينت أمرين أساسيين: الأمر الأول هو أن انتخابانا تمّ على أساس اعتراف المنظمات المشاركة في هذا المؤتمر بتاريخ النضال الحقوقي الذي خاضه الحقوقيون التونسيون . الأمر الثاني هو اعتراف المؤتمرين بالدور الهام للنساء في تونس في النضال الحقوقي . لقد وقع ترشيحي لمنصب الأمينة العامة من قبل المجلس الوطني للحريات والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وأنا فرحت كثيرا عندما حصلت امرأتان من تونس على منصبين رفيعين في هذه الهيئة الحقوقية الدولية. ونتيجة الانتخابات وضّحت أهمية الدور الذي تلعبه النساء في النضال من أجل حقوق الإنسان، وحقوق النساء بالخصوص. فسهير بلحسن عندما ترشحت لمنصب رئيسة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان تحصّلت على أعلى نسبة من الأصوات وأنا تحصلت على المرتبة الخامسة والأولى من بين الكتاب العامين الخمسة المنتخبين. وهذا يدلّ على ثقة كبيرة من قبل الرابطات التي حضرت هذا المؤتمر في المناضلات التونسيات من أجل حقوق الإنسان، وهذا شرف لنا كحقوقيين تونسيين. ويجب هنا التنويه بأن كلّ ما كنّا نقوم به من نشاطات في تونس صلب الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات كان محلّ متابعة من قبل كل المناضلين والمناضلات في صفوف الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان من كل أنحاء العالم، ففي آسيا وفي أمريكا اللاتينية وأوروبا يعرفون المشاكل والتضييقات التي تعرضنا لها، كما يعرفون المطالب التي نناضل من أجل تحقيقها. 2/ ماذا يمكن أن تفيدي به قراء « مواطنون « حول هذا المؤتمر والقضايا التي طرحت خلاله؟ تمّ قُبيل المؤتمر تنظيم حلقة دراسية « Séminaire » على مدى يومين كاملين كان موضوعها العدالة والعدالة الدولية والعدالة في كل بلد وما هو دورها في ترسيخ حقوق الإنسان. وتم التطرّق ضمن فعاليات هذه الحلقة الدراسية إلى إيجابيات ونقائص العدالة الدولية. وتمّ البحث في كيفية تدعيم العدالة الدولية، ووقع تركيز النقاش خاصة حول البحث عن سبل حماية مناضلي حقوق الإنسان وهم يقومون بدورهم في الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان في بلدانهم، وهذا أمر هام جدا. ففي بعض البلدان الأوضاع الداخلية لا تترك أي أمل في حماية الحقوقيين والمعارضين إلا بالتوجّه إلى العدالة الدولية. وهذا الوضع يوجد الآن بالخصوص في برمانيا وكينيا والسودان (دارفور) كما سُجِّل خلال هذه الحلقة الدراسية تنظيم ورشة شهدت نقاشات عميقة حول الإرهاب، وكيف يتمّ تعريفه، وكيف وقعت ممارسات في دول مثل أمريكا تحت غطاء مكافحة الإرهاب لا تحترم حقوق الإنسان بل تمعن في انتهاك تلك الحقوق. وتمّ التفكير خلال هذه الحلقة الدراسية في الدور الذي يمكن أن تلعبه الرابطة الدولية لحقوق الإنسان لمعالجة مثل هذه الانتهاكات. أما أشغال المؤتمر فوقع خلالها تقييم عمل المنظمة خلال الفترة النيابية السابقة في كافة مجالات اهتمامها. وقُدِّمت تقارير حول عدة مواضيع كالإرهاب وحقوق النساء. وكان هناك تقرير خاص بالرئاسة. ثم قَدَّم كل كاتب عام في الفدرالية تقريرا في الموضوع الذي كلّف به، وهي تقارير حول نشاط المنظمة في الأقاليم كإفريقيا وأمريكا اللاتينية والعالم العربي حيث تم التركيز خاصة على جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب المرتكبة من طرف إسرائيل في غزة بالخصوص . وتم التطرق بالخصوص إلى الدور الذي قامت به الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في دول القوقاز وآسيا الوسطى عموما وخاصة الانتهاكات التي وقعت في روسيا واوزباكستان . ومن حيث المراحل فيمكن تقسيم أشغال هذا المؤتمر إلى ثلاث مراحل : مرحلة أولى تمّ فيها تقديم التقارير التي كانت عميقة و تطرقت لكل المشاكل المطروحة في كلّ البلدان كما أسلفنا القول. أما المرحلة الثانية فخُصِّصَت لعرض القرارات (les résolutions)الخاصة بحالات بعينها، وكان عددها عشرين قرارا من بينها قرارات خاصة بفلسطين وروسيا وإفريقيا. وكانت هناك قرارات عاجلة مثل القرار الخاص بكوبا التي شهدت وفاة أحد مناضلي حقوق الإنسان في السجن في المدة الأخيرة. وشهد هذا القرار نقاشا مستفيضا وتم عرضه على التصويت. وشهدت المرحلة الثالثة من المؤتمر، التي كانت مفيدة جدا، نقاشا في العمق حول عدّة مسائل، منها مشروع تقدم به مكتب الفدرالية باقتراح من سهير بلحسن يتعلّق بمستقبل عمل الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في السنوات العشر القادمة . وفي نفس الوقت تناول المؤتمرون وضع النضال الحقوقي في العالم، فالفدرالية انطلقت بعشرين منظمة عضو ووصل عدد الأعضاء 155 خلال المؤتمر السابق ليصل العدد إلى 164 إثر المؤتمر الأخير . وهذا يجعل وضع الفدرالية فريدا في العالم إذا ما قارناها بمنظمات دولية كالعفو الدولية أو هيومن رايتس ووتش، باعتبارها أكبر منظمة حقوقية في العالم تجمع هذا العدد الهائل من المنظمات ومنها منظمات تواجه مشاكل في بلدانها مثل الرابطة الصينية للدفاع عن حقوق الإنسان . وبصفة عامّة كان النقاش في العمق حول مواضيع هامة مثل الحرّيات وحرية التنظم ومشكل العدالة والدفاع عن المدافعين عن حقوق الإنسان وقضية النساء وقضية المهاجرين التي قُدِّم حولها تقرير منذ ثلاث سنوات. وهنا يجب التوجّه بتحية اعتراف إلى الرابطة الأرمينية لحقوق الإنسان التي ناضلت لينعقد المؤتمر السابع والثلاثون للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان في إيريفان عاصمة البلاد. وكان انعقاد المؤتمر في هذا الإقليم من العالم فرصة لكل المشاركين لفهم قضايا آسيا الوسطى. وعبّرت الوفود المشاركة في المؤتمر عن مساندتها للسجناء السياسيين في أرمينيا وعددهم أربعة عشر سجينا، اعتقلوا منذ الانتخابات الأخيرة التي وقعت سنة 2008، وذلك عبر الانخراط في مسيرة نُظِّمت للغرض حضرها حوالي عشرين ألف شخص. وما تجب ملاحظته هنا هو أنه رغم وجود الانتهاكات في أرمينيا في خصوص حقوق الإنسان وحقوق النساء، ورغم وجود صعوبات في طريق الحريات ومشاكل مرتبطة بالانتخابات فقد وجد فضاء للتعبير الحرّ والنقد والمطالبة، بل وقع السماح بتنظيم مسيرة للمطالبة بالحقوق. وسهّل انعقاد مؤتمر الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان تنظيم مثل تلك الاحتجاجات. ولكن في نفس الوقت قبلت الحكومة انعقاد هذا المؤتمر. وهذا فسح المجال أمام الأمل في تحسين الظروف وذلك عبر الحوار. المؤتمر حضرته شخصيات عالمية اعتبارية عديدة مثل شيرين عبادي المناضلة الإيرانية الحائزة على جائزة نوبل للسلام وعبدو ضيوف الأمين العام لمنظمة الفرنكفونية و ماريو اوكمبوالمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ومدعي عام المحكمة الأوروبية الذين شاركوا في الحلقة الدراسية. و شارك بعض هؤلاء في المسيرة التي تحدثت عنها، مثل شيرين عبادي و رؤساء رابطات حقوق الإنسان المشاركين في المؤتمر. وخلال مهرجان خطابي انتظم عند نهاية المسيرة وقع إلقاء خطب في المتظاهرين من قبل سهير بلحسن وشرين عبادي ورئيس الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان وعبّرت هذه الخطب عن مساندة الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان لمناضلي حقوق الإنسان في أرمينيا. 3/ الحضور المغاربي تعزّز أيضا خلال هذا المؤتمر بانتخاب المغربية أمينة بوعياش من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان و الموريتانية فاطيماتا مباي عن الجمعية الموريتانية لحقوق الإنسان نائبتين للرئيسة . بماذا تفسرين هذا التصاعد لحضور منطقة المغرب العربي في هذه الهيئة الدولية الهامة للدفاع عن حقوق الإنسان؟
أمينة بوعياش وفاطيماتا مباي كانتا نائبتين لرئيس الفدرالية منذ الدورة السابقة وأعادتا الترشّح وفازتا وبأصوات هامة ،حيث تحصلت أمينة على المرتبة الرابعة فيما فازت فاطيمتا بالمرتبة السادسة. و بيّنت نتائج المؤتمر أنهما جاءتا في المراتب الستّ الأولى صحبة مرشح فرنسي . وهذا الاختيار تمّ من أغلبية المؤتمرين، وفيه من جهة، اعتراف بأن هناك مشكلا في المنطقة، و من جهة أخرى وجه من خلاله المؤتمر رسالة دعم للمناضلين والمناضلات من أجل حقوق الإنسان في المنطقة.
