TUNISNEWS
7 ème année, N° 2182 du 14.05.2006
الرابطـة التونسيـة للدفـاع عن حقـوق الإنسان فرع بنزت: بيـاننداء استغاثة من محمد علي بن رجب التكتل الديمقراطي من أجل العمل و الحريات :التكتل يندد بالاعتداءات العنيفة التي تعرض لها المحامون الوسط التونسية: طوق أمني كثيف لدار المحامي بالعاصمة تونس مفكرة الإسلام: لندن تسعى لترحيل تونسي إلى برلينالشرق الأوسط:إجراء مواجهة بين المتهمين التسعة في «خلية التونسي» الأسبوع المقبل الموقف: منحرفون يعتدون على الطالبات والأساتذة داخل الحرم الجامعي الموقف: معرض الكتاب يحطم الرقم القياسي في الرقابة صحفيون من أجل التغيير »: مـعـا نـنـتـصـرُ على مملكة الخوفالأزهر عبعاب: الموروث التنظيمي الحزبي في التعامل مع المنسحبين من التنظيم و التوظيف الحزبي للخطاب الدينيعبدالحميد العدّاسي: على طريقة محمد قلبيا. عبد الصمد: اتحاد الطلبة..بين نزوات البعض وتطلعات الطلبة علي شرطاني:أثر الذاكرة على نبض الشارع : في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين « حقائق: حريّة الإعلام:كيف نحسن توظيف المبادرات ؟ حقائق: واقع الحريات الصحفية في تونس: مبادرات جديّة لا تغفل نقائص الأوضاع الماديّة والمهنيّة حقائق: حريّة الصحافة، تلك الضالة المنشودة المفقودة الموجودة الصباح: صالح الزعيدي: « عقد الرقي الاجتماعي الذي أمضاه الحبيب عاشور والوزير الأول الهادي نويرة هو عودة الى الوراء » الشروق: الصادق شعبان في نادي «كتب وقضايا»:البناء الديمقراطي مسار متحرك… وتونس نجحت في ترسيخ ديمقراطية البرامج رشيد خشانة: التطبيع بين ليبيا والولايات المتحدة.. إلى أين؟محمد الحداد : الفكر … المستقيل؟ المتشعب؟ توفيق المديني: الأعمال الكاملة لألبير كامو عن « لابلياد » في باريس: الجزائر تعيد اكتشافه من جديد الشرق القطرية: المفكر برهان غليون:أنا مع التدوير ولست مع توطين العلماء.. د أبو خولة: مهرجان في كردستانمحمود معروف : « لا تجديد للقومية العربية بدون ديمقراطية
Pour afficher les caractères arabes suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe ( Windows ) To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic (Windows).
|
وقد تعمد أعوان الأمن الذين استجوبوه وهم رئيس منطقة بنزرت للأمن الطيب القناوي ورئيس مركز الروابي كمال المنصوري وعون فرقة الإرشاد علي العيادي ﺇهانته وتعذيبه بتقييد يديه بالقيود(منوت) في مناسبتين مرة إلى الأمام ومرة إلى الخلف مع تهديده المتواصل بإيقافه وبقطع رزقه وغلق متجره في محاولة منهم لإجباره على الإدلاء باعترافات مملية عليه.
أن هيئة فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان تدين مثل هذا التصرف الأمني الخارج عن أطار القانون والهادف إلى ترهيب النشطاء الحقوقيين والسياسيين بالجهة. وتدعو السلطات الأمنية إلى الكف عن هذه الممارسات اللاأنسانية التي تسلب المواطنين ابسط حقوقهم عبر محاولة تلفيق التهم الكيدية. عن الهيئة الكاتب العام علي بن تغرويت
محمد علي بن رجب أصيل مدينة الحامة بالجنوب التونسي، متزوج و أب لخمسة أطفال، سجين سياسي سابق محاكم ب 13 سنة سجنا قضّى منها قرابة 10 سنوات، تم اطلاق سراحه في إطار عفو رئاسي مفاجئ في شهر فيفري الماضي مع مجموعة من المساجين السياسيين . استبشرنا و هللنا بالخطوة التي أقدم عليها النظام التونسي، فرحنا للمّ شمل عدد من العائلات التي عانت الفرقة و الحرمان و الحصار و التجويع لسنين طويلة، لكن يبدو أن دولة التغيير في تونس لم يكفها التنكيل بالسيد محمد علي بن رجب في السجن، بل سارعت بعد خروجه من السجن إلى إعلامه بأنه محاكم بخمس سنوات مراقبة إدارية و أن عليه التواجد يوميا على الساعة العاشرة صباحا بمركز الشرطة بمدينة الحامة بالجنوب التونسي، وذلك بقصد حرمانه من الشغل و إعالة أسرته و توفير لقمة العيش لأبنائه.
و بعد فشل كل محاولاته مع السلط المحلية لفك الحصار المضروب عمدا عليه و على أسرته، يتوجه السيد محمد علي بن رجب إلى الجمعيات الحقوقية والضمائر الحية وكل المدافعين عن حقوق الانسان الى مساندته وبذل الوسع من أجل وضع حد للمظلمة المسلطة عليه.
(المصدر: موقع لجنة ألمانيا لمساندة حركة 18 أكتوبر بتاريخ 14 ماي 2006)
التكتل يندد بالاعتداءات العنيفة التي تعرض لها المحامون
هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات – باريس-
دعــــوة
تدعو هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات –باريس- كل مكوناتها من أحزاب سياسية وجمعياتية وأشخاص و تتوجه إلى كافة المناضلات والمناضلين التونسيين للالتقاء يوم الخميس 18 ماي 2006 على الساعة السادسة والنصف مساء بالعنوان التالى.
21 Ter rue Voltaire- Paris 75011
وذلك للوقوف على آخر التطورات الحاصلة في تونس من موجة قمع ومحاصرة ومن اعتداءات جسدية ضد المناضلين وتواصل التنكيل بالمساجين السياسيين , وللتشاور حول السبل المقترحة لمساندة الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تتعرض إلى الحصار ومنع منهجي لأنشطتها ولإعدادها للمؤتمر الوطني السادس وعمل النظام على منعه من الانعقاد مجددا .
بحث سبل نضالية لمساندة اعتصام المحامين الذي انطلق منذ يوم 9 ماي الجاري والاعتداءات الأخيرة على لسان الدفاع.
باريس في 14 ماي 2006
عن لجنة المتابعة
هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات – باريس-
دعوة لمسامرة شعرية
الإخوة الكرام تدعوكم غرفة منتدى تونس للحوار الإسلامي لمسامرة شعرية وذلك يوم20/05/2006 بداية من الساعةالتاسعة بتوقيت أوروبا
الشاعر الطاهر طليش الشاعر جمال الفرحاوي الشاعر عادل ألنهدي الأخ لزهر مقداد الأخ العربي القاسمي الأخ مرسل الكسيبي الفنان عبد الله الهمامي
مرحبا بالجميع في غرفة منتدى تونس للحوار الإسلامي أخوة أعزاء في إطار الاحترام المتبادل أخوكم ولد الخضراء القائم على الغرفة
الحبيب اللوز مهدد بفقد البصر
لندن تسعى لترحيل تونسي إلى برلين
طوق أمني كثيف لدار المحامي بالعاصمة تونس
الرباط:
إجراء مواجهة بين المتهمين التسعة في «خلية التونسي» الأسبوع المقبل
الدار البيضاء: محمد الشياظمي
يجري قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالرباط بداية الأسبوع المقبل مواجهة بين المتهمين التسعة في ملف ما يعرف بـ«خلية التونسي» ذات الصلة بـ«الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية، بعد أن أنهى قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالرباط بداية الأسبوع الجاري جلسات الاستنطاق الابتدائي للمتهمين التسعة المشتبه في ربطهم صلات غير مباشرة بتنظيم «القاعدة».
ومن بين المعتقلين التونسي محمد بن الهادي مساهل، وهو من مواليد 1969 بمدينة تونس العاصمة، وكان يشتغل عاملا بمدينة ميلانو الإيطالية والذي جاء في محاضر التحقيق أنه منسق التنظيم في كل من إيطاليا وفرنسا. ونسب التحقيق إلى أفراد الخلية التسعة تهم «تكوين عصابة إجرامية للإعداد للقيام بعمليات إرهابية بهدف المس الخطير بالأمن العام بواسطة التخويف، والترهيب، والعنف، وتمويل الإرهاب، والمشاركة».
ومكنت معلومات كشف عنها مغربي رحل من فرنسا يسمى أنور مجرار من اعتقال التونسي الذي صرح أمام المحققين أن له علاقة به، وكذا بالجزائري عامر لعرج الملقب علي الجزائري ونبيل الوهراني. وكان هذا المتهم يتنقل بين العديد من الدول؛ أهمها سورية والجزائر وفرنسا وايطاليا واليونان وتركيا واسبانيا. ومن بين الأهداف التي عمل المعتقل التونسي على تحقيقها استقطاب مقاتلين مغاربة وتشكيل «خلية جهادية» بشمال أفريقيا وايطاليا وفرنسا لتنفيذ مشروع إرهابي يباركه أعضاء تنظيم «القاعدة» الذي يتزعمه أسامة بن لادن.
وجرى تبادل المعلومات بين المصالح الأمنية والاستخباراتية المغربية والفرنسية والإيطالية والإسبانية بخصوص الخلية التي جرى تفكيكها منتصف الشهر قبل الماضي. وقبل أسابيع، حل فريق أمني إيطالي وفرنسي للاطلاع على ملف المتهمين التسعة وبينهم الظنين التونسي، والجزائري المبحوث عنه المسمى عامر لعرج المشتبه في أنه متخصص في صنع المتفجرات واستخدامها، وله صلة بالقائد المفترض لتنظيم «القاعدة» بأوروبا المسمى أبو حمزة الجزائري المقيم في إحدى دول أوربا الشرقية. واعترف المعتقل التونسي خلال التحقيق معه من قبل المصالح الأمنية المغربية بمساعدة المغربي عادل غلام على التوجه إلى سورية ومنحه مبلغ 500 يورو، للسفر عبر الطائرة من الدار البيضاء إلى تركيا للتسلل إلى سورية. وأفادت التحقيقات أن التونسي تسلل إلى المغرب مع الجزائري عامر لعرج العضو في «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» المقيم في ايطاليا شهر فبراير (شباط) الماضي، وتجولا معا في الرباط وسلا، والتقيا بثلاثة مغاربة آخرين.
ومن بين وثائق القضية رسالة أعاد تحريرها المتهم التونسي خلال اعتقاله لدى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، تشير إلى تزكية بن لادن للعمليات التي جرى الإعداد لها في إيطاليا وفرنسا، والتي جاء فيها بأن أسد الإسلام في إشارة إلى زعيم تنظيم «القاعدة» له علم بالعملية ويزكي العمل الذي سيقدمون عليه. ونسب إلى المتهمين التسعة التخطيط لضرب السفارة الأميركية في الرباط باستعمال متفجرات يتدبرها الجزائري المبحوث عنه، وذلك بوضعها بداخل نفق، فيما تخص العمليات الأخرى تفجير مقر الاستخبارات الفرنسية (الديستي) وأيضا استهداف مطعم ومقهى يتردد عليهما عناصر في الاستخبارات الفرنسية، وكذا تفجير خط «المترو رقم 14» ومكتبة «ميترون» وتفجير مركز تجاري بالعاصمة الفرنسية، وكنيسة بولونا، بزعم أنها توجد بها صور تسيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذا القيام بعمليات إرهابية بالدنمارك. وبينت التحقيقات أن الجزائري المبحوث عنه كان يتسلل من المغرب إلى الجزائر بواسطة سيارة للنقل السري مقابل مبلغ 200 درهم، وما زال هناك بحث دولي جار عنه.
(المصدر: صحيفة الشرق الأوسط الصادرة يوم 14 ماي 2006)
معرض الكتاب يحطم الرقم القياسي في الرقابة
مترشّح تونسي لرئاسة الجمعية الاورومتوسطية لحقوق الإنسان
منحرفون يعتدون على الطالبات والأساتذة داخل الحرم الجامعي
لجنة مشتركة لإنجاز المؤتمر التوحيدي لاتحاد الطلبة
صاحبة مؤسسة خاصة تتحيل اسم جمعية خيرية
مثلت مؤخرا امام انظار الدائرة الجناحية الرابعة بابتدائية تونس متهمة في العقد الثالث ومتهمين في العقد الرابع احضروا بحالة ايقاف، من اجل تهمة التحيل.
وتفيد الوقائع حسبما وردت بالابحاث فان المتهمة وهي صاحبة مؤسسة مختصة في الاشهار قد ابرمت عقدا مع جمعية خيرية وتتمثل مهمة المظنون فيها في جمع التبرعات وتتصل بالمؤسسات لتتسلم الاعانات مقابل نسبة تأخذها من الجمعية بين 40 و50% الا انها (وحسب الابحاث) اتفقت مع شخصين اخرين على التحيل على بعض المؤسسات باسم الجمعية الخيرية وفعلا اتصلوا ببعض المؤسسات على اساس انهم شخصيات مرموقة وينتمون الى جمعية خيرية الا انهم اخذوا العائدات المالية لحسابهم الخاص.
وبمثولهم امام هيئة المحكمة انكرت المتهمة ما نسب اليها واكدت على انها لم تخطط لاية عملية تحيل وذكرت ايضا انها سلمت الجمعية مبلغا ناهز الـ 10 الاف دينارافي ظرف 3 اشهر مما يدل على انها لم تستخلص اي مبلغ لفائدتها، المتهمان الثاني والثالث تراجعا ايضا في اعترافاتهما امام باحث البداية بانهما استعملا اسماء شخصيات مرموقة لجمع التبرعات والاستفادة بالاموال لخاصة نفسيهما.
وبعد المرافعة التي تمسك فيها المحامون بطلب البراءة في حق منوبيهم واما هيئة المحكمة فقررت حجز القضية للتصريح بالحكم لاحقا.
م. قيزاني
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 14 ماي 2006)
سرّ الحكاية
قال رئيس جمهورية إيران: «إذا كانت الطّاقة النوويّة وسيلة شرّ فلماذا تمتلكها بعض الدول دون غيرها… أمّا إذا كانت وسيلة خير فلماذا لا تنتفع الإنسانيّة جمعاء بخيرها؟!». والتّحليل كما ترون منطقي للغاية… فما هو يا ترى السرّ في الحكاية؟ السرّ أنّ «محور الخير» اكتسب الطّاقة النوويّة بنيّة الشرّ… ويخاف أن يستعملها «محور الشرّ» لخير البشر.
محمد قلبي
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 14 ماي 2006)
بيان صادر عن حركة « صحفيون من أجل التغيير » – مصر
مـعـا نـنـتـصـرُ على مملكة الخوف
بعد الفظائع التي ارتكبتها مباحث امن الدولة ومختلف اجهزة وزارة الداخلية ضد القضاة والصحفيين وعموم المواطنين يوم الخميس 11 مايو 2006 ، تحذر حركة » صحفيون من اجل التغيير » مجددا من توحش اجهزة الأمن و التي تتبع الرئيس حسني مبارك بصلاحيات منصبه الواسعة وبرئاسته للمجلس الاعلي للشرطة ، وقد تحولت مصر الي دولة بوليسية في خدمة نفر يجسدون رأس هرم الاستبداد والفساد .
وتذكر الحركة و قد انطلقت في بيانها التأسيسي مطالبة برفع يد أجهزة الامن عن الصحافة وشئونها وعن مختلف اوجه الحياة المدنية بأنها سارعت بعد فظائع وبلطجة الاجهزة الامنية في 27 ابريل الماضي الي مطالبة مجلس نقابة الصحفيين الي اتحاذ الاجراءات اللازمة للحيلولة دون تكرار حصار مبني النقابة والاعتداء علي الصحفيات والصحفيين و إهانة كارنيه النقابة و منع تغطية الاحداث بالقوة الغاشمة انتهاكا للدستور و القانون . وتذكر أيضا بان عددا من اعضائها كانوا قد تقدموا بمذكرة الي النقيب والسكرتير العام للنقابة مطالبين برفع دعوي امام المحاكم للتحقيق في مثل هذه الجرائم وتقديم المسئولين عنها الي العدالة بمن فيهم وزير الداخلية . وكي لا ننسي فان مجلس النقابة كان قد طالب باقالة هذا الوزير لمسئوليته عن جرائم انتهاك اعراض الصحفيات والمواطنات في حرم نقابتنا و علي بابها يوم الاربعاء الاسود 25 مايو 2005.
و إذ ترحب الحركة بالبيان الصادر باسم مجلس النقابة و تلفت الانتباه الي ما ورد به من كلمات كـ » مناخ الرعب و الخوف » و »ملاحقة الصحفيين بالضرب والتنكيل و اهدار الكرامة لمنعهم من ممارسة مهنتهم » و جميعها غير مسبوق في الأدبيات الصادرة رسميا عن النقابة علي مدي تاريخها الذي يمتد الي 65 عاما ، فإنها تدعو الجميع للارتفاع الي مستوي مسئولية وخطورة ما تدل عليه هذه الكلمات والانطلاق فورا الي تنفيذ ما ورد في البيان دون ابطاء او تراخ . كما تطالب بـ :
1 ـ الدعوة الي اجتماع الجمعية العمومية المفتوحة يوم الخميس الموافق 25 مايو المقبل تكريما لضحايا يوم الاستفتاء الاسود و تضامنا مع القضاة و سعيهم لانتخابات غير مزورة و لاقرار مشروع قانون ناديهم لضمان استقلال القضاء ولتجديد عهد الصحفيين لانتزاع قانون يلغي الحبس في قضايا النشر ضمانا للحريات في هذا المجتمع وبما يرفع حصانة مفروضة بالخوف عن المستبدين والفاسدين .
2 ـ تنظيم اعتصام مفتوح بمقر النقابة للمطالبة بالافراج الفوري عن زميلينا في النقابة والحركة : ابراهيم الصحاري و ساهر جاد و الزميل عضو النقابة من « آفاق عربية » علاء عبد العزيز ، وكذا الزملاء العاملين في المهنة و علي شبكة الانترنت : علاء احمد سيف الاسلام و ندا القصاص و رشا عزب ومحمد رشدي ومحمد الشرقاوي وغيرهم .
3 ـ دعوة النقيب و رئيس جميعة المراسلين الاجانب في القاهرة الي عقد مؤتمر صحفي مشترك لكي يشرحوا للرأي العام العالمي القيود و الاعتداءات المتصاعدة ضد ممارسي المهنة في مصر و انتهاك حقوق كارنيه النقابة وتصريح العمل للمراسلين العاملين لحساب وسائل الاعلام العالمية .
4ـ رفع دعاوي امام المحاكم الدولية المختصة لمخاصمة وزير الداخلية و رجاله المسئولين عن الاعتداءات الوحشية ضد الصحفيين ، بما في ذلك الاعتداء المشين علي الزميلة عبير العسكري من » جريدة الدستور « ، وبعد ايام معدودة فقط من نشرها انتقادات ضد مجرمي الداخلية .
5ـ مطالبة الصحف التي تتمتع بقدر من الاستقلالية عن اجهزة الامن بنشر عريضة اتهام موجزة للمسئولين المتورطين في هذه الجرائم مع صورهم مجللة بالسواد والعار في الصفحات الاولي لمدة شهر كامل .
والحركة تحذر من انها ستضطر آسفة في المستقبل الي نشر قائمة باسماء الصحف والصحفيين الذين استخدهم جلادو و بلطجية الامن أبواقا لهم و لتغطية جرائمهم و لي الحقائق في معركة القضاة ضد الاستبداد والفساد . هذا اذا لم يرتدع هؤلاء الزملاء الذين تنكروا لابسط قواعد المهنة واخلاقياتها .