4/ ما هي المنظمات الحقوقية التونسية المنضوية تحت لواء الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ؟
هناك صنفان للعضوية في الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان : 1 – عضو كامل الحقوق 2 – عضو مراسل: وهو العضو الذي يساهم في نشاط الفدرالية ويشارك في مؤتمراتها، ولكن ليس له حق التصويت، وبعد مدّة من الانخراط يمكنه طلب عضوية كاملة. ونحن في تونس لنا منذ سنوات عديدة عضو كامل الحقوق هو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وكان خميس الشماري و سعدون الزمرلي تباعا في مكتب الفدرالية نائبين للرئيس في الثمانينات. ثم أصبحت سهير بلحسن نائبة للرئيس بعد ذلك قبل أن تنتخب للرئاسة. وهؤلاء كانوا جميعا نوابا عن الرابطة . وجرت العادة داخل الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أنّ المنظمة التي تمثلها هي التي ترشحك للمناصب القيادية في الفدرالية، وبإمكان منظمة غير تونسية أن تساندك. وأنا وقعت مساندتي من قبل المنظمات المغربية والمصرية ومنظمات كثيرة اخرى. المجلس الوطني للحريات والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات كانتا منظمتين مراسلتين ، فقد تقدم المجلس الوطني للحريات بطلب عضوية كاملة منذ مدّة، تمّ النظر فيه خلال هذا المؤتمر وتم عرضه على التصويت فقبل المطلب وأصبح المجلس عضوا كامل الحقوق في الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان. وبالنسبة لنا ، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات ، فنحن نشارك للمدة النيابية الثانية في الفدرالية ونحن حديثو العهد بها ولا نزال نتمتع بصفة العضو المراسل . 5 / هل كان هناك صدى لوضع حقوق الإنسان في تونس خلال المؤتمر السابع والثلاثين للفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ؟ في الحقيقة صار نقاش حول الوضع في تونس، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان قامت بدور هام في مساندة المناضلين الحقوقيين في تونس إلاّ أنّه لم يقدّم قرار خاص حول تونس بل طُرِح الوضع بصفة عامّة. لقد كانت هناك اجتماعات إقليمية خلال المؤتمر حول الخليج والمغرب والشرق الأوسط وإفريقيا. وقد طُرِح وضع تونس خلال اجتماعات إقليم المغرب العربي. والوفد التونسي طرح وضع الحريات وحقوق الإنسان في كلّ المناسبات التي أخذ فيها الكلمة.
(المصدر: صحيفة « مواطنون »، لسان حال التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 132 بتاريخ ماي 2010 )
لا تنسوا هؤلاء في عيد العمال
الوسلاتي « عيد بأيّة حال عدت يا عيد، ببطالة وطرد ومناولة أم بضرب على الحراك المنجمي بيد من حديد؟ » نماذج من معاناة عمال مطرودين من شغلهم *السيد عبد المنعم الصويعي: مطرود من شركة السكنى دون وجه حقّ السيد عبد المنعم الصويعي نقابي مطرود من شركة « السكنى » التابعة للبنك الوطني الفلاحي وشركة سيمبار “SIMPAR” منذ يوم 08 جوان 2010 بدون استجواب أو إحالة على مجلس التأديب أو التشاور مع تفقدية الشغل كما ينصّ على ذلك النظام الداخلي للمؤسسة. تدخّل الاتحاد العام التونسي للشغل في أعلى مستوى (الأمين العام وأعضاء من المكتب التنفيذي ) أو في مستوى النقابة العامة للمالية والاتحاد الجهوي للشغل بتونس، و وعدت وزارة الشؤون الاجتماعية بإرجاعه إلى عمله. وتدخّل الرئيس المدير العام للبنك الفلاحي لدى العرف السيد المنصف الكعلي لحلّ المشكل، فإن هذا الأخير لا يزال متمسكا بقراره. ولا تزال عائلة هذا الموظف تعاني ويلات حرمان عائلها من شغله.
*السيد لطفي السائحي: المحكمة الإدارية تحكم لفائدة عودته لعمله ومندوبية الفلاحة بالقصرين ترفض: السيد لطفي السائحي كما جاء في رسالة وجهها إلى رئاسة الدولة مؤخرا كان موظفا بالمندوبية الجهوية للفلاحة بالقصرين، خرج في إحالة على عدم المباشرة لأسباب شخصية لمدة خمس سنوات ابتداء من 06 مارس 1992 إلى 05 مارس 1997. وقبل انتهاء المدّة بثلاثة أشهر أبلغ إدارته برغبته في العودة إلى عمله إلا أن الإدارة رفضت بدعوى عدم وجود شغور في الإطار، مما اضطره إلى رفع قضية لدى المحكمة الإدارية التي أنصفته ابتدائيا واستئنافيا ولكن الإدارة رفضت الاستجابة للحكم القضائي.توجه السيد لطفي السائحي برسائل إلى عديد الوزراء وإلى هيئات حقوقية وإلى مجلس النواب ومجلس المستشارين دون تحقيق أي نتائج تذكر. زكية الضيفاوي: فاتورة مساندة الحركة الاجتماعية بالحوض المنجمي زكية الضيفاوي أستاذة تعليم ثانوي بأحد معاهد مدينة القيروان، عضو في حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات وفي عديد الجمعيات الحقوقية وفي نفس الوقت كانت تعمل مراسلة لجريدة مواطنون بالقيروان ارتكبت « جرم الشرب من الغدير ». قصدت الحوض المنجمي في يوم قائظ مناخيا واجتماعيا يوم 27 جويلية 2009 وصادف وصولها للرديف خروج مظاهرة نسائية تطالب بإطلاق سراح مساجين الحراك المنجمي ،فرافقتها فتمّ اعتقالها. حوكمت ابتدائيا بثمانية أشهر سجنا صحبة متهمين آخرين معها في جلسة الاستئناف لكن تمّ تمييزها بحكم يحيلها على البطالة إذ قضت المحكمة بشأن بقية المتهمين بثلاثة أشهر سجنا فيما حُكم على زكية بأربعة أشهر سجنا. ومنذ خروجها من السجن يوم 7 نوفمبر 2008 وهي تعاني مصاعب البطالة لامرأة ليس من مورد رزق سوى وظيفتها..
الأستاذة س.ب .ع: وزارة التربية تعيّنها ثم تتراجع عن ذلك في ظرف أسبوعين دون توضيح الأسباب!! خلال السنة الدراسة 1994 / 1995 (قبل أن يقع إقرار مصيبة الكاباس) دُعيت الطالبة المتخرجة حديثا من إحدى شعب العلوم الإنسانية إلى الالتحاق بأحد معاهد الشمال للتدريس، صحبتها عائلتها إلى القرية التي يقع فيها المعهد واكترت لها منزلا. ولكن ما راعها إلا ووزارة التربية تتصل بها بعد أسبوعين من العمل لتعلمها بأنهم أخطؤوا في الاسم وأنها ليست هي المعنية بالتعيين . اتصلت الأستاذة الشابة بالوزارة ، هناك استقبلها مسؤول كبير بالقول: « أنت تعرفين لماذا أوقفناك عن العمل ». لم يكن هناك من شيء قد يفسر لها ذلك سوى أن أحد أفراد عائلتها مطارد في قضية سياسية تستوجب تجويع كل أفراد عائلته وإن لزم الأمر كل أفراد قبيلته..هذه « شكوك » ولكن إلى حد الآن لا تعرف الأستاذة المعطلة في صمت منذ 1994 الأسباب الحقيقية للطرد كما أن الوزارة لم تقدم لها تفسيرا واضحا.
ممنوعون من العمل في صمت مؤبد: عشرات من التونسيين حوكموا في قضايا سياسية طيلة فترة التسعينات الحالكة: أطباء ومهندسون وأساتذة ومعلمون وغيرهم من أصناف الموظفين وأصحاب الشهائد وجدوا أنفسهم بعد مغادرة السجون دون شغل يعانون الإقصاء الاجتماعي والتهميش دون تغطية اجتماعية ودون رعاية صحية ..هم تونسيون يعيشون إلى جانبنا ..يجوعون في صمت.. ولا يتحدث عنهم أي صنف من المنظمات.معاناتهم تغيب عن جدول أعمال المنظمة النقابية كما تغيب عن جدول أعمال المنظمات الحقوقية.
أصحاب الشهائد المعطلون : شباب يحرق أحلامهم لهيب البطالة هم آلاف من أبناء تونس، شبان في مقتبل العمر تخلت عنهم الدولة رغم ما يروِّجه الخطاب الرسمي الذي يملأ الآفاق من دعاية عن العناية بالشباب ومحاربة البطالة ..الجعجعة موجودة ولكن الطحين لا نراه ..في أغلب البلدان التي تعاني من مشكل البطالة توفر الدولة منحة بطالة يستطيع بها العاطلون تلبية نداء الحياة ..في تونس توقفت حياة المعطلين عن العمل، ففي كل امتحانات شهادة الكاباس ترى أعدادا من الشباب قاربت الكهولة وقد غزا الشيب شعرها، لا يحدثونك عن إلا عن محنة الكاباس التي أكلت سنوات من أعمارهم وعن اليأس الذي حولهم إلى كائنات لا أمل لها في المستقبل..
(المصدر: صحيفة « مواطنون »، لسان حال التكتل الديمقراطي للعمل والحريات، (أسبوعية معارضة – تونس)، العدد 132 بتاريخ ماي 2010 )
رسالة مفتوحة إلى صديق يسألني » لماذا لا تعود إلى البلاد » ؟ » من يعرف محمد علي فداي » ؟!
باريس في 16- 5 – 2010
بقلم :
هادي يحمد صديقي العزيز: وصلتني رسالتك التي تسأليني فيها عما يمنعني من » العودة إلى تونس » بعد سبعة سنوات من الاغتراب ومن المفارقات أن رسالتك وصلتني و أنا اقرأ كتاب » الحبس كذاب.. و الحي يروح » لصاحبه » فتحي بن الحاج يحي » ! فأثرت أن أجيبك برسالة مفتوحة لاني اعلم إنها ستفتح لا محالة من » العون المجهول » إذا أرسلتها لك ب »الميل الالكتروني » أو ب »البريد العادي » ! سأبدأ رسالتي لك بسؤالي إليك » هل تعرفي شخص اسمه » محمد علي فداي ».. هل سمعت به يوما بين المتهامسين خفية في « مقهى الدباغين » حيث كنا نلتقي أم في مقهى » كلية الآداب بمنوبة » بعيدا عن أعين » الأمن الجامعي ؟ هل سمعت عن اسمه من أفوه مناضلي حقوق الإنسان في مقر « الرابطة » أو في « المجلس » أو « الامنستي » في شارع أم كلثوم ؟ بالتأكيد لا اخالك قرأت عنه في جريدة « الشروق » أو « الصباح » و لا عند » بطرونات » مديري الصحف » الجريدية » الذين جلبوا العار لصحافتنا التونسية ؟ هل تريد أن أحدثك عن « محمد علي فداي » ؟! . انه » مواطن » مجهول في تونس اليوم من بين الملايين من » المواطنين » الذين لا تحتفل بهم الفضائيات و لا يقع استفاضتهم في نزل الخمسة نجوم وليسوا هم من أصدقاء الفرنسيين و لا الأمريكيين و لا يمكن ان تلصق بهم تهمة » عملاء الداخل » و لا » الخارج « .. ربما كان محمد علي فداي من الأشخاص الذين لم يطمحوا يوما ما في قيادة البلاد و لا حتى في ملكية » يخوت » و « هناشير » و لا ضياع و لا إدارة شركات و لا نهب ثروات البلاد ربما كان أقصى طموحه حياة بسيطة بتكوين عائلة و تربية أبناء و قليل من المال كما تفرض على أمثاله التقاليد الاجتماعية . صديقي العزيز: هذا » المواطن » صعد في ديسمبر 1996 أسوار قلعة القصبة بمدينة بنزرت و صلي ركعتين من الناحية المواجهة للمرفأ القديم ببنزرت .. وقف على حافة السور .. ثم كبر بأعلى صوته .. و ألقى بنفسه من أعلى السور .. » فاض دم » محمد علي فداي » على رصيف مرفأ بنزرت و مات في الحال و دفن في مقبرة على عجل تاركا وراءه ثلاثة أطفال .. مات شهيدا أو منتحرا.. لا يهم ! هل سيدخل الجنة أم النار.. لا يهم ! ما قيمة المصير وما قيمة السؤال حول حقيقة وجود الله و ما قيمة وجود الجنة أو النار أمام شناعة ميتة كهذه ! المهم يا صديقي أن « محمد علي » هذا ضجر الحياة الذليلة تحت رقابة الأجهزة البوليسية و التوقيع اليومي في مخافر الشرطة بعد خروجه من السجن بتهمة الانتماء إلى » جمعية غير مرخص فيها ».. و اختار الحل الأنسب لحياة أصبحت مستحيلة .. اختار » محمد علي فداي » أن يلقي بنفسه من أعلى قمة في مدينته لأنه اقتنع أن الحياة » تحت الحصار » كما يقول تقرير » « الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين » لا تستحق أن نحياها ( تقرير » مواطنون تحت الحصار.. المراقبة الإدارية في تونس » صدر بباريس مارس 2010 ) . صديقي العزيز: رحل » محمد علي فداي » الذي لم يسبق لي الالتقاء به و لا أشاطره أفكاره بل ربما لا أستسيغها ووجدت اسمه عرضا في تقرير ممنوع في تونس و لكني اعتقد انه قام باختيار » شجاع » و » مفزع » في ألان ذاته للتعبير عن حالة الإحباط و اليأس التي تسري اليوم في تونس بين » المواطنين » الذين دخلوا معترك السياسة و المشاركة في الحياة العامة » ليكتشفوا أن الحياة لا نستحق في هذه الظروف أن نحياها فاختاروا طريقة موت تليق باستحالتها !. بالقطع لن أقارن نفسي إذا ما عدت إلى البلاد بما جرى لهذا الشخص أو غيره لاني لست سياسيا و لا املك مشروعا سياسيا و لاني من المقتنعين بالمصير الفردي للإنسان بالمعنى الذي يصوره » كامي » في رواية » الغريب » و لكني اعلم أيضا أني إذا ما عدت يوما سوف أتعرض لمضايقات أكثر تنكيلا لاني أريد أن أمارس مهنتي الصحفية والكتابة في المحرمات و المحظورات و كل الممنوعات السياسية و الدينية و الاجتماعية وهو أمر غير متاح في تونس اليوم .. و لا أرى معنى لممارسة الصحافة إلا من باب » الاستفزاز الايجابي » و » السلخ المطلوب » و « المحاسبة غير المداهنة » و » نقد الحكومة و هرم رأس الدولة تحديدا بكل حرية و مسؤولية كما تفعل الصحافة الفرنسية » بساركوزي » اليوم و إلا لا معنى لمهنة الصحافة بالنسبة لي .. وهي بدون هذه المعاني عملية استرزاق رخيصة لا أريد أن أمارسها في بلدي ! صديقي العزيز: عندما تكون ممارسة الصحافة يمعناها الحقيقي أمرا مستحيلا فيه و فعل السياسة فعل جالبا للانتحار في ظل حفلات التهريج و مسرحيات الانتخابات و عندما تتالى التجمعات الجماهرية المنادية بتخليد الأصنام خبزا يوميا و عندما يكون تكميم الأفواه قاعدة و عندما يصبح الصحفيون – مع بعض الاستثناءات – أبواقا للسلطان و عندما تحاصر الجمعيات المستقلة و يطارد البوليس السياسي مناضلي حقوق الإنسان في كل شارع و في كل زقاق و في كل مقهى و يسترق « المخبر » السمع إلى مكالمات المعارضين و يقرأ « اميلاتهم » عبر أجهزة القرصنة » في دهاليز وزارة الداخلية بسادسة و عندما يتلصص على تفاصيل مضاجعة مناضل حقوق الإنسان لزوجته أو خليلته بوقاحة … عندما يحدث كل هذا.. أي عندما تموت « السياسة » و تقبر » الصحافة » و تصبح المشاركة في الحياة العامة مستحيلة.. عندها يصبح خيار » محمد علي فداي » « خيار المستقبل » للتونسيين و ليس بديلا عنه إلا » الاستقالة » أو فتح محل للغلال و الخضروات » أو « الهروب من البلاد » لان العودة في مثل هذه الظروف تصبح عملية انتحار رمزي و عملية تضييع للعمر بلا جدوى . صديقي العزيز: الأكيد أن هناك من زملائي من » المستقلين » من يرى في » هامش الحريات » بارقة أمل في » دول الحرية » يوما ما.. و هناك من أصدقائي الشيوعيين من يراهن على كتابة » الكي » ( محمد الكيلاني ) على أعمدة » جريدة الصباح » هذه الأيام و يرى فيها بارقة أمل من اجل تطبيق » دولتهم الشيوعية » في تونس يوما ما .. و هناك من أصدقائنا الإسلاميين ممن اغمدوا سيوف » جهادهم المقدس » ممن عادوا إلى الوطن من يرون في » إذاعة الزيتونة » بارقة أمل في تطبيق » دولتهم الإسلامية » يوما ما .. و هناك من أشباه المناضلين من يرى في لين النظام معهم بارقة أمل في حصولهم على منصب يوما ما.. كل هذا لا يعنيني فما تعودت أن استرزق على فتات الاستبداد و لا أن أكون جنديا في مشروع جماعي فكاتب هذه السطور » ليس إلا فرد وليس له أي قدر جماعي » ما يقول « سيلين » في روايته » رحلة في دهاليز الليل » ! لا تعنيني الإشارات الخفية و البحث في ما تحت السطور لتعيين فلان أو علان في هذا المنصب أو ذاك كدليل انفتاح نسبي و لا يعنيني منطق » القطرة قطرة » و لست من الذين يرون أن تحقيق الحرية في تونس يقتصر على السماح بلس قطعة قماش فوق الرأس كما يطمح أهل الإسلام و السماح بالمساواة في الإرث كما تريد النساء الديمقراطيات أو السماح لهذا بالعودة أو الضغط على ذاك عبر مساومته بحقه في جواز سفر .. أنا من المقتنعين بحقنا في الحرية الكاملة والديمقراطية غير منقوصة و بحياة سياسية متحركة و حية تليق بالتونسيين بلا إضاعة عمر في أنفاق الانتظار. أنا لا أرى يا صديقي فيما يجري إلا تجميلا مكررا للمشهد السياسي منذ حوالي ربع قرن و لا أزال وفيا لقول مظفر النواب » إسرائيليون مهما كحلوا مشروعهم » ( على فكرة إنها قصيدة يشتم فيها شاعر العراق ال سعود) ! صديقي العزيز: ربما لن تسمع غدا أني ألقيت بنفسي تحت » مترو باريسي » غدا من شدة اليأس و الإحباط على خطى » محمد علي فداي » هذا .. لاني أولا » أحب الحياة كما لا يحب الحياة احد » كما يقول « الرفيق » أولاد احمد وثانيا انه لا يتبع خطاي في منفايا رجل امن كلما خرجت من بيتي و لا « يصنصر » الراحل » الهادي القريوي » مقالاتي كما كنت في مجلة « حقائق » و أكثر من ذلك لا أرى في نفسي جزءا من جيل الثمانينات المهزوم و لا حتى من جيل التسعينات المهجر و المنكوب و لا من جيل آخر يساريا أو يمينيا أو سلفيا أو شيوعيا أو إسلاميا أو أصوليا أو وصوليا .. أو غيرها من الاتجاهات التي أصبحت تطبق بتهافت المثال القائل » حشيشة طالبة معيشة » ! و لاني من جيل يرفض التصنيفات » البوليسية » التي أورثتها دولة الاستبداد لمعارضيها و لاني من جيل الحالمين بدولة » الحرية » يوما ما .. فان حلمي ليس قطعا عودة إلى وطن اغترب في داخلي و أصبحت فيه الغربة وطن إلى حين ! نسيت أن أقول لك قبل أن اختم رسالتي أني سأرسل لك قريبا نسخة من كتاب » الحبس كذاب و الحي يروح » قريبا عبر احد أصدقائي العائدين ! .