» صحفيون من أجل التغيير تحث الزميلات والزملاء علي التردد هذه الأيام بكثافة علي نقابتنا للذود عنها وعن المهنة وعن الزملاء المختطفين و المعتدي عليهم و لدرء المزيد من هذه الجرائم . وتدعو خاصة إلى وقفة احتجاجية أمام النقابة من الساعة الخامسة مساء يوم الثلاثاء 16 مايو قبل المؤتمر الذي قرره مجلس النقابة مساء اليوم ذاته .
هذا الحكم يورث البلاد مملكة خوف .. لكننا معا قادرون علي التغلب علي الرعب والانتصار للديموقراطية و المهنة والوطن.
صحفيون من اجل التغيير
في 14 مايو 2006
وصلنا المقال التالي من الدكتور الأزهر عبعاب – باريس
بسم الله الرحمن الرحيم
الأزهر عبعاب -باريس-
كلما تعالى صوت فرد أو مجموعة للتعبير عن رأيهم أو قاموا بمبادرة تخصهم أو تخص قضية تهمهم، تحركت أقلام سواء بأسماء نكرة أو معروفة للتنديد و التشكيك بنوايا أصحاب هذه المبادرات مكيلة لهم أبشع النعوت (المتساقطون على الطريق، الردة، الخيانة، الهرولة و الجبن، الركون إلى الظلمة..الخ) و الذي يقال همسا و لمزا اشد و أقسى بكثير..
و إني كشخص وُجِدت منذ سنة 1994 في دائرة هذه السهام، لم أقم يوما بالرد على أي من هؤلاء ليس خوفا و لا لغياب حجتي و قدرتي على ذلك وإنما احتراما للمبادئ الأخلاقية السمحة التي أومن بها التي لم تعلمني سبابا و لا تعديا على حرمات الناس حتى ممن أختلف معهم.
إنني إذ أساهم اليوم في هذا الموضوع لا من باب التهريج و السباب و لكن لأعبر عن جملة من الملاحظات تكررت في خطابات بعض الأخوة الذين كتبوا في هذا الموضوع بأسمائهم و أعرفهم و يعرفونني أما النكرات فلا جدال و لا حوار مع الأشباح.
إن المتتبع لتعاطي قيادات حركة النهضة مع قضية المصالحة مع السلطة أو قضية العفو على المساجين أو عودة المغتربين سواء في كتاباتهم أو في حوارات فردية يلفت انتباهه عدة ملاحظات جوهرية في فهم التعاطي مع هذه المواضيع:
1- الموروث التنظيمي الحزبي في التعامل مع المنسحبين من التنظيم:
الملفت للنظر عندما تتحدث مع الأفراد مهما اختلفت مواقعهم في التنظيم تجد قابلية أكثر للحوار و السماع و التفهم و ربما الاقتناع بما تقول، و لكن بمجرد أن ينتقل محاورك من فرد إلى مجموعة و من محاور خاص إلى محاوور عام، أي متحدثا للرأي العام يحل العقل الجمعي الضيق للتنظيم أو الحزب محل الرأي الحر، و بالتالي تغلب الحزبية الضيقة على الحوار المفتوح، و لا يجد المحاور إلا لغة السباب و القذف للجهة المقابلة إن كانت فردا أو مجموعة، فتكال لهم التهم و يرمون بأبشع الصفات دون دليل و لا برهان، لمجرد التعبير عن رأي مخالف أو تبني أسلوب لا يروق للتنظيم..
ظهر هذا السلوك مع العديد من المبادرات الفردية و الجماعية منذ أوائل التسعينات يمكن أن نسوق بعض الأمثلة على سبيل الذكر لا الحصر:
– المبادرة المبكرة للشيخ عبد الفتاح مورو و بعض إخوانه لوضع حد للمغامرة التي انجرّت إليها النهضة في أوائل التسعينات، لقد دفعت قيادة النهضة بخطابها التخويني لهؤلاء الأخوة، إلى أن يتعرض الشيخ عبد الفتاح إلى السب و التهديد من خلال اتصالات هاتفية من بعض المقيمين بالخارج.
كما طالب بعض الرموز في الحركة أن لا يذكر الشيخ عبد الفتاح بصفة شيخ خلال الحديث عنه في مؤسسات الحركة!
– النداء الذي توجهت به إلى الرأي العام بتاريخ أوت 1994، لقيادة النهضة (التي كنت جزءا منها) و للسلطة و للرأي العام، لاستنتاج الدروس و إيجاد حل لهذه المأساة عن طريق الحوار، كذلك بعض الرسائل المفتوحة التي توجه بها بعض الأخوة لقيادة الحركة من أجل مراجعة سياساتها في التعامل مع السلطة و تقييمها للماضي (رسالة الأخ عبد المجيد الميلي، رسالة الأخ محمد العماري و غيرهما..).
كان رد فعل قيادة حركة النهضة ان وصفتنا ب »المتساقطين على الطريق »، و « بالردة » في نشرية كانت توزع على مناضلي و أنصار الحركة بالمهجر، كما تولى التنظيم في إثارة الشبهات و رمينا بشتى النعوت و التهم الباطلة.
– محاولات الدكتور محمد الهاشمي الحامدي، في التقريب بين السلطة و حركة النهضة، و سعيه المتكرر من أجل حصول عدد كبير من اللاجئين و المسجونين على حريتهم و تسوية وضعيتهم القانونية و هو ما حصل فعلا للعديد من التونسيين.
عندها سخرت كل أبواق التنظيم و طاقاته للتشهير بالدكتور محمد الهاشمي الحامدي فرمته بالعمالة و الخيانة.
– البيان الذي أصدره مجموعة من الأخوة حول مسألة العفو على المساجين و المصالحة مع السلطة على اثر العفو على الأخوين علي لعريض و زياد الدولاتلي و التصريح الايجابي للأخ علي لعريض لقناة المستقلة. عندها فقط تحرك العقل الجمعي لحركة النهضة فحاولوا من خلال موقع « النهضة نت » تزوير الحقيقة، مقدمين الأمر على أن الشيخ عبد الفتاح مورو و الدكتور أحمد المناعي و الأخ زياد الدوللاتلي أصدروا بيانا وقع عليه بعض اللاجئين بفرنسا، و ذلك في محاولة لحجب الحقيقة وهو ما كذبه الدكتور أحمد المناعي و الشيخ عبد الفتاح مورو من خلال تصريحاتهم.
على اثر ذلك تحركت آلة السب و الرجم بالغيب تحت أسماء نكرة أسلوبها يحيل المبتدئين في هذا الميدان إلى أسماء أصحابها الحقيقيين.
– محاولات بعض الأخوة لتسوية وضعياتهم و استرداد حقوقهم المدنية و الرجوع إلى أرض الوطن، و محاولة إثارة شبهات خطيرة حولهم لا صحة لها في واقع الأمر.
كل هذه الأحداث و الممارسات تدل على الإرث التنظيمي الكلياني و على عقلية لا تقبل بحرية الرأي و الاختيار. الأفراد داخله كالقطيع يساق، يحق لهم الصياح دون حرية الاختيار. من يخرج عن المجموعة يحق له أن يصمت فلا يسأل عنه أحد ما دام صامت لا يتكلم حتى و إن انحرف و الأمثلة على ذلك كثيرة. لكنك عندما تجهر برأيك خارج السرب تكال لك التهم. خلاصة هذه العقلية الضيقة التنظيم قبل الفكرة.
2- التوظيف الحزبي للخطاب الديني:
أما الملاحظة الثانية و التي أعتبرها جوهرية في خطورتها و هي استعمال الخطاب القرآني أو الأخلاقي الديني عموما في الإقصاء الحزبي و السياسي للآخرين و تضييق رقعة الاختلاف و ذلك من خلال الاستشهاد بالآيات القرآنية الكريمة و الأحاديث النبوية الشريفة أو سيرة رسول الله في غير محلها. أما في ما يتعلق بالصراع مع السلطة و تصويره على أنه صراع حق و باطل، كفر و إيمان أشرار و أخيار، في حين أن العاقل المتأني لا يحق له أن يرمي غيره بالكفر و هو سلوك تنكره حركة النهضة في أدبياتها على غيرها من الحركات الإسلامية المتشددة!
كما استعملت حركة النهضة نفس هذا الخطاب مع المنشقين عليها أو المخالفين لها ممن كانوا في صفوفها و رمتهم بالمتولين و الراكنين للظلمة و المرتدين و غيرها من النعوت الأخلاقية الأخرى التي ما أنزل الله بها من سلطان. يراجع في ذلك عدّة مقالات نشرت على صفحات « تونس نيوز » بإمضاء بعض الأخوة أذكر منهم محمد الهادي الزمزمي و الهادي بريك و محسن الجندوبي و غيرهم..
في اعتقادي أن هذه المنهجية في التعامل مع مسألة الصراع السياسي في تونس، تعبر على خطورة التفكير لدى العقل الجمعي لقيادات حركة النهضة في حسم خلافاتهم مع الآخرين و في التعاطي مع فكرنا الإسلامي الذي تحدّت سماحته كل البؤر المتحجرة في تاريخنا المجيد.
هذه المنهجية تقصي غيرها من خلال كيل الاتهامات و النعوت الرذيلة مستعملة آيات قرآنية كريمة و أحاديث نبوية شريفة، تخرجه من ساحة الاستقامة الأخلاقية أو من دائرة الأيمان.
علينا جميعا أن ندرك خطورة هذه المنهجية التي تقودنا إلى حسم صراعات لا بالحوار الفكري و السياسي و إنما بتوضيف الخطاب الديني و الأخلاقي لحسم خلافاتنا السياسية و هو ما يجرنا لا قدر الله في النهاية إلى نار التكفير، اكتوت بها أقطار أخرى من عالمنا الإسلامي.
3- كلمة أخيرة:
في الأخير أتوجه إلى هؤلاء الأخوة و لغيرهم بأن تجريح الناس و رميهم بالجبن، سلوك تأباه الأخلاق العالية لأن الجبن و الشجاعة و العقل و الهرولة و النضال و الخلاص الفردي، لا يتحدد حسب رغباتكم و أهوائكم السياسية و لا يحق لأي كان أن يقلد نفسه نياشين العلم و الشجاعة و يلبس غيره صفات الجبن و الضلال لأن عمل الإنسان وحده يحدد ما قدّمة من أجل خير وطنه و شعبه و إخوانه، و التاريخ و المستقبل محك بيننا لمعرفة معادن الرجال.
و السلام
الأثنين 15 ماي 2006جمعة
الأزهر عبعاب
على طريقة محمد قلبي
عبدالحميد العدّاسي
تكاثر التظلّم في السودان، وتعدّدت الثورات فيه منادية بتحريره: الجنوبيون ينادون بتحريره من الشماليين، وأهل دارفور يطالبون بتحريره من الجنجويد، والشرقيون يرغبون في تحريره ربّما من النوبيين، والزنوج الأفارقة يطالبون بتحريره من الأفارقة العرب، والواقع أنّ أعداء الدين يريدون تحريره من المسلمين…
المظالم الواقعة علينا، نحن المسلمين في تونس، هذه الأيّام، تفوق بكثير تلك المظالم التي تقع على أهل السودان. والتفكير في ثورة أو ثورات لتحرير تونس واجب متأكّد، فلماذا لا يبدأ المسلمون مثلا بثورتهم الفعلية لتحرير تونس من الصهاينة، خاصّة في هذه الأيّام التي تتراكم فيها على البلاد نجاساتهم وأدرانهم؟! ( * )
ولعلّنا في ذلك نُحظى – كما في السودان – بتأييد الأمم ومؤازرة كوفي عنان ( ** ). أم أنّ » ضخامة مصائب دارفور » الجاثمة فوق بحر من خيرات السودان قد أعمت عيون العالم » المتحضّر » عمّا يحدث في تونس الجريحة الجاثمة تحت بحر من الظلم والطغيان؟!…
ـــــــــــــــــــ
( * ) تتهاطل أعداد من اليهود على جزيرة جربة التونسية بإسناد واضع من الصهيونية العالميّة وخضوع تامّ من الحاكم العام المفوّض في تونس، في الوقت الذي ينكّل فيه هذا الأخير بغالبية سكّان البلاد من المسلمين ( 98 % من سكّان تونس من المسلمين ).
( ** ) لسنا مع التدخّل الأجنبي ولا مع الاستقواء بالخارج ( كما يفعل أصحاب » التغيير والتبديل » في تونس ) ولكنّه إشارة – فقط – إلى ازدواجية المعايير عند ما يُعرف بهيأة الأمم المتّحدة التي فقدت كلّ مصداقية وصارت عبءا إضافيّا، لا بدّ أن يفكّر الجميع في التخلّص من آثاره.
اتحاد الطلبة..بين نزوات البعض وتطلعات الطلبة.
يعيش اتحاد الطلبة منذ عدة سنوات ازمة تمثيل حادة جعلت منه حملا ثقيلا على الطلبة وعلى الحركة الديمقراطية الذي هو جزء منها. وهذه الازمة تسببت فيها السلطة الجامعية والامنية في جزء كبير وذلك لجعل الاتحاد اطار فارغ من كل محتوى نضالي وتركيعه من اجل القضاء على تاريخه ورمزيته في اذهان الالاف من الطلبة.وقد لقيت السلطة في طرف سياسي يسمى نفسه او يسمى بالكتلة اللاعب الذي يوفر عليها مشقة التدخل المباشر في شؤون الطلبة ولعبت هذه المجموعة التي تدور حول المسمى زعتور دورا تدجينيا قذرا جعل الاتحاد العام لطلبة تونس يفقد كل تمثيلية في الاجزاء الجامعية وصنع من زعمائه موظفين لدى وزارة الاشراف التي اغدقت عليهم المزايا والاموال وجعلت منهم القيادة الرسمية التي تحاور الوزير ومصالح الوزارة وديوان الشؤون الجامعية.وعممت الوزارة على العمداء منشورات تؤكد عليهم عدم الاعتراف وعدم التعامل مع أي طالب لا يحمل توكيلا من موظفيها في قيادة اتحاد الطلبة..والادهى ان ما يسمى بالامين العام المسمى زعتور يتمتع بتفرغ كامل ومدفوع الاجر وهي سابقة في تاريخ الاتحاد العام لطلبة تونس منذ تاسيسه..
الغريب في الامر ان هذه الارهاط تتكلم باسم اليسار وتتبجح بانتمائها للفكر الشيوعي وفي نفس الوقت تلعب دور رجال المطافئ .وفي الواقع لا علاقة لهؤلاء لا باليسار ولا بالفكر الشيوعي ولا باتحاد الطلبة.
ورغم كل ذلك ورغم ما فعلوه ورغم خيانتهم الموصوفة للاتحاد وسرقتهم لشعاراته وارتماءهم في احضان السلطة بتنظيرات صبيانية تكفلت الاطراف السياسية في الجامعة بايجاد مخرج مشترك لازمة التمثيل النقابي ووقع الاتفاق مع عدة كوادر تابعين للقيادة الرسمية على تجاوز الوضع واقامة لجنة وطنية مشتركة من المكتبين التنفيذيين 24 والتصحيح لتحضير مؤتمر توحيدي تعطى فيه الكلمة للقواعد الطلابية لاختيار ممثليها بشكل ديمقراطي او على الاقل اقرب ما يكون للديمقراطية والوفاق..وبعدما وافق زعتور على المشروع ضغطت عليه الوزارة وسعيد بحيرة والاخرون وتراجع عن اتفاقه مع التليلي وتشبث بالطابع والكرسي الفضفاض وشهرية التفرغ النقابي وقرر تحضير مؤتمره الخامس والعشرين معزولا حتى عن حلفاءه واصدقاءه في المكتب التنفيذي 24 الذين التحقوا بمبادرة التوحيد وامضوا بيان 25 افريل محملين المسؤولية لجماعة زعتور داخل الاتحاد وخارجه داعين الطلبة الى توحيد الممارسة النقابية من اجل رد الاعتبار للاتحاد العام لطلبة تونس الذي تلاعب بماضيه وحاضره زعتور ومن يقف وراءه او امامه..
الغريب هو ما طالعتنا به جريدة الطريق الجديد في عددها الاخير وفي نص امضاه السيد السعدي وهو حسب ما يبدو من الاطارات الزعتورية..فهو يتحدث عن انتخابات ديمقراطية وقعت في الاجزاء الجامعية التونسية لتحضير ما سماه بالمؤتمر العادي للاتجاد..صاحب النص يعرف ان ما كتبه كذب واصحاب الجريدة يعرفون ان ما نشروه كذب..والطلبة في مجملهم يعرفون ان زعتور لا يضع قدميه في أي جزء جامعي اطلاقا…ولكن اصدقاء اتحاد زعتور القلائل ما يزالون متشبثين بالجثث السياسية يبحثون لها عن شرعية تالفة وعذرية مفقودة.
ا. عبد الصمد
أثر الذاكرة على نبض الشارع
في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين
–
الذاكرة المفقودة:
إذا كان نبض الشارع يتأكد من خلال الأحداث، وإذا كانت رهافة حس الشعوب تتأكد من خلال ضخامة الحدث أو بساطته، فإن الشعوب العربية والإسلامية قياسا لذلك تكاد تكون فاقدة لهذا النبض فضلا على رهافة الحس. ولقد كان تأثير نظام الدولة العلمانية الحديثة على ما كان فيه من بعض الإيجابيات وعلى ما يعتقد البعض أنه النظام الأفضل لكسب رهانات الحداثة والتحديث ،والذي كان استبداديا غير ديمقراطي، أشد عليها من عصور الإنحطاط ومرحلة وقوعها تحت سيطرة النفوذ الأجنبي « الإستعماري ». ذلك أن الأحداث المختلفة التي تقع في أوطانها وفي العالم من حولها أصبحت على ضخامتها وخطورتها لا يكاد يوجد لها أثرا ولا تكاد تحدث نبضا في الشارع عندها، ولا يكاد يرى تأثيرا لها على حسها الذي تفيد أحداث التاريخ القديم أنه لم يكن متبلدا أو على هذا القدر من التبلد الذي أحدثته فيه النخبة العلمانية المتغربة من خلال برامج الإعلام والثقافة والتربية والتعليم التي كانت تديرها من خلال استلامها للسلطة واحتكارها لها بعد أن ألغت جانبا من الحرية الذي كانت القيادات الإصلاحية في حركة الإصلاح العربية الإسلامية لشعوب الأمة قد فرضته على قوات الإحتلال الغربي الصليبي لأوطان شعوب أمة العرب والمسلمين. حتى أن الأمر قد أصبح عندها اليوم على خلاف ما هو عليه الحال لدى الكثير من شعوب العالم الأخرى .ولنا في ردة فعل الشارع اليوناني مثلا على زيارة الرئيس الأمريكي بيل كلنتن لليونان في فترة حكمه للولايات المتحدة الأمريكية حين كان الشعب اليوناني لا يرغب في زيارته لبلاده ولا مرحبا به بها بعد القصف الأطلسي ليوغسلافيا بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب البلقان خير مثال على ذلك .ولنا في تصدي قطاعات واسعة من الشعوب الغربية لسياسات صندوق النقد الدولي والبنك العلمي في أي بلد من البلدان الغربية من أمريكا اللاتينية حتى جنوب آسيا مرورا بالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ينعقد له فيه اجتماع انطلاقا من أمريكا ومرورا ببريطانيا وانتهاء في فترة من الفترات ببلغاريا، إلى غير ذلك من العواصم التي للشعوب سيادة فيها على أوطانها. والعجيب في المفارقة أن هذه الشعوب المتصدية لسياسات هذه المؤسسات المالية العالمية هي الأكثر انتفاعا أو الأقل تضررا من سياساتها المالية على الأقل.
ولعله من الأسلم للمنظمين لهذه الإجتماعات أن يعقدوا اجتماعاتهم في بلد عربي أو إسلامي ـ لو كانوا يعلمون. وسيمر الأمر دون أن يعلم أحد بذلك أو يعيره أي اهتمام. بل وسنكون سعداء جدا أن يكون قد وقع الإختيار على انعقاد أشغال المؤتمر في بلداننا. ونظل شاكرين لهم ثقتهم فينا لذلك .وذلك ما حصل فعلا عندما استضافت قطر إحدى هذه الإجتماعات التي لم يلتحق بها فعلا إلا القليل النادر من المحتجين على انعقادها وعلى سياساتها المالية المخلة بكل التوازنات في العالم .
ولنا كذلك في الشعب اليوغسلافي مثلا من الأمثلة الرائعة في تحمل مسؤوليته في ما حدث لبلاده من دمار وخراب وعزلة، ومن حصار دولي قاتل بسبب سياسة رئيسه الهالك ميلوسوفيتش، بالرغم من مساندته وتأييده له في ذلك في البداية. ولكن لما تفطن لخطورة الأمر، أدرك أن التفريط في القيادة وفي أركان نظام بكامله كان يمنحه تأييده والثقة فيه أولى من التفريط في الوطن وفي المكتسبات. واستمرت التحركات والتظاهرات والمظاهرات والمسيرات والإحتجاجات والإعتصامات الجماهيرية بالليل والنهار تحت إشراف نخبه ومثقفيه، وبقيادة أحزابه السياسية ونقاباته وكنائسه، باتجاه إحداث التغيير الذي يعيد للشعب ماء وجهه. ولم ينته عن ذلك حتى أطاح به هو بنفسه، ولم يفعل كما فعلت بعض الفئات المحسوبة على الشعب العراقي التي فوضت للتحالف الغربي الصليبي الإطاحة بنظام صدام حسين واحتلال العراق. ولم يترك الشعب اليوغسلافي الفرصة للأجنبي للإنتهاء لذلك . وقد انتهى بذلك لإخراج بلاده من المأزق الذي تردت فيه بسبب إعلان قيادته الحرب على شعب كوسوفو ذات الأغلبية المسلمة ،والذي تحمل كذلك مسؤوليته في خوض حرب غير متكافئة مع الصرب، واستطاع تدويل قضيته حتى انتهى بها إلى ما انتهت بها إليها الأمور اليوم ،وان لم يكن قد انتهى بالمشكلة إلى حل حقيقي ونهائي، إلا انه كان قد نجح بذلك في إبعاد شبح الإبادة العرقية عن نفسه .
ولنا في كثير من دول أمريكا اللاتينية وفي إفريقيا خير دليل على قوة النبض في الشارع الجماهيري ورهافة الحس الوطني إزاء أبسط الأحداث أو السياسات المستهدفة للشرف الإنساني ولحقوق الإنسان ولعزته وكرامته وكل هذه الكمالات الإنسانية والأبعاد المعنوية والروحية والثقافية فضلا عن أن تكون مستهدفة لحقوقهم المادية والإقتصادية.
لماذا يحصل كل هذا في جل بلاد العالم بالزخم المطلوب وفي الوقت المناسب، ولا نكاد نرى من كل ذلك سيئا في الكثير أو في جل عالمنا الإسلامي وأوطاننا العربية خاصة؟
مرض فقدان الذاكرة:
ليس لهذا الذي يحصل في الكثير من بلاد العالم في الحقيقة سبب واحد. وإنما تختلف الأسباب باختلاف الشعوب والأوطان والثقافات والأحوال والمواقع والعلاقات…ولكن يبقى الإعتقاد سائدا وعلى نطاق واسع، أن هناك سببا رئيسيا واحدا في هذا الأمر بالذات، إن لم يكن هو السبب الرئيسي الوحيد المشترك بين كل هذه الشعوب الحاضرة دائما وفي حالة جاهزية كاملة أو شبه كاملة ودائمة لردة الفعل المناسبة في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة وبالأداة المناسبة وبالأسلوب المناسب وضد الجهة المناسبة. وان لم يكن ذلك عندها كلها فعند أغلبها على الأقل:هو سلامتها من مرض فقدان الذاكرة، وان لم تكن كلها فجلها، وان لم تكن سلامة كاملة فهي بالتأكيد أقرب إلى السلامة منها إلى المرض والعلة والإصابة،ومن الصحة منها إلى المرض ومن العافية منها للداء.
فلعل كل هذه الشعوب كانت محافظة على هويتها الثقافية والحضارية والعقائدية والعرقية والأتنية، وعلى وطنيتها ومواطنتها، وهي لا تؤمن بالتطور إلا باتجاه مقومات شخصيتها وثوابت هويتها .
وبعيدا عن الشعوب الآسيوية وبعض شعوب أمريكا اللاتينية غير المنحدرة من أصل غربي أوروبي أبيض خاصة، فان الشعوب الأوروبية التي يعتقد أنها أدارت ظهرها للدين المسيحي وأشاحت بوجهها عنه، فإنها مازالت مؤمنة به بطريقتها ،وبما أصبحت تعتقد أن الظروف والأحوال والتطور الحضاري الذي أصبحت عليه يتيحه ويسمح لها به، ومتمسكة به باعتباره أحد مقومات شخصيتها، وأحد مميزات ثقافتها، وأحد حوافز تاريخها لفترة زمنية طويلة ولو مظلمة. وهي التي أعادت تشكيل العقل الغربي وفق ما يجب أن يكون عليه الحال حين يعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وهي الحالة التي تكون قد أعادت بها الأمور إلى نصابها، وأعادوا بها هذا التصور للدين المسيحي وهذه العلاقة والإيمان به، وهي التي جعلت من الأمراطور الأمريكي جورج ولكر بوش يعتبر نفسه مفوضا من الله لشن الحرب على الأشرار وفرض السلام وفق رؤية الغرب والرؤية الأمريكية له في العالم.
وهي الحالة التي تكون قد أعادت بها الأمور إلى نصابها لفسح المجال أمام العقل الغربي ليقول كلمته في ما له الحق في أن يقولها فيه، وليعطى الفرصة للتدبر في كتاب الله المنظور الذي حالت الكنيسة، بتصوراتها وفهمها للحياة والكون والإنسان، واحتكارها للحقيقة قرونا من الزمن ،دون التمتع بذلك الحق الذي يتيح له النظر في الكون والحياة والإنسان، والبحث والتدقيق والتحقيق بحرية كاملة في كل ما كان محظورا عليه النظر والبحث فيه .
وانه لمن الطبيعي جدا أن يصطدم العقل البشري بالمفاهيم الإنجيلية وما تضمنته من أحكام وتصورات وشعارات ظلت ولقرون طويلة تعتبر حقائق ثابتة خالدة، يعتبر من الكفر البواح مراجعتها أو التشكيك فيها أو إخضاعها للبحث والنظر العقلي، وذلك بحكم الطبيعة التحريفية الكهنوتية لهذه الأناجيل المعتمدة .
وبهذا المعنى لاينبغي أن ننظر إلى الغرب على انه بدون ذاكرة، أو أنه ابتدع هوية وذاكرة جديدتين لنفسه. أو انه فاقد للذاكرة. لأنه لو كان الأمر كذلك ،ما كان ليستطيع أن يجود على البشرية كلها بكل هذه الإبداعات وهذه الكشوفات والإختراعات والإبتكارات الهائلة التي لا يكاد أن يصدقها أحيانا حتى من يراها بناظريه، ويتعاطا معها بكل حواسه.
وأحسب أن فاقد الذاكرة التاريخية والحضارية والثقافية هو من لا ماصي ولا حاضر له ولا مستقبل. إذ أن الذاكرة هي أولا وقبل كل شيء ماضيا يقع منه الإنحدار، وحاضرا تزاول فيه الحياة بحكمة وتبصر في علاقة ما مع ذلك الماضي وتواصل معه، ومستقبلا يتطلع إليه من خلال الحاضر ذات الصلة بالماضي .
وليس صحيحا أن الغرب قد ألغى ماضيه الديني والروحي الكنسي المحرف، والذي يستحق منه اللعنة ، ولكنه عمل على تصحيحه بطريقته، بتوافق وائتلاف تارة وفي بعض البلدان، وبتوتر وصراع أخرى في بلدان وجهات أخرى من العالم الغربي. وليس أدل على ذلك ،المعسكر الشيوعي المنهار الذي كانت الجهة الأكثر بروزا فيه بعد انهياره هي كنائسه ،وما استعادته من ادوار في حياة من ظلوا عقودا كافرين بها. وهو مدعو إلى الإستمرار في ذلك الإصلاح والتصحيح ، وهما عنده مسألتا حياة أو موت ،بعد أن اجتمعت لديه كل أسباب وأدوات وظروف وآليات التصحيح والإصلاح عبر مراحل مختلفة من تاريخه التي دامت قرونا من الزمن .
وبهذه الذاكرة الضاربة في التاريخ، استطاع الغرب أن يحدث نقلة نوعية في حياته وفي حياة شعوب الأرض وفي حياة الكون كله.
والذي بات متأكدا من خلال ما تقدم، أن الذاكرة هي الماضي أولا، وفاقد هذه الذاكرة أو الرافض لها لا حاضر له ولا مستقبل.أما مسألة تأسيس الذاكرة والهوية والثوابت، فليس ممكنا الحديث عنها إلا عند من لا ماضي حضاري وعلمي ومعرفي وثقافي له. والذي احسب انه ليس صحيحا كذلك، أنه لا وجود لشعب ولا لقبيلة ولا لأمة بدون ذاكرة ولا هوية ولا ثوابت ولا خصوصيات. وإذا كان الغرب بدون ماض حضاري، فليس معنى ذلك أنه بدون ذاكرة طالما أن له ماض أي كان هذا الماضي الذي هو في النهاية جزءا من مكونات شخصيته أحب ذلك أم كرهه وقبل بذلك أم رفضه واعترف بذلك أو أنكره. ذلك أن ذاكرته هي عاداته وتقاليده البربرية التي مازال لها تأثير على عقله الجمعي ،ومازال لها أثر في مخزونه التراثي، ومازال لها تأثير على سلوكه بالتجاه التوحش والميل الشديد إلى العنف و إراقة الدماء .هذه الذاكرة التي تداخلت مع ثقافة الرومان الوثنية ثم المسيحية الرومانية كذلك فالبيزنطية وامتزجت بها، والتي كان أكثر ما كان مفيدا للغرب الحديث فيها والأخذ والإقتباس منها جانبها القانوني، وبثقافة الكهنوت المسيحية الإنجيلية الكنسية، وبالأثر المعرفي الفلسفي العقلاني والعلمي اليوناني. ولم يستطع كل هذا التراكم غير المتجانس أن يكون أساسا لهذا البناء الحضاري الرائع في جانبه العلمي والتقني خاصة، وفي بعض جوانبه الفكرية والفلسفية، لولا الصورة المراجعة المنسجمة المدروسة دراسة علمية عقلانية التي وضعها العرب والمسلمون بين أيديهم لكل ذلك منذ وقت مبكر من التاريخ، بعد أن عاثوا في الكثير منه فسادا وحرقا وإتلافا في الحروب الصليبية التي ظلت رحاها دائرة بينهم بروح همجية بربرية وبين العرب والمسلمين بروح علمية حضارية إنسانية رائعة. وبهذه الصورة، وبكل هذا التراكم عبر العصور والقرون، تشكلت هوية وثوابت وذاكرة الغرب التي انتهت إلى أكمل صورة أقام عليها بناءه الحضاري ومازال مواصلا تطويره له على أساسها ،فكانت هويته وذاكرته المسيحية الصليبية هما الأساس والخلفية التين أقام عليهما هذا البناء الحضاري الضخم الذي لم تنته عجائبه.ومن خلال هذه الذاكرة اكتسب القوة، باعتبار أن الذاكرة هي السلاح الأقوى في وجه كل التحديات .وهي الأصل الذي لا قيام لأي بناء حضاري متميز بدونه.وهي الأصل في حياة الشعوب وبقائها حرة مستقلة صامدة تنعم بالعزة والكرامة والمجد. وما سر استعادة اليهود دورا لهم في التاريخ والبناء الحضاري بعد آلاف القرون من التشتت والتيه، إلا حفاظهم على الهوية اليهودية التوراتية التي انتهوا بها بتحالف مع الغرب الصليبي، وهو الذي تجاوز عنهم لعنة قتل السيد المسيح عليه السلام، واعتقادهم في صلبه إلى إقامة دولة لهم لا أصل لها في تاريخ الدول والشعوب على أرض ليست لهم .
وما سر استمرار الصين على نهج الحضارة قوية منيعة إلا محافظتها على ذاكرتها التاريخية والحضارية رغم ما أحدثته من تغيير جاء حاملا للكثير من التناقض أحيانا لتراث الشعب وماضيه الثقافي. وهو الذي ظل مع ذلك محافظا على قدر كبير من سلطان عقيدة وثقافة التنين عليه.
وكان الأمر كذلك بالنسبة للهند، دون أن يكون ذلك حائلا دون كسب رهانات الحضارة المعاصرة .
أين المسلمون والعرب بصفة خاصة من انتفاضة الأقصى ومن القضية الفلسطينية عموما؟
إذا كان لابد للإنسان من ذاكرة، و إذا كان للشعوب من ذاكرة أيضا، فأين ذاكرة المسلمين والعرب خاصة بكل تقسيماتهم الطائفية والعرقية والدينية والأتنية وانتشارهم الجغرافي؟
لماذا أصبح نبض شارع الشعوب العربية والإسلامية ضعيفا وأصبح حسها بليدا ؟
وهل أن الأمر كذلك حقيقة وما هي الأسباب؟
إن الذي لا شك فيه في ما أعتقد، أن خطأ الحكم العثماني التركي في آخر أيام الإمبراطورية العثمانية كان فادحا. وهو الذي سبقته كذلك أخطاء كثيرة فادحة في التاريخ الإسلامي، والتي يأتي على رأسها على الإطلاق الإنقلاب الأموي على نظام الخلافة الراشدة .
والذي أعتقد أنه لا شك فيه كذلك، أن ردة فعل العرب على ذلك الخطإ كانت كذلك أفدح .
ولئن كان الحس الإسلامي في المراحل وفي الفترات الأولى من إحساس المسلمين بالمخططات الغربية والصهيونية لإنتزاع فلسطين منهم أكثر رهافة، وأكثر إحساسا بالإنتماء، وكانوا أحيا ذاكرة رغم الجهل والإنحطاط ، مما جعلهم في حالة استنفار دائمة، ولم يبخلوا على إخوانهم هناك بأي مدد هم قادرون عليه ،في غياب مرجعية قيادية موحدة، وقد انفرط عقد الخلافة، ولم يبق منها جسد ولا روح ،في الوقت الذي كانوا كلهم جاثمين فيه تحت نير وكلكل الإحتلال الغربي، ويحال دون معوناتهم أن تصل إلى إخوانهم، ويحال دونهم ودون الإلتحاق بفلسطين من أكثر من جهة من جهات الوطن العربي والعالم الإسلامي، وان كان الوضع فيها ليس أكثر خطورة من الأوضاع السائدة في كثير من البلدان العربية والإسلامية في ذلك الوقت،ومع ذلك لم يبخل من كان قادرا منهم على ذلك بنفسه ولا
بماله ،فان العرب قد ساهموا في إضعاف ذلك الحس المرهف، وتلك الروح المعنوية العالية الرافضة للذل والهوان والإذلال والتي كانت تزودهم بها الثقافة التقليدية على ما بلغته وما كانت عليه من تحلف حتى ذلك الحين، وعلى ما أضفته عليها حركة الإصلاح الإسلامي حتى ذلك الوقت من جذوة وما أزالت عنها من غبار وما أجرت عليها من إصلاحات وما أضافت إليها من اجتهادات وما أكسبتها من نور، واخذوا عبر العقود الأخيرة خاصة يتجهون نحو اعتبار القضية الفلسطينية قضية عربية خاصة، وشأنا عربيا خاصا ليس للمسلمين فيه شأن، وإن كانت جل البلدان الإسلامية قد حافظت على موقف المقاطعة الذي دعت إليه الأمة العربية في الأقطار العربية، وعدم الإعتراف بشرعية الكيان الصهيوني على أرض فلسطين والتزمت بهما، إلا أنها لم تتجاوز ذلك ،ولم يفسح لها العرب المجال، ولم يوجهوا لها النداء، ولم يعتبروها طرفا في الصراع الذي جعلوا منه صراعا عربيا صهيونيا، ولم يجعلوا منه صراعا إسلاميا صهيونيا. وهم الذين اتخذوا من الغزاة الغربيين الفرنسيين والبريطانيين حليفا، وجعلوا من المسلمين الذين مازالت الخلافة على علاتها في ذلك الوقت رمزا لهم وعنوانا لوحدتهم في حدود كبيرة. ولا يمكن في الحقيقة أن يكون الموقف العربي الخاطئ مبررا لتخلي باقي دول وشعوب ومكونات الأمة عن مسؤوليتها للقيام بما يلزمها الإسلام بالقيام به. وبتحمل مسؤوليتها في العمل على تحرير هذا الوقف الإسلامي من الإحتلال الأجنبي. إلا أن هذه الكيانات التي أصبحت مستقلة ومنفصلة بعضها عن بعض، لم تعد إسلامية بما للكلمة من معنى، وهي التي وفق التقسيم والهيمنة الإستعمارية قد فقدت نظامها الإسلامي، واستمر وجودها على النحو الذي أراده لها الغزاة الغربيون، والذين حكموها به عقودا من الزمن في إطار الدولة الحديثة ونظامها العلماني الذي لا أصل له في تاريخها الحضاري .
لقد استمر هذا الصراع الذي أريد له إلا أن يكون صراعا عربيا صهيونيا في ظل انقسام عربي، يمم فيه بعض العرب وجوههم الإتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي الشيوعي والإشتراكي عامة، ويمم فيه البعض الآخر وجوههم الغرب الأوروبي الأمريكي الرأسمالي الليبرالي عموما ليكونوا طرفا في الحرب الباردة التي أصبحت دائرة بين شقي الحضارة الغربية الواحدة شرقا وغربا، والتي كان العرب الأكثر انقساما فيها، والأكثر تنازعا وفرقة بعضهم بين بعض. ودخلوا في صراع محموم في ما بينهم بالوكالة عن القوتين العظميين، بين تقدمي ورجعي، بين أنظمة « ثورية » عميلة للإتحاد السوفياتي الدموي الأمبريالي في ذلك الوقت، وأخري تقليدية ماضوية « رجعية » عميلة للمعسكر الغربي الرأسمالي الإمبريالي الصهيوني،مما
جعل الأمة الإسلامية التي من المفروض أنها صاحبة الشأن كله في مواجهة المحتل الصهيوني الغاصب لفلسطين، منقسمة بين المعسكرين الشرقي والغربي حليفي اليهود والصهاينة.فقد بلغ الأمر بالعرب تأثرا بالنزعة القومية التي اجتاحت العالم الغربي خاصة منذ عصر النهضة وفي بداية تشكله، والذي دخل فيه في حروب دامية من أجل الوحدة والتوحيد تارة، ومن أجل التحرير أخرى، على أساس قومي، وهي التي كانت بعد ذلك التشكل وباتجاه استكماله من بين الأسباب في اندلاع حربين غربيتين أخذتا امتدادا عالميا من أجل النفوذ ،وسعي كل قومية على السيطرة على أكثر ما يمكن من مناطق النفوذ من اجل اكتساب أكثر ما يمكن من الأسواق لتضخ نحوها فائض إنتاجها ،ولتجلب منها كل ما هي في حاجة إليه من مواد أولية وخامات ليس لها عليها من الإنفاق إلا ما لابد منه لاكتشافها واستخراجها بأجرة يد عاملة منخفضة وبخسة جدا ،وشحنها إلى أراضيها حيث مصانعها ومعاملها التحويلية والصناعية. وبردة فعل من العرب على ما اعتبروا أنه قد وقع في حقهم من ظلم من طرف مركز الخلافة الضعيفة المنهكة ،خاصة بعد تولي جماعة الإتحاد والترقي ذات الأصول اليهودية في الغالبية العظمى من عناصرها،إن لم تكن كلها زمام الأمور بالكامل بالإمراطورية العثمانية،وبتحريض وتشجيع ودعم غربي فرنسي بريطاني صهيوني يهودي خاصة، على فساد الحكم العثماني في المنطقة العربية، بل وفي جل أو كل التخوم التي كانت راجعة له بالنظر إسلاميا في كثير من البلدان والأقاليم، خاصة في المراحل الأخيرة من حياة الأمبراطورية التي كانت محاطة بالطامعين وتتهددها الأخطار في ذلك الوقت ومن قبل ذلك من كل مكان ،لما أصبحت عليه من ضعف بعد قوة، ولضخامة التركة التي تجمعت لديها عبر قرون من القوة والعز والسطوة ،خاصة وأن العرب يعتبرون أنفسهم دائما أنهم أصحاب الحق في تصدر قيادة أمة العرب والمسلمين، لما يعتبرون لهم من فضل أسبقية الإنتصار للإسلام والتمكين لدعوته ،ولمكانتهم من صاحبها صلى الله عليه وسلم، ولما جاء به القرآن من لغة العرب الذي كانت فيه على حد من الإعجاز بما لا علم لعرب الجزيرة العربية أنفسهم في الحين به.