تونس في دوامة الرقابة: «الحق مع» المدونين
مشهد من الحلقة التي منع بثهاآخر «إنجازات» الرقابة منع بثّ حلقة من برنامج ناجح يعرض على القناة الحكومية، في وقت أطلق الشباب التونسيون حملة تطالب بإلغاء حجب المواقع والمنتديات تونس ـ سفيان الشورابي يبدو أنّ وزير الاتصال التونسي أسامة الرمضاني لا يأبه كثيراً بخطاب الرئيس زين العابدين بن علي الذي يكرّر بمناسبة أو بدونها، أنّه لا محرّمات في الإعلام التونسي. آخر «إنجازات» الوزارة، كانت منع بثّ حصة من برنامج «الحق معاك»، بأمر من وزير الاتصال من دون توضيح الأسباب. هذا البرنامج الذي تعدّه شركة إنتاج خاصة لمصلحة قناة «تونس 7» الحكومية، ويقدّمه معز بن غربية، يهتمّ بالقضايا الاجتماعية ويعرض الخلافات التي تحصل بين المواطنين والجهات الإدارية. ويلقى البرنامج إقبالاً كبيراً. موضوع الحلقة التي فرض الوزير الرقابة عليها يتعلّق بمشكلة عمال «المركز الثقافي» في مدينة الحمامات الساحلية، المحرومين من حقوقهم المالية التي يكفلها القانون لهم. خلال تصوير الحلقة، تمكنت وزارة الثقافة من تسوية وضعية البعض من المتضررين في انتظار النظر في ملفات بقية العمال. الخلاف عادي ولا يثير القلق. غير أن وزير الاتصال الذي سمح لنفسه بمراقبة جميع حلقات «الحق معاك» قبل ساعات من بثها، قرر فرض رقابة على هذه الحلقة تحديداً من دون أن يبذل مسؤولو التلفزيون عناء تقديم مبرر أو حتى الاعتذار من الجمهور. مقاطع فيديو وصور تهزأ من عبثية الرقابة إلا أن الأمر الأكثر غرابة الذي يرسم علامات استفهام، هو كون شركة «كاكتوس» التي تعد برنامج «الحق معاك» مملوكة من أحد أقارب الرئيس التونسي، وهو يحظى بنفوذ وحظوة لا حدود لهما، فما جدوى ممارسة رقابة على أحد الأطراف المقربين من الحكم؟ وفي وقت تزداد الرقابة يوماً بعد يوم على وسائل الإعلام، أطلقت مجموعة من الشباب التونسي حملة من أجل إلغاء الرقابة الإلكترونية التي تمارسها السلطات التونسية منذ سنوات. ومنذ أكثر من أسبوعين، يقوم عشرات الآلاف منهم بتحركات مختلفة تطالب بإلغاء عمليات الحجب التي تمارسها أجهزة الحكومة التونسية ضد المواقع والمدوّنات الإلكترونية المعارضة وحتى بعض المواقع المعروفة مثل «يوتيوب»، و«دايلي موشن»، و«فليكر»، و«الجزيرة.نت». وقد نشر العشرات من التونسيين على مدوّناتهم، وخصوصاً على «فايسبوك»، صورهم الشخصية مرفقة بلافتات تحمل عبارة «سيّب صالح» (وهي عبارة يتداولها التونسيون عندما يشعرون بالاستياء من تصرفات معينة). كما نشر آخرون مقاطع فيديو وصوراً تهزأ من عبثية عمليات الرقابة الممارسة. وقررت مجموعة من المدوّنين نشر رسالة موجهة إلى رئيس الدولة ذكروا فيها أن جزءاً من الشباب التونسي يشعر «بالإحباط بسبب حرمانه من الدخول إلى مواقعه الإلكترونية المفضلة. والبعض ممن أراد المشاركة في نقاش الشأن العام، تعرضت مواقعهم الشخصية إلى الحجب». وطالبوه بـ«اتخاذ الإجراءات اللازمة بحيث لا يحجب أي موقع بصفة غير قانونية دون الاستناد إلى قرار قضائي، وهو ما يتعارض مع الفصل الثامن من دستورنا والفصل التاسع عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان». والأكيد حتى الآن، أنّ هذه الحملة التي تخاض على شبكة الإنترنت تأتي في إطار تزايد الوعي لدى قسم من التونسيين للمطالبة بحقهم في التعبير وحرية الوصول إلى المعلومة… وخصوصاً أن الحجب لا ينفصل عن سياسة عامة تنفّذها الحكومة التونسية لمحاربة حرية الرأي.
(المصدر: صحيفة « الأخبار » (يومية – بيروت) الصادرة يوم 17 ماي 2010)
خدمة الديمقراطية بالتقسيط!
د.خالد شوكات
العرب سيتمتعون بخدمة « الديمقراطية بالتقسيط » التي حرص جل الأنظمة العربية على تبنيها ما زلت متشبثا بإيماني أن العرب أمة واحدة ذات رسالة خالدة, وأن أهم ما يجمع العرب وجود أنظمة سياسية متشابهة إلى حد التوأمة, سبحان الله, فالنظام السياسي العربي الجاثم بكل محبة ومودة وعشق على صدورنا, موحد في ملامحه التالية على الأقل: – رئيس يملك كل السلطات الزمنية والروحية, و يمارس الحكم حتى آخر نبض في القلب من فرط الوطنية, لكنه يستنكف عن استصدار قوانين أو مراسيم أو »فرمانات« تؤبده, بل يحرص كل الحرص بين الفينة والأخرى على خوض انتخابات رمزية, يجدد فيها لنفسه أو تبايعه فيها الغالبية المخلصة من شعبه, فهي في بلد أربع سنوات, وفي آخر خمس, وفي ثالث ست أو سبع..حسب نية المواطنين. – انتخابات رئاسية تعددية جدا, يتنافس فيها مع الرئيس منافسون مرضي عنهم, أو غير مخشى منهم, يشير غالبيتهم أنهم في مشاركتهم يأخذون بخاطر السيد الرئيس حتى لا يشمت فيها الباغضون والحاسدون, أو يسهمون في تطوير حياتهم الديمقراطية ضمن مخطط رئاسي غير معلن سيستمر بحول الله ثلاثمئة سنة على الأقل. – نظام يهيمن عليه حزب حاكم, هو نفسه الحزب الوحيد السابق لكن بمسمى جديد, يمنح رخصة العمل القانوني لأحزاب لا وجود لها إلا في مكاتب رؤسائها في العاصمة, أسماؤها على حد قول عادل إمام أشبه ب¯»المصنع العالمي النووي لرباط الجزم«, وهي أشبه بملحقات للحزب الحاكم مكلفة ممارسة دور المعارضة, رغم عدم الحاجة في حقيقة الأمر لهذه المعارضة, لكنها تسهم على أي حال في التقليل من نسب البطالة السياسية, وأحيانا البطالة العائلية, حيث يشترك رئيس الحزب المعارض عادة مع زوجته أو أشقائه أو أصدقائه في إدارة مؤسسات الحزب وتوزيع ما سيحصل عليه من هبات حكومية سخية وفقا لقاعدة « جحا أولى بلحم ثوره ». – انتخابات برلمانية و محلية يحرز فيها الحزب الحاكم ما يكفيه من الأغلبية المطلقة التي تمكنه من الهيمنة على مؤسسات الحكم جميعها و تعديل الدستور والقوانين الأساسية إن ظهرت حاجة إلى ذلك, والأهم الحيلولة دون تسلل أعداء النظام من عملاء وخونة مشكوك في أمانتهم ووطنيتهم إلى دولة المؤسسات والقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان, أو حتى مجرد إزعاج ولي الأمر بالترشح إلى جانبه أو مزاحمة شيعته. وعموما فإن الانتخابات العربية والحمد لله لم تعد انتخابات التسعات الأربع, حتى لا يعيرنا الغرب الاستعماري أو تنتقدنا المنظمات الدولية والحقوقية التي لا شغل يشغلها غير عرقلة مسيرتنا التنموية العامرة بالانجازات. – عائلات رئاسية حاكمة, حيث ولى زمن الرؤساء العرب الذين يعتبرون تكليفهم السلطوي فرديا, فيحتكرون الحكم لأنفسهم ويأمرون نساءهم بأن يقرن في بيوتهن, ويمنعون أبناءهم من إبراز عبقرياتهم الفذة لشعوبهم, فللزعماء العرب الحاليين المتنورين سيدات أول ملهمات أيضا, وأبناء نجباء خوارق وأصهار أخيار أفاضل أكثر حرصا على المصالح الوطنية و أشد تأهيلا لتشرب الأفكار والرؤى والاشرقات الرئاسية, وأولى بإدارة الاقتصاديات القومية من سواهم, خصوصا وأن الأنظمة السابقة لم تقدرهم حق قدرهم إذ حرمتهم من السلطة والثروة ظلما, وعاد التعويض حقا تاريخيا عليهم, وعدالة ربانية يهبون بموجبها لأنفسهم في إطار مشاريع « الخوصصة » أو « الخصخصة » ما وسعت عقولهم, و « كلو بالقانون » كما يقول الإخوة المصريون. – التوريث أو »الجملكة«, فالأنظمة العربية متجهة في مجملها ويا لروعة الوحدة العربية- إلى حالة متشابهة, يورث فيها الأب القائد الزعيم رئيس الجمهورية الابن أو الأخ أو الصهر أو ابن الأخ أو الأخت, عضو القيادة العليا للحزب الحاكم أو قائد القوات الخاصة أو رئيس الجمعية الخيرية الأولى أو كاتم السر ومدير الديوان, وتفصل فيها العائلة الرئاسية الحاكمة السيناريو السياسي الأفضل لتحقيق الأمنية وضمان الاستقرار والحفاظ على الانجازات, فيما يتولى الطاقم السياسي الموزع على الحكم والمعارضة عمليات الترويج والتسويق والتوزيع داخليا وخارجيا. – الاشتغال على إضعاف المعارضات الحقيقية وتحطيم رموزها نفسيا