فهم الذين وصل بهم الأمر النظر إلى إيران الإسلامية التي لم تلبث إلا قليلا بعد الثورة حتى أظهرت نزعتها الطائفية وعبرت عنها بوضوح، على أنها فارسية ،حتى أصبحت حليفا استراتيجيا لليهود والصهيونية في عهد الشاه، إلى أن جاءت الثورة التي قادها الخميني ضده وعصفت بملكه وأقامت سفارة فلسطينية في إيران بدل السفارة الصهيونية اليهودية .
وقد وصل الأمر بالعرب كذلك أن فرطوا في تركيا على أساس أنها أصبحت بعد الإنقلاب الأتاتوركي طورا نية، وهي التي أصبحت في اعتبارهم واعتبار الكثير منهم على الأقل وفق الإملاءات والفهم والدس الإستعماري الغربي، وضمن قراءة تاريخية خاطئة مغرضة، كانت تمثل قوة استعمارية في المنطقة العربية. وذلك مما زينه لهم الغزاة الغربيون الصليبيون. وهي التي يعتبرون أنها أذاقتهم الأمرين قرونا من الزمن، مما أعطاهم مبررا كافيا في النهاية لإبرام تحالف وثيق مع قوى الإحتلال لمنطقة الشرق الأوسط خاصة، لجعل حد لهيمنتها عليهم وتحرير أنفسهم من سيطرتها التي طال أمدها كذلك عليهم، واتخذوا منها بذلك عدوا لا ترجى مودته، وهي التي اليوم على إسلام شعبها يحكمها طاقم عسكري، مازال ليهود الدونمة نفوذ كبير وسيطرة عليه، منحاز بها إلى الغرب وهو غير راض عنها وغير قابل بها، وقد أصبحت تمثل حليفا استراتيجيا لليهود وتهديدا حقيقيا للعرب. ومازال يراد لهذا الأمر أن يستمر على هذه الحالة، في الوقت الذي استطاع فيه الشعب التركي المسلم استعادة هويته التركية الإسلامية الحقيقية، وتمكنت فيه الحركة الإسلامية في تركيا من الإرتقاء ديمقراطيا إلى سدة الحكم وتولي قيادة البلاد عن جدارة وفق برنامج إسلامي نحو الرفاه والتنمية الحقيقية، ولكن في إطار العلمانية الأتاتوركية الفاشية الفاسدة وخدمة لها.هذه العلمانية الفاسدة العاجزة التي لا تقبل بالإسلام وبالحركة الإسلامية إلا خادمين لها، ولتحسب نجاحاتهما لها وإخفاقاتهما عليهما. هذه الحكومة التي تقود البلاد إلى الخير ومزيد التفوق والنجاح ،هي التي مازالت قاعدتها الشعبية ومؤيدوها وناخبوها هم الأكثر تضررا .
وهكذا جعل العرب من المسلمين الذين كان ينبغي أن يكونوا رصيدهم البشري، وبعدهم وفضاءهم الإستراتيجي العسكري والسياسي والإقتصادي والثقافي والإجتماعي في جانب منهم عدوا، وكانوا لهم بذلك عونا على الإرتماء في أحضان الصهيونية، وان كانوا إسلاميا ليسوا معذورين في ذلك، وفي إبرام التحالفات الإستراتيجية معها، وفي جانب منهم محايد لا هم معهم ولا هم عليهم ،ولا هم مع العدو ولا هم عليه معهم، وكان ذلك أضعف الإيمان، وفي جانب ثالث منهم محتلا من طرف قوى دولية شرقية أو غربية، وتحظى بتأييدهم في ذلك وبصداقتهم وبتحالفهم معها ،مثلما هو الشأن في دول البلقان والقوقاز وفي بعض دول جنوب آسيا إلى الآن .
إن سر تفوق العدو الصهيوني اليهودي ليس دعم الغرب والولايات المتحدة له فقط ،
ولا امتلاكه لأضخم آلة حربية وأكثرها تطورا في المنطقة ،ولكن في الروح المعنوية العالية التي اكتسبوها من انتصاراتهم المتكررة والمتعددة على العرب، وفي تمسكهم بهويتهم اليهودية وبذاكرتهم التي انتهت بهم بعد الشتات إلى فلسطين التي اعتبروها أرضا بلا شعب والتي يجب أن تكون بذلك وطنا لشعب بلا أرض .والأهم من كل ذلك من هدم العرب والمسلمين لهويتهم وتنكرهم لها، و في فقدانهم لذاكرتهم والتفريط فيها ،وفي رصيدهم الإستراتيجي الحيوي الإسلامي روحيا وثقافيا ،وفي امتداداته جغرافيا واقتصاديا وسياسيا ،والإستفادة منه تقنيا وعلميا وعسكريا…
لماذا لم يتجه العرب هذه الوجهة؟:
إن الإجابة عن هذا السؤال أبسط من أن يطول التفكير فيها ،ذلك أن العرب باعتبار أنه يجب أن يكونوا القلب النابض للأمة الإسلامية لأنهم في الأصل صناعها من خلال آدائهم تبليغ أمانة الإسلام إلى الأمم والشعوب التي آمنت به والتأم شملها حوله، وهو الذي أصبحت به أمة واحدة لم يعد العرب إلا أحد مكوناتها، قد اعتبروا في وقت أصبحوا فيه في ما يشبه الردة أن القضية الفلسطينية هي قضيتهم وحدهم، وكأن هناك من منازع لهم من باقي مكونات الأمة عنها ،وهي التي في الأصل ـ وبعيدا عن احتكار العرب لها أو تنصل أنظمة الحكم في باقي أوطان شعوب الأمة الإسلامية من المسؤولية في اعتبارها قضيتهم، وأن احتكار العرب لها لا يسقط عنها واجب العمل على تحريرها ـ قضية إنسانية وإسلامية بالأساس. وهم الذين كانوا وإلى اليوم وفي المستوى الرسمي والعلماني والتقليدي لا يتوجهون ولا يختارون وجهتهم، ولكن يوجهون وتختار لهم وجهتهم. وقد تمت بهم عناية خاصة، وتم توجيههم منذ وقت مبكر إلى الوجهة التي أفرزت وعد بلفور المشؤوم سنة 1917، وهي الوجهة التي قبلوا بها باحتلال بريطانيا مقاسمة مع فرنسا للمنطقة كلها، وجعل فلسطين تحت الإنتداب البريطاني، والتي انتهت إلى توفير كل الظروف المناسبة لإغارة العصابات الصهيونية اليهودية عليها، وتسليم بريطانيا الدولة الصديقة لقائد « الثورة العربية الكبرى »الشريف حسين إياها إليها ،وإلى قيام ما يسمى دولة إسرائيل على أرض الإسراء والمعراج سنة 1948، وانتهاء العرب الذين كانوا يعيشون تخبطا وضياعا لا مثيل له ولا يلوون فيه على طائل بالقبول بقرار التقسيم بعد رفض له والذي كان أول خطوة اعتراف بشرعية الكيان الصهيوني على أرض عربية إسلامية لا حق له فيها من قريب ولا من بعيد.
من هنا يكون الحديث عن ذاكرة الإنسان من حيث هو فرد وشعوب وأمم.
فعن أي ذاكرة يمكن أن نتحدث لدى من يتخذ من العدو صديقا ،ولدى من يتخذ من الصديق عدوا، ولدى من تختار له وجهته ولا يختارها مهما كانت سرعة نسق الأحداث، ومهما كانت التراكمات، ومهما كانت الإلتباسات والتداعيات…؟
إن مثل هذه التصرفات والسلوكيات، ومثل هذه التوجهات و العلاقات، لا تمكن إلا من القول أن هذه الأمة، وفي جانب منها كبير على الأقل، قد أصبحت فاقدة للذاكرة حقيقة. لأن صاحب الذاكرة يستطيع أن يعلم دائما وفي أشد الأوقات حرجا وضيقا ما يصدره من أقوال في الوقت المناسب، وما يقوم به من أفعال في الوقت المناسب، وما يقيمه من علاقات وما ينهيه منها، وما يثبته وما ينهيه من قول وفعل وفق رؤية واضحة، واستنادا إلى مرجعية أصيلة متأصلة معلومة، دون الإعتقاد في ملك الحقيقة كاملة أو انتحال العصمة، وهو بين الإصابة والوقوع في الخطإ يكون أقرب إلى الرشد وأبعد ما يكون عن الإنحراف والضلال.
فبالرغم من أن الذاكرة الإسلامية كانت هي الحاضرة في ذلك الوقت أو الأكثر حضورا على الأقل في قضايا الأمة وفي كيفية معالجتها، في ظل حركة إصلاح كانت حاضرة ،ويعمل رجالاتها وروادها على تدارك ما يمكن تداركه، وإصلاح ما يمكن إصلاحه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه على أساس تلك الذاكرة، وعلى أساس الهوية الصحيحة الصادقة، والخصائص والثوابت التي لا احترام لأمة مثل أمتنا بدونها، بل قد لا يكون لها وجود بدون ذلك أصلا.،وقد كان ذلك قبل أن يكون التغريب قد أفسد على الناس في شعوب الأمة عن طريق الحضور الإستعماري المباشر وعن طريق وكلائه والمفتونين به من النخبة المتغربة عقولهم ومزاجهم وعلاقاتهم. وقبل أن يتمكن بالقدر الذي أصبح عليه بعد ذلك، خاصة في عهد نظام الدولة العلمانية الحديثة المزيفة وبرامجها وثقافتها، فإن الذي وقع كان خطيرا،وليكون بذلك المنعرج الخطير الثاني في تاريخ الأمة بعد الإنقلاب الأموي في وقت مبكر من التاريخ الإسلامي، والذي مازالت الأمة تعاني من تأثيراته وتداعياته السلبية المدمرة إلى الآن، وهما المنعرجان الأخطر على الإطلاق من المنعرجات والأخطاء والمفاسد الكثيرة التي أفسدت على الأمة استمرار خطها الحضاري الإنساني المتميز. وما كان ذلك ليكون كذلك، وما كان هذا المنعرج الخطير الثاني ليكون لولا طمع قيادة بطانة الحركة القومية آنذاك في التتويج ملوكا على الأمة بدءا من الشريف حسين ومرورا بعبد العزيز آل سعود وانتهاء بالملك فؤاد ملك مصر بعد سقوط الخلافة نهائيا وشعور منصب الخليفة بالكامل.
إن مثل هذا الطموح وهذا الطمع القاتل هما اللذان جاءا بنتائج مخالفة لما كان يجب أن تكون عليه النتائج، وخلافا لما كانت تدعوا إليه وتعمل عليه حركة الإصلاح والنهضة.وهي نفس الأسباب التي أنهت استمرار نظام ونهج الخلافة الراشدة من قبل، وبفعل عربي دائما. وهي نفس الأسباب التي تم التفريط بها في الأندلس. وهي نفس الأسباب التي حالت دون تحقيق الوحدة العربية المزعومة الموهومة ومن أهمها كذلك.
وليس ما كانت وما مازالت تعيشه الأمة كلها وخاصة الأمة العربية من تيه وضياع شبه كامل في توجهاتها واختياراتها الإستراتيجية الثقافية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والعلمية والتقنية والمعرفية عموما إلا حال من كان فاقدا لذاكرته فعلا.ولكم كان السيد حسنين هيكل الذي كان من رموز أكبر أصحاب أقلام الهزيمة في عصر ما يسمى بالثورة بأرض الكنانة مصيبا في الإجابة عن سبب وسر نجاح وتقدم وصعود حركة الإخوان المسلمين في الإنتخابات التشريعية التي تم تنظيمها في أواخر سنة 2005 ،وخسارة وسقوط وتأخر غيرها من الأحزاب والحركات والتنظيمات العلمانية اللائكية اليسارية منها واليمينية التي كانت تحضى بدعم وتأييد ومساندة خارجية ،على شاشة قناة الجزيرة في برنامج « مع هيكل « »تجربة حياة »بأن ذلك كان راجعا لمحافظة الحركة على ذاكرتها. ولعل هيكل نسي أو تناسى أو جهل أو تجاهل أو أدرك أو لم يدرك أن تلك الذاكرة ليست ذاكرة الإخوان المسلمين فقط، ولكنها ذاكرة الأمة كلها. وهو الذي أبدى إصرارا من خلال البرنامج على أنه سيظل محافظا على فقدانه المتعمد لهذه الذاكرة. ولعله لم يدرك أن سر وسبب خسارة غيرها من الرموز والتنظيمات ليس فقدانها لذاكرتها، ولكن إصرارها على محافظتها على ذاكرتها الخاصة بها كرموز ونخب متغربة، وليس فقدانها الذاكرة العربية الإسلامية التي هي ذاكرة الشعب كله والأمة كلها ،والتي لم تكتسبها حتى تكون قد أضاعتها، ولم يكن لها أي اعتبار لها عندها، بل وحرصت على إلغائها وعملت على هدمها ،وقبلت بدلا منها بثقافة الغرب اليهودية المسيحية بخلفيتها الصليبية الصهيونية العنصرية الإستعمارية لإعتبارات كثيرة ،وبتعلات وتبريرات وذرائع وخلفيات وغايات وأهداف مختلفة لا يسمح المجال بالوقوف عندها في هذا المقال .
بقلم: علي شرطاني
قفصة
تونس
حريّة الإعلام:
كيف نحسن توظيف المبادرات ؟
يعاد في مثل هذه الفترة من كلّ سنة السؤال الحارق والمرتبط دائما بالحدث من الناحية الصحفيّة عن »حريّة الإعلام بين الخطاب والممارسة » خاصّة في ظلّ التحدّيات الوطنيّة والخارجيّة وانفجار المشهد الاتّصالي في ظلّ الفضاء المفتوح.
على مستوى الخطاب لا ننكر أنّه ثمّة حرص رئاسي ما انفكّ يتدعّم، لا من خلال الإجراءات والقرارات فقط بل كذلك من خلال الحوافز الماديّة والمبادرات العمليّة. ومنذ أن بعثت وزارة الاتّصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين تتالت اللقاءات وفتحت عدّة ملفّات. هذه الملفّات تفتح في الحين وقد يستوجب فضّها أشهرا لكن الأهمّ أنّ الوعي بضرورة حلّها مفروغ منه ومنها ما يتعلّق بمسائل تشريعيّة مثل قانون الصحافة وإلغاء الإيداع القانوني إضافة إلى توفير وسائل العمل الضروريّة للصحفيين ومحاولة الارتقاء بأوضاعهم الماديّة والمهنيّة. ورغم الاختلاف في التقييم فإنّ الإعلام عندنا سواء تعلّق بالمكتوب منه أو المرئي والمسموع قد حقق عدّة خطوات صحيح أنّها لا تكفي، لكنّها تدّل على مؤشّرات انفتاح تدريجي يعكسه الخوض في عدّة مسائل حارقة وجارحة للمسؤول والمواطن.
هذا »التنوّع في المشهد والثراء في المضمون » يعكس رغبة لا سياسيّة فقط في أعلى مستوى وضمن هياكل سلطة الإشراف بل لدى الصحفيين ومديري المؤسسات الإعلاميّة للنهوض بالقطاع وكسر حالة الجمود التي قد يلومنا عليها الآخر »المفتّحة عيونه على كلّ ما يكتب وينشر ويبثّ إذ لا يمكن أن تقدّم انتاجا إعلاميّا لجمهور الداخل فقط وهذا الجمهور أصبح منفتحا أكثر من ذي قبل على وسائل الإعلام الفضائيّة والالكترونيّة. وإنّ ما يزيد العائلة الصحفيّة الموسّعة إيمانا بالمستقبل في كنف الأمل وتفعيل المبادرات هو هذا الحرص الرئاسي على استمرار دعم الإعلام الوطني حتّى يكون أكثر قدرة على ترجمة ما يشهده مجتمعنا من تحوّلات عميقة على درب الديمقراطيّة والتحديث مع استمرار دعم حريّة الصحافة.
لكن هذا الاستمرار في الدعم يقتضي مزيد التفاعل الإيجابي من قبل الإعلاميين أوّلا من صحفيين ومديري مؤسسات وكافة المتدخّلين في الشأن الصحفي ومصادر الخبر إضافة إلى التعويل على خروج المثقفين من الاستقالة واللامبالاة وأن ندعم روح الاختلاف عندهم. بهذا يمكن أن نأمل في انطلاقة أخرى للإعلام عندنا.
حقائق
(المصدر: القسم العربي لمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1063 بتاريخ 11 ماي 2006)
واقع الحريات الصحفية في تونس :
مبادرات جديّة لا تغفل نقائص الأوضاع الماديّة والمهنيّة
ناجح مبارك
كان تقرير واقع الحرّيات الصحفيّة في تونس في نسخته الخامسة أوّل نشاط يقوم به الصحفيّون في مقرّهم الجديد بشارع الولايات المتّحدة الأمريكيّة ذلك المقرّ المهيّء للاستغلال وتعدد الأنشطة بما يتلاءم وحجم جمعيّة الصحفيين التونسيين. واحتوى هذا التقرير المتوازن على عدّة إضافات هامّة، وحاول الصحفيّون تشريح واقع الممارسة الإعلاميّة عن قرب وتطرّقوا إلى عدّة جوانب منها الجانب السياسي ثمّ التشريعي وأفردوا فصلا للأوضاع الماديّة والمهنيّة التي بدأت تتحسّن لكنّها دون المأمول إلى جانب المفاوضات الاجتماعيّة والصحافة المكتوبة والقطاع السمعي البصري ومجمل الانتهاكات وختموا التقرير بالحديث عن أخلاقيّات المهنة الصحفيّة.
هذا التقرير الذي أعدّته لجنة الحريّات التابعة لجمعيّة الصحفيين التونسيين لم يخل من بعض الهنات واللغة الخشبيّة كأن تقول المقدّمة إنّ الإعلام صار اليوم معيارا أساسيّا لتقييم مدى تقدّم الأمم وتطوّرها ومدى تجذّرها في قيم الحريّة والعدالة والديمقراطيّة… وهذا من المسلّمات…
نصّ قانوني
هذا التقرير الخامس تزامن مع صدور النصّ الكامل للقانون الأساسي للجمعيّة في الرائد الرسمي للجمهوريّة التونسيّة وذلك بعد أن تمّ تنقيح عدد من فصوله وباتت من مهامه :
– جمع شمل الصفحيين.
– الدفاع عن حقوق الصحفيين خاصّة حمايتهم من كلّ التجاوزات للقانون والضغوط التي يتعرّضون لها في ممارستهم لمهنتهم.
– صيانة المهنة الصحفيّة وضمان احترام ميثاق شرفها.
– السهر على النهوض بمكانة الصحفي.
– الدفاع عن حريّة الرأي والتعبير وخاصّة حريّة الإعلام والصحافة.
– إبرام الاتّفاقيّات باسم الصحفيين.
المطالبة باتّحاد للصحفيين
وجاء في التقرير أنّ بعث اتّحاد الصحفيين التونسيين الشاغل الأساسي للجمعيّة وهدفها الاستراتيجي الذي يعمل على تحقيقه تجسيدا لنضالات أجيال من الصحفيين آمنوا بهذا المشروع باعتباره وحده القادر على ضمان نقلة نوعيّة في واقعهم المهني والمادي والارتقاء بالمشهد الإعلامي وجعله حرّا وتعدديّا ويعكس تنوّع المجتمع التونسي وثراءه بما يليق بعراقة بلادنا وتجذّرها الحضاري ويستجيب لمطامح نخبها. وكان هذا المطمح من مطالب الجمعيّة في جلساتها العامّة ونادى الصحفيّون أكثر من مرّة بضرورة التعجيل ببعثه.
معالجة الملفّات
شهدت السنة المنقضية عديد المستجدّات على الأصعدة السياسيّة والاجتماعيّة والإعلاميّة حيث سجّل التقرير الخامس :
– إنّ استحداث وزارة الاتّصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين مكّن جمعيّة الصحفيين التونسيين من مخاطب رسمي من شأنه أن يساهم في التقدّم في معالجة العديد من الملفّات الإعلاميّة. ويلتقي هذا الاستحداث مع سعي الجمعيّة إلى الارتقاء بواقع الإعلام وتأكيد قدرة الصحفيين التونسيين على الاضطلاع بمسؤوليّاتهم وترسيخ صحافة وطنيّة تليق ببلادنا وتخدم قضايانا وتحترم حقّ شعبنا في إعلام حرّ وتعددي يعكس ما يعتمل في مجتمعنا من حراك اجتماعي وسياسي وثقافي.
– تطوير تركيبة المجلس الأعلى للاتّصال نحو التعدديّة ليضمّ ممثّلين عن أحزاب معارضة ومنظّمات وطنيّة ومنها جمعيّة الصحفيين التونسيين التي تمثّل لأوّل مرّة بصفتها تلك.
– انطلاق أعمال مجلس المستشارين الذي يؤسس لإثراء المشهد التشريعي وتطوير المراقبة على السلطة التنفيذيّة.
– تعزيز المشهد السياسي بإعطاء تأشيرة لحزب جديد هو حزب الخضر للتقدّم وإنّ حزبا آخر يحمل نفس البرنامج مازال يطالب بحقّه في الحصول على تأشيرة، وفي كلّ الحالات فهذا المنحى يترجم حراك الوعي السياسي في المجتمع التونسي.
– إطلاق سراح عدد من المساجين من ضمنهم محاكمون في قضايا على علاقة باستعمال الانترنيت.
– مرّت جمعيّة القضاة التونسيين هذه السنة بأزمة أثارت عديد الخلافات حول استقلاليّة هذه الجمعيّة.
رابطة حقوق الإنسان
وفي خصوص الوضع الرابطي تأمل جمعيّة الصحفيين التونسيين في أن يتمّ تجاوز الأزمة في أقرب وقت ممكن لكون هذه المنظّمة العريقة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان مكسب لكلّ التونسيين. ورأت جمعيّة الصحفيين التونسيين بناء على قراءتها للأحداث السياسيّة أنّ الحراك السياسي في بلادنا بما فيه من تراشح للأفكار والأراء لمختلف الأطراف والاختلاف هو علامة صحّة وعامل إثراء لمزيد دفع ثقافة الديمقراطيّة والتعددية.
مهام وزارة الاتّصال
وتطرّق التقرير إلى إحداث وزارة الاتّصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين وأكّد أنّ واقع ممارسة المهام الإعلاميّة في تونس يحتاج لوجود هيكل يساعد على تلبية حاجاته واحتياجاته خاصّة أنّ هذا الهيكل الوزاري يهدف إلى : – تطوير قطاع الاتّصال بما يدعم ويرسّخ الثقافة الديمقراطيّة وقيم التضامن والتسامح. – دعم الصلة بين وسائل الاتّصال ومصادر الخبر. – مواكبة شؤون العاملين في القطاع. – وضع برامج التكوين المستمرّ للمهتمين. – تشجيع البحوث والدراسات لمواكبة التقنيات الحديثة.
الإيداع القانوني
في خصوص المجال التشريعي توقف الصحفيّون في تقريرهم عند تنقيح 9 جانفي 2006 الذي نصّ على إضافة فقرة الإيداع القانوني للنشريّات الصحفيّة ذات الصبغة الاخباريّة وأضحت الصحف اليوميّة الدوريّة والمجلات الصحفيّة الدوريّة لا تخضع له. واعتبر التقرير أنّ في ذلك تمشّيا لرفع الحواجز أمام تداول الصحف ودعوتها لتعميمه حتّى يشمل الكتب إلاّ أنّه يبقي من المتأكّد اتّخاذ كلّ الإجراءات التي تكفل الحفاظ على الذاكرة الوطنيّة. تفاؤل بخصوص المفاوضات واهتمّ التقرير بالمفاوضات الاجتماعيّة ومدى استفادة الصحفيين الماديّة والمعنويّة على امتداد السنوات القادمة ولم تقتصر المفاوضات على الزيادة في الأجور فقط بل اهتمّت بالمسائل الترتيبيّة والماليّة والمناخ الإيجابي الذي ساد المفاوضات والتفهّم النسبي لمطالب الصحفيين. ومن هذه المسائل التي تمّ الاتّفاق عليها التزام المؤجّر في الفصل السابع بانتداب خمسين بالمائة على الأقلّ من حاملي شهادة معهد الصحافة وعلوم الاخبار هذا إلى جانب عدّة امتيازات تخصّ التدرّج والترقية لكن هل ستنفّذ تلك الاتفاقات ؟
عشوائيّة ورتابة
يكتسي القطاع السمعي البصري أهميّة بالغة في المشهد الإعلامي حسب التقرير الخامس لواقع الحريّات الصحفيّة. فإلى جانب تأثير القنوات التلفزيّة والمحطّات الإذاعيّة ويسر الوصول إليها من قبل فإنّ هذا القطاع بمكوناته العموميّة والخاصّة، يوفّر مواطن شغل لعدد هام من الصحفيين (حوالي ثلث الصحفيين المحترفين). وقد تواصل فتح القطاع السمعي البصري في تونس خلال الفترة التي يغطيها التقرير أمام المبادرات الخاصّة حيث انطلق يوم 25 جويلية 2005 بثّ إذاعة ثانية ذات طابع جهوي هي إذاعة »الجوهرة » في ولاية سوسة ويمتدّ إرسالها على مدار 19 ساعة يوميّا وتغطّي ست ولايات هي نابل وسوسة والقيروان والمهديّة والمنستير وزغوان. وحصلت الفضائيّة الخاصّة »حنبعل » على امتياز البثّ الأرضي الأمر الذي يتيح لها إمكانيّة توسيع دائرة مشاهديها في تونس. أمّا في ما يتعلّق بالقطاع العمومي، فقد جاء إعلان رئيس الدولة عن بعث إذاعة ثقافيّة وفتح استشارة واسعة حولها في أوساط الإعلاميين والمثقفين ليؤكّد من جديد الرغبة في توسيع المشهد الإعلامي عموما ودعم الصحافة المتخصصة. وإنّ المتتبع لمسيرة الإعلام السمعي البصري منذ 3 ماي 2005 يسجّل ما يلي – رغم بعض المحاولات، لم تشهد قناة تونس 7 تغييرات جذريّة نحو الأفضل وتأمل جمعيّة الصحفيين التونسيين أن تؤدّي المجهودات التي تبذلها حاليّا سلطة الإشراف إلى الارتقاء بأداء مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسيّة من أجل إعلام عصري ومهني. كما تأمل الجمعيّة أن تساهم في إعادة هيكلة المؤسسة في الوصول إلى هذه الأهداف. ولاحظ التقرير عشوائيّة البرامج التلفزيّة على قناة تونس 7 ورتابتها.
مثقلون بقروض
اعتمدت جمعيّة الصحفيين التونسيين في إعداد هذا القسم من التقرير على استطلاع رأي عدد كبير من الزميلات والزملاء، وعلى النتائج المحيّنة للاستبيان الذي أنجزته العام الماضي وشمل عيّنة تضمّ 170 صحفيّة وصحفيّا. ويكشف الاستبيان الذي أنجزته جمعيّة الصحفيين التونسيين أنّ 56% من الصحفيين الذين شملهم المسح مثقلون بقروض وأنّ 62% من هذه القروض هي قروض مباشرة، الغرض منها تجاوز العجز المادي الشهري. ويكشف الاستبيان أيضا أنّ نسبة كبيرة من الصحفيين يضطرّون إلى طلب تسبقة على الأجر سواء في المؤسسات التي يشتغلون بها أو من البنوك حيث تصرف أجورهم. ومن الأسباب الرئيسيّة لتردّي الأوضاع الماديّة للصحفيين عدم تطبيق أغلب المؤسسات الإعلاميّة وخصوصا الخاصّة للاتفاقيّة المشتركة للصحافة المكتوبة وعدم تطابق الزيادات المنتظمة في الأجور التي تحددها المفاوضات الاجتماعيّة مع النسق المتسارع لارتفاع الأسعار. ويكشف الاستبيان في بيان الانتدابات مثلا أنّ 48.5% من الصحفيين الذين شملهم المسح يعملون منذ 6 سنوات بعقود محددة المدّة دون أن يقع ترسيمهم، خلافا لما تقتضيه الاتفاقيّة المشتركة.
أجور متدنية
وفي باب الأجور فإنّ كلّ مؤسسات الصحافة المكتوبة خاصّة في القطاع الخاص لا تطبّق جدول الأجور القانوني، ولا تلتزم بقانون التدرّج والترقيات. وفي ما يتعلّق بالتغطية الاجتماعيّة يكشف الاستبيان أنّ 16% من الصحفيين الذين شملهم المسح لا يتمتعون بهذا الحقّ وخصوصا الصحفيّون المتعاونون المحرومون منها بشكل كامل. أمّا التأمين الجماعي فهو لا يتجاوز في أغلب المؤسسات الإعلاميّة 59 % كمعدّل في حين يصل في بعض القطاعات الأخرى إلى نسبة 100 %. ويشتكي الصحفيّون المصوّرون في بعض المؤسسات من قدم التجهيزات التي يعملون بها كآلات التصوير وتقنيات استخراج الصور. ومثل هذه الأمور تعود بدرجة أولى إلى النقص في عدد الصحفيين العاملين في مثل هذه المؤسسات والذي من شأنه أن يؤثّر على أداء الصحفي وعلى الجانب الإبداعي في مقالاته. ولا تراعي أغلب مؤسسات الصحافة المكتوبة الخطط المهنيّة للصحفيين مع عدم توفّر الإمكانات المناسبة للتأطير.
الأوضاع في التلفزة
وفي مؤسسة الإذاعة والتلفزة تمّ تخفيض أجر الصحفيين المتعاونين لمدّة شهرين من 300د إلى 180د بتعلّة الضغط على المصاريف، بالإضافة إلى عدم تمتّعهم بالتأمين الجماعي على المرض في حالة إصابتهم أثناء أداء واجبهم المهني. وتؤكّد شهادة من مؤسسة الإذاعة والتلفزة التونسيّة أنّ صحفيّة مصحوبة بفريق تقني تعرّضت لحادث مرور أثناء أداء واجبها المهني ولكن المؤسسة لم تتدخّل حتّى لصرف معاليم علاجها وهو ما اضطرّ تعاونيّة المؤسسة للتدخّل من أجل إخراجها من المستشفى. وتدعو جمعيّة الصحفيين التونسيين إلى الإسراع بتسوية وضعيّات الزملاء في مؤسسة الإذاعة والتلفزة وخاصّة الحالات المتأكّدة لـ34 زميلا.
56% من عدم الرضى
وعموما يعرب 56% من الصحفيين الذين شملهم استبيان الجمعيّة عن عدم رضاهم عن الظروف التي يعملون فيها. وتوصي جمعيّة الصحافيين التونسيين في ظلّ هذه الأوضاع الماديّة والمهنيّة بما يلي: – فرض تطبيق الاتفاقيّة المشتركة للصحافة الكتوبة. – إبرام اتفاقيّة داخليّة في المؤسسات الإعلاميّة تحدد مقاييس الانتاج. – تأهيل إدارة المؤسسات الإعلاميّة. – تأهيل مقرّرات بعض المؤسسات الإعلاميّة. إنّ تردّي الأوضاع الماديّة للصحفيين له أثر سلبي على أدائهم خاصّة أنّ القطاع حساس وفيه مغريات عدّة تنزلق بالبعض في متاهات تضرب مصداقيّته وتنحرف برسالته الشريفة والنبيلة. هذا جزء مما احتواه التقرير الخامس فكيف سيكون التقرير السادس ؟
(المصدر: القسم العربي لمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1063 بتاريخ 11 ماي 2006)
حريّة الصحافة، تلك الضالة المنشودة المفقودة الموجودة
بقلم: محمد بن صالح
عندما اقترح عليّ الزميل رئيس التحرير المشاركة في هذا الملفّ بمساهمة عن حريّة الصحافة قفزت إلى ذاكرتي تلك المشاهد الصاخبة من الندوة الأولى التي نظّمتها الأمم المتّحدة واليونسكو من 29 أفريل إلى 3 ماي 1991 في مدينة ويندهوك عاصمة ناميبيا حول »كيفيّة تنمية صحافة إفريقيّة مستقلّة وتعدديّة ». وقد صدر عن هذا اللقاء »إعلان ويندهوك » الشهير حاملا تاريخ 3 ماي الذي جعلت منه الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة منذ سنة 1993 »اليوم العالمي لحريّة الصحافة » وتمّ الاحتفال به لأوّل مرّة على شكله المعروف سنة .1994
وقد طغت على لقاء ويندهوك لهفة الصحافيين وتعطّشهم إلى الحريّة ورغبتهم في ممارستها بكثير من الاندفاع مما جعل الفوضى تسود أحيانا أعمال الندوة حيث رفض العديد من المشاركين حتّى البرنامج المقترح من قبل المنظّمين، باسم »حريّة القرار » وكاد ذلك يؤدّي إلى فقدان أرضيّة عمل مشتركة، ولولا حكمة البعض من الحاضرين خاصّة على مستوى لجنة الصياغة لما أمكن الاتّفاق على إعلان ويندهوك وإصداره. وعاشت نفس الأجواء الحامية الندوات المماثلة التي عقدتها الأمم المتّحدة واليونسكو بكلّ من آسيا (ألماتا-كازاكستان) من 5 إلى 9 أكتوبر 1992، وأمريكا (سانتياغو-الشيلي) من 2 إلى 6 ماي 1994، والمنطقة العربيّة (صنعاء-اليمن) من 7 إلى 11 جانفي 1996 وأوروبا (صوفيا-بلغاريا) من 10 إلى 13 سبتمبر 1997 (*) والسؤال الأوّل الذي يمكن طرحه اليوم بعد 15 سنة من »ويندهوك » وبعد بقيّة الندوات هو كيف نمارس حريّتنا ؟ هل بالعنف والتسرّع الفوضوي الذي لا يمكن أن يؤدّي إلاّ إلى التشتت والتراجع أم بالتمشّي الرصين الذي يقي العثرات والنكسات ويضمن التقدّم المستمرّ ولو بخطى وئيدة لكنّها ثابتة ؟
والسؤال الثاني هو هل أنّ الصحافة اليوم عبر إفريقيا والعالم أفضل وأكثر حريّة واستقلاليّة وتعدديّة ؟ ولئن تصعب الإجابة عن هذا السؤال الأخير بصورة قاطعة فإنّ ما هو أكيد هو أنّ حروب الخليج واحتلال العراق مزّقت تلك الغلالة الجميلة التي كانت تستر الإعلام الغربي وتجعله قدوتنا في مجال الحرّيات وأخلاقيّات المهنة بعد أن قبل البعض منها تغطية الحرب وراء الجيش الأمريكي وتحت رقابته وسكت البعض الآخر عن ذلك واستعمل دون نقاش المواد الإعلاميّة المقدّمة له بهذه الطريقة.
وأكملت الصورة أحداث 11 سبتمبر التي اغتنمتها السلطة الأمريكيّة لسنّ قوانين سالبة للحريّات الأساسيّة بإباحتها قانونيّا التجسس عند الحاجة على الصحافيين وعموم المواطنين عبر إمكانيّة مراقبة مكالماتهم الهاتفيّة ومراسلاتهم البريديّة والإلكترونيّة وحتّى تفتيش وسائل نقلهم ومحلات سكناهم. وتقبع اليوم صحافيّة أمريكيّة في السجن من جرّاء تلك القوانين. كما تفرض الولايات المتحدة سيطرتها على الانترنات وترفض أن تشاركها أيّة دولة أو هيئة في تسييرها محتكرة بذلك حقّ التوجيه والتحكّم في أكبر وسيلة اتّصال وإعلام واستعلام عبر العالم. وتنسج العديد من الدول الأوروبيّة أيضا على هذا المنوال بسنّ العديد من القوانين التي تحدّ من الحرّيات سواء بالنسبة لمجموع مواطنيها أو لجزء منهم مثل المهاجرين، وكذلك بتوجيه الحملات الإعلاميّة ضدّ هذا البلد أو ذاك. وتظهر هذه الحملات وتختفي مثلما هو الشأن بالنسبة للصين وكوريا الشماليّة وكوبا وسوريا وإيران حسبما تقتضيه المصالح الغربيّة. ولا تكتفي البلدان الغربيّة بتأطير الإعلام بل هي تجنّد أيضا ترسانات الانتاج السينمائي والتلفزي للدعاية الظاهرة والضمنيّة للمفاهيم والتوجّهات التي تريد نشرها سواء في مجتمعاتها أو عبر العالم. وأنجع أداة لذلك اليوم الفضائيّات والأنترنات.