وماديا وإظهارهم بمظهر المتطرفين أو المرضى أو المتعطشين للسلطة أو العملاء للاستعمار والصهيونية, وتشويههم أخلاقيا وإلهائهم بخصومات وقضايا جانبية وتحريض السوقة عليهم, واختلاق المشكلات لهم, ودفعهم إلى مغادرة أوطانهم وتجريدهم من مصداقيتهم الميدانية وتشجيع وسائل الإعلام الموالية للخوض في أعراضهم وبث الدعايات الكاذبة – عفوا الصادقة- عنهم. – العمل على ربط الثروة بالسلطة وجعل الاغتناء منة نظامية ومنع أي رأسمال مستقل من الحركة والتطور و إغراق المنظمات النقابية و مؤسسات المجتمع المدني في صراعات داخلية و ارتهان وسائل الإعلام المستقلة من منافذ متعددة أهمها احتكار السلطات لآليات منح تراخيص العمل والبث وغيرها, وكذلك مصادر التمويل كعائدات الإعلان والخدمات الخارجية. – وثمة خصوصيات عربية أخرى مظهرة لتضامن العرب ولله الحمد على توفيقه, كتفشي البطالة والرشوة وانهيار المرافق العامة التعليمية والصحية, والتفريط في مؤسسات القطاع العام الرابحة والخاسرة, على السواء, في إطار صفقات مشبوهة وتفشي التعذيب وخروقات حقوق الانسان في مراكز الشرطة والسجون وتداعي العقائد الوطنية وتفشي مشاعر اليأس والثقة في المستقبل لدى غالبية الشرائح الشعبية, وخصوصا منها الشباب الذين لا يزال يقال تجاوزا أنهم عماد الغد وأمل الأمة..لكن الحديث قد يطول. والعرب منصوحون بعد كل هذا بالاستمتاع بخدمة « الديمقراطية بالتقسيط » التي حرص جل الأنظمة العربية على تبنيها وتقديمها للشعوب حسب الظروف المحلية, فهي على أي حال أفضل من التسرع في منح هذه الشعوب ديمقراطية حقيقية, قد تقود لا سمح الله إلى الفوضى والفتنة التي هي أشد من القتل, والكل يعرف مدى حرص رؤسائنا المؤيدين بالله على أن لا تغرق بلادنا في الفوضى وأن تسعد بما قسمه الله لها من انجازات لا تنتهي ومشاريع رئاسية لا تفشل. لكن والدتي, حفظها الله وأطال في عمرها, ترى, ولا تلوم- أن رؤساءنا أطال الله في أعمارهم- يهدرون بعضا من أموال شعوبهم على برلمانات وانتخابات لا حاجة لشعوبهم بها, وأنها كانت تفضل لو أن زعماءنا الأحبة حكمونا هكذا من دون هؤلاء »الذين لا يعرفون من السياسة غير النوم خلال الجلسات وإلقاء خطب المديح المكررة الممجوجة ورفع أيديهم بالموافقة على كل شيء وملء كروشهم ببوفيهات فنادق الخمسة نجوم المفتوحة ». وهي ترى – أي أمي- أن رؤساءنا لا حاجة لهم إلى حكومة أو وزراء, وأن في مساعديهم ومستشاريهم كل الكفاية, وأن صرف مخصصات الوزراء و الانتخابات بكل أنواعها والبرلمانات بكل غرفها ومجالسها المتناسلة ونوابها وأعضائها, بل ومخصصات سائر المؤسسات المفروضة علينا من الغرب الذي يجهل طباعنا الرعوية (من رعية), أولى على مشاريع قد تساعد في تشغيل أصحاب الشهادات العليا من العاطلين من العمل منذ عشرات السنين. ووالدتي معذورة في تفكيرها لأنها للأسف الشديد لم تجد من يساعدها على استيعاب فضائل خدمة الديمقراطية بالتقسيط هذه, التي طورها العرب وتفوقوا فيها على صناعها الأوائل الذين لم تعد تذكر أسماؤهم اليوم في دفاتر التاريخ أو سجلات السياسة, وأنا مقر تمام الإقرار بتقصيري في شرح هذه الفضائل العظيمة, لأنني لم أفلح في دراستي السلطانية ولم أقدر – رغم محاولاتي المتكررة- في أن أكون مواطنا صالحا كما تقتضيه الشرائع العربية, فكلما التزمت ثارت في داخلي جينات المعارضة غير السوية. ثم يشكك البعض في أن العرب أمة واحدة, و أن رؤساءهم مخلدون مصانون برعاية الذات العلية, وفوق هذا أشقاء جدا من المحيط الأطلنطي إلى الخليج الفارسي. * كاتب تونسي kh`chouket@hotmail.com (المصدر: صحيفة « السياسة » (يومية – الكويت) الصادرة يوم 17 ماي 2010) http://www.al-seyassah.com/AtricleView/tabid/59/smid/438/ArticleID/90226/reftab/36/Default.aspx
بكاء السياسة وسياسة البكاء
محسن مرزوق مازلت أذكر تلك اللحظة كأنني أعيشها. أصر أصدقائي الشوام بعد أن أنهينا زيارة المسجد الأموي بدمشق أن أشاهد مدفن رأس الحسين في المبنى الملحق. وأصروا: لابد لك من ذلك!! دخلت. ممر سرداب يقودك إلى قاعة فسيحة شيئاً ما. يصدم ظل كثيف عينك التي وسعت بؤبؤها شمس ساحة المسجد الأموي. فالظلمة هي دائماً أقرب أبواب الوحشة. كلما تقدمت في الممر، بينما رجلاي تتكاسلان بدون إرادة مني، كانت همهمة حزينة تتصاعد. لاشك هي الموت. غناء يبكي أو بكاء يغني، لا أعرف بالضبط من الوصفين أيهما أدق. في القاعة الفسيحة تناثرت أجساد متكورة في عباءات سوداء. يشير اللون الأسود هنا إلى الأنوثة. عمائم ورؤوس عارية تدل على ذكورة أصحابها. والجامع بينهما النشيج. بكاء مكتوم، بكاء صريح ودموع حقيقية ساخنة. في وسط الجالسين، رجل بلحية بيضاء مسنة وخاتم بارز، يقود أوركسترا المناحة. لم أفهم ما يقول فتوقعت الفارسية. في الجهة المقابلة للنائحين جدار حديدي مشبك وراءه تبينت في الظلام النائم شكل رأس بشري مغطى بقماش منقوش. ذلك إذن هو رأس الحسين وهؤلاء هم مشيعوه في جنازته الأبدية التي تتواصل منذ 14 قرنا. سأكون كاذباً لو قلت لكم أن المشهد لم يهزني وأن ماكينات البكاء لم تتحرك أيضاً قليلاً في مصنع حزني الداخلي. إنه لا شعور كامن حاول أن يجد طريقاً للحرية ولكني كبته بعنف ثم هرولت هارباً من ورطة الحضور في ذلك المشهد المهيب. لقد غيرت هذه الواقعة بشكل عميق في منظور رؤيتي للمشاهد حولي فصرت منتبهاً للبكائيات في تضاريس الحياة من حولنا ومنها ما يتعلق بمجال السياسة. والواقع أن مشاهد النواح على أعتاب رأس الحسين الشريف ليست في كل الحالات مجرد عمل ديني أو فولكلوراً هامشياً. بل هي في عمقها تعبير سياسي من الدرجة الأولى أثر في مسار تاريخي طويل كما في السنوات الأخيرة، منذ الثورة الإيرانية فظهور حزب الله ثم الحرب على العراق. ومن المثير فعلاً ملاحظة الجانب التراجيدي المر للثقافة السياسية في المنطقة العربية. فهي ثقافة يحتل فيها البكاء الاستعاري مكاناً هاماً. يحصل هذا خاصة في لحظة التشخيص التي تقوم بها الذات السياسية العربية الإسلامية لذاتها وتاريخها ومحيطها الداخلي والخارجي. ولو تتطلع لبنية التشخيص السياسي للأحداث والتواريخ ستلاحظ أنها تحتوي على ثلاثية الفاجعة الألم فالتطلع للخلاص ( بما فيه النصر الجزئي ). وهي ذاتها مكونات المرثية والمناحة كما ترددها نائحة صادقة أو مأجورة بمناسبة موت فردية. دون العودة إلى غياهب التاريخ وفي إطار حدود الذاكرة الحية، لو استعرضنا جانباً (جانبا وليس مطلقا) من مقدمات الخطاب السياسي العربي بمكوناته المختلفة والمتناقضة سنلاحظ أنه يجعل الفواجع بمثابة الإشارات الكيلومترية التي تشير إلى انطلاق اتجاهات ومراحل تاريخية أساسية. فالخطاب القومي لا يمكن فهمه خارج فواجع النكسة والنكبة والهزيمة. والخطاب الوطني لا يمكن إدراكه دون الرجوع إلى فاجعة الاستعمار أو فاجعة الخيانة. والخطاب السياسي الإسلامي من الصعب تمثله خارج مقولة عودة الجاهلية وغربة الدين بين أهله وخطيئة الردة الشاملة. وكذلك الأمر بالنسبة للخطاب اليساري الذي لا يخلو من الفواجع. خيانة النخبة الوطنية لجماهيرها بعد الاستقلال ومؤامرة القوى الرأسمالية والامبريالية…إلخ. بل إن مجمل تاريخ الحركة السياسية الطلابية التونسية انبنى على فاجعة انقلاب 1971 على الاتحاد العام لطلبة تونس مثلاً… وتقود الفاجعة إلى مسار الألم الذي خلفته والذي يشكل جزء من نمو الخطاب ذاته…. متجسداً في كلمات حبلى بالنظائر والضرائر…. مثل الشهادة والتقتيل والغربة والهجرة والفقر والجوع والمهانة والذل. وكلها تستفز البكاء السياسي المرير. أما العنصر الثالث فهو طلب الخلاص التراجيدي الذي لا يكون إلا كلياً مطلقاً فيقع للتعبير عنه استعباد مقولات شمولية مثل الحرية والنهضة والحاكمية لله والثورة