وفي هذا الخضمّ المتلاطم أمواجه بأكثر عتاوة يوما بعد يوم بفعل العولمة، تتحسس تونس منذ بضع سنوات، بسلاسة، طريقها نحو استكمال بنائها الديمقراطي وإقامة إعلام حرّ تعددي. ولتحقيق ذلك انتهجت تونس السير المتأنّي الذي يتجاوب مع المجتمع الوفاقي القائم فيها والمبني على أساس الشراكة الإيجابيّة بين الدولة وأهمّ مكوّنات المجتمع من أحزاب ومنظّمات وجمعيّات وغيرها. وتبعا لهذا فلا مجال لممارسة الحريات وفي مقدّمتها حريّة الصحافة بصورة صداميّة وإنّما في إطار منظّم يراعي خصوصيّات كلّ طرف وواقعه وآراءه ومواقفه ويمكّنه من ممارسة حريّته في التعبير مع مراعاة حريّات بقيّة الأطراف ودون المسّ بها. ولئن كانت هذه هي السبيل الأسلم لتونس فإنّها لم تفهم أحيانا على حقيقتها ولم تدرك أبعادها العميقة من قبل بعض المنظّمات سواء في الداخل أو الخارج فوجّهت لها النقد اللاذع. وفي الآن نفسه فهمت أطراف أخرى، لا تريد نجاح النموذج التونسي، خطر هذا التمشّي الحكيم على مخططاتها فقاومته بضرواة. ورغم سلامة التمشّي فإنّ هناك شبه إجماع على وجود نقائص وهنات في الإعلام التونسي سواء على مستوى المضمون أو الآداء. ويحرص رئيس الدولة في مناسبات عديدة، منها يوم 3 ماي من كلّ سنة، على الدعوة إلى تطوير الإعلام وجعله متجاوبا مع تطلّعات الرأي العام. ولا يكتفي بذلك بل هو يتّخذ التدابير ويوفّر التشجيعات سواء للصحافيين أو للمؤسسات الإعلاميّة حتّى تعمل على ذلك. وبمناسبة اليوم العالمي لحريّة الصحافة تقوم جمعيّة الصحافيين التونسيين منذ سنة 2002 بإصدار تقرير سنوي تقييمي لأوضاع الحرّيات الصحفيّة تبرز فيه القضايا المطروحة والإخلالات وتقترح العديد من التوصيات لمزيد النهوض بالمهنة الصحفيّة ودعم الحريات. ويعيش الإعلام التونسي انتعاشة ملحوظة سجّلت على مستوى القنوات التلفزيّة والإذاعيّة منذ فتح المجال السمعي البصري إلى المبادرات الخاصّة. كما انفتحت بعض الصحف على عديد الملفّات وأصبحت تتناولها بجرأة وبروح نقديّة تبعث على التفاؤل. وإنّ كلّ الظروف اليوم مواتية لتجذير هذا المسار وتعميقه وجعله سلوكا عاديّا يدفع بالصحافة التونسيّة إلى طرق جميع القضايا وطرح كلّ الإشكالات وفتح منابر الحوار بحريّة وحرفيّة.
فالدولة اليوم قويّة ومؤسساتها عتيدة، والمنظومة السياسيّة متكاملة، والمنظمات الوطنيّة متماسكة والجمعيّات متفاعلة، والمجتمع في تقدّم متواصل. والإعلام الذي يحظى بعناية مباشرة على مستوى أعلى هرم السلطة قد أصبح يتمتّع بخدمات وزارة لها إمكانات شاملة ومجلس أعلى للاتّصال له تركيبة تعدديّة ومشمولات واسعة، إضافة إلى الدور الذي يؤمّنه لفائدة القطاع معهد الصحافة ومركز تدريب الصحافيين. فوجود هذه المنظومة وبعث اتّحاد للصحافيين يكون أفضل إطار لانفتاح أرحب وحريّة أكمل وإعلام أفضل. لذلك فإنّ بالإمكان اليوم إفساح المجال أمام المبادرات الراغبة في إحداث محطّات إذاعيّة أو تلفزيونيّة وأجهزة إعلام الكترونيّة على أساس القانون وميثاق شرف المهنة وكراريس شروط تحدد التعهّدات والالتزامات وتحرص على أخلاقيّات المهنة وتفرض تسيير وممارسة الانتاج الإعلامي من قبل أهل المهنة. ولضمان العدالة بين هذه المؤسسات يتعيّن إحداث هيئة وطنيّة عليا للقطاع السمعي البصري أو إسناد المشمولات التي يمكن أن ترجع إليها إلى المجلس الأعلى للاتّصال. ويبقى تقدّم الصحافة المكتوبة وممارستها بحريّة رهين رفعة التأطير المهني والاعتماد على الصحافيين المحترفين والعمل الجماعي في صلب مجالس التحرير ورفع مكانة الصحافيين وحمايتهم من جميع الضغوط الماديّة والأدبيّة. وسواء تعلّق الأمر بالإعلام السمعي البصري أو الالكتروني أو المكتوب فإنّ دعم القطاع العام وجعله قاطرة التطوّر باستمرار أمر حيوي بالنسبة للبلاد ولهويتها حاضرا ومستقبلا. وعموما فإنّ حريّة الصحافة هي أكبر حافز للخلق والإبداع وإنّ فتح أبوابها في إطار احترام قواعد المهنة وأخلاقيّتها لخير دافع نحو ما ننشده للإعلام الوطني من تألّق داخليّا وخارجيّا. وإنّ تونس بفضل ما لديها من مقوّمات بشريّة وفكريّة وسياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة لقادرة على أن تصبح عاصمة إعلاميّة عالميّة قادرة على التفوّق في مسارها التنموي والإقتصادي والإشعاع بنموذجها الحضاري.
(*) شارك الزميل محمد بن صالح في ندوة ويندهوك (مساعد رئيس) وصنعاء (مساعد رئيس) وسانتياغو (ممثلا لإفريقيا).
(المصدر: القسم العربي لمجلة « حقائق » التونسية، العدد 1063 بتاريخ 11 ماي 2006)
في منبر حوار بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات (1 من 2)
فتح ملف التحوّلات النقابية 1976-1986
صالح الزعيدي: « عقد الرقي الاجتماعي الذي أمضاه الحبيب عاشور والوزير الأول الهادي نويرة هو عودة الى الوراء »
تونس-الصباح
على منبر مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات التي يديرها الدكتور والمؤرخ عبد الجليل التميمي جرى حوار ساخن حول التحولات النقابية بين 1976 و 1986وكشف السيدان صالح الزغيدي والجنيدي عبد الجواد عن حقائق كثيرة تتعلق بالحركة النقابية وملابساتها وحول علاقة إتحاد الشغل بالسلطة و تطالعون في هذا العدد ما قاله الأستاذ عبد الكريم العلاقي عند تقديمه للشخصيتين وشهادة صالح الزغيدي..
ونوافيكم في الحلقة القادمة بشهادة الجنيدي عبد الجواد والإضافات التي قدمها بعض المواكبين لمنتدى الذاكرة الوطنية على غرار هشام سكيك ومحمد شقرون والحبيب قيزة ولطفي الحمروني ومحمد بالحاج عمر وغيرهم .ولدى تقديمه للمناضلين صالح الزغيدي والجنيدي عبد الجواد بيّن الأستاذ عبد الكريم العلاقي أن الرجلين مازالا فاعلين على الساحة رغم تقاعدهما عن العمل.. وذكر أنه من الصعب الحديث عن أكثر من أربعين سنة من تاريخ نضالهما النقابي فهما جزء من بناء الدولة الحديثة وتساءل عن سبب انضمام الجنيدي عبد الجواد لليسار رغم أن والده كان شيخ الإسلام بالمهدية وأجاب ان ذلك ربما مرده ولادة عبد الجواد في قصيبة المديوني وهي منطقة السياسة ومعقل من معاقل الحركة الوطنية فيها عناصر من الحزب القديم والحزب الجديد والحزب الشيوعي..
أما صالح الزغيدي فقد أمضى 12 سنة في جبنيانة ولم يتأثر بالسياسة في صغره وحتى حينما انتقل للدراسة بالمعهد الثانوي بسوسة فإنه لم يكن مهتما بالشأن السياسي.. وفي بداية السبعينات وضع كل جهده في العمل النقابي.. وتساءل العلاقي عن مسيرة الزغيدي في العمل النقابي وعن موقفه من قادة اتحاد الشغل وخاصة من الحبيب عاشور وعن مفهومه للعمل النقابي؟؟ وعن التغيرات التي عرفها الاتحاد من حيث التركيبة والمطالب.
وذكر أن الجنيدي عبد الجواد وجد نفسه في نقابة «متسيسة» وهي نقابة التعليم العالي ولاحظ أن تونس خلال الستينات والسبعينات شهدت تغيرات في السياسة الاقتصادية والنقابية.. وأن الرجلين تشبثا بالقيم التي نادى بها بورقيبة وهي نشر التربية والتعليم والصحة وتحرير المرأة لكنهما كانا يطالبان بالمشاركة في الحياة العامة ويرفضان الإقصاء.
شيوعي ونقابي
في شهادته التاريخية بين الأستاذ صالح الزغيدي أنه انظم للحزب الشيوعي ولليسار التونسي وتأثر بفكر ماركس كثيرا ..وقال إنه رأى أن يقدم قراءة مختلفة حول الأزمة التي شهدها اتحاد الشغل في علاقته المتقلبة بالسلطة.. وذكر أن الشهادات التاريخية تمكن الجيل الحالي من التعرف على كثير من التفاصيل التاريخية لكن يجب أن يكون بينها وبين المؤرخ مسافة..
وخيّر الزغيدي أن يراوح في شهادته بين الحديث عن الحزب الشيوعي والحركة النقابية وبيّن أنه أمضى الكثير من الوقت في المطالعة والإطلاع على أدبيات الشيوعيين والمفكرين والنقابين وكان يرنو دائما إلى استقلالية النقابات عن السلطة وعن الأحزاب عموما..
وبين الزغيدي أنه حينما كان في اتحاد الطلبة ساهم في النضال من أجل تحرير هذا الاتحاد العريق من هيمنة الحزب الدستوري الجديد.. وبعد ذلك تم التفكير في تحرير الاتحاد من نظام الحزب الواحد وأصبح النضال في هذا المضمار أعمق وأشد وطأة..وكان الزغيدي عضوا في الحزب الشيوعي التونسي خلال الفترة الممتدة بين 1961 و1967 وهو عضو قديم ومسؤول في الاتحاد العام لطلبة تونس بباريس وتونس بين 1961و 1968وأطرد في شهر مارس 1968 من كل مؤسسات التعليم العالي بسبب أنشطته النقابية والسياسية وأعتقل أكثر من مرة خلال الفترة الممتدة بين 1966 و 1975وانظم إلى الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1972 وكان كاتبا عاما لجامعة البنوك.
وركز الأستاذ الزغيدي في كلمته التي قدمها باللغة الفرنسية على التزاماته النقابية في اتحاد الطلبة وذكر أنه عام 1973 تم إعداد مطوية من قبل حركة «آفاق» اليسارية وفيها قراءة مختلفة لما كان متداولا.. حيث أن النضال داخل الاتحاد، من أجل استقلالية الاتحاد عن الحزب والسلطة، لم يكن هو نفسه الذي تسعى إليه حركة «آفاق» اليسارية واليسار عموما.. وبين أنه تم إقصاء النقابيين..
وتحدث عن مرحلة أخرى عاشها وهي تتعلق بمرحلة إمضاء عقد الرقي الاجتماعي بين الحبيب عاشور والوزير الأول الهادي نويرة وذلك بتاريخ 19 جانفي 1977.. وبين أن اليسار اهتم بهذه المسالة واجتمع على إثر ذلك 600 نقابيا من مختلف جهات الجمهورية ورأوا أن هذا الاتفاق هو عودة إلى الوراء وفيه تراجع عن المكاسب التي حققها العمال والحركة النقابية.. ولم يكن من السهل على الحبيب عاشور أن يقتنع بهذا الأمر فتظلم للقضاء من الصحفي مراسل جريدة «لوموند» حول الخبر الذي نشره في هذا الشأن لأنه اعتقد أن ذلك يرمي لإثارة بلبلة في صفوف النقابيين وطلب عاشور من الصحفي أن يطلعه على مصدر الخبر لكن الصحفي رفض.. وبعد مدة عرف عاشور من كان وراء العملية وكان الزغيدي من بينهم.
نقابات البنوك
عن ظروف تأسيس النقابات في قطاع البنوك قال إنه منذ نهاية الاستعمار لم توجد نقابات في البنوك في تونس لذلك تم التفكير في تكوين نقابات في هذا القطاع خاصة وأن إتحاد الشغل لم تطأ أبدا أقدامه البنوك وتقرر تكوين نقابات في البنوك وعلى راسها البنك التونسي وحينما تم بعثها لم يفهم العاملون في البنك معنى وجود النقابات خاصة وأن الكثير من مديري البنوك كانوا من رجال السلطة ولهم طموحات سياسية وهو ما كان له أثره الكبير على الإطارات العاملين فيها..
وقال الزغيدي «كان من الصعب جدا علينا أن نكوّن نقابات في البنوك وأمضينا أربع أو خمس سنوات نحاول إرساءها.. وتم ذلك لكن بصعوبة ..وبعد ذلك حدث إضراب 26 جانفي وشاركنا فيه وكنا نخشى ألا ينجح الإضراب في القطاع البنكي لكن فوجئنا بنجاحه الباهر ..وكان تلك هي نقطة البداية في العمل النقابي بالقطاع البنكي.. ولاحظنا أن الإضراب العام شمل لأول مرة كل القطاعات.. ولا ننسى ما حصل قبل هذا الإضراب الذي لم يكن سببه يمت بصلة للأجور أو لظروف العمل لكنه كان إضرابا له صبغة سياسية فقد كان هدفه تحرير الاتحاد من التبعية للسلطة وكانت نتائجه مخيفة حيث انتهى بسقوط الكثير من الأموات في صفوف النقابين وحرمان آلاف الشغالين من مواطن عملهم وسجن الكثير منهم».
وأضاف «حينما دخلنا الاتحاد وجدنا ظروفا صعبة وقلنا إنه يجب أن نحافظ على مشروعية وجود الاتحاد ويجب أن نرد الفعل ولا ننتظر وأن ننظم القطاعات ونحافظ على استمرارية العلاقة مع الحركات النقابية الدولية وخاصة «السيزل» والنقابات الإيطالية وغيرها»..
وقال «إننا نحن الذين كنا ضد قيادة الحركة النقابية وكونّا حركة الـ 600نقابي وجدنا أنفسنا أمام مسؤولية بدت لنا في بداية الأمر صعبة نظرا لأنه لم تكن لنا مقرات نجتمع فيها ولا جريدة تعبر عما يدور بخلدنا ودامت هذه الوضعية سنة ونصف وكنا تحت المراقبة المشددة وأصبحنا لا نقوم بالاجتماعات في منازلنا وصرنا نذهب لمقبرة الجلاز ونلتقي هناك وقمنا ببعض الاجتماعات الأخرى في المساجد في نهج الجزيرة بعد الصلاة كما لو أننا نأتي للصلاة متأخرين ونقضي هناك نصف ساعة نطلع فيها بعضنا البعض على المستجدات ونوزع بعض الوثائق إن وجدت وكنا دائما تحت رقابة الأمن.. كما نظمنا اجتماعات في منازلنا»..
وأضاف «حينما كان الحبيب عاشور مبعدا في منزله كنا نلاحظ أن منزله كان مطوقا على الدوام بالشرطة وكان يصعب علينا الاتصال به وإبلاغه إرسالياتنا وذات مرة أقام عاشور حفلا لخطوبة ابنته وتم أمره بأن يحضر للشرطة قائمة فيها أسماء الأهالي الذين سيحضرون الحفل ليسهل على الأمن مراقبة الزوار.. واستغل إبراهيم جبارة هذا الحفل وارتدى ميدعة بيضاء وحمل في يده كعكة المرطبات ودخل لمنزل عاشور وتحدث معه عن التطورات التي تعيشها الحركة النقابية».
مؤتمر قفصة
تحدث الزغيدي عن مؤتمر قفصة الذي انتخب فيه الطيب البكوش أمينا عاما وتم التصويت على لائحة للمطالبة برفع الاستثناء على الحبيب عاشور لأن المؤتمر حصل على أساس تمكين كل القيادات التي حوكمت في سبتمبر 1969من حقوقها والعفو عنها ..لكن بورقيبة استعمل «حق الفيتو» وقال إنه قبل حق ترشح الجميع إلا الحبيب عاشور وحصلت بعد ذلك نقاشات ساخنة صلب اتحاد الشغل حول تدخل السلطة في شؤون الاتحاد وهناك من قاطع المؤتمر وبلغ عددهم نحو 430 نقابيا لأنهم رفضوا أن يقوم بورقيبة بتعيين المترشحين لانتخابات اتحاد الشغل..
وأضاف «رأينا أنه بعد ستة أشهر يجب أن يتم في المجلس الوطني رفع الاستثناء على عاشور لذلك يعد مؤتمر قفصة من أهم المؤتمرات المحددة بتاريخ الاتحاد.. وأذكر أنه خلال الأسبوع الذي تلا المؤتمر كتبت مقالا حول سبب مقاطعة المؤتمر ونشر هذا المقال في جريدة «المغرب» وقلت فيه إن سبب المقاطعة يتعلق بدكتاتورية بورقيبة»..
وتحدث الزغيدي عن المؤتمر السادس عشر ويرى انه على غاية من الأهمية.. كما أن مؤتمر ديسمبر 1984 على حد تعبيره هام جدا لأنه تم خلاله تحديد قائمة الاتحاد.. ولأول مرة تم تقديم قائمة ثانية في الاتحاد وفيها الجنيدي عبد الجواد وصالح الخريجي والطاهر الشايب وصالح الزغيدي.. ولم يفهم البعض سبب وجود هذه القائمة وسئل الزغيدي وقتها لماذا ترشح ورفاقه الثلاثة خارج قائمة الاتحاد ففسر لهم أن قائمتهم هي أيضا قائمة اتحاد الشغل.. وذكر أنهم فوجئوا بالنتائج الباهرة التي حققها أربعتهم خلال تلك الانتخابات حيث حصلوا على ما بين 100 و149 صوتا..
وأضاف «بالنسبة لجامعة البنوك والتأمين يبدو لي أننا أدخلنا شيئا جديدا فقد كنا نحن أول من استدعى الشيخ إمام ونظمنا عشر حفلات في سوسة وقابس والقيروان وتونس وغيرها وقد تم منعه في البداية في المطار وعاد لمصر لكن بعد القيام بمساع لدى بورقيبة تم قبوله ورجع لتونس وقدم حفلاته الناجحة».
وفيما يتعلق بمؤتمر سوسة1989 فقد كان على حد قول صالح الزغيدي «مؤتمر المنعرج» ..
وفي هذا الصدد يمكن التأكيد على أن العمل النقابي كان حظيرة متواصلة وخلية نحل لا تهدأ.
سعيدة بوهلال
(المصدر: جريدة الصباح التونسية الصادرة يوم 14 ماي 2006)
الصادق شعبان في نادي «كتب وقضايا»:
البناء الديمقراطي مسار متحرك… وتونس نجحت في ترسيخ ديمقراطية البرامج
* تونس ـ الشروق:
وسط حضور كبير من المثقفين والاعلاميين والمحامين والجامعيين استضاف نادي كتب وقضايا بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون، الأستاذ الصادق شعبان الوزير المستشار، المدير العام للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية لتقديم كتابه الجديد من «ديمقراطية المعتقدات الى ديمقراطية البرامج، البناء الديمقراطية في تونس»، وأكد الاستاذ رضا الملولي المشرف على النادي أهمية هذا الكتاب في دعم المكتبة الفكرية والسياسية في تونس وبين ان الديمقراطية مسار لا يتوقف رغم صعوبة الانتقال من ديمقراطية المعتقدات الى ديمقراطية البرامج وذكر بما تعرض له المؤلف في كتابه بأن الرئيس زين العابدين بن علي نجح في ترسيخ معارضة حديثه في تونس تقطع مع صراع المعتقدات وتستند الى تنافسية البرامج بعيدا عن توريد النماذج الجاهزة التي تجعل من المتلقي خارج التاريخ واستعرض بعض محاور الكتاب التي ركّز فيها مؤلفها الاستاذ الصادق شعبان عن أهمية الوفاق الوطني في بناء ديمقراطية البرامج.