العارمة وسيادة العدل… فإخراجها من مسارها كبرامج للتنفيذ وإركاعها لوضع الابتهال. وهي مقولات رغم طابعها الخلاصي فإن دورها الأبرز يتمثل في الإيحاء بالفاجعة الأولى (وألمها) والتي تبرر انفجار الأمل بالخلاص الطهوري. وحتى الانتصارات الفعلية إن تحققت على بعض الفواجع فإنها جزئية لأن الفاجعة أكبر بما تحقق وسيتحقق كأنه لاشيء قادر على مداواة الجروح لأن الألم أبدي مثله مثل الحزن على الحسين. فالانتصارات الجزئية (حرب 1973، حرب تموز 2006 بلبنان، إخراج الاستعمار في الخمسينات في المغرب العربي…مثلا) هي عودة للألم لأنها تذكر بالفاجعة وتلويح بالخلاص لأنها تشير فقط لإمكانيته دون تحقيقه كاملا. ويستعمل الخطاب الرسمي للفئات الحاكمة هذه المقاربة عندما يذكر أن الشعوب مازالت غير جاهزة تماما لتحكم نفسها كونها مازالت لم تتجاوز فجيعة عدم قابليتها للديمقراطية رغم تقدمها النسبي في مجالات التعليم والتنمية. تسيطر هذه الحالة على تصور العمل السياسي وعلى ممارسته، خاصة لدى المجموعات السياسية الموجودة خارج الحكم، فيصير أشبه بالطقس الثقافي وفي كثير من الأحيان يلتهم الطقس العمل السياسي بذاته فيشوه طبيعته. العمل السياسي بشكل خاص هو إدارة الملموس، التناقضات والاختلافات وهو نشاط براغماتي بالأساس. أداة تستعملها قوى مختلفة بنفس الطريقة على أساس قراءة واقعية لموازين القوى وقابلية المصالح المتقابلة للتسوية والتراجع. ومهما غلفت الأيديولوجيا هذه التقاطعات والتناقضات والتفاهمات فإنها تظل كما هي….مجموعة من الديناميات العلائقية والقواعد التي تعمل على معالجة حياة الأفراد والجماعات داخل مجتمعات. المشكلة مع سياسية البكاء أنها تقود إلى بكاء السياسة بسبب تغيبها. هكذا تظل مجموعات عديدة ممن يتصورون أنفسهم يشتغلون بالسياسة خارج مجالها ينظرون إليها فيرونها مشوشة كون الدموع لاتسمح لهم برؤية واضحة. ولأن النخب الحاكمة تمارس الحكم الفعلي وضغوطاته الملموسة، حماية لمصالح وأساليب حكم بالية عفا عنها الزمن، فقد أحكمت سيطرتها على مجال براغماتية السياسة وبذلك احتكرت الفعل السياسي الحقيقي لا فقط لكونها تملك القوة المادية للعنف فقط بل لأن من يتحداها من المخالفين والمعارضين مازالوا في أغلبهم يسبحون في مجال الطقوس ماقبل السياسية. ولأنهم يحملون فاجعتهم ويتلذذون ألمهم ويحلمون بخلاصهم الطهوري فإنهم يبدون ضعفا عجيبا كلما حاولوا شيئا من الواقعية السياسية. فلديهم قابلية عجيبة لتهميش أنفسهم إما بالركض نحو السلطة عندما تسنح لهم الفرصة أو بالركض خارج مركز الفعل السياسي إلى حضرات صوفية منغلقة تمارس فيها نفس الطقوس بحدة أكبر. المشكلة بالأساس هي إذن مشكلة رؤية منهجية لكيفية الانخراط الفاعل في حقل الفعل العام؟ وهي ليست مشكلة وراثية جينية ولا ثقافية ما هوية ولكنها علامات على قعود المجتمع وقواه على المشاركة في حياة مركز المدينة. إن ثقافة البكاء هي ثقافة « الإنسحاب الفاعل» بحجة البحث عن طهورية زائفة. فالسياسة هي كما هي. يحتاج المبدأ الطاهر أن يشمر عن ساعديه وأن يدخل غمارها بشكل واضح وجلي. فلكي يكون يجب أن «يتدنس» بطريقة اوبأخرى لأنه سيحتك بالمتغيرات «النجسة». وهو بهذا التكرير في مصنع الوقائع يستطيع أن يتحول من مبدا نظري أو قيمي إلى ممارسة وسياسة ملموسة. فيكون المبدأ فعلا، أيا كان هو، «تقدميا» أو «رجعيا». فقبل تحديد طبيعتها وتسميتها، يجب أن تكون السياسة أولا موجودة بصفتها. ومرة أخرى يجب التأكيد أن مرض البكاء هو عابر للايديولوجيات والتوقعات وهو أحد عوائق قيام المجتمع السياسي الديناميكي. وطالما تواصل نهشه فينا فإننا سنظل ضحايا الضحك علينا من أشداق رمزية وأخرى بأنياب طويلة تحب اللحم الطري. محسن مرزوق الأمين العام للمؤسسة العربية للديمقراطية (المصدر: جريدة « الصباح » (يومية – تونس) الصادرة يوم 16 ماي 2010)
العقل الأخلاقي العربي. 3
تأليف المرحوم: د. عابد الجابري
تلخيص وتقديم: جابر القفصي
[ وفاء لروح المفكر الكبير المرحوم عابد الجابري ولمقاربته العلمية الطريفة والمعمقة، نواصل تقديم ملخصات موجزة ومبسطة لبعض كتبه التي تمثل مشروعا نهضويا مكتمل الأركانن حتى نساهم في نشر هذا الفكر النقدي والعقلاني عند القارئ العربي والتونسي وهو افضل أحد سلاح لمقاومة التفاهة والتسطيح وقلة الوعي والبؤس الثقافي. وفي هذه الحلقة الثالثة نتناول العقل الأخلاقي الاسلامي ونترك العقل في اخلاق العمل الصالح للحلقة الأخيرة .. جابر القفصي]
8/ الموروث الإسلامي: في البحث عن أخلاق إسلامية
ليس ثمة شك في أن الإسلام كدين يحمل معه منذ ظهوره نظاما للقيم خاصا به. هذا فضلا على كونه متفتحا بلا حدود على كل ما هو أخلاق حميدة. فهو يعترف بجميع الديانات السماوية الأخرى وبما تبقى منها من أخلاق. بل انه دعا لأخذ الحكمة أنّى وجدت ولو في الصين. ولكن المقصود تناوله هنا هو الكتابة المنظمة العلمية التي تصوغ هذه الأخلاق على طريق أهل العلم. زمن هنا كان هناك صراع داخل الساحة الإسلامية بين أهل الحكمة (الفقهاء) وأصحاب الرسوم (المتصوفة) حول مسألة الأخلاق.
يعتبر أقدم مؤلف في الأخلاق في حقل الموروث الإسلامي الخالص، وهو
الحارث ابن أسد المحاسبي
(165-243 هـ) الذي عاش في العصر العباسي حيث اشتدت الخلافات والنزاعات الفقهية والكلامية، وتنوعت أساليب الحياة وكثر الرخاء والتساهل والتغافل في الدين، ان القيمة المركزية في الأخلاق الإسلامية الخالصة هي كف أيدي الناس عن جمع المال لأن المال أساس الفساد حتى ولو كان حلالا. هذا اعتراف من المحاسبي بوجود أزمة قيم حادة في عصره انعكست في نفوس الكثيرين ممن اعتزلوا الحياة العامة وانقطعوا إلى الزهد والورع. وليس المحاسبي من المتصوفة وإنما هو خرج عن الفقهاء (مالك والأوزاعي والشافعي وابن حنبل والبخاري) وعن المتكلمين المجادلين وعن المتصوفة الصامتين المنكمشين ليدعو صراحة إلى ضرورة محاسبة النفس والاستعداد للآخرة. خرج إذن عن جميع المذاهب ووصفهم بالغرور وعدم رقابة حقوق الله. واعتبرهم من أهل الغرة بالله وهم ثلاث أصناف: *الكافرون والعاصون *عوام المسلمين وعصاتهم *أهل النسك من المحدثين والفقهاء الذين يغترون بكثرة الرواية وحسن الحفظ مع تضييع واجب العمل والخوف من الله عز وجل. والمتكلمون مغترون بالجدل وكأنه لا احد يعرف الحقيقة مثلهم، أما الزهاد والعباد فهم يتكلفون الرضا والزهد والتوكل ويقعون من حيث لا يشعرون في الرياء والعجب والتكبر. المهم في نقد المحاسبي لكل هؤلاء انه يقع في مستوى الأخلاق. فهو لم يكفر أحدا ولم يحاكم النوايا والمعتقدات وإنما اكتفى بنقد السلوك والممارسة. ويقترح في » كتاب العلم » ثلاث أنواع من العلم: *العلم بالحلال والحرام *العلم بالأخلاق والدين *العلم بالله. ويعتبر أن علم الفقه هو فرض كفاية نظرا لتشعبهن ولكن علم الأخلاق فرض عين لأنه يخص سلوك كل فرد ولا يمكن أن يستغني عنه احد، فضلا على كونه علم عملي إذ لا يكفي أن تعرف ان الصدق فضيلة بل يجب أن تعمل به. فبهذا الخطاب العنيف ضد الفقهاء يؤسس المحاسبي علم جديد سماه « علم الباطن » أو « أخلاق الدين »، وهو علم يدرك بالعقل لأن النص بدون عقل لا يفهمه أحد. إذا كانت الأخلاق عند المتصوفة تِؤدي إلى الفناء، فهي عند المحاسبي تِؤدي إلى حسن المآل في الآخرة عبر رعاية حقوق الله في طاعته. نحن إذن أمام أخلاق دينية يؤسسها فهم القرآن وليس ادعاء العرفان. ولقد كان المحاسبي واعيا بأنه يؤسس لعلم جديد سماه » علم أخلاق الدين » و »علم أخلاق الآخرة » زمن هنا فهو يخاطب أهل الدين بالدرجة الأولى ناقدا لسلوكهم فاحصا لمظاهر التراخي في شؤونهم العامة والخاصة، راسما من خلال كل ذلك صورة المتدين المثالي، أما مرجعيته فكانت واحدة ووحيدة وهي القرآن.
أما الماوردي (374- 450 هـ) فقد فلم يكتب مثل المحاسبي في أخلاق الدين وإنما كتب في أخلاق الدنيا في كتابه « آداب الدنيا والدين » وذلك في إطار البحث عن أخلاق في جوهر الدين الإسلامي بعيدا عن الموروث الفارسي واليوناني. ولقد كان من كبار الأشاعرة وفقهاء الشافعية وكان له مكانة مرموقة عند الأمراء والملوك، وكان حريصا على التزام مظاهر المروءة في سلوكه الاجتماعي. كما انه كان واقعيا واقعية الدبلوماسي المحنك، فكان يرى أن الحياة دنيا ودين، عقل ونقل ومن هنا كان يرى في كتابه « الأحكام السلطانية والولايات الدينية » أن الدولة الإسلامية ليست حكما سلطانيا خالصا ولا حكما دينيا خالصان بل هي مركبة منهما معا. ومن هنا تأكيده على تلازم صلاح الدين وصلاح الدنيا، ولا بد من البحث عن الأمور اللازمة لصلاح الدنيا التي هي الطريق الصحيحة لصلاح الدين. وقد كان يعتمد على القرآن والسنة وأمثال الحكماء وأدب البلغاء وأقوال الشعراء.ولذلك خصص بابا كاملا لفضل العقل وذم الهوى والشهوات، بهدف تقرير أن العقل هو أساس الأخلاق وبه يقع التكليف. فلا تناقض بين العقل والشرع دون تقصير(الانحراف) ولا تكثير(الرياء) في استعمال العقل. وأخيرا يرى أبو القاسم الحسن الأصفهاني (ت 502 هـ) الذي انقطع للتدريس والتأليف ولم يغل منصبا سياسيا، يرى في كتابه « الذريعة الى مكارم الشريعة » أي الوسيلة إلى الشريعة التي موضوع لعلم خاص. ويميز الراغب الأصفهاني بين الفقه وبين مكارم الأخلاق على أساس أن الفقه موضوعه أحكام الشريعة ومبدؤه طهارة البدن والفرائض والحدود والثواب والعقاب، أما مكارم الشريعة فمبدؤها طهارة النفس باستعمال التعلم والعفة والصبر والعدالة ونهايتها التخصص بالحكمة والجود.فبالعلم نتوصل إلى الحكمة، وبالعفة نتوصل إلى الجود،وبالصبر ندرك الشجاعة والحلم، وبالعدالة نصحح الأفعال. وهذا يذكرنا بأخلاق الموروث اليوناني حيث بالنفس العاقلة نحقق الحكمة، وبضبط النفس الشهوانية نحقق العفة، و وببط النفس الغضبة نحقق الصبر والشجاعة، وبالتوفيق بين هذه النفوس الثلاث نحقق العدل. لقد كان الراغب الأصفهاني يريد أن يضفي الطابع الإسلامي على علم الأخلاق المتداول في عصره ألا وهو العلم اليوناني. انه علم جديد فعلا حتى الإنسان بالفعل لا بالقول فقط منزلة خلافة الله في الأرض وذلك بالجمع بين أحكام الشرع ومكارمه علما وعملا. ولقد أخذ الأصفهاني من المتصوفة » العبادة الباطنية » و »علم المعاملة » ليجعله موضوعا لعلم الأخلاق، وترك لهم الكشف [الجانب العرفاني]، وأعاد مكارم الشريعة إلى مكانها أي الفقه ليفصلها عنه في ما بعد في علم جديد ومستقل، واعترف بأولوية العبادات على المكارم حيث أن تحري العبادات من باب العدل، وتحري الأخلاق من باب الإحسان « إن الله يأمر بالعدل والإحسان ». ففعل الخير هو الزيادة على العبادة أي المكارم. ولقد خصص الراغب احو 450 آية و200 حديث لأسلمة الأخلاق [لا أسلمة المعرفة] وجعلها علما مستقلا . يعتبر الراغب إن السعادة المطلوبة هي سعادة الآخرة، فالدنيا دار سفر والآخرة دار قرار. والإنسان مكون من جسم مدرك بالبصر، ونفس مدركة بالبصيرة، ومعرفة النفس مقرونة بمعرفة الله « وفي أنفسكم أفلا تبصرون »، » أعرف نفسك تعرف ربك ». فالإنسان يتفوق على الحيوان على صعيد النفس بالقوة المفكرة [العقل] وعلى صعيد الجسم باليد العاملة واللسان الناطق وانتصاب القامة ولكن الإنسان لا يحقق هذا التسامي والتفوق على الحيوان إلا بالعلم الحق والعمل الحق ولأجل ذلك شرفه الله تعالى باستخلافه في الأرض أي الاقتداء به على قدر طاقته باستعمال مكارم الشريعة. و إذا كان الإنسان يحقق أفضل وجوده ويستوفي كماله، بتعلم الفلسفة [ الموروث اليوناني] ، والفناء في الله [الموروث الصوفي]، وبالطاعة [الموروث الفارسي]، فانه عند الراغب الأصفهاني لا يحقق ذلك إلا بثلاث أمور: * خلافة الله * عبادته * عمارة الأرض، ا] تطهير النفس بإصلاح القوى الثلاث: الفكرية بالتعلم، والشهوية بالعفة، والغضبية بالحلم.
أبو حامد الغزالي
( 455 – 505 هـ) وهو يفع في نقطة تماس بين بعض تيارات الفكر العربي الإسلامي وتقاطع مع بعضها الآخر. كما انه وجد في مرحلة تميزت أيضا باضطرابات سياسية وتحولات فكرية عميقة. وله كتابان » ميزان العمل » (ختم به سلسلة القول الفلسفي) و » إحياء علوم الدين » دشن به نهاية الفلسفة في المشرق وحلول التصوف محلها. وهو يعتبر استئناف لمحاولة إنشاء أخلاق إسلامية ولكن ضمن أفق جديد مغاير لأفق المحاسبي والأصفهاني. أما كتاب ميزان العمل فهو لا يختلف عن النموذج اليوناني حيث تنال السعادة بمعرفة النفس ومجاهدة هواها. إذن هناك طريقان لبلوغ السعادة: طريق النظار والفلاسفة ( تحصيل العلوم والمعرفة) وطريق الصوفية ولقد اختار الغزالي الطريق الثاني ونصح به لاسيما لمن كبر سنه فأولى به المواظبة على العبادة وقطع العلائق، أما إذا كان ذكيا ونبها وفي عنفوان العمر ومستعد لفهم العلوم فعليه اختيار الطريق الأول. إن الغزالي الذي يوجد في ملتقى والذي كان نهاية وبداية في نفس الوقت لا تحتويه قراءة ذات بعد واحد، بل لا بد من النظر إليه من ثلاث زوايا مختلفة وهي الآن، وما قبل، وما بعد. ماقبل هو تتويج للمفهوم اليوناني للأخلاق، وما بعد هو منطلق جديد في تاريخ التصوف. والآن هو اعتزاله الحياة العامة بعد الأزمة الروحية التي تعرض لها.
إن كتاب « إحياء علوم الدين »أراده الغزالي أن يكون جامعا لعلم المعاملة، ولقد دخل في سجال مع الفقهاء واتهمهم بنفس ما اتهمهم به المتصوفة (الشغف بالدنيا)، اما المتصوفة فيسمهم ب »الصديقين » و »الطالبين ». إن كتاب علوم الدين يلبس لباس الفقه ولكنه يتعلق بمصالح الآخرة لا بمصالح الدنيا. الغزالي يريد أسلمة الأخلاق اليونانية لا من دخل النظام المعرفي البياني مثل الأصفهاني وإنما من داخل النظام المعرفي العرفاني( المتصوفة). فالكتاب إذن في علم الآخرة وينقسم إلى علم المعاملة وعلم المكاشفة، والأول طريق إلى الثاني. ولعل الطريقة التي كتب بها الغزالي هذا الكتاب تهدف إلى حمل القارئ على اعتناق رأي معين في التعامل مع جميع العلوم وأنماط السلوك. وهو كتاب في تقرير الفكر الوحيد في جميع الميادين التي هي أصلا مجال طبيعي للاختلاف في الآراء. انه إعلان موت الاختلاف وسد باب الاجتهاد ليس في الفقه فقط بل في كل مجالات المعرفة. ومن هذه الناحية يجب النظر إلى الغزالي كعنصر من أشد العناصر تخديرا في نظام القيم في الثقافة العربية . ومن هذه الزاوية فهو أبعد ما يكون عن الأخلاق الإسلامية الحقيقية. [يتبع] في الحلقة الأخيرة سنتناول: 9/ العقل في أخلاق العمل الصالح التي خصصنا لها جزء رابعا بأكمله نظرا لطول المقال وتجنبا لانهاك القارئ بسبب كثافة مادة نشرية تونس نيوز. والله ولي التوفيق.