* خصوصية الواقع التونسي
ومن جهته تعرض مؤلف الكتاب الى خصوصية الطابع الديمقراطي التونسي في زمن أصبح يقاس فيه تصنيف الدول حسب نجاح مسارها الديمقراطي مؤكدا على أن الديمقراطية مسار متحرك لا ينتهي وقطعت تونس بقيادة الرئيس زين العابدين بن علي أشواطا متقدمة في البناء الديمقراطي القائم على التعددية والوفاق، وتجسم ذلك في المؤشرات الكمية حيث أشعت مشاركة المعارضة وتعدّد بتمثيل الأطراف السياسية في المجالس المنتخبة كما توسّعت الاختيارات أمام المواطن في تونس بفضل تنوع وثراء البرامج التي أصبحت تقدمها الاحزاب السياسية في المناسبات الانتخابية.
وقال الأستاذ الصادق شعبان ان أهم شيء في الكتاب هو التأكيد على خيار الرئيس بن علي في الانتقال من الصراع بين معتقدات كبّلت المجتمعات العربية الى تنافس حول برامج ملموسة وخيارات معروضة أمام المواطن تتعلق بحياته اليومية وتطلعاته في كل ما يهم ارتقاءه الاجتماعي، وخلص المؤلف على أن توسيع الاختيارات وتنويع البرامج الانتخابية ودعم القدرة على تسويق تلك البرامج للرأي العام هو السبيل للقطع أما الايديولوجيات والمعارك العقائدية التي تسعى الى تصفية الأطراف المقابلة ومن ورائها المكتسبات المحققة بدلا عن تثمينها ودعمها مثل بقية الدول المتقدمة ولم يستثن المؤلف ما أصبحت تمثله العولمة والفضائيات من تهديد للديمقراطيات الناشئة من خلال تسميم الأفكار ببرامج وخطابات محنّطة أو تشويهية للواقع العربي الراهن.
(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 14 ماي 2006)
وتستمر « الهيصة » و « التخميرة » …
بمناسبة انتخاب تونس عضوا بمجلس حقوق الانسان:
جمعيات صفاقس تحتفل بالحدث وتستحضر الإصلاحات الرائدة
* «الشروق» ـ (مكتب صفاقس):
احتفالا بانتخاب تونس عضوا بمجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة، وبحضور ممثلين عن أكثر من 300 جمعية ومنظمة، انتظم صباح أمس السبت بصفاقس لقاء ضخم بتنسيق من المنتدى الاجتماعي ونظيريه الاقتصادي والثقافي.
اللّقاء افتتحه الدكتور محمد أنور عشيش بوصفه منسق المنتدى الاجتماعي وإليه تنسب أكبر الجمعيات وأنشطتها بصفاقس، وأبرز المتحدث في مداخلة قيمة أن تونس التغيير جعلت من حماية حقوق الانسان والنهوض بها في صدارة اهتماماتها إذ اتخذت تحت قيادة الرئيس زين العابدين بن علي سلسلة من المبادرات الرامية إلى النهوض بحقوق الانسان السياسية منها والمدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
واستنادا إلى بعض الأرقام والاحصائيات والتحاليل، بين الدكتور عشيش ان تونس تتبوأ مكانة عالمية مرموقة في مجال التعددية والديمقراطية والحق في العمل النقابي وحماية الحقوق المدنية والحرية الدينية وغيرها من المجالات التي ترجمتها الأمم المتحدة في انتخاب تونس عضوا بمجلس حقوق الانسان.
وأبرز المتحدث ان تونس التي تعد أكثر من 9 آلاف جمعية عشرها فقط بصفاقس، تتمتع في عهد التغيير بمناخ سياسي ديمقراطي ومتفتح يشجع المواطن التونسي على الانتماء للعمل الجمعياتي الذي اعتبره المتحدث شريكا فاعلا وعنصرا ضروريا في مسيرة التنمية والتقدم والرقي.
ومن ناحيته أبرز الدكتور أحمد الرقيق ـ عن المنتدى الثقافي ـ أهمية العمل الجمعياتي في بناء تونس الغد بناء متناغما ومتكاملا، وبعد أن عدد القوانين التي تحمي حقوق الانسان، خلص الدكتور الرقيق إلى تحليل أبعاد الجائزة الرئاسية لحقوق الانسان التي تسند إلى الشخصيات والمنظمات والمؤسسات والأشخاص الذين يتميزون بمساهمتهم البارزة في النهوض بحقوق الانسان ونشر ثقافتها على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي.
وقبل أن تحال الكلمة للحضور للمناقشة وابداء الرأي، أبرزت السيدة اكرام مقني ـ عن المنتدى الاقتصادي ـ أبعاد فلسفة التغيير في مجال النهوض بالاقتصاد الوطني والأخذ بأيدي المحتاجين من المواطنين والعمل على النهوض ببعض المناطق من البلاد مبينة ان تونس التغيير تسعى إلى تأمين تمتّع كافة مواطنيها بحظوظ متساوية للاستفادة من ثمار التقدم والازدهار بكيفية عادلة.
* راشد شعور
(المصدر: صحيفة الشروق التونسية الصادرة يوم 14 ماي 2006)
التطبيع بين ليبيا والولايات المتحدة.. إلى أين؟
رشيد خشانة – تونس
على رغم أن تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة يشكل قُـطب الرحى في سياسة الإنفتاح الشاملة التي تسلكها ليبيا منذ قبلت تسوية ملف « لوكربي »، وتفكيك ترسانتها من الأسلحة غير التقليدية، مازالت عناوين هذه العلاقة ملتبسة ومتضاربة. وفي ظل استمرار التشدد الأمريكي، يظهر الليبيون مرونة كبيرة في التعاطي مع واشنطن..
فواشنطن مصرة على رفض ترفيع مستوى العلاقات الدبلوماسية التي مازالت في مستوى « القائمين بالأعمال » منذ 28 يونيو 2005 إلى مستوى سفارة، وهي تمانع في شطب اسم ليبيا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، لكنها ترسل الوفود تِـلو الوفود إلى ليبيا لتطوير العلاقات السياسية والتجارية والأكاديمية، وتسمح للمجموعات النفطية، خصوصا شيفرون وأوكسيدنتال وأميرادا هيس، بمعاودة التنقيب عن النفط في ليبيا بعد غياب استمر عقدين، بل والمساهمة في تحديث المنشآت النفطية التي تداعت بفعل 18 عاما من العقوبات الدولية.
خيبة أمل
عندما كان وفد الكونغرس الأمريكي يغادر خيمة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي يوم الأحد 16 أبريل الماضي، أدرك هذا الأخير أن المصالحة مع واشنطن بالصيغة التي كان يتمناها، مستحيلة في الأمد المنظور، على الأقل في ظل الإدارة الجمهورية الحالية.
ومع ذلك، أظهر الوفد الذي ضمّ أعضاء من مجلسي الشيوخ والنواب مرونة لم يسمع الليبيون مثيلا لها حتى الآن، إذ قدم النواب (وهم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي) ما يُـشبه الاعتذار المُبطن عن الضربات الليلية التي وجّـهتها قاذفات أمريكية لمواقع في مدينتي طرابلس وبنغازي في عهد رونالد ريغن في مثل ذلك اليوم من عام1986، ردا على تفجير ملهى في برلين الغربية يرتاده بحارة أمريكيون، والتي أدّت إلى مقتل أربعين ليبيا بينهم ابنة القذافي بالتبنّـي هناء.
وأبلغ النواب القذافي صراحة أنهم حرصوا على زيارة ليبيا في الذكرى العشرين للغارات، معبّـرين عن رغبة واشنطن في تحقيق المزيد من الخطوات على الطريق التي بدأت تشهدها العلاقات الثنائية منذ إلغاء العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على ليبيا.
لكن رغم الكلام الجميل الذي سمعه القذافي، لم يستطع انتزاع وعد برفع اسم بلده من قائمة البلدان الداعمة للإرهاب، ولم يختلف الجواب الذي قدمه النواب عن الموقف الذي أعلنه قبل يوم واحد في واشنطن شون ماكورماك، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مشيرا إلى أن على ليبيا « القيام ببعض الواجبات طبقا لما تقتضيه القوانين والإجراءات التي تُحدد وضع الدولة التي تنبذ الإرهاب ».
وسُـئِـل ماكورماك فورا عن طبيعة « الواجبات » التي عناها، غير أنه رفض الإجابة مكتفيا بالقول « ليس بإمكاني تحديد السبب (لتأجيل التطبيع الكامل للعلاقات الثنائية)، لكن لا يوجد تغيير في الوضع القائم ».
وما أخفاه المتحدث عن الإعلاميين، وضعه أعضاء الوفد على مائدة القذافي، وهي رسالة مفادها أن أمريكا لن تقطع أي خطوة جديدة في اتجاه ليبيا ما لم تتوَخّ الأخيرة المرونة اللاّزمة في موقفها من إسرائيل، وتدعم صراحة مسار التسوية السلمية في الشرق الأوسط.
وأكد الوفد للقذافي أن أي خطوة في هذا الإتجاه سترد عليها الولايات المتحدة بخطوة إيجابية، كما أن أي تعبير عن حسن النية سيُقابل أيضا بمثله من الجانب الأمريكي.
وكان الليبيون لوّحوا بإمكان دعوة إسرائيليين ينحدرون من أصول ليبية لزيارة البلد، وبدءوا يهيئون إجراءات تُتيح لأسر اليهود الليبيين الذين هاجروا إلى فلسطين استعادة العقارات التي تركوها، إلا أن مصادر مطّـلعة أكّـدت أن تلك الإعلانات كانت لمجرد ترضية الأمريكيين.
والثابت، أن الحكومة الليبية مازالت ترفض إقامة علاقات مع إسرائيل، وهو الشرط الأدنى، على ما يبدو، لقبول أمريكا بالتطبيع الكامل للعلاقات الثنائية.
وكان بشير بن يحمد مدير مجلة « جون أفريك » (Jeune Afrique)، التي تصدر من باريس، نقل في عام 1999 عن مسؤول أمريكي كبير لم يُسمـَه، أن الولايات المتحدة غير متحمّـسة اليوم ولا غدا لتطبيع العلاقات مع ليبيا، لأن الأخيرة ليست بلدا نفطيا رئيسيا، ولقلة ثقة واشنطن بالقيادة الليبية.
وأفاد بن يحمد أن المسؤول الأمريكي أوضح له أن الشرط الوحيد للقبول بعلاقات متطورة مع ليبيا، هي اعترافها بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها. والظاهر، أن هذا الموقف لم يتغير، على رغم حلول الجمهوريين محل الديمقراطيين، في البيت الأبيض.
إشارات ليبية
في مقابل التشدد الأمريكي، أظهر الليبيون مرونة كبيرة في التعاطي مع واشنطن، ليس فقط خلال الاجتماعات الرسمية، وإنما أيضا من خلال استثمار بعض المناسبات لتوجيه رسائل حُـسن نية للطرف المقابل.
وكان لافتا أن عائشة، نجلة العقيد القذافي (30 عاما) التي دخلت أخيرا القفص الذهبي، بادرت إلى إقامة حفلة فنية كبيرة في طرابلس بالاشتراك مع أخيها محمد القذافي، أمين الهيئة العامة للمعلومات والاتصالات، واختارا أن تتزامن مع الذكرى العشرين للغارتين الأمريكيتين على طرابلس وبنغازي.
وتحوّلت الحفلة إلى إطار لمصالحة رمزية ليبية – أمريكية على أنغام الأوبرا والروك. فقد حرصت عائشة، التي يصفها الإعلام الغربي بـ « كلوديا شيفر ليبيا »، على أن تبدأ الحفلة في ساعة متأخرة كي تتزامن مع ساعة الغارة، لكنها دعت الفنان الأمريكي ليونال ريتشي، ومغني الأوبرا الإسباني خوزي كاريراس للمشاركة فيها.
ومع أن المرأة الليبية لا تتكلم عادة في الحفلات، فقد ألقت عائشة خطابا قصيرا قالت فيه: « اليوم نُضمَـد جراحنا، إلا أننا لن ننسى… »، مُضيفة « لنرفع معا راية السلام ولا للدمار ».
وتُعتبر عائشة لسان حال والدها الذي تتشبه به كثيرا، والذي صرح لدى رحيل ريغن في يونيو عام 2004 أنه يأسف، لأن الرئيس الأمريكي الأسبق رحل دون أن يُحاكم عما وصفه بـ « جريمته ضد الأطفال الليبيين ».
غير أن الحكومة الليبية قبلت في عام 2004 تحمَـل المسؤولية المدنية عن تفجير برلين، ودفعت تعويضات قـُدَرت بـ 35 مليون دولار لأكثر من ضحية في تلك الحادثة، وإن ظلت تنفي تبنيها للهجوم.
وربما جاز القول أن القذافي يسعى الآن لاستخدام السلاح نفسه، أي سلاح التعويضات ضد الإدارة الأمريكية. فقد طالب أخيرا في ذكرى الغارات باعتذار رسمي وعلني من الولايات المتحدة، وبدفع تعويضات للضحايا الذين سقطوا في القصف، غير أن الأمريكيين ليسوا في وارد التجاوب مع هذا الطلب، وهم يعلمون أن النظام في ليبيا بحاجة إليهم لتغيير صورته في العالم.
وتندرج في سياق هذا الهدف، الخطوات التي قامت بها ليبيا والمتمثلة في قبول تحمل المسؤولية ودفع تعويضات عن تفجير طائرتين، واحدة أمريكية فوق مدينة لوكربي في سكوتلاندا عام 1988، والثانية فرنسية فوق صحراء النيجر عام 1989، وكذلك تفكيك برامجها النووية والكيماوية والبيولوجية، والتوقيع على بروتوكولات إضافية مع الوكالة الدولية للطاقة النووية.
كما قدمت ليبيا المساعدة لواشنطن في ما يُـسمى بـ « الحرب على الإرهاب » خلال السنوات الماضية، من دون أن يُعرف على وجه الدقة نوع المساعدة وحجمها.
لكن تلك الخطوات لم تشفع لليبيا كي يُرفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لا بل أضاف الأمريكيون شروطا جديدة، من بينها الإفراج عن الممرضات البلغاريات المعتقلات في ليبيا بتهمة إعطاء حقن الأيدز لأطفال ليبيين في مستشفى بنغازي، وتخلي القذافي عن إصراره على توحيد القبائل الإفريقية ضد الغرب وتحت راية الإسلام.
وأفادت مصادر غربية أن واشنطن انزعجت، مثل عواصم غربية أخرى، من مبادرة الزعيم الليبي تجميع قيادات إسلامية كثيرة الشهر الماضي في تومبوكتو شمال مالي (اختيرت عاصمة ثقافية إسلامية لعام 2006) بمناسبة المولد النبوي الشريف، وقد دعاها إلى الوحدة في مواجهة الهجمات الغربية التي جسّـدتها الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول.
قصارى القول، أن أمريكا تضع حواجز كثيرة ومعقدة أمام التطبيع الكامل للعلاقات مع ليبيا، وهي ليست مستعجلة لاستكمال شروط التطبيع، على عكس الليبيين الذين يرون في ذلك جواز مرور ضروريا لمعاودة إدماجهم في المجتمع الدولي. وعليه، فالأرجح أنّ شدّ الحبل حينا وإرخاءه أحيانا أخرى، سيظلان عنوان العلاقات الثنائية في المرحلة المقبلة أيضا.
(المصدر: موقع سويس إنفو بتاريخ 13 ماي 2006)
الفكر … المستقيل؟ المتشعب؟
الأعمال الكاملة لألبير كامو عن « لابلياد » في باريس الجزائر تعيد اكتشافه من جديد
أنا مع التدوير ولست مع توطين العلماء..
المفكر برهان غليون:
** المثقف العربي اليوم لا يمتلك موقفا معرفيا صلبا ورئيسيا
** نحن نستورد التقنية ولا نستورد العقل التقني
** أنا شديد التفاؤل بمستقبل قناة الجزيرة للأطفال.. ولن أتردد في الدفاع عنها في أية مناسبة
حوار: حسن مرزوقي (*)
يمثل الدكتور برهان غليون أحد الأصوات العربية الفكرية الرصينة التي تحاول أن تقف على الاشكاليات الكبرى للعالم العربي لتفكيكها تفكيكا علميا مبنيا على مناهج العلوم الإنسانية. خاصة مناهج علم الاجتماع السياسي. وهو من الذين يؤمنون بأن عملية التحديث في العالم العربي يجب أن تكون شاملة وما الواجهة السياسية للتحديث التي كثيرا ما تشغل المثقف العربي إلا تجلٍ من تجليات العملية التحديثية وليست كل العملية.
برهان غليون زار الدوحة أكثر من مرة لتقديم محاضرات وبسط أفكاره ولكن هذه المرّة كانت الزيارة مختلفة قليلا فهي تجمع بين الغاية المعرفية النظرية والحلول التطبيقية للنهوض بتلك الغاية النظرية. وهي غاية تحاول أن تجيب عن سؤال ملح تطرحه هذه النجوة وهو: كيف يمكن للعرب أن يستفيدوا من أبنائهم العلماء المهاجرين. كيف لأمة أن تسترجع أبناءها وكيف للأبناء أن يثقوا بأمّهم التي باعتهم طوعا أوكرها.؟ وعلى هامش الندوة التي عقدت في الدوحة من 24 إلى 26 ابريل الماضي وجمعت العلماء العرب المغتربين. التقينا الدكتور برهان غليون المفكر السوري المعروف ورئيس قسم دراسات الشرق الأوسط والعالم العربي في جامعة السوربون التي يدرّس فيها منذ أكثر من عقدين علم الاجتماع السياسي للعالم العربي.
** حديثك عن المشروع الحضاري يجرنا إلى الحديث عن المشوار الأساس الذي جئت من أجله إلى الدوحة لنتحدث أولا عن طبقة العلماء ودورهم في هذا المشروع. فهل نمتلك فعلا طبقة علماء فاعلة في مجتمعنا العربي المعاصر كما كانت فاعلة في تاريخنا؟
– من المعلوم أن طبقة العلماء لاسيّما الفقهاء كان لها دور في بناء المجتمع العربي الإسلامي وتمتين سلطة رجال السياسة أحيانا وتقويضه أحيانا أخرى. اليوم تراجع دور العلماء أمام دور السلطة السياسية التي أحكمت قبضتها على المؤسسات العلمية بالتمويل والتوجيه والمراقبة لذلك اليوم نتحدث عن مؤسسات علمية وليس عن طبقة علماء.
** وعلماؤنا في المهجر أيضا؟
– هؤلاء كذلك ليسوا طبقة هم باحثون موزعون في جميع أنحاء العالم ومرتبطون بمؤسسات علمية هي التي صنعت مستقبلهم العلمي وهم من جهة أخرى منخرطون في النسيج العلمي والاجتماعي في المجتمعات التي يقيمون فيها. أغلب هؤلاء لا يرتبط ارتباطا مهنيا أو بحثيا بأوطانهم بل قد يفقد كل مؤهلاته العلمية لو يعد إلى وطنه. فهم ليسوا طبقة بالمعنى الاجتماعي ولا ينخرطون في النسيج الاجتماعي في البلاد العربية.
** كيف يمكن الاستفادة من هؤلاء. وما رأيك في هذا المشروع الذي تبنته دولة قطر في احتضان هؤلاء والاستفادة منهم؟
– بالطبع هذه تجربة ممتازة ورائدة وتنم عن وعي بقيمة العلم والعلماء. وفي الحقيقة الجهود التي باتت تقوم بها دولة قطر ومجهودات سمو الشيخة موزة ومراهناتها على العلم وإرساء المشاريع العلمية والثقافية الكبرى كالقرية التعليمية و في داخلها قناة الجزيرة للأطفال. وتخصيص كما سمعت بئر من النفط لتمويل البحث العلمي. كل هذا في الحقيقة يشجع البحث والتطوير.