جابر القفصي
حركة التهويد وضم المقدسات 3/1الإسلامية للتراث اليهودي لماذا؟
– الإطار العام لما حدث ويحدث في فلسطين: إن السياق الذي يتنزل فيه ما حدث وما يحدث في فلسطين المحتلة وفي المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي إجمالا وفي مختلف زوايا الأرض، هو التحولات الكبرى حضاريا وتاريخيا وعلميا التي انتهى إليها العالم من خلال المظالم التي كانت مسلطة على الشعوب الأوربية، ومن خلال الضرورة الكونية التي أصبح يقتضيها أفول الحضارة العربية الإسلامية في إطار سنة تداول الأيام بين الناس، والتي لا بد فيها للكون من حضارة، والتي اقتضت تداعيات الأمور والأوضاع وتلك السنة الكونية، أن يكون ميلاد هذه الحضارة في الغرب، ومن خلال التوجه العقلاني العلمي الذي فرضه الإلغاء العقلي والعلمي للكنيسة المسيحية الكاتوليكية في الغرب للعقل وللعلم، ومن خلال الموروث الثقافي والعقلي والعلمي العربي الإسلامي واليوناني، الذي لم يجد علماء الإصلاح في الغرب غيره في مواجهة ذلك الإلغاء، وفي التخلف والإنحطاط الذي كان سائدا هناك، وفي الظلم الذي كان يفرضه نظام الكنيسة باسم الدين على شعوب الغرب… هذه العوامل الرئيسية كلها وما قام عليها من بناء، وما ترتب عنها من تحولات واكتشافات، ومن حركة علمية وتقنية ومعرفية ومن تحولات اجتماعية، ومن انتشار للعنصر البشري على وجه الأرض بفضل الإكتشافات الجغرافية الكبرى، وبفضل الثورات العلمية والتقنية المذهلة التي لم يعرف الإنسان لها سابق وجود في التاريخ القديم، والتي ألغت طول المسافات بوسائل النقل السريع ووسائل الإتصال والتخاطب….هي التي صاغت العالم على النحو الذي كان للجهات والشعوب والأعراق الأكثر إبداعا في دنيا العلوم والتقنية ودنيا المال والأعمال دور فيها. وبقدر ما كان عليه اليهود من تهميش اقتضاه وضع التيه الذي ليس لهم في الدنيا والتاريخ وضعا غيره، وهو الوضع الوحيد الذي هم أهلا له. وهو الوضع الأفضل لهم وللعالم. وهم الذين ما إن دخلوا التاريخ، وكان لهم فيه وضع غير وضع التيه إلا وأدخلوه في دوامة من العنف والرعب والخوف والحرب والخراب والدمار.. بقدر ما كان لهم الدور الأكبر في جمع المال والقدرة على بلوغ المراتب الكبيرة من الثراء لما هم عليه من اقتناع باستغلال لغير اليهود من سائر البشر ومن الثراء غير المشروع. ومن هذا الموقع ومن خلال هذا الثراء وهذه الثروات، كان الوقت الأنسب لهم تاريخيا ليكونوا شركاء في الحضارة الغربية، ليس من موقع الممول للحروب وللمشاريع الإقتصادية المالية والصناعية والتجارية والزراعية وغيرها من الأنشطة المالية الإستثمارية الجالبة للربح والمنمية للثروة، ولكن من موقع صاحب النفوذ السياسي من خلال ذلك، ومن موقع النفوذ الفكري والثقافي، ومن موقع الإبداع العلمي، ومن موقع الإصلاح الديني بعد التسلل حتى للمواقع الدينية المسيحية التي مازالوا مستفيدين منها إلى الآن، بعد وضعهم الكنيسة في وقت من الأوقات بين خيار القبول بالتنصير الإجباري أو مغادرة مناطق نفوذ نظام حكمها. في هذا الإطار التاريخي والسياسي والإجتماعي والإقتصادي والثقافي والعلمي والحضاري، وبعد الذي حصل لهم مما يسمونه بالمحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية على يد النظام النازي الألماني، فقد أصبح بيد اليهود الكثير من الأوراق الضاغطة، والكثير من المواقع التي يستطيعون الضغط من خلالها ليكون لهم النفوذ الأكبر في العالم. وكان أول ما كانوا يسعون إليه من خلال ذلك، الخروج باليهود من الضغط الإجتماعي والتمييز الذي كانوا يعانون منه بسبب خلق الفساد الذي جبلوا عليه، وبسبب عدم قدرتهم على التأقلم مع المحيطات والمناخات الإجتماعية المحيطة بهم، وبسبب الذلة والمسكنة التي كانوا يبدونها مع استبطان صفة وطبيعة التفوق العرقي والديني التي يحسبون أنهم عليها (كشعب الله المختار ) من خلال ما كانوا يستمدونه من ثقافة ومعارف وآداب من التوراة المحرفة ومن الحارة التي كانوا يحشرون فيها أنفسهم، إلى عالم أرحب وإلى محيط اجتماعي أكثر تسامح معهم وأكثر تأثيرا فيه وأقل تأثرا به، أي إلى حارة أرحب يكونوا هم من يختارها على غير النحو الذي كانوا يختارونها عليه من قبل، ولغير الإعتبارات التقليدية القديمة، وعلى أساس قواعد جديدة لأهداف وغايات جديدة، وهم من يحدد مساحتها لأنهم لا يستطيعون في النهاية أن يعيشوا خارج الحارات بفعل النزعة العنصرية القوية فيهم، وبفعل كراهيتهم لسائر البشر من غير اليهود. ولذلك فحتى عندما نجح الغرب الصليبي في زرعهم في المنطقة العربية من العالم الإسلامي، وعندما انتهى اختيارهم على فلسطين العربية المسلمة وطنا قوميا لهم، فها هم يعملون على جعل المناطق التي لهم عليها السيطرة، والتي أقاموا عليها الدولة المزعومة حارة أكبر وأوسع، باشتراط قيام الدولة اليهودية على ذلك الجزء من فلسطين العروبة والإسلام. وبالمساهمة في إيجاد مناخ اجتماعي دولي مناسب أكثر قابلية لهم بل لهم فيه نفوذ كبير، وبعد أن أكدوا أنفسهم شركاء للغرب في الحضارة كما كان الرئيس الأمريكي جورج بوش الصغير يبرر دائما مساندة ودعم أمريكا المطلق غير المشروط لكيانهم الصهيوني، والتزامها بالمحافظة على تفوقه في المنطقة، استطاعوا بالإنخراط في الحركة الإستعمارية الغربية أن ينتزعوا لهم وجودا غير شرعي في فلسطين… علي شرطاني
في الأردن … احذروا اهانة الوزراء انها تسبب الاعتقال
اعتقل الأمن الاردني يوم الاثنين الماضي 10 /05 / 2010 القائد النقابي والعمالي رئيس لجنة عمال المياومة بوزارة الزراعة الاردنية محمد السنيد بسبب تنفيذه لاعتصام رفقة مجموعة من العمال خارج مركز » شراكة من اجل الديمقراطية » في مدينة مادبا أين كان وزير الزراعة , وقد رفع العمال المعتصمون شعارات منددة بوزير الزراعة على خلفية فصلهم من وظيفتهم منذ 2 /05 / 2010 ومن بين الشعارات التي رفعها العمال » روح روح يا سعيد يوم فراقك لينا عيد « .اثناء هذا الاعتصام تدخل الامن الاردني واعتقل محمد السنيد رفقة بعض العمال وتم الاعتداء على السنيد بالضرب المبرح في احد مراكز الأمن بمادبا وهو ما افقده الوعي لبعض الوقت . الخبر الى هذا الحد عادي ويقع عشرات المرات في اليوم الواحد في كل الاقطار العربية وغير العربية , ما كان غير عادي في هذه الحكاية المؤلمة هو احدى التهم الموجهة الى النقابي محمد السنيد وهي اهانة وزير الزراعة . انها تهمة مثيرة للسخرية رغم ما بها من مرارة وألم , لقد عبر محمد السنيد عن غضبه وبصوت عال ورفع شعارات منددة بفصله من عمله وحرمانه من لقمة عيشه وهو امر مشروع وتكفله كل الدساتير والمواثيق وتحدث حركات احتجاجية مشابهة في كل اقطار العالم وربما باكثر حدة وعنف تصل الى حد قذف البيض الفاسد على رؤوس مسؤولين كبار بينهم وزراء …هذا في دول اخرى اما في الاردن فان الاعتصام في حضرة وزير وترديد شعارات معارضة لسياسته قد تكلفك الاعتقال وربما سنوات من السجن . ما بقي من الحكاية العادية ان النقابي محمد السنيد دخل منذ مساء الاثنين الفارط تاريخ اعتقاله في اضراب جوع مفتوح ولهذا نأمل له كل السلامة ومزيدا من الصبر والارادة كما نأمل من السلط الاردنية العليا ان تغلب صوت التعقل وتتدخل لايقاف هذه الاساءة الى سمعة الاردن قبل كل شيء اخر . محمد العيادي منسق المرصد التونسي للحقوق والحريات النقابية ممثل المركز العربي الاوروبي لحقوق الانسان والقانون الدولي في تونس — المرصد التونسي للحقوق و الحريات النقابية Observatoire tunisien des droits et des libertés syndicaux