بالنسبة إلى هذا المؤتمر بالذات أظن أنه فكرة رائدة وفي حاجة إلى تطوير. فالمسألة ليست مجرد الاستفادة من خبرات علمية، فهذا ممكن ومن السهل انتداب خبراء وعلماء من جميع الجنسيات. المسألة هي أننا نستفيد بخبراء لهم ولاء حضاري لهذه الأمة مهما ساءت علاقاتهم بالحكام. وهؤلاء يمتلكون مميزات لا نجدها عند الخبير الأجنبي أولا اللغة العربية وهذا مهم جدا في تواصل هؤلاء العلماء مع الباحثين الشبان لأن لغة أي شعب هي الأكثر قدرة على تثقيف ذلك الشعب من لغات أخرى مهما هيمنت عليه لغات أخرى ولكن هذا لا يعني أننا سنتخلى عن تلك اللغات الأخرى لأن العربية للأسف لم ينهض بها أهلها كي تصير لغة العلم المعاصر ونؤكد دائما أن القصور ليس في اللغة وإنما في مستخدميها. الميزة الثانية أن علماءنا العرب أكثر فهما للثقافة العربية وحاجياتها، بالتالي لا يصبح الدرس الذي سيقدمه هؤلاء أوالخبرة التي سيأتون بها مجرد سلعة تباع في كل المناطق وقد تصلح لمناخ دون آخر وإنما سيحاول هذا العالم أن يرتب أولويات درسه (لا نقصد بالدرس المفهوم المدرسي وإنما هو الرسالة العلمية المقدمة) فكونه خرج من هذه الثقافة ودائم الاتصال بها فإنه بحكم خبرته العلمية يمكن أن يفرّق بين الحاجيات العلمية المستعجلة وغيرها مما يمكن تأجيله. الاستفادة الثالثة لأنهم تلقّوا أحدث المعارف في جامعات متطورة، بالتالي فإن اللغة والثقافة العربيتين ستجعلان من هؤلاء وسيطا ممتازا للمعرفة أحسن من غيرهم من الخبراء والعلماء الأجانب.
** ما المطلوب؟ هل المطلوب « توطين هؤلاء » في عالمنا العربي الذي كلنا يعرف مستوى جامعاته؟
– أولا هؤلاء لن يرضوا بالتوطين لأنهم كما ذكرت مرتبطون بمؤسسات بحثية كبرى ذات سمعة عالمية وهذه المؤسسات تتجدد فيها المعرفة كل يوم وبُعدهم عنها يعني أنهم سيفقدون أهم شيء جعل منهم علماء وهو التجدد المعرفي. ثم إن الواقع العربي لا يمكن أن يستوعب ما يحتاجه هؤلاء من إمكانيات كالمخابر الضخمة وغيرها علاوة على البنية البيروقراطية في مؤسساتنا وأهم شيء أنهم سيفقدون الحرية التي كانوا يتمتعون بها هذا لو افترضنا أن الامتيازات المادية متقاربة. لذلك اقترحت أن يتم تنظيم الاستفادة من هؤلاء في شكل أساتذة زائرين تستفيد منهم كل الجامعات العربية فيقضي الواحد منهم شهرين أو ثلاثة في جامعة عربية يشخّص وضعها في ذلك الاختصاص طبعا بالاستعانة بالخبراء المحليين ثم يقدم مشروعه ويبدأ بالأولويات الملحّة ويؤطّر باحثين ويرحل ثم يعود مرة أخرى لتقديم دروس أخرى وهنا يتم نوع من التراكم. طبعا هذا التدوير لعلمائنا عبر الجامعات العربية لا بد أن تتضافر فيه عدة جهود مع الموارد المادية ولكن أهمها الموارد البشرية وقد اقترحت تكوين صندوق عربي تدعمه خاصة الدول الخليجية التي تستفيد من هذه الطفرة النفطية وهي إذا نجح المشروع ستستفيد من الباحثين من الشباب العربي الذين يمكن أن يتدرّبوا على يد هؤلاء العلماء. ثم لا بد من قرار سياسي جريء يفتح الأبواب لهؤلاء فلا يحاسبون على أفكارهم السياسية. لذلك هناك من يقترح أن تقام مراكز عربية في أوروبا وأمريكا للاعتناء بالنوابغ العرب ودعمهم وتجميع الخبرات العربية هناك حيث تتوافر الإمكانيات العلمية وحيث العلم جزء من الحراك الاجتماعي ومن ثمّ تكون الاستفادة منهم هنا أنجع. فالصين استفادت كثيرا من علمائها في الخارج الهند كذلك. لذا فإن التفكير في توطين العلماء المهاجرين في الوطن العربي سيفشل في رأيي المشروع.
** ما المقصود بأن العلم جزء من الحراك الاجتماعي و الاقتصادي الغربي؟
– تاريخ الغرب تاريخ ثورات علمية واجتماعية وسياسية ودينية. هذه الصبغة التاريخية لهذه المجتمعات أفرزت نسقا حياتيا معقدا. فمنذ الثورة الصناعية تغير نمط العمل ونمط النظام الاجتماعي والمؤسساتي وتكونت أقطاب صناعية كبرى ومؤسسات اقتصادية ضخمة تحكمت في الفرد والجماعة وصنعت لنفسها فضاء من الحرية يتناسب مع حرية التبادل الاقتصادي. لو بحثنا في المحرك الأول لهذه الانجازات لوجدنا أن العلم كان دائما مسرّعا لها. وقد وصلوا منذ زمن إلى قناعة ترسّخت في اللاوعي الجمعي والفردي مفادها أن العلم هو الطريق الأول للتأسيس والنجاح ومن ثم أصبح مطلبا اجتماعيا فنهضت هذه المجتمعات حينما نهضت علميّا ثم هو مطلب اقتصادي فرضه نمط الاقتصاد الصناعي الذي أصبح في حاجة دائمة إلى العلماء والخبراء يكوّنهم ويستفيد منهم وإذا عثر عليهم خارج الحدود يستدعيهم. بالتالي فمن الأفكار السائدة عندنا أننا بالحرية السياسية يمكن أن نطور علمنا، صحيح أن الحرية مهمة جدا في ذلك ولكن ما لم نصنع نمطا اقتصاديا واضحا وقويا يعتمد التصنيع فلن نخلق فضاء اجتماعيا يكون فيه العلم مطلبا اجتماعيا. الاتحاد السوفييتي لم تكن فيه حرية سياسية كما وجدت في الغرب ولكن النظام الاقتصادي الصناعي طور العلم وجعله حاجة وطنية نعم سقط الاتحاد السوفييتي كنظام سياسي ولكن بقي محافظا إلى حدّ كبير على النشاط العلمي قد يكون أقل جودة ولكنه مهم الصين كذلك. لذلك المشروع المطروح في قطر قد يحقق نتائج طيبة بمرور الوقت لكنه سيظل في تقديري قاصرا عن إحداث نهضة علمية كما نرغب فيها ما لم تصاحبه تحولات في نمط الاقتصاد ونمط المؤسسة السياسية والتشريعية والتربوية وغيرها، حينها يمكن أن نقول إن العلم أصبح مطلبا اجتماعيا واقتصاديا لأن شخصية الخبير أصبحت جزءا من النسيج الاجتماعي مثله مثل السياسي وصاحب رأس المال وغيرهم من الذين يسيطرون الآن على مصائر الشعوب في عالمنا العربي.
** ولكن نحن الآن جزء من هذا الحراك ونعتقد أننا منخرطون فيه لا سيما في ما يسمى بمجتمع المعلوماتية الذي حوّل العالم إلى قرية صغيرة؟
– إذا قصدت بانخراطنا في الثورة العلمية العالمية فهذا أمر طبيعي باعتبارنا جزءا من هذا العالم ومصيرنا مرتبط به وفي تبعية تامة وفي النهاية هذا ليس عيبا بل بالعكس هذه حتمية تاريخية. المشكل أننا نستورد التقنية ولا نستورد العقل التقني نستورد الصناعة ولا نستورد نظام الاقتصاد الصناعي نستورد الكمبيوتر ونتعامل معه كآلة بشكل براغماتي مثله مثل السيارة أو الهاتف الجوال بل نلاحظ أن شبابنا يجيد استعمال هذه التقنية ولكن لا نستورد البعد الحضاري والفلسفي لهذه التقنية أي إذا ما اعتبر بعضهم الثورة المعلوماتية ثورة جوهرية في المجتمعات التي أنتجتها فإننا لا نلاحظ أثرا عندنا لهذه الثورة بمعنى آخر لا نمتلك عقلا جمعيا مدركا للتحولات الثقافية الكبرى لدور المعلوماتية. لذا توسعت المفارقة بين البنية الثقافية والاجتماعية المتخلفة وحجم المواد التقنية المستعملة. هل غيّر الكمبيوتر كثيرا من البيروقراطية الادارية الفجة في مؤسساتنا العربية هل إن إدخال الكمبيوتر إلى المدارس والجامعات غيّر المضمون العلمي والثقافي المتأخر والفلسفة التربوية القائمة على التلقين وحجب السؤال. يمكن أن نقول إن وزارات الداخلية وأجهزة المراقبة هي الأكثر استفادة من التقنية الحديثة. ولعل النقاش الدائر حول كيفية مراقبة الإنترنت يبيّن هذه المفارقة بين التقنية والعقلية المستوردة لها. طبعا لا نقصد إلغاء المراقبة نهائيا لأن هذه من وظائف المجتمع والدولة دائما ولكن نقصد كيفية التعاطي مع موضوع المراقبة.
** ثمة سؤال كلاسيكي وملح عن دور المثقف أو بالأحرى موقعه اليوم في لحظة تعالى فيها صوت الرصاص وهُمّشت فيه الأقلام؟
– المثقف اليوم لا يمتلك موقعا معرفيا صلبا قادرا على الإقناع به، إضافة إلى أنه لا يمتلك موقعا سياسيا ومؤسساتيا قويا ينطلق منه علاوة على الموقع الاقتصادي. فقد المثقف هويته الفكرية.
الواقع الثقافي اضطر الكثير من المثقفين إذا لم نقل جلهم إما إلى الانخراط في استراتيجيات الأنظمة الحاكمة والدخول في لعبة السلطة. فمنهم من دخل بحسن نية محاولا التغيير من الداخل ولكن ماكينة السلطة دهسته وابتلعته فأصبح مشرّعا للاستبداد تحدوه رهانات أخرى مختلفة عن رهاناته عندما كان خارج السلطة، وانظر إلى اغلب المسؤولين العرب من وزراء ومستشارين وغيرهم ستجدهم من المثقفين الكبار أو على الأقل اشتغلوا بالثقافة وأغلبهم كان يرفع شعار التحديث ومنهم من درّس أشياء في الجامعة على أنها من الأمراض الاجتماعية وبعد مدة ألفاه طلبته قد أصيب بنفس المرض. وفئة أخرى من المثقفين مالوا إلى التفكير الأصولي أوفلنقل استوعبهم خطاب الاسلام السياسي الذي أصبح يمثل المعارضة السياسية الحقيقية وأقول حقيقة بالمعنى الاجتماعي وليس بالمعنى الثقافي ولهذا الأمر أسباب كثيرة. مثلما أخفق المثقف في صياغة خطاب الثورة أخفق في صياغة خطاب التحديث.
** في كتاب الشيخ والمريد يطرح المفكر المغربي عبد الله حمودي سؤال استمرار الاستبداد في العالم العربي يطرحه بشكل مقلوب إن شئنا. فيقول لماذا رضيَت الشعوب العربية بالاستبداد في العصر الحديث ورفضته شعوب أخرى كان مستبدّوها أعتى وأشد كبعض الدول الإفريقية أو المعسكر الاشتراكي أو في آسيا وأمريكا اللاتينية. لماذا نلقي اللوم على المستبد دائما ولا نتحدث عن الشعوب التي بالأمس قاومت الاستعمار وماتت بشرف واليوم خيّرت الحياة بذلّة؟
– كلام حمّودي ليس دقيقا كلّه لأن هذه الشعوب لم ترض بالاستبداد باعتباره طبعا فيها وإنما هناك ظروف موضوعية جعلت الاستبداد يستمر مقارنة مع الشعوب التي ذكرْتها. ونلخّصها في ثلاثة أسباب خارجية. أولا الموقع الاستراتيجي لهذه المنطقة أهم بكثير من موقع إفريقيا أو غيرها وثانيا النفط فلا توجد منطقة في العالم أغنى من هذه المنطقة لأنها تمتلك النفط الذي إلى حد الآن عجزت الطاقة البديلة (كالطاقة النووية) عن إضعافه ثم ثالثا إسرائيل هذا الجسم الذي لا يمكن لأمريكا أن تفرّط فيه فحافظت عليه قويا في كل شيء ثم إن أوروبا تكفّر عن ذنبها فدلَّلته ومازالت. هذا الكيان الآن امتلك في حد ذاته حماية استراتيجية يكاد يستغني فيها عن أحلافه. هذه المعطيات الفريدة لهذه المنطقة جعلت الاستبداد أهمّ مؤمّن لمصالح هذه الدول. فالغرب كانوا جدّيين في تغيير الاستبداد في أوروبا الشرقية وجنّدوا كل إمكانياتهم لتحقيق ذلك. في حين مع العالم العربي أبقوا على الاستبداد وحافظوا على أركانه وفي نفس الوقت كان خطابهم مختلفا. بعد 11 سبتمبر أوهمت الإدارة الأمريكية العالم العربي أنها جدية هذه المرة في القضاء على الاستبداد. فأثارت زوبعة خطابية طالت الكثير من الدول كالعراق ومصر والسعودية وسوريا وليبيا وتونس.. تقريبا كل الدول العربية ولكن سرعان ما خبت بل وأعادت توطيد العلاقة وافتكاك التنازلات أكثر وأكثر. لأنها تعلم أن عدوها الأقوى والدائم هو الشعوب العربية.
** دكتور برهان في الحقيقة لا نريد أن نخرج معك من الحوار برؤية تشاؤمية تشعرنا بانسداد الأفق وغياب الحل وأنت كمفكر من مهمتك أن تشيع الأمل في نفوس الناس وكما قالها لنا ذات مرّة المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي إن المثقف اليوم لم تبق له سوى الوظيفة النفسية وهي إشاعة الأمل في نفوس الناس؟
– أنا لست متشائما ولكن تشخيص الوضع يفترض تفكيكا موضوعيا للمشاكل. بل على العكس أنا متفائل نظرا لما يحدث في العالم اليوم بما في ذلك العالم العربي. اليوم ضاقت الدنيا بالمواطن العربي وأصبح مدركا أن حاجز الخوف لا بد أن يزول وهذا الجيل من الشباب العربي فُتح له العالم أكثر من أسلافه صحيح قد تنقصه التجربة السياسية ولكنه يريد أن يعيش بكرامة ولا يريد أن يتّبع آباءه. المواطن اليوم بعد أن حوصر فكريا وسياسيا منذ زمن وثقافيا ودينيا الآن يحاصر معاشيّا. وسيصبح الخبز هو المحرّك. للأسف إننا لن نتحرك إلا إذا ضربنا في معاشنا أي في الجسد. ولكن هذا الحاجز المعاشي الذي تعدّته الأنظمة هو الذي سيحرك الشعوب وعندما ستتحرك ربما ستسترجع حصونها الفكرية والرمزية والسياسية كما فعلت كل الشعوب.
** قمت بزيارة قناة الجزيرة للأطفال. مارأيك في هذه التجربة الإعلامية الموجّهة إلى الطفل؟
– حقيقة سررت بهذه الزيارة التي ترفع المعنويات في هذه الحقبة التي يسيطر فيها التشاؤم على كل شيء في بلادنا العربية الحزينة. والذي دفعني إلى زيارتها مشاهدتي بعض برامجها من باريس. وقد اكتشفتها في إطار المساعي التي كنت أبذلها لأبقي ابنتي ذات الثماني سنوات على اتصال مع اللغة العربية. وكنت قد يئست من إقناع ابنتي عن الكف عن مشاهدة برامج الأطفال التي تعرضها القنوات الفرنسية فقط والاهتمام ببرامج الأطفال التي تبثها القنوات العربية نظرا للفرق الشاسع بينها في النوعية ومراعاة حاجات الأطفال وأذواقهم مما يدفع إلى إعراض الأطفال عن الكثير من القنوات العربية.
لكن مفاجأتي السارة جاءت عندما اكتشفت مدى تجاوب ابنة الثماني سنوات مع قناة الجزيرة للأطفال وتعلقها فقد وجدتها لا تقل جودة عن القنوات الأجنبية. وهي فخورة بها الآن وتتحدث عنها أيضا إلى زملائها في المدرسة.
وهكذا قبل أن أزور القناة، كانت لدي فكرة ايجابية عنها. لكن زيارتي عززت هذا الانطباع ورسّخته. وتأكدت من حديثي مع رئيس القناة ومدير برامجها والمسؤولين فيها من الحوافز التربوية العميقة التي تكمن وراء إنشائها. وسرّني ما شاهدته من حيوية وبساطة وإبداعية عند جميع من قابلتهم من العاملين فيها ومعدّي برامجها ومخرجيها. وأنا شديد التفاؤل بمستقبلها.. ولن أتردد في الدفاع عنها في أي مناسبة.. وسبب تفاؤلي هو أنها تعتني بجيل الأطفال الذين تجاهلتهم كل مشاريع الثورة ثم الاصطلاحات العربية في الوقت الذي تشكل تنشئتهم القاعدة الأساسية في كل عملية إعادة بناء لنظم التربية والتعليم والمجتمع في الوقت نفسه. ولا تأسيس على قاعدة فاسدة. والتنشئة العربية للأطفال لا تزال تثير الكثير من المشاكل والتساؤلات، سواء ما تعلق منها بالتنشئة المنزلية أو المدرسية أو الدينية أو المجتمعية. وإذا كان هناك إصلاح للوضع العربي فينبغي أن يبدأ بالفعل من العناية بالطفل.
لكن لا يقل عن ذلك إثارة للتفاؤل ما سمعته من المسؤولين فيها من اهتمام عميق بالقضايا التربوية والإنسانية والوطنية التي تطرحها تنشئة الأطفال العرب. ولحسن الحظ لم تدخل القناة في إطار المنافسة التجارية، وآمل أن تبقى مفتوحة مجانا لجميع الأطفال العرب حتى يستطيعوا متابعة برامجها من دون تكبد نفقات إضافية من المحتمل ألا يكون الأهل قادرين عليها.
باسم العرب جميعا أريد أن أقول شكرا لجميع أولئك الذين فكّروا في إنشاء هذه القناة وتمويلها وتصميمها وكذلك لجميع أولئك الذين يسهرون فيها على سعادة الأطفال وتربيتهم والترويح عنهم.
في الحقيقة يمكن القول إن هذه تجربة واعدة ويمكن أن ننتظر منها الكثير. لأنها ستتوجه إلى مستقبل هذه الأمة وهم أطفالها لعلهم يقيلون عثرات آبائهم. فلعل قناة الجزيرة للأطفال تساهم من جانبها في بناء مشروع حضاري شامل يهدف إلى تحديث هذه الأمة وفكرها بتنمية ثقافة الحوار وقبول الاختلاف ومحاورة الآخر. وكل هذه الأمور يجب ألا تبقى مجرد شعار وإنما يجب أن نترجمها في سلوك اجتماعي ومواقف فكرية وخطاب ثقافي. والإعلام بصفة عامة وإعلام الطفل بصفة خاصة يجب أن يساهم مع مؤسسات اجتماعية أخرى في مشروع التحديث هذا.
(*) باحث تونسي
(المصدر: صحيفة الشرق القطرية الصادرة يوم 7 ماي 2006)
مهرجان في كردستان
« لا تجديد للقومية العربية بدون ديمقراطية »